
تقرير يسجل سعي المغرب للتفوق العسكري ويحذر من الإنفاق المفرط والضعف السيبيراني
أفاد تقرير حديث أن القوات المسلحة المغربية تطور ترسانتها العسكرية عبر اقتناء أنظمة عسكرية متقدمة وعالية التقنية، من عدة بلدان بما فيها إسرائيل، استجابة للمشهد الإقليمي الذي تحدده المنافسة مع الجزائر، ودعوات الانفصال في الصحراء، وعدم الاستقرار في منطقة الساحل، حيث يسعى المغرب إلى أن يكون قوة إقليمية تحظى بثقة شركاء دوليين.
ونبه التقرير الذي أنجزته كل من مؤسسة 'كونراد أديناور' و 'مؤسسة الحوكمة والسيادة العالمية' إلى أن سعي المغرب ليكون قوة إقليمية تواجهه عدة تحديات، أبرزها غياب صناعة عسكرية سيادية، والاعتماد المفرط على دول محددة بشكل قد يضر باستقلاله الاستراتيجي، وضعف القدرات البحرية والحماية السيبيرانية، فضلا عن مخاطر التصعيد الإقليمي والانجرار نحو الإنفاق المفرط والمضر.
سعي للتقدم على الجزائر
وتوقف التقرير على أن المغرب بات يحوز مروحيات أباتشي AH-64 الأمريكية، والطائرات بدون طيار 'بلقدار' التركية، والمدفعية وأنظمة الدفاع الصاروخي من فرنسا وإسرائيل، فضلا عن توفير إسرائيل لأنظمة الاستخبارات والمراقبة عبر الأقمار الصناعية، لا سيما في الصحراء، بناءً على التعاون الذي أعقب اتفاقيات التطبيع، إلى جانب أطر تبادل المعلومات الاستخباراتية بين البلدين.
وحسب التقرير، يسعى المغرب لاقتناء أنظمة عسكرية متقدمة على الجزائر التي تبقى أكبر منافس له، والتي تعتمد على ثرواتها من الموارد لتحتل الرتبة الثالثة عالميا في نسبة الإنفاق العسكري من الناتج المحلي الإجمالي، بعد أوكرانيا وإسرائيل، وهو ما يشكل تحديًا مباشرًا لأمن المغرب.
وأشار ذات المصدر إلى أن المغرب خصص في عام 2024 مبلغ 5.5 مليار دولار أمريكي للإنفاق العسكري، وهو ما يمثل 3.5% من ناتجه المحلي الإجمالي، بزيادة قدرها 2.6% مقارنةً بعام 2023. وتُعدّ الولايات المتحدة المصدر الرئيسي للاستثمارات العسكرية المغربية.
ونبه التقرير المغرب إلى ضرورة تجنب الانجرار إلى إنفاق مفرط مدفوع بسباق تسلح، مما قد يُجهد موارده الاقتصادية ويُهدد أهدافه التنموية الأوسع، ما يفرض عليه التركيز على الاستثمار في أنظمة تقدم قيمة استراتيجية طويلة الأجل.
طائرات بدون طيار
وأشار التقرير إلى أن الأنشطة الانفصالية في الجنوب المغربي، وبدعم من جهات خارجية، والتحديات الإرهابية في منطقة الساحل، تتطلب قدرات مراقبة واستجابة سريعة مصممة خصيصًا للتضاريس الصحراوية، وهو ما دفع البلد إلى الاستحواذ على طائرات بدون طيار تركية الصنع، حيث حصل على 19 طائرة بدون طيار من طراز بيرقدار TB2 التي صُممت لأغراض الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع مع قدرات هجومية، حيث تصل قدرة تحملها إلى 27 ساعة، ولدبها مدى تشغيلي يبلغ 150 كيلومترًا، وسعة حمولة للقنابل الموجهة بالليزر، وهو ما يمكن المغرب من مراقبة مستمرة لمناطق صحراوية شاسعة.
بالإضافة إلى ذلك، يضيف التقرير، استلم المغرب الدفعة الأولى من طائرات 'بيرقدار أكينجي' بدون طيار الأكثر تقدما، مع تقارير تشير إلى طلب رقم غير معلن كجزء من اتفاقية تم توقيعها في عام 2023. حيث لدى هذه الطائرات قدرة تحمل تبلغ 40 ساعة، ومدى 7500 كيلومتر، وإلكترونيات طيران متقدمة للحرب الإلكترونية، تمكنها من توجيه ضربات عميقة وتعطيل اتصالات العدو. كما أن لديها قدرة على العمل على ارتفاعات أعلى والتكامل مع أنظمة الأقمار الصناعية.
ولدعم هذه المقتنيات، أعلنت شركة بايكار التركية المصنعة لطائرات'بيرقدار' في أوائل عام 2025 عن افتتاح منشأة صيانة وإنتاج جديدة في المغرب. ويهدف هذا المصنع إلى خدمة أسطول الطائرات بدون طيار المتنامي في المغرب، حيث من المحتمل أن ينتج ما يصل إلى 1000 طائرة بدون طيار سنويًا، وتعزيز الخبرة الفنية المحلية وتقليل الاعتماد على الصيانة الأجنبية، وهو ما يتماشى مع رؤية المغرب للسيادة الصناعية.
أنظمة متفوقة
وذكر التقرير أن المغرب أعطى الأولوية للأنظمة التي تؤكد على الدقة والتفوق التكنولوجي، كما يتضح من عمليات الاستحواذ العسكرية القادمة، بما في ذلك طائرات F-16 Block 70/72 الأمريكية، المقرر تسليمها في عام 2027.
وحسب ذات التقرير، فإن المشتريات الأخيرة تؤكد هذا الالتزام بالقدرات المتقدمة، لا سيما في مجال المدفعية؛ حيث يوفر مدفع أتموس 2000 من إسرائيل، وهو مدفع هاوتزر عيار 155 ملم بمدى يصل إلى 41 كيلومترًا باستخدام ذخائر طويلة المدى، انتشارًا سريعًا وقدرة عالية على الحركة، مما يجعله مناسبًا تمامًا للتضاريس الصحراوية في المغرب.
واعتبر التقرير أن هذا الاستحواذ يكمل مدفع هاوتزر سيزار البالغ عدده 36 والذي تم شراؤه من فرنسا في عام 2022، مما يعزز قدرة القوات المسلحة المغربية على تقديم دعم ناري دقيق وطويل المدى ضد التهديدات الأرضية، ويعزز موقف المغرب الدفاعي بشكل أكبر.
دور استراتيجي
وقال التقرير إن الجيش المغربي المُحدّث، يضع نفسه في موقع محوري في الاستقرار الإقليمي والتعاون الأمني الدولي، وهو ما يتماشى مع استراتيجية الولايات المتحدة في البحث عن حلفاء إقليميين موثوقين لتقاسم الأعباء الأمنية. كما أن استثمار المغرب في أنظمة الدفاع المتقدمة يضعه كلاعب رئيسي في مواجهة عدم الاستقرار في منطقة الساحل، ويجذب الدعم من القوى العالمية التي تبحث عن شركاء إقليميين موثوق بهم.
وأشار ذات المصدر إلى أن القوى الجيوسياسية التي واجهت انتكاسات في منطقة الساحل، مثل فرنسا، بعد انسحابها من مالي عام 2023، والولايات المتحدة، بعد خروجها من النيجر عام 2024، تنظر إلى المغرب كشريك موثوق به لترسيخ المبادرات الأمنية. ومن المرجح أن يعتمد حلف شمال الأطلسي، على وجه الخصوص، بشكل متزايد على قدرات المغرب.
وعلاوة على ذلك، يضيف التقرير، فإن خطط المغرب لإنشاء قاعدة جوية جديدة في المنطقة الجنوبية، والتي تم الإعلان عنها في أوائل عام 2025، ستعزز قدرته على إجراء عمليات جوية في منطقة الساحل. ويمكن أن تكون هذه القاعدة، المصممة لإيواء الطائرات بدون طيار والطائرات المقاتلة، بمثابة منصة انطلاق لمهام الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع والضربات الدقيقة ضد الجماعات الإرهابية، مما يوسع نطاق المغرب العملياتي ليشمل منطقة الساحل ويعزز دوره كمركز أمني إقليمي.
غياب صناعة سيادية
وبالمقابل، نبه التقرير إلى غياب صناعة عسكرية سيادية لدى المغرب، وأشار إلى أن تطوير صناعة دفاعية سيادية، تفرض الاستفادة من الموارد المتاحة للتغلب على الفجوات التكنولوجية والخبراتية من خلال شراكات طويلة الأمد والابتكار.
وقالت الدراسة إن بإمكان المغرب، الذي اندمج مؤخرًا في سلسلة إنتاج طائرات إف-16 العالمية التابعة لشركة 'لوكهيد مارتن'، الاستفادة من موقعه الجغرافي ومراكزه الصناعية مثل 'النواصر' لإنشاء مراكز تصنيع دفاعية، مع التركيز في البداية على إنتاج مكونات للطائرات بدون طيار وأنظمة المدفعية الموجودة بالفعل في الخدمة، مثل قطع غيار مدفعية 'سيزار' أو طائرات 'بيرقدار' بدون طيار.
كما أن المغرب مطالب بتجنب الاعتماد المفرط على دول محددة، مما قد يضر باستقلاله الاستراتيجي، عبر تنويع شراكاته لتشمل جهات فاعلة ناشئة في مجال الدفاع مثل الهند والبرازيل وكوريا الجنوبية.
وأوصى التقرير المغرب بالتفاوض على اتفاقيات تعطي الأولوية لقدرات التجميع والصيانة المحلية، كي يبني خبرته الخاصة، مما يقلل من نقاط الضعف في مواجهة الضغوط الخارجية، ويعزز سيادته، ويضعه أيضًا كشريك تعاوني في النظام البيئي الدفاعي العالمي، مما يعزز نفوذه الدبلوماسي.
ضعف القدرات البحرية والحماية السيبيرانية
ومن جهة أخرى، لفت التقرير إلى أن المغرب وبالرغم من مشترياته الاستراتيجية، لا تزال قدراته البحرية تحتاج إلى تعزيز، حيث تركز الاستثمارات الحالية في المقام الأول على المجالات البرية والجوية، مما يجعل القدرات البحرية أقل بروزًا، لتأمين سواحله الشاسعة ومصالحه البحرية.
و مع أكثر من 3500 كيلومتر من السواحل على طول المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، يواجه المغرب تهديدات محتملة. حيث سجل التقرير افتقاره إلى الفرقاطات الحديثة أو سفن الدوريات أو قدرات الحرب المضادة للغواصات، وهو ما يحد من قدرته على إبراز قوته في البحر ومواجهة التهديدات البحرية بشكل فعال.
و لمعالجة هذه الفجوة، دعا التقرير المغرب إلى إعطاء الأولوية للاستثمارات المستقبلية في الأصول البحرية، مثل الحصول على فرقاطات متعددة الأغراض ذات قدرات مضادة للغواصات والدفاع الجوي، ووضع استراتيجية بحرية.
ونبه التقرير إلى الهجمات الإلكترونية ضد البنية التحتية الحيوية للمغرب، ما يتطلب جيشًا سيبرانيًا قويًا يمكن البلد من إنشاء قيادة سيبرانية متخصصة، مستفيدةً من قدراته في ظل قطاع التكنولوجيا المتنامي، لتدريب متخصصين في العمليات السيبرانية.
وقال التقرير إنه يمكن للتعاون مع حلفاء رئيسيين مثل حلف شمال الأطلسي (الناتو) أن يُسرّع هذا التطور، مما يُمكّن المغرب من مواجهة حملات التضليل، وحماية حدوده الرقمية، والتصدي لمحاولات زعزعة الاستقرار المعادية.
واعتبر أن هذا التركيز المزدوج على القدرات البحرية والسيبرانية من شأنه أن يُرسّخ مكانة المغرب كقوة متعددة المجالات، قادرة على الدفاع عن سيادتها برًا وبحرًا وفي الفضاء الإلكتروني، مع تعزيز دوره كقائد أمني إقليمي في مشهد جيوسياسي متزايد التعقيد.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أخبارنا
منذ ساعة واحدة
- أخبارنا
هل تُغلق إيران مضيق هرمز؟.. ورقة ضغط قد تفجّر أسعار النفط عالميًا
في خضم التصعيد العسكري المتواصل بين إيران وإسرائيل، تبرز ورقة إستراتيجية حساسة في يد طهران قد تغيّر معادلات المنطقة وتقلب الأسواق الدولية رأسا على عقب: الحديث هنا عن مضيق هرمز، الممر الحيوي الذي تمرّ عبره نحو ربع الإمدادات العالمية من النفط. ففي الوقت الذي تتبادل فيه إيران وإسرائيل الهجمات الصاروخية، يحذّر خبراء من إمكانية إقدام طهران على إغلاق المضيق الواقع بين إيران وسلطنة عمان، وهو ما من شأنه أن يدفع بأسعار النفط إلى مستويات قياسية قد تتجاوز 100 دولار للبرميل، وفق ما ذكرته مصادر غربية. مضيق حيوي تحت التهديد ويُعدّ مضيق هرمز أحد أهم الشرايين النفطية في العالم، حيث يُنقل عبره يوميًا أكثر من 20 مليون برميل من النفط الخام، بحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية. وتقول الوكالة الدولية للطاقة إن مجرد توقف مؤقت لهذا الممر سيُحدث ارتباكًا شديدًا في أسواق النفط والغاز العالمية. وفي وقت سابق، سجل سعر برميل النفط ارتفاعًا إلى 78 دولارًا مع بداية التصعيد، قبل أن يتراجع مؤقتًا إلى 73.23 دولار، نتيجة التقديرات التي تُرجّح عدم انزلاق الأوضاع إلى مواجهة مفتوحة تؤثر على الملاحة في المضيق. خبراء: السوق قد يتلقى صدمة عنيفة ورغم أن محللي مؤسسة RBC Capital Markets يستبعدون قدرة طهران على إبقاء المضيق مغلقًا لوقت طويل، إلا أنهم حذّروا من احتمال توسيع دائرة الهجمات لتشمل منشآت نفطية وغازية، ما قد يؤدي إلى "صدمة عنيفة" للأسواق العالمية. وأشار التقرير إلى أن استهداف البنى التحتية الطاقية، بما فيها المصافي ومستودعات النفط، يشير إلى توجه واضح نحو جعل قطاع الطاقة ساحة معركة جديدة في النزاع القائم. وفي ظل هذا التوتر الإقليمي، تتابع العواصم العالمية بقلق شديد تطورات الوضع في الخليج، بينما تبقى الأنظار متجهة نحو طهران، وما إذا كانت ستستخدم فعلا ورقتها الأقوى: إغلاق هرمز.


الألباب
منذ 5 ساعات
- الألباب
الأمم المتحدة تدعو في نداء 'فائق الأولوية' إلى جمع 29 مليار دولار لتلبية احتياجات ملحة لنحو 114 مليون شخص حول العالم
الألباب المغربية دعت الأمم المتحدة في نداء 'فائق الأولوية' إلى جمع 29 مليار دولار لتلبية احتياجات ملحة لنحو 114 مليون شخص حول العالم. وأكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أمس الاثنين 16 يونيو الجاري، أن النداء يأتي في أعقاب أكبر تخفيضات في التمويل على الإطلاق في القطاع الإنساني الدولي. وأوضح منسق الإغاثة الطارئة توم فليتشر، أن تخفيضات التمويل الإنساني وضعت القطاع الإنساني بأكمله أمام خيارات قاسية، حيث إن الكثير من الناس لن يحصلوا على الدعم الذي يحتاجونه. وقال إن الأمم المتحدة، عازمة على مواصلة العمل بالتعاون مع شركائها، لمحاولة إنقاذ أكبر عدد ممكن من الأرواح بالموارد المتاحة لديها. وأبرز فليتشر، أن جهود العمل الإنساني بحاجة حاليا وبشكل ملح إلى 44 مليار دولار، ولا سيما وأنه مع انقضاء ما يقرب من نصف العام، لم يتم استلام سوى 5.6 مليار دولار كتمويل لبرامج المساعدات المقررة (أقل من 13 في بالمائة من المطلوب لتمويل هذه البرامج).


العيون الآن
منذ 6 ساعات
- العيون الآن
الصين وروسيا تعيدان ضبط موقفيهما من قضية الصحراء
العيون الآن. كشفت ورقة بحثية حديثة صادرة عن مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد عن مؤشرات متزايدة على أن الصين وروسيا تعيدان تقييم موقفيهما من قضية الصحراء المغربية، في سياق تحولات جيوسياسية أوسع تعيد تشكيل التوازنات الدولية وتفرض منطق الاستقرار الإقليمي كأولوية استراتيجية. وبحسب الدراسة المعنونة بـ'الصين وروسيا في مواجهة قضية الصحراء المغربية: نحو تقارب في المصالح الاستراتيجية' فإن النزاع الذي ظل هامشيا نسبيا في أجندتي بكين وموسكو بات يحظى باهتمام لافت، مدفوعا بتنامي المصالح الاقتصادية والجيوسياسية في المنطقة. تشير الورقة إلى وجود تحول تدريجي وغير معلن في موقفي البلدين نحو المقترح المغربي للحكم الذاتي باعتباره أساسا واقعيا لتسوية النزاع. ووفق المعطيات الواردة في الورقة بدأت الصين التي اتسم موقفها تقليديا بالحياد، منذ عام 2018 في التصويت لصالح قرارات مجلس الأمن التي تدعو إلى حلول 'واقعية وقابلة للتطبيق'. ويمثل تصويتها لصالح القرار 2602 في عام 2021 نقطة تحول لافتة بالنظر إلى أنه يكرس دعما ضمنيا للمسار السياسي الذي تقوده الأمم المتحدة بناء على مبادرة الحكم الذاتي المغربية. أما في ما يتعلق بروسيا فتشير الورقة إلى أن موقفها شهد بدوره تحولات ملموسة حيث تخلت موسكو عن بعض مواقفها التقليدية الداعمة لجبهة البوليساريو، التي تعود إلى مرحلة الحرب الباردة. وتبرز الورقة امتناع روسيا عن التصويت على بعض قرارات مجلس الأمن بشأن تجديد ولاية بعثة 'المينورسو'، معتبرة ذلك تعبيرا عن رغبة موسكو في الحفاظ على علاقات متوازنة مع كل من المغرب والجزائر. وتعيد الدراسة التأكيد على أن زيارة الملك محمد السادس إلى موسكو عام 2016 كانت لحظة مفصلية في مسار العلاقات الثنائية، إذ تم خلالها الإعلان عن شراكة استراتيجية وأكدت روسيا خلالها احترامها لموقف المغرب الداعي إلى حل سياسي متوافق عليه تحت رعاية الأمم المتحدة. في الجانب الاقتصادي توضح الورقة أن العلاقات بين المغرب والصين شهدت تطورا لافتا خلال السنوات الأخيرة، إذ ارتفع حجم المبادلات التجارية بين البلدين إلى نحو 8 مليارات دولار سنة 2023، فيما تجاوزت الصادرات المغربية نحو السوق الصينية لأول مرة حاجز المليار دولار. وتعتبر الصين حاليًا الشريك التجاري الثالث للمغرب، والأول على مستوى القارة الآسيوية. كما أشارت الورقة إلى أن الاستثمارات الصينية المباشرة في المغرب عرفت نموًا ملموسًا، لا سيما في مجالات الصناعة والتكنولوجيا والطاقة، حيث بلغت حصة الصين حوالي 29% من إجمالي مشاريع الاستثمار الأخضر في المغرب سنة 2023. وتعتزم شركات صينية كبرى إنشاء مصانع للبطاريات الكهربائية ومجمعات صناعية في مدن مثل القنيطرة والجرف الأصفر، ما يعكس توجها طويل الأمد نحو تعميق الشراكة الصناعية بين البلدين. في المقابل، تبدو الاستثمارات الروسية في المغرب أكثر محدودية، غير أن الورقة تُسجل اهتمامًا متزايدًا من الجانب الروسي بالفرص التي تتيحها السوق المغربية، خاصة في مجالات الطاقة والصيد البحري، حيث تم توقيع اتفاقيات تسمح للسفن الروسية بالصيد في المياه الأطلسية التابعة للأقاليم الجنوبية. وترى الورقة أن الصين تنظر إلى المغرب كمنصة استراتيجية ضمن مبادرة 'الحزام والطريق'، تربط إفريقيا بأوروبا والمحيط الأطلسي، وأن استقرار الأقاليم الجنوبية تحت السيادة المغربية من شأنه تعزيز قدرة المملكة على استقطاب المشاريع الكبرى العابرة للحدود، خصوصًا في مجالات الطاقة والبنية التحتية. أما روسيا، فبحسب الدراسة، تسعى إلى الحفاظ على موقف متوازن بين المغرب والجزائر، لتفادي الانخراط في صراع إقليمي قد يقوّض مصالحها المشتركة مع الطرفين. وتعتبر الورقة أن أي تصعيد في المنطقة قد يضع موسكو في موقف دبلوماسي حرج، مما يدفعها إلى تفضيل خيار الحل السياسي التوافقي، بما يتماشى مع دورها كوسيط دولي محايد في القارة الإفريقية. واختتمت الورقة بالتأكيد على أن التطورات الأخيرة في موقفي الصين وروسيا تمثل فرصة استراتيجية للمغرب لتوسيع قاعدة التأييد الدولي لمبادرته الخاصة بالحكم الذاتي، وتدعيم دينامية الاستقرار في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل، كما تفتح آفاقًا جديدة لتعزيز الاستثمارات، وإعادة صياغة التوازنات الجيوسياسية الإقليمية في اتجاه يخدم التنمية والسلم.