
الرابع من آب: بيروت تنزف جرحًا بلا عدالة
حين يوقف الزمن عقارب الساعة على 6:07... والعدالة ما تزال تنتظر الولادة
قبل أن يسقط الزجاج،
كان الكلام قد احتبس في الحنجرة.
قبل أن يهتزّ المرفأ،
اهتزّت عيونٌ كانت تطبخ، تُرضع، تُغنّي، وتغسل وجوهها بالطمأنينة.
بيروت لم تُقصف.
بيروت خُذلت.
أُخذت من خاصرتها، ومُزّقت أمام أعين أبنائها،
ولم تُبكِ أحدًا… لأن الجميع كان يصرخ في الداخل.
لم نكن نعرف أن الهواء يمكن أن يُنحر،
وأن البيت يمكن أن يختفي من دون أن يتحرّك من مكانه.
لم نكن نعرف أن الساعة 6:07
ستعلّق فينا، وتعيش أكثر منا، وتُشيّعنا كل عامٍ من جديد.
مرّت خمس سنوات.
لكن الرابع من آب... لم يمر.
"بنتي اختفت فجأة... لا صوت ولا أثر"
شهادة من قلب الخراب
في شارع مار مخايل، كان فادي يحمل طفلته ذات الثلاث سنوات في لحظة شراء بوظة من دكان قريب عندما حدث الانفجار. يروي بحسرة:
"كنت ماسك إيدها، وفجأة صار فراغ... لا بنتي، لا صوت، لا مكان، لا أنا."
هذه الشهادة وردت في تقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش" الصادر في 3 آب 2021، الذي يوثق معاناة العائلات وانعدام العدالة في ملف انفجار المرفأ بسبب التدخلات السياسية وغياب الحصانات القانونية.
أبطال بيروت بين الركام: رجال لا ينكسرون
حين انقلبت العاصمة إلى رماد ودخان، وقف رجال الإطفاء والإنقاذ في الصفوف الأمامية. محمد، أحد رجال الإطفاء في فوج بيروت، قال:
"كان الانفجار صاعقة، لكننا لم نغادر. أنفاس الناجين هي التي أعطتنا القوة لنستمر."
ورغم صمت الأضواء، ظل هؤلاء الأبطال يحملون جراحهم في صمت، ويبنون أمل المدينة من تحت الركام.
تحقيق مشلول وعدالة مقيدة بالحصانات
رغم مرور خمس سنوات على الكارثة، لم تُسجّل أي محاكمة تَدين مسؤولًا سياسيًا أو أمنيًا. القاضي طارق البيطار الذي حاول تحريك التحقيق، تعرّض لتعطيل مستمر عبر دعاوى قضائية قدمها نواب ووزراء متهمون.
وفق تقرير وكالة "رويترز" في 1 آب 2023، استمر تجميد التحقيق بسبب رفض البرلمان رفع الحصانات، بينما أظهرت إحصائيات موقع "Legal Agenda' أن القاضي بيطار يواجه 38 دعوى قضائية من المسؤولين المتهمين.
هذا الواقع يشكل خنقًا ممنهجًا للعدالة، تعيشه بيروت أمام أنظار العالم.
الخسائر المادية والإنسانية: أرقام لا تكفي لوصف المأساة
بلغ عدد ضحايا الانفجار أكثر من 218 قتيلًا، و7000 جريح، و300 ألف مشرد، حسب تقرير "الإسكوا" لعام 2020، الذي وصف الحدث بأنه "نكبة وطنية لا تقل فداحة عن الحروب".
أما البنك الدولي، فقدّر الخسائر المباشرة بـ3.8 مليار دولار، بالإضافة إلى 2.1 مليار دولار أخرى في القطاعات الحيوية كالسكن والطبابة والبنية التحتية.
لكن الخسارة الأعمق، التي لم تُقَيَّم بعد، هي خسارة الثقة بالسلطة، وبالوطن ذاته.
في ذكرى الرابع من آب، تختبئ المدينة خلف ستائر مغلقة، وتغلق محالها مبكرًا، في مشهد يعكس الألم والحنين.
هالة، ممرضة في مستشفى الجعيتاوي، تقول:
"صار عنا خوف من الذكرى. نطفّي الأنوار قبل الوقت. الناس تمشي وكأنها أشباح، تضحك كيلا تنهار."
بيروت تغيرت... صوتها خفت، ووجوه أهلها تعكس فقدان الأمان.
الرابع من آب ليس يومًا عابرًا، بل مقبرة مفتوحة تدفن فيها الحقيقة كل عام. لم نرَ مسؤولًا خلف القضبان، ولم تُرفع كلمة اعتراف، ولم تُعلن خطوات جدية للعدالة.
في بلد تُحرق فيه العدالة بورق الحصانات، يصبح الصمت جريمة، والكتابة مقاومة.
الرابع من آب ليس ذكرى فقط، بل مسؤولية وطنية وأخلاقية. العدالة ليست خيارًا، بل ضرورة لاستعادة الثقة والكرامة. بيروت تنتظر أن تُسمع، تنتظر أن تُحتضن جراحها، وتنتظر أن يعيش أبناؤها في وطن لا يخافون فيه من نوافذ الذكرى.
هل سنقف إلى جانب بيروت؟ أم سنتركها تنزف جرحها بلا نهاية؟

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الديار
منذ 12 دقائق
- الديار
"إسرائيل" تسمح جزئيًا بدخول السلع التجارية مجددا إلى غزة
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب أعلن مكتب تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية "كوغات" اليوم أن "إسرائيل ستسمح جزئيا بدخول السلع التجارية إلى غزة لتخفيف اعتماد القطاع على المساعدات الإنسانية"، بحسب وكالة "فرانس برس". وقال كوغات :"في إطار صياغة الآلية، وافقت المؤسسة الدفاعية على عدد محدود من التجار المحليين، شرط الخضوع إلى عدة معايير ومراقبة أمنية صارمة".


صوت بيروت
منذ 36 دقائق
- صوت بيروت
إدارة ترامب تتراجع عن ربط تمويل الولايات بمقاطعة الشركات الإسرائيلية
كشف بيان أميركي أمس الاثنين عن تراجع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن موقفها بشأن مطالبة المدن والولايات الأميركية بعدم مقاطعة الشركات الإسرائيلية، حتى تكون مؤهلة للحصول على التمويل الخاص بالتأهب للكوارث، حيث تم حذف السياسة السابقة من موقعها الإلكتروني. وحذفت وزارة الأمن الداخلي بيانها الذي كان ينص على أن الولايات يجب أن تقر بأنها لن تقطع 'العلاقات التجارية مع الشركات الإسرائيلية على وجه التحديد' كي تكون مؤهلة للحصول على التمويل. وكان الشرط المذكور ينطبق على 1.9 مليار دولار على الأقل تعتمد عليها الولايات في تغطية تكاليف معدات البحث والإنقاذ ورواتب مديري الطوارئ وأنظمة الطاقة الاحتياطية ونفقات أخرى، وذلك وفقا لما ورد في 11 إشعارا بشأن المنح. ويمثل حذف الشرط تحولا بالنسبة لإدارة ترامب، التي حاولت في السابق معاقبة المؤسسات التي لا تتبع وجهات نظرها حيال إسرائيل أو معاداة السامية. وكان الاشتراط يستهدف حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض عقوبات عليها، وهي حملة هدفها ممارسة ضغوط اقتصادية على إسرائيل لإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية. وعلت أصوات مؤيدي الحملة في عام 2023 بعدما ردت إسرائيل على هجوم حركة حماس عليها يوم 7 أكتوبر(تشرين الأول) بشن حملة عسكرية على قطاع غزة. وقالت تريشا مكلوكلين المتحدثة باسم وزارة الأمن الداخلي في بيان صدر في وقت لاحق الاثنين: 'تظل منح الوكالة الاتحادية لإدارة الطوارئ محكومة بالقانون والسياسة الحالية وليس باختبارات سياسية حاسمة'. كانت الوكالة الاتحادية لإدارة الطوارئ، التي تشرف عليها وزارة الأمن الداخلي، قد ذكرت في إشعارات المنح التي نُشرت يوم الجمعة أن على الولايات اتباع 'شروطها وأحكامها' حتى تكون مؤهلة للحصول على تمويل الاستعداد للكوارث. وكانت هذه الشروط تتطلب الامتناع عن ما وصفته الوكالة 'بالمقاطعة التمييزية المحظورة'، وهو مصطلح يعرَّف بأنه رفض التعامل مع 'الشركات التي تنفذ أنشطة في إسرائيل أو تتعامل معها'. ولا تتضمن الشروط الجديدة، التي نُشرت في وقت لاحق الاثنين، الإشارة إلى سياسات المقاطعة.


النهار
منذ 37 دقائق
- النهار
مدفيديف يتلقى هدية من ترامب... أين تُصرف؟
يحب الإعلام نقل تصريحاته. تحديداً بسبب تهديداته على "أكس". لكن أن يحبه الإعلام شيء، وأن يكون له تأثير على صناعة القرار في روسيا شيء مختلف تماماً. ليس لدى الرئيس الروسي السابق دميتري مدفيديف نفوذ كبير في موسكو. للمؤرخ الروسي-البريطاني سيرغي رادشينكو تعبير قاس كتبه عنه منذ نحو ثلاثة أعوام: "لجأ (...) مدفيديف إلى خطاب إباديّ ليبقى هاماً، لكن لا أحد يأخذه على محمل الجد" في روسيا. إنما يبدو أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب منحه أهمية خاصة. ربما لأنه يعير أهمية لما يُكتب على وسائل التواصل الاجتماعي. بعد ردود متبادلة على تلك المنصات، أعلن ترامب الجمعة نشر غواصتين نوويتين أميركيتين في "المناطق المناسبة". منذ ذلك الحين، أوقف مدفيديف تصريحاته، بالتوازي مع دعوة الكرملين للتهدئة. حين وصل إلى الحكم بين 2008 و2012، بعد منع الدستور بوتين من الترشح لولاية ثالثة، أيد مدفيديف تطوير العلاقات مع الغرب، ووقع مع أميركا معاهدة "ستارت" الجديدة لخفض الأسلحة النووية. يعتقد البعض أن انقلاب مدفيديف بدأ بعد خروجه من الحكم للحفاظ على ثقة الحزب الحاكم به. لكن ثمة بعض الملاحظات التي قد تخفف صلابة هذه الفرضية من دون أن تنفيها تماماً. فموقع الرئيس السابق ظل محفوظاً إلى حد معين بعد خروجه من الرئاسة. بين 2012 و2020، شغل مدفيديف منصب رئيس الحكومة، قبل أن يحال إلى نيابة رئاسة مجلس الأمن الروسي. ويلاحَظ أن إهانات مدفيديف للغربيين ازدادت بشكل مطرد بعد غزو أوكرانيا، مما يقدم تفسيراً أبسط عن مواقفه الجديدة، وهو أنه، كسائر النخب في الكرملين التي تعتبر أوكرانيا "جزءاً تاريخياً" من روسيا، ممتعض من بطء التقدم الميداني للجيش الروسي والذي يعزوه إلى الدعم الغربي. وهو قال في آذار/مارس 2024 إن "أوكرانيا هي بالتأكيد روسية"، رداً على كتاب للرئيس الأوكراني الأسبق ليونيد كوشما ينفي ذلك. وقد يكون تشدده انعكاساً للتشدد العام الذي شهده نظام الحكم في روسيا بعد الإصلاحات الدستورية سنة 2018. ويحافظ كثر على موقعهم في السلطة الروسية من دون أن يطلقوا تصريحات استفزازية بحق الغربيين. كذلك، نفى مدفيديف سابقاً أن يكون ليبرالياً، والغزو الروسي لجورجيا خلال ولايته قد يكون مؤشراً إلى هذا الادعاء. أين تُصرف الهديّة؟ بالرغم مما سبق، قد لا يكون موقع مدفيديف قوياً بما يكفي لضمان مستقبله السياسي، مما يستدعي هذا المستوى من التصريحات الحادة. في علاقته مع بوتين، يحتل مدفيديف "منطقة رمادية" إذ أدى دور"كبش الفداء" خلال رئاسة الحكومة حين كان الوضع الاقتصادي في روسيا يتدهور من دون أن يحصل على إشادة عندما كان الوضع يتحسن. وإضافة إلى أن مجلس الأمن الروسي ليس أقوى مؤسسة في البلاد، لا يملك شاغل العضوية فيه امتيازاً دائماً. اسألوا نيكولاي باتروشيف. وبعد الفيديو الشهير الذي أطلقه الناشط السابق أليكسي نافالني سنة 2017 والذي ربط مدفيديف باختلاس نحو 1.2 مليار دولار، ربما شعر الرئيس السابق بوجوب التعويض عن الضرر المعنوي الذي أصابه والذي أحرج بوتين بلا شك. وحصد الفيديو عشرات الملايين من المشاهدات بما فيها 1.5 مليون مشاهدة في 24 ساعة. كذلك، من غير المستبعد أن يكون مدفيديف، 59 عاماً، طامحاً إلى خلافة بوتين في وقت لاحق، لكن ثمة الكثير من الأسماء الأخرى التي تتقدمه في حال أراد الرئيس الحالي اختيار خلف له. مهما كانت الأسباب التي تقف خلف أسلوب التخاطب لدى مدفيديف، من شبه المؤكد أن قوته في موسكو محدودة. ساهم رد رئيس أعظم دولة على مدفيديف في منحه الأضواء التي يشتهيها. لكن ليس بالضرورة أن يعني ذلك المزيد من النفوذ؛ خصوصاً إذا خفض، وليس بخلاف