logo
رهف وسيلا ونسرين... عائلة استيقظت على بقايا أجسادهنَّ

رهف وسيلا ونسرين... عائلة استيقظت على بقايا أجسادهنَّ

غزة/ يحيى اليعقوبي:
في غرفة واحدة داخل أحد المستشفيات، تتوسط الأم نسرين ماضي (42 عامًا) ابنتيها رهف وسيلا، ترقد كل واحدة منهن على سرير منفرد بأوجاع مختلفة، وبتر طال أطرافهن جميعًا.
تكتم الأم أوجاعها، تحاول أن تخفف من الآلام النفسية لطفلتها الصغيرة بعد بتر قدميها، تمسك بيدها، وتبحث عن الأمل في عيني ابنتيها، رغم أن الألم أقوى من أن يُخيطه الرجاء.
الطفلة سيلا (8 سنوات)، خضعت لبتر فوق بتر، بعد أن تمددت الالتهابات إلى منطقة الحوض، نتيجة ضعف الإمكانيات الطبية ونقص الأدوية والمضادات الحيوية.
تشتعل الحمى في جسدها، فيما تواجه ساقها اليسرى خطر البتر حتى الحوض، ما قد يصعّب عليها الجلوس مستقبلاً حتى على كرسي متحرك.
في ليلة هادئة يلفها الصمت، وتحديدًا عند الساعة 11 مساءً من يوم 17 مايو/ أيار 2025، كانت العائلة تغط في نومها داخل خيمة نزحوا إليها في منطقة المواصي، المكان الذي قيل إنه "آمن".
لكن الأمان انفجر على رؤوسهم حين سقط صاروخ على خيمة مجاورة، فأُصيبت العائلة بكارثةٍ لم تكن بالحسبان.
قُذفت سيلا مسافة تقارب العشرين مترًا عن خيمتها، وفقدت قدمها اليمنى من حافة الحوض لحظة القصف، ثم خضعت لبتر قدمها اليسرى فوق الركبة بعد خمسة أيام بسبب التهتك، ولا تزال تعاني من الالتهابات وأوجاع لا تنتهي.
أما شقيقتها رهف (17 عامًا)، فقد بُترت قدمها اليسرى بفعل شظايا الصاروخ، وتستقر شظايا أخرى داخل ساقها، مع التهاب وانتفاخ بمنطقة البتر.
تحمل بداية شبابها على قدم واحدة، تحاول أن تخيط الوجع بخيوط الأمل، لكنها لا تخفي خيبتها.
الأم نسرين بدت أقل إصابة من ابنتيها، إذ طال البتر إصبع يدها اليسرى وجزءًا من كعب قدمها اليسرى، لكنها لا تزال مهددة ببتر كامل للقدم. ويحاول الأطباء إنقاذ ما تبقى من عظام الكعب عبر إجراء ترقيع تجميلي.
"رِجلين بناتي راحوا"
تقول رهف لصحيفة "فلسطين"، بصوتٍ مكسورٍ تغلب عليه الدموع: "في تلك الليلة، كنا عائلة بسيطة نعيش يومًا عاديًا، تناولنا العشاء وذهبنا للنوم. سيلا نامت بجانبي. فجأة سمعت صوت انفجار، لم أستوعب ما حدث، فقط سمعت أمي تصرخ: رجليّن بناتي راحوا! شعرت بنزيف شديد ونُقلت للمشفى."
تضيف: "استيقظت بعد العملية الجراحية وطلبت من الطبيب أن أرَى قدمي، شعرت بشيء غير طبيعي، كنت أستطيع تحريك قدم واحدة بينما الأخرى لا أشعر بها. حينها قال الطبيب: بنفعش أفرجيك إياها هسه، ففهمت أنني فقدت قدمي."
كانت سيلا ترقد على السرير المجاور خلف ستارة، ولم تكن رهف تعلم ذلك إلا حين سمعتها تصرخ: "وين رجلي؟"، فحاول الطبيب تهدئتها قائلاً: "رجلك نايمة".
تقول رهف: "في تلك اللحظة تأكدت أن أختي مبتورة القدم أيضًا. صدمة فوق صدمة، تشتتنا كعائلة، إخوتي الأربعة الناجون يعيشون مع الأقارب، ونحن في المستشفى، ولا نعلم ما سيؤول إليه حال أمي."
لم يتوقف الألم عند حد البتر، بل تصف رهف ما يعرف بـ"كهرباء الجرح": "بكاء وألم لا تسكّنه أي أدوية. كنت أستعد لتقديم امتحانات الثانوية العامة، حلمت أن أكمل دراستي وأسافر، لكن الآن، أحاول فقط التعافي. العضلة الضامة بمنطقة البتر قصيرة، وهذا يعيق تركيب الطرف الصناعي".
سيلا.. ألم مزدوج وجسد ناقص
أما سيلا، الطفلة الذكية التي عُرفت بحبها للقراءة وتجويد القرآن والركض، فقد وجدت نفسها بلا قدمين، وعليها التكيف مع جسد ناقص.
تقول رهف عن شقيقتها: "شظايا في ظهرها تمنعها من النوم، منذ خمسة أيام لم تغمض عينيها من الألم. المسكنات مفقودة، والعلاج ضئيل. ورغم صغر سنها، تُسأل كثيرًا عن قدميها، لكنها لا تتلقى سوى الصمت."
نزحت العائلة من محافظة رفح إلى قيزان النجار، ثم إلى منطقة "فش فرش" في مواصي خان يونس، والتي صُنّفت "آمنة"، لكنها كانت واحدة من أكثر المناطق التي شهدت مجازر دموية.
يقول خال الطفلة، أحمد ماضي، الذي يرافقها في مستشفى تديره منظمة "أطباء بلا حدود" في الزوايدة:
"سيلا كانت تحلم أن تصبح مهندسة، لكنها اليوم بلا قدمين. في الأيام الأولى كانت ترفض مقابلة أحد، تُغطي وجهها فور دخول الطبيب، تعيش حالة نفسية صعبة للغاية."
يُضيف بأسى: "بدأت تتقبل واقعها بعد بدء جلسات العلاج الطبيعي. طلبت مني ذات يوم أن أشتري لها حذاء، لم أستطع الرد. وفي مرة أخرى، قالت لي: هيني بحرك أصابعي.. وين ودّيتوا رجلي؟".
كون البتر امتد إلى حافة الحوض، تجد سيلا صعوبة في الجلوس على كرسي متحرك، ويُضطر الطاقم الطبي إلى ربطها لمنع سقوطها، فيما تستمر الالتهابات في قدمها الأخرى.
ثلاث ضحايا في خيمة احترقت
سيلا، رهف، وأمهن نسرين.. كنّ داخل خيمة إيواء حين أسقطت طائرة حربية إسرائيلية صاروخًا مزّق أجسادهن في لحظات، كما مزق الخيام التي وُصفت بأنها "ملاجئ آمنة".
ثلاث ضحايا لا يزال الألم يسكن تفاصيل يومهن.
أجساد مبتورة، ومستقبل غامض، وآلام لا تهدأ، وأحلام سُرقت في لحظة نومٍ داخل خيمة.
هكذا تحوّل النزوح من قذائف إلى نار تقطع الأطراف، وتترك خلفها عائلات مدمّرة تبحث عن معنى جديد للحياة.
المصدر / فلسطين أون لاين
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تقرير لم يصل إلى الدَّواء... الطِّفل "عز الدِّين" يستشهد قبل أن يشفى
تقرير لم يصل إلى الدَّواء... الطِّفل "عز الدِّين" يستشهد قبل أن يشفى

فلسطين أون لاين

timeمنذ يوم واحد

  • فلسطين أون لاين

تقرير لم يصل إلى الدَّواء... الطِّفل "عز الدِّين" يستشهد قبل أن يشفى

غزة/ يحيى اليعقوبي: لم يُكمل أحمد أبو لبدة (46 عامًا) جملته لطفله الصغير عز الدين (12 عامًا)، الذي كان يبعد عنه أمتارًا قليلة في ساحة عيادة الصليب الأحمر قرب منطقة "فش فرش" في مواصي خان يونس جنوب قطاع غزة، حتى دوّى إطلاق نار كثيف، صادر من جهة مراكز توزيع المساعدات الأمريكية ومن رافعة إسرائيلية متمركزة على الشريط الساحلي، صباح يوم 29 مايو/أيار 2025. وفي لحظة، سقط عز الدين أرضًا، فيما بدأت بركة دماء تنزف من رأسه الصغير. رصاصة واحدة خرقت الصمت، وكسرت مشهد الانتظار، كما كسرته صرخة والده وهو يركض نحوه: "وحيدي.. هذا ابني الوحيد!" نُقل الطفل إلى مستشفى ناصر بعد نحو نصف ساعة من إصابته برصاصة في الرأس، وأُدخل غرفة العناية المركزة، حيث بقي 42 يومًا يصارع الموت. ورغم مناشدات عائلته المتكررة للمنظمات الدولية من أجل تسفيره للعلاج، ظل المعبر مغلقًا، ليُستشهد وهو يبحث عن الدواء، بعدما سبقت الرصاصة العلاج. نومٌ على الرمل قبل الإصابة بعشرة أيام، نزحت العائلة من بلدة بني سهيلا شرق خان يونس إلى منطقة "فش فرش". وبسبب الاكتظاظ الشديد في المواصي، لم تجد العائلة مكانًا لنصب خيمتها، فافترشوا رمال الشاطئ لعدة أيام. كان عز الدين ينام مع والده في العراء، فيما كانت والدته تنام لدى أقاربها مع شقيقتيه ديما (14 عامًا) ودانا (5 أعوام). يروي والده لصحيفة "فلسطين"، محاولًا لملمة ما تبقى من قوته: "استيقظ عز باكرًا كعادته، تناول قطعة بسكويت ثم عاد للنوم قليلًا، كنا ننتظر ابن أخي ليساعدنا في نصب الخيمة. ذهبتُ مع والدته إلى العيادة للحصول على دواء لضغط الدم، وكان عز يُعاني من حساسية جلدية وكان ينتظر دواءه أيضًا، فأتى خلفنا." ويتابع بصوت يملؤه الحزن: "كان يقف بجانبي حين بدأت الطواقم الطبية تنادي بالدخول إلى العيادة، مع بدء إطلاق النار. ناديت عليه: (تعال وقف على الجنب)، لكن الرصاصة كانت أسرع من صوتي، فسقط أمامي، والدماء تنزف من رأسه بعدما اخترقت الرصاصة جمجمته من الجهتين." وفي مجمع ناصر الطبي، لم يُغادر الأب أبواب غرفة العناية إلا لساعات المساء. كان يعود صباحًا حاملاً الطعام لابنه، الذي تحسّنت حالته في بعض الأيام وبدأ يتنفس بشكل طبيعي. يقول والده: "في آخر ثلاثة أيام شعرت بالقلق عليه، بقيت بجانبه، أمسح عرقه وأراقبه، كان يتغذى عبر أنبوب." وفي يومه الأخير، 6 يوليو/تموز 2025، وصل الوالد متأخرًا إلى المستشفى، فتقدّم نحو الطبيب قائلًا: "تفضل، هذا طعام عز الدين"، لكنه فوجئ بإزالة الأجهزة الطبية عن جسده، لم يكن هناك صوت، لا نبض، ولا حراك. احتضنه الطبيب مواسيًا، فيما خرج الأب تائهًا نحو السلم ليصادف زوجته، التي لم تحتج إلا إلى نظرة واحدة لتنهار مغشيًا عليها. وحيد العائلة عز الدين هو الابن الوحيد بين شقيقتين. بعد عشر سنوات من محاولات الإنجاب الفاشلة، رُزق الزوجان بابنتهم "ديما"، ثم جاء "عز الدين" بعد عامين ليُكمل فرحتهما، وبعده بثماني سنوات جاءت "دانا". يقول الأب وهو يحبس دمعته: "قلبي رحل عني... كان بالنسبة لي الهواء والظل. كنت له أكثر من أب، علّمته الصلاة، وحفظ القرآن، وقبل أيام من وفاته، أنهى تسميع جزءٍ كامل، ولم يترك صلاة فجر واحدة في رمضان." ولد عز الدين في بلدة الشوكة شرق مدينة رفح، ونزح مع عائلته تسع مرات منذ بدء الحرب، آخرها إلى بني سهيلا، قبل أن تُجبرهم الاجتياحات الإسرائيلية على النزوح مجددًا إلى المواصي. كان يحلم بالسفر بعيدًا عن أجواء الحرب، عن القصف والموت، وقال لوالدته: "تعبت يما..." وطلب منها أن يُدفن بجانب عمه بسام الذي توفي قبل ثلاث سنوات. تحكي والدته، وقد سبقت دموعها الكلمات: "كان يبدو عليه الإرهاق، رغم عمره الصغير، بدأ يشعر بالتعب من الحياة والنزوح والفقر. قلت له: (أنت صغير، ليش بدك تسافر؟) فأجابني: (بدي أعيش بعيد عن الحرب)... ربما الآن هو فعلاً بعيد، في الجنة." قبل إصابته بيوم، شاهد عز رافعة الاحتلال القريبة أثناء تجوله مع والدته بحثًا عن مكان للخيمة، ونبّهها إليها قائلًا: "انتبهي، في رافعة هناك." وفي لحظة الفاجعة، لم تُدرك الأم أن الرصاصة أصابت ابنها، حتى بدأ والده بالصراخ، لتلتفت وترى دماءه تملأ ساحة العيادة. "آمن".. لكنه قُتل وُلد عز الدين في 20 نوفمبر 2012، وأدخل الفرحة إلى قلبَي والديه. حاولا حمايته من نيران الحرب، وهرَبا به إلى منطقة "آمنة" بحسب تعريف الاحتلال، لكنّه استُشهد فيها. لم يكن قلب الأم يتحمّل رؤيته في غرفة العناية، لكنها كانت تتمنّى فقط أن تراه يتعافى. طوال فترة علاجه، لم تتوقف العائلة عن مناشدة منظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر من أجل تسفيره، وحصلوا بالفعل على تحويلة علاج بعد يومين من الإصابة، لكن المعبر ظل مغلقًا، وبقي العلاج في الجهة الأخرى من الحاجز... بينما لفظ الطفل أنفاسه الأخيرة على السرير، يبحث عن الحياة، فلم يجدها. المصدر / فلسطين أون لاين

تقرير المكمِّلات الغذائيَّة في غزَّة... حين يتحوَّل "طعام الأطفال" إلى وجبة للجميع
تقرير المكمِّلات الغذائيَّة في غزَّة... حين يتحوَّل "طعام الأطفال" إلى وجبة للجميع

فلسطين أون لاين

timeمنذ 3 أيام

  • فلسطين أون لاين

تقرير المكمِّلات الغذائيَّة في غزَّة... حين يتحوَّل "طعام الأطفال" إلى وجبة للجميع

غزة/ مريم الشوبكي: في مطبخها المتواضع داخل أحد مراكز الإيواء، تقف إيمان أبو شاويش (34 عامًا) تحاول ابتكار وجبة تسد رمق أطفالها الثلاثة. لا طعام متنوعًا في الأفق، لا لحوم ولا دجاج، لا ألبان ولا فواكه. وبينما تحرّك ملعقة خشبية في قدر صغير، تقول: "مهروس الخضار المخصص للأطفال صار غدانا كلنا... نخلطه مع أرز أو برغل، ونحاول نطّيب الطعم بزيت أو كمون... المهم الولاد ياكلوا." مع استمرار الحرب على غزة وانقطاع سلاسل الإمداد وغياب المواد الأساسية من الأسواق، لجأت نساء كثيرات في القطاع إلى استخدام المكملات الغذائية المخصصة للأطفال كمصدر غذائي رئيسي في الطبخ اليومي. عبوات مهروس الدجاج، ومهروس الخضار، وزبدة الفول السوداني، باتت تُستخدم لإعداد وجبات لأسر كاملة في ظل انعدام الخيارات الأخرى. تقول عبير الزعانين نازحة من شمال غزة: "الفواكه اختفت، الخضار غالية، كيلو السكر بـ300 شيقل – يعني تقريبًا 80 دولار – واللحمة والبيض والألبان خلصوا من الدنيا... ما ظل غير مكملات الأطفال، منستعملها بطبخ الشوربة أو منخلطها بالرز." وتضيف الزعانين لصحيفة "فلسطين" أن استخدام هذه المكملات أصبح الحل الوحيد المؤقت لتوفير حد أدنى من الغذاء للأطفال والكبار على حد سواء. ابداع وتكيف وتقول اختصاصية التغذية أمل بهجة إن المكملات الغذائية تُعد مصدرًا حدًّا أدنى لاحتياجات الجسم، مؤكدة أن لجوء نساء غزة إليها في ظل انعدام الخيارات الغذائية يُظهر قدرًا كبيرًا من الإبداع والتكيف مع الواقع القاسي. وتتابع بهجة لـ"فلسطين": "مع ذلك، يجب التنبه إلى أن بعض هذه المنتجات تحتوي على نسب عالية من السكر والمواد الحافظة، ما قد يضر بالصحة إذا أُفرِط في استخدامها". وتشير إلى أن زبدة الفول السوداني على وجه الخصوص قد تسبب الحساسية لدى بعض الأطفال، وهي من المسببات الشائعة لمشكلات الجهاز المناعي، ما يستدعي الحذر عند تقديمها للصغار. وتوضح بهجة أن تنظيف الأسنان مباشرة بعد تناول زبدة الفول السوداني، خاصة الأنواع التجارية، أمر ضروري، نظرًا لاحتوائها على السكر وأحماض أوميغا-6، التي قد تتحول في الجسم إلى حمض الأراكيدونيك، مما يُلحق ضررًا بصحة الأسنان على المدى الطويل. كما تبيّن أن هذه الأطعمة، بمجرد فتح عبوتها، تُصبح عرضة للتلوث بالبكتيريا والفطريات، لأنها سريعة الفساد في ظل غياب التبريد. وتشدد على أن العبوة المفتوحة يجب أن تُستهلك في نفس اليوم، لأن تجاوز 12 ساعة من دون حفظ ملائم قد يجعلها خطرة على صحة الأطفال. وتلفت إلى أنه في بعض الحالات الخاصة، مثل إصابة الأطفال بالصفار الكبدي أو التهابات الكبد (A)، أو إصابة الكبار بالفشل الكلوي أو أمراض الكبد، يُنصح بتجنّب الأطعمة التي تحتوي على نسب عالية من الدهون والأملاح، لأنها قد تضر بصحة الكبد والكلى. ومع ذلك، ترى أن هذه المكملات، عند استخدامها ضمن نظام غذائي متوازن، يمكن أن تفيد الجميع بدرجات متفاوتة. أفكار يومية للبقاء في البيوت ومراكز الإيواء، باتت النساء يستخدمن هذه المكملات في إعداد وجبات يومية مبتكرة: شوربة أرز بالخضار المهروسة، برغل بزبدة الفول السوداني، فطائر محشوة بمهروس الدجاج، أو حتى معجون الفول السوداني مذاب في ماء دافئ كوجبة صباحية. تقول أم يزن أبو عفش (٣٠) عاما، أم لأربعة أطفال:"ما في لا شوكولا ولا بسكوت ولا سكاكر. فأحاول أخلط المهروس بشي طيب، وأقدمه بشكل حلو... مشان الولاد ما يزهقوا من الطعم." رغم الفوائد الجزئية لهذه المكملات، إلا أن الاعتماد الكلي عليها لفترات طويلة يشكل خطرًا حقيقيًا على الصحة العامة، خصوصًا للأطفال الذين يحتاجون إلى نظام غذائي متكامل لبناء أجسادهم ومناعتهم. ومع استمرار الأزمة، يبقى لجوء العائلات إلى المكملات الغذائية ليس خيارًا صحيًا بقدر ما هو حيلة من أجل البقاء. في غزة اليوم، لا تُستخدم مكملات الأطفال لإكمال الغذاء... بل باتت هي الغذاء الوحيد المتاح. المصدر / فلسطين أون لاين

تقرير حازم العرعير... أب يفقد ساقيه في سبيل إطعام أطفاله
تقرير حازم العرعير... أب يفقد ساقيه في سبيل إطعام أطفاله

فلسطين أون لاين

time٠٢-٠٧-٢٠٢٥

  • فلسطين أون لاين

تقرير حازم العرعير... أب يفقد ساقيه في سبيل إطعام أطفاله

غزة/ هدى الدلو: في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، عاش الشاب حازم العرعير (28 عامًا) حياة بسيطة، محاطًا بزوجته وطفليه، يسعى لتأمين لقمة عيشهم وسط واقع يزداد قسوة مع كل يوم جديد من حرب الإبادة الجماعية. لم يكن يعلم أن خروجه بحثًا عن طرد غذائي، في ظروف معيشية خانقة، سيكون آخر عهد له بالسير على قدميه. في أحد أيام الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، وبعد ساعات من التنقل بين المراكز والمؤسسات الإغاثية أملاً في الحصول على طرد غذائي، قرر العرعير العودة إلى أطفاله خالي الوفاض، لكن قلبه ممتلئ بالحزن والتعب. وأثناء سيره في أحد شوارع الشجاعية، أطلقت طائرة حربية إسرائيلية صاروخًا استهدف مجموعة من المواطنين المارة، كان يمشي بينهم. يقول العرعير لصحيفة "فلسطين": "في يوم الخامس من يناير 2025، تغيّرت حياتي إلى الأبد، لم أكن أدرك أن خروجي من منزلي للحصول على كابونة غذائية لطفلي، سينتهي ببتر ساقي ويُدخلني في دوامة من المعاناة ". في لحظة واحدة، فقد جزءًا من جسده، وتحولت حياته بالكامل، كان يعيل عائلته ويقف على قدميه، "واليوم لا أستطيع حتى قضاء أبسط احتياجاتي بنفسي"، بهذه الكلمات يلخص حازم بداية مرحلة هي الأصعب في حياته. سقط فجأة، لم يستوعب ما حدث، شظايا في كل مكان، والناس كانت تركض بحثًا عن نجاة مستحيلة. غاب العرعير عن الوعي، لست ساعات كاملة، قبل أن يفتح عينيه ليجد نفسه في قسم العناية المركزة بمستشفى الشفاء، لم يدرك بعد حجم الكارثة التي ألمّت به، أول ما وقع عليه نظره كان وجه صديقه الذي حاول طمأنته قائلاً: "ما تقلق، واحدة من رجليك مكسورة، والثانية فيها بلاتين". لكن إحساس العرعير الداخلي لم يصدّق، فبادر بسؤال الطبيب المناوب عن حالته، فقال له الطبيب: "أنت بخير"، لكنه أصر: "أنا راضي، بحكم الله وقدره، قولّي الحقيقة"، عندها فقط، أخبره الطبيب بالحقيقة الصادمة: "تم بتر قدميك الاثنتين". صمت العرعير للحظة، ثم قال بصوت هادئ مكسو بالإيمان: "الحمد لله... المهم إني عايش، وأولادي ما فقدوني". منذ تلك اللحظة، بدأت رحلة أخرى من الألم والتأقلم، ليس فقط مع الوجع الجسدي، بل النفسي أيضاً، زوجته وأطفاله لم يصدقوا في البداية حين سمعوا الخبر. يقول والده محمد العرعير: "صدمنا بخبر إصابته، وكانت بالغة لدرجة أن الطبيب أخبرنا أن وضعه صعب وقد لا ينجو منها". ويضيف: "لقد كان حازم شابًا نشيطًا، يسعى دائمًا من أجل أولاده، اليوم يحتاج لمن يساعده حتى في أبسط التفاصيل". أما الشاب المصاب فيقول عن تلك الأيام: "الله لا يحط حد في هيك موقف، الغيارات كانت مؤلمة، الأدوية نادرة، والعلاجات أصعب، وما زال هناك شظايا مستقرة داخل جسمي، منها ما ينتظر الأطباء أن يخرجها الجسم، ومنها ما انغرست في العظم وتحتاج إلى عمليات جراحية معقدة لإزالتها". الطبيب أخبره أنه لا يمكن تركيب طرف صناعي إلا بعد إزالة كل الشظايا من قدمه، وإجراء عملية بتر إضافية للعظم الزائد. الشاب العرعير اليوم ينتظر تركيب أطراف صناعية ليتمكن من استعادة جزء من حياته، لكنه يؤمن أن فقدانه لساقيه لم يُسقط عنه دوره كأب، "بدي أعيش كرمال أولادي... ما بدي اياهم يشوفوني ضعيف أو محطم". وبعد أن مرت خمسة شهور على الإصابة، ما زال عاجزًا عن الحركة باستقلالية. يقول: "ما بقدر أطلع لحالي، البيئة حولي ما بتسمح. حتى إني فقدت عملي في محل الزجاج، واليوم بت أفكر بمشروع صغير أعيش منه أنا وأولادي". ويعيش حاليًا في خيمة بعد أن نزح قسرا أكثر من مرة الحياة في الخيام قاسية ومهينة، كما يقول: "أعيش ببهدلة حقيقية، وكل صوت قصف بخليني أحس إني ممكن أضل لحالي، الخوف ما بيفارقني". لكن أصعب اللحظات لم تكن القصف ولا العمليات، بل تلك النظرات الخائفة من أطفاله، "في البداية أولادي ما كانوا يقبلوا يقربوا مني، خافوا مني. كانوا يسألوني: وين راحت رجلك؟ فقلت لهم: سبقتني للجنة". رغم كل هذا الألم، يتمسك العرعير بالأمل يحلم بتركيب طرف صناعي، وبحياة كريمة له ولأسرته. يختم بقوله: "أنا عايش مشانهم، بدي يشوفوني قوي، حتى لو قلبي موجوع". المصدر / فلسطين أون لاين

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store