
مفتي موسكو: دمج الذكاء الاصطناعي في الإفتاء ممكنٌ وضروري ولكن بحذر ومسئولية
أكَّد الشيخ إلدار علاء الدينوف، مفتي موسكو، أن دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في عملية إصدار الفتاوى أمرٌ ممكن، بل وضروريٌّ، شريطة أن يتم التعامل معه بعناية ومسؤولية، مع الحفاظ على القيم الروحية والأسس الثقافية للأمة الإسلامية.
جاء ذلك في كلمته التي ألقاها خلال فعاليات جلسة الوفود بالمؤتمر العالمي العاشر للإفتاء، المنعقد في القاهرة تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، وبعنوان: "صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي"، وبحضور علماء ووزراء ومفتين ومتخصصين من مختلف دول العالم. مفتي موسكو: الفتوى تصدر تقليديًّا عبر أربع مراحل أساسية
وأوضح مفتي موسكو أن الفتوى تصدر تقليديًّا عبر أربع مراحل أساسية هي: التصوير، والتكييف، وبيان الحكم، ثم الإفتاء، وأن كل مرحلة تتطلب وقتًا وجهدًا كبيرين من الفقيه، مشيرًا إلى أن الذكاء الاصطناعي يمتاز بالكفاءة والسرعة، والموضوعية، والتعدد اللغوي؛ مما يجعله أداةً واعدةً في هذا المجال.
وأشار مفتي موسكو إلى أن هذه المزايا لا تعني أن تحلَّ التقنيات الحديثة محلَّ العلماء والباحثين الشرعيين بشكل كامل، موضحًا أن حكمة الفقيه وبصيرته وفهمه للسياقات الثقافية والاجتماعية تظل عناصرَ لا يمكن للذكاء الاصطناعي الإحاطة بها بشكل تام، فضلًا عن أن فعالية هذه التقنيات تعتمد على اكتمال ودقة قواعد البيانات المستخدمة، وإلا كانت النتائج خاطئة أو مضللة.
ودعا مفتي موسكو إلى وضع معايير دولية تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي في إعداد الفتاوى، وتوفير آليات للتحقق من صحة الأنظمة التي تُنتج الآراء الدينية واعتمادها، مؤكدًا ضرورة أن تعمل هذه الأنظمة في دائرة بيانات مغلقة بقاعدة معرفية موثوقة ومنتقاة بعناية، تحجب المحتوى المتطرف وغير الموثوق، كما حذَّر من أن الإتاحة المفتوحة للإنترنت قد تؤدي إلى تحريفات وانتهاكات خطيرة تتعارض مع مبادئ الإسلام.
وشدد على أهمية التعاون الوثيق بين علماء الدين والمطورين في إنشاء قواعد البيانات لتدريب الذكاء الاصطناعي، لافتًا إلى أن روسيا تعمل حاليًّا على تطوير نظام "حافظ" المتخصص في الموضوعات الإسلامية، والذي يعمل في دائرة مغلقة وبإشراف مباشر من العلماء للتحقق من دقة مواده، وقد أظهرت النتائج الأولى للمشروع إمكانيات واعدة.
واختتم مفتي موسكو كلمته بالتأكيد على ضرورة التوفيق بين تراث القرون الماضية وابتكارات العصر الرقمي، مع بقاء الفقيه شخصيةً مركزيةً في صناعة الفتوى، مشيرًا إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون مساعدًا فعالًا في معالجة المعلومات وتوفير الوقت والجهد، إذا ما استُخدم بضوابط واضحة ومسؤولية عالية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صدى البلد
منذ 5 ساعات
- صدى البلد
قرارات رئاسية حاسمة وتكليفات جديدة من الرئيس السيسي للحكومة .. تفاصيل
أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي حزمة من القرارات الرئاسية والتكليفات الحاسمة للحكومة وكبار رجال الدولة، خلال الأسبوع المنقضي، في خطوة نحو تعزيز مسيرة التنمية الشاملة. تأتي هذه التوجيهات في إطار رؤية الدولة لتحقيق قفزات نوعية في مختلف القطاعات، ومعالجة التحديات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة. كما تعكس هذه القرارات إصرار القيادة السياسية على تحسين جودة حياة المواطنين، وتطوير البنية التحتية، وتعزيز الإنتاجية الوطنية، بما يخدم الأهداف الاستراتيجية للدولة ويضمن مستقبلًا أكثر استقرارًا وازدهارًا. "صدى البلد" يستعرض أبرز ملامح هذه القرارات والتكليفات، وأثرها المتوقع على التنمية في مصر. شهد الأسبوع الماضي، إصدار الرئيس عبد الفتاح السيسي قرارا رقم 420 لسنة 2025، بشأن تخصص قطعة أرض بمساحة 18516.9 فدان من الأراضى المملوكـة للدولـة ملكية خاصة ناحية طريق وادى النطرون - العلمين، لصالح محافظـة البحيـرة، لاسـتخدامها فـى المـشروعات التنمويـة، وفقًا للقوانين والقواعد المعمول بها فى هذا الشأن. مد خدمة الفريق أسامة ربيع كما أصدر الرئيس السيسي القرار رقم 426 لسنة 2025، ونصت المادة الأولى على مد خدمة الفريق أسامة منير محمد ربيع - رئيس مجلس إدارة هيئة قناة السويس وعضو مجلس الإدارة المنتدب لمدة عام، اعتبارًا من 2025/8/12. وليد محمد سامي محمد جمال الدين رئيسًا للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس أصدر الرئيس السيسي، القرار رقم 427 لسنة 2025، الذي ينص على تجديد تعيين وليد محمد سامي محمد جمال الدين، رئيسًا للهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس بدرجة وزير. تجديد تعيين اللواء أركان حرب مهندس مختار عبد اللطيف وقرر الرئيس السيسي تجديد تعيين اللواء أركان حرب مهندس مختار عبد اللطيف رئيس الهيئة العربية للتصنيع. تعيينات جديدة في المناصب القضائية كما أصدر الرئيس السيسي، القرار الجمهوري رقم 428 لسنة 2025 متضمنًا حركة تعيينات جديدة في عدد من المناصب القضائية العليا، وتم تعيين كل من: المستشارين صلاح الدين محمود مجاهد نائب رئيس محكمة النقض للعمل مساعدا أول لوزير العدل، وإيهاب أديب بولس غبرائيل الرئيس بمحكمة استئناف القاهرة، مساعدا لوزير العدل لشئون الإدارات القانونية، وطارق إبراهيم محمد حربي الرئيس بمحكمة استئناف القاهرة، مساعدا لوزير العدل لشئون المحاكم المتخصصة، وسوزان عبد الرحمن فهمي يوسف، الرئيس بمحكمة استئناف القاهرة، مساعدا للوزير لقطاع حقوق الإنسان والمرأة والطفل، والدكتور مجدي سلامة محمود حسن دياب، رئيس بمحكمة استئناف الإسكندرية مساعدا للوزير لشئون المركز القومي للدراسات القضائية. كما أصدر الرئيس السيسي قرار رقم 146 لسنة 2025 بشأن الموافقة على اتفاقية التعاون لإنشاء حساب المشروعات فى مصر بين حكومة جمهورية مصر العربية والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية برأس مال 10 ملايين يورو. وصدق الرئيس السيسي على قانون رقم 167 لسنة 2025 بتعديل بعض أحكام قانون الموارد المائية والري الصادر بالقانون رقم 147 لسنة 2021. كما صدق الرئيس السيسي على عدة قوانين بشأن ربط موازنة عدد من الأجهزة والهيئات الحكومية للسنة المالية 2025/ 2026. الرئيس السيسي إعلاء حرية التعبير واحتضان جميع الآراء الوطنية اجتمع الرئيس السيسي، مع كل من الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، والمهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والمهندس عبد الصادق الشوربجي رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، وأحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام. وصرح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، بأن الرئيس استهل الاجتماع بتوجيه التحية والتقدير لجميع العاملين في قطاع الإعلام، مشيدًا بالدور الحيوي الذي يضطلع به الإعلام المصري في بناء الشخصية الوطنية، وتشكيل وعي المواطنين، وتعريفهم بالمستجدات والتطورات على الساحتين المحلية والدولية، إلى جانب إبراز الإنجازات المحققة، والارتقاء بالذوق العام، وترسيخ القيم والثوابت المجتمعية. خارطة طريق شاملة لتطوير الإعلام المصري وشدد الرئيس على التزام الدولة الراسخ بإعلاء حرية التعبير، واحتضان كافة الآراء الوطنية ضمن المنظومة الإعلامية المصرية، بما يعزز من التعددية والانفتاح الفكري. ووجه الرئيس السيسي بوضع خارطة طريق شاملة لتطوير الإعلام المصري، بالاستعانة بكل الخبرات والكفاءات المتخصصة، بما يضمن مواكبة الإعلام الوطني للتغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم، ويُمكنه من أداء رسالته بما يتماشى مع توجهات الدولة المصرية الحديثة والجمهورية الجديدة. ووجه الرئيس أيضا بأهمية إتاحة البيانات والمعلومات للإعلام، خاصة في أوقات الأزمات التي تحظى باهتمام الرأي العام، حتى يتم تناول الموضوعات بعيدًا عن المغالاة في الطرح أو النقص في العرض. وشدد الرئيس السيسي على أهمية الاعتماد على الكوادر الشابة المؤهلة للعمل الإعلامي، وتنظيم برامج تثقيفية وتدريبية للعاملين في هذا المجال، مع التركيز على مفاهيم الأمن القومي، والانفتاح على مختلف الآراء، بما يرسخ مبدأ 'الرأي والرأي الآخر' داخل المنظومة الإعلامية. واستمع الرئيس السيسي خلال الاجتماع إلى عرض حول الجهود المبذولة لتطوير منظومة الإذاعة والتلفزيون المصري (ماسبيرو)، بما يشمل القنوات التابعة، إلى جانب عرض حول تحديث المؤسسات الصحفية القومية. فيما وافق الرئيس على صرف البدل النقدي المقترح من الحكومة للصحفيين، كما وجّه بحل مشكلة مكافأة نهاية الخدمة للعاملين في ماسبيرو. حماية والحفاظ على تراث الإذاعة والتلفزيون كما اجتمع الرئيس السيسي، مع الدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وأحمد المسلماني، رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، واللواء محسن عبد النبي، مستشار رئيس الجمهورية للإعلام. وصرح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية بأن الرئيس وجّه خلال الاجتماع بضرورة حماية والحفاظ على تراث الإذاعة والتلفزيون المصري، من خلال تحويل جميع الأشرطة الإذاعية والتلفزيونية التابعة للهيئة إلى وسائط رقمية، واستثمار هذا المحتوى ضمن المنصة الرقمية المزمع إنشاؤها بالهيئة الوطنية للإعلام. إعداد الموقع العالمي لإذاعة القرآن الكريم وأضاف السفير محمد الشناوي، المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، أن الرئيس وجه كذلك بالمضي قدمًا في إعداد الموقع العالمي لإذاعة القرآن الكريم، من أجل حفظ تراث القراء والمبتهلين، وحماية البرامج العديدة التي تعاقب بثها في إذاعة القرآن الكريم منذ تأسيسها عام 1964. الرئيس السيسي ونظيه الأوغندي واستقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي، بقصر الاتحادية، رئيس جمهورية أوغندا يويري كاجوتا موسيفيني، حيث عُقدت مراسم الاستقبال الرسمية، وتم عزف السلام الوطني لكل من جمهورية مصر العربية وجمهورية أوغندا. وصرح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية بأن الرئيسين عقدا اجتماعاً مغلقاً، وأعقبه جلسة مباحثات موسعة شارك فيها وفدا البلدين، وبحث الجانبان سبل الارتقاء بالعلاقات الثنائية التاريخية بين مصر وأوغندا، واتفقا على مواصلة تعزيزها خاصة فيما يتعلق بالجوانب السياسية، والتجارية، والاستثمارية، وبما يحقق المصلحة المشتركة للشعبين الشقيقين. وأضاف السفير محمد الشناوي، المتحدث الرسمي، أن الرئيسين شهدا التوقيع على عدد من مذكرات التفاهم في مجال التعاون الفني في قطاع إدارة الموارد المائية، وفي مجال التعاون الزراعي والغذائي، وفي مجال الاستثمار، وفي مجال الإعفاء المتبادل من تأشيرات الدخول لحاملي جوازات السفر الرسمية، وفي مجال التعاون الدبلوماسي لدعم إنشاء معهد دبلوماسي أوغندي.


صدى البلد
منذ 6 ساعات
- صدى البلد
موعد تطبيق قرار أعمال السنة على الإعدادية.. فيديو
استعرض الإعلامي أحمد دياب مقدم برنامج «صباح البلد» والمذاع عبر قناة «صدى البلد» قرار وزارة التربية والتعليم الخاص بإعفاء الدفعتين الملتحقتين بالصف الثالث الإعدادي بالعامين الدراسيين 2025 و2026 وأيضاً 2027 من أعمال السنة، حتى يتم تطبيقها على دفعة الصف الثالث الإعدادي بالعام 2028. أحكام قانون التعليم وجاء هذا القرار عقب تصديق الرئيس عبد الفتاح السيسي على القانون رقم 169 لسنة 2025، والخاص بتعديل بعض أحكام قانون التعليم الصادر بالقانون رقم 139 لسنة 1981. وقرر وزير التربية والتعليم والتعليم الفني بدء تطبيق أعمال السنة بنسبة مئوية لا تتجاوز 20% من المجموع الكلي لطلاب نهاية مرحلة التعليم الأساسي، وذلك على الطلاب الملتحقين بالصف الأول الإعدادي العام الدراسي المقبل 2025/ 2026.


الجمهورية
منذ 12 ساعات
- الجمهورية
ليس تخويفاً ولا رغبة: ما تتعرّض له الأقليات حقيقة لا سيناريو!
والحقيقة أنّي أضأتُ على هذا الموضوع لأنّه قائم ولا يستطيع أحد - مهما حاول وسعى - أن يمحوه من الذاكرة الجماعية، خصوصاً إذا كان مركوزاً في التاريخ القديم والحديث. فالأقليات في زمننا الراهن لم تكن يوماً طارئة على الشرق الأوسط ولا مستوردة إليه، ووجودها يرقى إلى قرون بعيدة. وعلى رغم من أنّها بلغاتها القومية والطقسية وموروثها الثقافي رفدت العروبة بأسباب الحضارة، وكانت رافعة لتجدّدها وتطوّرها واتخاذها بُعداً ينطلق من الإسلام ويتجاوزه في آنٍ لتشكيل هويّتها التي تؤلّف لغة الضاد عمودها الأساس، فإنّها لم تتحرّر من مخاوفها، لأنّ التعاطي معها كان على أساس ديني، وعددي، لا على أساس الدور الذي تضطلع به في بلدانها ومجتمعاتها. وفي العصور الإسلامية الغابرة، وخصوصاً في المراحل التي كانت ترتسم فيها ملامح الدول، كانت الأقليات المادة الرمادية (LA MATIÉRE GRISE) لهذه الدول، فمن بينها الفلاسفة والتراجمة والأطباء، بالإضافة إلى اللغويِّين والنُحّاة والفلكيِّين والمحاسبين الذين تُعهَد إليهم بيوت المال، وهي بالتالي لا يمكن أن تكون إلّا في صُلب نسيج هذه المنطقة، والشاهد الأول على تحوّلاتها. لكنّها دفعت ضريبة التعصّب، واستخدام القيّمين على دول المنطقة في حقبات الأمبراطوريات والممالك والإمارات الكبرى والإمارات المحلية، أساليب الضغط والتشكيك والمضايقة، والعمل على تهميشها بذريعة الحذر والتشكيك بولائها الوطني. فتولّد شعور لدى أبناء هذه الأقليات بأنّهم مواطنون من درجة ثانية. وإذا أجرينا قراءة واقعية للنزاعات والحروب التي حصلت منذ العام 1840 حتى اليوم، لتبيّن لنا على «الورقة والقلم» أنّ الأقليات الدينية والإتنية كانت الضحية الأولى، ومن بينها مَن تعرّض في الحرب الكونية الأولى إلى محاولة الإبادة تجويعاً، على غرار ما يحصل الآن في غزة. إنّ نمو حركات التطرّف وامتدادها في منطقة الشرق الأوسط، وخصوصاً بعد الغزو الأميركي للعراق، لم يكن مفاجئاً في ظل التطوّرات التي حصلت في العالم بعد 11 أيلول 2001، وهي ازدادت حضوراً وامتداداً على إثر تفكيك بنية الدولة بكاملها بذريعة «إجتثاث البعث»، لتصبح بلاد الرافدَين سداحاً مدّاحاً أمام الإرهاب والفوضى، وسوريا اليوم هي أمام مشهد مماثل، ولو أنّ الحدّ الأدنى من هيكلية الدولة لا يزال قائماً، على رغم من إقدام إسرائيل على تدمير جيشها بنسبة 90% على إثر استهداف بنيته العسكرية والقضاء على ترسانته الجوية، البحرية، البرية، ومراكز الأبحاث ومعامل إنتاج الأسلحة، واغتيال عدد من العلماء على غرار ما حصل في العراق، وحصل ويحصل مع علماء إيران. وإزاء هذا الواقع، نشطت طروحات التقسيم والفدرلة واللامركزية الموسعة كخيار لسوريا الجديدة، خصوصاً بعد أحداث الساحل والسويداء. وهناك إمكانية لتحقيق أي من هذه الطروحات على أرض الواقع، لأنّ العلويِّين والدروز يعيشون في حيِّز جغرافي محدّد ومعروف، يمكنهم من إقامة دويلة تحظى بحمايات خارجية، لكنّ ذلك لا يسري على مسيحيِّي سوريا الذين ينتشرون على امتداد خريطة بلادهم، ويندمجون في مجتمعها ويتفاعلون إيجاباً مع مواطنيهم، وهذا ما يُضاعف خوفهم من الآتي وملامح الغد الغامض وما يمكن أن يحمل إليهم. وهذه الخشية هي التي دفعت برؤساء الطوائف المسيحية في هذا البلد إلى إجراء إتصالات مكثفة بدوائر القرار في العالم، والفاتيكان، والدول المؤثرة، من دون أن تحظى بجواب واضح وحاسم، بإستثناء تدخّلات لدى القيادة الانتقالية في دمشق، تحذّرها من المساس بأمن المسيحيِّين وعدم التعرّض لهم، وهذا الأمر أراحهم بعض الشيء، لكنّه لم ينجح في إزالة مخاوفهم، كَون الوعود قابلة للتبدّل، وأصحابها لا يمسكون جيداً بالأرض والخروقات واردة في أي لحظة. ولذلك، فإنّ المسيحيِّين وسائر الأقليات ما زالوا في دائرة القلق والترقّب، وسمة الحذر المائل إلى التشاؤم يغلب عليهم. وهم في انتظار العهود الدولية والعربية المقطوعة لهم بانتخابات ديمقراطية ومجلس نيابي جديد يحترم التعدّدية والتنوّع، ومن ثم الدستور الجديد وما يتضمّن من بنود تصبّ في هذا الاتجاه ليُحدّدوا مصير بقائهم في سوريا الجديدة: هل يَشطبون من قاموسهم كلمة «هجرة»، أو يُقبلون عليها، خصوصاً أنّ الآف طلبات الهجرة للمسيحيِّين السوريِّين مكدّسة في قنصليات الدول الغربية، فيما يسعى البطاركة والمطارنة إلى الحدّ ما أمكن من هذه النزعة اليائسة التي تتحكّم برعاياهم. إنّ الزيارة التي قام بها الأمين العام لرئاسة الجمهورية السورية الدكتور ماهر الشرع، موفداً من رئيس الجمهورية أحمد الشرع، لتقديم التعازي بشهداء الهجوم الإجرامي الذي وقع في كنيسة مار إلياس الدويلعة في دمشق في 22 حزيران الماضي، كانت خطوة مرحّباً بها ويُفترض أن تتمّ غداة التفجير، وأنّ حصولها أفضل من عدم حصولها، لكنّها لا تكفي لنزع الخوف من قلوب الناس، وتبديد هواجسهم. والمطلوب ضمانات دستورية وتشريعات قانونية يستند إليها النظام الجديد في سوريا، ليشعر الجميع بأنّهم على طريق سلام مستدام يقود إلى الاستقرار المنشود. فلا تكون الإيجابية المفاجئة استجابة لتمنٍ أو طلب خارجي، كسحابة سرعان ما تزول. وإنّ إسرائيل العنصرية بطبيعة تركيبها تسعى من خلال «الترانسفير» والتضييق إلى تصفير الوجود الفلسطيني على أراضي دولتها المغتصبة والمحتلة من أجل أحادية تريدها، ولذلك لا يضيرها أن تقوم في جوارها بلدان ذات صبغة أحادية، وإذا تعذّر ذلك فبلدان منقسمة إلى فدراليات وكانتونات، تسير بالحدّ الأدنى من الإمكانات، فتبقى لها اليد العليا في إدارة شؤون المنطقة بدعم واضح من الولايات المتحدة الأميركية خصوصاً والغرب عموماً، وإغضاء عربي لم يَعُد من الصعب تلمّسه. واذا كان وضع المسيحيِّين والشيعة والدروز في لبنان يختلف راهناً عمّا هو عليه الوضع في الدولة الجارة، فإنّ الاتصال الجغرافي والواقع الجيو-سياسي يجعل لبنان أكثر عرضة للعدوى السورية، وهذا الهاجس يستبدّ بأبناء هذه الطوائف، ولا سيما منهم المسيحيّون، لأنّهم منتشرون ديموغرافياً وعقارياً على امتداد الجغرافيا اللبنانية، ومن المتعذّر طمأنتهم بفدرالية تمتلك مقوّمات الثبات بعد الهجرات الداخلية التي تسبّبت بها الحروب فيه وعليه منذ العام 1975، بعكس مناطق وجود الشيعة والدروز المعروفة والمحدّدة. وإنّ السؤال المطروح هو: هل يمكن اللامركزية الإدارية الموسعة أن تشكّل حلاً؟ في الواقع إنّ الأقليات في منطقة الشرق الأوسط، بما فيها لبنان، في حاجة إلى دساتير مدنية تحقق المواطنة قانوناً وشعوراً، وتساهم في نزع الهواجس، وتفتح باب المشاركة الوطنية في إدارة شؤون الدولة على قاعدة المساواة مع الأخذ بالنسب العددية للسكان. إنّ أقسى ما تعانيه الأقليات هو شعور أبنائها بأنّهم مواطنون من الدرجة الثانية، وهذا ما يُفسّر انكفاءهم وعدم تفاعلهم الإيجابي مع محيطهم، ومَيلهم الدائم إلى الهجرة، في وطن لا يطمئنّون إلى مستقبلهم فيه. الأشهر المقبلة هي محك المستقبل، والفاصلة بين مرحلة ومرحلة إذا ساعدت التطوّرات المتسارعة على ترسيم هوية سوريا الجديدة وتحديد معالمها. وإلّا، فإنّ الغموض سيبقى يلفّ المشهد الشرق أوسطي مع ما يحمل من مخاطر. هذا هو الهدف من الإضاءة على هذا الملف، من دون أن تكون من وراء إثارته أي غاية سوى الحرص على التعدّد والتنوّع في المنطقة، والحفاظ على ثقافة الحياة المشتركة بين مكوّناتها، وذلك انسجاماً مع تاريخها الحضاري، وهي منبع الديانات السماوية، والفلسفات القديمة، وإحدى الركائز - الأساس للحضارة الإنسانية الممتدّة منذ فجر التاريخ إلى يومنا هذا.