
يومُ التحرير الترمبي
العيشُ طيلة أربعين عاماً وأزيد تحت حُكم العقيد معمر القذافي، يجعل المرءَ يتعود التعامل مع المعاجم السياسية الديماغوجية (الغوغائية) بشيء من عدم المبالاة وبكثير من الحذر في آن. ذلك أن العقيد القذافي، مثل غيره من الغوغائيين؛ حرص على نحت معجمه الغوغائي الخاص. إذ رغم التشابه بينهم في كثير من الأوجه، يتميّز كل غوغائي بخاصّية معيّنة. العقيد القذافي كان طوال فترة حكمه يحرص على إظهار نفسه بصفة «القائد المُفكر». ذلك الحرص، تحديداً، دفعه إلى تأليف كتابه الأخضر بأجزائه الثلاثة. إذ لا يمكن الادعاء بكونه مفكراً من دون أن يقدم الإثبات على ذلك. الكتاب تُرجم إلى أغلب لغات العالم، وتأسس مركز خاص به، أُطلقَ عليه اسم «مركز دراسات وبحوث الكتاب الأخضر».
العقيدُ القذافي، في كتابه الأخضر، تمكن من ابتكار ونحت عالم غريب وفريد من المُسمّيات والحلول البهلوانية لأزمات عالمية سياسية واقتصادية مستعصية، وبهدف إقناع الليبيين والعالم بأن ليبيا بلد ديمقراطي، وأن الليبيين يحكمون أنفسهم بأنفسهم، وأنّه قائد ثورة ومفكر، ولا علاقة له بالحكم والسلطة، كونه سلمهما طوعاً للشعب!!. لكن ذلك العالم كان وهميّاً، لا علاقة له بما كان يحدث في البلاد وفي الواقع من كوارث. وكان عالَماً معلقاً في الهواء بخيط أوهن من خيط عنكبوت. لذلك السبب اختفى وتلاشى لدى اختفاء صاحبه.
القذافي لم يكن الأول في ذلك، وبالطبع لن يكون الأخير. فالديماغوجيون (الغوغائيون) لا يتوقفون عن اعتلاء خشبة المسرح السياسي، واللجوء إلى استراتيجية اللعب على العواطف بالحماسة والأكاذيب وتحريف الوقائع والتاريخ من أجل كسب ولاء الناس؛ لخدمة أهدافهم. ولعل ما يحدث هذه الأيام في أميركا خير مثال.
في الآونة الأخيرة، وبعد قراره برفع الرسوم الجمركية على كل الواردات الأميركية من البضائع والسلع، أطلق الرئيس الأميركي دونالد ترمب على اليوم الذي تقرر فيه تنفيذ القرار «يوم التحرير». ولا أظنُّ أن أحداً يعرف على وجه الدقة، ما المقصود به.
«يوم التحرير» الترمبي لا يزيد على كونه نعياً بموت النظام الاقتصادي العالمي، الذي عرفه العالم طيلة 80 عاماً. وهو، في الوقت ذاته، إعلان حرب حمائية أميركية على دول العالم دون استثناء، في قارات العالم الخمس. واستناداً إلى خبراء الاقتصاد فإن الضرر منه على المواطن الأميركي أكثر من نفعه ومن خلال متابعة ما تنشره التقارير الإعلامية، كانت الشركات الأميركية أكثر المتضررين منه، وتشهد على ذلك الخسارات في أسواق البورصة الأميركية، وفي غيرها من بورصات العالم. وكل ذلك الضرر حدث بعد البدء في تنفيذ القرار مباشرة.
«يوم التحرير» الأميركي، في رأيي، لا يختلف عن «يوم الاستقلال» البريطاني، الذي أعلنه بوريس جونسون، لدى نجاح الحملة التي قادها خلال الاستفتاء الشعبي عام 2016، وأدت إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. الآن، وبعد تسع سنوات من «يوم الاستقلال» الجونسوني، يسعى الساسة البريطانيون بخجل، إلى محاولة إعادة روابط بريطانيا ببروكسل.
«يوم الاستقلال»، الذي تبجح به بوريس جونسون، وعمل على تسويقه للبريطانيين، كان مجرد تعبير ديماغوجي، استطاع من خلاله جونسون ومن قادوا معه حملة الخروج خداع أكثر من نصف الشعب البريطاني بأكاذيب طالت كل شيء، وأدّى إلى قطع الجسور مع أوروبا، وتحقيق حلمهم الانعزالي في إقامة جدار يفصلهم عن أوروبا، بِوَهمِ إحياء أمجاد الإمبراطورية البريطانية.
بوريس جونسون طُرد من «10 داوننغ ستريت»، فيما بعد، في يوم مشهود، وخرج معه الانعزاليون. لكن بريطانيا لم تربح قط من الخروج، بل زادت معاناتها من المهاجرين غير القانونيين، وخسرت شركاتها 27 سوقاً أوروبية في 27 دولة أوروبية.
بوريس جونسون كان كل همه الوصول إلى تحقيق حلمه في الإقامة برقم «10 داوننغ ستريت»، وليس مهماً الوسيلة التي تقود إلى ذلك. الديماغوجيا كانت الاستراتيجية الأنسب. وخلال تلك الحملة كان تركيزه على استخدام مصطلح استعادة السيادة البريطانية على رقابة الحدود، وفي القضاء، وحرية القرار السياسي البريطاني، والتوقف عن ضخ الأموال البريطانية في خزائن الاتحاد الأوروبي. وها نحن حالياً على مسافة تقترب من العقد من الزمن، ولا نرى لتلك الوعود ظلاً على الأرض، بل العكس هو الصحيح. ولعل أكبر خسارة تمثلت في خسارة الشركات البريطانية أسواقها الأوروبية، وفشل الحكومات المتعاقبة في عقد شراكة تجارية مع أميركا، وغزو الأسواق العالمية كما كان يزعم الانعزاليون الديماغوجيون.
وعلى ما يبدو، فإن الرئيس ترمب يحاول إعادة الزمن للوراء، ويعيدنا نحن إلى تلك الفترة الزمنية غير البعيدة في التاريخ البريطاني. إذ من غير المنطقي أن يتمّ إحياء المجد الأميركي من خلال مراكمة الخسائر في أرباح وأسهم الشركات الأميركية، أو في إثقال كاهل المواطن الأميركي بأحمال معيشية إضافية، من خلال قرارات سياسية تتسبب في رفع معدلات التضخم. ولن تتمكن كذلك من احتواء الصين، ولن تكون الحلَّ الأنسبَ لتخليص أميركا من ديونها البالغة 36 تريليون دولار.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جو 24
منذ 15 ساعات
- جو 24
وزير الخارجية يؤكد لنظيره الألماني أهمية الوقف الدائم لإطلاق النار في غزة
جو 24 : أجرى نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، الخميس، اتصالًا هاتفيًّا مع وزير خارجية ألمانيا الجديد يوهان فاديفول، وبحث معه سبل تطوير علاقات الصداقة الراسخة بين البلدين، والأوضاع في المنطقة. وأكّد الصفدي، الذي هنّأ فاديفول بتوليه موقعه وزيرًا لخارجية ألمانيا، تطلعه إلى العمل معًا على تطوير التعاون بين البلدين وفي جهود تحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة. وشدّد فاديفول على تثمين بلاده علاقات الصداقة مع المملكة، ودورها في تعزيز الأمن والاستقرار. وأكّد الوزيران أهمية المحادثات التي أجراها جلالة الملك عبد الله الثاني والمستشار الألماني فريدريس ميرتس قُبَيل توليه مهامه خلال زيارة جلالة الملك إلى ألمانيا في 2 نيسان 2025 وما عكسته هذه المحادثات من حرص مشترك على توسعة التعاون الثنائي والتنسيق في جهود حل الأزمات الإقليمية. وبحث الوزيران جهود التوصل لوقف دائم لإطلاق النار في غزة، وأكّدا أهمية نجاح هذه الجهود، وإدخال المساعدات الإنسانية، وتضافر الجهود لإطلاق مسار حقيقي وفاعل لتحقيق السلام العادل والشامل الذي أكّد الصفدي أن حل الدولتين هو سبيله الوحيد. وأكّد الصفدي ضرورة تكاتف كل الجهود لتحقيق وقف فوري لإطلاق النار، وتنفيذ اتفاقية التبادل، وإدخال المساعدات بشكل فوري وكافٍ لمواجهة الكارثة الإنسانية التي يسببها العدوان. وبحث الوزيران الأوضاع في سوريا، وأهمية استقرار سوريا وأمنها للأمن والاستقرار الإقليميين والدوليين، وأكّد الصفدي ضرورة دعم الحكومة السورية في إعادة بناء سوريا على الأسس التي تضمن أمنها واستقرارها وسيادتها ووحدة أراضيها وتلبي حقوق جميع مواطنيها، مُثمّنًا قرار الاتحاد الأوروبي رفع العقوبات عن سوريا خطوة ضرورية للمساعدة في دعم استقرار سوريا وعملية إعادة البناء. واتفق الوزيران على إدامة التواصل والالتقاء في أقرب وقت ممكن. تابعو الأردن 24 على


أخبارنا
منذ يوم واحد
- أخبارنا
الأمير مرعد يلتقي أمين عمان
أخبارنا : التقى سمو الأمير مرعد بن رعد، كبير الأمناء، رئيس المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، في مقر المجلس الأربعاء، أمين عمان الدكتور يوسف الشواربة، وبحثا قضايا ذات اهتمام مشترك، من ضمنها المضي قدماً لتنفيذ التزامات الأمانة المقدمة في القمة العالمية للإعاقة 2025 ووضع خطط تنفيذها. وثمن سمو الأمير مرعد التعاون الوثيق والتنسيق الدائم مع أمانة عمان الذي اعتبره نموذجاً وممارسةً فضلى في تضافر الجهود وتكاملها بما يضمن شمولية المشاريع التي تنفذها الأمانة لمتطلبات وصول الأشخاص ذوي الإعاقة وفقاً لأفضل المواصفات الفنية والهندسية الواردة في كودة متطلبات البناء للأشخاص ذوي الإعاقة. من جهته، أكد الشواربة أهمية استمرار التنسيق وتبادل الخبرات الفنية بين الجانبين، لافتا إلى أن إمكانية الوصول والترتيبات التيسيرية في المشروعات التي تنفذها الأمانة باتت متطلبات رئيسية. وبحث اللقاء أبرز المستجدات في مجال توفير متطلبات إمكانية الوصول للأشخاص ذوي الإعاقة ضمن المسارات الجديدة للباص سريع التردد في كل من محافظتي مادبا والبلقاء. كما تناول اللقاء الخطوات الإجرائية للبدء بتصميم معابر مشاة مناسبة وآمنة، من خلال توفير إشارات مرورية مزودة بنظام تنبيه صوتي يمكّن الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية من العبور الآمن ضمن مجموعة من التقاطعات المرورية الرئيسية في العاصمة. وتناول اللقاء الخطوات التنفيذية لاستكمال التهيئة ضمن المرحلة الثانية من مشروع المنطقة النموذجية في جبل الحسين لتسهيل الحركة والانتقال للمشاة والأشخاص ذوي الإعاقة، من خلال وضع مؤشرات أرضية ملموسة لاستخدام الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، بالإضافة إلى تهيئة الأرصفة وإزالة العوائق التي تعترض حركة المشاة. وجاء اختيار هذا الموقع لوجود أبنية عامة خدمية وتجارية وعيادات طبية وبنوك ومساجد وجمعيات ومدارس، وحركة مشاة كثيفة. كما بحث اللقاء مشروع المدن المرنة الشاملة للأشخاص ذوي الإعاقة في منطقة العبدلي، وهو من مبادرات الأمانة، بالشراكة مع المجلس، ومنظمات محلية تعنى بالأشخاص ذوي الإعاقة، وخبراء في التخطيط العمراني. وسيتم تنفيذ هذا المشروع خلال العامين المقبلين بتمويل من الاتحاد الأوروبي، لتحويل منطقة العبدلي إلى نموذج يُحتذى به في التنمية الحضرية الشاملة والمرنة. ومن المتوقع أن يحقق المشروع فائدة مباشرة لأكثر من 156 ألف شخص، من ضمنهم 7 آلاف شخص من ذوي إعاقة. --(بترا)


وطنا نيوز
منذ يوم واحد
- وطنا نيوز
دول تستنكر إطلاق الجيش الإسرائيلي النار على وفد دبلوماسي
وطنا اليوم:استنكرت دول إطلاق القوات الإسرائيلية، الأربعاء، الرصاص على وفد دبلوماسي دولي عند المدخل الشرقي لمخيم جنين بشمال الضفة الغربية. واعتبر وزير الخارجية الإيطالي أنتونيو تاياني الأربعاء أن الطلقات التحذيرية التي أطلقها الجيش الإسرائيلي باتجاه الدبلوماسيين تهديدات 'غير مقبولة'. وكتب تاياني في منشور على إكس: 'نطلب من الحكومة الإسرائيلية توضيحات فورية لما حصل. والتهديدات في حقّ الدبلوماسيين غير مقبولة'. إسبانيا من جانبها 'نددت بشدة' بإطلاق النار الإسرائيلي خلال زيارة الدبلوماسيين، وجاء في بيان مقتضب للخارجية الإسبانية: 'الوزارة تحقّق في كلّ ما جرى. كان إسباني ضمن مجموعة الدبلوماسيين وهو بخير. ونحن نتواصل مع بلدان أخرى معنية بالمسألة لتقديم ردّ مشترك على ما حصل، وهو أمر نندّد به بشدة'. وبدورها اعتبرت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس أن أي تهديد لحياة الدبلوماسيين هو 'غير مقبول'، مضيفة لصحافيين في بروكسل 'ندعو إسرائيل إلى التحقيق في هذه الحادثة ونطلب محاسبة المسؤولين عنها'. وطالبت بلجيكا إسرائيل بتوضيحات بعد الطلقات التي أطلقت باتجاه الدبلوماسيين. ماذا حدث؟ أطلقت القوات الإسرائيلية، الأربعاء، الرصاص على وفد دبلوماسي دولي عند المدخل الشرقي لمخيم جنين بشمال الضفة الغربية، وفق وكالة الأنباء الفلسطينية. وذكرت الوكالة أن ذلك جاء أثناء تواجد الوفد الدبلوماسي عند مدخل مخيم جنين 'للاطلاع على الواقع المأساوي للمخيم'. وأفادت بأن الجنود الإسرائيليين المتواجدين في مخيم جنين 'أطلقوا الرصاص الحي بشكل مباشر وكثيف تجاه الوفد الدبلوماسي أثناء تواجده في محيط مخيم جنين للاطلاع على أوضاع المخيم والحصار المفروض عليه'. وأشارت إلى أنه 'خلال تواجد الوفد قرب البوابة الحديدية التي نصبها الاحتلال على مدخل المخيم الشرقي أطلق جنود الاحتلال النار بشكل كثيف اتجاه الوفد ومجموعة من الصحفيين الذين يغطون الزيارة'. ولفتت إلى أن 'وفدا دبلوماسيا من الوزارات العربية والأجنبية قد زار مقر محافظة جنين صباح اليوم واطلع على أوضاع المدينة والمخيم، وقدم المحافظ شرحا مفصلا حول الوضع الاقتصادي للمدينة، وتأثير العدوان على مرافق الحياة في المدينة والخسائر التجارية وتدمير البنية التحتية، إضافة لأوضاع 22 الف نازح أجبرهم الاحتلال على ترك منازلهم في المخيم'. ووفق الوكالة، فقد ضم الوفد سفراء مصر، والأردن، والمغرب، والاتحاد الأوروبي، والبرتغال، والصين، والنمسا، والبرازيل، وبلغاريا، وتركيا، وإسبانيا، وليتوانيا، وبولندا، وروسيا، وتركيا، واليابان، ورومانيا، والمكسيك وسيريلانكا، وكندا، والهند، وتشيلي، وفرنسا، وبريطانيا وعدد من ممثلي الدول الأخرى.