
هل انتهى البرنامج النووي الإيراني بعد الضربة الأميركية؟
مع تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، شهد العالم واحدة من أكثر الضربات إثارة للجدل في العقود الأخيرة، وهو قيام الولايات المتحدة بشن هجوم مركز على منشآت البرنامج النووي الإيراني. وبينما سارعت دوائر سياسية وإعلامية إلى الحديث عن "نهاية" الطموح النووي الإيراني، فإن القراءة الإستراتيجية الأعمق -المدعومة بتقديرات خبراء وعلماء بارزين- تُظهر صورة مختلفة.
وكشفت صور الأقمار الاصطناعية، التي حللتها شركات متخصصة، عن حركة مركبات "غير طبيعية" حول موقع فوردو النووي الإيراني قبل وقوع الضربة، وفقا لما أشارت إليه صحيفة واشنطن بوست نقلا عن صور من شركة ماكسار. وبعد الضربة، أظهرت الصور وجود أضرار سطحية، لكن لم ترد بعد تأكيدات قاطعة حول اختراق التحصينات العميقة للموقع أو انهيار أساسي للمبنى تحت الأرض. هذا النمط يشير إلى أن الضربة قد تكون استهدفت البنية التحتية السطحية للموقع دون أن تحدث دمارا شاملا في المنشآت المحصنة.
تصريحات رسمية.. غموض وتضارب
وتفاوتت التصريحات الرسمية بشكل كبير حول حجم الأضرار الناجمة عن "الضربة". فمن البيت الأبيض، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن الضربات "تمت بنجاح كامل" وأن إحدى القنابل المستعملة قد "أزيلت"، مستندا إلى معلومات أولية من البنتاغون. هذا التصريح يوحي بفاعلية كبيرة للعملية.
وعلى النقيض تماما، نفى مسؤول إيراني من محافظة قم، حيث موقع فوردو، وقوع أضرار جسيمة، مؤكدا أن الموقع "لم يتضرر بشكل خطير". هذا التضارب في التصريحات يزيد من صعوبة تقييم الوضع الحقيقي ويضع مزيدا من علامات الاستفهام حول الأهداف والنتائج الفعلية للضربة.
ومن جهتها أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عدم تسجيل أي تسرب إشعاعي من المواقع الثلاثة المستهدفة، وهو ما يشير إلى أن الضربات لم تؤثر على السلامة الإشعاعية للمنشآت. وتشير التقارير الصادرة عن مصادر إخبارية مرموقة مثل سكاي نيوز والجزيرة إلى أن الضربات "أبطأت تقدم البرنامج النووي الإيراني"، لكنها لم توقفه بالكامل. ولا يزال موقع فوردو "عامل تهديد قائم"، مما يعني أن قدرته على استئناف العمليات لم تُقضَ عليها بشكل كامل.
وقد اعترف مصدر إسرائيلي رسمي بأن الضربة "أبطأت البرنامج من سنتين إلى 3 سنوات على الأكثر"، لكنه أقر بأن "ذلك لا يعني الانتهاء منه"، وفق ما أدلى به وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر في اليوم ذاته الذي شنّت فيه الولايات المتحدة ضربة على المفاعل النووي الإيراني، وذلك في مقابلة مع "تايمز أوف إسرائيل".
ضربة مؤلمة وليست قاضية
حتى ساعة كتابة هذا التقرير، فإنه يجري تداول تقارير صحفية واستقصائية من غارديان وهآرتس و"إن بي سي" تتحدث عن أن الضربات أصابت منشآت حول فوردو، لكنها لم تؤكد اختراق التحصينات بالكامل، في حين أشارت صور الأقمار الاصطناعية إلى "أضرار سطحية" في بعض أجزاء المجمع، وليس انهيارا شاملا.
وبعد تحليل المعلومات المتاحة، يتضح أنه لا توجد دلائل قاطعة على "تدمير كامل" أو انهيار المنشأة تحت الأرض في فوردو. ويبدو أن الضربة أحدثت ضررا بنتائج محدودة، ربما أدت إلى خسارة الطاقة أو أنظمة التبريد، لكنها تركت هيكل التحصينات سليما، حسب تحليلات تلك الصحف ووفق ما توفر من معلومات لحينه.
ويذكر أنه في تقرير استباقي نشرته واشنطن بوست بتاريخ 17 يونيو/حزيران، أي قبل الضربة، أشار محللون عسكريون إلى أن منشأة فوردو، نظرا لعمقها الجيولوجي، قد لا تُدمَّر بالكامل حتى باستخدام القنابل الخارقة للتحصينات. هذه التقديرات جاءت لتبرر لاحقا -بعد الضربة- سبب عدم إعلان واشنطن عن القضاء الكامل على الموقع، بل اكتفت بالحديث عن إبطاء البرنامج الإيراني، وفق المواقع الإخبارية.
ويقول الخبير النووي ديفيد ألفرايت من "معهد العلوم والأمن الدولي" (آي سي آي سي) لا نرى دمارا لا رجعة فيه في فوردو… طالما الملاجئ تحت الأرض تعمل، فإن إيران تملك ساعة نووية تدقّ بصمت".
كما أشار إلى أن الأسلحة الخارقة للتحصينات (إم أو بي) لم تُستخدم بالفعالية الكاملة، مما جعل الضربة "غير حاسمة إستراتيجيا".
المعرفة العلمية لا تُقصف
يشير الخبراء العلميون إلى أن البرنامج النووي الإيراني ليس مجرد أجهزة طرد مركزي أو منشآت خرسانية، بل بنية معرفية مكونة من آلاف المهندسين والفيزيائيين النوويين، وبنية تحتية للتصميم والتطوير موزعة على نطاق جغرافي واسع.
ويؤكد الخبير النووي ماثيو بون من كلية بلفر بجامعة هارفارد أن "الضربات العسكرية قد تدفع إيران إلى القناعة بأن الردع النووي هو السبيل الوحيد للبقاء… وقد تسرّع مشروع التسلّح بدلا من إبطائه"، وفق تقرير بلفر سنتر.
وحتى أكثر التقييمات الإسرائيلية تفاؤلا، مثل تقرير صحيفة إسرائيل هيوم (20 يونيو/حزيران 2025)، فإنها تصف الضربة بأنها "عملية إبطاء لا استئصال". فقدرة إيران على إعادة تركيب البنية الفنية عالية، بفضل توفر أجهزة طرد بديلة، ودعم من الحلفاء (روسيا والصين)، وشبكة توريد موازية عبر وسطاء.
ما حدث في الضربة الأميركية إذن هو ضربة "مزلزلة لكن غير فاصلة"، بحسب تعبير أحد خبراء الطاقة. لقد تضررت منشآت، واهتزت البنية المادية، وربما تباطأت خطوات فنية. لكن المؤشرات تذهب إلى أن البرنامج لم ينتهِ، لأنه ليس مجرد هياكل، بل هو معرفة بشرية مدفونة تحت الأرض، وفي العقول.
ويرى بعض المراقبين أن الضربة قد تكون -بشكل غير متوقع- دافعا لإيران إلى التحوّل من برنامج "قابل للمراقبة" إلى برنامج أكثر سرية وجوهرية.
ولعل أبرز عبرة إستراتيجية هنا هي أن المعركة الحقيقية ليست على الخرائط، بل في العقول والمختبرات والنيات السياسية. ولعله كلما ازداد الضغط العسكري، انتقلت إيران من منطق التفاوض إلى منطق "الصمت النووي". ويرجح من ضمن الخيارات أن تنسحب إيران من المفاوضات الدولية، وتغلف برنامجها بالغموض، وهذا قد يعد مؤشرا على أن طهران قد تذهب في مسار آخر غير التفاوض.
إن القول بانتهاء البرنامج النووي الإيراني ليس سوى إعلان رغبة سياسية، لا حقيقة إستراتيجية، فالأغلب أن البرنامج لم يُستأصل، بل توقف مؤقتا، أو أُجبر على تغيير شكله لا أكثر.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة سبق
منذ 35 دقائق
- صحيفة سبق
هجوم إسرائيلي يستهدف موقع فوردو النووي ومقرات للحرس الثوري بطهران
أعلن مركز إدارة الأزمات في محافظة قم الإيرانية تعرض موقع فوردو النووي لهجوم إسرائيلي جديد، مؤكداً في بيان رسمي عدم وجود تهديدات على السكان المدنيين. ويأتي هذا التصعيد عقب إعلان الجيش الإسرائيلي شن سلسلة غارات على أهداف عسكرية في طهران، بينها مقرات قيادة تابعة للحرس الثوري الإيراني. وفي تطور لافت، أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أمس الأحد، أن الضربات دمرت ثلاث منشآت نووية رئيسية في إيران بالكامل. بينما قال الجيش الإسرائيلي إن العمليات لا تزال مستمرة، وإن تقييم الأضرار جارٍ مع الإشارة إلى وجود أهداف عسكرية إضافية قيد الرصد. من جانبه، أوضح رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، الجنرال دان كين، أن الغارات شملت سبع قاذفات شبح من طراز "بي-2" أقلعت من الولايات المتحدة في رحلة استمرت 18 ساعة متواصلة، ونفذت عمليات دقيقة بالتنسيق مع طائرات استطلاع ومقاتلات وغواصة أطلقت 24 صاروخ توماهوك باتجاه منشآت نووية، أبرزها في أصفهان وفوردو. ورغم هذا الهجوم غير المسبوق من حيث الحجم والتخطيط، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنها لم ترصد أي تسرب إشعاعي في المواقع المستهدفة، وهو ما أثار تساؤلات حول فعالية الضربات في تقويض البنية النووية الإيرانية، التي لا تزال تفاصيل أضرارها قيد التقييم.


صحيفة عاجل
منذ 36 دقائق
- صحيفة عاجل
وزير الدفاع الإسرائيلي: نهاجم قلب طهران «بقوة غير مسبوقة»
قال وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، الاثنين، إن الجيش يضرب "بقوة غير مسبوقة" أهدافا تابعة للنظام في وسط العاصمة الإيرانية طهران. وصرح كاتس في بيان: "الجيش يضرب بقوة غير مسبوقة أهدافا تابعة للنظام والأجهزة الحكومية في قلب طهران". إلى ذلك، نفّذت إسرائيل، الاثنين، هجوما على فوردو، الموقع الرئيسي في إيران لتخصيب اليورانيوم بنسبة 60% والمحصن تحت الأرض على عمق يقارب 90 مترا، وفق ما أفادت وكالة "تسنيم" الإيرانية، وذلك بعد تعرضه، فجر الأحد، لضربات أميركية بقنابل خارقة للتحصينات. ونقلت وكالة "تسنيم "عن الناطق باسم هيئة إدارة الأزمات في محافظة قم قوله "هاجموا موقع فوردو النووي مجددا". وأكدت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن الجيش هاجم الطريق المؤدي لمنشأة فوردو النووية. كما أظهرت صور متداولة تعرض قاعدة للحرس الثوري في طهران لهجوم إسرائيلي.


عكاظ
منذ ساعة واحدة
- عكاظ
من نادي الغولف.. أعطى ترمب الضوء الأخضر باستهداف منشآت إيران
كشفت تقارير أمريكية أن الرئيس دونالد ترمب أعطى موافقته على عملية استهداف منشآت نووية إيرانية خلال تواجده في نادي الغولف في نيوجيرسي. وأفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب كان بعد ظهر السبت في ناديه للغولف في بيدمينستر، مضيفا أنه أبلغ حينها أن القاذفات على وشك الوصول إلى «نقطة اللا عودة». ونقل الموقع عن مصدر مطلع قوله: «إنه حينها أعطى الرئيس الأمريكي الضوء الأخضر النهائي، مضيفا أنه بعد ذلك بوقت قصير، صعد ترمب على متن الطائرة الرئاسية وعاد إلى واشنطن ليكون في غرفة العمليات لمتابعة التطورات». وكشف أحد المقربين من ترمب، والذي تحدث مع الرئيس في الأيام الأخيرة: «في النهاية، كان كل شيء على ما يُرام. كان التوقيت مناسبا». وأعلن «أكسيوس» أن مجموعة صغيرة جدا من المسؤولين داخل إدارة ترمب كانت على علم بالضربة المخطط لها. فيما أكد مسؤول أمريكي، أنه لم تكن هناك تسريبات من البنتاغون أو من البيت الأبيض. من جهته، أفاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن إسرائيل اقتربت للغاية من تحقيق أهدافها في إيران، إلا أنه توعد باستمرار الحرب حتى تحقيق أهدافه مع تفادي الانزلاق إلى حرب استنزاف. وفي حديث لصحفيين إسرائيليين قال نتنياهو: «لن نواصل عملياتنا بما يتجاوز ما هو ضروري لتحقيقها، لكننا لن ننتهي منها قبل الأوان، عندما تتحقق الأهداف ستكتمل العملية ويتوقف القتال». وكان نتنياهو، قال في كلمة متلفزة إن «إسرائيل لن تنجر إلى حرب استنزاف، لكنها أيضا لن تنهي هذه العملية قبل تحقيق جميع أهدافها»، مؤكدا أن إسرائيل «حققت الكثير»، وأنها الآن بمساعدة الرئيس ترمب اقتربت أكثر من تحقيق أهدافها، على حد زعمه. وأكد أن موقع فوردو النووي الإيراني تضرر بشدة جراء القنابل الخارقة للتحصينات التي أسقطتها الولايات المتحدة الليلة الماضية، لكن حجم الضرر لم يتضح بعد، وقال إن حكومته «ستقيّم الأمور وستعمل من أجل ألا تشكل منشأة فوردو أي تهديد لإسرائيل». أخبار ذات صلة