
تقرير "وعود ومماطلة".. سفارة السلطة بالقاهرة تترك مرضى السرطان من غزة لمصيرهم
لا تقل أوضاع مرضى السرطان خارج غزة صعوبة عما هي عليه الحال داخل القطاع، فلم يكن سفر مرضى السرطان من غزة إلى الخارج نجاةً من براثن الحرب والمرض نتيجة تدمير الاحتلال الإمكانات والمستشفيات التخصصية لعلاجهم في القطاع، فبداخل المستشفيات المصرية تُرك الكثير منهم دون متابعة طبية وكافحوا في رحلة بحث شاقة عن العلاج، بين أروقة سفارة السلطة بالقاهرة التي صال فيها المرضى وجالوا بين مكاتب المسؤولين للحصول على علاج وتغطية ولم يتلقوا أي شيء سوى "وعود وتسويف ومماطلة".
مكث كثيرون من المرضى بين غرف المستشفيات دون البدء بعلاجٍ إشعاعي أو كيماوي، ما دفع كثيرين منهم وبعد تفشي المرض باستكمال العلاج على نفقتهم الشخصية أو بالحصول على تبرعات خيرية.
وكشف مرضى سرطان لصحيفة "فلسطين" أن سفارة السلطة بالقاهرة لا تقوم بدورها المطلوب تجاه توفير الرعاية الملائمة لهم فضلا عن قطع البرتوكول العلاجي لهم مع عدم تقديم دعم مالي، متهمين شخصيات محددة داخل السفارة بـ "المحاباة والواسطة" لمرضى معينين ومرافقيهم.
تمييز ومحاباة
نداء (اسم مستعار) وهي مريضة سرطان "ثدي" تقول: "كمرضى متواجدين بالقاهرة، فإن سفارتنا لا علاقة لها بنا، عندما نذهب إليها للحصول على أي ورقة نعامل بشكل غير لائق، هناك شخصية تدعى "ن. ب" كل المرضى يشتكون منها، فمثلا نحن كمرضى حصلنا على تغطية مالية من وزارة الصحة ونعيش بسكن مجاني، هناك مرضى سمحوا لهم بجلب أزواجهم وأولادهم معهم، ومرضى آخرين منعوا من ذلك وهذا كله تمييز لاعتبارات المحاباة".
وتضيف نداء، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، لصحيفة "فلسطين": "يفترض أن يكون لنا راتب أو مخصص شهري. في أكتوبر ونوفمبر 2023 قدموا لنا مبلغ 4 آلاف جنيه، ورغم أنه مبلغ قليل إلا أنهم قطعوه بالرغم من وجود دعم، فضلا عن التكلفة الباهظة لعلاج السرطان بمصر. في المشفى حددوا لي 16 جرعة كيماوي أخذت جرعتين، ونقلت على السكن وقطع العلاج عني، ومكثت خمسة أشهر بدون علاج، وأمضيتها دائرة بين السفارة والمشفى وهذا مع وجود تغطية مالية".
وتتابع: "طلبت مني السفارة التوجه لمعهد الأورام، وهناك أبلغوني أنه علي انتظار انتهاء علاج 2700 حالة، وهذا يعني أن حالتي ستتفاقم ومريض السرطان لا يمكنه الانتظار، وهناك مرضى توفوا بسبب ذلك، ولولا قدوم متبرع من مدينة سوهاج قام بأخذ مرضى سرطان فلسطينيين وعالجهم على نفقته لساءت حالتي، وكنت يوميا أذهب في طريق طويل تستغرق تسع ساعات ذهابا ومثلها عودة، حتى انتهيت من العلاج وكانت نتائج الفحوصات الأخيرة جيدة".
ولا تنحصر مشاكل المرضى عند موضوع العلاج، بل تتفاقم في العيش داخل سكن تتشارك فيه عدة عائلات سواء داخل الشقة الواحدة أو داخل الغرفة نفسها، وعن ذلك توضح: "يضعون كل أربعة مرضى بغرفة واحدة، من خلال وضع أسّرة من ثلاثة طوابق بغرفة واحدة بعرض ثلاثة أمتار مربعة، لم يوفروا لنا طعاما ولا مساعدات، قد توضع أربعة عائلات بغرفة واحدة، وقد يتم وضع كل عائلة بغرفة داخل الشقة نفسها، مما ينتج مشاكل وخلافات بين الأسر، على النظافة والأطفال، المشاركة بدورة المياه والمطبخ فضلا عن التدخل بالخصوصيات، وجود رجال بعائلة بنفس الشقة والعائلة الأخرى يكون بينهم نساء".
أما الحاجة صبحية البابا من بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، فوصلت مصر في 7 إبريل/ نيسان 2024، بعد مكوث دام سبعة أشهر للعلاج بالمستشفى الأوروبي، في آخر ثلاثة أشهر لها بغزة انقطع العلاج.
تقول ابنتها المرافقة لصحيفة "فلسطين": "نزلنا بمستشفى النيل، لكن تفاجأنا أنهم طلبوا منها استمرار أخذ العلاج الهرموني، رغم أنها تحتاج جرعات كيماوية، ومضت سنة كاملة ولم يسأل علينا أحد، وكنا نجلب الدواء على نفقتنا من حبوب كيماوي وهرمونات وعلاج للقلب، فقمنا بعرضها على طبيبة خاصة وأجرينا تحاليل: مسح ذري، وإيكو، وتحاليل دم، وأقرت لها 17 جرعة كيماوي على أن يكون الوقت الزمني بين جرعة وأخرى 21 جرعة ثم استئصال الثدي".
وتتابع: "ذهبنا لوزارة التضامن وللسفارة، وقمنا بتجديد التحويلة والتغطية المالية التي صدرت قبل رمضان الماضي، وقدمناها لسفارة (السلطة) بالقاهرة والآن وبعد كل هذا الانتظار سنبدأ العلاج، لكن للأسف حالتها صعبة، وفي كل مرة تذهب للمستشفى تخرج بإسعاف على نفقتنا بأسعار باهظة".
وبلغ عدد مرضى السرطان في قطاع غزة 11 ألف مريض بينهم 2900 مريض بانتظار السفر، ونحو 1500 مريض فقط تمكنوا من السفر خلال حرب الإبادة المستمرة منذ 20 شهرا.
انتظار مجهول
أجرت سناء أحمد (اسم مستعار) عملية استئصال للثدي نهاية سبتمبر/ أيلول 2023، لكن حدوث حرب الإبادة الجماعية في 7 أكتوبر/ تشرين أول من العام ذاته، حال دون استكمالها العلاج الإشعاعي، وبعد نزوحها القسري من مدينة غزة لمنطقة الزوايدة وسط القطاع ثم محافظة رفح، تقدمت بتحويلة طبية في نوفمبر/ تشرين ثاني من ذات العام، وصدرت في مارس/ آذار 2024 ورافقها طفلتاها وأمها للسفر لاستكمال العلاج بالقاهرة.
تقول أحمد، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، لصحيفة "فلسطين": "نزلت بالمشفى المصري ومكثت شهرًا كاملاً دون علاج، ثم طلبوا مني الخروج من المشفى على السكن الذي تديره وزارة التضامن. خرجت دون أية معلومات أو مواعيد عن كيفية المتابعة وطريقة العلاج، وعندما وصلت السكن المخصص للمرضى الفلسطينيين، ذهبت مرارا سواء للمشفى أو السفارة لطلب العلاج دون استجابة من أي جهة كانت، وكلها كانت توجه وعودا، فضلا عن التسويف والمماطلة في كل مرة".
وتضيف: "كانوا في السفارة يوجهوننا لمستشفيات مصرية، وكان الأمر شكليًا فقط فعندما نصل المشفى لا يتم علاجنا ويطلبون منا المغادرة، وهذا الإجراء هدفه أن تمل وتترك المتابعة، فعلى مدار عام ونصف لم أحصل على حبة دواء واحدة لعلاج مرض السرطان سواء من المستشفيات أو من خلال السفارة الفلسطينية بالقاهرة"، لافتة، إلى أن "فاعل خير" هو من وقف بجانبها ووفر لها العلاج الإشعاعي.
ورغم أنها استطاعت توفير العلاج الإشعاعي، لم تقم المشفى باستكمال التصوير والمتابعة، وتتابع: "تبقى استكمال العلاج الهرموني وبنفس الطريقة سعيت وبحثت كثيرا إلى أن وصلت لمجموعة أفراد يساعدون حالات قليلة من مرضى السرطان، وقبلوا مساعدتي ضمن برنامجهم وقاموا بتغطيتي ماليا وتوفير العلاج اللازم. السفارة تخلت عنا ولولا فاعلي الخير لتفاقمت حالتي".
وبحسب مصدر مطلع على واقع مرضى السرطان بمصر، فإن المرضى بمصر ينقسمون إلى ثلاثة أقسام، القسم الأول موجود بالمستشفيات وليس له علاج بهذه المستشفيات ولا يتم تحويله على مكان آخر، وقسم من المرضى موجود بالمستشفيات ويأخذ علاجا بسيطا وقليلا، وقسم أنهى علاجه وموجود بمساكن وأوضاعهم صعبة، ويتم وضع نحو خمس عائلات في شقة واحدة وهذا لا يتناسب مع عادات الشعب الفلسطيني الاجتماعية.
ووفق تقديرات المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته لصحيفة "فلسطين" يبلغ عدد مرضى السرطان من غزة بمصر نحو 700 مريض، استطاع الوصول إليهم توفي العديد منهم نتيجة تأخير علاجهم، مؤكدًا، عدم وجود جهات رسمية تتابع أوضاع المرضى الذين يضطرون لخوض رحلة صعبة للانتقال من مشفى لآخر، فضلا عن تقييد حركتهم داخل المسكان وتقييد على زيارتهم.
وعن دور السفارة، يوضح "تحاول السفارة حصر دورها بالمعايير المصرية بأشد ما يمكن، دون التدخل لمساعدة المرضى بأقصى طاقة، ودورها ينحصر بالحدود الأدنى في أي شيء قد تفعله تجاه المرضى، وليس لديها قسم لاستقبال الشكاوى أو أية استفسارات من المرضى.
المصدر / فلسطين أون لاين

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


فلسطين أون لاين
منذ 3 أيام
- فلسطين أون لاين
تقرير لم يصل إلى الدَّواء... الطِّفل "عز الدِّين" يستشهد قبل أن يشفى
غزة/ يحيى اليعقوبي: لم يُكمل أحمد أبو لبدة (46 عامًا) جملته لطفله الصغير عز الدين (12 عامًا)، الذي كان يبعد عنه أمتارًا قليلة في ساحة عيادة الصليب الأحمر قرب منطقة "فش فرش" في مواصي خان يونس جنوب قطاع غزة، حتى دوّى إطلاق نار كثيف، صادر من جهة مراكز توزيع المساعدات الأمريكية ومن رافعة إسرائيلية متمركزة على الشريط الساحلي، صباح يوم 29 مايو/أيار 2025. وفي لحظة، سقط عز الدين أرضًا، فيما بدأت بركة دماء تنزف من رأسه الصغير. رصاصة واحدة خرقت الصمت، وكسرت مشهد الانتظار، كما كسرته صرخة والده وهو يركض نحوه: "وحيدي.. هذا ابني الوحيد!" نُقل الطفل إلى مستشفى ناصر بعد نحو نصف ساعة من إصابته برصاصة في الرأس، وأُدخل غرفة العناية المركزة، حيث بقي 42 يومًا يصارع الموت. ورغم مناشدات عائلته المتكررة للمنظمات الدولية من أجل تسفيره للعلاج، ظل المعبر مغلقًا، ليُستشهد وهو يبحث عن الدواء، بعدما سبقت الرصاصة العلاج. نومٌ على الرمل قبل الإصابة بعشرة أيام، نزحت العائلة من بلدة بني سهيلا شرق خان يونس إلى منطقة "فش فرش". وبسبب الاكتظاظ الشديد في المواصي، لم تجد العائلة مكانًا لنصب خيمتها، فافترشوا رمال الشاطئ لعدة أيام. كان عز الدين ينام مع والده في العراء، فيما كانت والدته تنام لدى أقاربها مع شقيقتيه ديما (14 عامًا) ودانا (5 أعوام). يروي والده لصحيفة "فلسطين"، محاولًا لملمة ما تبقى من قوته: "استيقظ عز باكرًا كعادته، تناول قطعة بسكويت ثم عاد للنوم قليلًا، كنا ننتظر ابن أخي ليساعدنا في نصب الخيمة. ذهبتُ مع والدته إلى العيادة للحصول على دواء لضغط الدم، وكان عز يُعاني من حساسية جلدية وكان ينتظر دواءه أيضًا، فأتى خلفنا." ويتابع بصوت يملؤه الحزن: "كان يقف بجانبي حين بدأت الطواقم الطبية تنادي بالدخول إلى العيادة، مع بدء إطلاق النار. ناديت عليه: (تعال وقف على الجنب)، لكن الرصاصة كانت أسرع من صوتي، فسقط أمامي، والدماء تنزف من رأسه بعدما اخترقت الرصاصة جمجمته من الجهتين." وفي مجمع ناصر الطبي، لم يُغادر الأب أبواب غرفة العناية إلا لساعات المساء. كان يعود صباحًا حاملاً الطعام لابنه، الذي تحسّنت حالته في بعض الأيام وبدأ يتنفس بشكل طبيعي. يقول والده: "في آخر ثلاثة أيام شعرت بالقلق عليه، بقيت بجانبه، أمسح عرقه وأراقبه، كان يتغذى عبر أنبوب." وفي يومه الأخير، 6 يوليو/تموز 2025، وصل الوالد متأخرًا إلى المستشفى، فتقدّم نحو الطبيب قائلًا: "تفضل، هذا طعام عز الدين"، لكنه فوجئ بإزالة الأجهزة الطبية عن جسده، لم يكن هناك صوت، لا نبض، ولا حراك. احتضنه الطبيب مواسيًا، فيما خرج الأب تائهًا نحو السلم ليصادف زوجته، التي لم تحتج إلا إلى نظرة واحدة لتنهار مغشيًا عليها. وحيد العائلة عز الدين هو الابن الوحيد بين شقيقتين. بعد عشر سنوات من محاولات الإنجاب الفاشلة، رُزق الزوجان بابنتهم "ديما"، ثم جاء "عز الدين" بعد عامين ليُكمل فرحتهما، وبعده بثماني سنوات جاءت "دانا". يقول الأب وهو يحبس دمعته: "قلبي رحل عني... كان بالنسبة لي الهواء والظل. كنت له أكثر من أب، علّمته الصلاة، وحفظ القرآن، وقبل أيام من وفاته، أنهى تسميع جزءٍ كامل، ولم يترك صلاة فجر واحدة في رمضان." ولد عز الدين في بلدة الشوكة شرق مدينة رفح، ونزح مع عائلته تسع مرات منذ بدء الحرب، آخرها إلى بني سهيلا، قبل أن تُجبرهم الاجتياحات الإسرائيلية على النزوح مجددًا إلى المواصي. كان يحلم بالسفر بعيدًا عن أجواء الحرب، عن القصف والموت، وقال لوالدته: "تعبت يما..." وطلب منها أن يُدفن بجانب عمه بسام الذي توفي قبل ثلاث سنوات. تحكي والدته، وقد سبقت دموعها الكلمات: "كان يبدو عليه الإرهاق، رغم عمره الصغير، بدأ يشعر بالتعب من الحياة والنزوح والفقر. قلت له: (أنت صغير، ليش بدك تسافر؟) فأجابني: (بدي أعيش بعيد عن الحرب)... ربما الآن هو فعلاً بعيد، في الجنة." قبل إصابته بيوم، شاهد عز رافعة الاحتلال القريبة أثناء تجوله مع والدته بحثًا عن مكان للخيمة، ونبّهها إليها قائلًا: "انتبهي، في رافعة هناك." وفي لحظة الفاجعة، لم تُدرك الأم أن الرصاصة أصابت ابنها، حتى بدأ والده بالصراخ، لتلتفت وترى دماءه تملأ ساحة العيادة. "آمن".. لكنه قُتل وُلد عز الدين في 20 نوفمبر 2012، وأدخل الفرحة إلى قلبَي والديه. حاولا حمايته من نيران الحرب، وهرَبا به إلى منطقة "آمنة" بحسب تعريف الاحتلال، لكنّه استُشهد فيها. لم يكن قلب الأم يتحمّل رؤيته في غرفة العناية، لكنها كانت تتمنّى فقط أن تراه يتعافى. طوال فترة علاجه، لم تتوقف العائلة عن مناشدة منظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر من أجل تسفيره، وحصلوا بالفعل على تحويلة علاج بعد يومين من الإصابة، لكن المعبر ظل مغلقًا، وبقي العلاج في الجهة الأخرى من الحاجز... بينما لفظ الطفل أنفاسه الأخيرة على السرير، يبحث عن الحياة، فلم يجدها. المصدر / فلسطين أون لاين


فلسطين أون لاين
منذ 5 أيام
- فلسطين أون لاين
تقرير المكمِّلات الغذائيَّة في غزَّة... حين يتحوَّل "طعام الأطفال" إلى وجبة للجميع
غزة/ مريم الشوبكي: في مطبخها المتواضع داخل أحد مراكز الإيواء، تقف إيمان أبو شاويش (34 عامًا) تحاول ابتكار وجبة تسد رمق أطفالها الثلاثة. لا طعام متنوعًا في الأفق، لا لحوم ولا دجاج، لا ألبان ولا فواكه. وبينما تحرّك ملعقة خشبية في قدر صغير، تقول: "مهروس الخضار المخصص للأطفال صار غدانا كلنا... نخلطه مع أرز أو برغل، ونحاول نطّيب الطعم بزيت أو كمون... المهم الولاد ياكلوا." مع استمرار الحرب على غزة وانقطاع سلاسل الإمداد وغياب المواد الأساسية من الأسواق، لجأت نساء كثيرات في القطاع إلى استخدام المكملات الغذائية المخصصة للأطفال كمصدر غذائي رئيسي في الطبخ اليومي. عبوات مهروس الدجاج، ومهروس الخضار، وزبدة الفول السوداني، باتت تُستخدم لإعداد وجبات لأسر كاملة في ظل انعدام الخيارات الأخرى. تقول عبير الزعانين نازحة من شمال غزة: "الفواكه اختفت، الخضار غالية، كيلو السكر بـ300 شيقل – يعني تقريبًا 80 دولار – واللحمة والبيض والألبان خلصوا من الدنيا... ما ظل غير مكملات الأطفال، منستعملها بطبخ الشوربة أو منخلطها بالرز." وتضيف الزعانين لصحيفة "فلسطين" أن استخدام هذه المكملات أصبح الحل الوحيد المؤقت لتوفير حد أدنى من الغذاء للأطفال والكبار على حد سواء. ابداع وتكيف وتقول اختصاصية التغذية أمل بهجة إن المكملات الغذائية تُعد مصدرًا حدًّا أدنى لاحتياجات الجسم، مؤكدة أن لجوء نساء غزة إليها في ظل انعدام الخيارات الغذائية يُظهر قدرًا كبيرًا من الإبداع والتكيف مع الواقع القاسي. وتتابع بهجة لـ"فلسطين": "مع ذلك، يجب التنبه إلى أن بعض هذه المنتجات تحتوي على نسب عالية من السكر والمواد الحافظة، ما قد يضر بالصحة إذا أُفرِط في استخدامها". وتشير إلى أن زبدة الفول السوداني على وجه الخصوص قد تسبب الحساسية لدى بعض الأطفال، وهي من المسببات الشائعة لمشكلات الجهاز المناعي، ما يستدعي الحذر عند تقديمها للصغار. وتوضح بهجة أن تنظيف الأسنان مباشرة بعد تناول زبدة الفول السوداني، خاصة الأنواع التجارية، أمر ضروري، نظرًا لاحتوائها على السكر وأحماض أوميغا-6، التي قد تتحول في الجسم إلى حمض الأراكيدونيك، مما يُلحق ضررًا بصحة الأسنان على المدى الطويل. كما تبيّن أن هذه الأطعمة، بمجرد فتح عبوتها، تُصبح عرضة للتلوث بالبكتيريا والفطريات، لأنها سريعة الفساد في ظل غياب التبريد. وتشدد على أن العبوة المفتوحة يجب أن تُستهلك في نفس اليوم، لأن تجاوز 12 ساعة من دون حفظ ملائم قد يجعلها خطرة على صحة الأطفال. وتلفت إلى أنه في بعض الحالات الخاصة، مثل إصابة الأطفال بالصفار الكبدي أو التهابات الكبد (A)، أو إصابة الكبار بالفشل الكلوي أو أمراض الكبد، يُنصح بتجنّب الأطعمة التي تحتوي على نسب عالية من الدهون والأملاح، لأنها قد تضر بصحة الكبد والكلى. ومع ذلك، ترى أن هذه المكملات، عند استخدامها ضمن نظام غذائي متوازن، يمكن أن تفيد الجميع بدرجات متفاوتة. أفكار يومية للبقاء في البيوت ومراكز الإيواء، باتت النساء يستخدمن هذه المكملات في إعداد وجبات يومية مبتكرة: شوربة أرز بالخضار المهروسة، برغل بزبدة الفول السوداني، فطائر محشوة بمهروس الدجاج، أو حتى معجون الفول السوداني مذاب في ماء دافئ كوجبة صباحية. تقول أم يزن أبو عفش (٣٠) عاما، أم لأربعة أطفال:"ما في لا شوكولا ولا بسكوت ولا سكاكر. فأحاول أخلط المهروس بشي طيب، وأقدمه بشكل حلو... مشان الولاد ما يزهقوا من الطعم." رغم الفوائد الجزئية لهذه المكملات، إلا أن الاعتماد الكلي عليها لفترات طويلة يشكل خطرًا حقيقيًا على الصحة العامة، خصوصًا للأطفال الذين يحتاجون إلى نظام غذائي متكامل لبناء أجسادهم ومناعتهم. ومع استمرار الأزمة، يبقى لجوء العائلات إلى المكملات الغذائية ليس خيارًا صحيًا بقدر ما هو حيلة من أجل البقاء. في غزة اليوم، لا تُستخدم مكملات الأطفال لإكمال الغذاء... بل باتت هي الغذاء الوحيد المتاح. المصدر / فلسطين أون لاين


فلسطين أون لاين
٠٢-٠٧-٢٠٢٥
- فلسطين أون لاين
تقرير حازم العرعير... أب يفقد ساقيه في سبيل إطعام أطفاله
غزة/ هدى الدلو: في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، عاش الشاب حازم العرعير (28 عامًا) حياة بسيطة، محاطًا بزوجته وطفليه، يسعى لتأمين لقمة عيشهم وسط واقع يزداد قسوة مع كل يوم جديد من حرب الإبادة الجماعية. لم يكن يعلم أن خروجه بحثًا عن طرد غذائي، في ظروف معيشية خانقة، سيكون آخر عهد له بالسير على قدميه. في أحد أيام الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، وبعد ساعات من التنقل بين المراكز والمؤسسات الإغاثية أملاً في الحصول على طرد غذائي، قرر العرعير العودة إلى أطفاله خالي الوفاض، لكن قلبه ممتلئ بالحزن والتعب. وأثناء سيره في أحد شوارع الشجاعية، أطلقت طائرة حربية إسرائيلية صاروخًا استهدف مجموعة من المواطنين المارة، كان يمشي بينهم. يقول العرعير لصحيفة "فلسطين": "في يوم الخامس من يناير 2025، تغيّرت حياتي إلى الأبد، لم أكن أدرك أن خروجي من منزلي للحصول على كابونة غذائية لطفلي، سينتهي ببتر ساقي ويُدخلني في دوامة من المعاناة ". في لحظة واحدة، فقد جزءًا من جسده، وتحولت حياته بالكامل، كان يعيل عائلته ويقف على قدميه، "واليوم لا أستطيع حتى قضاء أبسط احتياجاتي بنفسي"، بهذه الكلمات يلخص حازم بداية مرحلة هي الأصعب في حياته. سقط فجأة، لم يستوعب ما حدث، شظايا في كل مكان، والناس كانت تركض بحثًا عن نجاة مستحيلة. غاب العرعير عن الوعي، لست ساعات كاملة، قبل أن يفتح عينيه ليجد نفسه في قسم العناية المركزة بمستشفى الشفاء، لم يدرك بعد حجم الكارثة التي ألمّت به، أول ما وقع عليه نظره كان وجه صديقه الذي حاول طمأنته قائلاً: "ما تقلق، واحدة من رجليك مكسورة، والثانية فيها بلاتين". لكن إحساس العرعير الداخلي لم يصدّق، فبادر بسؤال الطبيب المناوب عن حالته، فقال له الطبيب: "أنت بخير"، لكنه أصر: "أنا راضي، بحكم الله وقدره، قولّي الحقيقة"، عندها فقط، أخبره الطبيب بالحقيقة الصادمة: "تم بتر قدميك الاثنتين". صمت العرعير للحظة، ثم قال بصوت هادئ مكسو بالإيمان: "الحمد لله... المهم إني عايش، وأولادي ما فقدوني". منذ تلك اللحظة، بدأت رحلة أخرى من الألم والتأقلم، ليس فقط مع الوجع الجسدي، بل النفسي أيضاً، زوجته وأطفاله لم يصدقوا في البداية حين سمعوا الخبر. يقول والده محمد العرعير: "صدمنا بخبر إصابته، وكانت بالغة لدرجة أن الطبيب أخبرنا أن وضعه صعب وقد لا ينجو منها". ويضيف: "لقد كان حازم شابًا نشيطًا، يسعى دائمًا من أجل أولاده، اليوم يحتاج لمن يساعده حتى في أبسط التفاصيل". أما الشاب المصاب فيقول عن تلك الأيام: "الله لا يحط حد في هيك موقف، الغيارات كانت مؤلمة، الأدوية نادرة، والعلاجات أصعب، وما زال هناك شظايا مستقرة داخل جسمي، منها ما ينتظر الأطباء أن يخرجها الجسم، ومنها ما انغرست في العظم وتحتاج إلى عمليات جراحية معقدة لإزالتها". الطبيب أخبره أنه لا يمكن تركيب طرف صناعي إلا بعد إزالة كل الشظايا من قدمه، وإجراء عملية بتر إضافية للعظم الزائد. الشاب العرعير اليوم ينتظر تركيب أطراف صناعية ليتمكن من استعادة جزء من حياته، لكنه يؤمن أن فقدانه لساقيه لم يُسقط عنه دوره كأب، "بدي أعيش كرمال أولادي... ما بدي اياهم يشوفوني ضعيف أو محطم". وبعد أن مرت خمسة شهور على الإصابة، ما زال عاجزًا عن الحركة باستقلالية. يقول: "ما بقدر أطلع لحالي، البيئة حولي ما بتسمح. حتى إني فقدت عملي في محل الزجاج، واليوم بت أفكر بمشروع صغير أعيش منه أنا وأولادي". ويعيش حاليًا في خيمة بعد أن نزح قسرا أكثر من مرة الحياة في الخيام قاسية ومهينة، كما يقول: "أعيش ببهدلة حقيقية، وكل صوت قصف بخليني أحس إني ممكن أضل لحالي، الخوف ما بيفارقني". لكن أصعب اللحظات لم تكن القصف ولا العمليات، بل تلك النظرات الخائفة من أطفاله، "في البداية أولادي ما كانوا يقبلوا يقربوا مني، خافوا مني. كانوا يسألوني: وين راحت رجلك؟ فقلت لهم: سبقتني للجنة". رغم كل هذا الألم، يتمسك العرعير بالأمل يحلم بتركيب طرف صناعي، وبحياة كريمة له ولأسرته. يختم بقوله: "أنا عايش مشانهم، بدي يشوفوني قوي، حتى لو قلبي موجوع". المصدر / فلسطين أون لاين