
ترمب يرفض التفاوض ويطلب استسلاماً إيرانياً
أثارت تصريحات وتغريدات الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، الكثير من التساؤلات والمخاوف حول رسائله المتضاربة بشأن الصراع بين إسرائيل وإيران، فقد انتقل من مطالبة طهران باستغلال الفرصة للدخول في محادثات حول البرنامج النووي، إلى مطالبة سكان العاصمة الإيرانية بالإخلاء الفوري، إلى مطالبة إيران بالاستسلام الكامل والتخلي بشكل كامل عن برنامجها النووي، مشددا على أنه لا يمكن السماح لإيران بتطوير أسلحة نووية، مهدداً إياها بمواجهة هجمات أكثر تدميراً، رافضاً في الوقت نفسه عما إذا كانت بلاده ستتدخل عسكرياً في الحرب إلى جانب إسرائيل.
وبشكل مفاجئ، مساء الاثنين، اختصر ترمب مشاركته في قمة مجموعة السبع، في كندا، وعاد إلى واشنطن معلناً عقد اجتماعات مع فريقه للأمن القومي، اليوم الثلاثاء، ولم يقدم تفسيراً سوى أن لديه أسباباً واضحة لمتابعة التطورات وتجنب استخدام الهواتف التي قد تكون مراقبة.
صورة جامعة للزعماء المشاركين في قمة «مجموعة السبع» بكندا الاثنين (د.ب.أ)
وفي تصريحاته للصحافيين على متن الطائرة الرئاسية، قال ترمب إنه لا يبحث عن وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وإيران، وإنما يبحث عما هو أفضل من ذلك، وحينما سئل عما يبحث عنه تحديداً قال: «نهاية، نهاية حقيقية وليس وقف إطلاق نار، نهاية حقيقية»، ثم أشار إلى أن ما يبحث عنه هو « استسلام كامل من جانب إيران»، مصراً على تخلي طهران عن أي جهد لتطوير أسلحة نووية، وقال: «لست راغباً في التفاوض».
وحذر ترمب إيران من استهداف الأصول الأميركية قائلاً: «سنرد بقسوة شديدة حتى إننا ستطلق العنان لغضبنا وسنكون في غاية الحزم. وأعتقد أنهم يعرفون جيداً أن عليهم عدم المساس بقواتنا».
ونشر الرئيس الأميركي، صباح الثلاثاء تغريدة قال فيها: «لم أتواصل مع إيران بشأن محادثات سلام بأي شكل من الأشكال. هذه مجرد أخبار كاذبة ومفركة. وإذا أرادوا التحدث فهم يعرفون كيف يصلون إليّ». وأضاف: «كان عليهم قبول الصفقة المطروحة، ولكان ذلك أنقذ أروحاً كثيرة».
وانتقد ترمب الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الذي توسع الخلاف بينهما حول إسرائيل وغزة وأوكرانيا وإيران أيضاً. وقال ترمب في تغريدة مساء الاثنين: «الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الباحث عن الشهرة، زعم خطأً أنني غادرتُ قمة مجموعة السبع في كندا لأعود إلى واشنطن للعمل على وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران. خطأ! ليس لديه أدنى فكرة عن سبب توجهي الآن إلى واشنطن، لكن الأمر لا علاقة له بوقف إطلاق النار. بل هو أبعد من ذلك بكثير. سواءً عن قصد أم لا، فإن إيمانويل يُخطئ دائماً. ترقبوا!».
وكان ماكرون صرح للصحافيين في قمة مجموعة السبع بأن أميركا قدمت ضمانات للدول في مجموعة السبع، بأنها ستتوصل إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وإيران، وأشار إلى أن واشنطن قادرة على الضغط على إسرائيل، وبالتالي قد تتغير الأمور. وقال عبر مترجم: «إذا تمكنت الولايات المتحدة من التوصل إلى وقف لإطلاق النار فسوف يكون ذلك أمراً جيداً للغاية وستدعمه فرنسا».
ترمب يربت على كتف ماكرون خلال حضوره العرض العسكري بمناسبة «بوم الباستيل» بالشانزليزيه 14 يونيو 2017 (أ.ب)
ومارس القادة الأوروبيون، الذين التقوا ترمب، ضغوطاً لمعرفة ما إذا كانت الولايات المتحدة ستكبح جماح نتنياهو وسط مخاوف أوروبية من اقتراح ترمب انضمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى جهود الوساطة مع إيران.
وأصدر قادة دول مجموعة السبع المجتمعون في كندا بياناً مشتركاً، مساء الاثنين، دعوا فيه إلى خفض التصعيد في الشرق الأوسط ووجهوا انتقادات لإيران بأنها المصدر الرئيسي لعدم الاستقرار والإرهاب في المنطقة، وشددوا على أنه لا يمكن لإيران أن تمتلك سلاحاً نووياً أبداً، كما أكدوا الدعم القوي لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.
وقد رفض ترمب التوقيع على مسودة البيان قبل أن يغادر القمة بسبب عبارة في البيان قال فيها قادة مجموعة السبع: «نحث على أن يؤدي حل الأزمة الإيرانية إلى تهدئة أوسع للأعمال العدائية في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك وقف إطلاق النار في غزة».
ويشير مسؤولون إلى أن ترمب يواجه ضغوطاً من إسرائيل لدعم حملتها ضد إيران بقوة أكير. وتريد إسرائيل تدخلاً أميركياً لتدمير منشأة التخصيب النووي الإيراني فوردو المدفونة تحت الأرض لمسافات كبيرة، والتي لا يمكن الوصول إليها إلا بواسطة قاذفات بي 2 الأميركية التي تستطيع حمل قنبلة خارقة للتحصينات بوزن أكثر من 13 ألف كيلوغرام، ولا تمتلك إسرائيل هذا السلاح في ترسانتها العسكرية. لكن إقدام إدارة ترمب على مثل هذه الخطوة يعني بوضوح انجرار الولايات المتحدة إلى حرب موسعة، كان ترمب قد أعلن مراراً أنه يفضل تجنبها.
ويقول المحللون إن إقدام ترمب على هذه الخطوة سيضع حداً لصورته لصانع سلام وصانع صفقات، ومن وجهة نظر قاعدته الشعبية المخلصة فإن ذلك سيكون بمثابة التخلي النهائي عن مبدأ ترمب «أميركا أولاً».
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعرض صورة توضيحية في أثناء وصفه لمخاوفه بشأن طموحات إيران النووية خلال خطابه أمام للجمعية العامة للأمم المتحدة في 27 سبتمبر 2012 (أ.ب)
وأشارت تقارير إسرائيلية إلى أن طائرات حربية أميركية تساعد القوات الإسرائيلية في تنفيذ ضربات ضد أهداف إيرانية، لكن إدارة ترمب نفت بشدة هذه التقارير. وقال المتحدث باسم البنتاغون شون بارنيل، في بيان، إن القوات الأميركية تحافظ على وضعها الدفاعي، وإذا الأمر لم يتغير سنحمي القوات الأميركية ومصالحنا.
وصرّح مسؤولون أميركيون، الاثنين، بأن البنتاغون يُوسّع نطاق حضوره العسكري في الشرق الأوسط وأوروبا، وأرسل طائرات تزويد بالوقود وحاملة طائرات إضافية، كما نشر أكثر من عشرين طائرة تزويد بالوقود من الولايات المتحدة إلى أوروبا، يومي الأحد والاثنين، وهي خطوة ربطها المسؤولون الأميركيون برغبة القادة في إيجاد خيارات في حال واجهت المنشآت الأميركية القريبة من الدول المتحاربة تهديداً مباشراً.
نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي «القبة الحديدية» يطلق النار لاعتراض الصواريخ الإيرانية فوق تل أبيب (أ.ب)
ودأب الكثير من المسؤولين الإسرائيليين في تصريحاتهم لوسائل الإعلام الأميركية، على مطالبة الولايات المتحدة بمساندة إسرائيل في الحرب ضد إيران، وقال بنيامين نتنياهو لشبكة «آي بي سي يو»، الاثنين، إن أي محاولة لإحياء قناة دبلوماسية مع إيران سيتم استخدامها لمماطلة الولايات المتحدة.
وأشارت صحيفة «واشنطن بوست» في افتتاحيتها، صباح الثلاثاء، إلى أن كلاً من إيران وإسرائيل عالقة في صراع متصاعد، وأنه ينبغي على الرئيس ترمب الحذر من الانجرار إلى حرب جديدة. ورأت الصحيفة أن الولايات المتحدة متورطة بطريقة أو بأخرى، بصفتها الشريك الدولي الرئيسي لإسرائيل وتتمتع بنفوذ على القادة الإسرائيليين، ومن شبه المؤكد أن الولايات المتحدة ستساعد إسرائيل في صد الهجمات الصاروخية الإيرانية. وقالت إنه إذا كان هدف نتنياهو تغيير النظام في إيران، فعلي الولايات المتحدة أن تطلب من نتنياهو شرح كيفية حدوث ذلك، وما سيحدث لاحقاً، وسيتعين على الرئيس ترمب أن يسأل نفسه عما سيفعله لمنع إيران من الانزلاق إلى حالة من الفوضى التي تولد التطرف وعدم الاستقرار الإقليمي.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربية
منذ ساعة واحدة
- العربية
ماكرون يحذّر.. أي محاولة لتغيير النظام في إيران قد تؤدي الى "فوضى"
حذّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الثلاثاء من أن أي محاولة لتغيير النظام في طهران قد تؤدي إلى "فوضى"، في خضم التصعيد بين إيران وإسرائيل. تصريحات ماكرون جاءت خلال قمة مجموعة السبع المنعقدة في كندا وبعيد منشور للرئيس الأميركي دونالد ترامب قال فيه إن الولايات المتحدة لن تقضي "في الوقت الحالي" على المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي. وأضاف ماكرون "هل يعتقد أحد أن ما حدث في العراق عام 2003 (...) وما حدث في ليبيا خلال العقد السابق كان فكرة جيدة؟ لا!"، في إشارة إلى التدخلين العسكريين اللذين شارك فيهما الأميركيون وحلف شمال الأطلسي. وتابع "لا للضربات على البنى التحتية للطاقة، لا للضربات ضد السكان المدنيين، لا للأعمال العسكرية التي من شأنها أن تؤدي إلى تغيير النظام لأن لا أحد يعرف ماذا سيحدث بعد ذلك". وذكّر ماكرون بأن فرنسا "لا تريد أن تملك إيران السلاح النووي"، وهو واحد من أهداف العملية العسكرية الإسرائيلية، "لكننا نعتقد أنه يتعين علينا الآن العودة إلى طاولة النقاش" لتأطير البرنامج النووي والبالستي للبلاد. وقدّر في الوقت نفسه أن هناك حاجة "إلى الولايات المتحدة لإعادة الجميع إلى طاولة المفاوضات" لاحتواء التصعيد بين إسرائيل وإيران.


الشرق للأعمال
منذ ساعة واحدة
- الشرق للأعمال
وول ستريت تتراجع مع تصاعد مخاوف دخول واشنطن الحرب على إيران
أدى تصاعد المخاوف من احتمال انخراط الولايات المتحدة بشكل مباشر في التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط إلى تراجع الأسهم الأميركية، والتي هبطت أيضاً تحت ضغط بيانات اقتصادية ضعيفة، في وقت ارتفعت السندات قبل قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي. وسجل النفط أعلى مستوياته منذ يناير. سادت مشاعر العزوف عن المخاطرة في السوق، حيث تراجع مؤشر "إس آند بي 500" بنسبة تقارب 1%. وأغلق خام "غرب تكساس" الوسيط قرب 75 دولاراً للبرميل، في وقت ارتفع مؤشر تقلبات سوق الخام إلى أعلى مستوى له في ثلاث سنوات، كما حقق الدولار أكبر مكاسبه الشهرية. وبعيداً عن المخاطر الجيوسياسية، صعدت سندات الخزانة الأميركية مع صدور تقارير فاترة حول مبيعات التجزئة، والإسكان، والإنتاج الصناعي، ما دعم الرهانات على أن الفيدرالي سيخفض أسعار الفائدة مرة إضافية على الأقل في 2025، طالما لم تشكل أسعار الطاقة تهديداً على مسار تراجع التضخم. واجتمع الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع فريقه للأمن القومي لمناقشة تصاعد الصراع في الشرق الأوسط، بحسب أشخاص مطلعين على الأمر، ما أشعل مجدداً تكهنات بأن الولايات المتحدة على وشك الانضمام إلى الهجوم الإسرائيلي على إيران. ونشر ترمب عبر وسائل التواصل الاجتماعي دعوة إلى "الاستسلام غير المشروط" لإيران، محذراً من ضربة محتملة ضد المرشد علي خامنئي. وقال ترمب: "نحن نعلم بالضبط أين يختبئ من يُسمى بـ'المرشد الأعلى'. إنه هدف سهل، لكنه آمن هناك، ولسنا بصدد قتله (حتى الآن!)". وقال كيني بولكاري من شركة "سلايتستون ويلث": "حتى الآن، ستظل الأسواق بمعظمها في حالة ترقب حتى يهدأ التوتر في المنطقة". التباطؤ الاقتصادي يضغط على التوقعات راقب المتداولون أيضاً عن كثب البيانات الاقتصادية، حيث تراجعت مبيعات التجزئة الأميركية للشهر الثاني على التوالي، ما يشير إلى أن القلق بشأن الرسوم الجمركية والأوضاع المالية دفع المستهلكين إلى كبح الإنفاق بعد موجة شرائية في مطلع العام. كما انخفض الإنتاج الصناعي، وسجلت ثقة شركات بناء المنازل أدنى مستوياتها منذ ديسمبر 2022. وقال بريت كينويل من "إيتورو": "يجب على المستثمرين توقع بعض التقلبات في البيانات الاقتصادية بسبب استمرار تأثيرات السياسة التجارية. الاقتصاد والمستهلك لا يزالان صامدين حتى الآن، لكن هناك مؤشرات على وجود هشاشة، وقد تظهر مخاطر خلال النصف الثاني من العام، خصوصاً إذا شهدنا مزيداً من التباطؤ في الوظائف أو الإنفاق". رهانات على خفض الفائدة مع عقد مسؤولي البنك المركزي الأميركي لاجتماع يستمر يومين في واشنطن، واصل المتداولون المراهنة على ما يقل قليلاً عن خفضين هذه السنة بمقدار ربع نقطة مئوية لكل خفض، حيث تم تسعير أول خفض في أكتوبر. ومن المتوقع أن يُبقي الفيدرالي أسعار الفائدة من دون تغيير في يونيو ويوليو، لكنه قد يلمّح إلى نواياه من خلال مراجعة توقعاته الاقتصادية وتوقعات أسعار الفائدة يوم الأربعاء. وقد تؤدي أربعة اجتماعات متتالية من دون خفض في أسعار الفائدة، إلى إثارة هجوم لفظي جديد من الرئيس ترمب. لكن صناع السياسات كانوا واضحين: لا يمكن التحرك قبل أن تحسم الإدارة الأميركية علامات الاستفهام الكبرى المتعلقة بالتعريفات الجمركية والهجرة والضرائب. كما أدخلت الهجمات الإسرائيلية على مواقع نووية إيرانية عنصراً آخر من الغموض على الاقتصاد العالمي. وقالت سيما شاه من "برينسيبال أسيت مانجمنت": "مجلس الاحتياطي الفيدرالي يسير على حبل مشدود. نتوقع أن ينتظر الفيدرالي حتى الربع الرابع قبل أن يخفض أسعار الفائدة". الأسهم العالمية قد تتفوق على الأميركية قال أندرو تايلر، رئيس استخبارات الأسواق العالمية لدى "جيه بي مورغان تشيس آند كو"، والذي كان توقّع بدقة موجة ارتفاع لأسواق الأسهم في أبريل: "رغم أن المستثمرين اعتادوا على شراء الانخفاضات، وجنوا مكافآت هذا العام من تجاهل الأخبار السلبية، فإننا نرى أنه من الأفضل تقليص التعرض للمخاطر حالياً". وأضاف: "التموضع يشير إلى أن السوق كانت مهيّأة للتراجع بغض النظر عن أزمة إسرائيل وإيران". وتوقعت شركة "بنك أوف أميركا كورب" في أحدث استطلاع أجري لمديري الصناديق أن تتفوق الأسهم العالمية على الأسهم الأميركية خلال السنوات الخمس المقبلة، في إشارة جديدة على أن المستثمرين باتوا يرون أن الهيمنة الأميركية في الأسواق تقترب من نهايتها. وأظهر الاستطلاع أن نحو 54% من مديري الأصول يتوقعون أن تتصدر الأسهم الدولية قائمة فئات الأصول، بينما اختار 23% الأسهم الأميركية. واختار 13% فقط الذهب كأفضل أداة استثمارية، في حين راهن 5% على السندات. وهذه المرة الأولى التي يطلب فيها استطلاع "بنك أوف أميركا" من المستثمرين التنبؤ بأفضل فئة أصول أداءً على مدى خمس سنوات.


الرياض
منذ ساعة واحدة
- الرياض
الدبلوماسية السعودية وخفض التصعيد الإيراني
«لا شك أن المملكة تتابع هذا التصعيد الخطير بين إيران وإسرائيل بقلق كبير، لما له من عواقب وخيمة ستطال أمن المنطقة بأكملها واستقرارها إذا ما استمر الأمر في التصعيد ليتحول إلى مواجهة مفتوحة أو صفرية.» «تتمتع المملكة بمكانة استثنائية كخادمة للحرمين الشريفين وبما لها من ثقل سياسي واقتصادي عالميين، ومن خلال سياستها الخارجية الرامية إلى تعزيز الاستقرار تركز رؤية 2030 على التنمية المستدامة والتنويع الاقتصادي، بما يتماشى مع أهداف التعاون الإقليمي.» لم يكن مفاجئاً قيام دولة إسرائيل في الساعات الأولى من صباح 13 يونيو بتنفيذ حملة جوية مكثفة داخل الأراضي الإيرانية، مستهدفةً قيادات كبرى بالنظام الإيراني إضافة إلى البرنامج النووي الإيراني وأبرز علمائه، بهدف إضعاف وتدمير وإزالة خطر تسليح إيران لبرنامجها النووي، غير أن المفاجئ باعتقادي كان حجم الضربة غير المسبوق ونجاحها في تحقيق العديد من بنك أهدافها بهذه الدقة، قبل أن تستعيد إيران اتزانها وتتولى زمام المبادرة والقدرة على الرد، فيما بات يشبه مباراة تنس بين الطرفين بضربات متبادلة، في محاولةٍ إيرانية لخلق توازن رعب، حتى إن القوات الإيرانية أعلنت في إحدى ضرباتها الأحد الماضي استهداف قادة وعلماء إسرائيليين في رشقاتها الصاروخية كردٍّ بالمثل. رؤية سعودية للسلام لا شك أن المملكة تتابع هذا التصعيد الخطير بين إيران وإسرائيل بقلق كبير، لما له من عواقب وخيمة ستطال أمن المنطقة بأكملها واستقرارها إذا ما استمر الأمر في التصعيد ليتحول إلى مواجهة مفتوحة أو صفرية، ومن هنا يمكن فهم التحركات والاتصالات التي لم تهدأ من قبل سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والحراك الدبلوماسي لوزارة الخارجية السعودية عبر اللقاءات والمباحثات الهاتفية المستمرة مع عدد من القادة، لوضع حد لتوترات المنطقة وبحث إرساء الأمن والاستقرار بها، وهو ما أكده سمو الأمير محمد بن سلمان في اتصاله الهاتفي بالرئيس الإيراني مسعود بزشكيان من أن الاعتداءات الإسرائيلية أدت إلى تعطيل الحوار القائم لحل الأزمة، كما عرقلت الجهود الرامية لخفض التصعيد والتوصل لحلول دبلوماسية، مشدداً على رفض السعودية لاستخدام القوة لتسوية النزاعات وضرورة اعتماد الحوار كأساس لتسوية الخلافات، مجدداً إدانة السعودية واستنكارها للاعتداءات الإسرائيلية التي تمس سيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية وأمنها، والتي تمثل انتهاكًا للقوانين والأعراف الدولية. كمواطن سعودي، أراني أنظر إلى التعقيدات الحالية بالشرق الأوسط من خلال التزام المملكة بالاستقرار الإقليمي وتطلعات رؤية 2030 للتنمية المستدامة، إذ يُبرز التصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران الحاجة الملحة لنهج متوازن يجمع بين الأمن والدبلوماسية والكرامة الإنسانية، كون هذه الضربات التي تستهدف ظاهريًا طموحات إيران النووية تهدد بجرّ المنطقة إلى صراع أوسع قد يشمل قوى عالمية مثل الولايات المتحدة، لذا من منظور سعودي، فإن السلام المستدام يتطلب تهدئة التوترات وإشراك جميع الأطراف في حوار شامل ومعالجة الأسباب الجذرية للصراعات مثل التفاوت الاقتصادي والتهميش السياسي. ولقد جاء البيان الرسمي الصادر عن المملكة العربية السعودية بإدانة هذه الغارات لانتهاكها سيادة إيران والقانون الدولي كموقف يعكس التزام المملكة بالاستقرار ورفض التصعيد العسكري الذي يهدد الاحترام المتبادل بين الدول، وهذه الإدانة ليست مجرد بيان، بل هي دعوة لتهدئة التوترات والحوار لمنع صراع أوسع قد يؤثر على أسواق الطاقة العالمية، وهو أمر يهم المملكة بشدة، ويتماهى مع الموقف الموحّد لدول الخليج العربية التي أدانت الهجوم الإسرائيلي الأخير على إيران، معتبرة إياه انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وعدواناً غاشماً يهدّد أمن المنطقة واستقرارها. نتنياهو وتصعيد محفوف بالمخاطر غير أن الملاحظة الأكثر أهمية في اعتقادي حول التصعيد الإسرائيلي الحالي هي توقيت هذه العمليات، كونه يتزامن مع تحديات سياسية داخلية تواجه نتنياهو مع تراجع الدعم لعملياته في غزة، ما يثير تساؤلات حول دوافعها، إذ يذهب محللون إلى أن هذه الضربات تهدف في المقام الأول إلى تعزيز موقف نتنياهو السياسي وصرف الانتباه عن أزماته القانونية، وكمراقب للأحداث أعتقد أن هذه المناورات التي تقوم بها إسرائيل قد تُعجّل بطموحات إيران النووية بدلاً من ردعها، إذ يُتوقع أن تلجأ إيران إلى تغيير عقيدتها النووية، حيث كانت إيران تستخدم برنامجها النووي كورقة ضغط في علاقاتها مع الغرب، لكن بعد هذه الهجمات باتت إيران أمام خيارات جدية، فإما التنازل عن طموحاتها في التخصيب والاستسلام لشروط واشنطن، أو العمل على عسكرة برنامجها النووي من أجل توفير الردع، مما يعرض استقرار المنطقة بأكملها للخطر. ولا يخفى على الكثيرين أن نتنياهو يتحرك دوماً وفقاً لمخططاته الشخصية فهو يبحث دوماً عن عدو، غير آبه بما تراه الإدارة الأميركية، وقد تكرر ذلك مع ترمب ومن قبله بايدن وكذلك أوباما، لذا لا أجدني متفقاً مع فكرة أن الولايات المتحدة كانت تحتال على إيران بإطالة أمد المفاوضات حتى تتيح للضربات الإسرائيلية أكبر فرصة للنجاح، بل إن نتنياهو تفاخر أكثر من مرة مصرحاً أنه الزعيم الإسرائيلي الوحيد القادر على التعامل مع الإدارات الأميركية المختلفة وفعل ما يريد، ولعله بالفعل صادق في هذا الجانب، ولعل أقصى ما يتمناه نتنياهو واليمين المتطرف داخل إسرائيل الآن هو جرّ الولايات المتحدة إلى حرب متعددة الأطراف بالشرق الأوسط، خاصة مع يقينه أن واشنطن لن تتسامح أبداً مع أي خطر يتهدد إسرائيل، والأكثر تشجيعاً لنتنياهو في إطالة هذه الحرب هو تيقنه بأن خلفه ترسانة مهولة لا تنضب من الأسلحة الأكثر تطوراً في العالم والأشد فتكاً تجددها الولايات المتحدة والغرب له باستمرار، وهي ميزة لا تتوفر بأي شكل من الأشكال لطهران التي ستعاني خلال أسابيع قليلة على أقصى تقدير من شح في العتاد مع ضعف شديد في أنظمة الدفاع الجوي وسماء مفتوحة يصول بها الطيران الإسرائيلي ويجول. أخطار السياسة الخارجية الغربية ولفهم طبيعة الصراع الحالي يجب علينا العودة إلى أساسيات السياسات الغربية، خاصة الأميركية، التي غالبًاً ما أعطت الأولوية للهيمنة الجيوسياسية على حساب السلام المستدام، فالعلاقة الوثيقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل التي شكلها جزئيًا تأثير اللوبي الإسرائيلي - كما وصفه الباحثان ميرشايمر ووالت - ربطت السياسة الأميركية بالمخاوف الأمنية الإسرائيلية، وفيما عززت هذه الشراكة العلاقات الثنائية بينهما إلا أنها أهملت كثيراً تداعياتها على الاستقرار الإقليمي، ولعلنا جميعاً نذكر على سبيل المثال كيف أدى غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة، تهدئةً للمخاوف الإسرائيلية، إلى زعزعة استقرار المنطقة وإضعاف عدد من الدول العربية وأجج التطرف والشعبوية. من هذا المنطلق جاءت تصريحات الخارجية السعودية دائماً مؤكدة على أنه لا يمكن لإسرائيل الاستمرار في سياساتها المعيبة إلى ما لا نهاية، بكل ما تكبده من تكاليف بشرية واقتصادية، بعدما أعطت سياسات إسرائيل الحالية تحت قيادة نتنياهو الأولوية للأمن الآني على حساب الاستقرار الإقليمي، فيما رحبت المملكة بضبط النفس الأميركي الأخير، حين أكدت الولايات المتحدة على لسان وزير خارجيتها ماركو روبيو تركيزها على حماية قواتها بدلاً من دعم الضربات الإسرائيلية، وهذا التحول يفتح المجال للدبلوماسية التي تمتلك المملكة مكانة متميزة وخبرة كبيرة لدعمها. دور المملكة في بناء السلام تتمتع المملكة بمكانة استثنائية كخادمة للحرمين الشريفين وبما لها من ثقل سياسي واقتصادي عالميين، ومن خلال سياستها الخارجية الرامية إلى تعزيز الاستقرار تركز رؤية 2030 على التنمية المستدامة والتنويع الاقتصادي، بما يتماشى مع أهداف التعاون الإقليمي، وفي سياق الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، دعمت المملكة مبادرة السلام العربية التي تقترح التطبيع مع إسرائيل مقابل حل الدولتين وهو النهج الذي يعكس التزام المملكة بموازنة الأمن مع العدالة، مع مراعاة التطلعات والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وهي الآن في هذا الملف الطارئ الخاص بالتصعيد الأخير بين إيران وإسرائيل وعبر العلاقة السعودية الأميركية الوطيدة يمكنها لعب دور هام في السيطرة على التوتر وجلب الطرفين لمائدة المفاوضات، تجنيباً للمنطقة من ويلات حرب شاملة وصفرية. والخلاصة أن مستقبل الشرق الأوسط وإن ظل غامضًا ولا أحد يمكنه الجزم بما سيحدث غداً، فضلاً عن أن التداعيات السياسية لا تزال غير واضحة جراء الصراع الإيراني الإسرائيلي الجاري ومدى فاعلية العمليات الإسرائيلية، وإمكانية العودة للمفاوضات الأميركية – الإيرانية والتوصل إلى حلول، إلا أن الأولوية واضحة، إذ يجب على جميع الأطراف، من الحكومات الغربية إلى إسرائيل والدول العربية، إعطاء الأولوية لتهدئة التصعيد وتجنيب منطقة الشرق الأوسط تداعيات الفوضى. وهنا تستطيع المملكة بفضل نفوذها الجيوسياسي وريادتها للمنطقة قيادة الحوار وتعزيز التنمية العادلة والحد من التدخلات الخارجية، من خلال دعم مبادرات مثل مبادرة السلام العربية، بما يمهد الطريق لشرق أوسط مستقر، فالسلام المستدام يتطلب ضبط النفس الاستراتيجي والالتزام المشترك بالتعاون والازدهار، كما يتطلب تجاوز التصعيد العسكري نحو الدبلوماسية والحوار البناء، ولعل دور المملكة كوسيط مع رؤيتها المستنيرة للاستقرار رغم أن التحديات كبيرة يمكن أن يمهد لمستقبل يسود فيه الحوار والتعاون، ويُمكّن من بناء شرق أوسط ينعم فيه الجميع بالسلام والأمن.