
رفع العقوبات عن سوريا.. فرصة تاريخية أم لعبة مصالح دولية؟
بينما كانت أروقة الكونغرس الأميركي تضج بجدل حاد حول مصير العقوبات المفروضة على سوريا، فجّر وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو مفاجأة سياسية حين صرّح بأن "السلطات الانتقالية السورية على بعد أسابيع من الانهيار"، داعيا إلى رفع العقوبات الأميركية والأوروبية لإنقاذ ما تبقى من الدولة السورية.
هذا التحول المفاجئ في الخطاب الغربي، والذي تزامن مع إعلان الرئيس دونالد ترامب رفع العقوبات الأميركية، تبعه ترحيب حذر من العواصم الأوروبية، وسط انقسام داخلي حول ما إذا كانت هذه الخطوة تعكس رغبة حقيقية في بناء سلام دائم، أم مجرد مناورة جيوسياسية لاحتواء إيران و روسيا.
يرى البرلماني السوري السابق والأكاديمي الدكتور محمد حبش خلال حديثه إلى غرفة الأخبار على سكاي نيوز عربية أن القرار الأميركي لم يأتِ من فراغ، بل هو "تعبير عن إدراك متأخر لحقيقة ساطعة: العقوبات لم تُسقط النظام، لكنها أسقطت حياة الناس".
وشدد حبش على أن استمرار العقوبات هو استمرار لوهم سياسي تجاوزه الواقع السوري، قائلا: " الشعب السوري هو من تضرر من هذه العقوبات، لا النظام".
وأضاف أن المسألة لم تعد سياسية بقدر ما أصبحت إنسانية واقتصادية، موضحا: "العقوبات عطلت الإنتاج، دمرت الطبقة الوسطى، وعمّقت النزوح. إنها تشبه ضمادة تُغلق الجرح لكنها تمنع الهواء عن الجسد".
وتابع: "نحتاج إلى استثمار دولي في التعليم، والبنية التحتية، والطاقة، وليس فقط مساعدات إنسانية".
وختم حبش حديثه بالقول: "استقرار سوريا مصلحة أوروبية بامتياز، تتجاوز الحسابات الأخلاقية إلى الأمن القومي الأوروبي ذاته".
الباحث والأكاديمي الفرنسي، الدكتور جون بيير ميلالي، قدم مقاربة مركبة تُظهر كيف تحوّلت العقوبات من أداة ضغط إلى عبء مزدوج: أخلاقي واستراتيجي.
وأوضح ميلالي: "لم تُسقط العقوبات النظام السوري، لكنها أطاحت بأي أمل بعودة الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. إنها عقوبات ضد البقاء اليومي للمواطن السوري".
ويرى ميلالي أن التحول الأميركي يمثل فرصة نادرة أمام أوروبا لمراجعة أدواتها السياسية، مضيفا: "التحول ليس في القرار الأميركي فحسب، بل في إدراك الغرب أن السياسة العقابية باتت تخدم خصومه أكثر مما تؤثر في خصومه".
وبيّن أن: "رفع العقوبات هو اختبار للثقة بين أوروبا والشعب السوري، وليس بين أوروبا والنظام فقط. إن بناء علاقة نزيهة مع السوريين يتطلب التخلي عن منطق المشروطيات السياسية المطلقة، والانطلاق نحو رؤية طويلة المدى تربط بين الانفتاح الاقتصادي والإصلاح السياسي الداخلي".
وحذر ميلالي في نهاية تحليله من أن الإبقاء على العقوبات سيعني ببساطة تسليم الملف السوري لإيران وروسيا على طبق من فراغ سياسي.
من زاوية مغايرة، يتناول الأكاديمي والباحث السياسي ياسر النجار الموضوع بنَفَس نقدي يعكس مخاوف حقيقية من تفويت الفرصة التاريخية، حيث يقول: "الانفتاح الغربي على دمشق ليس بياضا على بياض. إنه مقترن بشروط ضمنية تتعلق بتوسيع قاعدة الحكم، ووقف التجييش الطائفي، وتحقيق العدالة الانتقالية".
ونبّه النجار من أن أي تراخٍ في التعامل مع هذه اللحظة سيعيد البلاد إلى نقطة الصفر: "العالم يراقب دمشق، وينتظر إشارات على وجود إرادة حقيقية للتغيير. رفع العقوبات دون إصلاح داخلي سيكون مجرد استراحة قصيرة في مسلسل الانهيار".
ووفق النجار فإن النظام السوري مطالب اليوم بأكثر من مجرد استقبال الأموال أو الاستثمارات، بل بإعادة تعريف العقد الاجتماعي، وإرساء آليات شفافة للحكم، وتمكين قوى المجتمع المدني، وإعادة هيكلة المؤسسات الاقتصادية بما يخلق بيئة جاذبة للمستثمرين.
الكاتب والباحث السياسي إيهاب عباس، يرى أن خطوة واشنطن تأتي في سياق أكبر من الملف السوري، ويقول: "ما نراه اليوم هو إعادة تموضع أميركي في الشرق الأوسط، مدفوع برغبة في احتواء تداعيات اللجوء، وتقليم أظافر النفوذ الإيراني".
وعن مرحلة ما بعد رفع العقوبات، قال عباس: "دون خطة شاملة لإعادة الإعمار والمصالحة الوطنية، فإن هذا القرار سيبقى خطوة ناقصة. رفع القيود لا يعيد الكهرباء، ولا يُنشئ مدارس، ولا يُنتج وظائف".
وأشار عباس إلى أنه على أوروبا ، بما تملكه من موارد ومؤسسات، تمتلك القدرة على قيادة مشروع اقتصادي جاد في سوريا، شريطة تجاوز الحسابات الضيقة والانخراط في شراكة تنموية حقيقية.
هل تتحقق العدالة الانتقالية؟
من أبرز النقاط التي شدد عليها جميع المتحدثين هي ضرورة تحقيق العدالة الانتقالية ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.
وحول ذلك قال حبش إن "المطالب الأميركية والأوروبية، رغم ما تحمله من طابع سياسي، تتقاطع في جوهرها مع مطالب السوريين أنفسهم".
فالسوريون، وفق قول حبش، هم أول من يطالب بحكومة موسعة، ووقف التحريض، وتوسيع المشاركة السياسية.
اللافت أيضا في الوضع السوري أن هناك اليوم هيئة رسمية سورية تعمل في ملف العدالة الانتقالية، وهي خطوة رمزية تشير إلى رغبة في المضي نحو شكل من أشكال الإنصاف التاريخي، ومع ذلك، تبقى هذه الهيئة بحاجة إلى دعم دولي فني ومادي لضمان مصداقيتها.
سوريا بين احتمالات التعافي ومخاطر الانتكاس.. أوروبا على المحك
رفع العقوبات عن سوريا لا يمثل فقط لحظة سياسية فارقة، بل يشكل اختبارا تاريخيا لعلاقة المجتمع الدولي بهذا البلد الذي خرج منهكا من عقد ونصف من الحرب والدمار.
وإذا كان القرار الأميركي نقطة انطلاق، فإن المسؤولية الأكبر الآن تقع على عاتق أوروبا.
فالمطلوب ليس فقط رفع العقوبات، بل وضع خارطة طريق متكاملة لإعادة بناء الدولة السورية، اقتصاديا وسياسيا، وبما يضمن بقاء وحدة البلاد ويمنع إعادة إنتاج الأزمة.
كما أن دمشق مطالبة بإثبات حسن النية والانفتاح على الداخل والخارج، وتقديم إصلاحات حقيقية تعزز الثقة.
وبين ضغوط الداخل وحسابات الخارج، تبقى سوريا على مفترق طرق: إما الاندماج في النظام العالمي الجديد كمكوّن مستقر، أو العودة إلى العزلة والفوضى.
فهل يتلقف السوريون هذه اللحظة التاريخية، أم تُهدر كما أُهدرت فرص كثيرة في الماضي؟.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البيان
منذ 40 دقائق
- البيان
الجولة الخامسة من «المحادثات النووية»تعقد في روما غداً
في السياق، قال نائب أمين عام مجلس الأمن الروسي، ألكسندر فينيديكتوف، إن روسيا مستعدة لتقديم المساعدة اللازمة، للتوصل إلى اتفاقيات مفيدة للطرفين بشأن البرنامج النووي الإيراني، وكذلك في الحوار بين إيران وأمريكا في المرحلة الحالية. وأضاف فينيديكتوف: «للأسف لا يتفق الجميع في الولايات المتحدة على ضرورة إيجاد حل سلمي للأزمة الإيرانية. نأمل أن يسود المنطق السليم»، بحسب ما ذكرته وكالة سبوتنيك الروسية للأنباء. وأكد فينيديكتوف، في مقابلة مع وكالة سبوتنيك، أن روسيا مستعدة لتقديم المساعدة اللازمة للتوصل إلى اتفاقيات مفيدة للطرفين حول البرنامج النووي الإيراني، وفي الحوار بين إيران والولايات المتحدة في المرحلة الحالية. «لذلك، لدينا الخبرة ذات الصلة». وقال فينيديكتوف: «نأمل أن تتمكن طهران وواشنطن من إيجاد حلول لتهدئة التوترات، ورفع العقوبات الأحادية الجانب المفروضة على إيران، وفي الوقت ذاته ننطلق من أن الترويكا الأوروبية ستمتنع عن اتخاذ خطوات استفزازية، بما في ذلك لغة الإنذارات والضغوط غير المبررة».


البيان
منذ ساعة واحدة
- البيان
إسرائيل.. صدع داخلي و«تسونامي دبلوماسي» خارجي
وأن الحرب لا تحمل هدفاً واقعياً ولا أملاً في إنقاذ حياة الأسرى الإسرائيليين. أولمرت اعتبر خلال حديث مع شبكة «بي بي سي» البريطانية الثلاثاء، أن إدارة الحرب في غزة تتم «دون هدف»، وأنها تسببت بمقتل الآلاف من الأبرياء دون تحقيق أي إنجاز، أو التوصل لضمانات تحافظ على حياة الأسرى الإسرائيليين. وانضم عضو الكنيست عوفر كسيف أمس، إلى غولان وأولمرت في انتقاد الحرب، حيث وصف ما يجري في غزة بالإبادة الجماعية، مشيراً إلى أن استمرار الحرب على هذا النحو يضر بـ «مكانة إسرائيل الأخلاقية» والسياسية عالمياً، مكرراً مواقفه السابقة التي تتهم الجيش الإسرائيلي بارتكاب جرائم حرب. كسيف، العضو في «الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة»، كان أُبعد عن «الكنيست» لمدة ستة أشهر حتى ربيع 2025، وحُرم من راتبه لأسبوعين، بسبب انضمامه إلى دعوى جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية التي أدانت إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية.


سكاي نيوز عربية
منذ 2 ساعات
- سكاي نيوز عربية
روبيو يبدي تفاؤلا حذرا بنهاية "سريعة" لحرب غزة
وقال روبيو أمام لجنة برلمانية: "لدي قدر معين من التفاؤل فيما يتصل بإمكان الحصول سريعا على نتائج إيجابية، مع أمل بوضع حد لهذا الوضع والإفراج عن جميع الرهائن". وإذ أقرّ بأنه سبق أن أدلى بمثل هذه التوقعات، أكد أنه لا يريد أن يستبق الأحداث، وقال: "شعرت بذلك 4 مرات على الأقل خلال الشهرين الماضيين، ولسبب أو لآخر، لم يحدث ذلك في اللحظة الأخيرة". وأضاف: "لا أريد أن أشعر بخيبة أمل مرة أخرى، لكنني أريدكم أن تعلموا أن هناك جهودا تبذل لتقديم مزيد من المساعدات الإنسانية وإنهاء هذا النزاع".