
دراسة: الإجهاد الحراري يدمر الشعاب المرجانية حول العالم
وتتعرض الشعاب المرجانية في العالم لظاهرة ابيضاض المرجان الجماعية والتي بدأت في عام 2023، وأصبحت أكبر حدث تم تسجيله على الإطلاق، جراء تحمض مياه المحيطات والحرارة الزائدة.
ونشرت الإدارة خريطة منطقة التنبيه لابيضاض المرجان القصوى، التي تم التقاطها بواسطة قمر صناعي عالمي بدقة 5 كلم من برنامج مراقبة الشعاب المرجانية التابع لها، للفترة من 1 يناير/كانون الثاني 2023 إلى 20 أبريل/نيسان 2025.
وتوضح الخريطة المناطق حول العالم، التي شهدت مستويات عالية من الإجهاد الحراري البحري (مستويات التنبيه لابيضاض المرجان من 2 إلى 5) والتي يمكن أن تتسبب في ابيضاض المرجان ووفياته على مستوى الشعاب المرجانية.
ومن بين المناطق المتضررة الحاجز المرجاني العظيم في أستراليا -وهو أكبر نظام للشعاب المرجانية في العالم- وفلوريدا، ومنطقة البحر الكاريبي، والبرازيل، وشرق المحيط الهادي الاستوائي، ومساحات واسعة من جنوب المحيط الهادي، والبحر الأحمر، والخليج العربي، وخليج عدن.
كما أكدت الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي انتشار ظاهرة الابيضاض على نطاق واسع في أجزاء أخرى من حوض المحيط الهندي، ويعد هذا هو رابع حدث ابيضاض جماعي للمرجان يتم تسجيله على الإطلاق والثاني الذي يحدث خلال السنوات العشر الماضية.
الغابات المطيرة البحرية
ويحدث ابيضاض المرجان كاستجابة للضغط الحراري الناجم عن ارتفاع درجات حرارة المحيط، مما يدفع الطحالب بعيدا عن الشعاب المرجانية، مما يتسبب في فقدانها لألوانها النابضة بالحياة.
وسجلت كل سنة من السنوات الثماني الماضية رقما قياسيا جديدا في محتوى حرارة المحيطات، وفقا للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية. ويتجاوز معدل احترار المحيطات خلال العقدين الماضيين (2005-2024) ضعف معدله خلال الفترة 1960-2005.
كان عام 2024 أعلى مستوى حرارة للمحيطات في سجل المنظمة العالمية للأرصاد الجوية الممتد على مدار 65 عاما. في العام الماضي، وهو العام الأكثر حرارة على الإطلاق.
وصلت درجات حرارة سطح البحر إلى مستويات قياسية من يناير/كانون الثاني إلى يونيو/حزيران. وفي النصف الثاني من عام 2024، كانت درجات الحرارة ثاني أعلى درجة حرارة مسجلة في ذلك الوقت من العام، بعد عام 2023.
في حين أن حدث الابيضاض لا يرتبط بشكل مباشر بموت الشعاب المرجانية، فإن الضغوط الحرارية المتكررة والشدة تجعل الشعاب المرجانية أكثر عرضة للأمراض، مما يؤدي إلى إبطاء تعافيها والحد من قدرتها على التكاثر.
وقال ديريك مانزيلو، منسق برنامج مراقبة الشعاب المرجانية التابع للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي: "مع استمرار ارتفاع درجة حرارة محيطات العالم، يزداد تواتر ظاهرة تبيض المرجان وشدتها".
وأضاف أنه عندما تكون هذه الأحداث شديدة أو مطولة بما يكفي، فإنها قد تتسبب في نفوق المرجان، مما يضر بالسكان الذين يعتمدون على الشعاب المرجانية في معيشتهم.
وتُعد الشعاب المرجانية أنظمة بيئية بالغة الأهمية، إذ توجد في أكثر من 100 دولة ومنطقة، وتدعم ما لا يقل عن 25% من الأنواع البحرية؛ وهي جزءٌ لا يتجزأ من استدامة شبكة التنوع البيولوجي البحري الواسعة والمترابطة على كوكب الأرض.
كما أنها توفر خدماتٍ بيئيةً تُقدَّر قيمتها بنحو 9.9 تريليونات دولار سنويا. ويُشار إليها أحيانا باسم "الغابات المطيرة البحرية" لقدرتها على امتصاص ثاني أكسيد الكربون الزائد في الماء.
وتشير التقديرات إلى أن الشعاب المرجانية تختفي بوتيرة مثيرة للقلق . ووفقا لأحدث تقرير صادر عن الشبكة العالمية لرصد الشعاب المرجانية (GCRMN)، فقد العالم ما يقارب 14% من الشعاب المرجانية منذ عام 2009.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 4 ساعات
- الجزيرة
نجم ينفجر مرتين: اكتشاف يعيد كتابة قصة موت النجوم
في مشهد كوني يحدث مرة واحدة في ملايين السنين، كشف فريق من علماء الفلك عن أول دليل بصري مباشر على نجم خاض انفجارين متتالين قبل أن يتحول إلى رماد كوني. الاكتشاف الذي أعلن عنه يوم الثاني من يوليو/تموز في دراسة نشرت في مجلة "نيتشر أسترونومي"، يستند إلى دراسة معمقة لبقايا نجمية تعرف باسم "إس إن آر 0509-67.5″، ويعيد رسم ملامح فهمنا لواحدة من أهم الظواهر في الفيزياء الفلكية، التي تسمى المستعرات العظمى من النوع الأول. ما يجعل هذا الاكتشاف استثنائيا ليس فقط ندرة الظاهرة، بل أيضا ما يكشفه من تفاصيل دقيقة عن آلية الانفجار ذاته، التي طالما كانت موضع جدل علمي لعقود. يقول الباحث الرئيسي في الدراسة "بريام داس"، طالب الدكتوراه في الفيزياء الفلكية في جامعة نيو ساوث ويلز في أستراليا، في تصريحات للجزيرة نت: "نحن لا ننظر إلى مجرد غبار فضائي، بل إلى توقيع نجم مات بانفجارين متتاليين" ويتابع: "هذا دليل قاطع على أن بعض النجوم لا تنتظر أن تصل إلى كتلتها الحرجة كي تنفجر، بل تبدأ بمقدمة نارية تمهد لانفجار أكبر وأشد. لقد رأينا الأثر، وفهمنا السردية". نجم ميت يعود ليسرد قصته يقع المستعر الأعظم المدروس في سحابة ماجلان الكبرى، وهي مجرة قزمة تابعة لمجرتنا درب التبانة. ورغم أن الانفجار وقع قبل أكثر من 400 عام، فإن بقاياه لا تزال مشعة ومضيئة بشكل يسمح بدراستها بتفصيل غير مسبوق، وذلك بفضل أداة الاستكشاف الطيفي (ميوز) على متن التلسكوب العملاق "في إل تي" الأوروبي التابع للمرصد الأوروبي الجنوبي. ما اكتشفه العلماء هو وجود طبقتين واضحتين من عنصر الكالسيوم في الغلاف الخارجي للمستعر الأعظم، وهو نمط لم يكن بالإمكان تفسيره وفق النموذج التقليدي للانفجارات النجمية. يوضح الباحث في تصريحاته للجزيرة نت أن هذا النوع من الانفجارات عادة ما يحد عندما يسرق قزم أبيض -وهو نجم ميت صغير وكثيف- مادة من نجم مرافق له. ومع تراكم المادة، يصل القزم الأبيض إلى حد معين يؤدي إلى انفجاره دفعة واحدة، لكن هذا السيناريو البسيط لم يكن يفسر جميع الحالات المرصودة. لكن النموذج الجديد، المعروف باسم "الانفجار المزدوج"، يقترح أن القزم الأبيض يشعل انفجارا أوليا في غلاف الهيليوم المحيط به، يطلق موجة صدمية تصل إلى قلبه، فتشعل الانفجار الثاني. هذا التسلسل هو ما يفسر البنية الطبقية الفريدة التي رصدت حديثا. ويضيف داس: "افترضنا وجود هذا السيناريو على الورق، لكن أن نراه بأعيننا، وأن نقرأ تاريخه في الضوء والمواد المتناثرة في الفضاء، هذا هو ما يجعل هذا الاكتشاف عظيما بحق". مقياس كوني في غلاف نجم المفارقة أن هذه الانفجارات ليست مجرد أحداث مذهلة في حد ذاتها، بل إنها تستخدم كمقاييس دقيقة لقياس المسافات بين المجرات. فالضوء الناتج يكون متسقا إلى حد يسمح لعلماء الفلك باعتباره "شموعا معيارية" لمعرفة مدى سرعة تمدد الكون. وبفضل هذه الانفجارات، تمكن العلماء من اكتشاف أن الكون يتسارع في توسعه، وهي المعلومة التي حصل بفضلها 3 باحثين على جائزة نوبل في الفيزياء عام 2011. لكن دقة هذه القياسات تعتمد على فهمنا العميق لآلية الانفجار، وهنا تأتي أهمية هذا الاكتشاف. فإذا لم نكن نعرف ما الذي يجعل هذه النجوم تنفجر، فلن نتمكن من تفسير سلوكها الضوئي بدقة. بالنسبة للمؤلف الرئيسي للدراسة، فإن الجانب البصري لهذا الاكتشاف لا يقل إثارة عن جانبه العلمي، ويقول: "من النادر أن يتقاطع العلم مع الجمال بهذا الشكل. ما نراه في هذه البقايا ليس مجرد دليل علمي، بل لوحة كونية مرسومة بانفجارات نجمية، كل طبقة فيها تحكي فصلا من الحكاية". وبينما يواصل الفريق دراسة بقايا أخرى في مجرتنا وفي مجرات قريبة، يأمل داس وزملاؤه أن يكون هذا الاكتشاف بداية لموجة جديدة من الفهم العميق للنجوم الميتة، وللأسرار التي لا تزال تخبئها في أعماق الفضاء.


الجزيرة
منذ 9 ساعات
- الجزيرة
الطين قد يكون حلا بسيطا لامتصاص ثاني أكسيد الكربون
في عالم يبحث عن حلول فعّالة من حيث التكلفة وقابلة للتطوير لأزمة المناخ، اكتشف باحثون أن جزيئات الطين الصغيرة تلعب دورا كبيرا للغاية في امتصاص ثاني أكسيد الكربون الذي يعد ملوثا رئيسيا للغلاف الجوي. وأظهرت دراسة صادرة عن جامعة بيردو الأميركية أن الطين الذي يعد أحد أكثر المواد النانوية شيوعا على الأرض، قد يلعب دورا مفاجئا في خفض انبعاثات الكربون. ووجد الباحثون طريقة لاستخدام هذه المادة البسيطة والوفيرة لامتصاص ثاني أكسيد الكربون (CO₂) مباشرة من الهواء. ودرس فريق جامعة بيردو المعادن الطينية بالتعاون مع فريق مختبرات ساندي الأميركية منذ أكثر من 30 عاما، واكتشفوا تفاصيل مهمة حول سلوك هذه الجسيمات الدقيقة. ويقول كليف جونستون، الباحث الرئيسي والأستاذ في كلية العلوم بجامعة بيردو: "تتميز المعادن الطينية بمساحة سطحية عالية جدا. فملعقة كبيرة من الطين تعادل تقريبا مساحة ملعب كرة قدم أميركية". ويشير جونستون إلى أن معظم هذه المساحة السطحية توجد في المسام الداخلية للطين التي تحتوي على مناطق قطبية وغير قطبية. وبينما تفضل جزيئات مثل ثاني أكسيد الكربون المناطق غير القطبية، يفضل بخار الماء المناطق القطبية، وباختيار أنواع معينة من الطين وتعديل بنيتها الأيونية، أمكن تحسين المواد القادرة على امتصاص ثاني أكسيد الكربون. تركز الدراسة على مجموعة من المعادن الطينية تُسمى السمكتيت (Smectite) وهي من أكثر المواد النانوية شيوعا في الطبيعة، وتسمح مساحتها السطحية الشاسعة ويرشحها حجمها الصغير بشكل مثالي للتطبيقات البيئية، وخاصة لالتقاط غازات مثل ثاني أكسيد الكربون. وتتميز هذه المجموعة بقدرتها على امتصاص كميات كبيرة من الماء وتغيير حجمها بشكل كبير. وتُستخدم معادن السمكتيت في العديد من التطبيقات الصناعية والزراعية والطبية، مثل تنقية المياه، وتعديل التربة، وصناعة مستحضرات التجميل. وفي بحث سابق، درس الفريق كيفية امتصاص الطين للملوثات السامة من الماء. وأشار جونستون إلى أن "عملنا السابق ركز على امتصاص الملوثات العضوية السامة من معادن الطين من المحاليل المائية". ووجدت الدراسة أن أنواعا معينة من "السمكتيت" لها أسطح طاردة للماء ويمكنها امتصاص مستويات كبيرة من الملوثات، مثل الديوكسينات، وهي أحد أكثر المركبات العضوية السامة المعروفة. وتنتج الديوكسينات غالبا عن الاحتراق والأنشطة الصناعية، وهي ملوثات ضارة، وقد منح نجاح المواد الطينية في التقاط هذه السموم الباحثين الثقة لتطبيق أساليب مماثلة لامتصاص غازات مثل ثاني أكسيد الكربون. وركزت معظم جهود احتجاز ثاني أكسيد الكربون سابقا على مواد عالية التقنية مثل "الزيوليت"، وهي مجموعة من المعادن البلورية المائية التي تتكون أساسا من السيليكات والألومينات. كما ركز الباحثون على الأطر المعدنية العضوية، والمواد الماصة الصلبة، وأُغفِلت غالبا المعادن الطينية، لكن هذه الدراسة الجديدة غيّرت هذا المنظور. واعتمد فريق البحث على نوع محدد من "السمكتيت" يُسمى "السابونيت"، وهو معدن طيني ذو تركيبة كيميائية معقدة تشمل الكالسيوم والمغنيسيوم والحديد والسيليكون والألومنيوم والهيدروكسيد والماء. واستكشفوا كيفية تعامل "السابونيت" مع ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء، اللذين يتنافسان على المساحة في مسام الطين الدقيقة. وبدلا من تسخين الطين لتعزيز قدرته على الامتصاص، اتخذ الباحثون مسارا مختلفا، إذ درسوا تأثير الرطوبة، ووجدوا أن السابونيت ينجذب بشدة لثاني أكسيد الكربون عند انخفاض الرطوبة. وتعد هذه المرة الأولى التي يُظهر فيها الباحثون كيف يمكن لمعادن الطين أن تمتص كلا من ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء في ظروف قريبة مما نختبره في الحياة اليومية، من حيث تركيزات ثاني أكسيد الكربون المحيطة ودرجة حرارة الغرفة. ويرى الباحثون أن نتائج هذا الاكتشاف واعدة. فمع وفرة الطين وانخفاض سعره، قد يوفر طريقة قابلة للتطوير لالتقاط ثاني أكسيد الكربون من الهواء. كما يمكن للناس استخدامه لخفض الانبعاثات من المصانع أو تخزين ثاني أكسيد الكربون تحت الأرض، ويمكن كذلك إبقاؤه خارج الغلاف الجوي على المدى الطويل. وقد يُوسّع هذا البحث نطاق المواد الماصة لمعالجة إحدى أكثر مشاكل كوكب الأرض تحديا، وقد يكون الطين موردا غير مكلف ووفيرا لامتصاص ثاني أكسيد الكربون من الهواء، وأداة فعّالة في مواجهة تغير المناخ.


الجزيرة
منذ 4 أيام
- الجزيرة
الصدمة الإيكولوجية.. كوكب يحتضر في صمت
تحيط بنا البيئة من كل مكان، وتوفّر لنا ولغيرنا من الكائنات كل مقومات الحياة التي تكفل بقاءنا واستمراريتنا، وتقوم الحياة بفضل التوازن بين مكونات النظام البيئي وعناصره، وهو كلمة السر التي تضمن استقرار تلك العناصر في معادلة الحياة. والنظام البيئي بمكوناته ليس نظامًا ساكنًا، بل هو في حالة تفاعل ديناميكي مستمر، ويتحقق التوازن -كما يقول علماء البيئة- بقدرة النظام على العودة إلى وضعه الأول بعد أي تغير يطرأ عليه، دون حدوث تغير أساسي في مكوناته. فالأكسجين الذي نتنفسه -وهو عنصر حيوي من عناصر الغلاف الجوي- يحافظ على استقرار نسبته في الجو من خلال تفاعلات عدة، ينقص خلالها ويزيد في دورة مستمرة من الاستهلاك والإنتاج، إلا أن نسبته تظل ثابتة في النهاية بشكل يضمن استمرار الحياة، التي تعتمد عليه ولا تقوم إلا به. وتاريخ الحياة على الأرض هو تاريخ التفاعل بين الأحياء والبيئة المحيطة بها؛ وعبر مئات الملايين من السنين ظهرت الحياة التي تعمر الأرض الآن، وهي تنمو وتتطور بدقة وتوازن بين عناصرها. ورغم الأحداث الطبيعية القاسية عبر تاريخ الأرض، استطاعت الحياة وأنظمتها البيئية التكيف والمواءمة حتى تستقر عناصرها إلى أن ظهر الإنسان، الذي كان بدوره في حالة تفاعل أيضًا مع محيطه البيئي باحثًا عن أسباب البقاء ومقومات الحياة. الأثر البشري لم يكن أثر الإنسان في بيئته كغيره من الأحياء؛ فبفضل تراكم تجاربه الحضارية، منذ العصور البدائية حتى العصر الحديث، تمكن البشر ليس فقط من الانتفاع بالبيئة، بل وصل التأثير التراكمي -بما طوره من وسائل وتقنيات- إلى تغيرات هائلة في بيئته المحيطة، شكلت ضغطًا هائلًا على النظام البيئي ومكوناته، واستنزافًا لعناصره، وإخلالًا بالتوازن بينها بشكل كارثي لم يحدث من قبل، كما تؤكد إليزابيت كولبرت في كتابها "الانقراض السادس" إذ تقول: "لم يسبق لأي مخلوق على هذا الكوكب أن غيّر الحياة بهذا الشكل من قبل". ولكننا لم ندرك ذلك إلا مع بدايات القرن التاسع عشر -في أعقاب الثورة الصناعية الأولى- حين ظهرت الدراسات الخاصة بالبيئة والأحياء بشكل مكثف، وتطورت التقنيات المساعدة للرصد والتحليل والقياس، لتسجيل تلك التغيرات وتتبعها، حتى بدت ملامح الصدمة الإيكولوجية تظهر على الأنظمة البيئية وعلينا، فكانت الصدمة بوجهيها كارثة على البيئة وعلى البشر على السواء. الصدمة الإيكولوجية الأولى.. الأمطار الحمضية بدأت الصدمة مع منتصف القرن التاسع عشر، وتحديدًا عام 1852، حين اكتشف الكيميائي الأسكتلندي روبرت سميث ظاهرة الأمطار الحمضية، أثناء قيامه بتحليل مياه الأمطار بالقرب من المنشآت الصناعية ذات المداخن الهائلة، في إنجلترا وأسكتلندا، والتي أحالت أجواء وهواء المدن إلى ضباب ملوث، صار علامة مميزة لها ولتلك الحقبة. لم يقف الأمر عند المطر الحمضي وآثاره الكارثية، التي شكلت صدمة إيكولوجية للتربة ومكوناتها، وتدميره لمساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، وتسمم العديد من السكان والحيوانات بتلك المياه الملوثة، وتلف المحاصيل، وتشوه العديد من المباني والمنشآت نتيجة تفاعل المياه الحمضية مع مواد البناء، ما شكّل صدمة لغرب أوروبا الصناعية بأكملها في ذلك الوقت. الصدمة الإيكولوجية الثانية.. المبيدات القاتلة لم تقف الصدمة البيئية عند الأمطار الحمضية، بل أضافت المبيدات التي ظهرت بعد ذلك، واستُخدمت على نطاق واسع، خاصة في الولايات المتحدة الأميركية، حين قامت الحكومة برش تلك المبيدات بكثافة بالطائرات فوق المزارع، للقضاء على الآفات والحشرات التي تسببت في تدمير وإتلاف العديد من المحاصيل، فجاءت الصدمة حيث تسربت تلك المبيدات الى مسام التربة، وترسبت إلى النباتات والمحاصيل، ووصلت الى مصادر الماء والغذاء؛ ما شكل تهديدًا خطيرًا لم يشعر به أحد إلا بعد ظهور آثارها الكارثية، التي دخلت النظام البيئي ولم تخرج منه بعد؛ فهي تحتاج مئات السنين حتى تتحلل وتخرج من النظام البيئي. إلا أن آثارها لم تقف عند ذلك، بل امتدت إلى تغيرات تشبه أثر المواد المشعة في تغيير البنية الوراثية الجينية للأحياء، ما ساعد على ظهور طفرات وتشوهات، واختلال كبير في وظائف الخلايا والأنسجة، وعجّل بظهور السرطانات. وقد عالجت تلك الصدمة وتصدت لها الدكتورة راتشيل كارسون، عالمة الأحياء الأميركية، التي ألفت كتابها الشهير "الربيع الصامت"، الذي يعد أول وأهم كتاب لنشر الوعي البيئي، محذرًا من المخاطر التي تهدد البيئة، وبالأخص تلك المبيدات القاتلة كل صور الحياة. وقد خاضت معركة بكتابها ضد الحكومة الفدرالية وأصحاب الشركات، حتى وصل الأمر إلى تداول ما كتبته في جلسات الكونغرس، وانتهت إلى الاعتراف بتلك الآثار الكارثية، وإقرار قوانين للحد من استخدام تلك المبيدات القاتلة، والبحث في سبل وقاية طبيعية بدلًا من ذلك، وهذا يعد انتصارًا لكارسون، التي صارت رائدة للحركة البيئية العالمية بعد ذلك. تقول كارسون في كتابها "الربيع الصامت": "يتعرض البشر جميعًا، ولأول مرة في تاريخ العالم، إلى ملامسة كيماويات خطيرة، من لحظة الحمل إلى يوم الموت، فلقد انتشرت المبيدات خلال العالم الحي وغير الحي بأكمله، حتى أصبحت موجودة الآن في كل مكان تقريبًا". إنه ليس مجرد تغير طارئ على النظام البيئي، بل هو خلل بنيوي في تركيبة النظام البيئي، سيحتاج معه النظام عقودًا وعقودًا من السنين حتى يتعافى من تلك الآثار الكارثية؛ فالصدمة الإيكولوجية ليست مجرد تغيير يتعرض له النظام البيئي، بل هي تغيير كبير غير متوقع، وعلى نطاق واسع وخلال فترة زمنية قصيرة، ومن ثم فهو حدث كارثي مفاجئ، يسبب اضطرابًا كبيرًا في النظام البيئي، وخللًا في توازن مكوناته لا يمكن إصلاحه بسهولة. من آثار الاحتباس الحراري الضغط والتأثير على الإنتاج الزراعي ودوراته، وقد شهدنا ذلك في العام 2022، حين ضربت الهند موجة حارة عنيفة في أبريل/ نيسان، سببت خسائر هائلة تقدر بملايين الأطنان، ما دفع الحكومة الهندية إلى اتخاذ قرار وقف تصدير القمح ليس صدمة واحدة بل صدمات والصدمة الإيكولوجية هنا لا تقف عند حدود النظام البيئي، بل تسبب بالتبعية صدمات أخرى اقتصادية واجتماعية وصحية وسياسية؛ فمن أمثلة الصدمات الإيكولوجية -غير ما ذكرنا- نجد تدمير الموائل الطبيعية، وفقدان التنوع البيولوجي، والتسبب في انقراض العديد من الأنواع الحية، ومنها -بل وعلى رأسها- المتهم الأكبر في تحولات بيئية كارثية كبرى، في عصرنا وفي المستقبل، ألا وهو التغير المناخي. الصدمة المناخية واحترار الكوكب والتغير المناخي -وهو لا يكفيه حيز المقال الصغير- يحدث بسبب خلل في مكونات التركيب الغازي للغلاف الجوي؛ نتيجة دخول كميات هائلة من الغازات الدفيئة التي تحبس الحرارة، ما يتسبب في تداعيات أخرى كمتوالية هندسية، أو كرة صخرية تتدحرج من أعلى قمة جبل إلى أسفله، ولا يستطيع أحد إيقافها. ومما حذر منه العلماء أن الانبعاثات وصلت لمرحلة لا يمكن للنظام البيئي استيعابها أو تحملها، ما يشكل ضغطًا هائلًا عليه سيتجاوز به حدوده القصوى في التحمل، أو -كما يسميها علماء المناخ- النقاط الحرجة أو حدود اللاعودة، ما ينذر بتبعات كارثية أخرى على مختلف الأنظمة البيئية، من البحار والمحيطات التي تمتص المزيد والمزيد من غازات الاحتباس الحراري، وعلى رأسها ثاني أكسيد الكربون متسببًا في تحمض المحيطات، وتعريض صحة الشعاب المرجانية للخطر، ومن ثم الكائنات التي تعتمد عليها، وكذلك المجتمعات البشرية التي تعتمد اقتصاداتها على تلك الموائل المرجانية الطبيعية، وهي خسائر اقتصادية كبيرة لها تداعيات أخرى يحذّر منها العلماء، مثل التغير في أحوال الطقس، ودورات الكتل الهوائية، والتسبب في ذوبان الجليد، وارتفاع منسوب البحار، ما يهدد مدنًا ساحلية بأكملها. ومن آثار ذلك الاحتباس الحراري الضغط والتأثير على الإنتاج الزراعي ودوراته، وقدرة المحاصيل على تحمل موجات الحرارة المفاجئة، وقد شهدنا ذلك في العام 2022، حين ضربت الهند -التي تشكل ثاني أكبر مصدر للقمح- موجة حارة عنيفة في أبريل/ نيسان، سببت خسائر هائلة تقدر بملايين الأطنان، ما دفع الحكومة الهندية إلى اتخاذ قرار وقف تصدير القمح، وقد جاء ذلك في وقت كانت الحرب فيه لا تزال قائمة بين روسيا وأوكرانيا، التي تعد المصدر الأول للقمح، والتي كانت بدورها بسبب الحرب قد أوقفت تصديره؛ بسبب الخسائر وهروب المزارعين من مناطق القتال والنزاع المسلح. تلك أمثلة بسيطة فقط عن حجم التغيرات الهائلة التي سببها -ولا يزال يسببها- النشاط البشري المتطرف سلمًا وحربًا في بيئة كوكب الأرض، والتي بدأنا بالفعل نحصد مرارة آثارها، ونشهد بأنفسنا تلك الصدمة الإيكولوجية -أو الصدمات إن أردنا الدقة- التي لن تنتهي قريبًا بأي حال إذا لم نتحرك، لا أقول لوقف تلك الآثار، فقد فات الأوان لوقفها خاصة مع تلك النزعة الرأسمالية المتوحشة، التي لا تريد أن توقف أرباحها المتضاعفة من نزيف الكوكب، لكن نتحرك على الأقل لتخفيف آثارها، وبحث سبل التكيف معها، بأقل الخسائر على حياتنا وحياة الأجيال القادمة.