
كاتب إسرائيلي: حماس تسعى لتحويل خطة ويتكوف إلى مكسب إستراتيجي
تراهن القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية على أن الضغط الميداني المتزايد، مقرونا بتشديد القيود الإنسانية، سيدفع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إلى القبول بخطة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف.
ويفند الكاتب الإسرائيلي تسفي برئيل هذا الافتراض، الذي يقول إنه لا يصمد أمام الواقع السياسي والعسكري، وقد يتحوّل إلى إنجاز إستراتيجي لحركة حماس، يعزز مكانتها بدلا من تقويضها.
وكان المبعوث الأميركي قد توافق مع حماس على خطة لوقف الحرب ولإطلاق المساعدات الإنسانية بآلية دولية، إلا أن معارضة إسرائيل لها دعته لإطلاق خطة جديدة تبنّتها تل أبيب لاحقا، فيما طالبت حماس بإدخال تعديلات عليها تضمن الانسحاب الإسرائيلي الكامل من قطاع غزة، وعودة تطبيق بروتوكول المساعدات الإنساني الذي تقوده مؤسسات الأمم المتحدة.
فشل الخطة الإسرائيلية
وفي مقال تحليلي نشرته صحيفة هآرتس، اليوم الثلاثاء، اعتبر برئيل أن التقدير الإسرائيلي بأن الضغط العسكري والإنساني "سيُجبر حماس على الانكسار والرضوخ"، لم يتحقق على الأرض. "فعلى الرغم من الدمار الهائل، وبلوغ عدد القتلى نحو 60 ألف شخص، بينهم آلاف النساء والأطفال، لم تفرج حماس عن الأسرى، ولا تزال الطرف الوحيد القادر على التفاوض بشأنهم".
ويضيف أن "الضغط العسكري"، وهو مصطلح تستخدمه إسرائيل لوصف عمليات التدمير الواسعة والقتل الجماعي وتهجير السكان، لم يؤدِ حتى الآن إلى نتائج ملموسة. بل على العكس، فإن "القضاء على قيادة حماس العسكرية والسياسية في غزة وخارجها أضعف قبضتها، لكنه لم يسلبها موقعها المركزي كصاحبة الكلمة الفصل في أي صفقة محتملة".
ويتطرق الكاتب الإسرائيلي في هذا السياق إلى قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب القبول بمفاوضات مباشرة مع حماس، معتبرا إياه "انتهاكا لخط أحمر كان يشكّل حجر الزاوية في السياسة الأميركية"، ويعدّه إنجازا سياسيا بالغ الأهمية لحركة حماس، ولو أنه ليس هدفا نهائيا بحد ذاته.
وحسب المقال، فإن حماس ترى أن دور الولايات المتحدة لا يتوقف عند الضغط على إسرائيل، بل يتمثل في "تقديم الضمانات التي تؤدي إلى وقف إطلاق النار، وتمهّد لإنهاء الحرب ضمن اتفاق شامل". هذا الاتفاق، إن تحقق، لن يُبقي على حماس فقط، بل سيعزز مكانتها كمكوّن أساسي في مستقبل غزة.
ووفق تقدير برئيل، فإن حماس ترى في خطة ويتكوف فرصة لفرض معادلة جديدة: وهي أن إطلاق سراح الأسرى لا يمكن أن يتحقق دون انسحاب إسرائيلي فعلي أو شبه فعلي من القطاع. ويضيف أن هذه المعادلة "تبدو وكأن الولايات المتحدة مستعدة للتعايش معها"، في ظل الكارثة الإنسانية المتفاقمة.
ويصف الكاتب هذا الإنجاز بأنه "تحول إستراتيجي"، لأن إسرائيل كانت تأمل في دفع السكان المحليين للانقلاب على حماس تحت وطأة المعاناة، إلا أن ذلك لم يحدث. "ورغم الاحتجاجات المحلية، لم تتطور إلى انتفاضة مدنية ضد الحكم"، ما ينسف، برأيه، جزءا من الفرضية الإسرائيلية الأصلية.
ويقول الكاتب الإسرائيلي إن الموقف الإسرائيلي المتشدد أدى إلى إضعاف دور الوسطاء الإقليميين، مثل قطر ومصر وتركيا، كما أدى إلى تراجع تأثيرهم تدريجيا.
ووصف السياسة الإسرائيلية بأنها "عشوائية وتفتقر إلى التخطيط"، فقد أدى إغلاق معبر رفح، مثلا، إلى إضعاف الدور المصري.
كما يرى أن التهديدات الأميركية والضغط على القيادة الخارجية لحماس لم يُثمرا شيئا، بل "اتضح لاحقا أنه حتى لو نُفذ الطرد، فلن يكون له أي تأثير على قرارات خلفاء يحيى السنوار في غزة".
ورغم أنه يقول إن قيادة الخارج في حركة حماس خلال عهد رئيسها السابق الشهيد يحيى السنوار كانت تُعتبر مجرّد "رسل لا يملكون صلاحية القرار" حسب زعمه، إلا أنه يحاول إبراز الاحتلال شخصية القيادي في حماس ورئيس وفد التفاوض فيها خليل الحية ، على أنه يقود الحركة ميدانيا جنبا إلى جنب مع عز الدين الحداد، القائد العسكري لكتائب القسام، بعد استشهاد القائد العام لها محمد الضيف.
وحينما يشير إلى تهديد وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس الأسبوع الماضي بأن الحية وحداد هما "التاليان في قائمة الاغتيالات"، بعد محمد السنوار (الذي أعلنت إسرائيل تمكنها من اغتياله)، فإنه يتساءل بتهكم "مَن ستختار إسرائيل للتفاوض بعد اغتيالهم؟"، في إشارة إلى تناقض الموقف الإسرائيلي.
مأزق سياسي وإنساني
ويرى برئيل أن خطة ويتكوف لا تتعلّق فقط بوقف إطلاق نار مدته 60 يوما، بل تشمل أيضا دخولا شبه غير محدود للمساعدات الإنسانية، وتوزيعها من قِبل منظمات الأمم المتحدة. لكنه يحذر أنه بالرغم من التعديلات التي أُدخلت عليها، فإنها تسمح لحماس باستعادة دورها في إدارة المعونات، ما يمنحها "تمويلا مباشرا لاحتياجاتها خلال فترة التهدئة".
ويلفت إلى أن إسرائيل، التي كانت ترفض مشاركة الأمم المتحدة في التوزيع، باتت مضطرة اليوم لدعوتها إلى المشاركة في الآلية الجديدة، من خلال منظمة إغاثة تعمل تحت الرعاية الأميركية، التي رفضتها المؤسسات الدولية.
ويشير إلى أن هذا التحول "قد يفتح المجال أمام احتمال استفادة حماس من هذه القناة، سواء عبر تسلّم مباشر أو غير مباشر للمساعدات".
ووفقا للبيانات التي أوردها الكاتب عن منظمة إغاثة غزة، تم أمس توزيع نحو 18 ألفا و720 طردا غذائيا، تكفي لنحو 103 آلاف شخص فقط. "لكن من غير المؤكد أن يتلقى هؤلاء طرودا غدا، في حين أن مئات الآلاف لا تصلهم أي مساعدات".
ويُضيف "لو افترضنا أن هذه المساعدات تشكّل برنامجا ممتازا، كما يصورها المتحدثون باسم المنظمة الإنسانية الأميركية، فإنه وفقا للخطة الأصلية، من المتوقع أن يستفيد منها حوالي مليون وربع شخص فقط، في حين سيبقى حوالي مليون شخص دون أي استجابة، وهذه النتيجة تضمن استمرار تعرض إسرائيل لضغوط دولية شديدة، وستعتمد على الأزمة الإنسانية كأداة ضغط لتغيير طبيعة ونطاق نشاطها العسكري في غزة".
كما يفنّد برئيل حجة تُثيرها إسرائيل، مفادها أن توزيع المساعدات الإنسانية عبر صندوق المساعدات العامة الأميركي يحرم حماس من مصدر دخل مهم، وربما أساسي.
ويقول "إن هذا المسار في الوقت نفسه، يُعفي حماس من رعاية السكان، ويُلقي تشغيله مسؤولية التعامل مع الكارثة الإنسانية على عاتق إسرائيل والولايات المتحدة".
وفي ختام مقاله، يخلص برئيل إلى أن خطة ويتكوف، رغم تبنّي إسرائيل لها، تحمل في طياتها عناصر تهديد لروايتها الرسمية. فإذا طُبقت بآلياتها الحالية، فإنها ستجبر إسرائيل على القبول بدور حماس، ولو بشكل غير مباشر، في صياغة نهاية الحرب، وربما في مستقبل القطاع أيضا.
ويشير إلى أن "أي ضمانات أميركية تُمنح للحركة -حتى لو جاءت على شكل إعلان رئاسي مبهم- ستكون ملزمة لإسرائيل بالتفاوض"، ما يعني من الناحية العملية أن تل أبيب قد تجد نفسها مضطرة لمواصلة الحرب دبلوماسيا بعد توقفها عسكريا.
ويضيف أنه "إذا كانت إسرائيل تزعم أن حماس فقدت السيطرة على القطاع، فلماذا تصرّ على الاستمرار في الضغط الإنساني الذي لا يُجدي؟ ومَن الطرف المستهدف به إذًا؟"، وهو تساؤل يرى الكاتب أنه يعكس تناقضا جوهريا في الإستراتيجية الإسرائيلية، التي يبدو أنها فقدت بوصلتها في مواجهة حركة لا تزال تُمسك بمفاتيح الأزمة رغم مرور نحو 20 شهرا على اندلاع الحرب.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 15 دقائق
- الجزيرة
عقبات أمام حُلم إسرائيل بتقسيم سوريا
منذ بداية الحرب الأهلية السورية وحتى سقوط بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، قصفت إسرائيل بشكل متكرر المواقع العسكرية الإيرانية في الأراضي السورية، والمركبات التي تنقل الأسلحة إلى حزب الله، والمقرات التابعة للمليشيات الموالية لإيران، والمواقع العسكرية التابعة للدولة السورية بالصواريخ. بعد سقوط نظام بشار الأسد، فضلت إسرائيل، بالإضافة إلى قصف الأهداف التي حددتها في الأراضي السورية، كما كانت تفعل سابقًا، احتلالَ المناطق منزوعة السلاح والجنود، بموجب "اتفاقية فض الاشتباك" الموقعة بين سوريا وإسرائيل عام 1974، وإنشاءَ قواعد عسكرية في هذه المناطق. يمكن اعتبار إنشاء نقاط عسكرية في الأراضي السورية بعدًا جديدًا للعمليات العسكرية الإسرائيلية ضد سوريا؛ بذريعة "الأمن القومي". بالإضافة إلى ذلك، فإن احتلال إسرائيل جبلَ الشيخ، وتهديدَ بعض المسؤولين الإسرائيليين، مثل وزير الدفاع كاتس، الحكومةَ السورية، يكشفان أن إسرائيل ليس لديها نية لتحقيق الأمن في المنطقة، بل تسعى إلى احتلال المزيد من الأراضي من خلال استغلال الفراغ الإداري في سوريا. يمكن اعتبار الغارات الجوية الإسرائيلية الشاملة لتدمير القدرات العسكرية السورية بالكامل، والتحركات البرية العسكرية لاحتلال أراضيها، بالإضافة إلى الحوار الذي أجرته مع الطائفة الدرزية في جنوب سوريا، والتصريحات التي أدلت بها للطائفة العلوية التي تعيش في منطقة الساحل السوري، خطوات اتخذتها حكومة نتنياهو لتقسيم سوريا. في المقابل، نرى أن أحمد الشرع وإدارته يتوخون الحذر الشديد في خطواتهم العسكرية والسياسية، وفي التصريحات التي يدلون بها بشأن أفعال إسرائيل، وذلك لحماية سيادة بلادهم، وتجنب الدخول في حرب جديدة مع إسرائيل. صرح الرئيس السوري أحمد الشرع في العديد من المناسبات بأن سوريا لن تتحول إلى منطقة تؤثر سلبًا على أمن أي دولة، بما في ذلك إسرائيل، وأن حزب الله وإيران لم يعودا موجودَين في سوريا، وبالتالي لا يوجد مبرر لإسرائيل لشن غارات جوية على سوريا. حُلم إسرائيل طورت إسرائيل خطة تسمى "ممر داود" لإعادة تشكيل شرق البحر الأبيض المتوسط. إذا تم تفعيل ممر داود، فستصل إسرائيل إلى جنوب سوريا عبر مرتفعات الجولان، وإلى شرق الفرات عبر دير الزور، وبالتالي إلى الحدود التركية. لذا، سيكون لديها عدد كبير من السكان بفضل التحالفات التي أقامتها على مساحة جغرافية واسعة. لم يكن ممر داود خطة ظهرت بعد سقوط نظام البعث. لطالما طورت إسرائيل علاقات مع الجماعات الانفصالية في المنطقة لتفعيل هذا الممر. لكن خطة ممر داود الإسرائيلية ليست مقبولة على الإطلاق لكل من تركيا، والإدارة السورية. من أجل تفعيل ممر داود، تعِد إسرائيل بحماية الطائفة الدرزية في جنوب سوريا، وتقيم اتصالات مع كبار الشخصيات الدرزية الذين يرحبون بالحماية الإسرائيلية، بل وتستضيفهم في تل أبيب. اتخذت إدارة أحمد الشرع العديد من الخطوات التي تظهر الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وعدم السماح بالحركات الانفصالية. أعلنت تركيا موقفها بوضوح بتصريحات كل من الرئيس أردوغان ووزير الخارجية هاكان فيدان. أوضحت تركيا مرارًا وتكرارًا أنها تعتبر تشكيل هيكل اتحادي في شرق سوريا تهديدًا لأمنها القومي. وفي هذا السياق، نفذت العديد من العمليات العسكرية في الأراضي السورية في السنوات الماضية. هناك نقطة أخرى هي أن تركيا تعتبر تفعيل ممر داود بمثابة مجاورة لإسرائيل. لا تريد تركيا على الإطلاق إنشاء هيكل يمكن لإسرائيل أن تتحرك فيه بحرية على حدودها. في الواقع، هذا وضع متبادل؛ فكما أنها لا تريد وجود إسرائيل أو هيكل يتعاون مع إسرائيل على حدودها، فإن إسرائيل لا تريد وجود تركيا في جنوب سوريا. إعلان لذلك، فإن إصرار الإدارة السورية على سياسة الحفاظ على وحدة أراضي البلاد، ورؤية تركيا لممر داود على أنه تهديد لمصالحها الوطنية، يؤثران سلبًا على تحقيق حُلم إسرائيل. من ناحية أخرى، على الرغم من وعود إسرائيل بالحماية والمساعدة، فإن جزءًا فقط من المجتمع الدرزي يرحب بالانفصال والحماية الإسرائيلية. يحلم الدروز الذين يعيشون في الوحدات السكنية القريبة من مرتفعات الجولان المحتلة من قبل إسرائيل والمجتمع الدرزي الذي يدعم حكمت الهجري بالانفصال. وأعلن قادة آخرون في المجتمع الدرزي أن الدروز جزء من المجتمع السوري، وأن السويداء أرض سورية، وأنهم لا يريدون الحماية الإسرائيلية، وأنهم يرغبون في إقامة علاقات جيدة مع دمشق. وفي هذا السياق، عُقدت العديد من الاجتماعات الناجحة بين الحكومة السورية والمجتمع الدرزي. تعتقد إسرائيل والمجتمع الدرزي أنه يمكن إعادة تأسيس الدولة الدرزية التي تأسست خلال فترة الاحتلال الفرنسي. لكن التطورات في سوريا والمنطقة تؤثر سلبًا على تأسيس دولة درزية. وبالمثل، فإن إعادة تأسيس الدولة العلوية التي تأسست خلال فترة الاحتلال الفرنسي أمر مستحيل. وعندما ننظر إلى التاريخ، نرى أنه حتى أثناء استمرار الاحتلال الفرنسي لسوريا، لم تنجُ الدولة العلوية والدولة الدرزية، بل أصبحتا جزءًا من الدولة السورية. بعد الإطاحة بنظام البعث، كان أول من دعم حكومة تصريف الأعمال السورية، بقيادة أحمد الشرع، هي تركيا، وقطر، والمملكة العربية السعودية، والأردن. زار وزير الخارجية التركي هاكان فيدان دمشق في 22 ديسمبر/ كانون الأول، والتقى أحمد الشرع. كما زار أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، العاصمة السورية دمشق في أوائل فبراير/ شباط. بعد يوم واحد من زيارة أمير قطر، قام الرئيس السوري أحمد الشرع بأول زيارة له إلى المملكة العربية السعودية، وبعد أيام قليلة زار تركيا. إعلان إن اعتراف دول المنطقة- وعلى رأسها قطر، وتركيا- بالإدارة السورية الجديدة، وإجراء المحادثات، وإعادة تفعيل سفاراتها في دمشق، مهدت الطريق لدول غربية لإقامة علاقات مع الإدارة السورية. زار كبار المسؤولين من العديد من الدول الغربية- بمن في ذلك وزيرا خارجية ألمانيا وفرنسا- دمشق والتقوا بأحمد الشرع ومسؤولين آخرين. وبالمثل، أتيحت لوزير الخارجية السوري الجديد أسعد الشيباني الفرصة لشرح رؤية الحكومة السورية الجديدة لقضايا مثل؛ التنمية والأمن والعلاقات الدولية؛ في زياراته إلى دول المنطقة والدول الغربية. تكللت جهود قطر وتركيا، على وجه الخصوص، لاكتساب الشرعية، والاعتراف بالحكومة السورية الجديدة، بلقاء الرئيس الأميركي ترامب بالرئيس السوري أحمد الشرع في الرياض خلال زيارته للخليج، وبرفع العقوبات المفروضة على سوريا. إن مفتاح "الاعتراف والشرعية" الذي لم يُمنح لحكومة طالبان في أفغانستان، مُنح للحكومة السورية الجديدة بجهود قطر، وتركيا. اعتُبر اعتراف الدول بالحكومة السورية، وزيارة المسؤولين دمشق، وإعادة تفعيل البعثات الدبلوماسية- أي باختصار قبول الدول الحكومة السورية الجديدة وإقرارها بها كإدارة شرعية- بمثابة "مفتاح". فالاعتراف والشرعية يلعبان دورًا رئيسيًا في حل العديد من المشاكل. في الواقع، إن اعتراف دول المنطقة والدول الغربية بالإدارة السورية الجديدة، ورفع العقوبات الأميركية، ولقاء ترامب مع أحمد الشرع ، دفعت إسرائيل إلى إعادة النظر في خططها لسوريا. يبدو أن إسرائيل قد جمدت الهجمات الرامية إلى تدمير القدرات العسكرية السورية، والأنشطة الرامية إلى تقسيم سوريا من خلال المجتمع الدرزي. وعلى الرغم من أن الإدارة السورية لم تؤكد ذلك رسميًا بعد، إلا أن الصحافة الإسرائيلية زعمت أن بعض الاجتماعات عُقدت بين إسرائيل وسوريا بمشاركة تركيا. وزعمت الصحافة الإسرائيلية أن الاجتماعات عُقدت في باكو، عاصمة أذربيجان. إعلان إن تخفيف إسرائيل هجماتها على سوريا وتفضيلها طريق الحوار مع الإدارة الجديدة، يرتبط ارتباطًا مباشرًا بالشرعية التي اكتسبتها إدارة أحمد الشرع. هناك دعامتان أساسيتان لمسألة الشرعية؛ أولاهما الشرعية التي يحققها دعم الشعب، والأخرى هي الشرعية التي يحققها دعم المجتمع الدولي. لقد حققت الحكومة السورية حاليًا دعمًا من الشعب ودعمًا من المجتمع الدولي. وهذا إنجاز ومكسب مهم لسوريا الجديدة. إن دعم الشعب السوري للإدارة الجديدة ليس أبديًا. لذلك، فإن دعم الشعب يتعلق بوفاء الإدارة السورية بالوعود التي قطعتها بشأن مستقبل سوريا. إذا لم تفِ الحكومة بوعودها، فإن الشعب سيقلل من دعمه. لذلك، يجب على الإدارة السورية اتباع سياسة حازمة في الوفاء بوعودها، وتجنب تقديم الأعذار. يجب على الإدارة السورية تجنب الوقوع في خطأ تفضيل الدعم الذي يقدمه الشعب، على الدعم الذي يقدمه المجتمع الدولي. يجب على الإدارة دائمًا إعطاء الأولوية لدعم الشعب. بسبب الدعم القوي المقدم للإدارة السورية، ستضطر إسرائيل إلى التخلي عن سياستها الرامية إلى فصل المجتمع الدرزي عن سوريا. يمكن للإدارة السورية تحويل هذا التطور إلى فرصة لتنفيذ سياسات تكسب دعم المجتمع الدرزي وتمنع الانقسام. إن ربط القوات شبه العسكرية الدرزية في المنطقة بوزارة الدفاع، والسماح للقوات شبه العسكرية الدرزية التابعة لوزارة الدفاع بلعب دور معين في الحفاظ على أمن منطقة السويداء، يمكن أن يساهم ذلك في تحقيق الاستقرار في المنطقة. قد تطلب إسرائيل تحديث اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974. يمكن تحديث هذه الاتفاقية بالطبع حسب الحاجة. لكن من المهم ألا توافق الإدارة السورية على أي مادة في تحديث الاتفاقية تضفي الشرعية على وجود إسرائيل في الأراضي السورية. فمن الملاحظ أن إسرائيل ستطلب تحديث الاتفاقية في الفترة المقبلة. يتم إعادة تشكيل الجيش السوري من خلال انضمام الجماعات المسلحة السورية المعارضة إلى الجيش السوري بالتنسيق مع وزارة الدفاع. أعلنت وزارة الدفاع السورية الأسبوع الماضي عن قرارات حاسمة بشأن إنشاء جيش محترف. تتضمن القرارات العديد من المواد مثل: تدريب المنتسبين إلى الجيش في الكليات العسكرية. إن تخلي الجيش السوري عن مظهره كتشكيل شبه عسكري مسلح أمر مهم جدًا لتحقيق أمن سوريا ووحدتها. يجب تحويل الجيش السوري، الذي لا يزال يعطي صورة تنظيم شبه عسكري، إلى جيش محترف بسرعة. ربما يجب اتخاذ أسرع الخطوات في سوريا فيما يتعلق بإنشاء جيش محترف. أقامت إسرائيل علاقات مع بعض القرى السنية في درعا والقنيطرة خلال الحرب الأهلية السورية. تقوم الإدارة السورية بدمج الهياكل المسلحة المعارضة في المنطقة في الجيش السوري من خلال ضمهم إلى الفرقة 40 التي ستعمل في المنطقة الحدودية. من ناحية أخرى، يواصل الجنود الإسرائيليون دورياتهم العسكرية في المنطقة والحفاظ على علاقاتهم مع العناصر المحلية التي أقاموها منذ عام 2011. من المحتمل أن تتعارض هذه الأنشطة الإسرائيلية مع جهود الإدارة السورية لتأمين الحدود. لذلك، يجب على الإدارة السورية أن تعمل على توفير إمكانات عودة قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (UNDOF) إلى المنطقة، والقيام بواجبها الناشئ عن الاتفاقية، كضرورة لاتفاقية فض الاشتباك لعام 1974. سيكون وجود قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك في المنطقة مهمًا أيضًا لتوثيق انتهاكات إسرائيل. ستقدم إسرائيل والولايات المتحدة عرضًا للتعاون الاستخباراتي بشأن الجماعات الفلسطينية في الأراضي السورية. في سياق أهمية تحقيق الأمن في عملية تطبيع سوريا، يجب اعتبار إخراج الجماعات الفلسطينية من سوريا كافيًا. إن ظهور صورة للتعاون مع إسرائيل أو الولايات المتحدة ضد الجماعات الفلسطينية، سيزيد من الانتقادات الموجهة إلى الإدارة السورية ويقلل من الدعم الشعبي. قد يتم طرح خطة عاموس هوكستين، وهي: "نقل الغاز الإسرائيلي إلى سوريا عبر خط أنابيب الغاز العربي الذي يمر عبر الأردن"، مرة أخرى على جدول الأعمال من قبل إسرائيل والولايات المتحدة. إن اقتراح عاموس هوكستين هذا جزء من حرب ممرات الطاقة والممرات التجارية. من المعروف أن خط أنابيب الغاز الطبيعي التركي كان من المقرر أن يمر عبر الأراضي السورية. كما أن نقل الغاز الطبيعي الأذربيجاني عبر تركيا إلى سوريا هو أيضًا أحد الموضوعات المطروحة على جدول الأعمال. لذلك، من المهم أن تتخذ الإدارة السورية خطوات حذرة في القضايا الإستراتيجية، مثل: الطاقة، وإجراء مشاورات مع حلفائها الإقليميين. قد تمارس إسرائيل والولايات المتحدة ضغوطًا على الإدارة السورية؛ لإعلان أن مزارع شبعا المحتلة من قبل إسرائيل كانت تحت السيادة السورية قبل عام 1967. وبهذه الطريقة، تهدف إسرائيل إلى تعزيز أطروحتها بأنها لم تحتلّ أراضي لبنان. يجب على الإدارة السورية ألا تتخذ خطوات تخلق مشاكل طويلة الأمد مع دول وشعوب المنطقة، ويجب ألا تستجيب بشكل إيجابي للطلبات الواردة في هذا الاتجاه.


الجزيرة
منذ 30 دقائق
- الجزيرة
أوروبيون في حالة تدهور نفسي بسبب أهوال غزة
قالت صحيفة لوتان إن الصور المؤلمة التي تتدفق من قطاع غزة تهدد الصحة النفسية في سويسرا لما تثيره من القلق والشعور بالعجز، مما استدعى الخضوع لعلاج لحماية المتضررين من أنفسهم. واستعرضت الصحيفة -في تقرير بقلم سامي زعيبي- بعض الحالات التي تطلبت علاجا نفسيا، وبدأت بحالة الشاب الثلاثيني أحمد من منطقة بحيرة جنيف، فهو يتذكر بوضوح اللحظة التي بدأ فيها يفقد صوابه، وذلك عندما بدأت إسرائيل تقصف المستشفيات في غزة بعد 6 أشهر من بدء الحرب. ويقول هذا المهندس إنه شعر بالحاجة إلى "فهم المنطق وراء عملية الجيش الإسرائيلي هذه، و"لكن عندما رأيت صور المرضى القتلى، أدركت أنه لا يوجد منطق في ذلك. ماذا نفعل عندما يحترق الأطفال؟ ثم بدأت أشعر بالتدهور". عندما رأيت صور المرضى القتلى، أدركت أنه لا يوجد منطق في ذلك. ماذا نفعل عندما يحترق الأطفال؟ ثم بدأت أشعر بالتدهور بواسطة أحمد حاول أحمد التواصل مع الجالية العربية في الخارج، والمشاركة في المظاهرات، ورفع مستوى الوعي قدر استطاعته، ولكن شعورا بالعجز سيطر عليه، يقول "أسوأ ما في الأمر هو الانطباع بأن حياتنا كعرب، لا قيمة لها. في أحسن الأحوال أقابل بلامبالاة، وفي أسوئها ب معاداة الإسلام". استشار الشاب طبيبا نفسيا شخص حالته بالاكتئاب، وبعد عام من العلاج استعاد نشاطه، يقول "منذ استئناف القصف أصبحت متشائما تماما. انفصلت عن الأحداث الجارية، وهي الطريقة الوحيدة للحفاظ على صحتي النفسية. ما زلت أذهب إلى المظاهرات، لكنني لا أفعل سوى الحد الأدنى. أشعر وكأنني استنفدت حساسيتي". بنيت جدارا حول مشاعري ومثل أحمد، تدرك رنا، وهي مهندسة معمارية في سويسرا، أن نقطة تحولها كانت بداية الهجوم على لبنان في أكتوبر/تشرين الأول 2024، تقول "أدركت أنه لا نهاية للحرب. أصبحت مختلة وظيفيا. كنت أبكي طوال الوقت". وكانت الطريقة الوحيدة للعودة إلى الواجهة بالنسبة لرنا هي الابتعاد عن وسائل التواصل الاجتماعي الغارقة في صور الرعب، "لدرجة أنني لم أعد أستطيع رؤية حريق في الحياة الواقعية دون التفكير في أطفال غزة المحترقين. وقد بنيت جدارا حول مشاعري". وفي مواجهة العجز -كما تقول الصحيفة- عقد آلاف النشطاء من جميع أنحاء أوروبا العزم على التظاهر في مصر دعما لفلسطين يوم 15 يونيو/حزيران، بهدف الضغط من أجل إنشاء ممر إنساني دائم، ويقول صموئيل كريتينان، وهو متحدث باسم الحركة في سويسرا، وقد أضرب عن الطعام مؤخرا، إن العمل المباشر هو السبيل الوحيد للحفاظ على استقراره النفسي. وذكرت الصحيفة بأن المعاناة النفسية ليست حكرا على المؤيدين للفلسطينيين، بل هي موجودة أيضا داخل الجالية اليهودية السويسرية بشكل مختلف. وتقول جولي، التي تعمل في القطاع الثقافي، "أجد نفسي عالقة بين نارين، أشعر بالرعب مما يحدث في غزة، وأشعر بالقلق من تصاعد معاداة السامية من حولي. لم أعد أستطيع التحدث مع والدتي المؤيدة بشدة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، وأصبحت ألتزم الصمت في بعض البيئات المهنية، حيث غالبية الناس مؤيدون بشدة لفلسطين. وفي النهاية، أشعر بالعزلة". أجد نفسي عالقة بين نارين، أشعر بالرعب مما يحدث في غزة، وأشعر بالقلق من تصاعد معاداة السامية من حولي بواسطة جولي صدمة نفسية عن بعد ويعالج أحمد الفراش، وهو طبيب نفسي مقيم في فرانكفورت، العديد من المرضى الذين أصيبوا بالاكتئاب منذ بداية الحرب، ويقول إن "مشاهدة العنف حتى من مسافة بعيدة، يؤدي إلى الصدمة النفسية عن بعد"، ولذلك يعاني متابعو غزة عن كثب من نفس أعراض الشهود المباشرين، فمع كل صورة صادمة تفرز هرمونات التوتر، وإذا تكرر ذلك باستمرار قد يُؤدي إلى الاكتئاب. إعلان وللحفاظ على الصحة النفسية، تحدد عالمة النفس جوليا نوتيغر، التي تعمل مع ضحايا الصدمات النفسية من المهاجرين في قسم العيادات الخارجية التابع للصليب الأحمر السويسري، 3 مسارات، "الأول هو إيجاد توازن مع وسائل الإعلام للبقاء على اطلاع دون الإضرار بالنفس. والثاني هو اتخاذ إجراءات تعطي معنى، وتتيح لنا أيضا الشعور بالفائدة مثل مساعدة اللاجئين"، وأخيرا التحدث للآخرين، لا أن تخفي كل شيء في نفسك، وإلا فلن تتمكن من مساعدة أي شخص. المصدر: لوتان


الجزيرة
منذ 30 دقائق
- الجزيرة
توتر الجنوب السوري.. ماذا وراء القصف المتبادل بين "كتائب محمد الضيف" وإسرائيل؟
دمشق- تبنّت مجموعة مسلّحة تُطلق على نفسها "كتائب الشهيد محمد الضيف" قصف القوات الإسرائيلية في منطقة الجولان السوري المحتل، مساء الثلاثاء.. وبعد ساعتين من ذلك، شنّ الطيران الحربي الإسرائيلي غارات على عدة مناطق بجنوب سوريا. وقالت وزارة الخارجية السورية، في بيان نُشر مساء الثلاثاء، إنها لم تتثبت "من صحة الأنباء عن قصف باتجاه إسرائيل حتى اللحظة". ونقل مراسل الجزيرة عن مصادر سورية أن الغارات الإسرائيلية استهدفت تل الشعار، وتل المال، وتل المحص، والفوج 175 في ريف درعا جنوب البلاد. من جانبه، قال الجيش الإسرائيلي إنه هاجم "وسائل قتالية تابعة للنظام السوري جنوب سوريا، ردا على عمليات الإطلاق نحو إسرائيل"، مضيفا في بيان أن "النظام السوري مسؤول عمّا يحدث على أراضيه وسيتحمّل العواقب طالما استمرت الأنشطة العدائية المنطلقة منها". واتهم مصدر في الحكومة السورية عناصر تابعين ل حزب الله اللبناني في منطقة درعا بتنفيذ الهجوم، مشيرا إلى وجود جهات موالية للحزب وأخرى لإيران في المنطقة. وأضاف أن القصف على منطقة مفتوحة في الجولان لا يحمل قيمة عسكرية تُذكر، "بل يُعدّ مبررا لإسرائيل لتنفيذ هجماتها وتعطيل جهود إعادة إعمار الدولة السورية، خاصة بعد رفع العقوبات الأميركية والأوروبية عنها". وأكدت وزارة الخارجية السورية في بيانها إدانتها الشديدة للقصف الإسرائيلي الذي استهدف قرى وبلدات في محافظة درعا، معتبرة أن "التصعيد الإسرائيلي انتهاك صارخ للسيادة السورية ويزيد من توتر المنطقة". وأضافت "هناك أطراف تسعى إلى زعزعة الاستقرار لتحقيق مصالحها الخاصة"، مؤكدة أن "سوريا لم ولن تُشكل تهديدا لأي طرف في المنطقة"، ودعت المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياته في وقف الاعتداءات الإسرائيلية. وشددت الوزارة على أن الأولوية القصوى في جنوب سوريا هي "بسط سلطة الدولة وإنهاء وجود السلاح خارج إطار المؤسسات الرسمية". لإضعاف الدولة وعن خلفية التوترات الأمنية جنوب البلاد أيضا، قال مصدر مقرّب من وزارة الخارجية السورية، في تصريحات للجزيرة نت، إن إسرائيل تلعب دورا رئيسيا في عرقلة جهود الدولة السورية لفرض سيطرتها على المنطقة. وأوضح أن الدولة السورية لا تتحمّل مسؤولية هذه العمليات بشكل مباشر، وأرجع ذلك إلى منع إسرائيل انتشار قوات الجيش والأمن السوري في هذه المناطق، مما يسهم في زعزعة الاستقرار وإضعاف سلطة الدولة. وأضاف المصدر أن الأحداث الجارية تتقاطع مع سياقات إقليمية ودولية، فعلى الصعيد الدولي، "تشعر إسرائيل بالقلق من التقارب الأميركي مع دمشق، والذي تعتبره مضرا بمصالحها، وربما تكون بعض هذه العمليات ذات طابع استخباراتي مباشر أو غير مباشر، مستغلة حالة الانكشاف الأمني". وإقليميا، أشار المصدر إلى أن تعثّر المفاوضات النووية بين إيران و الولايات المتحدة قد يكون عاملا إضافيا، "حيث تسعى إيران إلى استغلال الأوضاع في الجنوب السوري، بينما تستفيد من الضربات الإسرائيلية التي تعيق فرض السيطرة السورية على تلك المناطق". وفيما يتعلق بحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، أكّد المصدر أن توجهات الدولة السورية واضحة، وأن الحركة ملتزمة بها. وختم المصدر بالقول إن المستفيد الأول من هذه العمليات هو إسرائيل، "وربما إيران أيضا"، لكن لا يمكن تحديد الجهة المسؤولة بشكل قاطع حتى الآن. من جانبها، نفت حركة حماس أي علاقة لها بالمجموعة التي أطلقت على نفسها "كتائب الشهيد محمد الضيف"، وقال ناطق باسمها للجزيرة نت إن "الحركة ليست لها أي صلة بهذه المجموعة، ولا وجود لعناصر تتبع لها جنوب سوريا، مشددا على أن "الأمر لا يعنينا، ولا مصلحة لنا في التورط فيه".