logo
مهرجان الطعام في عمّان يتحول إلى منصة دعم إنساني لغزة

مهرجان الطعام في عمّان يتحول إلى منصة دعم إنساني لغزة

الجزيرةمنذ 19 ساعات
عمّان- لم يكن مهرجان الأردن الدولي للطعام هذا العام مجرد مظاهرة ثقافية واقتصادية، بل تحول إلى منصة إنسانية حملت في طياتها رسالة دعم وتضامن مع الشعب الفلسطيني.
وأُطلقت مساء أمس الاثنين من ساحة المهرجان الذي أقيم في العاصمة الأردنية عمّان قوافل مساعدات إغاثية إلى قطاع غزة.
جاءت الحملة الوطنية لدعم غزة بالتعاون مع الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية، وبمساهمة من شركات ومؤسسات وأفراد مشاركين، في مبادرة أردنية إنسانية محملة بالمواد الغذائية والطبية للتصدي لسياسة التجويع الممنهجة التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين في قطاع غزة.
وأكد القائمون على المبادرة أن إجمالي المساعدات سيصل إلى 300 طن من المواد الغذائية، تُرسل إلى القطاع على 3 دفعات خلال أيام المهرجان بهدف ضمان إيصالها بشكل منتظم إلى مستحقيها.
وقال الناطق الإعلامي باسم هيئة تنشيط السياحة أنس الوريكات إن هذه الحملة تندرج في إطار المسؤولية الاجتماعية للقطاع السياحي والخاص الأردني، وتعكس التزام الأردن المستمر بقضايا أمته، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
وأضاف الوريكات -في حديثه للجزيرة نت- أن الحملة الوطنية الأردنية تعبّر عن روح التضامن والتكافل التي يتمتع بها المجتمع الأردني، مؤكدا أن مهرجان الطعام لا يقتصر على الترويج للمنتجات الغذائية، بل يحمل في طياته رسالة إنسانية وأخلاقية سامية.
وبيّن أن الأردن سيواصل تقديم الدعم الإغاثي والإنساني لأهالي غزة، عبر آلية عمل منسقة مع الجهات الرسمية والمؤسسات الإنسانية لضمان إيصال المساعدات بكفاءة وسرعة، وسط أزمة إنسانية خانقة يشهدها القطاع نتيجة الحصار المستمر والعدوان الإسرائيلي المتواصل.
ولفت الناطق الإعلامي باسم هيئة تنشيط السياحة إلى أن باب التبرع سيبقى مفتوحا طوال فترة المهرجان، بما يسمح بتوسيع قاعدة المشاركين في هذه الحملة الإنسانية، ويمنح الفرصة للزوار والعارضين بالمساهمة في جهود الإغاثة.
وفي سياق متصل، كشف الأمين العام للهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية حسين الشبلي عن دخول 294 شاحنة مساعدات إلى قطاع غزة من أصل 452 شاحنة، خلال الأسبوعين الماضيين، مرجعا ذلك "للعراقيل المستمرة التي يضعها الاحتلال الإسرائيلي على المعابر الحدودية".
وبيّن الشبلي -في تصريحات صحفية الاثنين- أن الاحتلال الإسرائيلي يعيق إدخال الشاحنات بذريعة انتهاء الدوام الرسمي، قائلا إن "الاحتلال يمتهن صناعة العراقيل".
وأشار إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يتذرع برفض بعض المواد الإغاثية، كالأجهزة والمواد الطبية، إضافة إلى إطالة مدد التفتيش والعبور، إذ يستغرق وصول قافلة إلى القطاع حوالي 38 ساعة.
ولفت الشبلي إلى أن الهيئة تتعامل مع العراقيل الإسرائيلية من خلال تكثيف إرسال القوافل بشكل يومي لضمان استمرار دخول المساعدات.
وأوضح أن الجهد الإغاثي الأردني مستمر تجاه القطاع لأنه يمثل العصب الأساسي لدخول المساعدات، إلى جانب الإنزالات الجوية التي تنفذها القوات المسلحة، والتي تعد معززا ومكملا لضمان دخول المساعدات قدر المستطاع.
مؤكدا أن قيمة المساعدات الأردنية لغزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 بلغت 335 مليون دولار. مشيرا إلى أن نحو 117 ألف أسرة عفيفة في غزة تستفيد سنويا من الدعم الذي تقدمه الهيئة الأردنية.
وعبرت، أمس الاثنين، قافلة جديدة تم تسييرها من الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية إلى غزة، وبحسب بيان صادر عنها باليوم نفسه، تتكون القافلة التي عبرت جسر الملك الحسين من 38 شاحنة مساعدات إنسانية، وذلك بالتعاون مع برنامج الغذاء العالمي، وبالتنسيق مع القوات المسلحة الأردنية.
استهداف متكرر
وفي مشهد يعكس حجم الاستهداف المتعمد لكل ما هو إنساني، أقدم مستوطنون إسرائيليون مرارا خلال الأسابيع الأخيرة على عرقلة مرور شاحنات المساعدات الأردنية المتجهة إلى قطاع غزة، وذلك أثناء عبورها من معبر الكرامة (جسر الملك حسين) نحو الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وتتعمّد مجموعات من المستوطنين إغلاق الطرق المؤدية إلى المعبر أو نصب حواجز عشوائية، في محاولة لوقف سير الشاحنات أو تأخير وصولها، مستخدمين الهتافات العنصرية، وإلقاء الحجارة، وأحيانا محاصرة المركبات، في مشهد متكرر بات يهدد سلامة السائقين الأردنيين، ويعطل إيصال المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر.
جدير بالذكر أن إسرائيل ترفض السماح لشاحنات الإمدادات والمساعدات الإنسانية بدخول قطاع غزة، مما جعلها تتكدس في المناطق الحدودية، وتسمح بمرور عدد شحيح جدا منها لا تشكل جزءا بسيطا من احتياجات الفلسطينيين.
وفي وقت سابق الاثنين، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية بغزة ارتفاع وفيات سياسة التجويع الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى 180 فلسطينيا بينهم 93 طفلا، وذلك بعد وفاة 5 أشخاص خلال 24 ساعة نتيجة سوء التغذية.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مسرحية "لا سمح الله" بين قيد التعليمية وشرط الفنية
مسرحية "لا سمح الله" بين قيد التعليمية وشرط الفنية

الجزيرة

timeمنذ 2 ساعات

  • الجزيرة

مسرحية "لا سمح الله" بين قيد التعليمية وشرط الفنية

من عنوانها يقرأ حضور طوفان الأقصى في مسرحية "لا سمح الله" للمترجم عمار قواسمية، وبين سطور متنها يتجلى دوران رسالتها في فلك نصرة القضية الفلسطينية، ويتضح جريان رياح فكرتها في اتجاه سردية المقاومة. اللوحة.. المشهد وقد قسم الكاتب نصه المسرحي إلى 5 مشاهد، استهلها بـ"لوحة" هي أقرب إلى "الفانتازيا الواقعية". وقد بدأت اللوحة مباشرة ترق للجرح الغزي النازف، وترثي لحال الأمة المؤسف، وترسم بعض ملامح العدوان الحربي الأثيم، من خلال نقل تلفزيوني يوثق بالصوت والصورة استهداف المدنيين العزل ومجازر الاحتلال بحقهم (عام 2023) قبل الانعطاف المفاجئ الذي حول مسار اللوحة/المشهد، وكشف عنها ستر "المباشرية الإعلامية" فجاءت "أحداثها" عابرة للزمانية، بما تخلل "سردها" من استدعاء سياقي يلغي منطق المعاصرة ويستحضر مواقف التاريخ السياسي وجراحاته ومفارقاته. فعبر حوار تبادلي على خشبة المسرح "يظهر" فيه طيف الرئيس الجزائري الراحل محمد بوخروبة (هواري بومدين) (1932-1978) ممثلا الرسمية الجزائرية، وطيفا الطفلين الفلسطينيين محمد الدرة (استشهد في انتفاضة الأقصى 2000) ومحمد أبو لولي (أصيب بحالة ذعر نفسي خلال أكتوبر/تشرين الأول 2023) وقد تخلل ظهور الثلاثة "خلفيات صوتية" افتراضية: موسيقى حزينة، عزف النشيد الوطني الجزائري، والنشيد الوطني الفلسطيني، أنشودة "شدوا بعضكم يا أهل فلسطين". وكما خرج المشهد الأول على ساعة الزمن وخرق نواميس التاريخ، حمل رسالة "وطنية" عابرة لحدود الجغرافيا السياسية، خصف عليها الكاتب من ورق الفنية، لائذا بالرمزية المحملة بالشجن، مع اقتباسات شعرية استطرادية، وتعريبات لغوية سياقية. يسدل ستار المشهد الأول على اللوحة التأطيرية، وتفتح ستارة المشاهد الأربعة التالية، التي عادت فيها "الزمكانية" سيرتها الطبيعية، لتنتقل ساحة الحوار من غرفة المشاهدة التلفزيونية وخشبة خطاب الجمهور (في المشهد الأول المنفصل) إلى بهو المقهى، ومدرج المحاضرة، ومكتب الإدارة (في المشاهد الأربعة المتصلة التي دارت أحداثها في كندا، وترجم حوارها من الإنجليزية إلى العربية). وقد تنازعت حوار المسرحية "الحدثية الفنية" و"الترجمة اللغوية" ليفثأ الانحياز للقضية الفلسطينية سورة التداخل، ثم ليبطل سبب التعليمية (الذي قدم به الكاتب عمله المسرحي) عجب حالات التبويب والتمرير اللغوية التي ساقها بين تضاعيف حواراته الفنية. وعلى طريقة ظهور المخرج فجأة في لقطة تمثيلية عابرة (في المسلسلات التلفزيونية) كان للكاتب حضور اسمي وبروز "وظيفي" في دور المترجم الملقن (عمار) وذلك في سطر من حوار ضمن المشهد الثاني تناول بالإيماء الخاطف "أمانة الترجمة". على أن ذلك البروز الظاهر كان له ما بعده من حضور مستتر، من خلال تناول نقاط من صميم اهتمام الكاتب ومجال تخصصه، تتعلق بـ"القضية اللغوية" من جوانب "السياسة اللغوية"، و"التعريب"، و"الاقتراض"، و"خوارم الترجمة"، مع "فوائد" تتصل بالثقافة اللغوية العامة، على غرار: المقابلات الأصيلة، والبدائل الفصيحة، والنحت الأوائلي، وفرض الشيوع. وكما كسا الكاتب المشهد الأول المنفصل ثوب العاطفية السابغ، وظف المعجمية والترجمة في المشاهد الأربعة المتصلة حتى تخدم "الرسالة السياسية" للمسرحية، مدخلا الرمز على خط التوظيف، فأخرج "التطبيع" من خانة القرار السياسي إلى مجال الاستعمال اللغوي، بوصفه "مادة" لها فروعها الدلالية، التي تتصل بمخرجه السياسي السيئ، الذي يحيل إلى معاني الرضوخ، والهرولة، والشذوذ، والانتكاس. وذلك من خلال حوار (في المشهد الثالث) دار بين مدرس وطلاب في جامعة كندية، على مائدة حصة لغوية مزدوجة، ينقلب منها الطالب والقارئ بعائدة الفرق بين "المعجم" (أحادي اللغة) و"القاموس" (متعددها) ويستأثر القارئ بما وراء الرموز من رسائل سياسية، تتجاوز المادة المعجمية، لتنفذ إلى الواقع المستكين وتعري المشهد المخزي. وقد استغنى الكاتب بالرمز عن الاسترسال والاستفاضة، فكان "حديث التطبيع" توقيعا سريعا محملا بالإحالة الإيحائية، وذلك من خلال أسماء الطلاب المشاركين برفع الأصابع في إجابة "سؤال التطبيع". كما استخدم الرمز في وضع أرقام الصفحات المحال إليها في المعجم المتخيل، فكان أول "المجيبين" بطل القصة الشريك "عاشور"، الذي أحال إلى رقم الصفحة (148)، وقد كنى الكاتب بهذا الرقم عن العام 1948 (عام النكبة)، ليبادر الطالب "أنور" من مصر برفع أصبعه ويحيل إلى الصفحة 178، ثم يقرأ بعض معاني المادة "ط ب ع"، وقد رمز الكاتب بالرقم إشارة إلى العام 1978 (تاريخ توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين أنور السادات ومناحيم بيغن). وعلى مستوى التوظيف الاسمي، اختار الكاتب اسم "أنور" ليرمز به إلى الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، وجعله أول المتدخلين من أصحاب "الأسماء الرسمية" في إشارة إلى تولي السادات كبر التطبيع وسنه تلك السنة السيئة. ليكون له إثمها وإثم من عمل بها من الرؤساء الذين وظف الكاتب أسماءهم توظيفا تفاوت بين العلم الشخصي، والاسم العائلي، والنسب الأسري: "عبد الله" من الأردن، "نهيان" من الإمارات، "حمد" من البحرين، "برهان" من السودان، "علوي" من المغرب. وغير الرسميات المطبعة، أدخل الكاتب على خط المشاركة في سؤال "مادة" التطبيع "مجيد" من الجزائر، وقد تضمنت إجابة الأخير ذكر وجه استعمال مستخدم في الدارجة الجزائرية، وربط بين ذلك الاستعمال وبين دلالة الكلمة في الفصحى. لتختتم الإجابات بمشاركة "قيس" من تونس، الذي أنطقه الكاتب بأبيات مضمنة (حديثة)، تنطبق على مخرج التطبيع المكروه، واصفة حال من يخون أهله وينسلخ من المبادئ النبيلة والقيم الفاضلة، في تعريض ضمني بمن يبيع الوطن والقضية، ويواد العدو و"يطبع معه"، وقد ختم المشهد بإشارة خاطفة إلى تفاوت موقف الرسميات العربية في مستوى الخجل ومنسوب الحياء. ازدواجية مغرضة ولم يقف توظيف الأسماء عند هذا الحد، بل أعيدت كرته في المشهد الرابع عند تناول موضوع ازدواجية المعايير الغربية، وذلك عند حديث البطلين المحوريين (أبي كوفية وعاشور) عن الاختراع المذهل الذي قدمه زميلهما الأميركي "مارك"، بوصفه وسيلة إخضاع وآلة تشويش لساني، يظهر أثرها عند التحدث بما لا تشتهي الدعاية الغربية المنحازة للاحتلال. وقد أوضح ذلك من خلال منع النطق بما يخالف الدعاية "الإسرائيلية"، في إشارة إلى سياسة مارك زوكريبرغ و"معايير مجتمع فيسبوك" التي جعلها مشجبا لتعليق مصادرة "المحتوى الفلسطيني" وحجب المنشورات المؤيدة للشعب الفلسطيني والمنتصرة لحقه في المقاومة. ولم ينس الكاتب من تبويبه سلاح "خداع الخوارزميات" ذلك الحل الاستباقي، الذي ابتدع له "مقترحات عملية"، لدرء شر الاختراع التكنولوجي، وإبطال فعاليته، وأجراها على لسان بطل المسرحية. وغير "مارك" من أميركا، وظف الكاتب اسم "سيريل" من جنوب أفريقيا في إحالة رمزية إلى موقف رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا المنحاز للإنسانية والمنتصر لدماء المدنيين العزل الفلسطينيين، الذين تخطفهم عدوانية الاحتلال الحربي، في مقابل اسم "كاترين" (من أوكرانيا)، الذي عبر به عن الشخصية الغربية التي تستحضر حقوق الإنسان وتستشعر المظلومية حين يتعلق الأمر بالإنسان الأوكراني، وتتنكر لها وتجحد بها عندما يكون الحديث عن الإنسان الفلسطيني وحقه وقضيته. وفي تلميح طريف، متدثر ببلاغة الجناس، ابتدع الكاتب مصطلح "وسائد الإعلام" للتعبير عن وسائل الإعلام المتماهية مع دعاية الاحتلال، في تلاعب لفظي تحته نقد ساخر، لا يخلو من طرافة أدبية، بحكم علاقة التناسب بين الوسائد التي هي أدوات ترتبط بالنوم وإغماض العين عن الحقيقة الذي تخلد إليه وسائل الإعلام المتواطئة حين تغض الطرف عن نقل جرائم الحرب التي يقترفها الاحتلال الإسرائيلي. كما نرى الكاتب يبدع في نحت لفظ "السرألة"، ويشتق منه الفعل "سرأل"، وتصاريفه؛ للدلالة على الاستحواذ على الملكية الغيرية بـ"حق القوة"، وذلك في تعليق بطلي المسرحية المحوريين على تصرف "الغريب" (صاحب الشخصية الثانوية في المشهد الثاني)، لما أمر "عبيدة" و"عاشور" بمغادرة المقهى وتسليم مقعديهما له، والتنازل عن طاولتهما وإخلائها لـ"حلفائه" القادمين، في محاولة رفض الاستسلام لها، وشبهاها بتصرف الاحتلال الإسرائيلي وغطرسته، التي تعامل بها مع أصحاب الأرض لما سلبهم أرضهم وهجرهم منها عنوة. تنازع المتن والهامش وقد ألجأته العلمية إلى الاستكثار من الإحالة والعزو في هوامش صفحات المسرحية (في كل صفحة)، فوق تحميل المتن إشارات وفوائد لغوية خاطفة، كتعريب "التلفزيون" بـ"الرائي" (في متن النص المسرحي)، وبـ"المرناة" (في الهامش السفلي)، وكتعريب "الفيديو" بـ"المرئية"، وتعريب جهاز التحكم عن بعد (Remote control) بـ"الحاكوم"، ليقوده الاستطراد السياقي إلى التفريق بين "التعريب البديل" وبين "العبارة الشارحة". كما أورد في مواضع متفرقة دقائق لغوية مثل: اللكنة، والإبدال النطقي، لينثر ذات صدره في نص الحوار المسرحي؛ حين أنطق بطلي المسرحية المحوريين بحديث عن اعتماد مجمع اللغة العربية القاهري كلمة "الترند" بلفظها الحرفي، على سبيل الرفض والإنكار، وأسدل على تلك "المسألة" ستار المشهد الثاني، الذي كان له النصيب الأوفى من تمرير "الرسائل اللغوية". ورغم أسلوبها "التعليمي" (الذي قدمها به الكاتب) لم يخل نص المسرحية من السنن الفني، والتوقيع الإيحائي. فقد بنيت على ثلاثية الحوار، والأدوار، والشخصيات (المحورية الثابتة، والثانوية العارضة) دون تجاهل "الديكور"، وقد تجلت مزاوجة الكاتب بين "التأليف" و"الإخراج" في بدايات المشاهد. إذ نراه يستهل المشهد الأول بتخيل "لقطة تصويرية" تظهر فيها غرفة فوضوية، لعلها ترمز لانتكاس الموقف الرسمي العربي، وترديه في قاع الخذلان، ولعل ثمة خيطا ربط بين مشاهدة ما يعرضه "الرائي" (التلفزيون) وبين حالة "التفرج الرسمي" التي رافقت إعلان الحرب على قطاع غزة، وغلظت بالتمسك بـ"التطبيع"، بعدما أسرف الاحتلال في المجازر وأوغل في الإبادة الجماعية، حتى بلغ سكين إجرامه العظم! الانتقال.. بين المسرحية والسينمائية ولم يغب عنصر الانتقال عن تبويب الكاتب، على أن ذلك الانتقال تنازعه المسرح والسينما في المشهد الأول إذ ركزت "كاميرا" الكاتب على زاوية الأثاث المتناثر في أرجاء الغرفة، قبل أن "تتوسع اللقطة" حتى "يظهر" فيها الشخص الأول متسمرا حول التلفاز. ثم ركزت "الكاميرا الكتابية" على الشاشة، لتعرض مشاهد حزينة من العدوان الحربي على المدنيين العزل، من النساء والأطفال والمسنين، لتعود "عدسة الكاتب" فتركز على جهاز التحكم عن بعد. قبل أن تطوى "لقطة" المشاهدة، ويتحول "العرض" من "السينمائية" إلى "المسرحية" من خلال "خطاب الجمهور"، الذي لم يخل من "المباشرية"، التي خفف منها الكاتب بنسب متفاوتة في المشاهد الأربعة المتصلة، محافظا على ثنائية الفنية والعلمية، منوعا في الانتقال ما بين المقهى (في المشهد 2)، وقاعة التدريس (في المشهدين 3-4)، والمكتب الإداري (في المشهد الخامس "الأخير"). ولم يأخذ الانتقال شكلا واحدا في المسرحية بل انقسم إلى منفصل؛ يفتح فيه الستار على غير ما أسدل عليه (وهو الغالب)، ومتصل جاء معترضا بين المشهدين الثالث والرابع، حيث انسحب أحد الأساتذة من القاعة الجامعية ودخل زميله، ليكون فاصل الانتقال "عرضا" برزت فيه لوحة إشهارية حملت عنوان: "المسابقة العلمية لأفضل اختراع طلابي"، و"ظهرت" خلاله خلفية توسطتها صورة تجسد الذكاء الاصطناعي، مصحوبة بموسيقى إلكترونية. ولم يقف "الانتقال" عند هذا الحد الصوري، بل سرى إلى لغة الحوار، في "دبلجة كتابية"، سوغها عامل التحول واختلاف الجغرافيا الثقافية، لتهاجر لغة النص من العربية إلى الإنجليزية، لما تحول مسار "الحدثية" من خشبة المسرح (عربها الكاتب بلفظ "الركح") إلى فناء المقهى الأجنبي، ومدرج الجامعة الكندية. إيحاء التورية كما استخدم الكاتب أداة التوظيف في اختيار الشخصيتين المحوريتين الثابتتين: "أبي كوفية" من فلسطين، و"عاشور" من سوريا. ولا تخفى رمزية الكوفية الفلسطينية، أما ثاني الاسمين فقد تجاذبه الرمز والتورية، إذ استقاه الكاتب من اسم "آشور" التراثي، الذي يحيل تاريخيا إلى حضارة ما بين النهرين، وإذا استحضر المتلقي القول إن "سوريا" تحريف لـ"آشور" أو "آشوريا" أدرك بجلاء عمق التورية البليغة وإيحاءها الدلالي العميق! إيماض العنوان لعل أول ما يستوقف مطالع المسرحية التي بين أيدينا عنوانها المقتبس من عبارة وردت في خطاب للناطق العسكري باسم كتائب القسام، أواخر الشهر الأول من الحرب، حين خاطب أبو عبيدة الرسميات العربية، ملتمسا منها إعلان أضعف الموقف تجاه جرائم الاحتلال ومجازره، ذاكرا أنه لا يطلب من تلك الرسميات تحريك الجيوش "لا سمح الله!"، في تعبير ظاهره رفع الحرج السياسي، وباطنه التهكم من ارتهان الموقف الرسمي العربي لواشنطن، ورضوخ صناع القرار العرب لإرادة الإدارة الأميركية حين يكون التدخل العملي "واجب الوقت"! وفوق اعتماد العبارة الساخرة، استخدم الكاتب اسم "عبيدة" ليطلقه على بطل المسرحية، ومنعا لمباشرية التطابق الاسمي، كنى البطل بـ"أبي كوفية"، غير أنه لم يقطع إشارة العلاقة، التي لمعت مرتين: مرة من خلال توظيف المثل "الابن سر أبيه"، الذي ورد على لسان الشاب السوري "عاشور"، ليزيد الفلسطيني "عبيدة" بنصف وضوح، حين قال لصديقه وهو يحاوره "اشتقت كثيرا لأبي، أرجو أن يوفقه ربي".. ولو قال "أن ينصره ربي" لانكشف حجاب التورية الفنية، وسطع ضوء المباشرية السافرة! والأخرى في نهاية النص المسرحي، لما عقدت إدارة الجامعة جلسة "نقاش تأديب" لبحث كيفية معاقبة الطالب "عبيدة"، بعد اعتراضه على آلية "التكميم اللساني"، ومطالبته بسحب الجهاز الذي اخترعه مارك واستغل في تكريس سياسة ازدواجية المعايير، التي أصر "عبيدة" على التعبير عن رفضها، وبين أنها ترخي زمام حرية التعبير عند الإعراب عن دعم "القضية الأوكرانية" وتجريم الغزو الروسي، وتضيق ذرعا بالتعاطف مع غزة والتنديد بجرائم الاحتلال الإسرائيلي ومجازره. لتتوصل "لجنة التأديب" إلى اتخاذ قرار باستدعاء والد "الطالب العنيد"، حتى إذا رفع قرار المجلس التأديبي إلى العميد، كانت "النهاية المفتوحة" التي تناسب واقع استمرار الحرب، وتنسجم مع حالة انسداد أفق الحسم. ليشهر العميد في وجه القرار "فيتو" الاعتراض، محيلا إلى "العلاقة الاسمية" التي عليها مدار الربط الذهني، منبها حضرة رئيس القسم والأساتذة أعضاء "المجلس التأديبي" إلى عاقبة تنفيذ قرار استدعاء والد عبيدة، الذي هو طبعا "أبو عبيدة". وما كاد رئيس القسم والأساتذة يلتقطون تلك "الإشارة المنذرة"، ويمررون ذلك الاسم "الرهيب" حتى رددوا بصوت واحد عبارة: "لا سمح الله"! ولقد كانت هذه العبارة مستخدمة في اللغة السينمائية (المصرية والشامية) في السياق الساخر نفسه، لكن ورودها على لسان الناطق العسكري باسم كتائب القسام أحياها في الذهن، وأضافها إلى عبارات أخرى من "قاموس الطوفان" تحولت إلى وسوم و"ترندات" انتقلت من ضيق الارتجال الشخصي العفوي إلى سعة الاعتماد الدلالي الشعبي، ومن ذلك: "معلش"، "ولعت"، "تعيطش". وعلى ذكر هذه العبارات اللهجية الدارجة، أضفى استخدام العامية في بعض حوارات البطلين على النص المسرحي "واقعية" و"حيوية"، كسرت حدة العلمية و"التعليمية" التي كادت تغرق النص، وتحيد به عن جادة الفنية! حوصلة وبالمختصر المفيد؛ لقد خدم الكاتب قواسمية بفضل مسرحية "لا سمح الله" القضيتين اللغوية والفلسطينية، متخذا رحم العروبة منطلق دمج وجامع ربط، ليأوي إلى ركن أدبي رصين، في عمل تنازعته خلفيتان فنيتان: سينمائية ومسرحية، وكادت تختطفه الخلفية "الترجمية" لولا أن ألف الكاتب بين الفنية والعلمية، بما أودع "الحوار" من رهافة الالتقاط وإبداعية التوظيف، ليكمل معروفه ويجعل نهاية النص المسرحي مفتوحة؛ وبذلك يمد العمل الأدبي بسبب إلى سياقه الحدثي؛ لتجانس خاتمة المسرحية مع يوميات الحرب التي لما تضع أوزارها بعد، على الأقل حتى كتابة هذه السطور!

إيزابيلا ونتنياهو.. وقصة أهوال خمسة قرون
إيزابيلا ونتنياهو.. وقصة أهوال خمسة قرون

الجزيرة

timeمنذ 9 ساعات

  • الجزيرة

إيزابيلا ونتنياهو.. وقصة أهوال خمسة قرون

صدر مؤخرا للكاتب والمؤرخ الأميركي الحائز جائزة بوليتزر، غريغ غراندين، كتاب جديد بعنوان: "أميركا: تاريخ جديد للعالم الجديد"، (من الغزو الإسباني للأميركتين حتى الحاضر). واحتل الكتاب المرتبة 14 بقائمة نيويورك تايمز لأكثر الكتب مبيعا. وأشارت مراجعة للكتاب بـ"فايننشال تايمز" لاحتمال فوز المؤلف بجائزة بوليتزر ثانية. يتناول الكتاب الجديد العلاقات التاريخية، أو افتقاد هذه العلاقات في الحقيقة بين الولايات المتحدة وأميركا اللاتينية، في حين يريد دونالد ترامب تنصيب نفسه سيدا للقارتين، واستعادة قناة بنما، وتحويل غرينلاند لمستوطنة أميركية، وكندا إلى "الولاية 51″، وتسمية خليج المكسيك بـ"خليج أميركا"، وقد تغدو المكسيك نفسها "الولاية 52" لكن بدون سكانها. بعد 6 أشهر من ولاية ترامب الثانية تبدو اللحظة مناسبة تماما لكتاب كهذا يركز على علاقات الأميركتين خلال الخمسة قرون الماضية، وعلاقتها كذلك بأحداث غزة. في مقال نشر مؤخرا حول الغرب وأهوال خمسة قرون من الغزو والإبادة، يروي غراندين قصة عن ليون غولوب- فنان من شيكاغو اشتهر بلوحاته الكبيرة التي تصور غرف التعذيب القرمزية بأميركا الوسطى- فقد سُئل غولوب عما يعنيه أن يكون "فنانا سياسيا يهوديا"؛ فرد سريعا أنه ليس "فنانا سياسيا يهوديا"، بل هو مجرد "فنان سياسي". بالنهاية، اقتنع غولوب بأن إجابته كانت سطحية للغاية. نعم، كان فنانا سياسيا. لم تركز لوحاته على أميركا اللاتينية فحسب، بل وعلى فيتنام التي مزقتها الحرب، والعنصرية بالولايات المتحدة وجنوب أفريقيا. لكنه تجنب عمدا احتلال إسرائيل للضفة الغربية وغزة. وأقر غولوب بأن مقتضى أن يكون فنانا ناجحا هو ألا يتخذ أبدا "الأهوال التي يتعرض لها الفلسطينيون" موضوعا لأعماله. حينها فقط ستترك له حرية التعبير عن آرائه السياسية حول أي شيء آخر. إعلان يقول غراندين، على مدار العام والنصف الماضيين، تذكرت ليون غولوب (1922-2004)، مرات عديدة، إذ تزامن تصعيد الهجوم الإسرائيلي على غزة وعنف المستوطنين بالضفة الغربية مع اندفاعي لإنهاء كتابي الجديد الذي يتتبع دورا لم يعتَرف به غالبا لأميركا اللاتينية في التصدي لمبدأ "حق الغزو"، وإقامة النظام الدولي الليبرالي بعد الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك تأسيس محكمة العدل الدولية، التي تنظر اليوم دعوى لجنوب أفريقيا تتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية بغزة. منذ ثلاثة عقود، وغراندين يكتب منتقدا سلوك الولايات المتحدة بأميركا اللاتينية. وبخلاف باحثين كثر في شؤون الشرق الأوسط، تمكن من فعل ذلك دون أن يعاقب، لأنه، مثل غولوب، ركز على "أهوال لحقت" بغير الفلسطينيين. وكما قال الرئيس ريتشارد نيكسون بدقة عام 1971، لا أحد بالولايات المتحدة يبالي بأميركا اللاتينية. إن اللامبالاة العامة تجاه المنطقة، واستعداد أشد المدافعين عن القوة الأميركية عالميا للاعتراف بعدم فائدة سياسات أميركا في نصف العالم الغربي (نفذت نحو 41 انقلابا أو تغييرا للنظم الحاكمة بين 1898 و1994)، جعلا التحدث بصراحة عن أميركا اللاتينية أمرا آمنا للغاية. لكن، في 2025، نجد "الأهوال ملحقة" بكل مكان، ولم يعد ممكنا عزل التعاطف عن الأحداث. الغزو آنذاك والآن لننظر للغزو الإسباني للأميركتين بجانب العدوان الإسرائيلي على غزة. فمن نواحٍ عديدة، لا يمكن مقارنة حدثين، يفصل بينهما 500 عام. الأول كان قاري النطاق، وصراعا لأجل "عالم جديد" كان يقطنه آنذاك، بحسب تقديرات، 100 مليون نسمة. أما الثاني، فقد جرى على أرض تعادل مساحة لاس فيغاس، ويزيد سكانها على مليوني نسمة. وقد أودى الغزو الأول بحياة عشرات الملايين، بينما تذكر التقديرات أن إسرائيل قتلت حتى الآن أكثر من 55 ألف فلسطيني غير المفقودين وجرحت ضِعفهم. رغم ذلك، ثمة أوجه تشابه غريبة بين الصراعين، بما فيها أنهما بدآ عقب ثورة اتصالات: المطبعة آنذاك، ووسائل التواصل الاجتماعي الآن. كانت إسبانيا أول إمبراطورية في التاريخ الحديث تعلن بنشاط عن فظائعها الاستعمارية، حيث مطابع مدريد وإشبيلية وغيرهما تطبع صفحات تلو أخرى عن دموية الغزو: روايات عن عمليات شنق جماعية، وأطفال رضع أغرقوا أو شُووا فوق حفر النار لإطعام الكلاب، ومدن أحرقت. وصف أحد الحكام الإسبان مشهدا لما بعد نهاية العالم يعج بالموتى الأحياء، ضحايا تشويه تعرض له سكان أصليون بأميركا، على النحو التالي: "حشدٌ من الهنود العرجان والمبتورين المشوهين بلا أطراف، أو بيد واحدة فقط، عميان، مقطوعي الأنوف والآذان". واليوم، يتداول الإنترنت عددا لا يحصى من الصور ومقاطع الفيديو لا تقل فظاعة عن تلك. فظائع ارتكبها الجنود الإسرائيليون بحق الفلسطينيين، لأطفال مبتوري الأطراف وجثث "رضع متحللة". بعض صور أطفال جوعهم الجيش الإسرائيلي، وفقا لمحرر بـ"نيويورك تايمز"، كانت "صادمة" لدرجة يصعب معها نشرها. في إسبانيا القرن السادس عشر، كان الجنود العاديون يكتبون، أو يدفعون لآخرين، لكتابة قصصهم عن الفوضى والتوحش، أملا في تسجيل بطولاتهم. واليوم، نشهد نسخا رقمية محدثة لنوع مماثل من الفخر بالاحتلال والقهر، حيث ينشر أفراد من الجيش الإسرائيلي، على منصات مثل تيك توك، مقاطع فيديو لرجال غزة "مجردين من ملابسهم، ومقيدين، ومعصوبي الأعين"، ويظهرون جرافات ودبابات وهي تهدم المنازل. يسخر الجنود من تدمير المدارس والمستشفيات، وأثناء تفتيشهم المنازل المهجورة، يشاهَدون وهم يلعبون بملابس سكانها النازحين. أعلن كل من المسؤولين الإسبان آنذاك والمتحدثين باسم إسرائيل الآن صراحة عن نيتهم "قهر" أعدائهم وإجبارهم على مغادرة منازلهم وتجميعهم بمناطق أكثر قابلية للسيطرة. كان بعض الإسبان آنذاك والإسرائيليين اليوم يمارسون ويعتقدون أن أعداءهم دون البشر. اعتقد خوان غينيس دي سيبولفيدا أن الأميركيين الأصليين "حيوانات متوحشة"، كما "القردة بالنسبة للبشر". ووصف وزير الدفاع الإسرائيلي (السابق المطلوب لمحكمة العدل الدولية) يوآف غالانت الفلسطينيين بـ"الحيوانات البشرية". واعترف العديد من الكهنة والمسؤولين الملكيين الإسبان بأن الأميركيين الأصليين بشر، لكن اعتبروهم كالأطفال، يجب فصلهم بعنف عن كهنتهم الوثنيين، تماما كما تعتقد إسرائيل بوجوب فصل الفلسطينيين بعنف عن "حماس". وصرح وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش عن تكتيكات جيش إسرائيل المتطرفة: "نحن نفصل حماس عن السكان، ونطهر القطاع". مجازر عادلة! أمر هيرنان كورتيز (1485-1547)، أول حاكم إسباني قشتالي للمكسيك، رجاله بهدم معابد الأزتك، التي سماها "مساجد". كانت تلك المعابد بمثابة مراكز استشفاء، وتدميرها يوازي خراب مستشفيات غزة الآن ومراكز اللجوء الأخرى. حتى الموتى لم يكونوا بمأمن، لا في الأميركتين آنذاك، ولا اليوم في غزة. وكما فعل الغزاة الإسبان، دنس جيش إسرائيل العديد من مقابر الموتى. أثار العنف الإسباني في الأميركتين رد فعلٍ أخلاقيا قويا. فمثلا، شكك الفقيه الدومينيكاني فرانسيسكو فيتوريا بشرعية الغزو، بينما أصر الأب بارتولومي دي لاس كاساس على المساواة المطلقة بين جميع البشر. وأدان لاهوتيون آنذاك العبودية المفروضة على السكان الأصليين. كانت لهذه التصريحات والإدانات عواقب بالمدى الطويل. لكنها لم تحدث فرقا في وقف المعاناة، كما هو الحال في غزة الآن. استمر الجدل حول شرعية الغزو عقودا، تماما كما يستمر الجدل حول شرعية احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية. "الغزو"، كحدث مفرد كبير، كان يمكن الطعن فيه، لكن استمرت معارك الغزو الفردية من مجازر صباحية وغارات ليلية على قرى السكان الأصليين. اعتبر المستوطنون الإسبان أنه، بغض النظر عما يقول الكهنة على المنابر أو جادل فيه الفقهاء بقاعات الندوات، فإن لهم الحق في "الدفاع" عن أنفسهم: أي إذا هاجمهم الهنود، فيمكنهم الانتقام! تماما كحق إسرائيل "المزعوم" في الدفاع عن نفسها. إليكم مثالا واحدا فقط من أمثلة عديدة: في يوليو/ تموز 1503، ذبح المستوطنون الإسبان أكثر من 700 من سكان قرية زاراغوا في هيسبانيولا (الجزيرة التي تضم اليوم جمهوريتي هاييتي والدومينيكان)، وهي مجازر اعتبرتها ملكة إسبانيا إيزابيلا "عادلة"؛ لأن بعض سكان القرية بدؤوا مقاومة عنيفة للحكم الإسباني. وتستخدم إسرائيل نفس الحجج لإصرارها على أن حربها على حماس عادلة بالمثل، بما أن حماس هي من بدأتها! وكما كان الصراع على هيسبانيولا معزولا عن السياق الأوسع للغزو، فإن الصراع الذي بدأ في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 يقدَم معزولا عن سياق احتلال إسرائيل فلسطين منذ 77 عاما! مبدأ "حق الغزو" يعود هذا المبدأ إلى عصر الدولة الرومانية وبقي فاعلا في سياق المشروع الإمبريالي الغربي، وبلا عوائق، حتى أواخر القرن الثامن عشر، إذ رسخه قادة الولايات المتحدة بذريعة التوجه غربا نحو الساحل الغربي للقارة لاحتلال أراضي شعوبها الأصلية. وقد لقّنت أجيال من أساتذة القانون الأميركيين طلابهم شرعية "حق الغزو"، وأن حق الأمم الأوروبية، انتقل للولايات المتحدة، بهذه الإمبراطورية الشاسعة، وتأسس على الاكتشاف والغزو، بحسب جيمس كينت أستاذ القانون بجامعة كولومبيا في تسعينيات القرن الثامن عشر. وأكدت المحكمة العليا الأميركية أيضا أن الدولة الأميركية تأسست على الغزو، وأن مبدأه لا يزال ساريا. وحتى ثلاثينيات القرن الماضي، أصر مرجع قانوني واسع الانتشار على أن الدولة، ومعظم المشرعين، أقروا الاستعباد سبيلا لاكتساب الأراضي، ومن حق المنتصر احتلال وضم أراضي العدو. ثم عاد ترامب إلى السلطة ليؤكد مجددا مبدأ "حق الغزو" الصريح، وعبر عنه بتصريحات عفوية حول حق استخدام القوة لاحتلال غرينلاند، وضم كندا باعتبارها "الولاية 51″، وانتزاع قناة بنما، وتحويل غزة إلى "ريفييرا"، بعد تطهيرها عرقيا بـ"الإبادة الجماعية" الإسرائيلية، بينما تُسيل حقول الغاز الملاصقة لشاطئ غزة لعاب ترامب ونتنياهو. بحلول المرحلة الأخيرة من الإبادة الجماعية الإسرائيلية بغزة، يتجاهلها كثيرون، غير قادرين على تحمل الأخبار، بينما لا يقدم حكام الولايات المتحدة شيئا سوى مزيد من أسلحة الإبادة لإسرائيل، التي تواصل القتل العشوائي، بينما تحجب المواد الغذائية والأدوية عن المحاصرين بغزة. حتى أبريل/ نيسان، كان حوالي مليوني فلسطيني يفتقدون مصدرا آمنا للغذاء. ويستمر تحلل جثث الرضع، بينما يكمل جيش إسرائيل، كما وصف أحد المسؤولين الإسرائيليين، "غزو قطاع غزة". وقال وزير المالية سموتريتش إن غزة ستدمر بالكامل. وأضاف بنبرة قاتمة: "سنغزو ونبقى". كان نفور لاهوتيين وفلاسفة، بالقرن السادس عشر، من وحشية الغزو الإسباني المفرطة بداية "تشكل بطيء لفكرة الإنسانية"، كفكرة هشة، ترسخت عبر القرون وطبقت دائما بشكل مختل، وترى أن جميع البشر متساوون، ويشكلون مجتمعا واحدا يتجاوز القبلية والقومية. واليوم، تقوض وحشية استيطان وإبادة مماثلة في فلسطين هذا العمل. ويبدو أن الإنسانية تتلاشى بوتيرة متسارعة! من كورتيز إلى نتنياهو وبوتين وترامب، تبدأ نهاية الغزو، كما يخلص غراندين.

مهرجان الطعام في عمّان يتحول إلى منصة دعم إنساني لغزة
مهرجان الطعام في عمّان يتحول إلى منصة دعم إنساني لغزة

الجزيرة

timeمنذ 19 ساعات

  • الجزيرة

مهرجان الطعام في عمّان يتحول إلى منصة دعم إنساني لغزة

عمّان- لم يكن مهرجان الأردن الدولي للطعام هذا العام مجرد مظاهرة ثقافية واقتصادية، بل تحول إلى منصة إنسانية حملت في طياتها رسالة دعم وتضامن مع الشعب الفلسطيني. وأُطلقت مساء أمس الاثنين من ساحة المهرجان الذي أقيم في العاصمة الأردنية عمّان قوافل مساعدات إغاثية إلى قطاع غزة. جاءت الحملة الوطنية لدعم غزة بالتعاون مع الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية، وبمساهمة من شركات ومؤسسات وأفراد مشاركين، في مبادرة أردنية إنسانية محملة بالمواد الغذائية والطبية للتصدي لسياسة التجويع الممنهجة التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين في قطاع غزة. وأكد القائمون على المبادرة أن إجمالي المساعدات سيصل إلى 300 طن من المواد الغذائية، تُرسل إلى القطاع على 3 دفعات خلال أيام المهرجان بهدف ضمان إيصالها بشكل منتظم إلى مستحقيها. وقال الناطق الإعلامي باسم هيئة تنشيط السياحة أنس الوريكات إن هذه الحملة تندرج في إطار المسؤولية الاجتماعية للقطاع السياحي والخاص الأردني، وتعكس التزام الأردن المستمر بقضايا أمته، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. وأضاف الوريكات -في حديثه للجزيرة نت- أن الحملة الوطنية الأردنية تعبّر عن روح التضامن والتكافل التي يتمتع بها المجتمع الأردني، مؤكدا أن مهرجان الطعام لا يقتصر على الترويج للمنتجات الغذائية، بل يحمل في طياته رسالة إنسانية وأخلاقية سامية. وبيّن أن الأردن سيواصل تقديم الدعم الإغاثي والإنساني لأهالي غزة، عبر آلية عمل منسقة مع الجهات الرسمية والمؤسسات الإنسانية لضمان إيصال المساعدات بكفاءة وسرعة، وسط أزمة إنسانية خانقة يشهدها القطاع نتيجة الحصار المستمر والعدوان الإسرائيلي المتواصل. ولفت الناطق الإعلامي باسم هيئة تنشيط السياحة إلى أن باب التبرع سيبقى مفتوحا طوال فترة المهرجان، بما يسمح بتوسيع قاعدة المشاركين في هذه الحملة الإنسانية، ويمنح الفرصة للزوار والعارضين بالمساهمة في جهود الإغاثة. وفي سياق متصل، كشف الأمين العام للهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية حسين الشبلي عن دخول 294 شاحنة مساعدات إلى قطاع غزة من أصل 452 شاحنة، خلال الأسبوعين الماضيين، مرجعا ذلك "للعراقيل المستمرة التي يضعها الاحتلال الإسرائيلي على المعابر الحدودية". وبيّن الشبلي -في تصريحات صحفية الاثنين- أن الاحتلال الإسرائيلي يعيق إدخال الشاحنات بذريعة انتهاء الدوام الرسمي، قائلا إن "الاحتلال يمتهن صناعة العراقيل". وأشار إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يتذرع برفض بعض المواد الإغاثية، كالأجهزة والمواد الطبية، إضافة إلى إطالة مدد التفتيش والعبور، إذ يستغرق وصول قافلة إلى القطاع حوالي 38 ساعة. ولفت الشبلي إلى أن الهيئة تتعامل مع العراقيل الإسرائيلية من خلال تكثيف إرسال القوافل بشكل يومي لضمان استمرار دخول المساعدات. وأوضح أن الجهد الإغاثي الأردني مستمر تجاه القطاع لأنه يمثل العصب الأساسي لدخول المساعدات، إلى جانب الإنزالات الجوية التي تنفذها القوات المسلحة، والتي تعد معززا ومكملا لضمان دخول المساعدات قدر المستطاع. مؤكدا أن قيمة المساعدات الأردنية لغزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 بلغت 335 مليون دولار. مشيرا إلى أن نحو 117 ألف أسرة عفيفة في غزة تستفيد سنويا من الدعم الذي تقدمه الهيئة الأردنية. وعبرت، أمس الاثنين، قافلة جديدة تم تسييرها من الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية إلى غزة، وبحسب بيان صادر عنها باليوم نفسه، تتكون القافلة التي عبرت جسر الملك الحسين من 38 شاحنة مساعدات إنسانية، وذلك بالتعاون مع برنامج الغذاء العالمي، وبالتنسيق مع القوات المسلحة الأردنية. استهداف متكرر وفي مشهد يعكس حجم الاستهداف المتعمد لكل ما هو إنساني، أقدم مستوطنون إسرائيليون مرارا خلال الأسابيع الأخيرة على عرقلة مرور شاحنات المساعدات الأردنية المتجهة إلى قطاع غزة، وذلك أثناء عبورها من معبر الكرامة (جسر الملك حسين) نحو الأراضي الفلسطينية المحتلة. وتتعمّد مجموعات من المستوطنين إغلاق الطرق المؤدية إلى المعبر أو نصب حواجز عشوائية، في محاولة لوقف سير الشاحنات أو تأخير وصولها، مستخدمين الهتافات العنصرية، وإلقاء الحجارة، وأحيانا محاصرة المركبات، في مشهد متكرر بات يهدد سلامة السائقين الأردنيين، ويعطل إيصال المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر. جدير بالذكر أن إسرائيل ترفض السماح لشاحنات الإمدادات والمساعدات الإنسانية بدخول قطاع غزة، مما جعلها تتكدس في المناطق الحدودية، وتسمح بمرور عدد شحيح جدا منها لا تشكل جزءا بسيطا من احتياجات الفلسطينيين. وفي وقت سابق الاثنين، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية بغزة ارتفاع وفيات سياسة التجويع الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى 180 فلسطينيا بينهم 93 طفلا، وذلك بعد وفاة 5 أشخاص خلال 24 ساعة نتيجة سوء التغذية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store