logo
تطبيع العنف السياسي في أميركا ترامب

تطبيع العنف السياسي في أميركا ترامب

الغدمنذ 2 أيام
اضافة اعلان
إيريك لويس - (الإندبندنت) 29/6/2025من محاولات اغتيال الرئيس الأميركي الحالي إلى مقتل النائبة "الديمقراطية" ميليسا هورتمان وزوجها، يشهد العنف السياسي في الولايات المتحدة تصاعداً ملحوظاً وخطيرًا يترافق مع خطاب تحريضي يصدر في معظمه عن اليمين الأميركي، وعلى رأسه الرئيس دونالد ترامب. يحدث ذلك وسط محاولات لتبريره أو السخرية منه، في ظل صمت رسمي و"جمهوري" مقلق وتطبيع متزايد لهذا النوع من القمع في المؤسسات والمجتمع.***لطالما كان العنف السياسي حاضراً منذ نشأة السياسة نفسها. وقد مارسه كل من اليسار واليمين ضد الأعداء السياسيين -لا باعتباره انحرافاً عرضياً، بل كسمة طبعت الحركات السياسية الراديكالية.وكان فلاديمير لينين (الزعيم الثوري المؤسس للاتحاد السوفياتي) قد طور علماً قائماً على الإرهاب، معتبراً العنف أداةً لا بد منها لإسقاط الدولة. أما الزعيم النازي أدولف هتلر، فقال في كتابه "كفاحي"، إن "الشرط الأول والأساسي لتحيق النجاح هو الاستخدام الدائم والممنهج للعنف". وبالمثل، تبنى الزعيم الإيطالي بينيتو موسوليني -سواء كان ذلك في بداياته كاشتراكي أو بعد تحوله لاحقاً إلى الفاشية- العنف السياسي كأداة لا غنى عنها. وقد دأب المتطرفون على شيطنة خصومهم، والإصرار على الرد بالعنف، مبررين ذلك بأن الغاية تبرر الوسيلة.بذلك، لا جديد فعلياً في تصاعد العنف السياسي الذي بات جزءاً معتاداً وأكثر تجذراً في الحياة الأميركية. وعلى الرغم من أن قسماً كبيراً منه يستهدف "الديمقراطيين"، فإن "الجمهوريين" أنفسهم لم يكونوا في منأى عنه. فقد شهدت حملة الانتخابات الرئاسية للعام 2024 محاولتي اغتيال استهدفتا دونالد ترامب. كما تعرض السياسي ستيف سكاليس الذي يتولى اليوم زعامة الأغلبية "الجمهورية" في مجلس النواب، إلى إطلاق نار أثناء مباراة بيسبول في العام 2017.من الجدير بالملاحظة أن ما يُعرف بـ"غرف الصدى" على وسائل التواصل الاجتماعي" [حيث تعرض الخوارزميات للمستخدمين آراء متشابهة بحيث لا يسمعون سوى "صدى" أفكارهم]، إلى جانب سهولة الحصول على السلاح، يشكلان بيئة خصبة تستقطب طيفاً واسعاً من المهمشين وأصحاب نظريات المؤامرة والمتطرفين ذوي النزعات الألفية. لكن العنف السياسي يظل في جوهره، وفق أي مقياس موضوعي، عنفاً مضاداً للثورة. وفي الوقت الراهن، من الواضح أن هذا النمط من العنف تغذيه خطابات حركة "ماغا" من خلال تجريد الضحايا من إنسانيتهم وازدرائهم والسخرية منهم.في ولاية مينيسوتا، أقدم مسلح مؤيد لدونالد ترامب ومعارض للإجهاض، بعد أن تنكر في زي شرطي، على قتل ميليسا هورتمان، الرئيسة السابقة لـ"مجلس نواب مينيسوتا"، وزوجها مارك، بدم بارد. كما أطلق المهاجم نفسه 17 رصاصة على السنياتور الديمقراطي جون هوفمان وزوجته إيفيت، لكنهما نجيا بأعجوبة. حدث ذلك في ولاية يُطلق عليها تاريخياً لقب "مينيسوتا اللطيفة".وسارع أنصار حركة "ماغا" على الفور إلى توجيه اللوم نحو "الليبراليين". ونشر العضو في "مجلس الشيوخ" عن ولاية يوتا، السيناتور مايك لي، صوراً للمسلح مع تعليق جاء فيه: "هذا ما يحدث عندما لا يحصل الماركسيون على ما يريدون". وفي جملة واحدة قصيرة، روج السيناتور لي لمغالطتين: الأولى، أن القاتل كان معارضاً سياسياً لحركة "ماغا" ولم يكن مؤيداً لترامب، والثانية، أن المصدر الحقيقي للعنف هو الماركسيون والماركسية.قد تكون لدى الولايات المتحدة مشكلات كثيرة، لكن التمسك بمبادئ كارل ماركس، أو حتى الإلمام بها، ليسا من بينها. أما المنشور الثاني للسيناتور "الجمهوري" لي: "كابوس في شارع والتز (نُشر في الأصل مع خطأ إملائي)"، فكان محاولة ساخرة وغريبة لإلقاء اللوم على حاكم ولاية مينيسوتا، تيم والز، وكأنه هو المسؤول عن حادثة إطلاق النار.مع مقتل شخصين وإصابة اثنين بجروح خطرة، وتيتيم أطفال أصبحوا بلا والدين، وترويع مجتمع هادئ وتقدمي بفعل هذا العنف، جاء رد اليمين الأميركي بأن الليبراليين هم الذين يتحملون المسؤولية عن كل ما حدث. وبذلك لا داعي للاعتذار، أو حتى لإبداء التعاطف. بالنسبة لهؤلاء، الأمر لا يستحق الاهتمام. صحيح أن ترامب قال في البداية إنه لا مكان للعنف السياسي، لكنه سرعان ما خصص وقتاً ليؤكد أنه لن يتصل بحاكم ولاية مينيسوتا، تيم والز، لمناقشة ما جرى، لأنه -على حد تعبيره- شخص "فوضوي"، "يفتقر إلى الكفاءة"، وهو "حاكمٌ سيئ". وفق منطق ترامب، لا مكان للتعاطف. وحده العداء السياسي هو الذي يعلو على كل اعتبار.قبل أسبوعين فقط، تعرض السيناتور "الديمقراطي" أليكس باديلا للطرح أرضاً والاعتداء الجسدي، على يد عناصر تابعين لوزيرة الأمن الداخلي الأميركية، كريستي نويم. حدث ذلك لتجرئه على محاولة التحدث خلال مؤتمر صحفي في ولاية كاليفورنيا. وكان عناصر الحماية يدركون تماماً أنه سيناتور أميركي، حيث عرّف عن نفسه مرات عدة. وعلى الرغم من توثيق الحادثة بالفيديو، لجأت إدارة ترامب ببساطة إلى الكذب. ونُقل عن الرئيس الأميركي قوله إن باديلا -وهو ابنُ مهاجرَيْن مكسيكيين عملا في وظائف متواضعة ليتمكنا من إرساله للدراسة في "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" -"يبدو وكأنه مهاجر غير شرعي".اللافت أنه من بين 53 سيناتوراً جمهورياً في "مجلس الشيوخ"، لم يُعرب سوى اثنين من زملاء باديلا عن رفضهم لما جرى، فيما آثر الباقون الصمت. ولم تكن هذه حادثة منعزلة أيضًا. في أيار (مايو) الماضي، اعتُقل عمدة نيوارك، راس باراكا، ووجهت إلى النائبة لامونيكا ماكيفر تهمة الاعتداء الجنائي على عناصر "إدارة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك" وعرقلة عملهم. وفي الأسبوع الماضي فقط، تعرض براد لاندر، المراقب المالي في مدينة نيويورك، للضرب والاعتقال على يد عناصر الوكالة نفسها، لمجرد مطالبته برؤية مذكرة توقيف. يُشار إلى أن جميع هؤلاء هم من "الديمقراطيين"، وثلاثة منهم من ذوي البشرة الملونة.في العام 2022، عندما جرى اقتحام منزل رئيسة "مجلس النواب" آنذاك، نانسي بيلوسي، في محاولة لاغتيالها (لكنها لم تكن في المنزل) -أصيب زوجها الثمانيني، بول بيلوسي، بكسر في الجمجمة جراء ضربة بمطرقة. في البداية انتشرت شائعة لا أساس لها من الصحة في أوساط حركة "ماغا"، مفادها أن الحادثة نتجت عن لقاء مثلي انتهى بشكل عنيف، قبل أن تتحول القصة برمتها إلى مادة للسخرية.في المقابل، تحول ترامب إلى كوميدي ساخر حين قال: "سوف نواجه نانسي بيلوسي المجنونة، التي دمرت سان فرانسيسكو -كيف حال زوجها، هل يعلم أحد"؟ ولم يتوقف عند هذا الحد، بل أضاف: "هي تعارض بناء جدار على حدودنا، على الرغم من أن لديها جداراً حول منزلها -يبدو واضحاً أنه لم يجدِ نفعاً كما ينبغي".والآن، انضم دونالد ترامب الابن -النسخة المصغرة عن والده- إلى موجة السخرية، معيداً نشر صورة تظهر مطرقة وملابس داخلية وُصفت بأنها: "زي بول بيلوسي في عيد الهالوين".خلال أحداث السادس من كانون الثاني (يناير) الماضي، عندما اقتحم آلاف الأشخاص مبنى الكابيتول، وهتف بعضهم مطالباً بإعدام نائب ترامب آنذاك، مايك بنس، بينما اقتحم آخرون مكتب نانسي بيلوسي، بدا كل ذلك وكأنه جزءٌ طبيعي من المشهد. لساعات طويلة، امتنع ترامب عن التدخل لوقف الهجوم، بل نُقل عنه تلميحه إلى أن بنس ربما يستحق الشنق بالفعل. وحين عاد إلى السلطة، أصدر عفواً عاماً من دون تمييز، عن أكثر من 1.000 شخص من مقتحمي الكابيتول، بمن فيهم الذين تورطوا في أعمال العنف، واعتدوا على أكثر من 1.000 عنصر من الشرطة، وتسببوا بسقوط عدد من القتلى. في نظر ترامب، هؤلاء هم الوطنيون الحقيقيون.لطالما تم تغليف العنف السياسي ضد الأعداء المتصورين بروح السخرية -في مسعى إلى إقناع الناس بأنه لا داعي للقلق بشأن هؤلاء الضحايا، ولا على ما يجري في شوارع الولايات المتحدة أو داخل مؤسساتها الفيدرالية. ومع ذلك، يبقى الخطاب غير المسؤول الذي يحرض على العنف، أمراً مرفوضاً أياً كان مصدره على امتداد الطيف السياسي. وعلى عكس الاحتجاج السلمي، فإن هذا النوع من الخطاب لا يندرج ضمن حرية التعبير، بل يُعد جريمة صريحة.كما أن إلقاء اللوم على ضحايا العنف السياسي، أو التقليل من معاناتهم، أو التغاضي عن محاولات تطبيع الاستبداد من خلال تعويد الناس على تقبل مشاهد القمع، هي جميعها ممارسات لا تقل خطورة، وتستدعي القلق بالمقدار نفسه. إنها ببساطة ممارسات خاطئة، ولا شيء فيها يدعو إلى الضحك.*إيريك لويس: محامٍ بارز في مجال حقوق الإنسان وناشط قانوني يتمتع بخبرة واسعة في الدفاع عن ضحايا الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي، وقد ترافع في قضايا أمام محاكم أميركية ودولية تتعلق بالتعذيب، والاحتجاز التعسفي، وجرائم الحرب. يشغل عضوية مجلس إدارة صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، ويساهم في النقاشات العامة حول العدالة الدولية، وحرية الصحافة، ومساءلة الأنظمة الاستبدادية، كما يُعرف بمواقفه المدافعة عن مبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان في مواجهة سياسات القمع والحرب.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

باراك: رد لبنان على مقترحاتنا مُرضٍ ونزع سلاح حز.ب الله بيد الدولة
باراك: رد لبنان على مقترحاتنا مُرضٍ ونزع سلاح حز.ب الله بيد الدولة

رؤيا نيوز

timeمنذ 2 ساعات

  • رؤيا نيوز

باراك: رد لبنان على مقترحاتنا مُرضٍ ونزع سلاح حز.ب الله بيد الدولة

اتجهت الأنظار، اليوم الإثنين، إلى العاصمة اللبنانية، بيروت، مع زيارة المبعوث الأميركي الخاص توماس باراك، ولقائه الرئيس جوزيف عون، وهي الزيارة التي اتسمت بالأهمية بالنظر إلى استلام الرد اللبناني الرسمي على المقترحات الأميركية لنزع سلاح حزب الله. وقال المبعوث الأميركي إنه «راضٍ للغاية» عن رد الحكومة اللبنانية على مقترح واشنطن بشأن كيفية نزع سلاح حزب الله الذي أشار في الأيام القليلة الماضية إلى أنه لن يتخلى عن كل أسلحته. وأضاف باراك، خلال مؤتمر صحي عقب لقائه بالرئيس اللبناني جوزيف عون: «ما قدمته لنا الحكومة في فترة وجيزة جدا كان شيئا مذهلا، أنا راضٍ للغاية عن الرد». وتابع: «نريد من الحكومة اللبنانية أن تتعامل مع حزب الله وليس نحن»، مؤكدًا أن «حزب الله بحاجة إلى أن يرى أن هناك مستقبلا له». كما أكد باراك أن «المنطقة تتغير، وإذا لم يحصل التغيير في لبنان فسيتخلف عن الركب»، مشددا على أن «التغيير في لبنان يجب أن يبدأ داخليا، ولن نتدخل في شؤونه الداخلية». ونوه المبعوث الأميركي بأن «الفترة الحالية حرجة للبنان والمنطقة»، مؤكدا في الوقت نفسه أن «إسرائيل لا تريد حربا مع لبنان أو احتلال أجزاء منه». وفي ختام تصريحاته قال المبعوث الأميركي إن «الحوار بدأ بين سوريا وإسرائيل، وهناك حاجة لتحول جذري من جانب لبنان».

لبنان يرد بإيجابية على المقترح الأميركي لنزع سلاح حزب الله
لبنان يرد بإيجابية على المقترح الأميركي لنزع سلاح حزب الله

البوابة

timeمنذ 3 ساعات

  • البوابة

لبنان يرد بإيجابية على المقترح الأميركي لنزع سلاح حزب الله

أعلن توم باراك، مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى لبنان وسوريا، اليوم الاثنين، أن بيروت قدمت ردًا إيجابيًا ومسؤولًا على المقترح الأميركي الخاص بنزع سلاح حزب الله. جاء ذلك في مؤتمر صحفي عقده بقصر بعبدا عقب اجتماعه بالرئيس اللبناني جوزيف عون، حيث وصف باراك المرحلة التي يمر بها لبنان والمنطقة بـ"الحرجة"، داعيًا لبنان إلى اغتنام الفرصة وعدم التأخر في التقدم. وأكد باراك أن الرئيس الأميركي ملتزم بدعم بناء السلام والازدهار في لبنان، مشيرًا إلى أن هناك خطة مستقبلية قيد الإعداد تتطلب حوارًا داخليًا في لبنان. وأوضح أن المقترح الأميركي، الذي تسلمه لبنان في 19 يونيو/حزيران الماضي، يهدف إلى حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، مقابل انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية، ودعم إعادة الإعمار، وحل القضايا الاقتصادية، بالإضافة إلى ملف الأسرى اللبنانيين لدى الاحتلال. ورغم رفض حزب الله المتكرر لنزع سلاحه، فإنه أبدى استعدادًا لحوار داخلي حول استراتيجية الدفاع الوطني، حسبما أشار باراك، الذي رأى أن هناك مصلحة مشتركة بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي في ترتيب الأمور بينهما. كما أعلن أن الحوار بين سوريا والاحتلال الإسرائيلي بدأ، وأن جميع الأطراف تسعى للتوصل إلى اتفاق سريع. وأشار باراك إلى أن الأزمة في لبنان ليست إيرانية، بل نابعة من عجز اللبنانيين عن التوافق داخليًا، مؤكداً أن "الفرصة متاحة الآن أمام اللبنانيين لجعل بلدهم 'لؤلؤة الشرق' مرة أخرى". وكان باراك زار لبنان الشهر الماضي، مقدمًا مقترحات لتنفيذ ترتيبات أمنية تتعلق بوقف الأعمال العدائية التي أُقرّت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والتي أنهت مواجهة استمرت أكثر من عام بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي.

ترامب: سنفرض رسوم على الدول التي تتبنى سياسات بريكس
ترامب: سنفرض رسوم على الدول التي تتبنى سياسات بريكس

البوابة

timeمنذ 3 ساعات

  • البوابة

ترامب: سنفرض رسوم على الدول التي تتبنى سياسات بريكس

هدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 10% على أي دولة تتبنى سياسات مجموعة بريكس، واصفًا إياها بـ"المعادية لأميركا". اذ جاء ذلك ردًا على بيان قمة بريكس في ريو دي جانيرو التي انتقدت هذه الرسوم واعتبرتها تعسفية وتهدد التجارة العالمية. كما دعت القمة إلى وقف إطلاق نار في غزة ونددت بالهجمات على إيران.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store