
خطة'احتلال' غزة لاستكمال الإبادة والتهجير
أمام مشهد الإبادة الجماعية التي تُنفَّذ على الهواء مباشرة، رغم محاولة اغتيال الحقيقة ذاتها، ليس فقط بقتل الصحافيين والمؤثرين من أبناء غزة، وآخرهم الإعلامي المرموق محلياً وعالمياً أنس الشريف وزملاؤه، بل بمنع دخول الصحافة الأجنبية للوقوف على حقيقة ما يجري، هل عاد للكلام قيمة وللكتابة معنى؟! ربما يكون ذلك أضعف الإيمان، فصراخ الضحية، حتى لو كان في وادٍ سحيق، خير من الاستسلام الذي يستهدفه الفاشيون لقتلنا بصمت واقتلاعنا من هذه البلاد.
إعلان خطة 'احتلال غزة'
آخر ما تفتق عنه إجرام حكومة تل أبيب هو إعلان خطتها 'احتلال' مدينة غزة والمخيمات الوسطى، وكأن مدينة غزة وكل القطاع ومخيماته غير محتلة، ليس فقط في حرب الإبادة الراهنة، بل منذ احتلال ما تبقَّى من أرض فلسطين إثر هزيمة حزيران 1967. فإعادة انتشار قوات الاحتلال وإخلاء مستوطنات القطاع عام 2005 لم ينهِ احتلاله، وفقًا لقواعد القانون الدولي. كل ما جرى في حينه هو تغيير شكل الاحتلال من الوجود المباشر إلى احتلال بالنار والحصار، وإدخال القطاع وأهله إلى غرفة الإنعاش: 'لا موت ولا حياة'، بل خارج القدرة على التأثير في المعركة الكبرى لتصفية القضية الفلسطينية بابتلاع الضفة، بما فيها القدس.
اعتراف نتنياهو بمصطلح الاحتلال
الأمر الوحيد المهم في إعلان نتنياهو هو اعترافه لأول مرة بمصطلح الاحتلال، أي أنها ليست 'أرض الميعاد التوراتية'، والتي، وفق أفكاره ومخططه التوسعي الجاري، هي الضفة الغربية، ليس لأن غزة غير مهمة في حساباته الجيوسياسية والأيديولوجية؛ فغزة التي طالما شكلت رافعة المقاومة والهوية الوطنية في مواجهة المشروع الصهيوني، كانت دومًا عنصر قلق للمعادلة الديموغرافية التي تُمثل وما زالت العقبة الأكبر أمام نجاحه على أرض فلسطين التاريخية، ولم تكن مقولة رابين وحلمه 'بأن يصحو يومًا وقد غرقت غزة في البحر' سوى تعبير عميق عن مدى الصداع العنصري الذي تشكله غزة كشَوكة في حلق مشروع الاحتلال والتصفية والاقتلاع.
مؤتمر صحفي مليء بالأكاذيب
في مؤتمره الصحفي مع الصحافة الأجنبية يوم الأحد من هذا الأسبوع، استحضر نتنياهو كل خبرته في الأكاذيب محاولًا تبرير خطته والتخفيف من وقعها وأثرها، مدعيًا حرصه على تحرير غزة من حماس، ومنصبًا نفسه وصيًا على المنطقة برغبته في تعيين إدارة مدنية من غير السلطة الفلسطينية وغير حماس، كي يتمكَّن، على حد زعمه، من أن يعيش أهل غزة 'بسلام يستحقونه' وفق تعبير شريكه في الإبادة دونالد ترامب.
لقد أطلقت الصحافة الإسرائيلية والعالمية على هذا المؤتمر أنه مليء بالأكاذيب والتضليل، حيث تفوق بذلك على نظرية جوبلز في الإعلام: 'اكذب واكذب حتى تصدق نفسك'. إذن، ما الذي يريده نتنياهو من خطته 'احتلال غزة' التي يعترض عليها حوالي 70% من المجتمع الإسرائيلي، ويتوجس من نتائجها جيش الاحتلال ذاته، والذي لم يأبه لارتكاب جرائم الإبادة على مدار اثنين وعشرين شهرًا، والتي أيضًا يرفضها العالم بأسره باستثناء البيت الأبيض؟ إنها، ببساطة، الهدف الحقيقي للعدوان العسكري المستمر، ليس فقط منذ الثامن من أكتوبر، بل منذ النكبة وحلم حكام تل أبيب بأن تغرق غزة في البحر. وبالنسبة لنتنياهو، لا بأس أن تغرق غزة في دمها وفي رمال الصحراء مرة أخرى، وإن احتاج للبحر فهو حاضر لن يغادر مكانه، إنها الإمعان العنصري الفاشي في حرب الإبادة المتواصلة لتنفيذ الاقتلاع والتهجير.
أسباب جرأة نتنياهو
والسؤال هو: ما الذي يشجع نتنياهو على ذلك؟ بالإضافة إلى الموقف الأمريكي المتطابق مع حكام تل أبيب، فإن المواقف الغربية التي تحاول إبراء ذمتها من التواطؤ الطويل،وليست فقط وليدة الإثنين وعشرين شهرًا الماضية، بل منذ التاسع والعشرين من نوفمبر 1947، عندما أصدرت الجمعية العامة قرارها رقم 181 الذي دعا لتقسيم فلسطين إلى دولتين، حيث وفرت تلك الدول كل سبل الحياة لقيام إسرائيل، بما في ذلك تحويلها إلى دولة نووية، ومن ناحية ثانية شاركت في محاولات طمس وتذويب الهوية الفلسطينية لمنع قيام الدولة الفلسطينية وفقاً لذلك القرار واشتراطاته على اسرائيل، بما في ذلك حق العودة للاجئين الفلسطينيين وفقاً للقرار 194.
كما لا يمكن تجاوز أسباب غطرسة نتنياهو دون الإشارة إلى ضعف الواقع العربي والإسلامي، وغياب الرؤية الفلسطينية، بما في ذلك تغييب الإرادة والأطر الوطنية الموحدة الكفيلة باستنهاض الطاقات الكلية للشعب الفلسطيني، ذلك رغم الخطط الواضحة والمكملة لاستكمال الإبادة وتنفيذ التهجير الجماعي لشعبنا في قطاع غزة، بإسقاط الكيانية الفلسطينية التي يدعو لها بن جفير، وبما يعني تصفية الحقوق والقضية الفلسطينية. فبن جفير لا ينطق عن الهوى، فهو الابن الأيديولوجي لنتنياهو وأبيه.
الموقف العربي المطلوب
في الرد على أضاليل نتنياهو لتخدير المعارضة والجيش والمجتمع الإسرائيلي بأنه يريد تحرير غزة من حماس وتسليمها لقوة عربية، كان وما يزال يكفي، بل ومن الضروري، أن يخرج العرب بموقف موحد يتجاوز الديباجات التقليدية، بقول وموقف واضحين: 'لسنا خدَّامًا لمخططات نتنياهو في إبادة واقتلاع الشعب الفلسطيني، وأن الحل الوحيد لاستقرار المنطقة هو وقف العدوان والحلول العسكرية، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي عن أرض دولة فلسطين، وتمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره وتجسيد سيادته عليها'. فهل سنسمع ذلك؟
أسئلة إلى المجتمع الدولي
هل سنسمع من يرفض 'احتلال غزة' من العواصم الأوروبية والغربية عمومًا، ويعلن نيته الاعتراف بدولة فلسطين، بأنه سيذهب إلى مجلس الأمن لتنفيذ القرار 181، وإنهاء الاحتلال عن دولة فلسطين وفق البند السابع، أو مواجهة الفيتو الأمريكي المتوقع بالذهاب إلى الجمعية العامة تحت بند 'الاتحاد من أجل السلام' لتحقيق ذلك؟ هذا السؤال موجَّه أيضًا إلى روسيا والصين، وغيرها من المجموعات الدولية والدول المؤثرة في القرار الدولي.
مسؤوليتنا كفلسطينيين
والأهم من ذلك كله: هل سنسمع الرئيس عباس، الذي يُقال إنه يفكر في إعلان فلسطين دولة تحت الاحتلال، يدعو كل القوى الفلسطينية دون إقصاء أو استثناء لبحث كيفية تحويل ذلك إلى خطة استنهاض للقدرة الفلسطينية الكلية واستعادة مؤسساتها الوطنية الجامعة؟
فإعلان الاستقلال الصادر في نوفمبر 1988، بقوة الانتفاضة المجيدة الكبرى، يؤكد أن فلسطين هي لكل الفلسطينيين أينما كانوا. ففلسطين تستحق، وهي أكبر وأهم من الجميع.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


معا الاخبارية
منذ 4 ساعات
- معا الاخبارية
سموتريتش يطالب نتنياهو بالموافقة على خطة E1 ويصف الدولة الفلسطينية بالخطر الوجودي
بيت لحم- معا- حث وزير المالية الإسرائيلي، الحكومة المتطرفة بقيادة نتنياهو على إقرار خطته بمواصلة سرقة الأراضي الفلسطينية وبناء مستوطنات عليها لا سيما المنطقة المثيرة للجدل المسماه E1 بين القدس والعيزرية والتي ستقضي على اي فرصة لإقامة دولة فلسطينية من خلال تقطيع أوصال الضفة . وكتب بتسلئيل سموتريتش صباح اليوم الجمعة أنه منذ قيام الدولة، لم يكن هناك رئيس في البيت الأبيض متعاطف مع إسرائيل مثل دونالد ترامب، وشكره على "تعاونه ودفاعه عن الشعب اليهودي". فيما هاجم فكرة الدولة الفلسطينية واصفًا إياها بـ"الحماقة والخطر الوجودي"، ودعا إلى الموافقة على خطة البناء في المنطقة E1. وقال: "هذا هو الوقت المناسب لبسط السيادة الكاملة.


معا الاخبارية
منذ 7 ساعات
- معا الاخبارية
استطلاع معاريف: نتنياهو يزداد قوة وآيزنكوت يتراجع
بيت لحم معا-ظل انتظار الخطوة التالية في قطاع غزة، والاشتباكات بين المستويين السياسي والعسكري، أظهر استطلاع صحيفة "معاريف" تقدم كتلة الائتلاف إلى 50 مقعدًا مقابل تراجع المعارضة وحلفائها إلى 60، فيما تحافظ الأحزاب العربية على 10 مقاعد. في حال خوض حزبي نفتالي بينيت وغادي آيزنكوت الانتخابات المقبلة إلى جانب الأحزاب الحالية، أظهر الاستطلاع بقاء الليكود بقيادة نتنياهو عند 23 مقعدا، وحصول حزب بينيت على 21، و"الديمقراطيون" على 10، وحزب آيزنكوت على 9 (بتراجع مقعدين عن الأسبوع الماضي). فيما حصل كل من شاس وإسرائيل بيتنا على 9 مقاعد (الأخير بزيادة مقعد)، ويهدوت هتوراة وعوتسما يهوديت على 7 مقاعد لكل منهما (الأخير بزيادة مقعد)، ويش عتيد على 6 (بتراجع مقعد)، فيما نالت الموحدة و"حداش-تاعل" و"أزرق أبيض" 5 مقاعد لكل منهم (الأخير بزيادة مقعد)، بينما حصلت الصهيونية الدينية على 4 مقاعد. وحصل ائتلاف نتنياهو على 50 مقعدًا (49 في الاستطلاع السابق)، وكتلة المعارضة - بينيت - آيزنكوت - 60 مقعدًا (61 في الاستطلاع السابق)، والأحزاب العربية على 10 مقاعد أخرى. ويُظهر الاستطلاع أيضًا أن الأغلبية المطلقة من الإسرائيليين (69%) تخشى أن يُلحق استمرار الحرب في غزة الضرر بالتماسك الاجتماعي في إسرائيل (26% لا يخشون ذلك، و5% لا رأي لهم) وأظهر الاستطلاع خوف معظم الإسرائيليين (63%) من الضرر الأمني الذي قد يلحق بهم في إسرائيل أو خارجها (31% لا يخشونه.


شبكة أنباء شفا
منذ 19 ساعات
- شبكة أنباء شفا
نتنياهو يخطط لإسرائيل الكبرى … وأهل غزة ينتظرون الخلاص ، بقلم : المهندس غسان جابر
نتنياهو يخطط لإسرائيل الكبرى … وأهل غزة ينتظرون الخلاص ، بقلم : المهندس غسان جابر في مخيمات غزة، حيث البيوت المهدمة تُستبدل بخيام، وحيث الأطفال ينامون على أصوات الطائرات، هناك جملة تتكرر همسًا: 'لن ينقذنا أحد… إلا المسيح حين ينزل'. ليست هذه مجرد عبارة دينية، بل انعكاس لحقيقة مرة: أن كل الأبواب أُغلقت، وكل الوعود تحولت إلى غبار، وأن أهل غزة باتوا يشعرون أن النجاة لن تأتي إلا من معجزة سماوية بعدما خذلهم القريب قبل البعيد. وفي الطرف الآخر، بنيامين نتنياهو يقف على منصة، يتحدث بثقة عن 'مهمة تاريخية وروحية' لبناء إسرائيل الكبرى. في ذهنه، غزة ليست أكثر من مربع صغير في لوحة الشطرنج الكبرى، قطعة يريد إزاحتها أو إخضاعها، تمهيدًا لضم ما تبقى من الأرض الفلسطينية، وربما أبعد من ذلك. أما حماس، فهي تقف في معادلة معقدة: بين كونها سلطة الأمر الواقع في غزة، وبين كونها هدفًا رئيسيًا لآلة الحرب الإسرائيلية. لكنها أيضًا — شاءت أم أبت — أصبحت جزءًا من انتظار الناس. انتظار ماذا؟ إنجاز سياسي يغير المعادلة، انتصار عسكري يفرض التراجع، أو حتى 'المعجزة' التي يتحدثون عنها. لكن الحقيقة القاسية أن التاريخ لا يكتب بالانتظار. نتنياهو يفهم أن الزمن هو أقوى سلاحه: كل يوم يمر بلا تحرك عربي أو إسلامي أو دولي حقيقي، هو يوم يكسب فيه أرضًا جديدة، ويفرض واقعًا أكثر صعوبة على تغييره لاحقًا. غزة اليوم لا تحتاج فقط إلى إغاثة عاجلة، بل إلى قرار استراتيجي من العرب: إما أن يتحولوا من متفرجين إلى فاعلين، أو أن يتركوا المشهد كله ليُكتب بيد رجل يعتقد أن الله أرسله لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط. السياسة ليست انتظارًا للمسيح أو المهدي أو أي منقذ خارق. السياسة حركة، قرار، وموقف في الوقت المناسب. وإلا فإن الخريطة التي يرسمها نتنياهو ستصبح واقعًا، وستبقى غزة — ومعها فلسطين — على الهامش، تنتظر معجزة قد لا تأتي. في النهاية، قد يكون انتظار نزول المسيح رمزًا للإيمان، لكنه في السياسة هو استسلام لخصم لا ينتظر أحدًا. نتنياهو لا ينتظر معجزة، بل يصنعها بطريقته: بالدبابات، بالقوانين العنصرية، وبإعادة رسم الخرائط على حساب من يكتفون بالمشاهدة أو التضرع. غزة اليوم ليست بحاجة إلى من يحصي جراحها، بل إلى من يغيّر المعادلة التي جعلتها سجينة الحصار والخذلان. أما إذا استمر المشهد كما هو — حيث نتنياهو يخطط، والعرب يتناقشون، وحماس تحاصرها المعادلة، وأهل غزة ينتظرون المعجزة — فإن التاريخ سيسجل هذه الحقبة ليس كزمن المواجهة… بل كزمن الانتظار. وعندها، قد تنزل المعجزة فعلًا، لكن لتجد أن الخريطة التي كانت تعرفها غزة قد اختفت من الوجود. – م. غسان جابر – مهندس و سياسي فلسطيني – قيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية – نائب رئيس لجنة تجار باب الزاوية و البلدة القديمة في الخليل.