logo
بضرورة إعادة ضبط بوصلة الائتمان!!

بضرورة إعادة ضبط بوصلة الائتمان!!

الدستور٢٠-٠٧-٢٠٢٥
تُشكّل التسهيلات الائتمانية التي تقدمها البنوك للقطاعات الاقتصادية شريانًا حيويًا يضخ السيولة في قلب النشاط الاقتصادي، ويُبقي عجلة الإنتاج والاستثمار والتشغيل في حالة دوران. ففي كل اقتصاد حديث، تُعد قدرة البنوك على توفير الائتمان من أهم أدوات التمكين للنمو، ومن أبرز المحددات لاتساع قاعدة الأعمال والاستثمارات، بما ينعكس في نهاية المطاف على رفع مستوى الدخل وفرص العمل.
وفي الحالة الأردنية، تظهر البيانات الرسمية أن ما نسبته 75 ٪ من إجمالي الودائع في البنوك يُعاد توجيهها على شكل تسهيلات ائتمانية للقطاعات الاقتصادية المحلية، وأن 85.7 ٪ من اجمالي رصيد تلك التسهيلات (35.3 مليار دينار كما في نهاية أيار 2025) ذهبت للقطاع الخاص (مقيم). بمعنى آخر، يمكن القول أن التسهيلات الائتمانية تسهم بما نسبته 60-70 ٪ من السيولة المعاد تحريكها داخل الاقتصاد الأردني، بشكل غير مباشر، من خلال إعادة تدوير الودائع وتحفيز الاستهلاك والاستثمار. هذه النسبة المرتفعة توحي بدور فاعل للقطاع المصرفي في تحريك عجلة الاقتصاد، لكنها في الوقت ذاته تطرح تساؤلات جوهرية حول كفاءة هذا التوزيع ومدى توافقه مع أولويات التنمية الاقتصادية المستدامة.
عند النظر في خريطة توزيع التسهيلات، وفقًا لبيانات أيار 2025، حسب النشرة المصرفية الشهرية لجمعية البنوك في الاردن، يتضح أن أربعة قطاعات اقتصادية رئيسية تستحوذ على الحصة الكبرى من إجمالي التسهيلات، وهي: الإنشاءات (22.1 ٪)، الخدمات العامة والمرافق (18.0 ٪)، التجارة العامة (16.3 ٪)، وأخرى (24.4 ٪ وأغلبها للأفراد)، حيث تستحوذ هذه القطاعات الأربعة مجتمعة على نحو 80.8 ٪ من إجمالي رصيد التسهيلات الائتمانية، أي ما يعادل 28.3 مليار دينار أردني. في حين أن الصناعة تستحوذ على حصة صغيرة نسبيًا لا تتجاوز 11.4 ٪ من اجمالي رصيد التسهيلات الائتمانية.
هذا التوزيع في التسهيلات الائتمانية يعكس طبيعة الاقتصاد الأردني الذي ما زال يعتمد بشكل كبير على القطاعات التقليدية، إلا أن هذا الاعتماد يثير تساؤلات حول محدودية التنوع الاقتصادي، وإمكانية نشوء قطاعات جديدة قادرة على دفع عجلة النمو بقوة أكبر، خاصة في ظل التحولات العالمية نحو الاقتصاد المعرفي، والطاقة النظيفة، والصناعات عالية القيمة.
وتشير تحليلات أُخرى إلى أن زيادة التسهيلات الائتمانية الممنوحة للقطاعات الاقتصادية بنسبة 10 ٪ تؤدي إلى زيادات متفاوتة في القيمة المضافة، إذ ترتفع 6 ٪ في قطاع الخدمات، و5.7 ٪ في قطاع الصناعة، و2.7 ٪ في قطاع الإنشاءات. وتُبرز هذه النسب أن الأثر المتحقق يختلف باختلاف القطاع، وأن بعض القطاعات تمتلك قدرة أكبر على تحويل التمويل إلى نمو ملموس، بينما يكون الأثر محدودًا في قطاعات أُخرى، ما يستدعي إعادة التفكير في توزيع السيولة البنكية.
البنوك، بطبيعتها، مؤسسات تجارية تسعى للربح وتقليل المخاطر. ولهذا فإنها تميل إلى تمويل القطاعات التي توفر ضمانات كافية أو تمتلك أصولًا قابلة للرهن، ما يجعلها تنأى غالبًا عن المشاريع الصغيرة والمتوسطة، أو تلك الناشئة في مجالات الابتكار والتكنولوجيا. وعلى الرغم من أن هذه الأخيرة تُعد الأكثر قدرة على خلق فرص العمل وتحقيق نمو نوعي، إلا أنها تُواجه صعوبات في الوصول إلى التمويل، بسبب الإجراءات الصارمة، وكثرة الضمانات، وغياب أدوات تمويلية مرنة تتلاءم مع احتياجاتها.
وبالإضافة إلى ما سبق، فإن التركيز الزائد على قطاعات مثل الإنشاءات والعقارات قد يقود إلى نشوء فقاعات عقارية، وتراجع الاستثمار طويل الأجل في القطاعات الإنتاجية. كما أن اعتماد البنوك على القطاعات الأقل مخاطرة قد يعكس ضعفًا في التنوع والتجديد، ويُكرّس حلقة التمويل المغلقة حول قطاعات استهلاكية أو خدمية تقليدية.
إن هذه المعطيات تفرض ضرورة إعادة توجيه السيولة الائتمانية نحو الوجهة الصحيحة، بما ينسجم مع الرؤية الوطنية للنمو والتشغيل، ويسهم في بناء قاعدة اقتصادية أكثر توازنًا وتنوعًا.
يُثبت واقع توزيع التسهيلات الائتمانية في الأردن أن الكم وحده لا يكفي، بل المهم هو أين تُضخ السيولة؟ فبقاء التمويل محصورًا في قطاعات تقليدية ومشبعة يحد من قدرة الاقتصاد على خلق نمو نوعي ومستدام. وعليه، فإن المطلوب هو مراجعة شاملة للسياسات الائتمانية المتّبعة، باتجاه ضخ السيولة في الاتجاه الصحيح، من خلال ما يلي:
1. إعادة توجيه التسهيلات نحو القطاعات الإنتاجية ذات القيمة المضافة العالية، مثل التكنولوجيا، الصناعات التحويلية المتقدمة، الطاقة المتجددة، والسياحة المتخصصة.
2. تبني أدوات تمويل مبتكرة موجهة للشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة، تشمل ضمانات جزئية، صناديق استثمارية مشتركة، أو تمويل قائم على الملكية أو الإيرادات.
3. تعزيز الشمول المالي والتوسع في الحلول الرقمية والمالية التكنولوجية (Fintech) لتسهيل الوصول للتمويل في المناطق الطرفية والمجتمعات غير المخدومة مصرفيًا.
4. تحسين البيئة التنظيمية والضريبية بما يشجع البنوك على تمويل القطاعات ذات المخاطر المدروسة دون التخوف المفرط.
5. إرساء شراكة استراتيجية بين الحكومة، البنك المركزي، والبنوك التجارية لتوجيه السيولة المصرفية بما يخدم الأولويات الاقتصادية، ويحقق التوازن بين الأهداف الربحية والأثر التنموي.
6. تطوير مؤشرات لقياس الأثر التنموي للتمويل الائتماني، لا تقتصر على العوائد المالية، بل تمتد إلى المساهمة في النمو، التشغيل، وتقليص الفجوة التنموية بين المناطق.
إن بناء اقتصاد أكثر مرونة واستدامة يبدأ من إعادة ضبط بوصلة الائتمان، وتوجيه تدفقات السيولة نحو قطاعات المستقبل. فتمويل الإنشاءات والتجارة مهم، لكنه غير كافٍ إذا بقي الاقتصاد حبيس هذه الدوائر. المطلوب اليوم أن يتّخذ القطاع المصرفي موقعه كشريك استراتيجي في التنمية، لا مجرد ممول تقليدي، وأن يتحول من ممثل لرأس المال الباحث عن الأمان إلى قوة دافعة نحو الابتكار والفرص والنمو الحقيقي.
إن ضخ السيولة في الاتجاه الصحيح ليس ترفًا، بل خيار اقتصادي وسياسي واجتماعي لا يمكن تأجيله إذا أردنا لأردننا أن ينتقل من النمو المتواضع إلى ازدهار مستدام يحفظ كرامة الإنسان، ويوفر الفرص لأبنائه، ويعزز مناعته في وجه التحديات. إن استمرار تباطؤ النمو الاقتصادي لأكثر من عقد ونصف ليس مجرد مؤشر عابر، بل إنذار صريح بضرورة إعادة توجيه بوصلة الائتمان فورًا، وبأقصى درجات الحزم والجدية.

هاشتاغز

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

عجلون : 24 بالمئة نسبة انجاز المشروعات من موازنة مجلس المحافظة لعام 2025 في مختلف القطاعات
عجلون : 24 بالمئة نسبة انجاز المشروعات من موازنة مجلس المحافظة لعام 2025 في مختلف القطاعات

الدستور

timeمنذ 37 دقائق

  • الدستور

عجلون : 24 بالمئة نسبة انجاز المشروعات من موازنة مجلس المحافظة لعام 2025 في مختلف القطاعات

- 10 ملايين و125 الف دينار موازنة 2025 موزعة على 119 مشروعا . عجلون - علي القضاة ناقش المجلسان التنفيذي ومجلس محافظة عجلون اليوم خلال اجتماع لهما في المركز الثقافي برئاسة المحافظ نايف الهدايات بحضور نائبه الدكتور محمد الحسامي ومساعد المحافظ عناد الكعابنه ورئيس ومتصرف لواء كفرنجة بكر الكعابنه ورئيس مجلس المحافظة المهندس معاويه عناب نسبة إنجاز مختلف القطاعات من موازنة مجلس المحافظة لعام 2025 والبالغة 10 ملايين و125 الف دينار متضمنة 119 مشروعا في مختلف القطاعات . وأستهجن المحافظ الهدايات تدني نسبة الإنجاز البالغة 24% فقط من الموازنة حتى الان مثمنا جهود الدوائر التي كانت نسبة إنجازها تتراوح ما بين 40 - 95 بالمئة مشددا على الدوائر الإسراع في متابعة مشاريعهم وإحضار المستندات المالية وطرح العطاءات في موعد أقصاه نهاية شهر اب القادم وغير ذلك ستعود المبالغ المخصصة دون أن يتم انفاقها أو الاستفادة منها ، كما استجهن المجلسان ما خصص للبلديات من موازنة المجلس وهو مليون و120 الف دينار لم تصرف حتى الان وهذا يؤشر على خلل ما . ويشار الى أن الموازنة توزعت على مناطق المحافظة، حيث تصدّر قطاع الأشغال الموازنة بقيمة 4 ملايين و205 آلاف دينار، تلاه قطاع المياه والصرف الصحي بمبلغ مليون و393 ألف دينار، ثم قطاع التربية والتعليم بمبلغ مليون و282 ألف دينار. كما خصص لقطاع الإدارة المحلية مليون و120 ألف دينار، وقطاع الشؤون الصحية ومستشفى الإيمان الحكومي 630 ألف دينار، وقطاع الشباب والرياضة 380 ألف دينار، وقطاع التنمية الاجتماعية 355 ألف دينار، وقطاع الزراعة 295 ألف دينار , وشملت الموازنة تخصيص 160 ألف دينار لقطاع الآثار، و115 ألف دينار لقطاع التدريب المهني، و100 ألف دينار لقطاع الثقافة، و50 ألف دينار لقطاع الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، و50 ألف دينار للصندوق الأردني الهاشمي/ مركز الأميرة بسمة للتنمية البشرية، و50 ألف دينار لقطاع البيئة , كما تضمنت الموازنة 35 ألف دينار لقطاع الداخلية، و30 ألف دينار لقطاع السياحة، و10 آلاف دينار لقطاع المالية/ ضريبة الدخل و10 آلاف دينار لقطاع النقل.

"فاجعة الكوت" ترفع الطلب وأسعار طفايات الحريق في الأسواق العراقية
"فاجعة الكوت" ترفع الطلب وأسعار طفايات الحريق في الأسواق العراقية

شفق نيوز

timeمنذ 40 دقائق

  • شفق نيوز

"فاجعة الكوت" ترفع الطلب وأسعار طفايات الحريق في الأسواق العراقية

شفق نيوز– بغداد أثار الحريق الكبير الذي اندلع في مبنى "هايبر ماركت الكوت" صدمة واسعة في الأوساط الشعبية، ما أدى إلى قفزة في الطلب على معدات الإطفاء وارتفاع أسعارها بشكل ملحوظ، وسط تصاعد الوعي المجتمعي بأهمية تجهيز المنازل والمحال التجارية بوسائل السلامة الوقائية. وقال عباس حسين، صاحب أحد محال بيع معدات الإطفاء في وسط بغداد، لمراسل وكالة شفق نيوز، إن "الطلب على المطافئ اليدوية ارتفع بشكل كبير بعد الحادث مباشرة، إذ قفز سعر المطفأة الواحدة من 25 ألف دينار إلى 45 ألف دينار خلال أيام قليلة". وأضاف أن "أنواعاً أخرى من المعدات مثل كرات الإطفاء ارتفعت أسعارها أيضاً من 7 آلاف إلى 15 ألف دينار، رغم أنها لا تزال محدودة الاستخدام بسبب قلة الإقبال عليها سابقاً". وأشار إلى وجود أنواع متقدمة من معدات الإطفاء تُثبت قرب مفاتيح الكهرباء وتعمل تلقائياً عند استشعار الحريق، موضحاً أن بعض هذه الأنواع بإمكانها إطفاء النيران في التيار الكهربائي والأثاث في آن واحد، وهو ما بدأ يثير اهتمام المستهلكين مؤخراً. وأكد حسين أن "المواطنين أصبحوا يسألون بشكل أوسع عن نوعيات معدات الإطفاء وطرق استخدامها، ما يعكس تغيراً واضحاً في الثقافة المجتمعية بعد الحادث الأليم، حيث بات الأمان الوقائي أولوية في المنازل والمحال". وفي أعقاب الحريق الكارثي الذي شب بمركز "هايبر ماركت الكورنيش" في مدينة الكوت بمحافظة واسط في 16 تموز 2025، وأسفر عن وفاة ما بين 61 إلى 69 شخصاً، أطلقت السلطات العراقية حملة لمراجعة تراخيص المراكز التجارية وتدقيق التزامها بإجراءات السلامة، مع وعود بمحاسبة المقصرين وتشديد الرقابة على الأبنية والمنشآت العامة.

سعر فلكي للوحة مركبة رئيس الوزراء
سعر فلكي للوحة مركبة رئيس الوزراء

سواليف احمد الزعبي

timeمنذ 42 دقائق

  • سواليف احمد الزعبي

سعر فلكي للوحة مركبة رئيس الوزراء

#سواليف أقرّ #مجلس_الوزراء، رسميا، تعديلا على نظام #لوحات #المركبات في #الأردن، يتضمن #تغييرات جوهرية تشمل طرح #أرقام_مميزة_للبيع بالمزاد العلني، وتحديث #ترميزات لوحات #المركبات_الحكومية و #الدبلوماسية والإدخال المؤقت. وفي هذا السياق، أكد الخبير في أرقام المركبات رعد الناصر أن التوجه الحكومي الجديد يُعد خطوة إيجابية في تنشيط السوق الاستثماري المتعلق ببيع لوحات المركبات، متوقعًا أن يشهد هذا القطاع إقبالاً واسعًا. وكشف الناصر، لإذاعة 'عين إف إم'، أن لوحة مركبة رئيس الوزراء جعفر حسان تحمل الرقم 1/1، وقد يتجاوز سعرها في المزاد خمسة ملايين دينار، وذلك وفقا للمشاركين في المزاد وما إذا كان المشتري مستثمرا أو هاويا. وأشار إلى أن أسعار لوحات مركبات الوزراء، النواب، الأعيان، والقضاء، بالإضافة إلى الجهات الحكومية ومركبات الإدخال المؤقت، قد تصل إلى مبالغ 'فلكية'، تتراوح بين مليون ومليوني دينار، فيما قد يصل سعر الأرقام الأحادية إلى أربعة ملايين ونصف المليون، ولا يقل عن 250 ألف دينار. وبيّن أن السوق الأردني يحتوي على نحو 81 رقماً أحاديا، و899 رقما ثنائيا، إلى جانب آلاف الأرقام الثلاثية، متوقعا أن يحقق طرحها عائدات تصل إلى 300 مليون دينار. وستُفرض ضرائب ورسوم على هذه الأرقام، حيث قد تتجاوز رسوم التنازل عن الأرقام الأحادية 4000 دينار، وتصل إلى 1500 دينار للأرقام الثنائية. وأوضح الناصر أن السوق الأردني يسير على خطى تجارب إقليمية ناجحة، خاصة في دولة الإمارات، داعيًا الحكومة إلى وضع آلية واضحة ومنظمة لإدارة هذه المزادات. ووفقًا للتعديلات الجديدة، سيجري تخصيص ترميزات جديدة على لوحات المركبات الرسمية والدبلوماسية، على النحو التالي: PM: رئيس الوزراء والوزراء SN: مجلس الأعيان PR: مجلس النواب JC: المجلس القضائي GV: الجهات الحكومية AQ: سلطة منطقة العقبة الاقتصادية CD: الهيئات الدبلوماسية TM: الإدخال المؤقت وأكدت إدارة ترخيص السواقين والمركبات أنه لن يطرأ أي تغيير على أرقام المركبات الخاصة، أو العمومية، أو مركبات الشحن. وفي خطوة لافتة، قرّر مجلس الوزراء تخصيص كامل عوائد بيع الأرقام المميزة، بصرف النظر عن ترميزها، لدعم صندوق الطالب الجامعي اعتبارا من الفصل الدراسي المقبل، وذلك بالإضافة إلى المخصصات المعتمدة في الموازنة العامة، والتي زادت بنسبة 50% لتبلغ 30 مليون دينار في عام 2025.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store