
الراعي: على كل مسؤول أن يدرك أن المسؤولية ليست تسلّطاً بل خدمة
وبعد تلاوة الانجيل المقدس القى البطريرك عظة بعنوان : 'روح الرب علي مسحني وأرسلني' (184). قال فيها : 'طبق الرب يسوع عليه نبوءة أشعيا التي سمعناها. فهي تظهر هويته وسالته، هويته هي مسحة الروح القدس. ورسالته مثلثة النبوءة والكهنوت، والملوكية. فهو نبي بامتياز لأنه يعلن كلمة الله، وهو نفسه هذه الكلمة. وهو كاهن بامتياز لأنه الكاهن والذبيحة، إذ يقرب ذاته ذبيحة فداء عن خطايا البشرية جمعاء. وهو ملك بامتياز، لأنه يعلن ملكوت الله، وهو ذاته هذا الملكوت. وقد أشرك كنيسته جسده السري بهذه الهوية والرسالة، اللتين تشملان كل مؤمن ومؤمنة بحكم سري المعمودية والميرون فيشرك هؤلاء في كهنوته العام، الذي منه يختار من يقيمهم في كهنوت الدرجة المقدسة الشمامسة والكهنة والأساقفة. بهذه الشركة في الهوية والرسالة، لا يُطلب من المؤمن أن ينعزل أو يتقوقع، بل أن ينخرط في بناء عالم أكثر إنسانية، ويشع نورا في ظلمات هذا العالم'.
واضاف : 'يسعدني أن أرحب بكم جميعًا للإحتفال معا بهذه الليتورجيا الإلهية، التي تحيي فيها هويتنا المسيحية ورسالتنا ملتمسين إدراكهما والالتزام بهما. وفيما نهار غد يتزامن مع الذكرى الخامسة لتفجير مرفاء بيروت، وهو الأعظم في تاريخ البشرية بعد هيروشيما، نصلي أولا لراحة نفوس الضحايا، وشفاء المرضى والمعوقين الكثر، ونعزي أهل الضحايا والمصابين والمتضررين على اختلاف فئاتهم. وإنا نطالب القاضي البيطار بممارسة صلاحياته القضائية كاملة، إظهارا للحقيقة، وصوتا للعدالة، وضمانة للقضاء الحر الذي يعلو الجميع من دون أية حصانة'.
وأشار إلى أن 'هوية يسوع هي هوية الكنيسة والمعمدين ورسالته هي رسالتهم. بمسحة الميرون أشركهم الرب يسوع هويته، وأرسلهم المتابعة رسالته في النبوءة والكهنوت والملوكية. أما النبوءة فظاهرة في نبوءة أشعيا: أرسلني لأبشر المساكين وأعيد البصر للعميان. فبالكلمة يستنير أولئك الذين أعمتهم الخطيئة، وأولئك الذين يتخبطون في أهواء العالم، بعيدين عن الله وحبه والاستنارة بنور كلامه وأما الكهنوت في تعبير أشعيا: أرسلني لأشفي منكسري القلوب، وأحرر المأسورين. بالخدمة الكهنوتية يمنح الغفران للتائبين، ويحررهم من قيود الخطيئة ومن أميالهم الرديئة. وأمّا الملوكية: 'وأعلن زمنًا مرضيا للرب' هو زمن الحقيقة والمحبة والسلام. إن الإنجيل الذي سمعناه ليس نصاً من الماضي، بل دستور يومي، وخريطة طريق للإنسان الجديد، ولكل من مسح بمسحة الروح ليشع نوره في عالمه حيث يعيش. فقد أصبح نبيا يتكلم الحق، وكاهنا يقدم ذاته حبا وخدمة، وملكا يملك بالعدل والرحمة. وهكذا إن دعوة كل مؤمن أن يعيش هويته بالعمق، ويجسد رسالته في محيطه في عائلته ووطنه وكنيسته وعالمه'.
وتابع: 'إن زمن العنصرة الذي نعيشه في هذه المرحلة من السنة الطقسية، هو زمن حلول الروح القدس الدائم على الكنيسة، وهو زمن التجدد الداخلي والرسالي. وها إنجيل اليوم يبين كيف تبدأ كل رسالة أصلية من مسحة الروح. فكما كانت بداية رسالة يسوع بالروح، كذلك كل قداس نحتفل به هو استمرار لهذه المسحة: ففي الإفخارستيا نمسح بالكلمة ويجسد الرب ودمه، لكي ترسل إلى العالم. كل قداس هو إرسال، وكل إرسال ينبع من سر المذبح والجماعة المصلية. في إطار الهوية والرسالة للبنان أيضًا هويته ورسالته. فهويته نابعة من تنوعه الغني، ومن تاريخه المشرقي، ومن دوره الريادي في الحرية والتعددية. أما رسالته فأن يكون أرض تلاق وحوار. وجسر تواصل بين الأديان والثقافات، ومنارة فكر وحريات في محيط كثير العتمة. ونتساءل: هل لبنان باقي وفيا لهويته؟ وهل يحمل رسالته بشجاعة ومسؤولية؟ كلنا مدعوون، مسؤولين ومواطنين، إلى أن نعيد للبنان وجهه الحقيقي، نعيد إليه العدل، ونطلق فيه الحرية، ونفتح أمام شبابه أبواب الرجاء، ونبني دولة تليق بتضحيات الآباء وبأحلام الأطفال. على كل مسؤول أن يدرك أن المسؤولية ليست تسلّطاً بل خدمة، وأن الزعامة ليست مصلحة بل شهادة. فليكن في قلوبنا إصرار روحي وأخلاقي على أن ننهض بوطننا، ليس بالكلام فقط بل بالأفعال والمثابرة، وبحكمة من يتعلم من الألم، ويصنع من الجراح رجاء جديدا. يريد الرب يسوع من كل مؤمن ومؤمنة أن يكونا صوتا للحق، وخادمين للمصالحة، وبناة للعدل. هذا ما يحول كل مواطن صالحًا، وكل مسؤول حاملا رسالة تتخطى الحسابات والمصالح الضيقة'.
وأكد إن 'لبنان لا يقسم المواطنين بين أقليات وأكثريات. فمثل هذا المنطق يخفي نزعة نحو السيطرة والغلبة، لا المشاركة الحقيقية، لأن دولتنا المدنية لا تفرز المواطنين إلى أكثريات وأقليات. فالأساس يبقى المواطنة الشاملة'.
وختم الراعي: 'فلنرفع صلاتنا إلى الله لكي يسكب روحه القدّوس على كنيسته وشعبه، ويجدد هويتنا ويقوي رسالتنا، ويجعلنا نعيش نبؤتنا وكهنوتنا وملوكيتنا، ويحررنا من الخوف والخمول، ويلهمنا الجرأة والخير والصدق في الشهادة، والإلتزام في الحق. ونمجده مع ابنه الوحيد، وروحه القدوس الآن وإلى الأبد، آمين'.
وبعد القداس، استقبل الراعي والمطرانان نفاع ونصار المشاركين بالذبيحة الالهية، وقدم له الكاتب انطوان يزبك كتابه الجديد بعنوان' بكفيا الكبرى'.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صدى البلد
منذ ساعة واحدة
- صدى البلد
في رحاب الجامع الأزهر.. الأمانة والمسئولية محور ندوة الأسبوع الدعوي التاسع
نظّمت اللجنة العليا للدعوة بمجمع البحوث الإسلامية، بالتعاون مع الجامع الأزهر، الندوة الرابعة ضمن فعاليات الأسبوع الدعوي التاسع، تحت عنوان: 'الأمانة والمسؤولية ودَورهما في صيانة الحقوق وأداء الواجبات'. وحضر اللقاء الدكتور محمود الهواري، الأمين العام المساعد للدعوة والإعلام الديني بمجمع البحوث الإسلامية، والدكتور أيمن الحجار، الباحث بالأمانة العامة لهيئة كبار العلماء، وأدار الندوة الدكتور يوسف منسي، عضو أمانة اللجنة العليا لشؤون الدعوة. تأتي الفعالية في ضوء توجيهات الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وباعتماد فضيلة الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، وإشراف الدكتور عبد المنعم فؤاد، المشرف العام على الأنشطة العلمية للرواق الأزهري، والدكتور هاني عودة، مدير عام الجامع الأزهر. الدكتور محمود الهواري: الأخلاق لا تقل منزلة عن العبادات وخلال كلمته، أكد الدكتور محمود الهواري، أن الأخلاق لا تقل منزلة عن العبادات، موضحًا أن المسلم كما يُطالَب بالصلاة والزكاة والصيام والحج، يُطالَب كذلك بطهارة القلب وحُسن الخلق والسلوك، مضيفًا أن الأمانة خلقٌ جوهري في الإسلام، وأن الناس اختزلوها في مجرد "الوديعة" في حين أن معانيها أوسع وأشمل. وبيَّن أن النبي ﷺ كان نموذجًا للأمانة في كل حالاته: في السلم والحرب، في الغضب والرضا، فاستحق لقب "الصادق الأمين" حتى قبل بعثته، موضحًا أن من صور الأمانة: أمانة العرض والكلمة، حيث قال ﷺ: "لا إيمان لمن لا أمانة له"، مؤكدًا أن التخلق بالأمانة ضرورة في كل موقع ومجال. من جانبه، أوضح الدكتور أيمن الحجار، أن الأمانة أمرٌ رباني محبوب إلى الله، مستشهدًا بقوله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا"، وفي المقابل نهى الله تعالى عن الخيانة حيث قال:"إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كفور"، مبينًا أن التفريط في الأمانة ظلمٌ للنفس وللناس، مشددًا على أن اللسان أمانة، فكل كلمة تخرج من الفم تُعبر عن القلب، داعيًا إلى التفكير في رضا الله قبل النطق بأي كلمة. وأشار إلى أن الأبناء والأسرة والعلم أمانات، ينبغي رعايتها وأداء حقوقها، كما أن الأوطان أمانة يجب الحفاظ عليها والتصدي لمن يسعى لإضعافها بأفكار مغلوطة أو مدمرة. وفي كلمته التي أدار بها الندوة، أكد الدكتور يوسف منسي أن الأمانة مسؤولية عظيمة، وقد عرضها الله على السموات والأرض والجبال، فأبين أن يحملنها، وقبلها الإنسان رغم ثقلها، كما في قوله تعالى: "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا"، لافتًا إلى أن القيم التي يتغنّى بها الغرب قد تُكتب وتُمحى، بينما الأمانة التي أمرنا الله بها هي جزء من الدين والعقيدة، مشيرًا إلى قوله تعالى: "وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ" [المؤمنون: 8]، موصيًا بترجمة الأمانة إلى واقع عملي، وسلوك يومي يعكس التمسك بهذا الخلق في القول والفعل. وتُختتم فعاليات الأسبوع الدعوي التاسع، الذي يُقام تحت شعار: "القيم الإسلامية حصن الأوطان ونبض الاستقرار"، يوم الخميس المقبل، وتشهد أنشطة متنوعة ولقاءات فكرية وندوات علمية يُحاضر فيها نخبة من كبار علماء الأزهر الشريف، بهدف ترسيخ القيم، وبناء وعي ديني وأخلاقي، يعزز استقرار المجتمع ويُحصّن الشباب من الانحرافات الفكرية.


صدى البلد
منذ ساعة واحدة
- صدى البلد
أمين الفتوى يحذر من تحول الأخلاق لسوق نخاسة على السوشيال
قال الدكتور عمرو الورداني، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن من يبرر للظالم، ويزيف الحقيقة الواضحة، أو يحاول تلميع وجه المعتدي، إنما يشارك في الجريمة نفسها، ويخون القيم التي جاء بها الإسلام ورفعها رسول الله صلى الله عليه وسلم. اللهم أرنا الحق حقاً وأضاف «الورداني»، في تصريح له، أن دعاء النبي ﷺ: "اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه"، يُلزم الإنسان بأن يكون صادقًا في بصيرته، وألا يبيع الحقيقة بأي ثمن، مستشهدًا بقول الله تعالى: "بل الإنسان على نفسه بصيرة". الأخطر من سوق النخاسة وشدد على أن الأخطر من سوق النخاسة الذي باع فيه الناس أجسادهم، هو "سوق نخاسة القيم"، حين يتحول الإنسان إلى أداة لتزييف الأخلاق، وتبرير الباطل، وتبرئة المجرم، وتجريم الشريف، مضيفًا: "من يتحدث باسم الدين لتبرير العدوان، هو تاجر في الدين، يبيع الأخلاق كما تُباع البضائع في الأسواق". قول كلمة الحق وأشار الورداني إلى أن من يعجز عن قول كلمة الحق في وجه الظالم، وينسى حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ربه: 'إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا'، قد فقد إنسانيته، مضيفًا: "من يحصن وجه الكيان المعتدي ويخدم روايته، هو شريك في استمرار هذه الجريمة". جعلوا من الدين سلعة وتابع: "لقد كشف الله سبحانه وتعالى حقيقة الكثيرين، وفضح من جعلوا من الدين سلعة، ومن الكرامة صفقة، ومن العدالة ورقة تفاوض، هؤلاء لم يعودوا يمثلون إلا أنفسهم، ولن يعجز الله عن أن يُظهر الحق مهما حاول البعض دفنه أو الالتفاف عليه"


صدى البلد
منذ ساعة واحدة
- صدى البلد
الأزهري يهنئ نظيره الأردني بتجديد الثقة الملكية بتوليه حقيبة الأوقاف
هنأ الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، الدكتور محمد أحمد مسلم الخلايلة، وزير الأوقاف والشئون والمقدسات الإسلامية بالمملكة الأردنية الهاشمية، على تجديد ثقة الملك عبد الله الثاني بن الحسين، ملك المملكة الأردنية الهاشمية، به وزيرًا للأوقاف لفترة جديدة، سائلًا الله (عز وجل) له دوام التوفيق والسداد، ومزيدًا من النجاح في أداء رسالته الدعوية والوطنية. ويُعد الأستاذ الدكتور محمد الخلايلة من الرموز العلمية والدعوية البارزة، حيث حصل على وسام الملك عبد الله الثاني للتميز من الدرجة الثانية، تقديرًا لجهوده في الإفتاء، وإبراز صورة الإسلام المشرقة، وترسيخ قيمه الإنسانية النبيلة، ومفاهيم الوسطية والاعتدال. كما منحه الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، تقديرًا لعطائه المتميز في خدمة الفكر الوسطي والتعاون العلمي والدعوي بين البلدين.