logo
«خروج العرب من التاريخ»: قراءة فى كتاب مُهم «2»

«خروج العرب من التاريخ»: قراءة فى كتاب مُهم «2»

الدستور١٥-٠٤-٢٠٢٥

قدّمنا فى مقال سابق لكتاب مهم، بل بالغ الأهمية، هو كتاب «خروج العرب من التاريخ»، للمفكر والعالم الاقتصادى التقدمى د. «فوزى منصور»، الذى رحل عن دنيانا عام 2014 عن عمر يناهز 87 عامًا، بعد أن أثرى الحياة السياسية والأكاديمية والعمل الوطنى بعطاءٍ رفيع المستوى، يأتى فى صدارته هذا الكتاب، الذى يُمكن اعتباره تشريحًا بالغ الصدق والشمول لأوجاع وأدران الوطن العربى، وضع فيه المؤلف يده على سبب البلاء، وأس الجراح، وأيضًا سُبل الشفاء، ووسيلة علاج عالمنا العربى من أوجاعه ونكباته.
والميزة الأساسية للكتاب هى جرأته فى طرحه التساؤلات الجوهرية الماسّة بالواقع الراهن المُتدهور، وبما يدفع إلى التفكير بعمق فى وضع الأمة العربية الحرج وفى آفاق مستقبلها. فضلًا عن تحليله الجرىء الصارم لأسباب التخلّف الذى حاصرنا، وعناصر الجمود التى كبّلت أوطاننا، بهدف تنوير الرأى العام بطبيعة التحديات الكبرى التى تواجه المنطقة العربية، مُضمنًا رؤاه دعوة حارة لإحداث تطوير فكرى شامل لأوضاعنا، وبما يجعلنا قادرين على تغيير أحوالنا إلى الأفضل، وتحريك واقعنا الجامد فى مختلف المجالات.
وتعبير «الخروج من التاريخ» فى عُرف الكاتب الكبير لا يعنى الموت الإكلينيكى وانزياح المجموعة الإنسانية الكامل من الوجود، إذ يكفى لأمة أن تفقد السيطرة على إدارة شئونها، وتترك «المقادير» تتلاعب بوجودها ومصيرها، وتدع الآخرين يرسمون لها خطوط مسيرتها، ويُديرون لمصلحتهم أمور حياتها، حتى تفعل الأيام بها مفاعيل «الخروج من التاريخ»، إذ يجرى تهميش وجودها، وتكبيل حركتها، وإجبارها على تنفيذ الأوامر والتعليمات، التى لا تخدم بالأساس سوى أعدائها، فتتحول إلى كيان مفعول به، بلا إرادة أو مقدرة.. مُتلقى لا فاعل، تُحركه الرياح الخارجية حيثما تشاء دونما قدرة على الاعتراض.
فما هى أسباب وملامح حالة «الخروج من التاريخ» إذن، كما يراها المؤلف؟!.
يُشير المؤلف إلى الواقع المُتَخَلِّف من إرث المرحلة الاستعمارية التى تركت آثارًا سلبية بالغة العُمق على البنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للدول العربية كافة، كسبب رئيسى فى بؤس أحوالها الراهنة، ويرصد مجموعة من الملامح، تصف حالة «الخروج من التاريخ»، أبرزها ظاهرة التخلّف الحضارى الشامل على أغلب الأصعدة: الاقتصادية والتكنولوجية والفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية، الأمر الذى قاد إلى سيطرة الجمود الفكرى عليها، وكرَّسَ غياب التفكير النقدى المُستقل، لصالح ما يُمكن تسميته بـ«عبادة الماضى»، والاعتماد على الأفكار الجاهزة والموروثات البالية دون تمحيص، مما شلَّ القدرة على فهم الواقع والتكيُّف معه، والنجاح فى الانتصار على تحدياته.
ويعتبر الكاتب أن الاستبداد الفكرى والسياسى، وغياب الديمقراطية وتجاوز الإرادة الشعبية، تمثل عائقًا أساسيًا أمام التقدّم والتطوّر، ويولى اهتمامًا مُستحقًا لدور الأنظمة السياسية، الحاكمة والمُتَحَكِّمة، فى الواقع العربى، فى تكريس التخلّف، وقمع الحريات، وإضعاف المؤسسات، ومنع تطبيق القانون، وإعاقة المشاركة الفعّالة للمواطنين فى صنع القرار.
كما يرصد دور حالة التشرذم، والانقسام، والضعف التى تعانى منها الدول العربية، وتجعلها عاجزة عن مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية، وتزيد من تبعيتها للقوى الكبرى، على المستويات كافة «سياسيًا، واقتصاديًا، وثقافيًا»، الأمر الذى أضعف الهوية العربية المُستقلة، وجعلها أكثر هشاشة فى مواجهة رياح «العولمة» والتغريب، وأدى إلى تقويض القدرة على بناء مسار ثقافى وتنموى ذاتى ومُستقل.
واعتبر المؤلف أن التخلّف العلمى والتكنولوجى، والتأخر المزرى فى أوضاع التعليم الحديث والبحث العلمى المُتقدم، فى بلادنا، إحدى أبرز علامات «الخروج»، بالنظر إلى القفزات الهائلة التى قفزتها هذه المجالات فى العقود الماضية.
وأضاف، إلى ما تقدم من عوامل، عناصر أخرى لا تقل سلبية على الواقع العربى، منها الصراعات والحروب ومسلسل الاقتتال الأهلى، والتطرّف الدينى، والإرهاب العقائدى، والصراعات العرقية والتوترات المذهبية، «والتى شاهدنا آثارها المدمرة فى السودان وليبيا وسوريا واليمن وغيرها من البلدان العربية»، وكذا الإفراط فى الاعتماد على النفط فى الدول البترولية كمصدر أوحد للدخل، وانتشار الفساد والمحسوبية وسوء الإدارة، وتردى أوضاع التعليم والصحة.. إلخ.
ويضع الكاتب ما يُشبه «الروشتة العلاجية» لأحوال مجتمعاتنا، ولاستعادة دورها التاريخى الضائع، ولـ«رجوعها إلى التاريخ»، قبل فوات الأوان، فى مقدمة بنودها وجوب القيام بـعملية «إصلاح شامل وعميق» تطال جميع جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والإسراع فى بناء دولة القانون والمؤسسات، المُرتكزة على سيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان، وتعزيز دور المؤسسات المستقلة، والسعى الجاد من أجل تفعيل المشاركة الشعبية وتحقيق الديمقراطية كشرط أساسى للتقدم والتطور، كما يُلح فى الدعوة إلى الاستثمار فى التعليم والبحث العلمى والابتكار التكنولوجى لبناء قاعدة معرفية قوية، تستند إليها أوطاننا فى سعيها لتخطى واقعها الحرج الراهن.
ثم يُضيف الدكتور «منصور» عاملًا آخر بالغ الأهمية، لعله الآن يبدو شديد الإلحاح أكثر من أى وقت مضى، لمقاومة ما يُحيط بالأمن الوطنى والقومى من تهديدات ومخاطر، هو تعزيز الوحدة والتكامل العربيين، حيث يرى أن تجاوز حالة التجزئة، والعمل على تحقيق قدر من التكامل والتعاون العربى هو ضرورة لمواجهة التحديات المشتركة واستعادة الدور الفاعل فى العالم.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ميثاق شرف للتواصل الاجتماعي
ميثاق شرف للتواصل الاجتماعي

فيتو

time١٦-٠٥-٢٠٢٥

  • فيتو

ميثاق شرف للتواصل الاجتماعي

لا مفر من وضع ميثاق شرف يجبر على الالتزام به كل صناع المحتوى ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي.. فيديو على يوتيوب، يتحدث بكل الفحش والفجور عن أدق تفاصيل الحياة شديدة الخصوصية لممثلة شهيرة جدا، رغم رحيلها عن دنيانا منذ عقود من الزمان! الفيديو استخدم أحط الألفاظ، واتهم رئيسا مصريا سابقا بما يؤدي إلى تشويه صورته العظيمة، ويهبط بسمعته إلى الدرك الأسفل، ويشهد الله والملايين والتاريخ على أنه ينافس أولياء الله الصالحين في الشرف والنزاهة. فيديوهات وبوستات كثيرة تناولت أزمة الإعلامية بوسي شلبي مع أولاد زوجها، أو طليقها، الراحل، الفنان محمود عبد العزيز، دونما أدنى اهتمام بمشاعر أطراف النزاع، وخصوصياتهم.. وللحق فإن هناك من تناول الأزمة بشكل محترم، يفيد من يطالع أو يتابع ذلك المحتوى. ولا ننسى ما واكب انتخابات مجلس نقابة الصحفيين من إساءات بالغة، وتبادل للاتهامات، وتدنٍ لمستوى لغة الحوار. والأمثلة أكثر من أن تحصى. هذا عن صناع المحتوى، أما عن التعليقات فحدث ولا حرج، لا أدب.. لا ضمير.. لا حياء، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ميثاق الشرف الذي أقترحه يجب أن يستند إلى الآية الكريمة من سورة النور: ‏"إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ". هذه الآية كلما مررت عليها تهزني من الداخل، وتمس شغاف القلب، فالمولى، سبحانه وتعالى، يصف من يستخدم ألفاظا جارحة، وتعبيرات خارجة عن حدود الأدب، ويردد الشائعات دون أن يدقق في صدقيتها من عدمه، ويخوض في أعراض الناس، ويتقول عليهم بما ليس فيهم، ويوجه الاتهامات والشتائم لمن يعرف ومن لا يعرف، بأنه (يحب أن تشيع الفاحشة في الذين ٱمنوا). الوصف مرعب لمن يتفكر ويتدبر، والعقاب: عذاب أليم، ليس في الٱخرة فقط، بل في الدنيا والآخرة معا. لنسرح بخيالنا قليلا؛ ما هي حدود العذاب الأليم في الدنيا والآخرة؟! معلوم أن الجزاء من جنس العمل، فهل يقبل أحدنا أن تكون الفاحشة عنده هو؟! في شخصه أو في أسرته، أو أبنائه؟! بالطبع لا.. فلنلتزم بميثاق الشرف الذي تحدده الٱية الكريمة. أما الآية الشريفة من سورة الحجرات، والتي تقول: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ"، فتحذر من سوء الظن والتجسس والغيبة، وهي أمراض مجتمعية ابتلينا بها، يكاد لا يسلم منها إلا أقل القليل. إننا بحاجة ماسة إلى تطبيق لائحة شرف يقوم على وضعها إعلاميون وقانونيون وعلماء الدين، وتربيون، وعلماء النفس والاجتماع.. وتشرف على تطبيقها وضمان عدم الخروج عليها الهيئات الرسمية والنقابات في الصحافة والإعلام والداخلية والمؤسسة الدينية.. وأولا وأخيرا الأسرة! كفانا نبشا للقبور، ولنرتفع بحواراتنا، ونترفع عن الشتائم، والحديث فيما لا يعنينا. ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

«خروج العرب من التاريخ»: قراءة فى كتاب مُهم «2»
«خروج العرب من التاريخ»: قراءة فى كتاب مُهم «2»

الدستور

time١٥-٠٤-٢٠٢٥

  • الدستور

«خروج العرب من التاريخ»: قراءة فى كتاب مُهم «2»

قدّمنا فى مقال سابق لكتاب مهم، بل بالغ الأهمية، هو كتاب «خروج العرب من التاريخ»، للمفكر والعالم الاقتصادى التقدمى د. «فوزى منصور»، الذى رحل عن دنيانا عام 2014 عن عمر يناهز 87 عامًا، بعد أن أثرى الحياة السياسية والأكاديمية والعمل الوطنى بعطاءٍ رفيع المستوى، يأتى فى صدارته هذا الكتاب، الذى يُمكن اعتباره تشريحًا بالغ الصدق والشمول لأوجاع وأدران الوطن العربى، وضع فيه المؤلف يده على سبب البلاء، وأس الجراح، وأيضًا سُبل الشفاء، ووسيلة علاج عالمنا العربى من أوجاعه ونكباته. والميزة الأساسية للكتاب هى جرأته فى طرحه التساؤلات الجوهرية الماسّة بالواقع الراهن المُتدهور، وبما يدفع إلى التفكير بعمق فى وضع الأمة العربية الحرج وفى آفاق مستقبلها. فضلًا عن تحليله الجرىء الصارم لأسباب التخلّف الذى حاصرنا، وعناصر الجمود التى كبّلت أوطاننا، بهدف تنوير الرأى العام بطبيعة التحديات الكبرى التى تواجه المنطقة العربية، مُضمنًا رؤاه دعوة حارة لإحداث تطوير فكرى شامل لأوضاعنا، وبما يجعلنا قادرين على تغيير أحوالنا إلى الأفضل، وتحريك واقعنا الجامد فى مختلف المجالات. وتعبير «الخروج من التاريخ» فى عُرف الكاتب الكبير لا يعنى الموت الإكلينيكى وانزياح المجموعة الإنسانية الكامل من الوجود، إذ يكفى لأمة أن تفقد السيطرة على إدارة شئونها، وتترك «المقادير» تتلاعب بوجودها ومصيرها، وتدع الآخرين يرسمون لها خطوط مسيرتها، ويُديرون لمصلحتهم أمور حياتها، حتى تفعل الأيام بها مفاعيل «الخروج من التاريخ»، إذ يجرى تهميش وجودها، وتكبيل حركتها، وإجبارها على تنفيذ الأوامر والتعليمات، التى لا تخدم بالأساس سوى أعدائها، فتتحول إلى كيان مفعول به، بلا إرادة أو مقدرة.. مُتلقى لا فاعل، تُحركه الرياح الخارجية حيثما تشاء دونما قدرة على الاعتراض. فما هى أسباب وملامح حالة «الخروج من التاريخ» إذن، كما يراها المؤلف؟!. يُشير المؤلف إلى الواقع المُتَخَلِّف من إرث المرحلة الاستعمارية التى تركت آثارًا سلبية بالغة العُمق على البنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للدول العربية كافة، كسبب رئيسى فى بؤس أحوالها الراهنة، ويرصد مجموعة من الملامح، تصف حالة «الخروج من التاريخ»، أبرزها ظاهرة التخلّف الحضارى الشامل على أغلب الأصعدة: الاقتصادية والتكنولوجية والفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية، الأمر الذى قاد إلى سيطرة الجمود الفكرى عليها، وكرَّسَ غياب التفكير النقدى المُستقل، لصالح ما يُمكن تسميته بـ«عبادة الماضى»، والاعتماد على الأفكار الجاهزة والموروثات البالية دون تمحيص، مما شلَّ القدرة على فهم الواقع والتكيُّف معه، والنجاح فى الانتصار على تحدياته. ويعتبر الكاتب أن الاستبداد الفكرى والسياسى، وغياب الديمقراطية وتجاوز الإرادة الشعبية، تمثل عائقًا أساسيًا أمام التقدّم والتطوّر، ويولى اهتمامًا مُستحقًا لدور الأنظمة السياسية، الحاكمة والمُتَحَكِّمة، فى الواقع العربى، فى تكريس التخلّف، وقمع الحريات، وإضعاف المؤسسات، ومنع تطبيق القانون، وإعاقة المشاركة الفعّالة للمواطنين فى صنع القرار. كما يرصد دور حالة التشرذم، والانقسام، والضعف التى تعانى منها الدول العربية، وتجعلها عاجزة عن مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية، وتزيد من تبعيتها للقوى الكبرى، على المستويات كافة «سياسيًا، واقتصاديًا، وثقافيًا»، الأمر الذى أضعف الهوية العربية المُستقلة، وجعلها أكثر هشاشة فى مواجهة رياح «العولمة» والتغريب، وأدى إلى تقويض القدرة على بناء مسار ثقافى وتنموى ذاتى ومُستقل. واعتبر المؤلف أن التخلّف العلمى والتكنولوجى، والتأخر المزرى فى أوضاع التعليم الحديث والبحث العلمى المُتقدم، فى بلادنا، إحدى أبرز علامات «الخروج»، بالنظر إلى القفزات الهائلة التى قفزتها هذه المجالات فى العقود الماضية. وأضاف، إلى ما تقدم من عوامل، عناصر أخرى لا تقل سلبية على الواقع العربى، منها الصراعات والحروب ومسلسل الاقتتال الأهلى، والتطرّف الدينى، والإرهاب العقائدى، والصراعات العرقية والتوترات المذهبية، «والتى شاهدنا آثارها المدمرة فى السودان وليبيا وسوريا واليمن وغيرها من البلدان العربية»، وكذا الإفراط فى الاعتماد على النفط فى الدول البترولية كمصدر أوحد للدخل، وانتشار الفساد والمحسوبية وسوء الإدارة، وتردى أوضاع التعليم والصحة.. إلخ. ويضع الكاتب ما يُشبه «الروشتة العلاجية» لأحوال مجتمعاتنا، ولاستعادة دورها التاريخى الضائع، ولـ«رجوعها إلى التاريخ»، قبل فوات الأوان، فى مقدمة بنودها وجوب القيام بـعملية «إصلاح شامل وعميق» تطال جميع جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والإسراع فى بناء دولة القانون والمؤسسات، المُرتكزة على سيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان، وتعزيز دور المؤسسات المستقلة، والسعى الجاد من أجل تفعيل المشاركة الشعبية وتحقيق الديمقراطية كشرط أساسى للتقدم والتطور، كما يُلح فى الدعوة إلى الاستثمار فى التعليم والبحث العلمى والابتكار التكنولوجى لبناء قاعدة معرفية قوية، تستند إليها أوطاننا فى سعيها لتخطى واقعها الحرج الراهن. ثم يُضيف الدكتور «منصور» عاملًا آخر بالغ الأهمية، لعله الآن يبدو شديد الإلحاح أكثر من أى وقت مضى، لمقاومة ما يُحيط بالأمن الوطنى والقومى من تهديدات ومخاطر، هو تعزيز الوحدة والتكامل العربيين، حيث يرى أن تجاوز حالة التجزئة، والعمل على تحقيق قدر من التكامل والتعاون العربى هو ضرورة لمواجهة التحديات المشتركة واستعادة الدور الفاعل فى العالم.

شريان اسمه «اللى ما يتسماش»
شريان اسمه «اللى ما يتسماش»

المصري اليوم

time١٨-٠١-٢٠٢٥

  • المصري اليوم

شريان اسمه «اللى ما يتسماش»

وُلد فى لانكشاير عام ١٨٩٥ فى إنجلترا، وغادر دنيانا عام ١٩٥٩ فى ظروف غامضة، دفع حياته ثمنًا لإنقاذ العالم. عمل فى البحرية البريطانية، الإعلام، المخابرات الأمريكية ثم الكندية. اطّلع وجمع أخطر الوثائق. هناك شريان فى جسم الإنسان لم نجد له اسمًا يصفه أو يناسبه، فأطلقنا عليه «اللى ما يتسماش» innominate artery. كذلك هناك أناس لا أجد لهم وصفًا ولا اسمًا فأطلقت عليهم «اللى ما يتسموش». عرف هذا البريطانى أن هؤلاء «اللى» هم وراء الشيوعية للقضاء على الأديان والمثل العليا، كما أثبت بالوثائق أنهم كانوا وراء الثورتين الإنجليزية والفرنسية، كما موّلوا بونابرت وإخوته الأربعة بالمال، كما كانوا وراء الحربين العالميتين الأولى والثانية ويعدّون لحرب عالمية ثالثة. ثمارها بعد الفرن النووى: مليار ذهبى سيكون مختبئًا فى مدن تحت الأرض مثل سويسرا المحايدة، كاليفورنيا البعيدة غربًا. عالم جديد: لا أديان، لا رجال دين، فقط أسياد وعبيد، وإن «اللى» يحكمون العالم والباقى خدم عبيد. يحدثنا الضابط البريطانى كيف كان تشرشل، ويلسون، روزفلت، لويد جورج، كليمنصو، pawns ومعناها أحجار صغيرة لا تتحرك إلا خطوة واحدة فى لعبة مشهورة ومعروفة بيد مَن يحركها. عرضت الوثائق الـ٢٤ فى مؤتمر ١٨٩٧ الشهير. داهم البوليس الروسى المؤتمر واستولوا على وثائق «اللى»، كانت صدمة للعالم ساعة الكشف عنها. منها تقديم المساعدات حتى يبقى الطرفان المتحاربان تحت رحمتهم، نشر الفساد، ثورات العميان، نشر الطائفية، الصراعات الدينية، استنزاف الأرض الزراعية للصناعة، المناصب الخطيرة، استقطاب الموهوبين أو القضاء عليهم.. إلخ. أعلن صاحب مؤتمر ١٨٩٧ عن سرقة الوثائق وقال: ذيوعها يُعرِّض «اللى» لشر النكبات. يقص علينا هذا الإنسان العظيم، اللى آخر اسم من اسمه كأنّه سيّارة، كيف صدرت الأوامر لفاتح القدس بطرد الأتراك واحتلال أرض اللبن والعسل، فأصبحت الأرض الواطئة تحت وصاية العم جان بول. المؤسف أن العرب ساعدوا «اللنبى» على ذلك، طلب جماعة «اللى» تشكيل لجنة منهم فى أرض اللبن والعسل، فتم لهم ذلك فى مارس ١٩١٨، أى بعد انتهاء الحرب بخمسة أشهر. كان لليبوسيين، وهم عرب، تل اسمه sahsoun، أخذته جماعة «اللى» ونسبته لنفسها. كما كان لسكان كنعان نجمة سداسية أخذتها جماعة «اللى» ونسبتها لنفسها. كما أخذوا حِكَم «أمين موبى» الحكيم المصرى وجعلوها شابتر الأمثال، كما أخذوا أناشيد إخناتون وقصة الأخوين «جيمس هنرى برستد». يُحدثنا شهيد الحق كيف فى الوثائق يرهقون الدول بالديون مع إفقار وتجويع الشعوب المظلومة. هم يتحدثون والحكومات تسمع. ويقول كيف كان هذا القائد أكثر القادة فهمًا لهم ووعيًا لما يخططونه لدمار العالم، وكيف أثاروا ألمانيا ضد أوروبا وأوروبا ضد ألمانيا حتى قامت الحرب التى التهمت ٥٥ مليون نسمة. والعجيب أن الوثائق جاء بها: سويسرا حيادية لأن بها أموالهم، «اللى ما تتسماش» حيادية إذا قامت الحرب النووية. إنها الحرب الأخيرة التى يخططون لها حتى تصبح سيادة العالم لهم. «اللى» تقول: سوف نضحى بالآلاف منا ولا يجب أن نقيم وزنًا لأى تضحية فى سبيل هدفنا النهائى: السيادة على العالم. سوف نحاكم قادة المعسكرين كما فعلنا فى محاكمات نورمبرج. يحدثنا هذا الضابط (و. ج. ك) كيف يستخدمون جماعات لتدمير أوطانهم تحت شعارات دينية. وقد شرح هذا بالتفصيل روبرت دريفوس فى كتابه «لعبة الشيطان» واستخدام أمريكا لهم. ويذكر كيف أن رئيس الجماعة الإرهابية فى المغرب كان فرنسيًا اعتنق الإسلام. هذا الضابط أخذ يعمل، يجمع من ١٩١١ حتى ١٩٥٠، وكانت الطبعة الأولى مما كُتب عام ١٩٥٨، فكان الزلزال العظيم. أ. مجدى كامل ترجم هذا الكتاب ترجمة رائعة. أخيرًا، قد تجدون صعوبة فى هذه المقالة للإيجاز والمجاز، ولكنى لست وحدى، فقد عبر عنى أبوالعلاء المعرى: «لا تُقيِّد علىَّ لفظى فإنى.. مثل غيرى تكلُّمى بالمجاز».

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store