
غزة تلفظ أنفاسها جوعا
ويبدو هذا الاجتماع محاولة لإنقاذ ماء الوجه في مواجهة هذه الفاجعة، بعد أن تجاوزت الأوضاع حدود الكارثة لتصل إلى ما يشبه المجازر الصامتة الناتجة عن الجوع والخذلان المستمر.
وفي بيان مقتضب، أوضحت الجامعة أن الاجتماع يأتي في ظل التدهور الخطير للوضع الإنساني في غزة، حيث فاقم الحصار والإغلاق الكامل للمعابر من المجاعة، وتسبب في سقوط المزيد من الضحايا المدنيين الذين يلاقون حتفهم جوعا، في مشهد يُعد وصمة عار على جبين العالم والإنسانية جمعاء.
بينما يجتمع المندوبون العرب في القاهرة، كانت أعداد الضحايا في مستشفيات غزة تتزايد بصورة مروعة. ففي غضون 24 ساعة فقط، استشهد 99 فلسطينيا وأصيب أكثر من 650 آخرين، نتيجة استهداف مباشر للمدنيين أثناء سعيهم للحصول على المساعدات الغذائية.
وبذلك، ارتفع إجمالي ضحايا "لقمة العيش" إلى ما يزيد على ,1020 شهيدا و6.511 مصابا، حسبما أفادت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة.
الجوع لا يفرق بين صغير وكبير، رجل أو امرأة، فوفقا لبرنامج الأغذية العالمي، يعاني حوالي 90 ألف طفل وامرأة من سوء تغذية حاد، مما يعكس صورة مفزعة لأزمة غذاء حادة تتفاقم باستمرار، وأكد البرنامج أن نحو ثلث سكان القطاع لا يجدون طعاما لأيام متتالية، الأمر الذي ينذر بمجاعة شاملة، وكشف صندوق الأمم المتحدة للسكان في تقريره الأخير عن وجود نحو 55 ألف امرأة حامل في غزة، بينهن ما لا يقل عن 11 ألفا يواجهن خطر المجاعة وسوء التغذية الحاد، مما قد يتسبب في مضاعفات تهدد حياة الأمهات وأجنتهن على حد سواء.
إعلان
على الرغم من أن شبح المجاعة يخيم بوضوح على غزة، يظل التحرك العربي باهتا وفاترا، وربما يتسم باللامبالاة والعجز.
لم يعد الخذلان العربي مجرد غياب عن الفعل، بل تحول إلى صمت رسمي حيال أبشع الجرائم التي تُرتكب في القرن الحادي والعشرين. فلا تحرك دبلوماسيا فعَّالا، ولا ضغوط على القوى الفاعلة
انتظرت الجامعة العربية إعلان برنامج الأغذية العالمي عن بلوغ غزة مرحلة غير مسبوقة من التدهور لتدعو إلى اجتماع طارئ، وذلك رغم وضوح مؤشرات الكارثة منذ شهور، مع توقف المساعدات الدولية، واستهداف قوافل الإغاثة من قبل "إسرائيل"، وارتفاع أسعار الغذاء بنسبة 4000%.
وفي هذا السياق، أعربت وكالة الأونروا عن تلقيها رسائل يائسة من موظفيها داخل فطاع غزة، تؤكد أن سكان غزة يتضورون جوعا، بينما تُمنع قوافل الإغاثة من الوصول منذ مارس/ آذار الماضي، كما حذرت الوكالة من أن أسعار السلع الأساسية تضاعفت أربعين مرة، في ظل غياب أي آلية فعالة لفك الحصار أو تأمين المساعدات.
لم يعد الخذلان العربي مجرد غياب عن الفعل، بل تحول إلى صمت رسمي حيال أبشع الجرائم التي تُرتكب في القرن الحادي والعشرين. فلا تحرك دبلوماسيا فعَّالا، ولا ضغوط على القوى الفاعلة، ولا حتى مواقف حازمة في المحافل الدولية، وكأن غزة خارج الخريطة، أو خارج نطاق الإحساس.
على الرغم من أهمية الاجتماع الطارئ كمؤشر متأخر لإدراك خطورة الموقف، فإن مصداقيته تبقى مرتبطة بنتائجه.
فهل ستكتفي الجامعة بإصدار بيان إدانة جديد؟ أم سيشهد العالم أخيرا موقفا عربيا موحدا يضغط بفاعلية لفك الحصار، ووقف المجاعة، وإدخال المساعدات؟
وهل ستبقى الشعوب غير العربية وحدها في الشوارع، بينما تكتفي الأنظمة العربية بالاجتماعات؟
يبدو أن الموت جوعا في غزة لم يكن كافيا لتحريك ضمائر بعض الحكومات العربية، التي فضّلت التطبيع والصمت على اتخاذ مواقف تنقذ حياة الأبرياء، والنتيجة، جثث الأطفال في الشوارع، وأرحام النساء خاوية، ومستشفيات بلا أدوية أو غذاء.
آمل ألا يكون الاجتماع الطارئ للجامعة العربية مجرد خطوة أخرى من الخطوات المعهودة التي لم تغير شيئا من الواقع. فهل سيشهد العالم تغييرا حقيقيا في التعاطي العربي مع كارثة غزة؟
أتخيل أن هذا الاجتماع سينضم إلى السلسلة الطويلة من القمم والبيانات التي لم تمنع مجزرة، ولم توقف مجاعة، ولم تنقذ إنسانا.
غزة ليست بحاجة إلى مزيد من الكلام والبيانات، فقد اكتفت من الخذلان حتى التخمة، ما تحتاجه غزة هو قرار حاسم لإجبار الاحتلال على وقف عدوانه ومجازره، وموقف واضح مقرون بأفعال ملموسة تتجسد في إدخال المساعدات وإعادة الإعمار وإنقاذ الأرواح، غزة بحاجة أيضا إلى وقف التطبيع وقطع العلاقات المتعددة مع هذا الكيان المجرم، وطرد السفراء وإغلاق السفارات في الدول العربية، وإلى أن يتحقق ذلك، سيظل الجوع سلاحا إسرائيليا، والخذلان العربي شريكا في حرب الإبادة والتجويع.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 25 دقائق
- الجزيرة
"غيلان باريه" ينهك أجساد أطفال غزة وتفاعلات واسعة بمنصات التواصل
شبكات أثار انتشار متلازمة 'غيلان باريه' العصبية النادرة بين أطفال قطاع غزة تفاعلات واسعة وغضبا عارما على منصات التواصل الاجتماعي، خاصة بعد تسجيل 95 إصابة مؤكدة من بينها 45 طفلا و3 وفيات جديدة. اقرأ المزيد


الجزيرة
منذ 25 دقائق
- الجزيرة
"الأغذية العالمي" يحذر من مجاعة وشيكة في الفاشر
حذّر برنامج الأغذية العالمي ، اليوم الثلاثاء، من أن سكان الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور والتي تحاصرها قوات الدعم السريع، يواجهون خطر مجاعة وشيكة. وقال المدير الإقليمي لبرنامج الأغذية العالمي في شرق أفريقيا وجنوبها إريك بيرديسون إن "الجميع في الفاشر يواجه محنة يومية للصمود"، مشيرا إلى أن "القدرة على الصمود تلاشت بالكامل بعد أكثر من سنتين من الحرب"، محذرا من أن أرواحا "ستزهق في غياب وصول فوري ومستدام" إلى الموارد الأساسية. وبعد سنة على إعلان المجاعة في مخيّم زمزم المجاور، باتت الفاشر محرومة من المساعدات الإنسانية منذ حصار فرضته عليها في مايو/أيار 2024 قوات الدعم السريع التي تخوض حربا مع الجيش السوداني منذ أكثر من سنتين. وشهدت أسعار المواد الأساسية ارتفاعا شديدا، بحسب برنامج الأغذية العالمي الذي أشار إلى أن "الذرة الرفيعة والقمح المستخدمين لإعداد الخبز والهريسة يكلّفان أكثر بـ460% في الفاشر"، مضيفا أن "الأسواق شبه فارغة من السلع وقد أغلقت غالبية المطابخ المشتركة أبوابها". ومنذ خسارة الخرطوم التي استعاد الجيش السيطرة عليها في مارس/آذار، تكثّف قوات الدعم السريع هجماتها على الفاشر ومخيمات اللاجئين المحيطة بها. وفي أبريل/نيسان، تسبب هجوم على مخيم زمزم في تدفق عدد كبير من المدنيين الهاربين من أعمال العنف إلى الفاشر، العاصمة الوحيدة في منطقة دارفور المترامية التي ما زالت خارج سيطرة قوات الدعم السريع. سوء تغذية حاد ولم يعد أمام بعض العائلات سوى استهلاك العلف أو النفايات، في حين بلغ نقص التغذية مستويات مثيرة للقلق في أوساط الأطفال. ويعاني حوالي 40% من الأطفال دون الخامسة سوء تغذية حادًّا، من بينهم 11% مصابون بنقص شديد في التغذية، بحسب البرنامج الأممي. وحذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" الأحد من تعرض أكثر من 640 ألف طفل دون سن الخامسة لخطر متزايد من العنف والجوع والمرض، وسط تفشي مرض الكوليرا في ولاية شمال دارفور. إعلان وأفادت " يونيسيف"، في بيان، أنه منذ اكتشاف أول حالة في 21 يونيو/حزيران الماضي، تم الإبلاغ عن أكثر من 1180 حالة إصابة بالكوليرا، بينها نحو 300 حالة بين الأطفال، وما لا يقل عن 20 حالة وفاة، في منطقة طويلة بولاية شمال دارفور. وتتزامن الكوارث الصحية بالبلاد جراء حرب متواصلة منذ منتصف أبريل/نيسان 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أميركية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.


الجزيرة
منذ 4 ساعات
- الجزيرة
طعام الأزمات الصامت.. كيف أصبح الفطر غذاء البقاء في الكوارث والمجاعات؟
في أحلك لحظات التاريخ، حين تذبل المحاصيل، وتتفكك سلاسل الإمداد الغذائي، ويغدو الخبز ترفا بعيد المنال، يجد الإنسان نفسه مضطرا للعودة إلى ما تجود به الطبيعة بصمت وكرم. الفطر، هذا الكائن لا يحتاج إلى ضوء الشمس أو تربة خصبة، ولا يتطلب آلات ضخمة أو تقنيات زراعية معقدة؛ يكفيه الظل والرطوبة وبعض البقايا النباتية ليمنح غذاء عالي القيمة. بهذه المزايا، صار الفطر غذاء النجاة بامتياز في أزمنة الحروب والحصار والمجاعات. غزة: أزمة غذائية تحت الحصار تُعد غزة اليوم أحد أبرز الأمثلة على المجاعة المعاصرة الناتجة عن الحصار والاحتلال. لقد تسبب الحصار الإسرائيلي طويل الأمد، يرافقه القصف المتكرر، في تدمير البنية التحتية الزراعية ومنع دخول المواد الأساسية، بما فيها الغذاء والدواء. ووفقا لمنظمات إنسانية، مثل "أطباء بلا حدود"، فإن الوضع في غزة تجاوز حدود انعدام الأمن الغذائي إلى دخول مرحلة المجاعة القاتلة. في هذا السياق، يصبح من الضروري البحث عن حلول ذكية وبديلة، تتجاوز الطرق الزراعية التقليدية. وهنا يبرز الفطر كمصدر غذائي يمكن الاعتماد عليه، ليس فقط لسد الجوع، بل لتوفير بروتين نباتي في ظل غياب اللحوم والألبان، التي أصبحت نادرة أو باهظة الثمن. لماذا يعد الفطر غذاء مثاليا في حالات الطوارئ؟ سهولة الزراعة في بيئات قاسية لا يحتاج الفطر إلى تربة خصبة أو مساحات زراعية واسعة، بل يمكن زراعته في أماكن مظللة ورطبة كالأقبية أو المنازل أو الخيام باستخدام مواد بسيطة مثل القش، نشارة الخشب، أو بقايا الذرة والقمح. هذه الخصائص تجعله خيارا مثاليا في المناطق المتضررة أو المحاصرة مثل غزة، سوريا، أو الأرياف النائية في السودان، حيث تصعب زراعة المحاصيل التقليدية نتيجة تدمير البنية الزراعية أو نقص الموارد. سرعة الإنتاج بعض أنواع الفطر، مثل فطر المحار، تتميز بسرعة نمو ملحوظة، إذ يمكن حصادها خلال فترة تتراوح بين أسبوعين و4 أسابيع فقط من الزراعة، مقارنة بمحاصيل الحبوب التي تحتاج إلى أشهر من الرعاية. هذه القدرة على الإنتاج السريع تجعلها خيارا مثاليا لتأمين الغذاء في حالات الطوارئ وسد النقص الغذائي بكفاءة وفي وقت وجيز. قيمة غذائية مرتفعة يحتوي الفطر على نسبة عالية من البروتين (تصل إلى 30% في الفطر المجفف)، إضافة إلى فيتامينات ب المركبة مثل ب1 وب2 وب3 وب5، وعناصر حيوية مثل الحديد والزنك والسيلينيوم والبوتاسيوم. هذه المكونات ضرورية جدا خصوصا للأطفال والمسنين، الذين يعانون سريعا من سوء التغذية في حالات المجاعة. قلة الموارد المطلوبة لا يحتاج الفطر إلى أسمدة كيميائية أو آلات زراعية، ويزرع بسهولة باستخدام نفايات عضوية مثل بقايا الذرة أو القمح، مع استهلاك محدود جدا للمياه. كما لا يتطلب مياها نقية، بل يمكن استخدام مياه الآبار المتاحة، ما يجعله مناسبا للظروف القاسية التي تندر فيها المياه الصالحة. هذا الإنتاج منخفض التكلفة يجعله خيارا مثاليا للمناطق التي تعاني من شح الموارد أو انهيار اقتصادي أو حصار تجاري. سهولة التخزين يتميز الفطر بإمكانية تجفيفه بسهولة دون أن يفقد قيمته الغذائية، ما يتيح تخزينه لفترات طويلة دون الحاجة إلى تبريد أو وسائل حفظ معقدة. هذه الميزة تجعله مصدرا غذائيا احتياطيا مثاليا في حالات الطوارئ، خاصة خلال فترات الحصار أو انقطاع الإمدادات أو غياب الكهرباء والتبريد. كيف أنقذ الفطر أرواحا؟ البوسنة والهرسك خلال الحرب (1992–1995) إعلان خلال حصار قاس استمر سنوات، وثّقت الأبحاث اعتماد سكان شرق البوسنة على الفطر البري كغذاء رئيسي للبقاء. وفي دراسة نُشرت عام 2009 في المجلة الأفريقية للطب التقليدي والتكميلي والبديل، جرى توثيق استخدام 15 نوعا من الفطر و5 أنواع من الطحالب، حيث كانت تُحضر كعصيدة أو تُطحن لتكون بديلًا لدقيق الخبز. هذه الموارد الطبيعية ساعدت العائلات على الصمود رغم انقطاع الإمدادات الغذائية المدعومة. شتاء الجوع في هولندا (1944–1945) خلال الحرب العالمية الثانية، حين فرض الألمان حصارا قاسيا على مناطق عديدة من هولندا ما عرف لاحقا بشتاء الجوع الهولندي، استخدم السكان المحليون الفطر البري كوسيلة غذائية للبقاء. أظهرت دراسات نشرت في مجلة الإثنوبيولوجيا والطب العرقي عام2017 أن 3 أنواع على الأقل من الفطر كانت تستهلك في تلك الفترة، رغم محدودية المعرفة ومخاطر التسمم. كيف يمكن لغزة الاستفادة من الفطر لمواجهة المجاعة؟ في ظل الحصار الإسرائيلي الذي يمنع وصول الغذاء والدواء إلى غزة، تبرز زراعة الفطر كخيار عملي وسريع لتأمين الغذاء، نظرا لعدم حاجته إلى مساحات واسعة أو تربة خصبة، وإمكانية زراعته باستخدام مخلفات زراعية مثل قش القمح أو نشارة الخشب. ويُعد الفطر مصدرا غنيا بالبروتين عالي الجودة، ما يجعله بديلا فعّالا للحوم التي أصبحت نادرة. تشير دراسة حديثة نُشرت عام 2024 في مجلة هيليون العلمية الأميركية إلى جدوى استخدام الفطر في البيئات منخفضة الموارد، مستشهدة بنجاح تجاربه في عدة مناطق أفريقية وآسيوية. كما توضح دراسة أخرى، نُشرت عام 2020 في مجلة أول لايف، أهمية الفطر كحل فعّال لتعزيز الأمن الغذائي، مؤكدة ضرورة دمجه ضمن إستراتيجيات الاستجابة السريعة للمجاعات، خاصة في المخيمات ومناطق النزوح، بفضل مرونته وسهولة تكثيف إنتاجه في ظروف الطوارئ. الحذر واجب: التسمم الفطري خطر حقيقي رغم فوائد الفطر العديدة، فإن استهلاك الأنواع البرية دون معرفة دقيقة قد يؤدي إلى التسمم، بل والوفاة في بعض الحالات. توثق تقارير من البوسنة حالات تسمم نتجت عن قطف أنواع غير صالحة للأكل، بسبب تشابهها مع الأنواع المفيدة. ولهذا، تؤكد الدراسات على أهمية نشر الوعي والتدريب حول الزراعة الآمنة للفطر، وضرورة تمييز الأنواع السامة من المفيدة. قد لا يبدو الفطر غذاء مدهشا في أيام الرخاء، لكنه يتحول إلى كنز حقيقي في لحظات الجوع. ومع استمرار الحصار في غزة، وتفاقم الكوارث المناخية حول العالم، ينبغي إدماج زراعة الفطر ضمن خطط الأمن الغذائي، سواء من قبل الحكومات أو المنظمات الإنسانية أو المجتمعات المحلية. فهو "طعام الأزمات الصامت"، الذي لا يحدث ضجيجا لكنه ينقذ أرواحا. 5-