logo
ليث القهيوي يكتب: ترامب والخليج: معادلة استثمار وأمن تعيد رسم المشهد وتختبر خيارات الأردن المقبلة

ليث القهيوي يكتب: ترامب والخليج: معادلة استثمار وأمن تعيد رسم المشهد وتختبر خيارات الأردن المقبلة

بقلم : د. ليث عبدالله القهيوي
بينما كان زعماء العرب يجتمعون اليوم في بغداد في القمة العربية الرابعة والثلاثين، حطت آثار جولة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالخليج بثقلها على مداولات القاعة الرخامية، فالسجال حول وقف إطلاق النار في غزة وإعمارها عبر صندوق بعشرات المليارات تداخل مع سؤال أوسع: كيف ستُعاد برمجة موازين القوى في الشرق الأوسط بعدما قررت واشنطن إعادة ضبط بوصلتها، وفي وقت يطرق فيه الدب الروسي والتنين الصيني الأبواب بخيارات بديلة؟
الإشارات بدأت مع وصول ترامب إلى الرياض في 13 أيار(مايو)، حين عرض «صفقة كبرى» قوامها 142 مليار دولار عقوداً دفاعية مع السعودية و96 ملياراً لقطر لشراء طائرات «بوينغ»، ثم استكملها في أبوظبي بإطلاق أضخم مجمع ذكاء اصطناعي خارج الولايات المتحدة، وعبر ترامب حين وصف الاستثمارات الخليجية بأنها «أكبر تصويت ثقة» في الاقتصاد الأميركي منذ عقود.
في المقابل، طرحت موسكو في الكواليس عقد قمة روسية–عربية في سوتشي الخريف المقبل لتسويق أنظمة دفاعية وتوطين صناعتها خليجياً، بينما عرضت تصدير القمح المدعوم لتخفيف اضطراب سلاسل الغذاء في السودان واليمن. بكين سلكت مساراً أكثر هدوءاً، مقترحة مقايضة نفط باليوان الرقمي وتمويل ممر بري من البصرة إلى العقبة يربط «الحزام والطريق» بالبحر الأحمر، إضافة إلى قروض ميسرة بقيمة 18 مليار دولار لمشاريع السكك الحديدية في العراق والأردن. تتشكل بذلك معادلة نفوذ ثلاثية: شراكة أمنية أميركية، توازن عسكري روسي، وتمويل بنيوي صيني.
بالنسبة لعمان، النافذة ضيقة لكن واعدة. رفع القيود الأميركية عن دمشق سيُعيد معبر نصيب–جابر للعمل بكامل طاقته قبل نهاية 2026، مضيفاً نقطة مئوية إلى النمو ويوفر آلاف الوظائف في الخدمات اللوجستية.
إن الأردن اليوم بحاجة إلى بلورة استراتيجية مزدوجة:
أولاً، تعزيز الشراكة الأمنية مع واشنطن عبر تطوير منظومة دفاع جوي إقليمي وفتح مسارات لتدريب الكوادر الأردنية في الأمن السيبراني ومكافحة الهجمات الهجينة. وثانياً، فتح نوافذ اقتصادية مع الصين عبر مشاريع البنية التحتية وربط الموانئ وخطوط السكك الحديدية بمبادرة "الحزام والطريق"، شرط الحفاظ على الشفافية والحوكمة حتى لا تتحول هذه المشاريع إلى عبء طويل الأمد.
في ظل هذا المناخ المتغير، يجب أن يتحرك الأردن سريعاً لاستثمار ميزاته التنافسية في مجالات الاقتصاد الأخضر والرقمنة. مشروع الهيدروجين الأخضر في معان يمكن أن يشكل نقطة انطلاق لتحالفات صناعية جديدة مع أوروبا والخليج، في حين يمكن توطين مراكز بيانات إقليمية في عمان والعقبة للاستفادة من الموقع الجغرافي والاستقرار الأمني.
وفي حال أُحسن استثمار هذه العوامل، يمكن تحويل الأردن من دولة عبور تقليدية إلى مركز للابتكار والتحكم في سلاسل الإمداد بين آسيا وأوروبا، لاسيما مع تعاظم دور الذكاء الاصطناعي في إعادة هيكلة سلاسل القيمة العالمية.
الأمن الأردني لن يبقى على الهامش، فإذا نجحت المحادثات الأميركية–الإيرانية التي لمح إليها ترامب، فإن انحسار نشاط الميليشيات عبر العراق وسورية سيسمح بنقل ثقل الجيش الأردني نحو تطوير دفاع جوي مشترك مع الولايات المتحدة خلال ثلاث سنوات وتعزيز قدراته السيبرانية لحماية بنية الطاقة المتجددة. أما تعثر الاتفاق فسيعني خطر طائرات مسيرة وصواريخ قصيرة المدى تستهدف خطوط الغاز، فتضطر عمان إلى مضاعفة الإنفاق الدفاعي وتحويل جزء من حزمة المساعدات الأميركية إلى بند طوارئ.
هكذا تتقاطع معادلة الاستثمار بالأمن مع حراك بغداد لتصوغ ثلاثة مسارات محتملة: «استقرار متسارع» يرفع نمو الأردن فوق 4 % بفضل أموال الإعمار وتكامل البنية الخضراء؛ أو «تجزئة متوازنة» تجمد مسار غزة وتُبقي الحدود أكثر أمناً مع استمرار الاحتقان الشعبي؛ أو «ارتداد فوضوي» إذا تعثرت مفاوضات طهران وتصاعدت حرب الوكالات، فيهبط النمو دون 2 % ويتقلص هامش الحركة الدبلوماسية إلى مجرد دفاع عن الضروريات مع تزايد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية.
إن القمة العربية تحولت من منصة بيانات تقليدية إلى مختبر توازنات دولية: عملاق أميركي يريد استثمارات عاجلة، ودب روسي يلاحق صفقات سلاح وحبوب، وتنين صيني يعرض البنية التحتية والتمويل طويل الأمد. الأردن، الواقف عند تقاطع هذه الخطوط، يملك فرصة نادرة لرفع وزنه فوق حجمه الجغرافي إذا حول وعود اليوم إلى اتفاقيات قابلة للتنفيذ واستثمر الهيدروجين الأخضر والذكاء الاصطناعي ليصير مركز عبور وبيانات إقليمياً.
لم يعُد هامش الانتظار متاحاً، ما كان يُصاغ خلف الأبواب المغلقة بات يُعرض على موائد القمم، ومن لا يبادر سيتحول إلى بند في أجندات الآخرين، الفرصة أمام الأردن اليوم ليست فقط في التقاط اللحظة، بل في إعادة تعريف موقعه ضمن معادلة شرق أوسط يعاد تشكيله على أسس الاستثمار والتحالفات الذكية، فإن المطلوب ليس فقط إدارة المرحلة بل امتلاك الشجاعة لإعادة تعريف دور الدولة وحدود الممكن ودور سياسي يتقن التفاوض ويُحسن التموضع، وفريق وطني يقرأ المشهد بعين استباقية ولا يكتفي بإدارة التحديات، ويؤمن أن الكرامة الوطنية تُصان بالفعل لا بالشعارات، وأن المستقبل لا يُنتظر، بل يُصنع ويصنع المكاسب منه، في زمن تتقاطع فيه خطوط الطاقة بالذكاء الصناعي، وتتشابك المصالح الإقليمية مع الأمن الغذائي والمائي، فإن من يقرأ المشهد جيداً لن يكتفي بالبقاء، بل سيصنع الفارق.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

بنك وربة: تسعير صكوك رأس مال بقيمة لا تتجاوز 250 مليون دولار
بنك وربة: تسعير صكوك رأس مال بقيمة لا تتجاوز 250 مليون دولار

الدستور

timeمنذ ساعة واحدة

  • الدستور

بنك وربة: تسعير صكوك رأس مال بقيمة لا تتجاوز 250 مليون دولار

الكويت – أعلن بنك وربة تسعير صكوك ضمن الشريحة الأولى الإضافية لرأس المال بحد أقصى 250 مليون دولار أمريكي؛ وفق بيان لبورصة الكويت الأربعاء الماضي.وأوضح أن ذلك بعد استيفاء الضوابط والإجراءات المرعية، علماً بأن إجمالي الطلبات على تلك الصكوك بلغت 601.95 مليون دولار بما يتجاوز حجم الإصدار وبنسبة تغطية بلغت 2.4 مرة ليعكس الاستجابة الإيجابية من المستثمرين لأداء البنك ونشاطه.وقال «وربة» إنه سوف يتم الإصدار والتسوية بتاريخ 20 مايو/أيار 2025، مبيناً أنه سيتم إدراج تلك الصكوك في سوق لندن للأوراق المالية. ويتمثل المنسق العالمي في بنك الإمارات دبي الوطني كابيتال وبنك ستاندرد تشارترد، ضم مديري الأصدار كل من مصرف أبو ظبي التجاري، ومصرف أبو ظبي الإسلامي، و مصرف الامارات دبي الوطني كابيتال، إتش إس بي سي جي بي مورجن, كامكو إنفست المركز، وبنك ستاندرد شارترد وبنك وربة.وكان بنك وربة أعلن في 13 مايو/أيار 2025 البدء بترتيب اجتماعات مع المستثمرين اعتباراً من الاثنين الماضي لتسويق صكوك لشريحة الأولى الإضافية لرأس المال.وكان «وربة» قد حصل على موافقة هيئة أسواق المال الكويتية على نشرة الاكتتاب التكميلية لإصدار صكوك ضمن الشريحة الأولى الإضافة لرأس المال بقيمة لا تتجاوز 250 مليون دولار أمريكي.يُذكر أن أرباح بنك وربة قد بلغت خلال الربع الأول من العام الحالي 5.51 مليون دينار، بنمو 16.4% عن مستواها بذات الربع من عام 2024 البالغ 4.74 مليون دينار.

«البنك الأول» ينتهي من طرح صكوك رأسمال من الشريحة الأولى
«البنك الأول» ينتهي من طرح صكوك رأسمال من الشريحة الأولى

الدستور

timeمنذ ساعة واحدة

  • الدستور

«البنك الأول» ينتهي من طرح صكوك رأسمال من الشريحة الأولى

الرياض - أعلن البنك السعودي الأول الخميس الماضي عن الانتهاء من طرح صكوك رأس مال إضافي من الشريحة الأولى خضراء ومقوّمة بالدولار الأمريكي من خلال طرحها طرحاً خاصاً في المملكة العربية السعودية وخارجها بموجب برنامجه لإصدار صكوك رأس مال إضافي من الشريحة الأولى.وأوضح البنك، في بيان له الخميس الماضي على «تداول»، أن قيمة الطرح تبلغ نحو 650 مليون دولار، مشيراً إلى أنه ستتم تسوية إصدار الصكوك بتاريخ 21 مايو / أيار الجاري.وأشار البنك إلى أن العدد الإجمالي (للصكوك/ للسندات) 3,250 صك (بناءً على الحد الأدنى للفئة وإجمالي حجم الإصدار)، وتصل القيمة الاسمية (للصك/ للسند) 200 ألف دولار أمريكي، بعائد %6.50 (في السنة).وأوضح البنك أن مدة استحقاق (الصك/ السند) دائمة (دون تاريخ استحقاق)، مع مراعاة إمكانية استردادها بشكل مبكر في تاريخ الاسترداد أو وفق ما هو موضح في نشرة الإصدار الأساسية ونشرة الإصدار التكميلية والشروط النهائية المطبقة الخاصة بالصكوك.وبين البنك أن الصكوك ستكون دائمة وبالتالي ليس لها تاريخ استحقاق محدد أو نهائي. ولكن يمكن استرداد الصكوك بشكل مبكر من قبل البنك، في حالات معينة كما هو مفصل في نشرة الإصدار الأساسية ونشرة الإصدار التكميلية والشروط النهائية المطبقة الخاصة بالصكوك.

«بنك البلاد» يعلن الانتهاء من طرح صكوك رأس مال إضافي
«بنك البلاد» يعلن الانتهاء من طرح صكوك رأس مال إضافي

الدستور

timeمنذ ساعة واحدة

  • الدستور

«بنك البلاد» يعلن الانتهاء من طرح صكوك رأس مال إضافي

الرياض - أعلن بنك البلاد عن الانتهاء من طرح صكوك رأس مال إضافي من الشريحة الأولى مستدامة مقومة بالدولار، بقيمة بلغت 650 مليون دولار.وأوضح البنك، في بيان له الأحد الماضي على «تداول»، أن العدد الإجمالي للصكوك يبلغ نحو 3250 صكاً، بقيمة اسمية 200 ألف دولار، مبيناً أن العائد يبلغ 6.500 % (في السنة).وأضاف البنك أن مدة الاستحقاق دائمة (دون تاريخ استحقاق)، مع مراعاة إمكانية استردادها بشكل مبكر في تاريخ الاسترداد، أو وفق ما هو موضح في نشرة الإصدار الأساسية والشروط النهائية المطبقة الخاصة بالصكوك.وأشار إلى أن الصكوك ستكون دائمة وبالتالي ليس لها تاريخ استحقاق محدد أو نهائي. ولكن يمكن استرداد الصكوك بشكل مبكر من قبل البنك، في حالات معينة، كما هو مفصل في نشرة الإصدار الأساسية والشروط النهائية المطبقة الخاصة بالصكوك.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store