
الترجمة الأدبية.. جسر غزة الإنساني إلى العالم
فالترجمة الأدبية ليست مجرد نقل لغوي، بل فعل مقاومة ثقافية وأخلاقية، تتحول عبره القصص والقصائد والنصوص الشعرية والنثرية من أصوات محلية إلى شهادات عالمية، تكسر التعتيم، وتعيد للإنسان الغزي صورته الحقيقية كفرد لديه أحلام وأوجاع.
في حديثه للجزيرة نت، يرى أستاذ الأدب والنقد الإنجليزي في جامعة الأزهر بغزة، مروان حمدان، أن الترجمة الأدبية تلعب دورا حيويا في إبراز البعد الإنساني بعيدا عن التجاذبات السياسية، وكشف التفاصيل اليومية للمعاناة من منظور شخصي وعاطفي، وتعزيز التضامن الدولي عبر إشراك القراء في معاناة وآمال الكتاب الغزيين، وإحياء الذاكرة الغربية حول النكبة والإبادة والحصار من خلال الأدب.
وتهدف الترجمة إلى نقل الأدب الفلسطيني إلى جمهور عالمي متنوع، لا سيما أعمال الكتاب من غزة، وبناء شبكات تضامن ثقافي عالمية عبر أعمال أدبية مترجمة، وتمكين الكتاب الفلسطينيين من التواجد في محافل أدبية دولية، وتعزيز الصورة الثقافية لغزة بوصفها حاضنة للإبداع، لا مجرد مسرح للحرب.
إن الترجمة الأدبية من غزة ليست عملا ثقافيا فحسب، بل شهادة على واقع إنساني يجب أن يسمع. وهي دعوة للعالم كي ينصت، لا إلى دوي الطائرات والصواريخ فقط، بل إلى صوت الشاعر والروائي.
وقد أكد على أهمية تسليط الضوء على الأصوات الأدبية والأعمال الإبداعية في قطاع غزة، من خلال ترجمة مختارات منها إلى لغات عالمية، لنقل صورة أعمق عن القضية الفلسطينية إلى العالم بلغات مختلفة، وفتح آفاق جديدة أمام المترجمين المهتمين بها، ودعم الكتاب والمترجمين الشباب، وتوفير منصات لنشر أعمالهم.
تثبيت الهوية وتعزيز السردية
تمثل الكتابة الإبداعية في السياق الفلسطيني ضرورة ملحة، وسلاحا يعبر الأجيال ويخترق حدود اللغة نحو العالم، فهي ليست ترفا أدبيا، بل فعل مقاومة، وصرخة وعي، وذاكرة تحفظ ما يحاول المحتل طمسه.
إنها أداة لاسترداد الحق، وتثبيت الهوية، وعين لا تغفو في زمن المسخ الإعلامي والتزييف السياسي. فالكاتب الفلسطيني ليس مجرد راو، بل شاهد ومقاتل، وناقل لنبض شعبه بلغة لا تهادن ولا تساوم.
الشاعر حيدر الغزالي، الذي كانت له إسهامات جليلة في تسليط الضوء على أهمية القضية الفلسطينية، ومظلومية الشعب الفلسطيني، وتعزيز السردية القائمة على الحق التاريخي للشعب الفلسطيني في أرضه، شارك في فعاليات أدبية كبيرة في فرنسا وإيطاليا والبرازيل والولايات المتحدة.
وقال في حديثه للجزيرة نت: "كانت لي مشاركات أدبية من خلال نصوص شعرية عن القضية الفلسطينية والإبادة في غزة، فقد أسهمت مع مجموعة من الشعراء الغزيين، منهم يوسف القدرة، هند جودة، مروان مخول، علي أبو خطاب، الشهيد رفعت العرعير، نعمة حسن، الشهيدة هبة أبو ندى، دارين الطاطور، ويحيى عاشور، الذين شعروا بمسؤوليتهم تجاه القضية الفلسطينية وتجاه الإبادة في غزة، في إصدار مجموعة شعرية مشتركة باللغة الإيطالية بعنوان (صراخكم من صوتي)، وكانت واحدة من أكثر المجموعات الشعرية مبيعا في إيطاليا".
وأضاف: "ترجمت لي قصيدة (أعدني إلى صباي) ونشرت على صفحات مجلة Ord Bild السويدية، وهي أقدم مجلة أدبية في السويد، كما ترجمت قصيدة (كلما خرجت من البيت أودعه) إلى اللغة المالايالامية ، ونشر نص قصيدة (انتفاضة الشباب الحر في الجامعات) في جريدة (The New York War Crimes) الأميركية، التي كانت تصدر في وقت اعتصام طلاب الجامعات في أميركا ضد الحرب على غزة".
مقاومة الصمت واختراق الحدود
وفي معرض رده على سؤال حول جدوى هذه الفعاليات الأدبية ودورها، أضاف: "الترجمة الأدبية ضرورة ملحة، وأداة لا بد منها لعبور المسافات واختراق الحدود نحو نبض الشارع، وصوت الإنسان البسيط، وحكاية الوطن المسلوبة. إنها الكلمة التي تقاوم الصمت، وتمنح اللغة حرارة الرفض، وكرامة البوح في وجه القهر.
وهي التي تواجه سردية الكذب الإسرائيلية، وتوقع على القاتل صفة الإجرام والدموية. فالكتابة في زمن الإبادة تتطلب انغماسا تاما في الوجع، للدفاع عن الروح البشرية، واقتحام أغوار آلامها، إلى درجة تتطلب أحيانا أن يتجاهل النص خلفيته القومية والوطنية، لصالح ما هو أعم وأشمل. والترجمة هي التي توصل النص إلى حده العالمي، وتطوع اللغات لخدمة أهدافها".
جوديث كيزنر ، كاتبة وفنانة تشكيلية ألمانية، وعضو أكاديمية قصر العزلة في برلين، ومن أكثر الداعمين للقضية الفلسطينية ومساعدة اللاجئين الفلسطينيين، أسهمت في إقامة مدرسة "زهرة أمل" للطلاب الفلسطينيين في منطقة المواصي.
ورأت في تصريحها للجزيرة نت أن "الكتابة الأدبية وترجمتها تمنح أهل غزة صوتا غالبا ما يتم تجاهله في السياسة. فمن خلال الكتب والقصص والقصائد، يتمكن الغرب من التعرف على تجاربهم الشخصية ومشاعرهم، وفهم معاناتهم بشكل أعمق، مما يسهم في اتخاذ مواقف أو القيام بأفعال من أجلهم".
وأضافت: "الترجمة الأدبية لا تنقل فقط أخبار الحرب والدمار في غزة، بل تكشف عن تفاصيل الحياة اليومية التي تستمر رغم كل شيء، وتجعل المعاناة ملموسة، وتعيد للضحايا أسماءهم وملامحهم، وتذكرنا بمسؤوليتنا تجاههم كأفراد ومجتمعات".
حكايات حية وشهادات موروثة
إن الترجمة الأدبية من غزة ليست عملا ثقافيا فحسب، بل شهادة على واقع إنساني يجب أن يسمع. وهي دعوة للعالم كي ينصت إلى صوت الشاعر، والروائي، والأديب، لأن الأدب هو المصدر الإنساني الصادق لرصد ما يجري عبر العصور.
إعلان
هذا ما قالته رئيسة الملتقى الثقافي وملتقى الأدب الفلسطيني في أوروبا، والمختصة في الترجمة الأدبية، نجوى غانم، وتروي للجزيرة نت كيف أسهمت في ترجمة جميع قصائدها التي كتبتها خلال الحرب على غزة إلى الإنجليزية والألمانية، تحت عنوان: "أغنية الحياة على تلة الذبح، قصائد الإبادة"، كما ترجمت القصيدة التي كتبتها ابنتها نيسان أبو القمصان بعنوان "خان حرب" إلى اللغة الإنجليزية.
كما شاركت في ترجمة كتاب "الوصايا: شهادات مبدعات ومبدعين من غزة في مواجهة الموت" (2024)، الذي يضم 17 نصا لعدد من الكتاب الفلسطينيين، وقد جاء إهداء لروح الفنانة التشكيلية الفلسطينية هبة زقوت، التي ارتقت مع طفلها جراء قصف غادر في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023. وقد تضمن الكتاب لوحاتها كتعزية فنية وعاطفية.
كذلك ترجمت كتاب "الكتابة، كل ما ظل لي" للكاتبة الغزية الشابة دانا فليفل إلى الإنجليزية والفرنسية (2025)، وكتاب "48 قصة قصيرة فلسطينية" لـ 48 كاتبا فلسطينيا من الوطن والشتات إلى اللغة الإنجليزية، وغيرها الكثير مما لا يتسع المجال لذكره.
واعتبرت غانم أن هذه الترجمات الأدبية تمثل شهادات موروثة للغربيين، عرفوا من خلالها "قصة أبي اللاجئ المنكوب، وجدي الذي عاش ومات رافضا الخنوع والاعتراف بأنه لاجئ، ومعاناة جدتي، وقصصي على الحواجز العسكرية، والإبادة التي يعيشها شعبي".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
إعادة تدوير الحنين.. كيف تحول نجوم الفيديو كليب بمصر إلى "ميمز"؟
إذا كنت من مواليد الفترة بين عامي 1985 و1995، فإن عمرك اليوم يتراوح بين 30 و40 عامًا، ما يجعلك ضمن الفئة العمرية الأكثر استهدافًا من قِبل الحملات التسويقية بمختلف أنواعها. فأنت الآن في موقع اتخاذ القرار فيما يخص الإنفاق والادخار والاستثمار، سواء تعلق الأمر بشراء عقار أو سيارة أو هاتف ذكي، أو حتى باقتناء مستلزمات مكتبية أو منتجات تمويلية. وبحسب هذه المعطيات، فإن ما يقرب من 80% من الإعلانات التي تظهر عبر مختلف الوسائط موجهة إليك تحديدا، بهدف جذب انتباهك أو كسب رضاك كمستهلك أساسي ومؤثر في السوق. الحنين إلى مطلع الألفية من أسهل الحيل التسويقية، التي يلجأ إليها صناع الحملات هو اللعب على وتر الذكريات والحنين إليها، لذلك بالتأكيد شاهدت إعلانات رمضانية يظهر فيها الراحل فؤاد المهندس (عمو فؤاد) بعد وفاته، إلى جانب شخصيات رمضانية اعتدنا مشاهدتها في طفولتنا. تلك الإعلانات التي عُرضت منذ أكثر من 10 سنوات، كانت تداعب مشاعر الحنين لدى مراهقي التسعينيات ونهاية الثمانينيات، ومع التقدم في الزمن والعمر، تطور الحنين إلى بداية الألفية، زمن الفيديو كليب وبدايات الإنترنت، التي بطبيعة الحال صارت بئرًا لا تنضب من المشاهد الكوميدية، والصور الفكاهية و"الميمز" (Memes). إعلانات بطعم "الميمز" أطلق أحد المصارف المصرية في يوليو/تموز الماضي، حملة إعلانية بدت ظريفة في بدايتها، اعتمد صانعها على مخزون من الذكريات الآتية من حقبة مطلع الألفية، والتي تحولت مع مرور الوقت إلى "ميمز" واسعة الانتشار بين الجمهور المصري المستهدف. ومن أبرزها الصورة الشهيرة لمطرب التسعينيات وأحد نجوم زمن الفيديو كليب إيهاب توفيق من فيديو كليبه " أكتر من كده إيه" والتي أصبحت تعبيرا عن الأهمية بشكل عام والأهمية المصطنعة بشكل خاص، وانتشرت لفترة طويلة بين مستخدمي الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي. أعاد صانع الإعلان تجسيد المشهد الأصلي بكامل تفاصيله: إيهاب توفيق بطلا، مرتديا نظاراته الشمسية، منهمكا في العمل على حاسوبه المحمول الكبير بينما يجلس في المقعد الخلفي لسيارة خاصة. هذا المشهد، الذي تحوّل إلى "ميم"، شكّل مدخلًا ساخرًا لإعلان كوميدي، اعتمد في حواره على عبارات شهيرة من أغنيات إيهاب توفيق. في نهاية الإعلان، يظهر المنتج المستهدف بشكل ذكي، بعد أن تم التمهيد له بطريقة مرحة ومبتكرة. وقد لاقى الإعلان رواجًا واسعًا، إذ حصد عددا كبيرا من المشاهدات والتفاعلات الطريفة، إلى جانب الإشادة بالفكرة والتنفيذ، وبحُسن استثمار رصيد إيهاب توفيق الفني في جذب الانتباه وتسليط الضوء على المنتج. كان هذا الإعلان واحدا من 3 إعلانات ضمن حملة إعلانية كبرى، تتبع نفس الوصفة، البطلان الآخران من مغني التسعينيات ونجوم فيديو كليب مطلع الألفية أيضًا، هما هشام عباس ومحمد محيي، لكن الإعلانين الآخرين تخليا عن العنصر البصري اعتمادًا على كلمات الأغنيات الشهيرة فقط؛ (قول عليا مجنون، شوفي، بالحب هتاخدي عيني في إعلان هشام عباس، و(اتخنقت، يا ويلي ويلي ويلي يابا) في حالة محمد محيي. وربما لافتقاد العنصر البصري اللافت لم يحقق إعلانا هشام عباس ومحيي نفس الأثر المرجو، فرغم اعتمادها على كلمات شكلت جزءًا من ذكريات جيل اعتاد الجلوس أمام شاشات الفيديو كليب أو سماع أشرطة الكاسيت حين إصدارها، لكنها فقدت العنصر البصري المرتبط بثقافة "الميمز" الحالية. استعارة الحالة واستعادة الذكرى منذ أكثر من عامين وتحديدًا في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2022، استعان الكاتب والممثل بالأب الروحي لموسيقى التسعينيات، حميد الشاعري، والنجم هشام عباس لإطلاق أغنية من إنتاجه، تناسب احتفالات رأس السنة الجديدة حينها بعنوان "السهر والانبساط" واستعار فيها عناصر كثيرة من ملامح تلك الفترة "التسعينياتية"، بصريا وسمعيا. في الأغنية المصورة ظهرت الفتيات العارضات بملابس يعود طرازها للنصف الثاني من التسعينيات، مع سيارة ضخمة عُلقت عليها إضاءات لتشبه سيارات الآيس كريم في شوارع قاهرة التسعينيات، وسمعيا جاء التوزيع الموسيقى مقاربا بشكل ما إلى موسيقى الفترة وآلاتها، وبالطبع صوت حميد الشاعري الهادئ، وحققت الأغنية رواجا في حينها وخلال عامين حققت أكثر من 15 مليون مشاهدة. ورغم محدودية نجاح الأغنية وارتباطها بالجمهور المصري أكثر من الجمهور العربي، فقد كانت دافعا لإعادة التجربة عبر أغنية أخرى من تلك المرحلة؛ إذ أعاد مسلسل "عمر أفندي" بطولة أحمد حاتم إحياء أغنية "لولاش" الشهيرة، بالتعاون مع مطربها وموزعها حسام حسني. لم تكن الحملة الإعلانية سالفة الذكر، والاستعارات الأخرى هي أولى محاولات الاستعانة بنجوم التسعينيات أو علاماته الرائجة، فالحنين إلى هذه المرحلة صار تيمة تجارية وفنية منذ أعوام قليلة، فعلها منذ حوالي 7 سنوات صناع مسلسل "الوصية" عام 2018، بالاستعانة بهشام عباس أيضًا، في إحدى حلقات المسلسل. وفي مشهد مدته دقائق تعرّض صناع "الوصية" بالنقد الساخر لموجة من هذه الأغنيات التي أنتجتها حقبة نهاية التسعينيات ومطلع الألفية، بكلمات تتسم بالحزن على إيقاعات راقصة، وبمشاركة أحد نجوم هذه الموجة ومن هذا المشهد ولدت كوميديا واضحة تنتقد وتسخر وتسترجع الذكريات. "عدى زماننا وسبق" تجلّت مشاعر النوستالجيا والحنين إلى الماضي بوضوح في فيديو كليب "في زحمة الأيام"، الأغنية الرباعية التي جمعت حميد الشاعري، وإيهاب توفيق، وهشام عباس، ومصطفى قمر. جاءت الأغنية بلحن كلاسيكي يستحضر روح التسعينيات، مصحوبًا بآلات وترية تضيف عمقا شعوريا حزينا، وكلمات تعبّر عن مرور الزمن، والفقد، وعبثية محاولات اللحاق بالحلم. تقول كلمات الأغنية: "وأما السنين بتفوت والغنوة تبقى سكوت، وكل شيء محسوب، وأما السنين بتفوت إحساسنا ليه بيموت؟ بإيدين قدر مكتوب.. عدى زماننا وسبق، طلع البطل من ورق، والحلم بات مهزوم…". بمشاهد رمزية وكلمات شاعرية، يُذكرنا العمل بأن الزمن لا يعود، وأننا مهما تقدمنا في العمر، سنبقى نعود داخليا إلى مراحل سبقت، نعيشها مجددًا ولو في الخيال. فكل جيل يحمل معه ذاكرته، ويمر بلحظة يكتشف فيها أن "العمر عدى من غير ما يحس"، وأن ما كان يبدو عاديا في الماضي أصبح الآن سببًا فيض مشاعر. ومع تسارع الزمن، لا بد أن الأجيال الحالية -صناع القرار الاستهلاكي في المستقبل- سيحملون حنينهم الخاص. تُرى، ما اللحظات أو الأغاني أو الصور التي ستحرّك مشاعرهم بعد عقد من الآن؟ هل سيكون لهم أيضًا زمن يتمنون عودته، ويشعرون أن ملامحه انزلقت من بين أيديهم دون أن يشعروا.


الجزيرة
منذ 4 ساعات
- الجزيرة
مهرجان الطعام في عمّان يتحول إلى منصة دعم إنساني لغزة
عمّان- لم يكن مهرجان الأردن الدولي للطعام هذا العام مجرد مظاهرة ثقافية واقتصادية، بل تحول إلى منصة إنسانية حملت في طياتها رسالة دعم وتضامن مع الشعب الفلسطيني. وأُطلقت مساء أمس الاثنين من ساحة المهرجان الذي أقيم في العاصمة الأردنية عمّان قوافل مساعدات إغاثية إلى قطاع غزة. جاءت الحملة الوطنية لدعم غزة بالتعاون مع الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية، وبمساهمة من شركات ومؤسسات وأفراد مشاركين، في مبادرة أردنية إنسانية محملة بالمواد الغذائية والطبية للتصدي لسياسة التجويع الممنهجة التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين في قطاع غزة. وأكد القائمون على المبادرة أن إجمالي المساعدات سيصل إلى 300 طن من المواد الغذائية، تُرسل إلى القطاع على 3 دفعات خلال أيام المهرجان بهدف ضمان إيصالها بشكل منتظم إلى مستحقيها. وقال الناطق الإعلامي باسم هيئة تنشيط السياحة أنس الوريكات إن هذه الحملة تندرج في إطار المسؤولية الاجتماعية للقطاع السياحي والخاص الأردني، وتعكس التزام الأردن المستمر بقضايا أمته، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. وأضاف الوريكات -في حديثه للجزيرة نت- أن الحملة الوطنية الأردنية تعبّر عن روح التضامن والتكافل التي يتمتع بها المجتمع الأردني، مؤكدا أن مهرجان الطعام لا يقتصر على الترويج للمنتجات الغذائية، بل يحمل في طياته رسالة إنسانية وأخلاقية سامية. وبيّن أن الأردن سيواصل تقديم الدعم الإغاثي والإنساني لأهالي غزة، عبر آلية عمل منسقة مع الجهات الرسمية والمؤسسات الإنسانية لضمان إيصال المساعدات بكفاءة وسرعة، وسط أزمة إنسانية خانقة يشهدها القطاع نتيجة الحصار المستمر والعدوان الإسرائيلي المتواصل. ولفت الناطق الإعلامي باسم هيئة تنشيط السياحة إلى أن باب التبرع سيبقى مفتوحا طوال فترة المهرجان، بما يسمح بتوسيع قاعدة المشاركين في هذه الحملة الإنسانية، ويمنح الفرصة للزوار والعارضين بالمساهمة في جهود الإغاثة. وفي سياق متصل، كشف الأمين العام للهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية حسين الشبلي عن دخول 294 شاحنة مساعدات إلى قطاع غزة من أصل 452 شاحنة، خلال الأسبوعين الماضيين، مرجعا ذلك "للعراقيل المستمرة التي يضعها الاحتلال الإسرائيلي على المعابر الحدودية". وبيّن الشبلي -في تصريحات صحفية الاثنين- أن الاحتلال الإسرائيلي يعيق إدخال الشاحنات بذريعة انتهاء الدوام الرسمي، قائلا إن "الاحتلال يمتهن صناعة العراقيل". وأشار إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يتذرع برفض بعض المواد الإغاثية، كالأجهزة والمواد الطبية، إضافة إلى إطالة مدد التفتيش والعبور، إذ يستغرق وصول قافلة إلى القطاع حوالي 38 ساعة. ولفت الشبلي إلى أن الهيئة تتعامل مع العراقيل الإسرائيلية من خلال تكثيف إرسال القوافل بشكل يومي لضمان استمرار دخول المساعدات. وأوضح أن الجهد الإغاثي الأردني مستمر تجاه القطاع لأنه يمثل العصب الأساسي لدخول المساعدات، إلى جانب الإنزالات الجوية التي تنفذها القوات المسلحة، والتي تعد معززا ومكملا لضمان دخول المساعدات قدر المستطاع. مؤكدا أن قيمة المساعدات الأردنية لغزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 بلغت 335 مليون دولار. مشيرا إلى أن نحو 117 ألف أسرة عفيفة في غزة تستفيد سنويا من الدعم الذي تقدمه الهيئة الأردنية. وعبرت، أمس الاثنين، قافلة جديدة تم تسييرها من الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية إلى غزة، وبحسب بيان صادر عنها باليوم نفسه، تتكون القافلة التي عبرت جسر الملك الحسين من 38 شاحنة مساعدات إنسانية، وذلك بالتعاون مع برنامج الغذاء العالمي، وبالتنسيق مع القوات المسلحة الأردنية. استهداف متكرر وفي مشهد يعكس حجم الاستهداف المتعمد لكل ما هو إنساني، أقدم مستوطنون إسرائيليون مرارا خلال الأسابيع الأخيرة على عرقلة مرور شاحنات المساعدات الأردنية المتجهة إلى قطاع غزة، وذلك أثناء عبورها من معبر الكرامة (جسر الملك حسين) نحو الأراضي الفلسطينية المحتلة. وتتعمّد مجموعات من المستوطنين إغلاق الطرق المؤدية إلى المعبر أو نصب حواجز عشوائية، في محاولة لوقف سير الشاحنات أو تأخير وصولها، مستخدمين الهتافات العنصرية، وإلقاء الحجارة، وأحيانا محاصرة المركبات، في مشهد متكرر بات يهدد سلامة السائقين الأردنيين، ويعطل إيصال المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر. جدير بالذكر أن إسرائيل ترفض السماح لشاحنات الإمدادات والمساعدات الإنسانية بدخول قطاع غزة، مما جعلها تتكدس في المناطق الحدودية، وتسمح بمرور عدد شحيح جدا منها لا تشكل جزءا بسيطا من احتياجات الفلسطينيين. وفي وقت سابق الاثنين، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية بغزة ارتفاع وفيات سياسة التجويع الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى 180 فلسطينيا بينهم 93 طفلا، وذلك بعد وفاة 5 أشخاص خلال 24 ساعة نتيجة سوء التغذية.


الجزيرة
منذ 19 ساعات
- الجزيرة
الجوع كخط درامي.. كيف صورت السينما الفلسطينية المجاعة؟
لطالما كانت السينما أداة للكشف عن القهر الإنساني، ومرآة تعكس تفاصيل الألم المسكوت عنه. وفي السياق الفلسطيني، خصوصا في غزة المحاصرة والمجوعة قسرا، لم تعد الكاميرا ترفا فنيا بل ضرورة وجودية. عبر مخرجات متواضعة تقنيا -بسبب عسر التمويل وشح الموارد-، لكن غنية بالصدق، استطاع صناع السينما في غزة تجسيد الجوع كفعل عنف ممنهج، وكاشف عميق لهشاشة الحياة اليومية. الجوع في السينما الفلسطينية ليس مجرد عرض جانبي للحصار، بل هو مركز درامي يُكشف من خلاله حجم الانتهاك الإنساني. وما بين التوثيق، والرمزية، نجحت الأفلام التي نستعرضها اليوم بتحويل "لقمة العيش" إلى صرخة ضد الظلم، وعين تبصر ما يحاول العالم تجاهله. "3000 ليلة" فيلم درامي فلسطيني صدر عام 2015، تأليف وإخراج مي المصري المعروفة بأعمالها الوثائقية والدرامية التي تسلط الضوء على معاناة الإنسان الفلسطيني، لا سيما النساء والأطفال. عُرض الفيلم لأول مرة في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي، ولاقى استحسانا نقديا واسعا، وشارك في عدة مهرجانات دولية أخرى، من بينها مهرجان دبي السينمائي الدولي. تدور أحداث الفيلم حول ليال، المعلمة الفلسطينية الشابة التي تعيش في الضفة الغربية وتُعتقل ظلما من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي بتهمة واهية تتمثل في "تقديم المساعدة لشاب فلسطيني جريح". تُزج ليال في سجن إسرائيلي للنساء، وهناك تصدم بالواقع القاسي: السجينات الجنائيات الإسرائيليات، الحارسات العنيفات، والرقابة المشددة. تصبح حبكة الفيلم أكثر تعقيدا وعمقا عندما تكتشف ليال أنها حامل، وتجبَر على اتخاذ قرار مصيري بين الإجهاض أو إنجاب طفلها في بيئة السجن القاسية. تختار الأمومة، ويصبح ابنها "نور" هو الضوء الوحيد في عتمة السجن، مما يمنحها دافعا للصمود والمقاومة وسط المعاناة. وفي مشهد بارز خلال العمل، يظهر الجوع ليس كحرمان جسدي فحسب، بل كوسيلة إذلال وتفتيت للكرامة حيث تتجاوز المجاعة البعد الغذائي. إذ يوزع الطعام بتمييز، وتستبدل الوجبات بالعقوبات، وتصبح الأمومة مرهونة بقطعة خبز، فيما تهدَد الأمهات بحرمان أطفالهن من الطعام. الجوع هنا ليس بيولوجيا فقط، بل نفسيا، سياسيا، ممنهجا. في هذا السياق، الحصار لم يعد سياجا حول غزة وحدها، بل منظومة كاملة لعقاب الروح والجسد، وتلك إحدى أذكى الطرق التي وظفت بها السينما الفلسطينية المجاعة كعنصر درامي. غزة مونامور: الجوع كحضور خفي في طرح إنساني مغاير للصورة النمطية عن غزة، يفاجئنا صانعو "غزة مونامور" بفيلم رومانسي يتناول قصة عاطفية هادئة بين عيسى/رجل في الستين من عمره (قام بدوره الفنان سليم ضو) وسهام/بائعة أرملة في السوق (قامت بدورها الممثلة هيام عباس)، حيث نشهد غزة كخلفية لأحلام صغيرة مؤجلة وتفاصيل حياتية تقاوم البؤس بصمت. أحد عناصر الجذب في الفيلم هو الجمع بين الواقع الثقيل لحياة الفلسطيني العادي وبين الرمزية الحالمة المتمثلة في الحب والجمال المكبوتين، وفي ظل استخدام الشقيقين ناصر الكاميرا الثابتة والمشاهد الطويلة، سُمح للمشاهد بأن تتسرب له المشاعر بهدوء دون مبالغة أو تصنع. ورغم الطابع الرومانسي للفيلم، فإنه ينطوي على طبقات عميقة من تصوير الحرمان، البطل صياد عجوز يعيش في غرفة شبه خالية مع طعام فقير وواقع اقتصادي بائس شبه معدوم، حيث يظهر الجوع في خلفية المشهد، في الحوار، في الملابس، دون أن يشار إليه صراحة. هذه الرمزية تنجح بنقل الإحساس باليأس، كأن الجوع جزء من طقس الحياة اليومية، شعور متراكم باللاجدوى، فراغ لا يملؤه الطعام، بل الكرامة المفقودة. ولدت في غزة: المجاعة في الأفلام الوثائقية "ولدت في غزة" فيلم وثائقي إسباني لاقى صدى واسعا حين عرض عبر منصة نتفليكس، أخرجه الصحفي والمخرج هيرنان زين المعروف بأعماله التي توثق النزاعات والمآسي العالمية من زاوية إنسانية بالغة الحساسية. يركز الفيلم على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في صيف عام 2014، والتي راح ضحيتها أكثر من ألفي فلسطيني، معظمهم من المدنيين. لكن ما يجعله مختلفا أنه لا يوثق الحرب بشكل عام، بل ينظر إليها من خلال عيون الأطفال الفلسطينيين الذين عاشوا أهوالها. يتتبع الفيلم 10 قصص واقعية لأطفال تتراوح أعمارهم بين 8 و15 عاما، يتحدثون بكلماتهم البسيطة والمؤثرة عن الفقد، والخوف، والصدمات النفسية التي تعرضوا لها خلال القصف الإسرائيلي. هؤلاء الأطفال يتحدثون عن آباء فقدوهم، منازل دمرت، مدارس اختفت، وأحلام تبددت تحت ركام الحرب. في الفيلم الوثائقي (Born in Gaza) يصير الجوع صوتا صامتا يهمس في خلفية المشهد دون حاجة للمبالغة أو المونتاج الحاد؛ فالكاميرا التي تتابع طفلا يبحث عن وجبة بين الركام أبلغ من أي سيناريو. لقطة لثلاجة فارغة، طفل يفتش بين أكياس الإغاثة، أطفال يقفون في صفوف أمام المخابز، أم تقتسم الرغيف بين خمسة، مشاهد يومية تنقل الجوع كأزمة جماعية، تتجاوز الأفراد لتصبح نظاما من القهر فيما تكتب تاريخا بديلا لما يقال في نشرات الأخبار. ولعل ما يميز العمل، كونه لا يتحدث عن الحرب بلغة السياسة أو الأرقام، بل يقدمها كما يراها الطفل: كوابيس، جروحا، صمتا، ودموعا، هذا المنظور يجعل الرسالة أكثر صدقا وانحيازا للإنسانية رغم المنظور المحايد لصانعه. في كل الأفلام السابقة، لم يقدَّم الجوع كضعف، بل جرى استثماره كأداة تفكيك للخطاب السياسي القامع. من خلال تجسيده، يعيد الفلسطيني تعريف الجوع: ليس انكسارا بل صمودا، ليس غيابا بل موقفا. صناع السينما الفلسطينيون لا يجمّلون الجوع بقدر ما يجردونه من صمته محولينه إلى لغة سينمائية تقول ما لا يقال.