logo
خالد الفيصل وسُلْمَتي في كتفه

خالد الفيصل وسُلْمَتي في كتفه

عكاظمنذ 17 ساعات
لكل علاقة إنسانية مع الشخصيات أدبيات. منها طريقة السلام والتحيّة، ومن الأدبيات ما هو عُرف اجتماعي (كلاسيكي)، ومنها ما هو بروتوكولات تفرضها دبلوماسية التعامل مع الداخل والخارج في الاستقبال والسلام والجلوس والزيّ وغيره؛ ومن الأشخاص من له حقّ تقبيل رأسه تقديراً، وهناك من تُقبّل كفه بِرّاً ومكافأةً وإحساناً، وهناك من يشمخ برأسه تفادياً للسُّلمة، وهناك من يدنّي برأسه ليتلقاها وسط الجبهة، وبرغم أن بعض موظفي المراسم، يؤكدون على مسامع الزائرين الذين يلتقون بمسؤولين بأن (السلام مصافحة) إلا أن الزائر أو المراجع لا يتورّع عن تقبيل الوجه أو الكتف، تعبيراً عن مكنون التبجيل، ومخزون المحبّة.
وللأمير خالد الفيصل شخصية فذّة ونموذجية، وله فضل في كثير من إنجازات تنموية وفكرية وثقافية؛ منها التنبيه على خطر الفكر الظلامي؛ وكان من أوائل المُتصدّين له؛ إضافةً إلى أنه رجل تنمية بامتياز؛ وعندما نسّقتُ منذ عقدين مع المسؤولين في مكتبه لإجراء حوار معه لصحيفة الحياة؛ إبان إمارته في منطقة عسير، تمّت موافقة (أبو بندر)، إلا أن مكتب العلاقات العامة في الإمارة لم يُبلغني، وأنا أستعد لالتقاط الصور مع الأمير خالد، إنه لا يُحبّذ التقبيل في كتفه ولا خدّه، وربما كان هذا نابعاً من تواضعه، ومعرفته قدر نفسه لا عُلوّاً ولا تأفّفاً.
دخلتُ مكتبه بمفردي، وقام الأمير ليصافحني، وأنا جريّاً على المتعارف عليه، طبعتُ سُلْمةً على كتفه، فقال فوراً؛ نسمح لك هذه المرّة كونك أوّل زيارة تزورنا! فتغيّر لوني، واحتقن الدم في وجهي، وشعرت بحرج، وبالكاد استعدتُ رباطة جأشي، وبذكاء فطري، بدأ يسألني أسئلة خاصةً وعامةً، ومع كل إجابة، يتبسّم بوجهه الوضيء، وكأنه يمتص ردة فعلي المُحرجة، وينقلني من الحالة التي مررت بها، إلى حالة نفسية أفضل.
انتهى الوقت المخصص للتصوير، وهممتُ بالمغادرة، فقال؛ يا علي لا تروح عندنا اجتماع مع رئيس هيئة السياحة الأمير سلطان بن سلمان، ودخلتُ معهم قاعة الاجتماعات، وجلستُ في كرسي بعيد نوعاً ما عن المشاركين، فطلب مني الانتقال والجلوس على يمين الأمير سلطان بن سلمان، وكان يتحاور مع الجميع، ويُشركني في الحوار، ولعله كان يخصني بالنظر أكثر من غيري.
وعندما انقضى الاجتماع، قال إن شاء الله تحضر بعد المغرب جلستنا الأسبوعية، وأوصى أحد الحاضرين أن يمرني في الفندق ونذهب لقصره سويّاً، وخرجتُ لحظتها وفي ذهني الكثير من الأسئلة والأفكار حول هذه الشخصية الوطنية المتميّزة إدارياً وأدبيّاً وفنيّاً، وكم تحدثتُ مع أصدقاء عن مطالع قصائد (دايم السيف) التي تتضمّن غالباً بيت القصيد.
وبالفعل حضرنا بعد العِشاء، واستقبلنا الأمير، وجلسنا على مائدة العشاء، وكنتُ صدفةً في ركن الطاولة المحاذية لطاولة الأمير وضيوفه، وكان حديث الضيوف العرب والسعوديين عن استحقاقات المرأة، وبعض الإصلاحات المطروحة حينها للنقاش المجتمعي؛ ولعلّ الأمير لاحظ انشغالي بحديثه مع الضيوف أكثر من اهتمامي بالأكل، وبعدما وقف الأمير في الصالة لتوديع الجميع، ودارت القهوة، وأنا أصافح الأمير؛ شدّ يدي؛ وقال؛ اللي سمعته على العشاء ليس للنشر.
وفي صبيحة اليوم التالي؛ لمحني الأمير خالد وهو يغادر قاعة الاحتفال بالفائزين بجائزة أبها ذلك العام، أنا وآخرين في الصف الثالث من جهة الممر الذي يسلك، فصبّح علينا رافعاً يده بالتحيّة، فقلتُ له؛ طال عمرك الحوار منشور في صحيفة الحياة عدد اليوم، فقال وهو يتبسّم، الآن أعود للمكتب وأشوفه.
هذا الاسترجاع لذكريات مضى عليها أكثر من عشرين عاماً، تزامن مع إصدار البريد السعودي بالتعاون مع إمارة مكة المكرمة طابعًا تذكارياً لمستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد بن فيصل بن عبدالعزيز، تقديرًا لإسهاماته في تعزيز التنمية الثقافية والاجتماعية، ليكون جزءاً من سلسلة الطوابع التذكارية، وقالت لي نفسي، أو قلتُ لها، إنّ من الوفاء الكتابة عن جانب من جوانب شخصية لها أثر في نفوس الأصفياء والأنقياء، وبصمة في كتاب العطاء، وشجن في وجدان المغرمين بمسامرة الأخلّاء، والقيادة السعودية، تحفظ حق ومكانة كل من عمل لهذا الوطن بحُبّ وإخلاص وإجادة، وذلك ديدن الأمير خالد الفيصل.
ما أكتبه هنا، ليس حديثاً نرجسيّاً عن ذاتي، بل شهادة إنصاف بحقّ أمير مسؤول جدير بمهام عمله، ومُثقّف عالي الهمّة ينتقل من منجز إلى آخر، وصاحب فراسة لا تخيل، ومهذّباً روحاً ووعياً؛ لا يقبل أن يتأذى منه أحد، ولو بحركة أو عبارة غير مقصودة، وخدم وطنه وقيادته طيلة ستين عاماً ولم يزل، فشكراً لمن كتب لهذا الكيان أعذب الكلام، وأقام للفكر العربي أعرق مؤسسة، وأطلق من عسير أحدث صحيفة، وخص أبها بأثمن جائزة، ويظلّ سجلّه خالداً لأنه خالد.
تلويحة؛ مدرسة آل سعود من أرقى مدارس الحُكم في العالم، فالإنسانية لديها أوّلاً ودائماً، وهذا سر ارتباطنا العاطفي والموضوعي بحُكّامنا وولاة أمرنا.
أخبار ذات صلة
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

حزب الله العراقي يؤكد رفضه نزع سلاح الفصائل
حزب الله العراقي يؤكد رفضه نزع سلاح الفصائل

العربية

timeمنذ 21 دقائق

  • العربية

حزب الله العراقي يؤكد رفضه نزع سلاح الفصائل

انتقد حزب الله العراقي، على خطى نظيره اللبناني ، المطالبة بنزع سلاح "فصائل المقاومة تحت ذرائع واهية، سواء في العراق أو في لبنان"، وفق وصفه. وأكد في بيان، اليوم الجمعة، أنه يرفض نزع سلاحه وسلاح الفصائل المسلحة، مشدد على أن "مقاومة المحتلّين وردع المعتدين حقٌّ مشروع تكفله القوانين والشرائع". "صمام أمان" كما اعتبر أن هذا السلاح "صمّام أمان، ودرع الحصين في الدفاع عن الأعراض والمقدّسات والأرض"، حسب تعبيره. بل دعا إلى "دعم ترسانة المقاومة (في إشارة إلى الفصائل المسلحة) بالأسلحة المتطوّرة، وتعزيز إمكاناتها الفنية، ورفع قدراتها الدفاعية والتدميرية، لبلوغ أعلى درجات الجهوزية والاستعداد، لمواجهة أيّ تهديدٍ يطال البلاد والعباد". أتى ذلك، بعدما أكد أمين عام حزب الله اللبناني أيضا بوقت سابق اليوم أنه لن يسلم سلاحه، ملوحا بحرب أهلية ومواجهة وفتنة. كما جاء بعد يوم من زيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني إلى بيروت وبغداد قبلها، حيث شدد على حق "المقاومة" في الدفاع عن أراضيها. وكانت الحكومة العراقية شددت خلال الفترة الماضية على غرار الحكومة اللبنانية على أهمية بسط سيطرة الدولة على كافة الأراضي وحصر السلاح بيدها ومنع تفلت الأسلحة. علماً أن حزب الله العراقي منضوٍ ضمن فصائل الحشد.

بعد صدور أمر ملكي بترقيته إلى رتبة لواء.. السفيرة السعودية في واشنطن تقلد الملحق العسكري رتبته الجديدة
بعد صدور أمر ملكي بترقيته إلى رتبة لواء.. السفيرة السعودية في واشنطن تقلد الملحق العسكري رتبته الجديدة

مجلة سيدتي

timeمنذ 36 دقائق

  • مجلة سيدتي

بعد صدور أمر ملكي بترقيته إلى رتبة لواء.. السفيرة السعودية في واشنطن تقلد الملحق العسكري رتبته الجديدة

صدر الأمر الملكي الكريم بترقية الملحق العسكري بسفارة المملكة العربية السعودية لدى واشنطن وأوتاوا عبدالله بن خلف الخثعمي ، ب رتبة لواء ، وعلى إثر تنفيذ الأمر الملكي، قلدت الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان بن عبدالعزيز سفيرة خادم الحرمين الشريفين لدى الولايات المتحدة الأمريكية، بمقر السفارة في العاصمة واشنطن، الملحق العسكري بسفارة المملكة لدى واشنطن وأوتاوا اللواء الركن عبدالله بن خلف الخثعمي رتبته الجديدة. وهنأت الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان بن عبدالعزيز اللواء الخثعمي بالثقة الكريمة، متمنية له التوفيق والسداد في عمله، بدوره أعرب اللواء عبدالله بن خلف الخثعمي عن اعتزازه بالثقة الملكية الكريمة، داعيًا الله أن يحفظ المملكة وقيادتها الحكيمة.

طلقات التجويع سوابق تاريخية غير مجدية
طلقات التجويع سوابق تاريخية غير مجدية

العربية

timeمنذ 2 ساعات

  • العربية

طلقات التجويع سوابق تاريخية غير مجدية

في قطاع غزة، تتكشف فصول مأساة إنسانية يومية على مرأى ومسمع العالم. لا يقتصر الأمر على سقوط القذائف التي تودي بحياة الأبرياء والأطفال والنساء وكبار السن والعزل وهم في منازلهم، أو وداع الأهل لأبنائهم للبحث عن لقمة العيش والأكل دون يقين بالعودة، بل يتجاوز ذلك إلى سياسة التجويع الممنهج التي يستخدمها الاحتلال الإسرائيلي حيث تحول الغذاء، وهو أبسط حقوق الإنسان وضرورة بقائه، إلى سلاح فتاك يُستخدم ضد الشعب الفلسطيني. هذه السياسة الإجرامية لا تهدف فقط إلى معاقبة جماعية، بل إلى إخضاع الشعب وكسر إرادته، أو دفعه نحو النزوح القسري، وفي النهاية، الإبادة. للسيطرة الكاملة على قطاع غزة وتهجير سكانه أو قتلهم، لتصبح هذه أكبر كارثة في زمننا المعاصر، إبادة شعب وطمس هويتهم ومحاولة نفيهم من الأرض ومصادرة حق شعب كامل. فعندما يصبح الجوع سياسة ممنهجة، يحوّل المدنيين إلى ضحايا مباشرين، ويستخدم معاناتهم أداة للمساومة والضغط، لتحقيق أهداف غير مشروعة وغير شريفة. ولعل سياسة التجويع كسلاح حرب ليست ظاهرة حديثة، بل ممارسة وحشية تعود إلى قرون مضت. فالتاريخ يستحضر أمثلة فادحة تذكرنا بفظاعة هذه السياسة، من ضمنها كارثة الهولودومور في أوكرانيا عام 1932 -1933 حيث فرض النظام السوفييتي حصارًا على أوكرانيا وصادر الحبوب بشكل ممنهج، مما أدى إلى مجاعة كبرى أودت بملايين الأشخاص. هذه السياسات الستالينية، التي أيدها لازار كاغانوفيتش الصديق المقرب لستالين، وكانت سببًا في وفاة نحو 4 ملايين شخص، دفعت الأوكرانيين إلى ممارسات مروعة لدرجة أكل جثث موتاهم بحثًا عن أي مصدر للبقاء. كذلك مجاعة البطاطس الأيرلندية الكبرى عام 1845-1852على الرغم من أن هذه المجاعة بدأت بسبب آفة طبيعية بحسب بعض الروايات، فإن سياسات الحكومة البريطانية آنذاك، التي منعت تصدير الغذاء من أيرلندا، تركت الملايين يواجهون الموت جوعًا. ما جعل كثيرين يعدون هذه السياسات تجويعًا متعمدًا لأغراض سياسية واقتصادية، وأدى إلى وفاة مليون شخص وهجرة مليون آخر. هذه السوابق التاريخية والأحداث، تظهر أن سياسة التجويع المتعمد لأغراض سياسية وعقدية واقتصادية ليست مجرد سياسة همجية، بل جريمة ضد الإنسانية، تتكرر فصول مأساتها وضحاياها عبر التاريخ. وأثبتت السوابق التاريخية أن هذه السياسات، التي أودت بالملايين وشردت مثلهم، لم تنجح في محو الشعوب من أراضيها. بل على العكس، زادتهم إصرارًا على البقاء، وكسرت شوكة من حاولوا تهجيرهم، وجعلت من هذه الكيانات والقائمين عليها وصمة عار ولعنة في صفحات التاريخ. وما يحدث في غزة اليوم ليس سوى استمرار لهذا النمط الوحشي. فالكيان الإسرائيلي يستخدم سياسة التجويع كأداة ضغط على الفلسطينيين والعرب لقبول التهجير القسري، وتضعهم أمام خيارات مستحيلة، إما النزوح أو الموت جوعًا أو القتل. ولم يدرك هذا الكيان أن مغامراته الهمجية في قتل الأبرياء وحصارهم قد عرته أمام العالم، وجعلته والشعوب أكثر اصطفافا مع قضية فلسطين العادلة، وجعلت من إسرائيل كيانًا منبوذًا ومثالًا على الاعتداء والهمجية أمام شعوبهم والعالم، وهذا ما كانت نتيجته واضحة في اعتراف بعض الدول بفلسطين كدولة لها حق العيش بسلام وكرامة وحرية. كذلك كشفت عن ازدواجية المعايير لدى شعوب بعض الدول الأوروبية الداعمة له، ووضع هذه الحكومات أمام اختبار صعب في منظومة القيم والمصالح والحقوق الإنسانية والحرية التي لطالما تحدثوا بها أمام شعوبهم، التي بدورها بدأت بالاحتجاج على قرارات حكوماتهم الداعمة لإسرائيل، في الجامعات والمحافل الدولية والمناسبات. إن التاريخ يعيد نفسه، ليؤكد أن من يمارس هذه الجرائم سيلاحقه العار ولعنة التاريخ إلى الأبد.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store