أحدث الأخبار مع #يحيىاليعقوبي


فلسطين أون لاين
٢٩-٠٦-٢٠٢٥
- فلسطين أون لاين
تقرير عمارة "أبو إسكندر".. عشر دقائق لم تكفِ لاستيعاب الصدمة
غزة/ يحيى اليعقوبي: لم تكن مهلة العشر دقائق التي حددها جيش الاحتلال كافية لأخذ أي شيء، في لحظة سادت الفوضى داخل الشقق السكنية بعمارة "أبو إسكندر" بمدينة غزة على وقع صرخات تعالت من بيوت الجيران والشارع: "أخلوا المكان" دون توضيح ما طبيعة الاستهداف إن كان للعمارة أم لشقة بداخلها، لتخرج العائلات فورًا وبالكاد استطاعت النجاة بأرواحهم وأخذ ما هو قريب منهم من هواتف ووثائق شخصية ومحافظ نقود معظمها ربما كانت فارغة، بعضهم لم يتمكن حتى من ارتداء حذائه. تحت وطأة التهديد بالقصف خرجوا ولم يحملوا شيئًا سوى الصدمة والذهول، والتفكير فيما هو قادم من مأساة بعد فقد المأوى، وعادوا يحملون الذهول ذاته، وهم يرون طبقات العمارة تطبق على أحلامهم وذكرياتهم وتتحول إلى كومة ركام بعد انقشاع سحابة دخان كثيفة أحدثها القصف ليكون الخراب أكبر مما توقعوا لحظة خروجهم من الشقق معتقدين أن جيش الاحتلال سيقصفُ شقةً سكنية فيها. في أرضٍ ملاصقة، للعمارة تضم عشرات خيام إيواء لعائلات نزحت قسرا من المناطق الشرقية لجباليا هربًا من الموت، وتركوا آخر ما استطاعوا أخذه من مقتنيات وملابس لازمة لحياة النزوح من منازلهم، ونجوا بأجسادهم وأرواحهم، ومن شدة القصف تطايرت معظم الخيام وتمزقت معظمها. دون أن يدري ماذا حل بعمارته السكنية، عاد أبو جمال من عمله وأنزلته السيارة لمفرق "أبو سكندر" سار عشرات الأمتار، ليرى من بعيدا تجمعا للمواطنين أمام العمارة دون أن تتضح الصورة أمامه، كان ينوي أخذ غفوة نوم قصيرة بعد يوم عملٍ صعبٍ، ليقف بنظرات متصلبة وذهول فاق من عايشه، وهو يرى العمارة مدمرةً. مهلة قصيرة للنجاة "بدأت بالسؤال عن زوجتي وأولادي الذين تركتهم داخل الشقة، فأخبرني الجيران أن الجميع خرجوا أحياء بعد تحديد مهلة قصيرة للنجاة. حمدت الله أنهم بخير، لكن في نفس الوقت يعز علينا هذا الفراق وهذا الوداع لشقاء العمر، خاصة أنني نزحت عنها مدة طويلة خلال الحرب، فالبيت يمثل في الحرب شيئًا كبيرًا" قال تلك الكلمات لصحيفة "فلسطين" وهو يكتف يديه، ويقف أمام العمارة، وكأنّه يتأمل ذكريات عمره التي هدمها الاحتلال، ومحتارا كيف سيصل لشقته الواقعة بالطابق الثاني لمحاولة انتشال بعض المقتنيات. في الأعلى، تسلق جاره عبد السلام اليعقوبي الركام، وبدأ بالنبش هو وأخوته بأيديهم وبلا أدوات بدائية، فكانت الأيدي ما هو متوفر وامتد العمل على مدار يوم ونصف متواصل في إخراج الملابس وبعض المقتنيات التي ظلت سليمة. على مدار يومين انشغل اليعقوبي بمحاولة إخراج ما يمكن إخراجه من مقتنيات وملابس، ساعده في ذلك أنه يسكن بالطابق الخامس والأخير من البناية، فيما كانت الطوابق السفلية مطبقة على بعضها وعلى أحلام وذكريات ومقتنيات أصحابها. بوجه شاحب منهك وملابس مليئة بالغبار وبعينين غائرتين يقول لصحيفة "فلسطين": "أعادونا لنقطة الصفر، أمضيت حياتي كلها في محاولة شراء الشقة بعد سنوات من العيش في بيت إيجار، حتى كبر أبنائي السبعة فيها، اثنان منهم دخلوا الجامعة، لنخرج بهذا الشكل المفاجئ وتحت التهديد بالقصف". "حسبنا الله ونعم الوكيل".. خرجت تلك الدعوات من قلبه المكلوم، وهو يقف على ركام شقته السكنية وبجانبه كومة من الملابس وأدوات مطبخ وبعض الطعام استطاع إخراجها، وأخشاب أثاث منزله التي كانت تأوي ملابسه وذكرياتها، والآن ستصبح وقودًا لنارِ الطهي. كل كلمة كان ينطق بها كانت ممزوجة بأنين يتدفق من قلبه، يعلق على المهلة بضحكة مصحوبة بالقهر: "لم تزد عن عشر دقائق منحنا إياها الاحتلال. الاتصال جاء لأحد الجيران ولم يخبره ماذا سيستهدف الاحتلال هل شقة أم العمارة!؟، كنت عائدا للتو من مشوارٍ ولم أتناول الغداء بعد، لتبدأ حالة من الفوضى، خرجنا بملابسنا، على بعد مسافة رأيت الصاروخ وهو ينزل على العمارة ويدمر كذلك سيارتي التي لم يستطع إخراجها". في المخيم المجاور، كان النازحون يلملمون خيامهم المتطايرة على بعضهم، ويحاولون كنس الحجارة والردم المتطايرة، وإعادتها لموضعها، انهمك أبو أحمد على مدار يوم ونصف وجيرانه في كنس الردم، وإعادة تركيب الأخشاب. وفي محيط العمارة كان الجيران يزيلون الركام المتطاير داخل شققهم التي تضررت معظمها بشكل كبير، "الاحتلال تعمد إحداث كل هذا الخراب" يقول أبو أحمد لصحيفة "فلسطين" بينما كان يعيد نصب خيمته: "نزحنا إلى هنا في هذه الأرض هربًا من الموت. تركنا بيوتنا وكل شيءٍ، لنعيش فصلاً صعبًا وتشردًا جديدًا. تمزقت الخيام، وعندما عدنا لم نجدها في أماكنها". على مدار ساعات من العمل بعد القصف المدمر، لم يغفو الجيران وهم يزيلون الركام من داخل المنازل، وبقيت فتحات الجدران نتيجة شدة القصف شاهدة على يوم دام سيبقى محفورًا في ذاكرتهم، فكل يوم سينظرون من تلك الفتحات ليشاهدوا عمارة كبيرة كانت هي الأعلى بالمنطقة لتتحول لكومة ركام. عودة بعد نزوح مع صرخات الجيران، ارتدى سامح عبيد عباءته ووضع هاتفه ومحفظته في جيبه وخرج من المنزل، ليعود بنفس الصدمة التي رسمتها ملامح جيرانه، يثقل الحزن قلبه وهو يجلس على كرسي بلاستيكي أمام العمارة السكنية يتأمل الدمار الهائل، بينما يحاول أقاربه إخراج بعض المقتنيات والملابس من منزله الواقع بالطابق الأول". عن آخر اللحظات داخل البيت، يقول لصحيفة "فلسطين": "كنت بالبيت فسمعت الناس يصرخون "أخلوا المكان"، دون فهم أي شيء ارتدينا ملابسنا وخرجنا. كانت شقتي كل ممتلكاتي وتعب وشقاء العمر". نزح عبيد قسرا عن شقته لنحو أربعة عشر شهرًا في جنوب القطاع، وكانت لحظة عودته نهاية يناير/ كانون ثاني الماضي مع إبرام اتفاق وقف إطلاق النار، لحظات سعيدة، يستذكرها بالرغم من مرارة ما يعيشه الآن: "كانت لحظات مليئة بالفرح أننا وجدنا البيت وعشنا خمسة شهور بين جدران تأوينا مع أبنائي الثمانية، بالرغم من القصف والجوع"، واصفًا القصف بأنه "عملية إذلال للشعب لكي يشعر بالمرارة". بجواره، كان باسم صيام يتفقد العمارة، ويحاول أخذ بعض مقتنياته بالنبش بين الركام، نزح قسرا كحال جاره عبيد لخمسة عشر شهرًا جنوب القطاع، وعاد ليحتضن ذكرياته بعد خمسة عشر عاما من العيش فيها وهو ستة من أبنائه، يقول وهو يقف قبالة الركام لصحيفة "فلسطين" ويتقلب الوجع بين كلماته: "البيت يعني الستر والمأوى، كانت اللحظات الأخيرة هادئة لكن لم ندرِ أن خلف الهدوء تختبئ مأساة جديدة، والآن أصبحنا في الشارع". داخل حاصل بلا واجهة بفعل القصف، كان علي أبو زاهر يتفقد أدواته الكهربائية التي تعرض معظمها للتلف، كان يتفقد محاله الذي طاله الدمار، وينظر لصورة الخراب الذي حل في المكان، يسيطر الذهول على ملامحه وهو يروي لصحيفة "فلسطين": "لقد بشّع القصف حارتنا، المشهد صعب أشبه بزلزال، كل البيوت المحيطة تضررت بصورة كبيرة، بيتنا الذي تعرض لقصف سابق واستشهد به أخي وزوجته وأولاده، أيضًا أصيب بأضرار جديدة. البضائع داخل المحل قمت بتجهيز الكثير منها لبيعها لكنها تدمرت". المصدر / فلسطين أون لاين


فلسطين أون لاين
٢٤-٠٦-٢٠٢٥
- صحة
- فلسطين أون لاين
رهف وسيلا ونسرين... عائلة استيقظت على بقايا أجسادهنَّ
غزة/ يحيى اليعقوبي: في غرفة واحدة داخل أحد المستشفيات، تتوسط الأم نسرين ماضي (42 عامًا) ابنتيها رهف وسيلا، ترقد كل واحدة منهن على سرير منفرد بأوجاع مختلفة، وبتر طال أطرافهن جميعًا. تكتم الأم أوجاعها، تحاول أن تخفف من الآلام النفسية لطفلتها الصغيرة بعد بتر قدميها، تمسك بيدها، وتبحث عن الأمل في عيني ابنتيها، رغم أن الألم أقوى من أن يُخيطه الرجاء. الطفلة سيلا (8 سنوات)، خضعت لبتر فوق بتر، بعد أن تمددت الالتهابات إلى منطقة الحوض، نتيجة ضعف الإمكانيات الطبية ونقص الأدوية والمضادات الحيوية. تشتعل الحمى في جسدها، فيما تواجه ساقها اليسرى خطر البتر حتى الحوض، ما قد يصعّب عليها الجلوس مستقبلاً حتى على كرسي متحرك. في ليلة هادئة يلفها الصمت، وتحديدًا عند الساعة 11 مساءً من يوم 17 مايو/ أيار 2025، كانت العائلة تغط في نومها داخل خيمة نزحوا إليها في منطقة المواصي، المكان الذي قيل إنه "آمن". لكن الأمان انفجر على رؤوسهم حين سقط صاروخ على خيمة مجاورة، فأُصيبت العائلة بكارثةٍ لم تكن بالحسبان. قُذفت سيلا مسافة تقارب العشرين مترًا عن خيمتها، وفقدت قدمها اليمنى من حافة الحوض لحظة القصف، ثم خضعت لبتر قدمها اليسرى فوق الركبة بعد خمسة أيام بسبب التهتك، ولا تزال تعاني من الالتهابات وأوجاع لا تنتهي. أما شقيقتها رهف (17 عامًا)، فقد بُترت قدمها اليسرى بفعل شظايا الصاروخ، وتستقر شظايا أخرى داخل ساقها، مع التهاب وانتفاخ بمنطقة البتر. تحمل بداية شبابها على قدم واحدة، تحاول أن تخيط الوجع بخيوط الأمل، لكنها لا تخفي خيبتها. الأم نسرين بدت أقل إصابة من ابنتيها، إذ طال البتر إصبع يدها اليسرى وجزءًا من كعب قدمها اليسرى، لكنها لا تزال مهددة ببتر كامل للقدم. ويحاول الأطباء إنقاذ ما تبقى من عظام الكعب عبر إجراء ترقيع تجميلي. "رِجلين بناتي راحوا" تقول رهف لصحيفة "فلسطين"، بصوتٍ مكسورٍ تغلب عليه الدموع: "في تلك الليلة، كنا عائلة بسيطة نعيش يومًا عاديًا، تناولنا العشاء وذهبنا للنوم. سيلا نامت بجانبي. فجأة سمعت صوت انفجار، لم أستوعب ما حدث، فقط سمعت أمي تصرخ: رجليّن بناتي راحوا! شعرت بنزيف شديد ونُقلت للمشفى." تضيف: "استيقظت بعد العملية الجراحية وطلبت من الطبيب أن أرَى قدمي، شعرت بشيء غير طبيعي، كنت أستطيع تحريك قدم واحدة بينما الأخرى لا أشعر بها. حينها قال الطبيب: بنفعش أفرجيك إياها هسه، ففهمت أنني فقدت قدمي." كانت سيلا ترقد على السرير المجاور خلف ستارة، ولم تكن رهف تعلم ذلك إلا حين سمعتها تصرخ: "وين رجلي؟"، فحاول الطبيب تهدئتها قائلاً: "رجلك نايمة". تقول رهف: "في تلك اللحظة تأكدت أن أختي مبتورة القدم أيضًا. صدمة فوق صدمة، تشتتنا كعائلة، إخوتي الأربعة الناجون يعيشون مع الأقارب، ونحن في المستشفى، ولا نعلم ما سيؤول إليه حال أمي." لم يتوقف الألم عند حد البتر، بل تصف رهف ما يعرف بـ"كهرباء الجرح": "بكاء وألم لا تسكّنه أي أدوية. كنت أستعد لتقديم امتحانات الثانوية العامة، حلمت أن أكمل دراستي وأسافر، لكن الآن، أحاول فقط التعافي. العضلة الضامة بمنطقة البتر قصيرة، وهذا يعيق تركيب الطرف الصناعي". سيلا.. ألم مزدوج وجسد ناقص أما سيلا، الطفلة الذكية التي عُرفت بحبها للقراءة وتجويد القرآن والركض، فقد وجدت نفسها بلا قدمين، وعليها التكيف مع جسد ناقص. تقول رهف عن شقيقتها: "شظايا في ظهرها تمنعها من النوم، منذ خمسة أيام لم تغمض عينيها من الألم. المسكنات مفقودة، والعلاج ضئيل. ورغم صغر سنها، تُسأل كثيرًا عن قدميها، لكنها لا تتلقى سوى الصمت." نزحت العائلة من محافظة رفح إلى قيزان النجار، ثم إلى منطقة "فش فرش" في مواصي خان يونس، والتي صُنّفت "آمنة"، لكنها كانت واحدة من أكثر المناطق التي شهدت مجازر دموية. يقول خال الطفلة، أحمد ماضي، الذي يرافقها في مستشفى تديره منظمة "أطباء بلا حدود" في الزوايدة: "سيلا كانت تحلم أن تصبح مهندسة، لكنها اليوم بلا قدمين. في الأيام الأولى كانت ترفض مقابلة أحد، تُغطي وجهها فور دخول الطبيب، تعيش حالة نفسية صعبة للغاية." يُضيف بأسى: "بدأت تتقبل واقعها بعد بدء جلسات العلاج الطبيعي. طلبت مني ذات يوم أن أشتري لها حذاء، لم أستطع الرد. وفي مرة أخرى، قالت لي: هيني بحرك أصابعي.. وين ودّيتوا رجلي؟". كون البتر امتد إلى حافة الحوض، تجد سيلا صعوبة في الجلوس على كرسي متحرك، ويُضطر الطاقم الطبي إلى ربطها لمنع سقوطها، فيما تستمر الالتهابات في قدمها الأخرى. ثلاث ضحايا في خيمة احترقت سيلا، رهف، وأمهن نسرين.. كنّ داخل خيمة إيواء حين أسقطت طائرة حربية إسرائيلية صاروخًا مزّق أجسادهن في لحظات، كما مزق الخيام التي وُصفت بأنها "ملاجئ آمنة". ثلاث ضحايا لا يزال الألم يسكن تفاصيل يومهن. أجساد مبتورة، ومستقبل غامض، وآلام لا تهدأ، وأحلام سُرقت في لحظة نومٍ داخل خيمة. هكذا تحوّل النزوح من قذائف إلى نار تقطع الأطراف، وتترك خلفها عائلات مدمّرة تبحث عن معنى جديد للحياة. المصدر / فلسطين أون لاين


فلسطين أون لاين
٢١-٠٦-٢٠٢٥
- صحة
- فلسطين أون لاين
تقرير "وعود ومماطلة".. سفارة السلطة بالقاهرة تترك مرضى السرطان من غزة لمصيرهم
القاهرة–غزة/ يحيى اليعقوبي: لا تقل أوضاع مرضى السرطان خارج غزة صعوبة عما هي عليه الحال داخل القطاع، فلم يكن سفر مرضى السرطان من غزة إلى الخارج نجاةً من براثن الحرب والمرض نتيجة تدمير الاحتلال الإمكانات والمستشفيات التخصصية لعلاجهم في القطاع، فبداخل المستشفيات المصرية تُرك الكثير منهم دون متابعة طبية وكافحوا في رحلة بحث شاقة عن العلاج، بين أروقة سفارة السلطة بالقاهرة التي صال فيها المرضى وجالوا بين مكاتب المسؤولين للحصول على علاج وتغطية ولم يتلقوا أي شيء سوى "وعود وتسويف ومماطلة". مكث كثيرون من المرضى بين غرف المستشفيات دون البدء بعلاجٍ إشعاعي أو كيماوي، ما دفع كثيرين منهم وبعد تفشي المرض باستكمال العلاج على نفقتهم الشخصية أو بالحصول على تبرعات خيرية. وكشف مرضى سرطان لصحيفة "فلسطين" أن سفارة السلطة بالقاهرة لا تقوم بدورها المطلوب تجاه توفير الرعاية الملائمة لهم فضلا عن قطع البرتوكول العلاجي لهم مع عدم تقديم دعم مالي، متهمين شخصيات محددة داخل السفارة بـ "المحاباة والواسطة" لمرضى معينين ومرافقيهم. تمييز ومحاباة نداء (اسم مستعار) وهي مريضة سرطان "ثدي" تقول: "كمرضى متواجدين بالقاهرة، فإن سفارتنا لا علاقة لها بنا، عندما نذهب إليها للحصول على أي ورقة نعامل بشكل غير لائق، هناك شخصية تدعى "ن. ب" كل المرضى يشتكون منها، فمثلا نحن كمرضى حصلنا على تغطية مالية من وزارة الصحة ونعيش بسكن مجاني، هناك مرضى سمحوا لهم بجلب أزواجهم وأولادهم معهم، ومرضى آخرين منعوا من ذلك وهذا كله تمييز لاعتبارات المحاباة". وتضيف نداء، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، لصحيفة "فلسطين": "يفترض أن يكون لنا راتب أو مخصص شهري. في أكتوبر ونوفمبر 2023 قدموا لنا مبلغ 4 آلاف جنيه، ورغم أنه مبلغ قليل إلا أنهم قطعوه بالرغم من وجود دعم، فضلا عن التكلفة الباهظة لعلاج السرطان بمصر. في المشفى حددوا لي 16 جرعة كيماوي أخذت جرعتين، ونقلت على السكن وقطع العلاج عني، ومكثت خمسة أشهر بدون علاج، وأمضيتها دائرة بين السفارة والمشفى وهذا مع وجود تغطية مالية". وتتابع: "طلبت مني السفارة التوجه لمعهد الأورام، وهناك أبلغوني أنه علي انتظار انتهاء علاج 2700 حالة، وهذا يعني أن حالتي ستتفاقم ومريض السرطان لا يمكنه الانتظار، وهناك مرضى توفوا بسبب ذلك، ولولا قدوم متبرع من مدينة سوهاج قام بأخذ مرضى سرطان فلسطينيين وعالجهم على نفقته لساءت حالتي، وكنت يوميا أذهب في طريق طويل تستغرق تسع ساعات ذهابا ومثلها عودة، حتى انتهيت من العلاج وكانت نتائج الفحوصات الأخيرة جيدة". ولا تنحصر مشاكل المرضى عند موضوع العلاج، بل تتفاقم في العيش داخل سكن تتشارك فيه عدة عائلات سواء داخل الشقة الواحدة أو داخل الغرفة نفسها، وعن ذلك توضح: "يضعون كل أربعة مرضى بغرفة واحدة، من خلال وضع أسّرة من ثلاثة طوابق بغرفة واحدة بعرض ثلاثة أمتار مربعة، لم يوفروا لنا طعاما ولا مساعدات، قد توضع أربعة عائلات بغرفة واحدة، وقد يتم وضع كل عائلة بغرفة داخل الشقة نفسها، مما ينتج مشاكل وخلافات بين الأسر، على النظافة والأطفال، المشاركة بدورة المياه والمطبخ فضلا عن التدخل بالخصوصيات، وجود رجال بعائلة بنفس الشقة والعائلة الأخرى يكون بينهم نساء". أما الحاجة صبحية البابا من بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، فوصلت مصر في 7 إبريل/ نيسان 2024، بعد مكوث دام سبعة أشهر للعلاج بالمستشفى الأوروبي، في آخر ثلاثة أشهر لها بغزة انقطع العلاج. تقول ابنتها المرافقة لصحيفة "فلسطين": "نزلنا بمستشفى النيل، لكن تفاجأنا أنهم طلبوا منها استمرار أخذ العلاج الهرموني، رغم أنها تحتاج جرعات كيماوية، ومضت سنة كاملة ولم يسأل علينا أحد، وكنا نجلب الدواء على نفقتنا من حبوب كيماوي وهرمونات وعلاج للقلب، فقمنا بعرضها على طبيبة خاصة وأجرينا تحاليل: مسح ذري، وإيكو، وتحاليل دم، وأقرت لها 17 جرعة كيماوي على أن يكون الوقت الزمني بين جرعة وأخرى 21 جرعة ثم استئصال الثدي". وتتابع: "ذهبنا لوزارة التضامن وللسفارة، وقمنا بتجديد التحويلة والتغطية المالية التي صدرت قبل رمضان الماضي، وقدمناها لسفارة (السلطة) بالقاهرة والآن وبعد كل هذا الانتظار سنبدأ العلاج، لكن للأسف حالتها صعبة، وفي كل مرة تذهب للمستشفى تخرج بإسعاف على نفقتنا بأسعار باهظة". وبلغ عدد مرضى السرطان في قطاع غزة 11 ألف مريض بينهم 2900 مريض بانتظار السفر، ونحو 1500 مريض فقط تمكنوا من السفر خلال حرب الإبادة المستمرة منذ 20 شهرا. انتظار مجهول أجرت سناء أحمد (اسم مستعار) عملية استئصال للثدي نهاية سبتمبر/ أيلول 2023، لكن حدوث حرب الإبادة الجماعية في 7 أكتوبر/ تشرين أول من العام ذاته، حال دون استكمالها العلاج الإشعاعي، وبعد نزوحها القسري من مدينة غزة لمنطقة الزوايدة وسط القطاع ثم محافظة رفح، تقدمت بتحويلة طبية في نوفمبر/ تشرين ثاني من ذات العام، وصدرت في مارس/ آذار 2024 ورافقها طفلتاها وأمها للسفر لاستكمال العلاج بالقاهرة. تقول أحمد، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، لصحيفة "فلسطين": "نزلت بالمشفى المصري ومكثت شهرًا كاملاً دون علاج، ثم طلبوا مني الخروج من المشفى على السكن الذي تديره وزارة التضامن. خرجت دون أية معلومات أو مواعيد عن كيفية المتابعة وطريقة العلاج، وعندما وصلت السكن المخصص للمرضى الفلسطينيين، ذهبت مرارا سواء للمشفى أو السفارة لطلب العلاج دون استجابة من أي جهة كانت، وكلها كانت توجه وعودا، فضلا عن التسويف والمماطلة في كل مرة". وتضيف: "كانوا في السفارة يوجهوننا لمستشفيات مصرية، وكان الأمر شكليًا فقط فعندما نصل المشفى لا يتم علاجنا ويطلبون منا المغادرة، وهذا الإجراء هدفه أن تمل وتترك المتابعة، فعلى مدار عام ونصف لم أحصل على حبة دواء واحدة لعلاج مرض السرطان سواء من المستشفيات أو من خلال السفارة الفلسطينية بالقاهرة"، لافتة، إلى أن "فاعل خير" هو من وقف بجانبها ووفر لها العلاج الإشعاعي. ورغم أنها استطاعت توفير العلاج الإشعاعي، لم تقم المشفى باستكمال التصوير والمتابعة، وتتابع: "تبقى استكمال العلاج الهرموني وبنفس الطريقة سعيت وبحثت كثيرا إلى أن وصلت لمجموعة أفراد يساعدون حالات قليلة من مرضى السرطان، وقبلوا مساعدتي ضمن برنامجهم وقاموا بتغطيتي ماليا وتوفير العلاج اللازم. السفارة تخلت عنا ولولا فاعلي الخير لتفاقمت حالتي". وبحسب مصدر مطلع على واقع مرضى السرطان بمصر، فإن المرضى بمصر ينقسمون إلى ثلاثة أقسام، القسم الأول موجود بالمستشفيات وليس له علاج بهذه المستشفيات ولا يتم تحويله على مكان آخر، وقسم من المرضى موجود بالمستشفيات ويأخذ علاجا بسيطا وقليلا، وقسم أنهى علاجه وموجود بمساكن وأوضاعهم صعبة، ويتم وضع نحو خمس عائلات في شقة واحدة وهذا لا يتناسب مع عادات الشعب الفلسطيني الاجتماعية. ووفق تقديرات المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته لصحيفة "فلسطين" يبلغ عدد مرضى السرطان من غزة بمصر نحو 700 مريض، استطاع الوصول إليهم توفي العديد منهم نتيجة تأخير علاجهم، مؤكدًا، عدم وجود جهات رسمية تتابع أوضاع المرضى الذين يضطرون لخوض رحلة صعبة للانتقال من مشفى لآخر، فضلا عن تقييد حركتهم داخل المسكان وتقييد على زيارتهم. وعن دور السفارة، يوضح "تحاول السفارة حصر دورها بالمعايير المصرية بأشد ما يمكن، دون التدخل لمساعدة المرضى بأقصى طاقة، ودورها ينحصر بالحدود الأدنى في أي شيء قد تفعله تجاه المرضى، وليس لديها قسم لاستقبال الشكاوى أو أية استفسارات من المرضى. المصدر / فلسطين أون لاين


فلسطين أون لاين
٠٨-٠٦-٢٠٢٥
- سياسة
- فلسطين أون لاين
تقرير كمائن "حجارة داود"... تحوُّل " عربات جدعون "لأهداف متحرِّكة داخل"ميدان خداع" دائم
غزة/ يحيى اليعقوبي: تفقد كمائن كتائب القسام الأخيرة التي تنفذ ضمن ما اسمته كمائن "حجارة داود" قوات جيش الاحتلال ميزة المبادرة وتحول الجنود لأهداف متحركة داخل "ميدان خداع" دائم أقامه القسام، ويكشف وفق مراقبين، هشاشة مفهوم السيطرة الميدانية التي يحاول الاحتلال الترويج لها بشكل دائم حول قدرته على السيطرة والتمركز بأماكن كثيرة. وفجر مقاومو القسام أول أمس نفقا في قوة إسرائيلية راجلة من ستة جنود وأقعوهم وفي بيان للقسام، بين قتلى وجرحى في منطقة "مرتجى" جنوب شرق خان يونس. وفي أحد أكبر خسائر لجيش الاحتلال، وقعت قوة من نخبة جنود الاحتلال مكونة من 12 جنديا وضابطا، بكمين للقسام بعد انهيار مبنى مفخخ في خان يونس، وتحدثت وسائل إعلام عبرية عن مقتل خمسة من جنوده وإصابة اثنين بجروح خطيرة وحروق شديدة في جميع أنحاد أجسامهم. ويظهر ما نقلته صحيفة "يديعوت أحرنوت" عن والدة الجندي الإسرائيلي "توم روتشتين" الذي قتل في الكمين حجم تأثير الانفجار، فقالت: إن "الجيش تعرف على ابنها بواسطة الحمض النووي، مؤكدة، أن جثة ابنها تلاشت وكذلك القوة التي كانت معه، وأنه تبخر من العالم ولم تحظ حتى بالحصول على جثته". كمائن مركبة كما أعلن القسام الخميس الماضي، أن مقاوميه نفذوا كمينا مركبا في منطقة الخط الشرقي في محيط موقع المبحوح شرق مخيم جباليا شمال قطاع غزة، وذلك يوم الأحد الموافق 2 يونيو/ حزيران الجاري، حيث قام المقاومون بتدمير ناقلة جند من نوع "نمر" بقذيفة "الياسين" 105، وعبوة الشواظ، وإيقاع طاقمهما بين قتيل وجريح. وأضاف القسام في البيان: "بعد تدخل قوة النجدة وانسحابها فجر المقاومون عبوة شديدة الانفجار في جيب همر وأوقعوا من بداخله بين قتيل وجريح ومن ثم الاشتباك مع من تبقى من أفراد قوة النجدة بالأسلحة الخفيفة، وفور هبوط طائرة مروحية من نوع "يسعور" للإخلاء تم استهدافها بالأسلحة الرشاشة وأجبروها على الانسحاب". وقال الناطق باسم القسام "أبو عبيدة" تعليقا على الكمائن: لا يزال مجاهدونا ورثة الأنبياء يقذفون بحجارة داود على عربات جدعون، فتدمغ جبروت الاحتلال فإذا هو زاهق، ليسطروا ببطولاتهم انتصار الفئة المؤمنة المستضعفة على الفئة الظالمة المتغطرسة"، مؤكدا، أن ما تكبده الاحتلال من خسائر بخان يونس وجباليا هو امتداد للسلة العمليات النوعية، ونموذج لما ستجابه به قوات الاحتلال في كل مكان تتواجد فيه. وقبل "حجارة داود" فتحت كتائب القسام "أبواب الجحيم" على قوات جيش الاحتلال وآلياته في محافظة رفح جنوب بقطاع غزة وفي بلدة بيت حانون شمال القطاع. ونشرت القسام في 7 مايو/ أيار الماضي مقطعًا مرئيًا أعلن فيه عن سلسلة عمليات "أبو اب الجحيم" برفح يوثق كمينًا نفذه مقاومها في 3 مايو/ آيار الجاري، بالقرب من مستشفى أبو يوسف النجار بحي الجنينة شرقي المحافظة، فجرت خلاله عين نفق واستهدفت دبابة ميركفاة 4، جاءت لإجلاء القتلى ضمن قوات النجدة بقذيفة ياسين "105"، وكذلك جرافة عسكرية من نوع D9 بنفس النوع من القذيفة. لم يمر يوم على الكمين السابق، حتى بدأت وسائل الإعلام العبرية تتحدث عن حدث أمني صعب جنوب القطاع وقع في 8 مايو/ أيار الماضي، وشوهد الطيران المروحي وهو يجلي المصابين والقتلى في كمين جديد للقسام بحي الجنينة شرق رفح، استهدفت خلاله قوة هندسية إسرائيلية قوامها 12 جنديًا كانت تتجهز للقيام بعملية نسف داخل أحد المنازل بقذيفتين مضادتين للأفراد والدروع مما أدى لانفجار كبير. عمليات نوعية بدوره، أكد الخبير بالشأن العسكري د. رامي أبو زبيدة، أن كمائن المقاومة الأخيرة تؤشر أنها في مرحلة العمليات النوعية من حيث التخطيط الدقيق والتوظيف الهندسي للأرض، وما حدث بخان يونس وجباليا لم يكن مجرد تفجير عبوات، بل اصطياد منهجي لقوات راجلة في بيئة معقدة، وبها مزيج من التمويه الذكي والتفخيخ المدروس والاستدراج المحكم لقوات الاحتلال المبني على دراسة مبنية للواقع وقائمة على معلومات استخبارية دقيقة. ورأى أبو زبيدة في حديثه لصحيفة "فلسطين" أن هذا الزخم بالعمليات يضرب ثقة الاحتلال في نجاعة الانتشار والجاهزية ويزرع الشك في قدرات الاحتلال الاستخبارية، وأنه قادر على التموضع والسيطرة، والقدرة على القضاء على المقاومة، لافتا، إلى أن التأثير كان واضحا بالخسائر البشرية لجيش الاحتلال بسقوط عدد كبير من القتلى في قوات الكوماندوز ولواء جفعاتي واللواء "98". وقال: إن "امتداد العمليات هزت الثقة بين القيادية الميدانية لجيش الاحتلال والمستوى السياسي، في وقت يبرز فيه الحديث عن ضعف الاستعدادات بالقوات البرية، فضلا عن وجود أعطال في الدبابات والأسلحة والمعدات كما تحدث ضباط كبار لوسائل إعلام عبرية". عن دلالة الندية في إطلاق القسام اسم "حجارة داود" على معركة المواجهة لعملية الاحتلال العسكرية التي سماها الاحتلال "عربات جدعون"، رأى، أن استخدام التسمية ليس اختيارا لفظيا بل حرب مفاهيم عميقة، وأضاف: "في الوعي الديني الإسلامي داود هو الفتى الضعيف الذي هزم جالوت العملاق بالحجارة والمقلاع، وهي رسالة من المقاومة أن ضعف العتاد يقابله تفوق بالإرادة والتصميم والتكتيك". وتابع: "تسمية "عربات جدعون" هو استدعاء إسرائيلي لسردية دينية تعكس القوة والتفوق، لكن حين تتحطم العربات في كمائن الحجارة، تكون الرسالة واضحة أنه لا قداسة لآلة القتل، وأن الميدان لم يعد حكرا على من يمتلك التكنولوجيا المتفوقة، بل أصبح ساحة يتفوق فيها من يمتلك العقيدة والابتكار والأرض". ويعتقد أن الكمائن النوعية تعد مؤشرًا على تحول في ميزان التكتيك القتالي داخل الميدان، ودليل على احتفاظ الكتائب بقدرات هندسية ولوجستية وعملياتية رغم كل القصف والعدوان، وقائمة على متابعة دقيقة لتحرك القوات الإسرائيلية، وتوظيف التحرك بالتوقيت والمكان المناسب الذي يخدم المقاومة، فكمائن خان يونس وجباليا لا تتم دون معرفة نمط تحرك قوات جيش الاحتلال. ولفت أن هذه الأمر دليل على وجود بنية تنظيمية لإدارة عمليات التفخيخ والتفجير والاستطلاع والانسحاب والإسناد الناري، مؤكدا، أن كمائن المقاومة تكشف هشاشة مفهوم السيطرة الميدانية التي يحاول الاحتلال الترويج لها بشكل دائم حول قدرته على السيطرة والتمركز بأماكن كثيرة. المصدر / فلسطين أون لاين


فلسطين أون لاين
٠٥-٠٦-٢٠٢٥
- صحة
- فلسطين أون لاين
تقرير مفقودون لم يعودوا من "مصائد الموت"... لا قبر ولا خبر
غزة/ يحيى اليعقوبي: "قبلها بيوم ما كانش في بيتي أي شيء".. ما قالته زوجة ضياء فيصل صيام (45 عامًا)، هو ما أجبره على التوجه إلى مركز توزيع المساعدات بمحافظة رفح جنوب قطاع غزة، صباح الخميس الماضي الموافق 29 مايو/ أيار 2025، مصطحبًا طفله محمد (12 عامًا). في تلك اللحظة وعد أطفاله الثلاثة الآخرين أن يعود "بما يسد رمق الجوع"، لكنه لم يعد. توجه صيام نحو طريق ميراج، ويومها وصل لعائلته خبر بفتح نقطة مساعدات تديرها مؤسسة أمريكية في تلك المنطقة. رافقه أحد جيرانه، ومع مرور الساعات دون عودته ظهر اليوم ذاته، بدأ القلق يزحف إلى قلب زوجته، التي بدأت بالاتصال على أشقاء زوجها وشقيقاته واحدًا تلو الآخر، لتصل إلى قناعة بحدوث شيءٍ أخّره عن القدوم. بصوت مليء بالقهر والحسرة، تحكي زوجته لصحيفة "فلسطين": "بعد العصر توجهت لمشفى ناصر، وبحثت بين سجلات المصابين والشهداء فلم أجده، تجولت في كل الأقسام على أمل أن يكون فيها، وفي اليوم الثاني عدت مجددًا وانتظرت طويلًا ولم أجدهم، وأبلغت عن فقدانهم". لم يعد لأطفاله منذ ستة أيام، يكتوي قلب زوجته بنيران الغياب. توجهت إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر دون أن تصل إلى أي معلومة تبرد قلبها وقلوب أطفالها الثلاثة. تقول بقلب يثقله الغياب المجهول: "ما كانش عنا أي شيء نأكله قبل بيوم، وقال لي إنه رايح لمركز المساعدات. كان مترددًا وخايف يصير شيء، لكنه قال لي: (أنا خايف أروح.. بس الأولاد كاسرين ظهري، ما فيش حاجة عنا!)". وعن مركز توزيع المساعدات الذي فُقد فيه زوجها، أضافت بنبرات غضب: "أعطوا الناس أمان أول يوم، وطلع استدراج للموت. كل يوم في عشرات الشهداء. كل ثانية بتمر مرهقة بدون معرفة مصيرهم. ولو رجعوا، ما رح أرسلهم هناك حتى لو متنا من الجوع". ما يمنحها بعض الأمل هو ما قاله جيرانهم، إنهم تواصلوا مع مصادر في الصليب الأحمر وأُبلغوا أن طفلها المعتقل لدى جيش الاحتلال، وتوضح: "جارنا في مخيم الإيواء اسمه عبد المعين حرز الله، وهو من رافق زوجي وابني، وأتمنى يكونوا مع بعض". أما والده، فيصل صيام، فإلى جانب فقدان آثار نجله وحفيده، فقد استُشهد شقيقه نضال أثناء محاولته الحصول على طرد غذائي من مركز المساعدات في رفح، تاركًا خلفه ستة أبناء. يقول لصحيفة "فلسطين": "وقعت عليّ مصيبتان. أخي أحضرنا جثمانه ودفناه، أما ابني فلم نعرف إن كان معتقلًا أم شهيدًا. ما يقلقني أنه لو استُشهد، قد يكون ملقى على الطريق لتأكله الكلاب الضالة، وفي هذه الحالة أريد مواراته الثرى". تركوه ينزف في حادثة فقد أخرى، دفع توجه العائلات والشبان والأطفال من مخيم البريج وسط القطاع إلى مركز المساعدات قرب جسر وادي غزة بمحور نيتساريم، الشاب عبد الله المغاري (37 عامًا)، والذي يعاني من ضمور في الدماغ ونوبات تشنج، إلى الانضمام للحشود الخميس الماضي الموافق 29 مايو/ أيار. مع توافد الآلاف، أطلقت ثلاث دبابات إسرائيلية النار بكثافة تجاههم، ما أدى لإصابة الفتى عبيدة أبو موسى (16 عامًا) برصاصة في بطنه، وإصابة المغاري بذراعه، لكنه رفض ترك جاره الفتى وحيدًا، وحاول حمله بمساعدة شاب آخر. ومع اشتداد الألم عليه، طلب من الشاب أن يتركهم ويبلغ عائلته أنه بقي مع الفتى ولم يتركه. في تلك اللحظة، كان المصوّر فضل المغاري يوثّق مشاهد الزحام، حين تلقى اتصالًا بإصابة شقيقه عبد الله. لم يستطع الوصول إليه بسبب تدافع الناس والغبار وكثافة إطلاق النار. يقول لصحيفة "فلسطين": "حاولت التقدم للأمام، لكن المدفعية والرصاص منعتني. بحثت عنه بين الناس ولم أجده". ويتابع: "أخي يعاني من ضمور دماغي، إدراكه مثل طفل بعمر عشر سنوات. سار خلف الناس واصطف معهم دون أن نعرف. وعندما أُصيب مع عبيدة، رفض تركه. الشاب الذي حاول مساعدتهما تركهما مع استمرار إطلاق النار وتقدم الدبابات، ثم أخبرنا بتفاصيل ما حدث". ويضيف: "لا نعرف إن كان جيش الاحتلال أخذهم أم تُركوا في المكان. تواصلنا مع الصليب الأحمر ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، وأُجري تنسيق لعشر مرات للتوجه إلى الموقع الذي فُقد فيه أخي والفتى، لكن جيش الاحتلال رفض". ووفق شهود عيان، أعطى عنصر من الشركة الأمريكية إشارة انسحاب لعناصر الشركة، وإشارة استدعاء لقوات الاحتلال، فتقدمت ثلاث دبابات من ثلاث اتجاهات، ومعها طائرة مسيّرة (كواد كابتر) وأطلقت نيرانًا كثيفة على المحتشدين، وأُصيب أخوه والفتى. أب ينتظر عودة نجله منذ ستة أيام، لم يفارق الحاج جبر أبو موسى مدخل النصيرات. في كل يوم يحاول الوصول إلى النقطة التي فُقدت فيها آثار نجله عبيدة (16 عامًا). منذ لحظة إصابته، حمل الأب قطعة قماش بيضاء وتوجه إلى هناك، لكن دبابة إسرائيلية أطلقت النار عليه وأسقطت طائرة مسيّرة قنبلة باتجاهه، فاضطر للتراجع. يروي لصحيفة "فلسطين" ودموعه تنساب بحرقة: "كل وقتي أقضيه عند المدخل. لولا أولادي يرجعوني للبيت، لما عدت. لن أرتاح حتى أعرف: أين ابني؟ وماذا حصل معه؟". ويضيف: "لو أعرف أنه شهيد سأترحم عليه وأدعو الله أن يصبرنا على فراقه، وإن كانت جثته هناك، أريد أن أدفنه. وإن كان مصابًا نريد أن نعرف.. هذا حقنا". ويتابع بحرقة: "ابني ذهب مع إخوته، لكن مع شدة التدافع وقت إطلاق الرصاص، تفرق عنهم وأُصيب مع المغاري. وعندما عدت للمكان، ورفعت قطعة قماش بيضاء، أطلقوا الرصاص علي ومنعوني من الاقتراب. لكن ما يعطيني أمل أنني رأيت مروحية تحلق على علو منخفض.. هل كانت تنقل مصابين؟ لا نعرف". ويتساءل: "كيف تستدعي المؤسسة الأمريكية الناس، ثم يطلق عليهم جيش الاحتلال النار؟"، متهمًا إياها بتحويل المساعدات إلى "مصيدة واستدراج لأبناء الشعب"، لتصبح المساعدة طُعمًا للموت. دعوات للمحاسبة وشدّدت منظمة العفو الدولية على ضرورة رفض خطة المساعدات الإنسانية التي تستخدمها (إسرائيل) سلاحًا، واتهمت المجتمع الدولي وعلى رأسه أمريكا بالسماح باستمرار الكارثة والإبادة. وأكدت أن إطلاق النار على فلسطينيين جياع قرب موقع للمساعدات هو "حدث مروّع" يستدعي تحقيقًا فوريًا ومستقلًا. وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي، بلغ إجمالي الشهداء 102 شهيد، و522 إصابة، و9 مفقودين منذ بدء العمل بالخطة الأمريكية لتوزيع المساعدات في 27 مايو/ أيار الماضي. ويقول مدير المكتب د. إسماعيل الثوابتة: "ما يُسمى مراكز توزيع مساعدات تحولت إلى مصائد موت جماعي، يُستدرج إليها الناس المنهكون بالجوع، ليُطلق عليهم الرصاص بدمٍ بارد، في مشهد يفضح زيف المشروع الذي يُسوَّق بواجهة (إنسانية)، بينما يُدار أمنيًا من جيش الاحتلال وشركة أمنية أمريكية". وأوضح أن هذه المراكز تُقام في مناطق خاضعة كليًا للسيطرة العسكرية للاحتلال، وتُدار أمنيًا منها، ما يسقط أي ذريعة للارتباك أو الخطر المفاجئ. من جهته، قال الباحث في المركز الفلسطيني للمفقودين، غازي المجدلاوي: "في الوقت الذي يُفترض فيه أن تكون المساعدات الإنسانية طوق نجاة، تحولت مراكز التوزيع الأمريكية إلى نقاط استهداف، وأصبحت واحدة من أبرز المشاهد التي تتكرر فيها حالات الفقد والاختفاء القسري". وأكد لـ"فلسطين" أن المركز يوثق تزايدًا ملحوظًا في عدد حالات الفقد بعد كل استهداف لهذه النقاط، حيث يُفقد الاتصال بالمواطنين دون القدرة على تحديد مصيرهم، في ظل غياب أي التزام من الجهات الفاعلة بتأمين هذه المناطق التي يُفترض أن تكون آمنة. وطالب المجدلاوي المنظمات الدولية بتحمّل مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية، وضمان عدم تحوّل المساعدات إلى أدوات موت ووسائل لتوسيع دوائر الألم. المصدر / فلسطين أون لاين