
التحولات السياسية في المنطقة وآثارها على الجنوب العربي
تشهد منطقة الشرق الأوسط منذ عام 2023 تحولات سياسية وأمنية متسارعة، انعكست بشكل مباشر على مستقبل العديد من القضايا الإقليمية، بما في ذلك قضية شعب الجنوب. فمع تصاعد التوترات في غزة، وتوسع النفوذ الإيراني، وازدياد التصعيد الحوثي في البحر الأحمر، والعقوبات الأمريكية المفروضة على جماعة الحوثي وتصنيفها كجماعة إرهابية، إلى جانب قرار نقل البنوك التجارية من صنعاء إلى العاصمة عدن. وجدت القيادة الجنوبية نفسها أمام تحديات كبرى، لكنها في الوقت ذاته تواجه فرصًا لتعزيز حضورها الإقليمي والدولي.
وبالتزامن مع هذه التحولات، نظمت الأمانة العامة لهيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي، ممثلة بالدائرة السياسية وبالتنسيق دائرة المرأة والطفل، أمسية رمضانية في 23 مارس 2025 بالعاصمة عدن، تحت عنوان 'التحولات السياسية في المنطقة وانعكاساتها على قضية شعب الجنوب'، بمشاركة عدد من الشخصيات السياسية والاقتصادية والأكاديمية والإعلامية.
-وعي سياسي واستراتيجي
أكدت الأستاذة منى علي أحمد، نائب رئيس الدائرة السياسية بالامانة العامة للمجلس الانتقالي الجنوبي، في كلمتها الافتتاحية أن هذه الأمسية جاءت في مرحلة دقيقة يمر بها الجنوب والمنطقة ككل، مشيرة إلى أن كل رأي يُطرح يشكل إضافة مهمة تخدم قضية شعب الجنوب. وشددت على أن أبناء الجنوب يمتلكون من الكفاءات والقدرات القيادية ما يمكنهم من التصدي للتحديات والاستمرار في الدفاع عن تطلعات شعب الجنوب.
أما الأستاذة ياسمين مساعد حميد، رئيس دائرة المرأة والطفل، فأكدت أن المتغيرات السياسية الراهنة تحمل فرصًا يجب استثمارها بحكمة، مضيفة أن الموقع الاستراتيجي للجنوب يجعله محوريًا في حسابات القوى الإقليمية والدولية.
-تحليل التحولات السياسية وتأثيراتها على الجنوب
شهدت الأمسية تقديم أوراق عمل تحليلية تناولت التحولات السياسية والاقتصادية في المنطقة وانعكاساتها على الجنوب، كان أبرزها:
ورقة عمل 'التحولات السياسية في المنطقة وانعكاساتها على قضية شعب الجنوب'، قدمها المحلل السياسي الأستاذ محمد عبدالله الموس الجفري، وتناولت التحديات التي فرضها التصعيد الإقليمي والفرص المتاحة أمام القيادة الجنوبية.
وكانت ورقة العمل الثانية تحمل عنوان 'التغيرات الإقليمية واستجابة المجلس الانتقالي'، قدمها الأستاذ يعقوب السفياني، مدير مركز 'سوث 24″، حيث ركز على تفاعل المجلس مع المستجدات السياسية، خصوصًا تصعيد الحوثيين في البحر الأحمر.
وقدم د. محمد جمال الشعيبي، أستاذ الاقتصاد السياسي بجامعة عدن، ورقة عمل 'التداعيات الاقتصادية للعقوبات الأمريكية على الحوثيين ونقل البنوك إلى عدن'، وأوضح فيها أهمية تعزيز الاستقرار الاقتصادي لمواجهة التحديات الإقليمية.
وتضمنت أوراق العمل الآتي:
-انعكاسات التحولات الإقليمية على الجنوب العربي
1️- تصاعد الصراع في غزة وتأثيره على موازين القوى
أدى التصعيد في غزة منذ أكتوبر 2023 إلى إعادة ترتيب التحالفات الإقليمية، حيث استغلت جماعة الحوثي الأحداث لتوسيع عملياتها في البحر الأحمر، مما استدعى تدخلًا أمريكيًا وأوروبيًا للحد من نفوذها. بالمقابل، حافظ المجلس الانتقالي الجنوبي على موقف متزن، مؤكدًا دعمه للقضية الفلسطينية، لكنه في الوقت ذاته رفض محاولات الحوثيين استغلال الوضع لصالحهم.
2️- تصعيد الحوثيين في البحر الأحمر وأثره على الجنوب
تزامنًا مع تصاعد الحرب في غزة، كثفت ميليشيا الحوثي هجماتها على السفن التجارية والعسكرية في البحر الأحمر، مما أدى إلى اضطراب في حركة التجارة العالمية. هذا التصعيد دفع المجلس الانتقالي الجنوبي إلى المطالبة بدعم دولي لتعزيز قدرات خفر السواحل الجنوبي، في خطوة تهدف إلى تثبيت دوره في تأمين الملاحة البحرية.
3️-التحولات في المحور الإيراني وتراجع نفوذ الحوثيين
شهد محور إيران الإقليمي انتكاسات كبيرة، أبرزها:
-ضربات موجهة لحزب الله اللبناني، مما أضعف نفوذه داخليًا.
-تراجع النفوذ الإيراني في سوريا بعد انسحاب النظام السوري إلى روسيا في ديسمبر 2024.
-إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة في يناير 2025. وقد رحب المجلس الانتقالي الجنوبي بهذا التصنيف، معتبرًا أنه خطوة ضرورية لتقويض أنشطة الحوثيين الإرهابية.
4️-الفرص الاستراتيجية أمام الجنوب العربي
مع تصاعد التهديدات الإقليمية، يجد الجنوب نفسه أمام فرص لتعزيز مكانته الاستراتيجية، أبرزها:
-تعزيز دوره كشريك أمني في تأمين باب المندب والبحر الأحمر، وهو ما يتطلب دعمًا دوليًا لقواته البحرية.
-استغلال الاهتمام الدولي بتهديدات الحوثيين لكسب اعتراف أوسع بدوره السياسي والعسكري.
-تعزيز الشراكات الإقليمية والدولية لضمان دعم أكبر للمطالب الجنوبية.
-التعامل بحكمة مع الأزمات الاقتصادية، مثل نقل البنوك التجارية إلى عدن، لضمان استقرار مالي واقتصادي في الجنوب.
التداعيات الاقتصادية والمالية للعقوبات الأمريكية على الحوثيين
1- تقليص مصادر التمويل:
تستهدف العقوبات الأمريكية الموارد المالية للحوثيين، بما في ذلك التحويلات المالية والأنشطة التجارية غير المشروعة، مما يحد من قدرتهم على تمويل عملياتهم العسكرية.
2- تجفيف منابع التمويل:
تعتمد الجماعة على عدة مصادر مالية، أبرزها الضرائب والجبايات على السلع والخدمات، وتهريب النفط والأسلحة، والدعم الإيراني. فرض العقوبات يسهم في تقليص هذه الموارد بشكل حاد.
3- فرض حصار مالي واقتصادي:
العقوبات تمنع الشركات والمؤسسات المالية من التعامل مع الحوثيين، مما يعزلهم اقتصادياً ويجعلهم غير قادرين على استخدام النظام المصرفي الدولي.
4- خلق عزلة دولية:
تزايد العقوبات الأمريكية دفع البنوك التجارية إلى نقل مراكزها إلى عدن، مما يعزز الضغوط الاقتصادية على الحوثيين، ويدفع نحو مزيد من العزلة الدولية للجماعة.
-تداعيات نقل البنوك التجارية إلى عدن
1- تعزيز العلاقات المالية مع المؤسسات الدولية:
يسهم خروج البنوك من العاصمة اليمنية صنعاء في استعادة الحكومة اليمنية لعلاقاتها مع المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، مما يفتح المجال أمام تدفق الاستثمارات والمساعدات.
2- تأثير على سعر الصرف:
من المتوقع أن يؤثر انتقال البنوك إلى العاصمة عدن على قيمة الريال اليمني، حيث ستحتاج البنوك إلى تعزيز احتياطاتها من العملات الأجنبية، مما قد يؤدي إلى استقرار أو تحسن سعر الصرف.
3- تعزيز دور البنك المركزي في عدن:
سيتمكن البنك المركزي من فرض رقابة أفضل على القطاع المصرفي، مما يساعد في تقليل المضاربة العشوائية وتحقيق استقرار نقدي أكبر.
4- تعزيز دور عدن كمركز مالي واقتصادي:
يؤدي انتقال البنوك إلى زيادة الاستثمارات المحلية والدولية في عدن، مما ينعكس إيجاباً على النشاط الاقتصادي في المدينة.
5- تأثير على الأسواق والنشاط الاقتصادي:
قد يسهم نقل البنوك إلى عدن في تعزيز ثقة المستثمرين والتجار، مما يدفع نحو إعادة هيكلة المشهد المالي والتجاري في البلاد.
6- تحسين العمليات التجارية والمصرفية:
سيتمكن التجار والمستوردون من تنفيذ معاملاتهم بسهولة عبر البنوك في عدن، مما يسهم في تحسين تدفق البضائع واستقرار أسعار السلع.
7- تحسين الخدمات المصرفية:
يسهم الانتقال في تعزيز البنية التحتية المصرفية، وتحسين جودة الخدمات المالية، مما يقلل من الاعتماد على السوق السوداء ويعزز الشفافية المالية.
8- تأثير على حياة المواطنين:
يمكن أن يسهم نقل البنوك في تحسين صرف الرواتب والمعاشات، مما يخفف من الأعباء المعيشية على المواطنين.
9- تسهيل إجراءات تحويل حوالات المغتربين:
سيؤدي الانتقال إلى تسهيل استقبال تحويلات المغتربين عبر قنوات مصرفية أكثر استقراراً، مما يحسن المستوى المعيشي للأسر التي تعتمد على هذه الحوالات.
-تحركات المجلس الانتقالي الجنوبي لمواجهة التحديات
في ظل هذه التحولات، قام الرئيس القائد عيدروس بن قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي القائد الأعلى للقوات المسلحة الجنوبية نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، بعدة خطوات استراتيجية:
-زيارات ميدانية إلى جزيرة ميون وسقطرى، لتأكيد أهمية هذه المواقع الاستراتيجية في المعادلة الأمنية الإقليمية.
-التواصل مع القوى الدولية لضمان شراكات أمنية واقتصادية طويلة الأمد.
-تعزيز التواجد العسكري الجنوبي في المناطق الساحلية لمواجهة أي تهديدات محتملة من الحوثيين أو الجماعات الإرهابية.
-السيناريوهات المستقبلية للجنوب في ظل التحولات الإقليمية
مع استمرار التحولات السياسية في المنطقة، يمكن توقع عدة سيناريوهات:
1️- تصعيد عسكري أوسع ضد الحوثيين، سواء من خلال تكثيف الضربات الجوية أو عبر عمليات عسكرية برية في مناطق استراتيجية.
2️- إمكانية الوصول إلى تسوية سياسية شاملة في اليمن، ما يتطلب من المجلس الانتقالي الاستعداد لمفاوضات معقدة مع القوى الشمالية.
3️- تعزيز الجنوب لدوره في تأمين الملاحة البحرية، وهو ما قد يقود إلى اعتراف دولي أكبر بالمطالب الجنوبية.
في ظل المتغيرات الإقليمية المتسارعة، قرار العقوبات الأمريكية على الحوثيين ونقل البنوك إلى العاصمة عدن يقف الجنوب أمام مرحلة حاسمة تتطلب استجابة سياسية وأمنية مرنة. ومع تزايد الضغوط الدولية على الحوثيين وتغير موازين القوى الإقليمية، بات من الضروري أن يركز المجلس الانتقالي الجنوبي على تعزيز التحالفات الدولية، وتأمين المصالح الاقتصادية، وإعادة بناء الاقتصاد الوطني، وتنفيذ سياسات مالية فعالة لضمان استدامة هذه التغيرات الإيجابية، وتثبيت دوره كلاعب رئيسي في معادلة الأمن والاستقرار في المنطقة.
إن التحولات الحالية تمثل تحديات وفرصًا في آنٍ واحد، ويبقى وعي القيادة الجنوبية وقدرتها على اتخاذ قرارات استراتيجية صائبة هو المفتاح لضمان مستقبل مستقر ومزدهر للجنوب العربي.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الموقع بوست
منذ 2 ساعات
- الموقع بوست
الإتحاد الدولي للصحفيين يدعو للإفراج عن المياحي ويعتبر استخدام القضاء لمعاقبة الناقدين اعتداءً على حرية الإعلام
دعا الإتحاد الدولي للصحفيين، جماعة الحوثي للإفراج عن الصحفي محمد المياحي، في الوقت الذي اعتبر استخدام القضاء لمعاقبة الناقدين اعتداءً على حرية الإعلام. وقال بيان صادر عن الإتحاد الدولي للصحفيين، إنه تم الحكم ضد الصحفي محمد دبوان المياحي بالسجن 18 شهرًا بسبب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد احتجاز المياحي قسراً منذ سبتمبر/أيلول الماضي. وأدان الإتحاد، الحكم بالسجن 18 شهرًا على الصحفي والكاتب المياحي بسبب انتقاده لجماعة الحوثي، حيث قضت المحكمة الجزائية المتخصصة التابعة للحوثيين في صنعاء، بإلزام المياحي بدفع خمسة ملايين ريال يمني (نحو 18 ألف يورو) كـ"ضمان مالي". وأكد الاتحاد الدولي للصحفيين أن مثل هذه المحاكمات ذات الدوافع السياسية تشكل جزءًا من نمط أوسع من القمع في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، حيث يتعرض الصحفيون بشكل روتيني للمضايقة والاحتجاز أو إجبارهم على الصمت. وقال الأمين العام للاتحاد الدولي للصحفيين أنتوني بيلانجر: "إن هذه القضية بمثابة تذكير مروع بتدهور بيئة حرية الصحافة في اليمن. وأضاف: "إن استخدام القضاء كأداة لمعاقبة الأصوات الناقدة يُعدّ اعتداءً مباشرًا على حرية الإعلام. نقف إلى جانب زملائنا في اليمن ونطالب بالإفراج الفوري وغير المشروط عن محمد دبوان المياحي". وأشار البيان ، إلى إختطاف المياحي، من منزله في سبتمبر/أيلول 2024 على يد مسلحين حوثيين، واحتجازه لعدة أشهر، بسبب انتقاداته لسلوك جماعة الحوثي على حسابه الرسمي على فيسبوك، وفي برامج إذاعية ومقالات. ولفت إلى أن نقابة الصحفيين اليمنيين أكدت أن الحكم الصادر بحق المياحي جاء بعد محاكمة صورية، حيث قرأ القاضي الحكم بصوت عال من هاتف محمول داخل قاعة المحكمة، منتهكا بذلك أبسط معايير إجراءات المحاكمة العادلة. واتهمت النيابة الجزائية المتخصصة المياحي بـ "نشر أخبار وبيانات كاذبة ومغرضة بقصد الإخلال بالأمن والسلم العام والإضرار بالمصلحة العامة، وذلك من خلال بث بيانات ومقالات تحريضية ضد الدولة ونظامها السياسي على قناة يمن شباب، وقناة بلقيس، وقناة الجزيرة، وموقع بلقيس، والفيسبوك".، في الوقت نفي المياحي جميع التهم الموجهة إليه، وأصر على أنه صحفي. وبحسب البيان، فإن نقابة الصحفيين اليمنيين وصفت الحكم بأنه "انتهاك لحرية الصحافة والتعبير في المناطق التي تسيطر عليها جماعة الحوثي، ويكشف عن حالة الإرهاب ضد حرية التعبير".


حضرموت نت
منذ 4 ساعات
- حضرموت نت
اخبار اليمن : الرئيس العليمي يطلب من روسيا تزويد اليمن بمنظومة دفاع جوي ويكشف: الحوثيون هددوا بقصف مطاراتنا (شاهد المقابلة كاملة)
طالب الرئيس اليمني رشاد العليمي، من روسيا، تزويد بلاده بمنظومات دفاع جوي، معربا عن تطلعه بأن تلعب موسكو في مجلس الأمن دورا لرفع اليمن من تحت البند السابع الذي يحول دون وصول مثل هذه المنظومة الى اليمن. وقال رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد العليمي، إن اليمن بحاجة ماسة إلى منظومات دفاع جوي لحماية المطارات والبنية التحتية المدنية من هجمات جماعة الحوثي المستمرة، غير أن القيود الدولية المفروضة على البلاد بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، تعيق تزوّد الحكومة بهذه الأنظمة. وفي مقابلة مع قناة 'روسيا اليوم' خلال زيارته التي أجراها إلى روسيا، عبّر العليمي عن أمله في أن تلعب موسكو دوراً إيجابياً في هذا الإطار، قائلاً: 'نحتاج إلى الدفاع الجوي، روسيا لديها من الأنظمة ما يمكن أن يساعدنا، لكننا تحت الفصل السابع، وهذا يُعقد الأمور'، مضيفاً أن 'أي دعم لليمن يجب أن يأخذ في الاعتبار هذه القيود القانونية والدولية'. واستبعد العليمي، وفقا لخبر المقابلة المنشور على موقع القناة، الادعاءات التي تروّج حول وجود دعم روسي للحوثيين، مؤكداً أن 'روسيا، بتاريخها ومواقفها، لا يمكن أن تقف مع جماعة عنصرية وثيوقراطية مثل الحوثيين'. وأضاف: 'روسيا وقفت مع الجمهورية اليمنية في الستينيات ضد ذات الجماعة التي تدّعي اليوم أحقيتها بالحكم بموجب النسب والسلالة، ولن تكون اليوم في صفهم وهم يحملون ذات الفكر السلالي، الذي يتناقض جذرياً مع قيم روسيا التاريخية في مناهضة النازية والعنصرية'. وشدد العليمي على أن موسكو دعمت القرارات الدولية المتعلقة باليمن، وخصوصاً القرار 2216، وأن مواقفها في مجلس الأمن أثبتت أنها تتعامل وفق مصالحها الاستراتيجية بعيداً عن الاصطفافات الطائفية، مشيراً إلى أن 'موسكو حريصة على علاقتها مع دول الخليج، وتفهم جيداً أن الحوثيين يشكلون ذراعاً عسكرية لمشروع إيراني توسعي في المنطقة'. وفي سياق حديثه عن عرقلة الحوثيين للعمليات الإنسانية والمدنية، كشف العليمي تفاصيل لافتة تتعلق بأزمة وقعت خلال موسم الحج العام الماضي، حين حاولت الحكومة الشرعية إعادة حجاج يمنيين من جدة إلى صنعاء، عبر طائرات خاصة تم استئجارها خصيصاً لهذا الغرض. وقال إن الحكومة أرسلت ثلاث طائرات إلى مطار صنعاء، لكن الحوثيين احتجزوها هناك، رغم تحذيرات من خطر استهداف إسرائيلي متوقع. وأوضح: 'قلنا لهم دعونا نُخرج الطائرات إلى عدن أو حضرموت أو حتى إلى سلطنة عمان، فقط حفاظاً على سلامة الأرواح والممتلكات، لكنهم رفضوا، فجاءت الضربات الإسرائيلية وأحرقت الطائرات الثلاث في أرض المطار'، مضيفاً أن طائرة رابعة أُرسلت بعد أيام، وتم تدميرها لاحقاً بنفس الطريقة بسبب الإصرار الحوثي على تعطيل أي نشاط لا يخضع لسيطرتهم الكاملة. ورداً على سؤال حول فرص السلام مع الحوثيين، قال العليمي إن مجلس القيادة الرئاسي وتحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية والإمارات لا يزالان متمسكين بخيار الحل السياسي، غير أن كل المحاولات – بما في ذلك خارطة الطريق التي ترعاها الرياض – اصطدمت بجدار رفض حوثي صلب، نتيجة 'عقيدة الجماعة الرافضة لفكرة الدولة والمواطنة'. وتابع: 'الحوثيون لا يؤمنون بالشراكة، ولا يعترفون بالسلام. هم جماعة ترى نفسها مصطفاة من الله لحكم اليمن، وبالتالي لا يمكن أن تقبل بانتخابات أو شراكة سياسية أو تداول سلمي للسلطة'، مشدداً على أن هذا الفكر 'السلالي الطائفي لا يمكن أن يقبل به اليمنيون الذين ثاروا من أجل دولة جمهورية ومواطنة متساوية'. وتطرق العليمي إلى تصاعد الأنشطة الحوثية في البحر الأحمر، قائلاً إن الجماعة تستغل شعار دعم غزة من أجل تمرير أجندتها التوسعية المرتبطة بطهران، مضيفاً: 'هم يدّعون أنهم يقصفون إسرائيل، لكن صواريخهم تنفجر في الجو ولا تصل أصلاً، بينما تسببوا في تدمير الموانئ والمطارات والمصانع في اليمن بحجة الدفاع عن القضية الفلسطينية'. وشدد على أن الهجمات الحوثية في البحر الأحمر وضد السفن التجارية أثارت قلقاً دولياً واسعاً، وأعادت الجماعة إلى واجهة الاهتمام الأمني العالمي باعتبارها تهديداً للملاحة الدولية. وفي ما يتعلق بالأداء الداخلي لمجلس القيادة الرئاسي، قال العليمي إن المجلس يعكس تركيبة متوازنة تمثل مختلف الأطياف والمناطق اليمنية من صعدة حتى المهرة، مؤكداً أن الخلافات داخله طبيعية وتُحسم وفق آليات محددة، منها اللجوء إلى صوت الرئيس المرجّح في حال تعادل الأصوات. وأضاف: 'انتقلنا من صراعات داخل الشرعية إلى إطار تمثيلي جامع يتيح العمل المنظم'، مشيراً إلى أن مجلس القيادة يمثل مرحلة انتقالية هدفها نقل البلاد نحو حوار شامل لتحديد شكل الدولة الجديدة، سواء كان اتحادياً أو غير ذلك، بما يتوافق عليه اليمنيون لاحقاً. وفي سياق الحديث عن القضية الجنوبية، شدد العليمي على أن الدولة اليمنية لا تؤمن بفرض الوحدة بالقوة، ولا بقبول الانفصال بالعنف: 'نحن مع حوار وطني شامل يشارك فيه كل اليمنيين بعد استعادة الدولة، يقررون فيه مستقبلهم. لا يمكن فرض الوحدة بالقوة، ولا نقبل بالانفصال بالقوة'. وفي ما يتعلق بالعلاقة مع الولايات المتحدة، قال العليمي إن واشنطن دعمت الشرعية اليمنية، لكنه أبدى خيبة أمل من ما وصفه بـ'المد والجزر' في الموقف الأميركي، خاصة خلال فترات سابقة حين تم الضغط على الحكومة للانسحاب من مشارف الحديدة بموجب اتفاق ستوكهولم، ما منح الحوثيين فرصة لإعادة التموضع وتوسيع نفوذهم. كما انتقد قرار إدارة بايدن المبكر برفع الحوثيين من قائمة الإرهاب، قائلاً إن الجماعة استغلت ذلك لتكثيف هجماتها، قبل أن تضطر الإدارة الأميركية لاحقاً لإعادة تصنيفهم بعد استهدافهم للسفن في البحر الأحمر. وأردف: 'الحوثيون لا يفهمون إلا لغة القوة. حين ضربت الولايات المتحدة بعض مخازنهم وقياداتهم توقفوا عن الهجمات فوراً'. واختتم العليمي المقابلة بالتأكيد على أن معركة اليمنيين ليست فقط عسكرية، بل أيضاً سياسية واقتصادية وثقافية، ضد مشروع طائفي توسعي تدعمه إيران عبر جماعة الحوثي. وقال: 'نحن نمثل كل اليمن، من صعدة إلى المهرة، وهم يمثلون أنفسهم، وسنستعيد دولتنا، سلماً أو حرباً، ولن نقبل بالعيش تحت حكم جماعة ترى نفسها فوق الشعب'. وأكد أن المجلس الرئاسي ليس نهاية المطاف، بل محطة مؤقتة نحو عملية سياسية أوسع يشارك فيها جميع اليمنيين لتحديد مستقبلهم ونظامهم السياسي، مشدداً: 'نحن مع الدولة، مع الجمهورية، مع المواطنة المتساوية، وهم مع السلالة والولاية والغلبة. ولهذا لا يمكن أن نلتقي'.

حضرموت نت
منذ 12 ساعات
- حضرموت نت
ضحايا بالعشرات ومنازل سويت بالأرض.. جديد مذبحة "صرف"
يوماً بعد آخر تتكشف تفاصيل جديدة، عن طبيعة الانفجارات التي ضربت الخميس الماضي منطقة 'خشم البكرة' شرق العاصمة اليمنية صنعاء ونوع الأسلحة الحوثية المنفجرة، وسط تكتم شديد من قبل جماعة الحوثي. وتسببت الانفجارات بمقتل وإصابة أكثر من 150 شخصاً وفقاً لتقارير ميدانية متعددة، وتدمير وتضرر عشرات المنازل، وسقطت نحو عشر شقق منها على رؤوس ساكنيها، وقد أظهرت المشاهد المتداولة القادمة من صنعاء حجم الكارثة. ولم يصدر أي توضيح حتى اللحظة عن الكارثة من قبل جماعة الحوثي، التي فرضت حظراً على المنطقة ونقلت الضحايا إلى عدة مستشفيات، كما قامت بملاحقة مواطنين واختطافهم بسبب تصوير الحادثة. وقال المركز الأميركي للعدالة (ACJ)، نقلاً عن شهود عيان، إن الانفجارات كانت نتيجة انفجار مستودع أسلحة تابع لجماعة الحوثي، في منشأة تحت الأرض بين منطقتي 'خشم البكرة' و'صرف'. وأوضح أنه تلقى معلومات من شهادات ميدانية تفيد بأن المستودع الحوثي كان يحتوي 'على صواريخ للدفاع الجوي وكميات كبيرة من المواد شديدة الانفجار، مثل نترات الصوديوم (NaNO₃)، نترات البوتاسيوم (KNO₃)، ومادة C4العسكرية'. وبحسب معلومات جمعها موقع 'المصدر أونلاين' الإخباري المحلي، فقد بدأ تصاعد الدخان في الساعة التاسعة صباح يوم الخميس، 22 مايو الجاري، من منشأة تبدو كورشة، مكونة من حوش ومبنيين صغيرين وملحق وكنتيرة، في منطقة صرف على بعد نحو مائة متر من نقطة 'خشم البكرة'، تلاه بعد دقائق انفجاران هائلان. تسبب الانفجاران في تدمير نحو 15 منزلاً، يقطنها نحو مائة شخص، دُمرت بشكل كامل أو شبه كامل، وسقطت نحو عشر شقق منها على رؤوس ساكنيها. أحد الضحايا يُدعى راشد الكندي، خسر زوجته وأبنائه الخمسة، وفقاً لما نقله الموقع عن أحد المصادر. وخسر راشد منزلين له، دُمّرا بشكل كامل، أحدهما على رأس أسرته، والثاني على رأس جيرانه المستأجرين، كما دمرت مركبة تابعة له (باص)، كما أن اثنين من أشقائه أصيبا بشظايا. ومن بين الضحايا، إحدى الأسر التي استأجرت مؤخراً شقة في المنطقة، قريبة من مكان الانفجار، واستقرت الأسرة في المنزل عشية الحادث. يقول المصدر: 'قُتلوا جميعاً، ولا أعرف أنا أو أسرتي أو جيراننا كم عددهم، كونهم استقروا في الشقة ليلاً، وهم تقريباً من منطقة الحيمة'. مصدر طبي مقرب من جماعة الحوثيين أفاد بأن نحو 150 شخصاً قد يكون مجموع ضحايا الحادثة مصابين وقتلى، وأضاف 'عدد كبير منهم هم من المجاهدين' في إشارة إلى عناصر جماعة الحوثي الذين كانوا موجودين في ذات المكان. ورجح أحد سكان المنطقة أن ما بين 20 إلى 30 سيارة دُمّرت جزئياً أو كلياً، فيما لحقت أضرار متفاوتة بـ 100 منزل، و8 محلات تجارية بسبب الانفجارين أو بسبب سقوط الصواريخ المتطايرة، حيث استمرت أصوات الانفجارات المتقطعة وتطاير المقذوفات نحو ساعتين. وقوبلت الجريمة، بإدانات واسعة من منظمات حقوقية ونشطاء، بما في ذلك أحد القيادات المحسوبة سابقا على الحوثيين انتقد عدم إفصاح الجماعة عن سبب الحادثة. وفي بيان إدانته، اتهم المركز الأمريكي للعدالة ميليشيا الحوثي باستمرار تهديد حياة المدنيين بتخزين الأسلحة في المناطق السكنية. وطالب 'تحالف رصد' لحقوق الإنسان بفتح تحقيق مستقل بمشاركة الأمم المتحدة لكشف ملابسات الانفجار، وتحديد المسؤولين عن تخزين الأسلحة في المناطق المدنية، ومحاسبتهم أمام القضاء، وتقديم تعويضات عاجلة وجبر ضرر للضحايا وأسرهم. كما دعا محمد المقالح، المحسوب على الجماعة ولجنتها الثورية سابقا، إلى إصدار بيان توضيحي من 'الجهات المختصة يبيّن الأسباب ويحدد المسؤولين ويتم محاسبتهم وتعويض الضحايا'، زاعماً أن 'مثل هذه الحوادث تحدث في أي مكان في العالم، ولكن المهم هو ردود فعل السلطات المعنية'، منتقداً 'التجاهل' الذي قال إنه 'يمثل إصراراً على الخطأ، ولا يقلّ وقعه لدى الناس عن الخطأ نفسه'. وكانت جماعة الحوثي قد لاحقت غداة المجزرة، عدداً من المدنيين بحجة تصوير ونشر مقاطع فيديو توثق الانفجارات، وصادرت هواتف الضحايا والسكان، ومنعت دخول المواطنين للمنطقة، وذلك بعد نشر فيديوهات للانفجارات وتطاير الصواريخ.