
كامل إدريس.. من هو الدبلوماسي النوبي الذي يقود المرحلة الانتقالية في السودان؟
مباشر: في خطوة مفصلية على طريق إعادة تشكيل المشهد السياسي في السودان، أصدر رئيس المجلس السيادي الفريق أول عبد الفتاح البرهان، مرسوماً بتعيين الدكتور كامل الطيب إدريس عبد الحفيظ رئيساً للوزراء، وسط تحديات سياسية وأمنية واقتصادية معقدة تعيشها البلاد.
وينتمي إدريس إلى منطقة الزورات شمال مدينة دنقلا، في أقصى شمال السودان، حيث المجتمع النوبي الذي رفد السودان بعدد من الكفاءات الأكاديمية والدبلوماسية.
ويُعد إدريس من أبرز الوجوه السودانية ذات الحضور الدولي، وهو قانوني بارز وأكاديمي مشهود له، وسبق أن شغل مناصب رفيعة في الأمم المتحدة.
مسيرة دولية مرموقة
ولد إدريس عام 1954، وتلقى تعليمه العالي في كل من جامعة القاهرة ليحصل على بكالوريوس فلسفة، وجامعة الخرطوم ليسحل على ليسانس حقوق، قبل أن ينال الدكتوراه في القانون الدولي من المعهد العالي للدراسات الدولية بجامعة جنيف، إلى جانب عدة شهادات عليا في القانون والعلاقات الدولية من مؤسسات سويسرية مرموقة، بحسب موقع "الشرق".
والتحق إدريس بالمنظمة العالمية للملكية الفكرية عام 1982، وارتقى فيها حتى شغل منصب المدير العام، كما تولّى منصب أمين عام الاتحاد الدولي لحماية الأصناف النباتية، وعضوية لجنة القانون الدولي بالأمم المتحدة في فترتين متتاليتين، إضافة إلى عمله في السلك الدبلوماسي السوداني بدرجة سفير.
واشتهر بتمثيله لمجموعة الدول النامية في المحافل الدولية، ويتقن ثلاث لغات: العربية، والإنجليزية، والفرنسية. كما حاز على لقب أستاذ فخري في القانون من جامعة بكين.
وجه إصلاحي وسط العاصفة
وعين إدريس، الذي سبق أن خاض الانتخابات الرئاسية عام 2010 كمستقل في مواجهة الرئيس السابق عمر البشير، يُنظر إليه باعتباره محاولة لتقديم قيادة تنفيذية ذات خلفية قانونية وتقنية، قادرة على إعادة بناء مؤسسات الدولة وتعزيز الثقة الدولية بالسودان.
ويُذكر أن البرهان كان قد كلف في وقت سابق، بتاريخ 30 أبريل، الدبلوماسي دفع الله الحاج علي بمهام وزير شؤون مجلس الوزراء، والسفير عمر صديق بمهام وزير الخارجية، ضمن ترتيبات أوسع أعقبت استعادة الجيش لزمام السيطرة على العاصمة الخرطوم.
حمل تطبيق معلومات مباشر الآن ليصلك كل جديد من خلال أبل ستور أو جوجل بلاي
للتداول والاستثمار في البورصة المصرية اضغط هنا
تابعوا آخر أخبار البورصة والاقتصاد عبر قناتنا على تليجرام
لمتابعة قناتنا الرسمية على يوتيوب اضغط هنا
لمتابعة آخر أخبار البنوك السعودية.. تابع مباشر بنوك السعودية .. اضغط هنا
لمتابعة آخر أخبار البنوك المصرية.. تابع مباشر بنوك مصر .. اضغط هنا
ترشيحات
البرهان يُصدر مرسومًا بتعيين "كامل إدريس" رئيسًا للوزراء في السودان

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ ساعة واحدة
- Independent عربية
هل تعتمد ليبيا "تجربة رواندا" لنزع السلاح المتفلت؟
أكدت البعثة الأممية للدعم في ليبيا مساء الأحد أن المجلس الرئاسي بصفته القائد الأعلى للجيش الليبي، وبالتعاون مع البعثة "شكل لجنة هدنة برئاسة رئيس الأركان محمد الحداد بالبناء على التهدئة الهشة التي جرى التوصل إليها الأسبوع الماضي" بعد الاشتباكات التي شهدتها مدينة طرابلس. وشدد رئيس المجلس الرئاسي والقائد الأعلى للجيش الليبي محمد المنفي، على ضرورة العمل المشترك بين كل الأطراف العسكرية والأمنية لضمان عدم تكرار الأحداث الأخيرة والحفاظ على الأمن العام، مؤكداً أهمية دور المؤسسة العسكرية في حماية المواطنين وضبط الأوضاع بما يخدم مسار الاستقرار السياسي والأمني، وذلك إثر اجتماع للمجلس الرئاسي مع المبعوثة الأممية، هانا تيتيه، مساء الأحد، خصص لبحث سبل التعامل مع تداعيات التطورات الأخيرة التي شهدتها العاصمة طرابلس وإطلاق آلية لتثبيت الهدنة ودعم ترتيبات أمنية تفضي إلى تهدئة دائمة وتعزيز الاستقرار. وشهدت العاصمة طرابلس خلال الأيام القليلة الماضية اشتباكات مسلحة بين اللواء 444 التابع لحكومة "الوحدة الوطنية" برئاسة عبدالحميد وعناصر من جهاز الردع لمكافحة الجريمة والإرهاب الموالي للمجلس الرئاسي الذي يقوده محمد المنفي، أعمالاً مسلحة أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى وتدمير في الممتلكات الخاصة والعامة. نزع السلاح وللتخلص من الميليشيات المسلحة في ليبيا التي يناهز عددها 300 ميليشيا، في حين يصل عدد قطع السلاح الموجودة خارج الشرعية الأمنية إلى 29 مليون قطعة وفق تقارير أممية، يرى مراقبون أن ليبيا باتت بحاجة إلى تطبيق "تجربة رواندا" التي تبنت برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج المعروف ببرنامج DDR. وأشرفت الأمم المتحدة على تنفيذ عدد من مهام نزع السلاح في دول عدة على غرار رواندا التي عاشت حرباً أهلية في تسعينيات القرن الماضي. ولضمان نجاح خطة حل الميليشيات في ليبيا، يقول المتخصص بالشأن العسكري العميد عادل عبدالكافي، إن "تحقيق هذا الهدف رهن الإرادة الدولية باعتبار أن برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج المعروف ببرنامج DDR، لا يمكن أن تنفذه إلا الأمم المتحدة، مؤكداً أن استقرار الدولة وأمنها هما نتيجة جمع السلاح وإدماج جميع التشكيلات المسلحة والأجهزة الأمنية التي تشكلت بعد انتفاضة فبراير (شباط) عام 2011، فهناك سلاح منتشر وانقسام عسكري داخل الأراضي الليبية أديا إلى حالة من التفلت عند الحدود الليبية". ويؤكد العميد الليبي لـ"اندبندنت عربية" أن أولى خطوات بناء الدولة تبدأ بعملية إعادة جمع الأسلحة وإدماج العناصر المسلحة، بمؤسسات الدولة، منوهاً بأن هذا الأمر يرتكز على عوامل رئيسة، أولها إعادة التأهيل وبخاصة للعناصر التي لم ترتكب جرائم حرب أو أسهمت في نهب المال العام، لأن هذا الموضوع من اختصاص القضاء وهو الذي يفصل في مثل هذه الأمور. عقد مصالحة ويرى أنه في الحال الليبية هناك بعض التشكيلات المسلحة التي فرضت نفسها على بعض الوزارات والوزراء، وتغولت في إدارات الدولة وأصبح لها صلاحيات، مستفيدة من قرارات شرعنتها الصادرة عن المجلس الرئاسي ووزارة الدفاع ووزارة الداخلية، وهو أمر ينطبق على الشرق والغرب والجنوب. ويقول عبدالكافي إن أولى الخطوات تكون عبر عقد مصالحة والجلوس مع قادة الميليشيات، ثم تُدمج العناصر الصالحون منهم في مؤسسات الدولة عبر إعادة تأهيل عناصرها من خلال الهيكلية الهرمية للجهاز الأمني أو القوات العسكرية، مضيفاً أن إعادة الإدماج تبدأ بعملية جمع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة من أجل أن يكون هناك تكوين لوحدات عسكرية وأمنية تعمل بمهنية بعيداً من سطوة السلاح، ويتابع "إذا قبل قادة هذه الميليشيات المسلحة وعناصرها الاندماج الفعلي بإدارات الدولة، سواء كانت أجهزة أمنية أو عسكرية، ثم خضوعهم لعملية إعادة التأهيل التي ستتولاها الأمم المتحدة، وقتها ستنتهي عملية انتشار السلاح وستتفكك هذه التشكيلات". عقبات ويقول المحلل السياسي إبراهيم لاصيفر إن عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج اللبنة الأولى لإحلال السلام والاستقرار في ليبيا، ويستدرك قائلاً إن عملية دخول السلاح إلى البلد بطريقة غير شرعية على رغم فرض حظر الأسلحة على ليبيا منذ عام 2011 وفق القرار رقم 2292، هي العقبة الكبرى أمام تطبيق برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج في ليبيا. ويؤكد أن عملية "إيرني" فشلت في تطبيق القرار رقم 2292 القاضي بفرض حظر توريد السلاح إلى ليبيا، إذ سبق ووجدت صواريخ "جافلن" في غريان خلال حرب قائد قوات الشرق خليفة حفتر على طرابلس عام 2019، موضحاً أن تركيا وروسيا متورطتان في تزويد أطراف الصراع الليبي بالسلاح وخرق قرار حظر توريد الأسلحة المفروض على ليبيا، معتبراً أن الذهاب نحو نزع السلاح لن ينجح في ظل استمرار دخول الأسلحة إلى ليبيا بطريقة غير شرعية. ويرى أن "عملية تذويب الميليشيات في ليبيا ضرورة حتمية ليس للعملية السياسية فقط، بل هي واجب إنساني يجب أن يتكفل به المجتمع الدولي، لأن السلاح في ليبيا معضلة دولية قبل أن تكون ليبية، فعملية نزع السلاح هي منظومة كاملة يجب تطبيقها بحذافيرها"، ورأى أنه "من المفترض أن تكون في سياق برنامج متكامل لا ضمن عملية جزئية أو نوعية، لأن أي خلل أو قصور قد يحول المشكلة إلى اجتماعية". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) المراحل ويقول لاصيفر إن عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج يجب أن تمر بثلاث مراحل مهمة، أولاها تطبيق قرار منع دخول الأسلحة إلى ليبيا لأن ما يحدث الآن وحتى مع قرار مجلس الأمن رقم 2292، القاضي بفرض حظر الأسلحة على ليبيا، ما هو إلا حبر على ورق، فتدفق السلاح لم يتوقف من خارج ليبيا إلى داخلها. أما المرحلة الثانية لنجاح برنامج نزع السلاح فتتمثل بإيجاد جسم تنفيذي عبر تشكيل حكومة غرضها الرئيس نزع السلاح وتكون لها قوات أمنية أقوى من هذه الميليشيات. ويتابع أن المرحلة الثالثة تتمثل في تغيير مهام بعثة الأمم المتحدة من بعثة للدعم إلى بعثة إدارة أزمة مثلما حدث في رواندا، وتكون البعثة الأممية مزودة بعناصر القبعات الزرقاء وهي قوات فض النزاع، تضبط العنف ويكون الحكم بيد قوة شرعية دولية. ويوضح لاصيفر أن "المجموعات المسلحة لا تعد فقط حاضنة مسلحة بل أصبحت حاضنة اجتماعية واقتصادية، فهناك أفراد من المجتمع الليبي تعتمد على هذه الميليشيات المسلحة، وليس لها مورد رزق سوى المرتب الذي تحصل عليه من العمل لصالح تلك المجموعات". ويوصي لاصيفر بمعالجة الآثار الاقتصادية والاجتماعية لحل هذه الميليشيات، بحيث يجب توفير بدائل وظيفية لعناصر هذه المجموعات المسلحة التي لا تصلح للالتحاق بمؤسسات الدولة مثل دعم المشاريع الصغرى وتنمية الاقتصاد، وهذه مشاريع يجب تمويلها من المجتمع الدولي. "فمن يقاتل في صفوف هذه الميليشيات هو من فئة الشباب العاطل عن العمل، لأن الدولة عاجزة عن استيعاب هذا الكم من الشباب، والقطاع الخاص غير منظم، الأمر الذي دفع كثيراً منهم للتوجه إلى هذه المجموعات المسلحة من أجل لقمة العيش، فما يجري في ليبيا ليس أمراً جديداً على العالم، والمجتمع الدولي نجح في احتواء هذه الظواهر في دول عدة، مثل أنغولا والبوسنة والهرسك ورواندا، وهو يملك الأدوات الضرورية لمعالجة هذا الأمر، لكن ما يحدث بالبلد هو ارتداد للانقسام الدولي حول ليبيا".

العربية
منذ 6 ساعات
- العربية
فيديو.. بدء دخول شاحنات المساعدات لغزة بعد توقف دام لـ3 أشهر
بدأت شاحنات المساعدات دخول قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم بعد توقف دام لـ 3 شهور. صور مباشرة لدخول شاحنات مساعدات لغزة بعد توقف دام لـ 3 شهور #أخبار_الصباح #قناة_العربية — العربية (@AlArabiya) May 20, 2025 وقال مراسل العربية والحدث إن المساعدات هي مخصصة للأطفال، على أن تليها مساعدات غذائية مختلفة. وكانت إسرائيل ومنظمة الأمم المتحدة أعلنت في وقت سابق أن عددا محدودا من شاحنات المساعدات الإنسانية دخلت إلى غزة للمرة الأولى بعد نحو ثلاثة أشهر من الحصار الإسرائيلي الكامل ومنع دخول الطعام والأدوية وغيرها من الإمدادات. ودخلت خمس شاحنات تحمل مساعدات تشمل طعام أطفال إلى قطاع غزة الذي يبلغ عدد سكانه أكثر من مليوني فلسطيني عبر معبر كرم أبو سالم، وفقا للهيئة المسؤولة عن تنسيق المساعدات إلى غزة بالجيش الإسرائيلي (كوجات). ووصفت الأمم المتحدة دخول المساعدات بأنه " تطور مرحب به" لكنها قالت إن هناك حاجة إلى المزيد من المساعدات لمعالجة الأزمة الإنسانية. وكان خبراء الأمن الغذائي قد حذروا في الأسبوع الماضي من حدوث مجاعة في غزة. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في وقت سابق إن قراره استئناف إدخال مساعدات "أساسية" محدودة إلى غزة جاء نتيجة ضغوط من الحلفاء، الذين قالوا إنهم لا يستطيعون دعم الهجوم الإسرائيلي الجديد إذا كانت هناك "صور جوع" تأتي من الأراضي الفلسطينية. وقال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة الطارئة توم فليتشر إن الشاحنات القليلة هي "قطرة في المحيط" من ما هو مطلوب بشكل عاجل. وأضاف أن أربع شاحنات إضافية من الأمم المتحدة حصلت على تصريح بدخول غزة. وخلال وقف إطلاق النار، كانت 600 شاحنة مساعدات تدخل يوميا إلى غزة. وأضاف فليتشر أنه نظرا للوضع الفوضوي على الأرض، فإن الأمم المتحدة تتوقع أن يتم نهب أو سرقة المساعدات. وحث إسرائيل على فتح معابر متعددة في شمال وجنوب غزة للسماح بتدفق منتظم للمساعدات. وبعد إعلان إسرائيل دخول أولى الشاحنات إلى غزة، أصدرت كل من المملكة المتحدة وفرنسا وكندا بيانا مشتركا شديد اللهجة وصفت فيه المساعدات بأنها "غير كافية تماما". وهددت الدول الثلاث بـ"إجراءات ملموسة" ضد إسرائيل، بما في ذلك فرض عقوبات، بسبب أنشطتها في غزة والضفة الغربية المحتلة، ودعت إسرائيل إلى وقف عملياتها العسكرية الجديدة "المشينة" في غزة. بدوره، أدان نتنياهو البيان المشترك ووصفه بأنه "جائزة كبيرة للهجوم الإبادي على إسرائيل في 7 أكتوبر". وخلال عطلة نهاية الأسبوع، شنت إسرائيل موجة جديدة من العمليات الجوية والبرية في أنحاء غزة، وأمرت الجيش بإخلاء ثاني أكبر مدنها، خان يونس، حيث خلفت عملية عسكرية ضخمة سابقة في إطار الحرب المستمرة منذ 19 شهرا معظم المنطقة في حالة خراب. وتقول إسرائيل إنها تضغط على حركة حماس للإفراج عن الرهائن المتبقين الذين اختطفوا في هجوم 7 أكتوبر 2023 الذي أشعل الحرب. فيما أعلنت حماس أنها ستفرج عنهم فقط مقابل وقف دائم لإطلاق النار وانسحاب إسرائيلي. وكرر نتنياهو الاثنين أن إسرائيل تخطط للسيطرة على كامل قطاع غزة. وأضاف أنه سيشجع ما وصفه بالهجرة الطوعية لمعظم سكان غزة إلى دول أخرى، وهو أمر رفضه الفلسطينيون بشدة.


Independent عربية
منذ 9 ساعات
- Independent عربية
كيف أضاع الأسد فرصة الحوار مع إدارتي ترمب وبايدن؟
كان لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب برعاية وحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الرياض نقطة انعطاف في العلاقات بين واشنطن ودمشق، إذ حقق الشرع خلال ستة أشهر ما عجز رئيس النظام السابق بشار الأسد عن تحقيقه خلال ربع قرن. يكشف تحقيق لـ"المجلة" استناداً إلى وثائق ومحاضر اجتماعات ولقاءات مع مسؤولين غربيين وإقليميين، أن الفرصة أتيحت أكثر من مرة للأسد كي يرفع مستوى الحوار مع البيت الأبيض خلال الولاية الأولى لترمب بين 2017 و2021 وولاية الرئيس السابق جو بايدن بين 2021 و2025، لكنه فوّت فرصاً عديدة عليه إذ إنه خيب الوسطاء من قادة ومسؤولين عرب وإقليميين، حاولوا فتح نوافذ له قبل سقوطه نهاية العام الماضي. وجرت المحاولة الأخيرة للحوار بين البيت الأبيض ودمشق قبل أيام من هروب الأسد إلى موسكو في 8 كانون الأول (ديسمبر) 2024، إضافة إلى الفشل الآخر في تجاهل وساطة الرئيس فلاديمير بوتين لجمع الأسد مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. مفاوضات زمن ترمب في عام 2017 بدأت إدارة ترمب بإنشاء قنوات تواصل مع النظام السوري لإطلاق سراح الصحافي الأميركي أوستن تايس الذي اختفى في 2012، مع أن ترمب فكر في ربيع 2017 باغتيال الأسد لاستخدامه الكيماوي في خان شيخون بإدلب إلا أن وزير الدفاع آنذااك جيمس ماتيس عارض اغتيال الأسد، فجرى توجيه ضربات أميركية–بريطانية–فرنسية لمواقع استعمال الكيماوي التابعة للنظام. بعد ذلك، وجه ترمب رسالة إلى وزير الخارجية مايك بومبيو لفتح حوار مباشر للإفراج عن الصحافي الأميركي. وكان مدير الأمن العام اللبناني السابق اللواء عباس إبراهيم قال لـ"المجلة" إن السفير روجر كارستنس، مبعوث الرئيس الأميركي لشؤون المختطفين زار بيروت في ربيع 2020 طالباً فتح قناة مع مدير الأمن الوطني علي مملوك لبحث مصير تايس. وذهب إبراهيم والتقى مملوك لإقناعه بالحوار باعتباره ممثلاً لترمب. في هذا اللقاء وضعت دمشق شروط انسحاب القوات الأميركية ورفع العقوبات واستتئناف العلاقات التي تجمدت بعد سحب السفير روبرت فورد في 2012. وفي شهر أغسطس (آب) عام 2020، تواصل مساعد المبعوث الرئاسي الخاص لشؤون الرهائن ستيفن غيلين مع السفير بسام صباغ مندوب سوريا الدائم في الأمم المتحدة وطلب منه ترتيب لقاء بينهما. رفع صباغ الأمر إلى دمشق، فجاءت توجيهات الأسد بأن يجتمع معه، ويستمع إليه "على أن لا يعطيه أي موقف إطلاقاً". في اللقاء، فاجأ غيلين صباغ بأن كارستنس يرغب بترتيب زيارة سرية إلى دمشق واللقاء مع علي مملوك. كان محور اللقاء هو طلب مساعدة الحكومة السورية في تحديد مصير تايس. وفي ضوء اتصالات إبراهيم واقتراح صباغ، زار كارستنس ومساعد الرئيس الأميركي ومدير مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض كاش باتل دمشق في أغسطس 2020 واجتمعا مع مملوك في مكتبه بدمشق. وهذه ليست الزيارة الأولى لمسؤولين أميركيين، فقد سبقتها ثلاث زيارات مشابهة إلى دمشق خلال الأشهر والسنوات الماضية. في هذه الزيارة السرية، شرح المسؤولان الأميركيان أهمية تعاون دمشق مع واشنطن في هذا الملف وكيف سينعكس إيجاباً على بقية الملفات. وقال مسؤول غربي إن المسؤولين الأميركيين قالوا إنه في حال تم الحصول على أي معلومات عن تايس، فإن بومبيو يمكن أن يأتي إلى دمشق، ويعلن مواقف سياسية مهمة منها. وأضاف: "لم تكن بيد مملوك أي حيلة، فالتعليمات التي جاءته من الأسد كانت صارمة: لا نعرف أي شيء عن أوستن تايس وهو ليس بقبضتنا". وأضاف مصدر آخر: "لم يكن مجيء كارستنس وكاش إلى دمشق في ذلك الوقت بالأمر الذي يمكن الاستخفاف به، ولو كان الأسد يمتلك مؤهلات وصفات مناسبة، لكان قد استغل هذه الزيارة لمد الجسور وفتح قنوات التواصل مع إدارة ترمب. ولكنه ضيع هذه الفرصة الاستثنائية وذهبت أدراج الرياح، كما ضيع عشرات الفرص الأخرى فيما بلاده تتردى في مهاوي الكارثة". زمن بايدن وفي 2021، تجددت وساطة إبراهيم بطلب أميركي لمعرفة مصير تايس. وقال إبراهيم: "كان هناك طلب أن يتم تشكيل وفد لزيارة سوريا، إذ كانت السيدة ديبرا تايس، والدة أوستن، تضغط على الإدارة الأميركية لتحريك هذا الملف، وعقدت جلسة مع الرئيس بايدن، وبعد هذه الجلسة وعدها الرئيس وأعطى أمراً أمامها لكل مستشاريه لكي يعملوا بأقصى ما يستطيعون لحل هذا الموضوع". الأمر الذي فاجأ إبراهيم أن "الأسد رفض استقبال الوفد الأميركي". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) في 2022 تسارع قطار التطبيع العربي مع دمشق وأعيدت إلى الجامعة العربية. ويقول مصدر قريب من دمشق، إن إدارة بايدن، كانت تريد "فتح نوع من التواصل مع النظام، فأولاً، كانت الولايات المتحدة تدرك أن وجود قواتها العسكرية حول حقول النفط والغاز في منطقة الشمال الشرقي لسوريا أمر لا يمكن استمراره من دون أفق مفتوح لإنهاء هذا الوجود، ولكنها ترغب في ضمانات من الطرف السوري بأن انسحاب قواتها من هناك لن يؤدي إلى دخول الحرس الثوري وميليشيات الحشد الشعبي الموالية لإيران إلى تلك المنطقة. وثانياً، كانت الإدارة الأميركية تتعرض لضغوط كبيرة من أسر المفقودين الأميركيين في سوريا للبحث عنهم، والتحقق من مصيرهم، وربما إطلاق سراحهم في صفقة تبادل ما مع النظام السوري، فهي مقتنعة أنهم في قبضته رغم إنكار النظام الدائم لذلك". مر وقت قبل أن تقرر إدارة بايدن أن تعاود التواصل مع دمشق. في عام 2022 أرسل كارستنس معاونه إلى نيويورك ليقابل السفير صباغ. حاول إقناعه بفائدة التعاون في عدة ملفات، رفع صباغ الأمر إلى دمشق، فجاءه التوجيه بـ"عدم التعاون". صباغ الذي كان يريد فتح الأقنية "وجد موقف الأسد غريباً وغير مفهوم" لكنه اكتفى بنقل الرسائل. أما وزير الخارجية فيصل مقداد، فكان "يريد استغلال هذه الفرصة لفتح الأقنية مع بلد في حجم وأهمية الولايات المتحدة. ولكن بشار الأسد ارتأى غير ذلك، وتم صرف النظر عن الموضوع"، حسب تقرير كتب عن التفاصيل. القناة العمانية في أواخر عام 2022 اتصل سلطان عمان هيثم بن طارق، بالأسد وتحدث معه حول رغبة الأميركيين في فتح قناة للحوار، وشرح أهمية "إبقاء باب الحوار مفتوحاً حتى بين الدول المتناحرة سياسياً، ورغم أن عقلية بشار الأسد التي كانت تتسم بالعناد الشديد وضيق الأفق (...) فقد كان من الصعب على الأسد أن يرفض طلباً لسلطان عمان، فوجد نفسه مضطراً للموافقة". أبلغ سلطان عمان الطرف الأميركي بموافقة السوريين على اللقاء معهم سراً في مسقط، واتفق الجانبان عبر الوساطة العمانية على أن يحدد كل جانب النقاط التي يرغب في مناقشتها في جدول الأعمال من دون أن يحق للطرف الآخر الاعتراض عليها. ولم يبق إلا الاتفاق على أعضاء الوفدين. أبلغ الجانب الأميركي العمانيين أن وفدهم سيكون رفيع المستوى، وسيرأسه بريت ماكغورك نائب مستشار الرئيس الأميركي السابق المكلف بشؤون الشرق الأوسط. كما سيضم جوشوا غيلتزر وهو أيضاً يشغل منصب نائب مساعد الرئيس الأميركي السابق لشؤون الأمن القومي، إضافة إلى خمسة أعضاء آخرين من جميع المؤسسات الأميركية، أي وزارة الخارجية، وزارة الدفاع، وزارة الأمن الوطني، وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه). كان من الطبيعي أن يتوقع الأميركيون أن يرسل السوريون وفداً رفيع المستوى، كأن يضم رئيس جهاز الاستخبارات السورية ونائب وزير الخارجية أو مستشار الرئيس أو أحد كبار قادة الجيش. وجاء قرار الأسد بأن يكون الوفد السوري برئاسة السفير عماد مصطفى (الذي عين مديراً للمعهد الدبلوماسي بعد عودته من منصبه كسفير في الصين بعد عمله سفيراً في واشنطن) وعضوية شخصين من الأجهزة الأمنية السورية، هما العميد سامر بريدي والعميد ماجد إبراهيم. يقول مسؤول غربي: "كان الاختيار مفاجئاً لمسقط وواشنطن بكل المقاييس. فلم يكن هناك تكافؤ أو تناسب بين مناصب أعضاء الوفد السوري ومناصب أعضاء الوفد الأميركي الدولة العظمى في العالم". استخفاف بالحوار بحسب وثيقة سورية، فإن المقداد "شعر بالحرج عندما أبلغه الأسد بقراره، فكيف سيشرح للأسد أن هناك عدم حكمة في تشكيلة الوفد السوري، وعندما أبلغ مصطفى بقرار تشكيل الوفد، جاءه رده سريعاً، أنه يفهم العقلية الأميركية جيداً، وبغض النظر عن خبرته وتاريخه الدبلوماسي، فهم سيعتبرون أن إرسال وفد برئاسة مدير المعهد الدبلوماسي، وعضوية عميدين غير معروفين في الأمن السوري، هو تعبير صريح عن الاستخفاف بهذا الحوار، وعدم التعامل معه بجدية". اقترح مصطفى أن يرأس هذا الوفد شخصية أعلى في الموقع الهرمي في القيادة السورية، وأن يدعم المفاوضات والدبلوماسية الدولية ليكون الشخص الثاني في هذا الوفد لتحقيق "الغرض المطلوب من المفاوضات، ويرسل رسالة صحيحة إلى الجانب الأميركي". عندما اقترح المقداد على الأسد ذلك رد الأخير: "الوفد سيكون كما قلت لا تغيير فيه"، حسب شخص معني. عندما أبلغ المقداد الجانب العماني بتشكيلة الوفد، أصيب العمانيون بالدهشة من هذه التشكيلة، ولكنهم اكتفوا بإبلاغ الجانب الأميركي بأسماء الوفد السوري. وقال مسؤول غربي: "لم يسر الجانب الأميركي بتركيبة الوفد السوري، اعتبروا مستوى التمثيل دليلاً على عدم الجدية. فمصطفى لم يكن في موقع عال في الهرم الرسمي للسلطة والمسؤولية، والضابطان الآخران غير معروفين، وربما كانت مهمتهما مراقبة مصطفى والعمل على ضبط إيقاعه، فهو معروف بعدم التزامه الدقيق بالخط الرسمي السوري". أرسل الأميركيون رسالة عبر الجانب العماني بهذا الشأن، هم يريدون أن يكون الوفد السوري برئاسة علي مملوك. وكما هو مألوف في مثل هذه الحالات، ازداد تشبث الأسد بقراره: "نحن لم نتدخل بتشكيلة الوفد الأميركي. لماذا يتدخلون بتشكيلة وفدنا؟". وقال مسؤول غربي: "يبدو أن الأسد كان يعتبر أن المفاوضات تجري بين خصمين متكافئين يتمتعان بالندية. كانت المشكلة دبلوماسية بامتياز: مستوى التمثيل في الوفد السوري لم يكن مكافئاً لمستوى التمثيل في الوفد الأميركي، وسوريا في ميزان القوى ليست نداً للولايات المتحدة". لكن الأميركيين وافقوا على المفاوضات. الموقف التفاوضي أكمل الوفد التفاوضي السوري تجهيز ملفهم التفاوضي، ثم انتظروا أن يستدعيهم الأسد فيعرضوا عليه ملفهم، ويأخذوا منه التعليمات النهائية قبل التوجه إلى مسقط: أين هي خطوط المرونة، وأن يمكن تقديم تنازلات تفاوضية، وما هي الخطوط الحمراء التي لا يجوز التنازل عنها. ولكن هذا الاستدعاء لم يأت. وحسب وثيقة فقبل يومين من موعد السفر، عبر مصطفى عن موقفه للمقداد، قائلاً: "نحن سنسافر بعد يومين ولا نعرف ما هي حدود ولايتنا في المفاوضات". لم يكن المقداد قادراً على تقديم الإجابات، فجميع قرارات السياسة الخارجية كانت محتكرة تماماً من قبل الأسد ولم يكن من النوع الذي يستمع للآراء والنصائح من قبل فريق السياسة الخارجية لديه، بل كان يكتفي عند اللقاء معهم بشرح الواقع الدولي لهم وتزويدهم بالتوجيهات. اكتفى المقداد بنقل طلب مصطفى إلى الأسد. اللقاء-الصدمة مع الأسد قبل يوم من موعد السفر، استدعى الأسد السفير مصطفى منفرداً إلى "قصر الشعب". فيما بعد أبلغ مصطفى زملاءه في الوزارة بأنه فوجئ عندما بدأ الأسد الحديث بقوله: "لا تتخيلوا أنكم ذاهبون للتفاوض مع الأميركيين. كل ما سيطلبونه منكم سترفضونه. نحن فقط وافقنا على المحادثات إرضاء لأخوتنا العمانيين"، حسب قول مصدر. وعندما أجابه مصطفى: "لكن المطلب الأساسي للأميركيين في هذه الجولة على الأقل هو أوستن تايس. لماذا لا يمكننا التعاون معهم في هذه النقطة على الأقل؟". قال الأسد: "أوستن تايس ليس عندنا". أجاب مصطفى: "هذا أفضل، بما أنه كذلك فيمكننا أن نعرض عليهم التعاون لكشف مصيره فنكسب بذلك بعض النقاط التفاوضية. أنا درست ملفه جيداً، وهم لديهم ما يعتقدون أنها أدلة على وجوده عندنا، فيمكننا التداول معهم حول هذه الأدلة لعلنا نصل إلى تعاون مشترك قد يتطور ويفضي إلى أمور أخرى". ختم الأسد حديثه بصورة حازمة: "أمنعكم تماماً من التفاوض مع الجانب الأميركي حول تايس". عاد مصطفى إلى الوزارة فأبلغ المقداد وسوسان بفحوى اللقاء-الصدمة مع الأسد. مفاجأة غير متوقعة استيقظ أعضاء الوفد السوري في وقت مبكر صباح الأربعاء 22 شباط (فبراير) 2023 واجتمعوا في فندقهم في مسقط لمراجعة أخيرة لملفاتهم قبل التوجه إلى مقر الاجتماع. لاحظ مصطفى أن العضوين الآخرين لم يكونا على علم بتوجيهات الأسد. اصطحبت المخابرات العمانية الوفد السوري إلى فيلا فاخرة منعزلة تطل على خليج في بحر عمان. ولدى وصولهم كان الوفد العماني في استقبالهم. جلسوا في غرفة استقبال كبيرة، وبعد تبادل قصير للمجاملات وصل أعضاء الوفد الأميركي. في غرفة الاجتماعات فجر الأميركيون مفاجأة غير متوقعة. قال بريت ماكغورك: "من معرفتنا بكم، نحن ندرك جيداً أنكم لا تقدمون شيئاً من دون مقابل، ولذلك سنتقدم لكم بالعرض التالي. قوات جيشكم النظامي تتمركز على بعد مئات قليلة من الأمتار عن قواتنا الموجودة اليوم في حقلي عمر وكونيكو. نحن مستعدون لسحب قواتنا من هذين الحقلين والسماح لكم باستعادة السيطرة عليهما مقابل أن تتعاونوا معنا في كشف مصير أوستن تايس. طبعاً لدينا شرطان لتحقيق هذا الانسحاب: أولهما أن لا تدخل إلى المنطقة التي ننسحب منها أي قوات غير نظامية، أي إن الحرس الثوري الإيراني وميليشيات الحشد الشعبي لا يمكنها دخول تلك المناطق، وثانيهما هو تحصيل حاصل: لا يجوز أن تستعمل الأراضي التي ننسحب منها منطلقاً لأي هجوم بقذائف الهاون أو الكاتيوشا على قواتنا، وإلا فإننا سنجد أنفسنا مضطرين لإعادة احتلالها مرة أخرى". وأخرج بريدي من حقيبته مجموعة خرائط تبين مواقع وجود القوات الأميركية في سوريا، وبدأ يرسم عليها بالقلم دوائر تبين الأماكن التي يجب عليهم الانسحاب منها. وقال المصدر: "عندما حاول الاقتراب من منطقة التنف أبلغوه بأن التنف خط أحمر، فهي موقع مهم لهم لحماية الدول المجاورة في إشارة إلى إسرائيل، من أي هجمات إرهابية". أخذ الجانب الأميركي تلك الخرائط، واتفق الجانبان على العودة إلى رؤسائهم في واشنطن ودمشق، على أن يعودوا فيلتقوا مرة ثانية بعد ثلاثة أسابيع في مسقط، أي في آذار (مارس) المقبل. خلوة ماكغورك-مصطفى بعد انتهاء الجلسة في الساعة 5:20 دقيقة من بعد ظهر اليوم نفسه، تقدم ماكغورك من مصطفى وطلب إليه أن يختلي معه ليتحدثا على انفراد. قال ماكغورك لمصطفى: "أنا سأغادر مسقط اليوم، وسأتوجه مباشرة إلى تل أبيب. لدي موعد غداً صباحاً مع نتنياهو، ما رأيك في أن أجس نبضه في مسألة عملية استئناف محادثات السلام الإسرائيلية-السورية؟ سيكون لاستئناف هذه المحادثات وقع إيجابي هائل لدى أعضاء الكونغرس والمعارضين داخل الإدارة الأميركية لأي انفتاح أو تقارب مع سوريا". أجاب مصطفى ماكغورك: "أقترح أن نحل مشاكلنا الثنائية أولا قبل البدء بالحديث عن مشاكلنا مع طرف ثالث". أجابه ماكغورك: "ربما كان الحق معك، فإذا تعاونتم معنا في حل قضية أوستن تايس سيؤدي هذا إلى خلق ديناميات جديدة تدفعنا للتفكير في إحياء محادثات السلام بينكم وبين إسرائيل". بعد ذلك طلب ماكغورك من مصطفى أن يتبادلا أرقام الاتصال المباشر باستخدام تطبيق "واتساب". أعطاه رقمه وسجل رقم مصطفى ثم تصافحا وغادر الجميع مكان الاجتماع. بعد عودة الوفد السوري إلى دمشق رفع مصطفى محضر الاجتماع إلى الأسد في عشرين صفحة. وقال مصدر: "غضب الأسد عندما قرأ أن العميد بريدي قد تفاوض مع الأميركيين حول تفاصيل الانسحاب من حقلي عمر وكونيكو، كما انزعج بشدة من عملية تبادل الأرقام بين ماكغورك ومصطفى". أبلغ المقداد مصطفى بأن "الأسد قد أمره بأن يقوم مصطفى بمسح رقم ماكغورك من هاتفه وحذره من أي اتصال مباشر مع ماكغورك". نفذ مصطفى الأمر الموجه إليه وقطع أي اتصال مباشر له مع ماكغورك. بعد ثلاثة أيام من ذلك الاجتماع، أرسل ستيفن غيلين رسالة إلى مندوب سوريا الدائم في نيويورك صباغ يعلمه فيها أن الجانب الأميركي يعتبر أن محادثات مسقط "كانت جيدة جداً ويريد مواصلتها". قام صباغ بإرسال محتوى هذه الرسالة إلى الوزير المقداد الذي رفعها إلى الأسد ما زاد من شكوكه بمصطفى. أبلغ الأسد الوزير المقداد أن المحادثات لم تؤد إلى أي نتيجة وأنه لا داعي لعقد جولة تالية. الاجتماع الثاني ومن جديد، تحدث سطان عمان إلى الأسد الذي وافق مرة ثانية على أن يذهب الوفد نفسه الذي ذهب في المرة الأولى. الأميركيون وافقوا على الاجتماع الثاني. توجه الوفد السوري مرة ثانية إلى مسقط للاجتماع مع الأميركيين يوم 23 مايو 2023. كانوا يدركون أن "رحلتهم لا طائل منها وأن الأسد متعنت بطريقة غير مفهومة، وأن المفاوضات ستكون شكلية وأنها مجرد بادرة لطف إرضاء للعمانيين"، حسب قول أحدهم. تأخر انعقاد الاجتماع الثاني في مسقط 10 ساعات عن موعده المحدد أصلاً. في السابعة مساء التقى الجانبان مرة ثانية. كان ماكغورك هذه المرة أقل كياسة وأكثر مجابهة. بدأ حديثه بأن قال لمصطفى: "لا داعي لأن نخوض في أي تفاصيل طالما أنتم غير موافقين على مناقشة مسألة أوستن تايس". ومرة أخرى تجنب مصطفى الخوض في أي حديث عن تايس. طبعاً كانت هناك عشرات من الأسئلة المحيرة التي تدور في ذهن مصطفى، فهو لم يكن قادراً على تلمس حقيقة اختفاء تايس، الحقيقة القاطعة الوحيدة لديهم كانت أن الأسد يرفض تماماً أي حوار حول مصير تايس. وقال أحد المشاركين: "هل يعقل أن تضيع سوريا فرصة استرداد حقلي العمر وكونيكو بسبب هذا الإصرار العنيد على عدم مناقشة موضوع تايس؟ ربما هناك أشياء أخرى مجهولة ، ولكن هذا ما كان عليه واقع الحال". دام الاجتماع ساعة وعشر دقائق وانتهى بسرعة من دون أي نقاش جدي حول أي موضوع ذي شأن. عزل مملوك انقطعت جميع قنوات الاتصال بين الولايات المتحدة وسوريا بعد فشل الاجتماع الثاني. وظلت سبل التواصل منقطعة حتى كانون الثاني) 2024. في ذلك الشهر أبلغ الأسد المقداد أن الإمارات طلبت توسطاً من الأميركيين، وأنها ألحت كثيراً في رفع مستوى الوفد التفاوضي السوري وإرسال اللواء علي مملوك مع السفير مصطفى وغيرهما من الضباط إلى أبوظبي حيث سيأتي جيك سوليفان مع بريت ماكغورك وجوشوا غيلتزر. أعلم الأسد المقداد أنه قد وافق على عقد اجتماع ثالث من حيث المبدأ، وأنه سيرفع مستوى تمثيل الوفد التفاوضي، ولكن لديه مشكلة واحدة، هي أنه لا يريد إرسال اللواء علي مملوك. لقد بدأ إلحاح الأميركيين في إرسال اللواء مملوك يثير حفيظته، بل وحتى ريبته. أعلم الأسد وزير خارجيته أنه سيرسل وفداً جديداً للتفاوض مع الأميركيين، غير أنه لا داعي لاستعجال الموضوع. ونقل عنه قوله: "المهم أن نبلغ أبوظبي بموافقتنا على الاقتراح، وسنتريث في تحديد الموعد الجديد". في بداية العام قرر الأسد فجأة عزل مملوك من منصبه رئيساً لمكتب الأمن الوطني وتعيينه مستشاراً أمنياً بالقصر. وكان أحد التفسيرات أن السبب هو إصرار الأميركيين على مشاركته في المفاوضات. استئناف الحوار في أيلول (سبتمبر) 2024، تدخلت عمان ثانية لاستئناف الحوار بين واشنطن ودمشق. اللافت، أن الأسد أعفى مملوك من منصبه بشكل مفاجئ وأعطاه أياماً لتسليم مكتبه وأرسله إلى منزله. وقال مصدر: "حتى اليوم لا يعرف مملوك سبب التغير المفاجئ من قبل الأسد تجاهه. هل لهذا علاقة بإلحاح الأميركيين على ترؤسه للوفد السوري؟ أم إن هناك أموراً أخرى لا يعرفها إلا الأسد نفسه؟ هل سبب إخراجه جواز سفر فلسطيني لعائلته من الرئيس محمود عباس علاقة بذلك؟". وتزامن هذا مع انطلاق عملية إسرائيل ضد "حزب الله" التي أسفرت عن اغتيال قادته بمن فيهم زعيم "الحزب" حسن نصرالله. طلب الأسد من المقداد أن يرفع إليه اقتراحاً بتشكيل وفد على مستوى أعلى. تشاور المقداد مع معاونيه ووجدوا أن الاقتراح الأنسب هو أن يتشكل الوفد من نائبه الجديد بسام صباغ وعضوية مصطفى، وأن يتم إبلاغ الجانب الأميركي بذلك. كان دور صباغ صاعداً في الخارجية وكانت هناك توقعات بأنه سيتبوأ قريباً منصب وزير الخارجية وهذا ما حصل بالفعل. رفع المقداد الاقتراح إلى الأسد فوافق عليه. ووجه وزارة الخارجية بأن تتواصل مع الأميركيين عبر الوسطاء طبعاً لتحديد مكان وزمان الاجتماع القادم. في 23 سبتمبر شكل الأسد وزارة جديدة عين فيها صباغ وزيراً للخارجية. وفي 26 نوفمبر (تشرين الثاني) وجه صباغ، وزير الخارجية الجديد، تعليماته إلى مندوب سوريا في الأمم المتحدة السفير قصي الضحاك ليلتقي مع ستيفن غيلين فيتفق معه على مكان وتاريخ الاجتماع المقبل. اتفق غيلين مع السفير الضحاك على اللقاء في مقر البعثة السورية في نيويورك في 2 ديسمبر. وفي 27 نوفمبر أطلقت "إدارة العمليات العسكرية" بقيادة "هيئة تحرير الشام" برئاسة الشرع عملية "ردع العدوان" ودخلت بعد يومين حلب، بالتزامن مع زيارة سرية كان يقوم بها الأسد إلى موسكو لحضور حفل تخرج ابنه حافظ في جامعة روسية. في 2 ديسمبر، لم يأت ستيفن غيلين للاجتماع مع السفير الضحاك، ولم يتصل به لتأجيل الموعد أو إلغائه. وبذلك انتهى الفصل الأخير من قصة الحوار الأميركي مع نظام الأسد. وفي 8 ديسمبر دخلت "إدارة العمليات العسكرية" دمشق العاصمة، وفي 14 أيار (مايو) الحالي التقى ترمب الرئيس السوري الشرع في الرياض، برعاية ووساطة سعودية، معلناً رفع العقوبات عن سوريا واستعادة العلاقات الثنائية.