
تقرير "وعود ومماطلة".. سفارة السلطة بالقاهرة تترك مرضى السرطان من غزة لمصيرهم
لا تقل أوضاع مرضى السرطان خارج غزة صعوبة عما هي عليه الحال داخل القطاع، فلم يكن سفر مرضى السرطان من غزة إلى الخارج نجاةً من براثن الحرب والمرض نتيجة تدمير الاحتلال الإمكانات والمستشفيات التخصصية لعلاجهم في القطاع، فبداخل المستشفيات المصرية تُرك الكثير منهم دون متابعة طبية وكافحوا في رحلة بحث شاقة عن العلاج، بين أروقة سفارة السلطة بالقاهرة التي صال فيها المرضى وجالوا بين مكاتب المسؤولين للحصول على علاج وتغطية ولم يتلقوا أي شيء سوى "وعود وتسويف ومماطلة".
مكث كثيرون من المرضى بين غرف المستشفيات دون البدء بعلاجٍ إشعاعي أو كيماوي، ما دفع كثيرين منهم وبعد تفشي المرض باستكمال العلاج على نفقتهم الشخصية أو بالحصول على تبرعات خيرية.
وكشف مرضى سرطان لصحيفة "فلسطين" أن سفارة السلطة بالقاهرة لا تقوم بدورها المطلوب تجاه توفير الرعاية الملائمة لهم فضلا عن قطع البرتوكول العلاجي لهم مع عدم تقديم دعم مالي، متهمين شخصيات محددة داخل السفارة بـ "المحاباة والواسطة" لمرضى معينين ومرافقيهم.
تمييز ومحاباة
نداء (اسم مستعار) وهي مريضة سرطان "ثدي" تقول: "كمرضى متواجدين بالقاهرة، فإن سفارتنا لا علاقة لها بنا، عندما نذهب إليها للحصول على أي ورقة نعامل بشكل غير لائق، هناك شخصية تدعى "ن. ب" كل المرضى يشتكون منها، فمثلا نحن كمرضى حصلنا على تغطية مالية من وزارة الصحة ونعيش بسكن مجاني، هناك مرضى سمحوا لهم بجلب أزواجهم وأولادهم معهم، ومرضى آخرين منعوا من ذلك وهذا كله تمييز لاعتبارات المحاباة".
وتضيف نداء، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، لصحيفة "فلسطين": "يفترض أن يكون لنا راتب أو مخصص شهري. في أكتوبر ونوفمبر 2023 قدموا لنا مبلغ 4 آلاف جنيه، ورغم أنه مبلغ قليل إلا أنهم قطعوه بالرغم من وجود دعم، فضلا عن التكلفة الباهظة لعلاج السرطان بمصر. في المشفى حددوا لي 16 جرعة كيماوي أخذت جرعتين، ونقلت على السكن وقطع العلاج عني، ومكثت خمسة أشهر بدون علاج، وأمضيتها دائرة بين السفارة والمشفى وهذا مع وجود تغطية مالية".
وتتابع: "طلبت مني السفارة التوجه لمعهد الأورام، وهناك أبلغوني أنه علي انتظار انتهاء علاج 2700 حالة، وهذا يعني أن حالتي ستتفاقم ومريض السرطان لا يمكنه الانتظار، وهناك مرضى توفوا بسبب ذلك، ولولا قدوم متبرع من مدينة سوهاج قام بأخذ مرضى سرطان فلسطينيين وعالجهم على نفقته لساءت حالتي، وكنت يوميا أذهب في طريق طويل تستغرق تسع ساعات ذهابا ومثلها عودة، حتى انتهيت من العلاج وكانت نتائج الفحوصات الأخيرة جيدة".
ولا تنحصر مشاكل المرضى عند موضوع العلاج، بل تتفاقم في العيش داخل سكن تتشارك فيه عدة عائلات سواء داخل الشقة الواحدة أو داخل الغرفة نفسها، وعن ذلك توضح: "يضعون كل أربعة مرضى بغرفة واحدة، من خلال وضع أسّرة من ثلاثة طوابق بغرفة واحدة بعرض ثلاثة أمتار مربعة، لم يوفروا لنا طعاما ولا مساعدات، قد توضع أربعة عائلات بغرفة واحدة، وقد يتم وضع كل عائلة بغرفة داخل الشقة نفسها، مما ينتج مشاكل وخلافات بين الأسر، على النظافة والأطفال، المشاركة بدورة المياه والمطبخ فضلا عن التدخل بالخصوصيات، وجود رجال بعائلة بنفس الشقة والعائلة الأخرى يكون بينهم نساء".
أما الحاجة صبحية البابا من بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، فوصلت مصر في 7 إبريل/ نيسان 2024، بعد مكوث دام سبعة أشهر للعلاج بالمستشفى الأوروبي، في آخر ثلاثة أشهر لها بغزة انقطع العلاج.
تقول ابنتها المرافقة لصحيفة "فلسطين": "نزلنا بمستشفى النيل، لكن تفاجأنا أنهم طلبوا منها استمرار أخذ العلاج الهرموني، رغم أنها تحتاج جرعات كيماوية، ومضت سنة كاملة ولم يسأل علينا أحد، وكنا نجلب الدواء على نفقتنا من حبوب كيماوي وهرمونات وعلاج للقلب، فقمنا بعرضها على طبيبة خاصة وأجرينا تحاليل: مسح ذري، وإيكو، وتحاليل دم، وأقرت لها 17 جرعة كيماوي على أن يكون الوقت الزمني بين جرعة وأخرى 21 جرعة ثم استئصال الثدي".
وتتابع: "ذهبنا لوزارة التضامن وللسفارة، وقمنا بتجديد التحويلة والتغطية المالية التي صدرت قبل رمضان الماضي، وقدمناها لسفارة (السلطة) بالقاهرة والآن وبعد كل هذا الانتظار سنبدأ العلاج، لكن للأسف حالتها صعبة، وفي كل مرة تذهب للمستشفى تخرج بإسعاف على نفقتنا بأسعار باهظة".
وبلغ عدد مرضى السرطان في قطاع غزة 11 ألف مريض بينهم 2900 مريض بانتظار السفر، ونحو 1500 مريض فقط تمكنوا من السفر خلال حرب الإبادة المستمرة منذ 20 شهرا.
انتظار مجهول
أجرت سناء أحمد (اسم مستعار) عملية استئصال للثدي نهاية سبتمبر/ أيلول 2023، لكن حدوث حرب الإبادة الجماعية في 7 أكتوبر/ تشرين أول من العام ذاته، حال دون استكمالها العلاج الإشعاعي، وبعد نزوحها القسري من مدينة غزة لمنطقة الزوايدة وسط القطاع ثم محافظة رفح، تقدمت بتحويلة طبية في نوفمبر/ تشرين ثاني من ذات العام، وصدرت في مارس/ آذار 2024 ورافقها طفلتاها وأمها للسفر لاستكمال العلاج بالقاهرة.
تقول أحمد، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، لصحيفة "فلسطين": "نزلت بالمشفى المصري ومكثت شهرًا كاملاً دون علاج، ثم طلبوا مني الخروج من المشفى على السكن الذي تديره وزارة التضامن. خرجت دون أية معلومات أو مواعيد عن كيفية المتابعة وطريقة العلاج، وعندما وصلت السكن المخصص للمرضى الفلسطينيين، ذهبت مرارا سواء للمشفى أو السفارة لطلب العلاج دون استجابة من أي جهة كانت، وكلها كانت توجه وعودا، فضلا عن التسويف والمماطلة في كل مرة".
وتضيف: "كانوا في السفارة يوجهوننا لمستشفيات مصرية، وكان الأمر شكليًا فقط فعندما نصل المشفى لا يتم علاجنا ويطلبون منا المغادرة، وهذا الإجراء هدفه أن تمل وتترك المتابعة، فعلى مدار عام ونصف لم أحصل على حبة دواء واحدة لعلاج مرض السرطان سواء من المستشفيات أو من خلال السفارة الفلسطينية بالقاهرة"، لافتة، إلى أن "فاعل خير" هو من وقف بجانبها ووفر لها العلاج الإشعاعي.
ورغم أنها استطاعت توفير العلاج الإشعاعي، لم تقم المشفى باستكمال التصوير والمتابعة، وتتابع: "تبقى استكمال العلاج الهرموني وبنفس الطريقة سعيت وبحثت كثيرا إلى أن وصلت لمجموعة أفراد يساعدون حالات قليلة من مرضى السرطان، وقبلوا مساعدتي ضمن برنامجهم وقاموا بتغطيتي ماليا وتوفير العلاج اللازم. السفارة تخلت عنا ولولا فاعلي الخير لتفاقمت حالتي".
وبحسب مصدر مطلع على واقع مرضى السرطان بمصر، فإن المرضى بمصر ينقسمون إلى ثلاثة أقسام، القسم الأول موجود بالمستشفيات وليس له علاج بهذه المستشفيات ولا يتم تحويله على مكان آخر، وقسم من المرضى موجود بالمستشفيات ويأخذ علاجا بسيطا وقليلا، وقسم أنهى علاجه وموجود بمساكن وأوضاعهم صعبة، ويتم وضع نحو خمس عائلات في شقة واحدة وهذا لا يتناسب مع عادات الشعب الفلسطيني الاجتماعية.
ووفق تقديرات المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته لصحيفة "فلسطين" يبلغ عدد مرضى السرطان من غزة بمصر نحو 700 مريض، استطاع الوصول إليهم توفي العديد منهم نتيجة تأخير علاجهم، مؤكدًا، عدم وجود جهات رسمية تتابع أوضاع المرضى الذين يضطرون لخوض رحلة صعبة للانتقال من مشفى لآخر، فضلا عن تقييد حركتهم داخل المسكان وتقييد على زيارتهم.
وعن دور السفارة، يوضح "تحاول السفارة حصر دورها بالمعايير المصرية بأشد ما يمكن، دون التدخل لمساعدة المرضى بأقصى طاقة، ودورها ينحصر بالحدود الأدنى في أي شيء قد تفعله تجاه المرضى، وليس لديها قسم لاستقبال الشكاوى أو أية استفسارات من المرضى.
المصدر / فلسطين أون لاين

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


فلسطين أون لاين
منذ 5 أيام
- فلسطين أون لاين
تقرير حازم العرعير... أب يفقد ساقيه في سبيل إطعام أطفاله
غزة/ هدى الدلو: في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، عاش الشاب حازم العرعير (28 عامًا) حياة بسيطة، محاطًا بزوجته وطفليه، يسعى لتأمين لقمة عيشهم وسط واقع يزداد قسوة مع كل يوم جديد من حرب الإبادة الجماعية. لم يكن يعلم أن خروجه بحثًا عن طرد غذائي، في ظروف معيشية خانقة، سيكون آخر عهد له بالسير على قدميه. في أحد أيام الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، وبعد ساعات من التنقل بين المراكز والمؤسسات الإغاثية أملاً في الحصول على طرد غذائي، قرر العرعير العودة إلى أطفاله خالي الوفاض، لكن قلبه ممتلئ بالحزن والتعب. وأثناء سيره في أحد شوارع الشجاعية، أطلقت طائرة حربية إسرائيلية صاروخًا استهدف مجموعة من المواطنين المارة، كان يمشي بينهم. يقول العرعير لصحيفة "فلسطين": "في يوم الخامس من يناير 2025، تغيّرت حياتي إلى الأبد، لم أكن أدرك أن خروجي من منزلي للحصول على كابونة غذائية لطفلي، سينتهي ببتر ساقي ويُدخلني في دوامة من المعاناة ". في لحظة واحدة، فقد جزءًا من جسده، وتحولت حياته بالكامل، كان يعيل عائلته ويقف على قدميه، "واليوم لا أستطيع حتى قضاء أبسط احتياجاتي بنفسي"، بهذه الكلمات يلخص حازم بداية مرحلة هي الأصعب في حياته. سقط فجأة، لم يستوعب ما حدث، شظايا في كل مكان، والناس كانت تركض بحثًا عن نجاة مستحيلة. غاب العرعير عن الوعي، لست ساعات كاملة، قبل أن يفتح عينيه ليجد نفسه في قسم العناية المركزة بمستشفى الشفاء، لم يدرك بعد حجم الكارثة التي ألمّت به، أول ما وقع عليه نظره كان وجه صديقه الذي حاول طمأنته قائلاً: "ما تقلق، واحدة من رجليك مكسورة، والثانية فيها بلاتين". لكن إحساس العرعير الداخلي لم يصدّق، فبادر بسؤال الطبيب المناوب عن حالته، فقال له الطبيب: "أنت بخير"، لكنه أصر: "أنا راضي، بحكم الله وقدره، قولّي الحقيقة"، عندها فقط، أخبره الطبيب بالحقيقة الصادمة: "تم بتر قدميك الاثنتين". صمت العرعير للحظة، ثم قال بصوت هادئ مكسو بالإيمان: "الحمد لله... المهم إني عايش، وأولادي ما فقدوني". منذ تلك اللحظة، بدأت رحلة أخرى من الألم والتأقلم، ليس فقط مع الوجع الجسدي، بل النفسي أيضاً، زوجته وأطفاله لم يصدقوا في البداية حين سمعوا الخبر. يقول والده محمد العرعير: "صدمنا بخبر إصابته، وكانت بالغة لدرجة أن الطبيب أخبرنا أن وضعه صعب وقد لا ينجو منها". ويضيف: "لقد كان حازم شابًا نشيطًا، يسعى دائمًا من أجل أولاده، اليوم يحتاج لمن يساعده حتى في أبسط التفاصيل". أما الشاب المصاب فيقول عن تلك الأيام: "الله لا يحط حد في هيك موقف، الغيارات كانت مؤلمة، الأدوية نادرة، والعلاجات أصعب، وما زال هناك شظايا مستقرة داخل جسمي، منها ما ينتظر الأطباء أن يخرجها الجسم، ومنها ما انغرست في العظم وتحتاج إلى عمليات جراحية معقدة لإزالتها". الطبيب أخبره أنه لا يمكن تركيب طرف صناعي إلا بعد إزالة كل الشظايا من قدمه، وإجراء عملية بتر إضافية للعظم الزائد. الشاب العرعير اليوم ينتظر تركيب أطراف صناعية ليتمكن من استعادة جزء من حياته، لكنه يؤمن أن فقدانه لساقيه لم يُسقط عنه دوره كأب، "بدي أعيش كرمال أولادي... ما بدي اياهم يشوفوني ضعيف أو محطم". وبعد أن مرت خمسة شهور على الإصابة، ما زال عاجزًا عن الحركة باستقلالية. يقول: "ما بقدر أطلع لحالي، البيئة حولي ما بتسمح. حتى إني فقدت عملي في محل الزجاج، واليوم بت أفكر بمشروع صغير أعيش منه أنا وأولادي". ويعيش حاليًا في خيمة بعد أن نزح قسرا أكثر من مرة الحياة في الخيام قاسية ومهينة، كما يقول: "أعيش ببهدلة حقيقية، وكل صوت قصف بخليني أحس إني ممكن أضل لحالي، الخوف ما بيفارقني". لكن أصعب اللحظات لم تكن القصف ولا العمليات، بل تلك النظرات الخائفة من أطفاله، "في البداية أولادي ما كانوا يقبلوا يقربوا مني، خافوا مني. كانوا يسألوني: وين راحت رجلك؟ فقلت لهم: سبقتني للجنة". رغم كل هذا الألم، يتمسك العرعير بالأمل يحلم بتركيب طرف صناعي، وبحياة كريمة له ولأسرته. يختم بقوله: "أنا عايش مشانهم، بدي يشوفوني قوي، حتى لو قلبي موجوع". المصدر / فلسطين أون لاين


فلسطين أون لاين
٣٠-٠٦-٢٠٢٥
- فلسطين أون لاين
تقرير مساعدات مسمومة... غزَّة تكتشف مؤامرةً جديدةً عبر أكياس الدَّقيق
غزة/ جمال محمد: لم تكن الأربعينية "هبة" (اسم مستعار) تتوقع أن يتحول كيس الدقيق، الذي حصلت عليه بعد انتظار طويل، إلى مصدر للذعر بدلاً من أن يكون عونًا في توفير قوت يوم أسرتها. فبين حبات الدقيق، اكتشفت هبة أقراصًا دوائية مجهولة، كانت جزءًا من شحنة مساعدات وُزعت عبر إحدى نقاط التوزيع المرتبطة بجهات أمريكية وإسرائيلية. وبينما كانت تستعد لاستخدام الدقيق لإعداد الخبز، لاحظت وجود تلك الأقراص، فسارعت إلى صيدلية قريبة في مدينة غزة. لكن الصدمة كانت أكبر عندما أخبرها الصيدلاني بأن ما عثرت عليه هو عقار مخدر يُعرف باسم "أوكسيكودون" (Oxycodone)، وهو دواء شديد الخطورة، يُصرف بوصفة طبية مشددة لعلاج الآلام الحادة، ويُصنف ضمن المواد الأفيونية ذات التأثير القوي على الجهاز العصبي واحتمالية عالية للإدمان. تبدلت دهشة الأم إلى خوف وقلق عميق، خشية أن تكون بعض الحبوب قد ذابت أو تفتت داخل الدقيق دون أن تنتبه، ما قد يعرّض أطفالها وزوجها لخطر التسمم أو الإدمان دون علمهم. لم تجد أمامها سوى اتخاذ قرار صعب: التخلص من كامل كمية الدقيق، رغم ندرة المواد الغذائية، مفضلة سلامة أسرتها على أي شيء آخر. ليست الحادثة الأولى حادثة هبة لم تكن الوحيدة؛ فقد رصدت صحيفة "فلسطين" العديد من المنشورات والتحذيرات على مواقع التواصل الاجتماعي لنشطاء فلسطينيين طالبوا السكان بفحص الدقيق جيدًا وتنقيته قبل استخدامه، بعدما تم العثور على أقراص مشابهة داخل أكياس أخرى. واتهم عدد من النشطاء جيش الاحتلال الإسرائيلي بمحاولة دس مواد مخدرة في المساعدات الغذائية، في محاولة لتدمير المجتمع الفلسطيني من الداخل، بعد أن فشلت أدواته العسكرية والسياسية في إخضاع قطاع غزة. في هذا السياق، أوضح الصيدلي الفلسطيني المخضرم د. ذو الفقار سويرجو، الذي يمتلك خبرة تتجاوز 38 عامًا، أن عقار "أوكسيكودون" يصنف ضمن المواد الأفيونية المخدرة، ويُستخدم حصريًا في المستشفيات وتحت رقابة طبية صارمة لعلاج الآلام الشديدة، مثل ما بعد العمليات الجراحية المعقدة أو لدى مرضى السرطان. وأضاف لصحيفة "فلسطين" أن تناول هذا الدواء دون إشراف طبي يؤدي إلى الإدمان بسرعة، ويمكن أن يتحول إلى بديل خطير للمخدرات في الأوساط المجتمعية. وأشار إلى أن العثور على هذا النوع من العقاقير داخل أكياس الدقيق المقدمة كمساعدات، يُعد جريمة خطيرة، خاصة في حال كانت الأقراص غير مغلفة أو معدّلة كيميائيًا لتذوب بسهولة داخل المادة الغذائية، ما يزيد من صعوبة اكتشافها ويرفع مستوى التهديد على الصحة العامة. ودعا سويرجو الأسر الفلسطينية إلى توعية أطفالها بخطورة هذه المواد، والتعامل معها بحذر شديد، وتسليم أي كمية يتم العثور عليها مباشرة إلى وزارة الصحة، محذرًا من أن هذه الحوادث قد تكون جزءًا من مخطط منظم يهدف إلى نشر الإدمان وضرب النسيج المجتمعي الفلسطيني، في ظل الحصار والدمار الذي يعانيه القطاع. مصائد الموت بدوره، أصدر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة بيانًا أكد فيه العثور على أقراص "أوكسيكودون" داخل عدة أكياس دقيق وُزعت عبر مراكز تُعرف باسم "المساعدات الأمريكية–الإسرائيلية"، واصفًا هذه المراكز بـ "مصايد الموت". وأكد البيان توثيق أربع حالات لمواطنين عثروا على الأقراص المخدرة داخل أكياس الدقيق، محذرًا من احتمال أن تكون بعض تلك الأقراص قد طُحنت أو ذابت عمدًا داخل الدقيق لتنتقل إلى الطعام بشكل يصعب اكتشافه. وحمل البيان الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن هذه الجريمة، معتبرًا أنها محاولة خبيثة لضرب المجتمع الفلسطيني في عمقه، وزرع بذور الإدمان وسط شعب يعاني أصلًا من الحصار والمجاعة والدمار. ودعا البيان المواطنين إلى فحص أي مساعدات تصلهم من هذه المراكز المشبوهة، وطالب المؤسسات الدولية، وخاصة الأمم المتحدة، بفتح تحقيق فوري وإغلاق تلك المراكز التي وصفها بأنها تسببت بمقتل 549 شهيدًا خلال شهر واحد، بسبب تداعيات مختلفة، من بينها ما سماه "المساعدات المسمومة". في قلب مجزرة مستمرة تأتي هذه التطورات في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي العنيف على قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، والذي أسفر حتى الآن عن سقوط أكثر من 189 ألف شهيد وجريح، أغلبهم من النساء والأطفال، إضافة إلى أكثر من 11 ألف مفقود، ومئات الآلاف من النازحين. ويواجه سكان غزة أوضاعًا إنسانية كارثية غير مسبوقة، تشمل نقصًا حادًا في الغذاء والماء والدواء، ودمارًا شبه كامل للبنية التحتية، وانتشارًا واسعًا للمجاعة والأوبئة التي تهدد حياة أكثر من مليوني إنسان محاصر في القطاع. المصدر / فلسطين أون لاين


فلسطين أون لاين
٢٨-٠٦-٢٠٢٥
- فلسطين أون لاين
تقرير الأمراض الجلدية تفتك بأطفال غزة وسط انعدام الدواء
غزة/ جمال غيث: على سرير داخل مستشفى عبد العزيز الرنتيسي في مدينة غزة، يتمدد الطفل أنس الترامسي، مغمض العينين، محاطًا بأجهزة التنفس وبعض الأدوية التي بالكاد تخفف عنه الألم. لم يكن هذا ما حلمت به والدته، غدير الترامسي، التي انتظرته ستة أعوام كاملة. ففي يوم ميلاده الأول، لم يحتفل أنس بالكعكة أو البالونات، بل أمضى يومه في صمت داخل غرفة العلاج، يتنفس بصعوبة، محرومًا من أبسط حقوق الطفولة، بسبب الحرب الدامية التي تعصف بقطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023. تجلس الترامسي بجوار نجلها "أنس"، تتأمله بعينين دامعتين، وتدعو الله عز وجل أن ينقذه من براثن المرض، وأن يُسمح بإدخال الأدوية والمستلزمات الطبية التي تمنعها قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية العدوان. وتقول الأم بحرقة لصحيفة "فلسطين"، "ابني جاء بعد سنوات من الانتظار، والآن هو بين الحياة والموت بسبب نقص الأدوية. لا نعلم متى تنتهي هذه الحرب". وتروي تفاصيل معاناة ابنها، إذ بدأت حالته الصحية تتدهور قبل نحو شهر ونصف، عندما ظهرت بثور على رأسه. تحسنت حالته قليلًا بعد تلقيه العلاج، لكنها سرعان ما انتكست مجددًا، وبدأت تظهر على جسده حبوب متغيرة اللون، استدعت تدخلًا جراحيًا لإزالتها. ثم توالت المضاعفات، وظهرت تقرحات أخرى، لتصبح حالته أكثر تعقيدًا. اصطدمت غدير، كغيرها من أمهات غزة، بواقع طبي كارثي؛ فالأدوية شبه معدومة، والمستلزمات الصحية شحيحة. وتقول: "أحاول شراء ما أستطيع على نفقتي الخاصة، لكن الأسعار مرتفعة جدًا، والأدوية الضرورية غالبًا غير متوفرة، والمستشفى لا يملك إلا القليل، فيما يمنع الحصار إدخال الباقي". شح الأدوية ليست قصة "أنس" الوحيدة. ففي مخيم النزوح بمنطقة الشيخ رضوان، شمال غرب مدينة غزة، تعيش نجوى عبد الحميد داخل خيمة لا تقيها ولا أطفالها من حر الصيف، ولا من الأمراض المنتشرة. تقول عبد الحميد، وهي أم لأربعة أطفال، لمراسل "فلسطين"، "منذ أن نزحنا بعد قصف مدينة بيت لاهيا ونحن نعيش هنا في ظروف لا يمكن وصفها؛ لا ماء، لا نظافة، لا دواء، حتى الهواء مشبع بالغبار والمرض". تضيف، أن جسد ابنها امتلأ مؤخرًا بحبوب حمراء، ظنتها في البداية جدريًا، لكن الطبيب أخبرها بأنها مجرد حساسية ناتجة عن قلة النظافة وسوء البيئة المحيطة. وتشير إلى أن أبناءها الأربعة أصيبوا بأمراض جلدية مختلفة، وتضطر إلى استخدام مياه مالحة لتحميمهم بسبب ندرة المياه العذبة، وغياب مواد التنظيف الأساسية. وتحاول الأم التخفيف عنهم بما توفر من مراهم حصلت عليها من نقطة طبية في المدينة، لكنها، كما تقول، "لا تجدي نفعًا بسبب ضعف فعاليتها وغياب الأدوية الأساسية. الصيدليات فارغة، والمستودعات خاوية، وحتى إن توفر شيء، لا نستطيع شراءه بسبب غلاء الأسعار". وضع كارثي منذ بداية الحرب المدمرة على قطاع غزة، تشهد المنظومة الصحية انهيارًا غير مسبوق. آلاف الجرحى والمرضى، معظمهم من الأطفال والنساء وكبار السن، يصارعون الموت في مستشفيات مهددة بالإغلاق بسبب نفاد الأدوية والمستهلكات الطبية، ولاستهدافها المتكرر من قبل جيش الاحتلال. وأطلقت وزارة الصحة في القطاع مرارًا نداءات استغاثة للمجتمع الدولي، محذرة من كارثة صحية وشيكة، إلا أن الاحتلال لا يزال يفرض حصارًا مشددًا ويمنع دخول الاحتياجات الطبية. ولاحظ مراسل "فلسطين" أن الوضع ازداد سوءًا مع استمرار موجات النزوح، إذ تنتشر الأمراض المعدية والجلدية بسرعة داخل المخيمات التي تفتقر إلى الحد الأدنى من شروط النظافة والسلامة. فبعض الأطفال يتعافون فقط لأن ذويهم تمكنوا من الحصول على الدواء بطرق استثنائية أو عبر مساعدات نادرة، بينما يعاني آخرون في صمت. في كل زاوية من زوايا غزة، هناك قصة طفل يتألم، وأم تواسيه، وممرض يقف عاجزًا عن فعل شيء. المستشفيات تعمل فوق طاقتها، وأعداد المرضى في ازدياد، فيما لا تزال الحرب تفتك بالبشر والحجر، وتحرم آلاف الأطفال من حقهم في الحياة. المصدر / فلسطين أون لاين