logo
الكنيسة ولبنان في غياب البابا فرنسيس: دعم قوي لعون!

الكنيسة ولبنان في غياب البابا فرنسيس: دعم قوي لعون!

IM Lebanon٢٦-٠٤-٢٠٢٥

كتب أنطوان مراد في 'نداء الوطن':
عندما انتُخب البابا فرنسيس خلفاً للبابا بنديكتوس السادس عشر ومن قبله البابا القديس يوحنا بولس الثاني، كان أول تعليق لمطران مشرقي، أن هذا البابا آتٍ من بعيد ولا يعرف كثيراً عن لبنان والمنطقة وما يعنيه النموذج اللبناني، وليس كسلفيه اللذين عرفا لبنان وقضاياه عن كثب، وزاره كلّ منهما.
على أن البابا فرنسيس اقتنع ولو متأخراً بعض الشيء بأهمية لبنان كمساحة للتنوّع والشراكة المسيحية الإسلامية في إطار من الحرية والضمانات الميثاقية تحت عنوان العيش المشترك. وكان ينوي زيارة لبنان وتمّ تحديد موعد مبدئي لها، ولكن تم تأجيلها، وغاب الحبر الأعظم من دون أن يزور وطن الأرز، لكنه عوّض بالكثير من المواقف والمبادرات لدعم لبنان مردّداً اسمه في مناسبات عدة كبلد يستحقّ العناية والخلاص من أزماته بما يحفظ تجربته الفذّة.
وتقول أوساط كنسية رفيعة إنه كان لشخصيات وقوى سياسية دور مهم في إبراز القضية اللبنانية لدى الكرسي الرسولي ومنحها حدّاً أدنى من الرعاية والمواكبة، ومن ضمنها وفد نيابي من أبرز تكتل مسيحي شرح دقائق الملف اللبناني لكبار المسؤولين في الحاضرة البابوية وأبلغهم بناء على طلبهم ما ينبغي فعله لدعم لبنان والحضور المسيحي فيه.
كما أن وجوهاً لبنانية تحتلّ مواقع مهمة في دوائر الفاتيكان وفي جسمه الديبلوماسي ساهمت إيجاباً في مجال تعزيز القضية اللبنانية في أجندة البابا. وتتوقع الأوساط أن يكون لهذه الوجوه دور إضافي في المسار ذاته أياً كان الحبر الأعظم الجديد، لا سيّما أن كبار المسؤولين في الفاتيكان والذين عيّنهم البابا فرنسيس تباعاً باتوا يعرفون بنسبة كبيرة حيثيات المسألة اللبنانية. وفي أي حال، تستبعد الأوساط أن يأتي بابا جديد يكون بعيداً من الواقع اللبناني والمشرقي، باعتبار أن البابا فرنسيس كان استثنائياً في تكريس معظم اهتمامه للقضايا الإنسانية والفقراء والمهمّشين، وأحياناً على حساب التركيز على الوجود المسيحي وما يتعرّض له في بعض البلدان والأقاليم من تنكيل أو اضطهاد أو مواجهة مشكلات كبيرة مع مكوّنات أخرى. على أن البابا الراحل تنبّه منذ بضع سنوات لهذه الثغرة وعمل جدياً على معالجتها مستدركاً ما فاته في المرحلة الأولى من حبريته.
وتلفت الأوساط إلى أن ثمة ثوابت فاتيكانية لا يمكن لأي حبر أعظم أن يخرج عنها حيال لبنان، وهي تأييد ميثاقه الوطني وما يعنيه وطناً ودولة، وتالياً التشديد على التزام وثيقة الوفاق الوطني أي اتفاق الطائف، انطلاقاً من إيمان الكنيسة بأن هذا الاتفاق الذي دعمه الفاتيكان في حينه، يمثل الإطار الأفضل للبنان كبلد متمايز في محيطه وفي العالم، علماً أن الدوائر الفاتيكانية تسجل لوماً ليس على معظم السياسيين اللبنانيين والمسيحيين فحسب، بل أيضاً تشمل بلومها بعض قادة الكنيسة، لأن الكنائس المشرقية قصّرت نسبياً في حماية الاجتماع اللبناني وحماية المسيحيين في لبنان ودول المنطقة من الانقسامات والهجرة بشكل خاص. على أن ذلك لا يعني أبداً توجيه انتقادات مباشرة أو تنبيهات وملاحظات خطية أو موثقة إلى أركان الكنائس المعنية، بل يعني الاكتفاء بلفت نظر بين الحين والآخر، وبالتحفظ أحياناً في تشريع أو تثبيت بعض القرارات التي تتخذها الكنائس المحلية الكاثوليكية، كما حصل في أكثر من مناسبة، لا سيّما في ما خصّ تعيينات أسقفية أو تغييراً في كيان هذه الأبرشية أو تلك.
وتلفت الأوساط إلى أن بعض المسؤولين في الفاتيكان يتحمّلون بدورهم تبعات بعض الخلل في العلاقة مع لبنان والمراجع المسيحية فيه من رسمية وكنسية وسياسية، لأن هؤلاء يعتادون أحياناً الاستماع إلى وجهات نظر طرف واحد أو أطراف معينة من دون سواها. وحول العلاقة مع البطريرك الراعي تشير إلى أنها تحسّنت أخيراً بعد نوع من الفتور لأسباب شتى، لا بل إن سيد بكركي عرف بوجود رسائل إلى الفاتيكان وتحركات من قبل بعض الأساقفة لتلمّس مدى الاستعداد لدفع البطريرك الراعي إلى الاستقالة، أو من خلال الترويج بأن استقالته باتت لدى الكرسي الرسولي. ويبدو أنه وبعد خروجه من المستشفى وتماثله للشفاء، سيعمل على إعادة تصويب بعض الأمور ومعالجة بعض الثغرات بهدف تعزيز مناخ الثقة ضمن الكنيسة.
ولا تخفي الأوساط الكنسية أهمية الرهان الذي يضعه الكرسي الرسولي على رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في قيادة مسيرة البلاد إلى استعادة الدور المحوري للدولة اللبنانية ومؤسساتها الشرعية بعيداً من أي تعطيل، بل إن الدوائر الفاتيكانية تبدي ارتياحها العميق لانتخاب الرئيس عون الذي يحظى بتنويه لما يتمتع به من التزام بالمبادئ المسيحية والأخلاقية.
وتكشف معلومات أن العماد جوزاف عون هو الاسم الوحيد الذي سألت الدبلوماسية الفاتيكانية القيادات المسيحية بشكل غير مباشر عنه قبل انتخابه، علماً أن السفير البابوي في لبنان المونسنيور باولو بورجيا، وعلى رغم تحفظه المعروف في الكلام، يحتفظ بعلاقة ممتازة مع رئيس الجمهورية منذ مرحلة قيادته الجيش اللبناني وحتى اليوم.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

التنظيم على وتيرته والفرز بإشراف الحجار شخصيًا
التنظيم على وتيرته والفرز بإشراف الحجار شخصيًا

IM Lebanon

timeمنذ 2 أيام

  • IM Lebanon

التنظيم على وتيرته والفرز بإشراف الحجار شخصيًا

كتب ريشار حرفوش في 'نداء الوطن': بأجواء هادئة، انطلقت في تمام السابعة من صباح أمس الأحد عملية الاقتراع في بيروت، زحلة، البقاع الغربي، بعلبك الهرمل، البقاع، راشيا، وعند السابعة مساء أقفلت الصناديق ليتوجه بعدها وزير الداخلية أحمد الحجار مباشرة إلى عدد من أقلام الاقتراع في بيروت لمتابعة مجريات الفرز شخصياً، في خطوة غير مسبوقة تؤكد حرصه على الشفافية ومتابعة أي شائبة قد تمس نزاهة العملية. وفي تفاصيل اليوم الانتخابي الطويل في الوزارة، فبعيد فتح الأقلام في الأقضية المعنية، حضر وزير الدفاع ميشال منسى، وبعده رئيس الحكومة نواف سلام، وكان لقاء مع الوزير الحجار الذي ترأس غرفة العمليات وتابع كل مجريات النهار عن كثب. كذلك زار وزير العدل عادل نصار الوزارة، حيث شدد على أهمية ضبط إطلاق النار العشوائي وضرورة ملاحقة مطلقي النار ابتهاجاً من دون أي استثناءات، قائلاً: «ما في واسطة بهذا الموضوع، فصحة المواطنين خط أحمر». وبالنسبة للأرقام النهائية (الى حين إقفال الأقلام الانتخابية) كانت على الشكل التالي: راشيا: 37.09 %، الهرمل: 35.70 %، البقاع الغربي: 42.96 %، زحلة: 46.71 %، بعلبك: 48.98 %، بيروت: 21.10 %. بيروت ترفع النسبة وفي سياق مقارنة نسب الاقتراع بين الاستحقاق البلدي والاختياري لعامي 2016 و2025، تُظهر الأرقام الرسمية لوزارة الداخلية والبلديات مفارقة لافتة: وحدها العاصمة بيروت سجّلت ارتفاعاً في نسبة الاقتراع من 20.14 % في انتخابات 2016 إلى 21.03 % في العام الحالي، ما يعكس مؤشراً معاكساً للمنحى العام الذي ساد في سائر الأقضية. ففي بعلبك – الهرمل والبقاع، انخفضت نسبة الاقتراع الإجمالية من 49 % عام 2016 إلى 45.23 % عام 2025. وفي الهرمل تحديداً، سجّلت تراجعاً من 45 % إلى 35.7 %، أما في قضاء بعلبك، فقد انخفضت النسبة من 62 % إلى 48.61 %، وفي راشيا من 43.5 % إلى 37.02 %. حتى زحلة، التي لطالما سجلت نسب مشاركة مرتفعة، شهدت تراجعاً من 52.6 % إلى 46.06 %، وحده البقاع الغربي سجل ارتفاعاً طفيفاً من 42 % إلى 42.91 %. هذا التباين بين بيروت وسائر الأقضية يُعيد طرح التساؤلات حول العوامل المؤثرة في نسب المشاركة، ومدى قدرة القوى السياسية والمدنية على تحفيز الناخبين، لا سيما في المناطق التي تتسم بتقليد انتخابي أكثر حيوية. المخالفات بالأرقام أما عن المخالفات والشكاوى التي وصلت إلى وزارة الداخلية فهي لم تتعد الـ 400 مخالفة، والنسبة الأكبر كانت من هيئة قلم الاقتراع بنسبة تعدت الـ 56 %، أما من المواطنين فكانت بنسبة 26.5 %.

هل من مخاوف من تفويت لبنان 'فرصة العمر'؟
هل من مخاوف من تفويت لبنان 'فرصة العمر'؟

صوت لبنان

timeمنذ 2 أيام

  • صوت لبنان

هل من مخاوف من تفويت لبنان 'فرصة العمر'؟

كتب شارل جبور في 'نداء الوطن': قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال القمة الخليجية الأميركية في العاصمة السعودية أن 'لدى لبنان فرصة حقيقية لمستقبل خالٍ من 'حزب الله'، وفرصة لبنان تأتي مرة في العمر ليكون مزدهراً'. والفرصة بعلم السياسة، هي المومنتم الذي لا يجب إضاعته، والمومنتم الحالي لا يوصّف حتى بالمثالي، كونه أكثر من مثالي، إذ من كان يتوقّع حصول الانهيارات كلها دفعة واحدة، بدءاً من إيران، وصولاً إلى أذرعها، وما بينهما أن يطوّق 'حزب الله' في الداخل جغرافياً ووطنياً وسياسياً؟ وما يجب تأكيده بداية ، أن هدر الفرصة الذهبية، لا سمح الله، لا يعني العودة بلبنان إلى ما قبل 'حرب الإسناد'، فهذه العودة ممكنة فقط بأحلام 'حزب الله' وتمنياته، ولكن على أرض الواقع الزمن الماضي مضى إلى غير رجعة، والحمد لله، انطلاقاً من اللاءات التالية: لا إسرائيل في وارد إعادة ترك 'حزب الله' يراكم قوته من جديد، وما تقوم به يومياً بقتل كوادره، منذ وقف الحرب في 27 تشرين الثاني، مع توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، لن يتوقّف، وهو لا يجرؤ على الرد كونه لا يستطيع الردّ. ولا سوريا الشرع في وارد التساهل مع محاولات عبور الحرس الثوري من أراضيها إلى لبنان من أجل مده بالمسلحين والسلاح، والرئيس الشرع ليس بحاجة إلى توصية من الأميركيين لمنع تواجد الحرس و'حزب الله' في سوريا، فهو كأن أول من طرد ميليشيات إيران انتقاماً على ما ارتكبته بحق الشعب السوري. ولا الولايات المتحدة ستسمح لإيران باستعادة دورها الخارجي المزعزع لاستقرار المنطقة، والإدارة الترامبية تضع جهودها كلها لإقفال ملفات النزاع مع طهران في حدود أشهر قليلة: النووي، الدور والصواريخ الباليستية. ولا الدولة اللبنانية التي أصبحت أقوى من 'الحزب' ستتهاون مع أي أمر واقع عسكري يحاول فرضه أو اللجوء إليه، وواقعة إقفال طريق المطار أكبر دليل أنه لم يعد باستطاعته إقفال مجرّد طريق. وعليه، فإن المقصود بهدر الفرصة التاريخية والذهبية ليس العودة إلى ما قبل 'حرب الإسناد'، إنما استمرار حالة المراوحة الوطنية والسياسية والمالية والاقتصادية والاستثمارية، وهذه الحالة مرشحة للاستمرار في ظل حلقة مقفلة ناتجة عن رفض مثلّث: رفض المجتمع الدولي مساعدة لبنان قبل احتكار الدولة وحدها للسلاح، رفض الدولة بسط سيطرتها بالقوة على رغم تأكيدها المستمر على ضرورة بسط سلطتها على كامل أراضيها، ورفض 'حزب الله' إنهاء مشروعه المسلّح على رغم انسداد أفق استخدام سلاحه إقليمياً ومحلياً. والمؤسف في هذا المشهد، أن المنطقة دخلت في عصر جديد ومرحلة جديدة، فيما لبنان ما زال خارج هذا المشهد، والخشية هذه المرة ليست من عودة عقارب الساعة إلى الوراء، فلا عودة بتاتاً إلى الوراء، إنما من المراوحة في الفشل وعدم التقدُّم إلى الأمام، ويرتكب 'حزب الله' على هذا المستوى جريمة إضافية بحقّ اللبنانيين عموماً وبيئته خصوصاً، بسبب تمسكه بسلاح فقد دوره وصلاحيته، ويتحمّل مسؤولية الخروقات الإسرائيلية واستهدافه المتواصل، من دون أن تكون له القدرة على الردّ عليها وحتى الدفاع عن نفسه، وهذا الوضع، مرشّح للاستمرار إلى أن تبسط الدولة سلطتها، وما لم تبادر إلى بسط سلطتها يعني أن لا مساعدات ولا وقف للضربات الإسرائيلية، فتكون المنطقة انتقلت إلى حقبة الاستقرار، وبقي لبنان وحيداً بؤرة غير مستقرة، والفارق هذه المرة عن المرات السابقة، أنها ساحة معزولة وغير قادرة على التأثير على الساحات الأخرى، أي أن ضررها يرتد على اللبنانيين حصراً. وانطلاقاً من ذلك، فلا المبالغة في التشاؤم صحيحة، ولا المبالغة في التفاؤل دقيقة، إنما البقاء في دائرة المراوحة طالما أن 'حزب الله' لم يبادر إلى إعلان نهاية مشروعه المسلّح، وطالما أن السلطة لم تبادر إلى إبلاغه بضرورة إنهاء هذا المشروع ضمن فترة زمنية محددة، وإلا ستضطر إلى استخدام القوة معه، ولكن ما هو غير معروف بعد يكمن في التساؤلات التالية: هل ينتظر 'الحزب' الإشارة الإيرانية ليتخلى عن سلاحه؟ وماذا لو أرادت طهران أن يُبقي على سلاحه؟ وهل يراهن أن الدولة لن تجرؤ على نزعه بالقوة؟ ولماذا يتخلى عن سلاحه إذا لم يشعر أن الدولة عازمة على نزعه بالقوة؟ وبالمقابل، هل رفض السلطة وضع جدول زمني لإنهاء السلاح غير الشرعي مرده إلى رهانها على المفاوضات بين واشنطن وطهران وما سترسو عليه؟أم أنها تراهن على القضم التدريجي للدولة الذي سيؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى بسط سيطرتها على كامل الأراضي اللبنانية؟ ما لا يفترض إغفاله، أن من يربح في الإقليم يربح في لبنان، وبما أن 'حزب الله' هُزِم في الإقليم، فإن نهاية دوره المسلّح في لبنان باتت مسألة وقت لا أكثر، خصوصاً أن الوضع في المنطقة يشهد تحولاً معاكساً للمسار الممانع السابق، ولن تنفع طويلاً محاولات 'الحزب' فصل لبنان عن المنطقة أو عزله عنها، فيما العزلة الحقيقية الداخلية والخارجية تصيب 'الحزب' نفسه وليس لبنان، الذي أعاد ترميم جسور علاقاته مع الغرب والشرق. إن 'فرصة العمر' التي تحدّث عنها الرئيس الأميركي تحقّقت مع زوال مشروع الممانعة الذي تقطّعت أوصاله، ولا حياة لدور 'حزب الله' طالما أن مشروعه الإقليمي انتهى، ولكن السؤال الذي لا بدّ من طرحه: هل ستسهِّل هذه المجموعة 'فرصة العمر' لعودة لبنان سويسرا الشرق، أم ستعرقلها؟

هل من مخاوف من تفويت لبنان 'فرصة العمر'؟
هل من مخاوف من تفويت لبنان 'فرصة العمر'؟

IM Lebanon

timeمنذ 2 أيام

  • IM Lebanon

هل من مخاوف من تفويت لبنان 'فرصة العمر'؟

كتب شارل جبور في 'نداء الوطن': قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال القمة الخليجية الأميركية في العاصمة السعودية أن 'لدى لبنان فرصة حقيقية لمستقبل خالٍ من 'حزب الله'، وفرصة لبنان تأتي مرة في العمر ليكون مزدهراً'. والفرصة بعلم السياسة، هي المومنتم الذي لا يجب إضاعته، والمومنتم الحالي لا يوصّف حتى بالمثالي، كونه أكثر من مثالي، إذ من كان يتوقّع حصول الانهيارات كلها دفعة واحدة، بدءاً من إيران، وصولاً إلى أذرعها، وما بينهما أن يطوّق 'حزب الله' في الداخل جغرافياً ووطنياً وسياسياً؟ وما يجب تأكيده بداية ، أن هدر الفرصة الذهبية، لا سمح الله، لا يعني العودة بلبنان إلى ما قبل 'حرب الإسناد'، فهذه العودة ممكنة فقط بأحلام 'حزب الله' وتمنياته، ولكن على أرض الواقع الزمن الماضي مضى إلى غير رجعة، والحمد لله، انطلاقاً من اللاءات التالية: لا إسرائيل في وارد إعادة ترك 'حزب الله' يراكم قوته من جديد، وما تقوم به يومياً بقتل كوادره، منذ وقف الحرب في 27 تشرين الثاني، مع توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، لن يتوقّف، وهو لا يجرؤ على الرد كونه لا يستطيع الردّ. ولا سوريا الشرع في وارد التساهل مع محاولات عبور الحرس الثوري من أراضيها إلى لبنان من أجل مده بالمسلحين والسلاح، والرئيس الشرع ليس بحاجة إلى توصية من الأميركيين لمنع تواجد الحرس و'حزب الله' في سوريا، فهو كأن أول من طرد ميليشيات إيران انتقاماً على ما ارتكبته بحق الشعب السوري. ولا الولايات المتحدة ستسمح لإيران باستعادة دورها الخارجي المزعزع لاستقرار المنطقة، والإدارة الترامبية تضع جهودها كلها لإقفال ملفات النزاع مع طهران في حدود أشهر قليلة: النووي، الدور والصواريخ الباليستية. ولا الدولة اللبنانية التي أصبحت أقوى من 'الحزب' ستتهاون مع أي أمر واقع عسكري يحاول فرضه أو اللجوء إليه، وواقعة إقفال طريق المطار أكبر دليل أنه لم يعد باستطاعته إقفال مجرّد طريق. وعليه، فإن المقصود بهدر الفرصة التاريخية والذهبية ليس العودة إلى ما قبل 'حرب الإسناد'، إنما استمرار حالة المراوحة الوطنية والسياسية والمالية والاقتصادية والاستثمارية، وهذه الحالة مرشحة للاستمرار في ظل حلقة مقفلة ناتجة عن رفض مثلّث: رفض المجتمع الدولي مساعدة لبنان قبل احتكار الدولة وحدها للسلاح، رفض الدولة بسط سيطرتها بالقوة على رغم تأكيدها المستمر على ضرورة بسط سلطتها على كامل أراضيها، ورفض 'حزب الله' إنهاء مشروعه المسلّح على رغم انسداد أفق استخدام سلاحه إقليمياً ومحلياً. والمؤسف في هذا المشهد، أن المنطقة دخلت في عصر جديد ومرحلة جديدة، فيما لبنان ما زال خارج هذا المشهد، والخشية هذه المرة ليست من عودة عقارب الساعة إلى الوراء، فلا عودة بتاتاً إلى الوراء، إنما من المراوحة في الفشل وعدم التقدُّم إلى الأمام، ويرتكب 'حزب الله' على هذا المستوى جريمة إضافية بحقّ اللبنانيين عموماً وبيئته خصوصاً، بسبب تمسكه بسلاح فقد دوره وصلاحيته، ويتحمّل مسؤولية الخروقات الإسرائيلية واستهدافه المتواصل، من دون أن تكون له القدرة على الردّ عليها وحتى الدفاع عن نفسه، وهذا الوضع، مرشّح للاستمرار إلى أن تبسط الدولة سلطتها، وما لم تبادر إلى بسط سلطتها يعني أن لا مساعدات ولا وقف للضربات الإسرائيلية، فتكون المنطقة انتقلت إلى حقبة الاستقرار، وبقي لبنان وحيداً بؤرة غير مستقرة، والفارق هذه المرة عن المرات السابقة، أنها ساحة معزولة وغير قادرة على التأثير على الساحات الأخرى، أي أن ضررها يرتد على اللبنانيين حصراً. وانطلاقاً من ذلك، فلا المبالغة في التشاؤم صحيحة، ولا المبالغة في التفاؤل دقيقة، إنما البقاء في دائرة المراوحة طالما أن 'حزب الله' لم يبادر إلى إعلان نهاية مشروعه المسلّح، وطالما أن السلطة لم تبادر إلى إبلاغه بضرورة إنهاء هذا المشروع ضمن فترة زمنية محددة، وإلا ستضطر إلى استخدام القوة معه، ولكن ما هو غير معروف بعد يكمن في التساؤلات التالية: هل ينتظر 'الحزب' الإشارة الإيرانية ليتخلى عن سلاحه؟ وماذا لو أرادت طهران أن يُبقي على سلاحه؟ وهل يراهن أن الدولة لن تجرؤ على نزعه بالقوة؟ ولماذا يتخلى عن سلاحه إذا لم يشعر أن الدولة عازمة على نزعه بالقوة؟ وبالمقابل، هل رفض السلطة وضع جدول زمني لإنهاء السلاح غير الشرعي مرده إلى رهانها على المفاوضات بين واشنطن وطهران وما سترسو عليه؟أم أنها تراهن على القضم التدريجي للدولة الذي سيؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى بسط سيطرتها على كامل الأراضي اللبنانية؟ ما لا يفترض إغفاله، أن من يربح في الإقليم يربح في لبنان، وبما أن 'حزب الله' هُزِم في الإقليم، فإن نهاية دوره المسلّح في لبنان باتت مسألة وقت لا أكثر، خصوصاً أن الوضع في المنطقة يشهد تحولاً معاكساً للمسار الممانع السابق، ولن تنفع طويلاً محاولات 'الحزب' فصل لبنان عن المنطقة أو عزله عنها، فيما العزلة الحقيقية الداخلية والخارجية تصيب 'الحزب' نفسه وليس لبنان، الذي أعاد ترميم جسور علاقاته مع الغرب والشرق. إن 'فرصة العمر' التي تحدّث عنها الرئيس الأميركي تحقّقت مع زوال مشروع الممانعة الذي تقطّعت أوصاله، ولا حياة لدور 'حزب الله' طالما أن مشروعه الإقليمي انتهى، ولكن السؤال الذي لا بدّ من طرحه: هل ستسهِّل هذه المجموعة 'فرصة العمر' لعودة لبنان سويسرا الشرق، أم ستعرقلها؟

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store