
من الروبوتات البشرية وحتى آلات المراقبة.. الذكاء الاصطناعي يغير الحياة في الصين
قدّمت الحرب التجارية الضروس التي تخوضها حكومة الصين ضد إدارة ترامب فرصة ذهبية للشركات الصينية العاملة في قطاع التقنية، وتحديدا شركات تطوير الروبوتات والذكاء الاصطناعي.
وأدركت حكومة شي جين بينغ بعد سنوات من اضطهاد عمالقة التكنولوجيا أن شركاتهم قادرة على دعم الاقتصاد الصيني وإنقاذه من الأزمة المقبلة بعد انحدار قيمة الاستثمار العقاري وضعف الطلب على المنتجات الصينية عامة.
وربما كانت لحظة نجاح " ديب سيك" وإبهار العالم أحد العوامل التي جعلت حكومة الصين تدرك أهمية القطاع التكنولوجي، إذ تمكنت الشركة من تقديم نموذج ذكاء اصطناعي يوازي ذلك الذي تقدمه الشركات الأميركية ولكن بتكلفة أقل كثيرا.
ورغم أن تأثير هذا النموذج على الاقتصاد الأميركي كان سلبيا فإن أثره كان معاكسا على الاقتصاد الصيني الذي شهد رغبة الملايين الاستثمار في الشركة الناشئة.
معادلة من 3 أطراف
يمكن تقسيم سلسلة تطوير الروبوتات عموما إلى 3 أجزاء، الأول وهو العقل أو الذكاء الاصطناعي الذي يدعم الروبوت ويجعله يقوم بوظائفه المختلفة، والثاني هو الهيكل المعدني أو العضلات التي تتحرك استجابة لأوامر العقل، وأخيرا النظرة الإبداعية التي تتمكن من دمج هذا الروبوت وسط وظائف المجتمع بشكل يناسب كلا الطرفين.
وبينما تبدع الصين منذ اللحظة الأولى في الجزأين الثاني والثالث لكن التحدي الحقيقي كان في بناء الذكاء الاصطناعي القادر على التعامل مع الأوامر المعقدة وتنفيذها، لذا فإن ظهور "ديب سيك" على الساحة كان كفيلا لتلبية هذا الاحتياج وإتمام معادلة تطوير الروبوتات.
ورغم أن شركات الروبوتات الصينية قد لا تعتمد مباشرة على النسخة مفتوحة المصدر من نموذج "ديب سيك" فإن مجرد ظهور النموذج كان كفيلا لإنارة الطريق أمام هذه الشركات، إذ أثبت أن تطوير نموذج ذكاء اصطناعي خارق لا يحتاج إلى الشرائح فائقة الأداء التي لا تستطيع هذه الشركات الوصول إليها.
وهذا لا يعني أن الطريق أصبح ممهدا أمام الشركات الصينية لتطوير روبوتات ذكاء اصطناعي خارق، إذ لا تزال العقبات المعتادة في هذا القطاع تقف أمامها مثلما تقف أمام الشركات الأميركية، فبينما يمكن تطوير نموذج لغوي فائق عبر الاعتماد على البيانات المتاحة مجانا في الإنترنت فإن تدريب الروبوتات يحتاج إلى نوع آخر من البيانات يتمحور حول آلية التحرك في الفضاء الفيزيائي والتعامل مع الأشياء، وبفضل طبيعتها الخاصة فهي بيانات شحيحة التوافر.
60 درجة من الحرية
في عالم الروبوتات توجد ما يعرف باسم "درجات الحرية"، وهي مفهوم يشير إلى قدرة الروبوت على التحرك في محاور مختلفة، وبالتالي تأدية وظائف أكثر تعقيدا وتطلب تحركات أكثر تعقيدا.
ومن أجل فهم هذا المصطلح يمكن القول إن الذراع الروبوتية التي تمتلك مفصلا واحدا فقط وتتحرك بزاوية 360 درجة توصف بأنها ذات درجة حرية واحدة، وفي حال امتلاك الذراع أكثر من مفصل ترتفع درجات الحرية الخاصة بها، وعموما، فإن الأذرع الروبوتية تمتلك درجات حرية بين 3 و7 درجات.
واستطاعت الشركة الصينية "يونيتري" تقديم روبوت ذكاء اصطناعي يدعى "إتش 1" قادر على الركض وتأدية حركات راقصة، وكان هذا الروبوت إحدى أبرز اللحظات في حفل مهرجان الربيع الصيني لهذا العام، إذ كان الروبوت يمتلك 27 درجة من درجات الحرية، ولكن بحسب ما يصف الخبراء فإن الروبوت القادر على محاكاة الوظائف البشرية يجب أن يمتلك 60 درجة من درجات الحرية.
وفي مقابلة مع صحيفة "غارديان" قال روي ما الخبير الصيني في القطاع التكنولوجي والمقيم في سان فرانسيسكو إن تطوير الذكاء الاصطناعي واستخدامه مع الروبوتات سرّعا عملية تطوير الروبوتات بشكل كبير، وأتاحا وجود العديد من الروبوتات التجارية التي تقدم الوظائف البسيطة.
أداء الوظائف البسيطة
ورغم أن روبوت "إتش 1" تمكن من إحداث ضجة كبيرة عالميا فإنه كان نموذجا استعراضيا في المقام الأول، فكل ما قام به كان مدربا عليه ولا يستطيع القيام بأي فعل آخر غيره، ولكن اختلف الأمر مع العديد من الروبوتات المصغرة الأخرى على عكس الروبوتات البشرية.
وفي مدينة شنتشن -التي تعرف بكونها عاصمة المسيّرات في الصين- يظهر مشهد معتاد لطائرة مسيرة صغيرة تحلق بسرعة كبيرة طمعا في الوصول إلى وجهتها وتسليم الطعام قبل أن يصبح باردا، وذلك عبر مجموعة من كبائن تسليم الطعام التي انتشرت في أرجاء المدينة والحدائق المختلفة.
وتعمل شركة "ميتوان" -التي تعد إحدى أكبر شركات توصيل الطعام في الصين- على توسيع أسطولها من المسيّرات القادرة على تسليم طلبات الطعام إلى الأماكن المختلفة عبر كبائن التسليم ضمن رحلة للتغلب على أوقات تسليم الطعام البشرية بمقدار 10%.
وفي شوارع شنغهاي اعتاد المارة على رؤية الكلاب الآلية تلعب مع الأطفال أو تحمل الحقائب وتسير إلى جوار ملّاكها في الأماكن المختلفة، ناهيك عن أسطول "بايدو" من التاكسيات الآلية التي تغزو مدنا صينية عدة.
أما في حدائق بكين العامة فبدأت الإدارة بالاعتماد على العربات ذاتية القيادة في مراقبة الحديقة والطرق المختلفة، وذلك عبر تزويدها بكاميرات ذات دقة عالية وقدرة على تتبع الحركة بشكل واضح وسريع، وذلك من أجل خفض تكلفة المراقبة الحديثة والحفاظ على أمن زوارها.
المزيد من الاستخدامات الأمنية
ورغم أن الحكومة الصينية لم تتوسع بعد في الاستخدامات الأمنية للروبوتات وتقنيات الذكاء الاصطناعي فإنه من المتوقع توسعها في هذه الاستخدامات بشكل كبير خلال السنوات المقبلة، وربما كان ما تفعله إدارة حدائق بكين هو مجرد مثال بسيط على ما ينتظر الشعب الصيني.
لكن هذه الاستخدامات تعتمد مباشرة على تطور الروبوتات البشرية وقدرتها على أداء المزيد من الحركات المعقدة ذات محاور الحركة الأكثر تعقيدا، ولكن مشهد ضباط الشرطة وقوات فض الاشتباك الآلية لن يكون غريبا خلال السنوات المقبلة.
دعم حكومي واسع
في مارس/آذار الماضي خرج رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ بتصريح مباشر، واعدا الشركات التقنية بأنه سيطلق العنان لإبداع الاقتصاد الرقمي مع تركيز خاص على مفهوم "الذكاء الاصطناعي المتجسد"، أي استخدام الذكاء الاصطناعي في الروبوتات.
ويبدو أن الحكومة الصينية تنوي دعم هذا التصريح بشتى الطرق، إذ أعلنت حكومة إقليم قوانغدونغ -الذي يضم مدينة شنتشن- نيتها استثمار ما يقارب 7 ملايين دولار لتطوير مراكز الابتكار ودمج تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وبحسب تقدير هيئة الطيران الصينية، فإن قطاع المسيّرات -التي تحلق على ارتفاع منخفض- سيشهد في السنوات المقبلة نموا واسعا يصل إلى 5 أضعاف الوضع الحالي خلال القرن المقبل، ومن المتوقع أن يزداد النمو أكثر من هذا.
يشار إلى أن جاك ما مؤسس شركة "علي بابا" الشهيرة -والذي كان مطاردا في السنوات الماضية من الحكومة الصينية- حصل على دعوة خاصة لمقابلة الرئيس الصيني، إلى جانب مجموعة من مؤسسي كبرى الشركات التقنية الصينية، وهو ما يعزز توجه الحكومة الصينية في دعم التقنية والشركات الخاصة بها.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 12 ساعات
- الجزيرة
ليس فقط لإنتاج الطاقة.. الصين تغطي الجبال بالألواح الشمسية
تكثف الصين من جهودها لاستغلال الطاقة المتجددة، ويتجلى ذلك في مقاطعة "قويتشو" (Guizhou)، حيث تم تركيب الألواح الشمسية بدقة وعلى نطاق واسع في أعالي الجبال لدرجة أن الألواح الشمسية قد تبدو وكأنها جزء منها. وتعد قويتشو مقاطعة جبلية في جنوبي غربي الصين، وتشتهر بقراها الريفية التقليدية. تقطنها أقليات مثل "مياو" و"دونغ"، وتشتهر بشلال هوانغ غوهشو الذي يبلغ ارتفاعه 74 مترا. وتتميز هذه المنطقة بخصائص تجعلها مثالية لتركيب الألواح الشمسية بما في ذلك ارتفاعها الشاهق ومناخها المتقلب وموقعها النائي، وباتت معظم مرتفعاتها حاليا مغطاة بألواح الطاقة الشمسية، مما أضاف إلى المناظر الطبيعية الجبلية الخلابة أغراضا متعددة، تُبرز في النهاية ريادة الصين في مجال الطاقة المتجددة. كانت المنطقة قاحلة وغير منتجة في الماضي، إذ كان دخل سكانها عادة ألفي يوان (277 دولارا) كحد أقصى لكل مواطن من زراعة البطاطس فقط. ثم تغيرت الأمور جذريا مع المشروع الضخم لإنتاج الطاقة الشمسية. وبعد أن كانت الألواح الشمسية الجبلية تولد 1.75 مليون كيلوواط من الطاقة عام 2018 لتلبية حاجات 1300 أسرة متوسطة الحجم، باتت في عام 2023 تنتج 15 مليون كيلوواط من الطاقة. وقامت شركات مثل شركة "قويتشو جينيوان"، العاملة في إنتاج الطاقة الشمسية في المنطقة، بتنظيم الإجراءات الزراعية في الموقع. هذا يعني أن الألواح الشمسية ليست مخصصة لإنتاج الطاقة فحسب، بل إنها متعددة الاستخدامات في المنطقة. كانت التجربة فارقة في العمل التنموي بعد أن أُنشئت محطة طاقة هي الأولى من نوعها في قويتشو عام 2016، أجرت محطة ميزهان للطاقة الكهروضوئية المكمّلة للزراعة تجارب لزراعة محاصيل مختلفة، باتت تدر أرباحا على المزارعين المحليين. كما بات سكان القرى يحصلون على رسوم نقل ملكية الأرض لاستخدامها في توليد الطاقة الكهروضوئية، بالإضافة إلى دخل من محاصيل مختلفة وأجور مقابل العمل في محطة الطاقة أو التعاونيات. وبفضل ما عرف بنموذج "تكامل الزراعة والطاقة الكهروضوئية"، عززت تلك القرى القيمة الاقتصادية للأرض، ووفرت فرص عمل، وزادت دخل المجتمع المحلي. وتتيح هذه الطريقة جني فوائد عديدة من قطعة أرض واحدة، وتعزز نمو الإنتاج الريفي بشكل فعال. وتبرز مثل هذه المشاريع تأثيرها الكبير في الزراعة والمناطق الريفية من خلال تنمية مستدامة، تخفض من خلالها البصمة الكربونية الإجمالية، مما يُمثل خطوة إيجابية نحو التحول العالمي نحو الطاقة المتجددة. كما تعالج هذه المشاريع أيضا القلق العالمي بشأن ندرة الغذاء وفرص التنمية والعمل خصوصا في المناطق الريفية النائية، مقدمة حلولا عملية لكلا الأمرين، وفق التقارير. وحسب موقع "فوتوريزم"، تموّل الحكومة الصينية منشآت تصنيع الطاقة الشمسية في مناطق مثل قويتشو بقروض مصرفية ودعم حكومي، مما يشير إلى أن سعي الصين نحو الطاقة المتجددة يتقدم بسرعة تتجاوز بقية الدول المنافسة، حسب تقارير وكالة الطاقة الدولية. وتمتلك الصين بنية تحتية تُنتج حاليا نحو 600 غيغاواط/ساعة من الطاقة المتجددة، وهو ما يفوق بكثير إنتاج أكبر أربع دول منتجة للطاقة، مثل الولايات المتحدة والبرازيل والمملكة المتحدة وإسبانيا. وتبلغ الطاقة الإنتاجية المشتركة لهذه الدول الأربع 72 غيغاواط/ساعة من الطاقة المتجددة.


الجزيرة
منذ 13 ساعات
- الجزيرة
البروفيسور أنس باري للجزيرة نت: يجب إنشاء جامعة ووزارة للذكاء الاصطناعي في المغرب
في عالم تتزايد فيه أهمية التكنولوجيا والتقنيات الحديثة، أصبح الذكاء الاصطناعي بمثابة عصا سحرية تتمتع بالقدرة على إحداث نقلة نوعية وإحداث ثورة في مجالات مختلفة، بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم والمالية والسياسة. ومن بين الشخصيات العربية البارزة في مجال الذكاء الاصطناعي والتحليل التنبئي، أثبت البروفيسور والباحث المغربي أنس باري مكانته في الابتكار والأبحاث بالولايات المتحدة، ويشغل حاليا منصب أستاذ في جامعة نيويورك (NYU) ومدير مختبر التحليل التوقعي والذكاء الاصطناعي في الجامعة. وفي لقاء خاص مع الجزيرة نت، أشار باري إلى ضرورة اهتمام الشباب ببناء أسس قوية في الرياضيات وعلوم الحاسوب واستخدام الذكاء الاصطناعي بشكل أخلاقي، مؤكدا على ضرورة إنشاء أول جامعة ووزارة متخصصة في الذكاء الاصطناعي في المنطقة العربية. المسار الأكاديمي وُلد أنس باري في مدينة طنجة بالمغرب حيث درس في المدارس الحكومية وتخصص في الرياضيات. وأشار أنس في حديثه للجزيرة نت إلى أنه أكمل دراسته في جامعة الأخوين بإفران بتمويل من قرض طلابي، وحصل على بكالوريوس في علوم الحاسوب، متخرجا في صدارة دفعته عام 2007. وعند التحاقه للعمل بشركة "ميرسك"، كان باري من أوائل الموظفين الذين أسهموا في بناء البنية التحتية لميناء طنجة المتوسط، وهو أحد أكبر الموانئ الصناعية في العالم وأكبر ميناء في أفريقيا والبحر الأبيض المتوسط. ولتحقيق طموحاته الأكاديمية، تقدم بطلبه في برنامج فولبرايت ـوهو أحد أكثر المنح الدراسية شهرة في العالمـ وحصل على المنحة الدراسية في المحاولة الثانية. وفي عام 2010، انتقل إلى واشنطن العاصمة ليكمل دراسة الماجستير ثم الدكتوراه في علوم الحاسوب بجامعة جورج واشنطن، وتخرج في صدارة دفعته بمعدل 99%. وقد ركز بحثه في الدكتوراه على التنقيب في البيانات والذكاء الجماعي، وهما فرعان من الذكاء الاصطناعي. وأصبح من أوائل الباحثين الذي طوروا خوارزميات مستوحاة من الطبيعة، وتحديدا سلوك الطيور، لتصميم نماذج تحليل تنبؤية. ويعتقد باري أن حلول العديد من مشاكل العالم موجودة في الطبيعة "هذا الإيمان قادني إلى التخصص في الذكاء الجماعي ودراسة السلوك الجماعي للأنواع الذكية مثل الطيور والنحل والدلافين لتطوير خوارزميات تُستخدم اليوم على نطلق واسع في منصات مثل نتفليكس وأمازون وأنظمة صنع القرار". التدريس والبحث بعد حصوله على الدكتوراه، انضم البروفيسور المغربي إلى مجموعة البنك الدولي في واشنطن العاصمة كعالم بيانات رئيسي، قبل العودة إلى الأوساط الأكاديمية كأستاذ في علوم الحاسوب بجامعة جورج واشنطن، حيث حصل على جائزة أفضل أستاذ للسنة. وقبل 10 سنوات، انتقل إلى جامعة نيويورك ليشغل منصب أستاذ وباحث، ويدير مختبرا يضم أكثر من 29 عالما "أعمل مع نخبة من كبار العلماء في معهد كورانت، الذي يُعد أحد أفضل المراكز عالميا في مجال الذكاء الاصطناعي". وبالتوازي مع التدريس، شغل باري عدة أدوار استشارية مع مؤسسات معروفة، مثل وول ستريت ومنظمات الرعاية الصحية والأمم المتحدة وغيرها. أول جامعة للذكاء الاصطناعي وأكد الأستاذ في جامعة نيويورك للجزيرة نت على ضرورة إحداث تغيير جذري للنظام التعليمي في الدول العربية، من المدارس الابتدائية إلى الجامعات الحكومية بشكل خاص. وقال "يجب على الحكومات إعطاء الأولوية للاستثمارات في الذكاء الاصطناعي لضمان ولوج الطلاب العرب سباق التنافس على المستوى العالمي والاستفادة من الإمكانات التكنولوجية لإعداد جيل جديد من المفكرين واستخدام الذكاء الاصطناعي في قطاعات رئيسية، كالزراعة والسياحة والطاقة المتجددة". وتابع البروفيسور باري "عندما شهدنا 3 ثورات تكنولوجية كبرى في القرن الماضي ـالحاسوب الشخصي والإنترنت والذكاء الاصطناعي- كنا في موقع المستهلك فقط. أما اليوم، فيمثل الذكاء الاصطناعي فرصة استثنائية لقيادة هذه الثورة بدل البقاء في مقعد المتفرجين والتابعين لها فقط". وبالتالي، يقترح باري إنشاء أول جامعة متخصصة في الذكاء الاصطناعي في المغرب أو إحدى الدول العربية، تشمل كلية علوم الكمبيوتر وكلية التحليلات التنبؤية وكلية أخلاقيات الذكاء الاصطناعي. ويعتبر البروفيسور المغربي أن هذه المبادرة ستضمن تخرج الآلاف من الخبراء في هذا المجال "وسيكون ذلك أفضل استثمار تقوم به الدول العربية في تاريخها. ومن موقع الجزيرة نت، أدعو إلى العمل الفوري وأنا مستعد للتعاون بخطة واضحة وقابلة للتنفيذ لتحقيق هذا الطموح واتخاذ خطوات جريئة وفعالة نحو المستقبل". كما حثّ باري كل دول المنطقة على تطوير إستراتيجية وطنية لإنشاء وزارة للذكاء الاصطناعي على غرار وزارة الدولة للذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بعد في الإمارات العربية المتحدة. ويرى المتحدث أن التجربة الإماراتية نموذج يمكن الاحتذاء به بعد إطلاق جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي في أبو ظبي وتعيين أول وزير للذكاء الاصطناعي في العالم. جوائز وابتكارات وتقديرا لما حققه في التعليم والبحث، حصل أنس باري على جائزة مارتن لوثر كينغ لعام 2025، وتُمنح هذه الجائزة لأعضاء هيئة التدريس المتميزين الذين يُجسدون روح الدكتور كينغ الابن في دراسته وحياته وعمله في مجال العدالة، والذين يُروجون لمبادئ وأخلاقيات مساهمات كينغ العالمية الواسعة في أبحاثهم وتدريسهم وقيادتهم وجهودهم في بناء المجتمع. وتعليقا على ذلك، قال البروفيسور إن "هذا التقدير يحمل معنى كبيرا لي ويعكس القيم التي أسعى لغرسها في طلابي، خاصة خدمة الناس والأمم، وهي قيم نجدها عند المغاربة والشعوب العربية". وقد قاد أنس باري أول فريق من علماء الحاسوب والأطباء لتطوير نظام ذكاء اصطناعي قادر على التنبؤ بالحالات الشديدة من كوفيدـ19 في عام 2020، من خلال الجمع بين التحليلات التنبؤية والبيانات السريرية والعوامل الديمغرافية للمرضى وغيرها. وفي عام 2021، أنشأ أداة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لرصد وتتبع المعلومات المضللة حول فيروس كورونا وقياس مستوى الثقة في اللقاحات. وبعدها بعامين، شارك في إنشاء خوارزمية لإعادة تعريف أنظمة التوصية من خلال برنامج "بايرورانك" (PyRoRank) الذي استلهم سلوكه من الطريقة التي تنتظم بها أسراب الطيور ذاتيا. وخلال الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، قاد البروفيسور فريقا من العلماء لتصميم أداة بيانات مدعومة بالذكاء الاصطناعي لتحليل نتائج الانتخابات والتنبؤ بها. وعند سؤاله عن المشاريع التي يعمل عليها حاليا، قال باري إنه يركز على البحث في الذكاء الاصطناعي والطاقة النووية حيث يتعاون مع خبراء بارزين، من بينهم البروفيسور ديفيد ناغل ـوهو أحد كبار الباحثين العالميين في مجال الطاقةـ لتطوير أدوات ذكاء اصطناعي متقدمة لاستكشاف مصدر جديد واعد للطاقة يُعرف باسم التفاعلات النووية منخفضة الطاقة (LENR). وأضاف "هدفنا هو تسريع البحث والتطوير التجاري لهذا المصدر النووي المبتكر، الذي قد يُحدث ثورة في إنتاج الطاقة العالمي. وقد تم عرض أعمالنا في أهم المؤتمرات الدولية للطاقة النووية، ولا نزال نواصل توسيع آفاق تطبيقات الذكاء الاصطناعي في هذا القطاع". وإلى جانب ذلك، يعمل مختبره البحثي على تطوير أبحاث الذكاء الاصطناعي في مجالات الرعاية الصحية، والتمويل، وعلوم المناخ، وتطوير الذكاء الاصطناعي. وصفة النجاح وعن وصفة النجاح في مجال الذكاء الاصطناعي، أكد أنه بالإضافة إلى الخبرة العملية والعلمية، يُعتبر الإصرار والالتزام وتعزيز حس الفضول والانفتاح على التعاون من كلمات السر للتفوق في هذا المجال. كما ركز في حديثه للجزيرة نت على قيم إنسانية عديدة، مثل التفاني في العمل والصدق، قائلا "والدتي الراحلة رشيدة بارگاش غرست فيّ قيمة النزاهة والصدق في كل الجهود التي أبذلها، وكانت تقول لي دائما: اعمل بجد وأمانة في كل ما تقوم به". وأضاف "المغاربة والشباب العربي شعوب موهوبة وملتزمة بالعمل الجاد لأنه يسري في دمائها. وبما أن الذكاء الاصطناعي مستمر في التطور والانتشار، سيتزايد الطلب على خريجي الجامعات الذين يملكون معرفة ومهارات متخصصة فيه. لذا، أنصحهم ببناء أسس قوية في الرياضيات وعلوم الحاسوب واستخدام الذكاء الاصطناعي بشكل أخلاقي، فعلى الرغم من إمكانياته الهائلة فإنه يأتي مع اعتبارات أخلاقية مهمة للغاية". وقال البروفيسور "طوال مسيرتي المهنية، واجهت العديد من التحديات والرفض. عندما التحقت بجامعة الأخوين، كان تمويل دراستي صعبا ورغم مساعدة والديّ، اضطررت إلى أخذ قرض كبير من البنك. كما تم رفض طلبي للحصول على منحة فولبرايت في المرة الأولى، لكنني تقدمت مرة أخرى ونجحت". وتابع أنس باري "واجهت العديد من الرفض في فرص العمل، وكنت عاطلا عن العمل لمدة تزيد عن سنة. استمرت حالات الرفض والإخفاقات عندما انتقلت إلى الولايات المتحدة. الرحلة لم تكن سهلة قط؛ فالفشل والرفض جزء من التجربة. نحن كبشر لا نفشل، بل نتعلم من إخفاقاتنا. وفي النهاية، أولئك الذين ينجحون هم الذين لا يستسلمون أبدا".


الجزيرة
منذ 13 ساعات
- الجزيرة
المصانع الصينية تتراجع في أبريل وتقاوم تأثير الرسوم الجمركية
تباطأ نمو إنتاج المصانع في الصين في أبريل/نيسان لكنه أظهر متانة تشير إلى أن تدابير الدعم الحكومي ربما تكون قد خففت من تأثير الحرب التجارية مع الولايات المتحدة التي تهدد بعرقلة الزخم في ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وأظهرت بيانات المكتب الوطني للإحصاء اليوم الاثنين أن الإنتاج الصناعي نما بنسبة 6.1% في أبريل/نيسان على أساس سنوي، متباطئا من نمو على أساس سنوي بنسبة 7.7% في مارس/آذار، لكنه تجاوز الارتفاع بنسبة 5.5% المتوقع في استطلاع لرويترز. دعم مسبق وقال كبير الخبراء في وحدة الأبحاث الاقتصادية، تيانشين شو، إن "المتانة في أبريل ترجع جزئيا إلى الدعم المالي المحمل مقدما"، في إشارة إلى الإنفاق الحكومي الأقوى. وجاءت البيانات في أعقاب صادرات أكثر ثباتًا من المتوقع في وقت سابق من هذا الشهر، والتي قال خبراء اقتصاد إنها مدعومة من مصدّرين يعيدون توجيه الشحنات ودول تشتري المزيد من المواد من الصين وسط إعادة ترتيب التجارة العالمية بسبب الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ومع ذلك، قال تيانشين إن بيانات اليوم الاثنين أكدت الصدمة الناجمة عن التعريفات الجمركية المضادة الأميركية، مضيفا أنه "على الرغم من النمو السريع في القيمة المضافة الصناعية، فإن قيمة تسليم الصادرات راكدة تقريبا". وتوصلت بكين وواشنطن إلى اتفاق مفاجئ الأسبوع الماضي لإلغاء معظم الرسوم الجمركية التي تفرضها كل منهما على سلع الأخرى منذ أوائل أبريل/نيسان، وأدت هدنة تستمر 90 يوما إلى كبح الحرب التجارية التي عطّلت سلاسل التوريد العالمية وأثارت مخاوف الركود. تغلب على الصعوبات وقال المتحدث باسم مكتب الإحصاء، فو لينج هوي، في مؤتمر صحفي اليوم الاثنين "التجارة الخارجية للصين تتغلب على الصعوبات وتحافظ على النمو المطرد وتظهر متانة كبيرة وقدرة تنافسية دولية". وأضاف أن خفض التصعيد التجاري من شأنه أن يفيد نمو التجارة الثنائية والانتعاش الاقتصادي العالمي. لكن خبراء الاقتصاد يحذرون من أن الهدنة قصيرة الأمد ونهج الرئيس الأميركي ترامب الذي لا يمكن التنبؤ به سوف يستمر في إلقاء ظلاله على الاقتصاد الصيني القائم على التصدير والذي لا يزال يواجه رسوما جمركية تبلغ 30% بالإضافة إلى الرسوم الحالية. وارتفعت مبيعات التجزئة، وهي مقياس للاستهلاك، بنسبة 5.1% في أبريل/نيسان، انخفاضا من زيادة بنسبة 5.9% في مارس/آذار، وجاءت أقل من التوقعات بتوسع بنسبة 5.5%، وعزا خبراء الاقتصاد التباطؤ في نمو مبيعات التجزئة إلى تأثير الرسوم الجمركية الأميركية على توقعات المستهلكين. وسجل الاقتصاد الصيني نموا بنسبة 5.4% في الربع الأول متجاوزا التوقعات. وما زالت السلطات واثقة من تحقيق هدف بكين للنمو بنحو 5% هذا العام، على الرغم من تحذيرات خبراء الاقتصاد من أن الرسوم الجمركية الأميركية قد تعرقل هذا الزخم. وفي الشهر الماضي، صعَّدت بكين وواشنطن الرسوم الجمركية إلى أكثر من 100% في عدة جولات من التحركات المضادة.