
هل يصمد وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران؟ محللون يجيبون
الدوحةـ يرى باحثون ومحللون تحدثوا للجزيرة نت أن فرص صمود وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل مرتفعة، مشيرين إلى أن الحاجة المتبادلة لترميم الخسائر، والرغبة الإقليمية والدولية في تجنب التصعيد، تشكل مجتمعة عوامل حاسمة لديمومة التهدئة.
ورجح الباحث في مركز الجزيرة للدراسات لقاء مكي أن يصمد وقف إطلاق النار خلال هذه الفترة، موضحا أن الطرفين، إيران وإسرائيل، بحاجة لوقت لتقييم الأضرار العسكرية والاقتصادية والسياسية، وهي خطوة ضرورية لكليهما بعد التصعيد الأخير.
وقال مكي -في تصريحات للجزيرة نت- إن أميركا لها مصلحة مباشرة في استمراره، خاصة أن الرئيس دونالد ترامب يسعى لتحقيق إنجاز سياسي داخلي، ويأمل عبر التفاوض مع طهران في الوصول إلى معلومات عن نحو نصف طن من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% تمتلكه إيران.
وأشار إلى أن المفاوضات تعد السبيل الوحيد للوصول إلى مصير هذه الكمية من اليورانيوم، مؤكدا أن طهران ستطالب مقابلها بثمن سياسي يتعلق بالعقوبات، سواء من خلال نقل هذه الكمية خارج أراضيها أو التخلي عنها.
وأكد الباحث بمركز الجزيرة للدراسات أن وقف إطلاق النار مرشح للاستمرار، رغم احتمال اندلاع مواجهات محدودة مستقبلا، لكنها لن تصل إلى مستوى التصعيد الأخير خلال العامين أو الثلاثة المقبلة.
ليس ضعفا
من جانبه، اعتبر المحلل السياسي إبراهيم المدهون أن الاتفاق مرشح للصمود بقوة، نظرا للرعاية الأميركية المباشرة له، معتبرا أن واشنطن هي العامل الحاسم في إشعال الحروب أو إيقافها بالمنطقة.
وأوضح المدهون -في مقابلة مع الجزيرة نت- أن إيران ترغب في وقف إطلاق النار لإعادة ترتيب أوراقها مع الولايات المتحدة، دون أن يعد ذلك ضعفا منها، بل محاولة للخروج بأقل الخسائر، وتجنب مواجهة مباشرة قد تهدد بقاء النظام واستقرار الدولة.
وأشار إلى أن قوى إقليمية، خصوصا في الخليج، تخشى توسع رقعة المواجهة، وسط تحذيرات من انفجار شامل، كما تدعم قوى دولية كبرى مثل روسيا والصين تثبيت الاتفاق، حماية لمصالحها الإستراتيجية والاقتصادية، ومنها استقرار أسواق الطاقة وتفادي زيادة النفوذ الأميركي في حال استمرار الحرب.
أما بالنسبة لإسرائيل، فلفت المدهون إلى أنها أقل حماسة للتهدئة، رغم نجاحها العسكري الجزئي، إذ فشلت في تحقيق أهدافها الكبرى مثل إسقاط النظام الإيراني أو فرض تغيير في توازن القوى، معتبرا أن تل أبيب قد تسعى لإفشال الاتفاق لكنها ستواجه موقفا أميركيا حازما.
ومنذ 13 يونيو/حزيران تستهدف إسرائيل بدعم أميركي منشآت نووية وقواعد صاروخية وقادة عسكريين وعلماء نوويين بإيران، بينما ترد الأخيرة بضرب مقرات عسكرية واستخباراتية إسرائيلية بصواريخ باليستية وطائرات مسيّرة، مما خلف قتلى وجرحى لدى الجانبين.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
كيف يمكن محاسبة مجرمي سوريا؟ درس من فرانكفورت
تُعدّ إدانةُ الطبيب السوري علاء م. من قبل المحكمة الإقليمية العليا في فرانكفورت أكثر من مجرد حالة استثنائية للمساءلة عن جرائم فظيعة؛ فهي تمثل إنجازًا قضائيًا بالغ الأهمية يتجاوز حدود القضية الفردية. فبعد ثلاثِ سنوات ونصفٍ من الإجراءات، اختُتمت بالحكم عليه بالسجن المؤبد لارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، باتت هذه المحاكمة علامة فارقة في مسار العدالة، لا من حيث عقوبتها فقط، بل لِما تتيحه من إمكانات لتشكيل بنية العدالة الانتقالية في سوريا بعد زوال نظام الأسد. يُوفر التزامن بين هذا الحكم والتحولات السياسية المتوقعة في سوريا فرصة فريدة لنقل الخبرات القانونية وتوطينها. فرغم أن محاكمات الولاية القضائية العالمية كانت، حتى وقت قريب، السبيلَ الوحيد لمحاسبة المتورطين في الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد، فإنها باتت اليوم تُشكّل نماذج يمكن الاسترشاد بها لبناء آليات محلية للمساءلة. لقد أرست محكمة فرانكفورت من خلال بنائها ملفات عن التعذيب المنهجي في المستشفيات العسكرية، وإنشائها هياكل القيادة، وتحديدها الجرائم ضد الإنسانية في السياق السوري، أسسًا فقهية مهمة للمحاكم السورية المستقبلية. يتناول هذا المقال الكيفية التي يمكن من خلالها توظيف الأبعاد الإجرائية والإثباتية والموضوعية لمحاكمة علاء م. في دعم الانتقال السوري من آليات العدالة الخارجية إلى مسارات عدالة داخلية. يشكّل مبدأ الولاية القضائية العالمية، الذي استندت إليه محكمة فرانكفورت في محاكمة علاء م.، أداة وقتية للعدالة لا تنفي السيادة السورية، فوفق مبدأ التكامل، الذي يُعد حجر الزاوية في القانون الجنائي الدولي، تُمنح المحاكم الوطنية الأولوية في الملاحقات القضائية، ولا تتدخل الآليات الدولية أو خارج الإقليم إلا عند عجز الدول أو امتناعها عن القيام بذلك. وفي الحالة السورية، حال الطابع المنهجي للعنف الذي مارسه نظام الأسد دون تحقيق أي عدالة داخلية، مما استوجب اللجوء إلى الآليات القضائية العالمية. لكن هذه المحاكمات العابرة للحدود لا تُعنى فقط بالمساءلة المباشرة، بل تؤدي دورًا مهمًا في حفظ الأدلة وبناء الأطر القانونية للمستقبل. فقد وثّقت محكمة فرانكفورت، من خلال شهادات أكثر من خمسين شاهدًا وتحليلات خبراء في منهجيات التعذيب وهياكل القيادة، أرشيفًا دقيقًا كان يمكن أن يتعرض للفقد أو الإتلاف في بيئة غير مستقرة. كما أن خلاصاتها بشأن تحويل المستشفيات العسكرية إلى مواقع تعذيب، والطابع المنظم للهجمات على المدنيين، ودور الأجهزة الأمنية، تُعدّ بمثابة روايات قضائية يمكن اعتمادها لاحقًا من قبل القضاء السوري عبر الإشعارات أو المراجع القانونية. إن الانتقال من نظامٍ استبدادي يتعذّر معه تحقيق العدالة إلى سياق ما بعد النزاع، يتطلّب تحوّلًا ممنهجًا من الاعتماد على العدالة الخارجية نحو تأسيس مسارات وطنية قائمة على سيادة القانون. ولا ينبغي النظر إلى أحكام الولاية القضائية العالمية كفرضٍ قانوني خارجي، بل كسوابق تأسيسية يمكن الاستفادة منها في صوغ منهجيات محلية للمقاضاة، وتحديد معايير الإثبات، وتطوير فهم قانوني متخصص لجرائم الفظائع. وتُشكّل محاكمة فرانكفورت نموذجًا لتحليل الجرائم الجماعية وتفكيكها إلى أفعال فردية قابلة للتقاضي، بما يحافظ على تميّزها المنهجي. هذا التحول لا يعني نقل الأحكام الأجنبية بحَرفيتها، بل يتطلب دمجها في إطار سيادي يعكس الخصوصيات القانونية السورية ويُراعي المعايير الدولية. وبهذا المعنى، فإن قضايا الولاية القضائية العالمية تؤدي وظيفة الجسر المؤقت، الذي يربط بين واقع العجز المؤسسي ومآل السيادة القضائية، مانحةً سوريا أدوات ومناهج لإعادة العدالة إلى الداخل. ثالثًا: معايير الإثبات ومنهجيات التوثيق القضائي تُجسّد محاكمة فرانكفورت، التي امتدت على مدار 186 يومًا، مستوًى عاليًا من الدقة في التوثيق المطلوب لمقاضاة جرائم الفظائع الجماعية، واضعةً بذلك معايير إثبات تتجاوز الممارسات الجنائية التقليدية. أتاح هذا الإطار الزمني الممتد تجميعًا منهجيًا لمصادر أدلة متنوعة، ما أدى إلى تكوين مصفوفة وقائعية تُوثّق الأفعال الإجرامية الفردية في سياقها النظامي. ولا تُعبّر مدة الإجراءات عن بطء بيروقراطي، بل عن تعقيد المهمة المتمثلة في إثبات المسؤولية الجنائية ضمن نمط منظم من العنف ترعاه الدولة، يتطلب مواءمة الوقائع الفردية مع الهجمات الواسعة ضد المدنيين. عكس استخدام المحكمة أساليبَ إثبات متعددة الطبيعةَ المركبة لملاحقة مرتكبي الجرائم الفظيعة. فقد أدلى أكثر من خمسين شاهدًا بروايات مباشرة عن التعذيب، والعنف الجنسي، والقتل في المستشفيات العسكرية، بينما وضع الخبراء هذه الشهادات في سياقها ضمن منظومة الاستخبارات والقيادة العسكرية السورية. أسهم دمج شهادات الناجين مع التحليل الجنائي والوثائق المكتوبة في صياغة أنماط قانونية متماسكة من تجارب فردية متناثرة. وتزداد أهمية هذا التثليث المنهجي في مواجهة جرائم صُممت لتمحى آثارها، حيث يتعمد الجناة إتلاف الوثائق وترهيب الشهود. تطلّب الكشف عن سلاسل القيادة في هياكل أمنية مغلقة، اعتمادَ مناهج مبتكرة للتعامل مع الأدلة الظرفية، والتعرف على الأنماط المتكررة. وقد أظهرت المحكمة قدرة على الربط بين أفعال علاء م. والسياسات المؤسسية الأشمل، ما أتاح إثبات مسؤوليته ضمن إطار عنف منظم. ومن خلال رسم خرائط للهياكل التشغيلية للمستشفيين العسكريين 601 و608، والقسم 261 التابع لمديرية الاستخبارات العسكرية، كشفت المحاكمة كيف أعيد توظيف المؤسسات الطبية بشكل منهجي كمراكز للتعذيب، محوّلةً بذلك أماكن الاستشفاء إلى أدوات عنف ممنهج. لعبت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، والمركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان دورًا مهمًا في ربط مسارح الجريمة بقاعات المحاكم. وقد تجسّدت مساهماتهما في تقديم الوثائق، وتحديد الشهود، وتوفير تحليلات سياقية دعمت عمل الادعاء العام، مؤكدةً الدور المحوري لمنظمات المجتمع المدني كوسطاء في عمليات المحاسبة. ساهم التوثيق المنتظم الذي أجرته الشبكة على مدى أربعة عشر عامًا في توفير استمرارية زمنية لحفظ الأدلة، بينما حوّلت خبرة المركز الأوروبي الوثائق الخام إلى ملفات قابلة للتقاضي. ويُقدّم هذا النموذج التعاوني، الذي تعمل فيه منظمات حقوق الإنسان كأمناء على الأدلة وميسّرين قانونيين، نموذجًا قابلًا للتكرار يمكن اعتماده في الإجراءات القضائية السورية المستقبلية. رابعًا: الإصلاح المؤسسي استنادًا إلى السوابق القانونية يمثّل إدماج الجرائم الدولية في القانون المحلي السوري تحديًا عميقًا يتجاوز مجرد التعديل التشريعي. وقد وفّرت محكمة فرانكفورت، من خلال تعريفها الدقيق للجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب في قضية علاء م.، نموذجًا فقهيًا يُمكن البناء عليه، غير أن إصلاح المنظومة القانونية السورية يتطلّب تجاوز الفجوة القائمة بين التعريفات الدولية والتقاليد القضائية الوطنية. ويُظهر قصور قانون العقوبات السوري الحالي في التعامل مع العنف المنهجي الذي ترعاه الدولة الحاجة إلى مراجعة شاملة، تعتمد إما صياغة تشريعات جديدة أو تطوير أطر قانونية انتقالية تُجرّم صراحةً الجرائم الدولية، وَفقًا للمعايير العرفية المعتمدة دوليًا. ويتصدّر استقلال القضاء الشروط الأساسية لإجراء محاكمات ذات مصداقية لمن ارتكبوا الجرائم الجسيمة، وهو ما يستدعي إصلاحات بنيوية تتجاوز المظاهر الشكلية للمؤسسات القضائية. فالإصلاح القضائي السوري يجب أن يعالج بُعدين متكاملين: الاستقلال الشكلي عبر الضمانات الدستورية، واستقرار الوظيفة القضائية، وتوفير الموارد، إلى جانب الاستقلال الجوهري من خلال تعزيز ثقافة قضائية تقاوم التدخلات السياسية وتتمسك بالنزاهة القانونية. ولا يُمكن تصور محاسبة فعلية لمجرمي الدولة دون قضاء حر قادر على مساءلة البنى الأمنية والعسكرية التي طالما تمتعت بالحصانة في عهد الأسد. كما يُعدّ إصلاح القطاع الأمني، المُرتكز إلى مبادئ المساءلة، خطوة جوهرية في هندسة العدالة الانتقالية. ولا ينبغي أن يُنظر إلى الأجهزة الأمنية كأدوات لإعادة الهيكلة فقط، بل كمواقع يجب إخضاعها للمحاسبة والمشاركة في كشف الحقيقة. ويُبرز ما كشفته قضية علاء م. من تحويل المستشفيات العسكرية إلى مراكز للتعذيب، الحاجة إلى تفكيك الثقافة المؤسسية التي شرعنت العنف. فالإصلاح يجب ألا يقتصر على تبديل الأفراد أو إعادة رسم الهياكل، بل يتطلّب ترسيخ أطر عقائدية جديدة تدمج مبادئ حقوق الإنسان ضمن الممارسات التشغيلية اليومية. ويتجسّد هذا النهج العملي في إنشاء آليات داخلية فعّالة للمساءلة، مثل مكاتب المفتش العام المزودة بصلاحيات تحقيق حقيقية، والتدريب الإلزامي على حقوق الإنسان ضمن برامج التطوير المهني، واعتماد معايير واضحة لمساءلة القادة عن الانتهاكات التي تقع ضمن نطاق سلطتهم. ويُدرك هذا النموذج أن الإصلاح الجذري لا يتحقق فقط من خلال الرقابة الخارجية، بل من خلال غرس ثقافة المساءلة داخل المؤسسات التي تأسست على منطق القمع. وتُرسّخ محاسبة المهنيين الطبيين على انتهاك واجباتهم الأخلاقية مبدأً مفصليًا: أن الالتزامات المهنية لا يمكن إخضاعها لضرورات الدولة الأمنية، وهو ما يجب أن يسري على كافة القطاعات المنخرطة في منظومة العنف المنهجي. خامسًا: تأسيس بنية للعدالة الانتقالية تتطلب العدالة الانتقالية في السياق السوري تحولًا من المقاربات الارتجالية للمحاسبة إلى بناء منظومة متكاملة تعالج البنى التي أنتجت الفظائع، لا مجرد معاقبة الجناة الأفراد. فنتائج محكمة فرانكفورت، التي كشفت عن التحويل المنهجي للمرافق الطبية إلى مراكز للتعذيب، تُظهر مدى تورط أطر مؤسسية كاملة في ممارسة العنف، مما يستوجب آليات مساءلة تعالج هذه البنى الهيكلية، مع الحفاظ على دقة المسؤولية الجنائية الفردية. ومن هنا، ينبغي أن تطوّر العدالة الانتقالية السورية إستراتيجيات تربط بين القضايا الفردية والأنماط الجماعية، بما يرسّخ سرديات قانونية تعكس الطابع المنهجي للجريمة دون أن تُفرغ المسؤولية الفردية من معناها. وتُعدّ آليات تقصي الحقائق ركيزة أساسية مكملة للمحاكمات الجنائية، إذ تسمح بفهم الأبعاد الاجتماعية والسياسية التي مهّدت لوقوع الجرائم. وبينما تركّز الإجراءات القضائية على تحديد المسؤوليات الفردية ضمن إطار قانوني، تتيح لجان الحقيقة استكشاف السياقات الأوسع، بما في ذلك الأطر الأيديولوجية التي شرّعت العنف، والبنى البيروقراطية التي مأسسته. ويؤدي هذا التكامل بين المسارين وظائف متمايزة، ولكن متكاملة: فالقضاء يُرسي المساءلة القانونية، فيما تعيد تقصي الحقائق بناء السرديات التاريخية وتُمهّد الطريق للإصلاح المؤسسي طويل الأمد. ومن جهة أخرى، تتطلب العدالة الانتقالية مقاربة تتمحور حول الضحايا، تتجاوز النماذج الانتقامية التقليدية نحو نموذج يُقرّ بحقوق الضحايا كمشاركين فعليين في تصميم العدالة. وقد أبرزت تجربة المدعين المشتركين في قضية علاء م.- ممثلين عبر الآليات القضائية الأوروبية- إمكانات مشاركة الضحايا وتحدياتها. ولضمان شمولية هذه المشاركة، يجب الاعتراف بالضحايا كأصحاب حقوق، يطالبون بالتعويض، والمشاركة، وتخليد الذاكرة، لا كشهود فقط. ويستدعي ذلك تأسيس بنى مؤسسية تُتيح للضحايا التعبير عن مطالبهم، والمساهمة في تصميم آليات المساءلة، ووضع برامج تعويض تُعالج الأضرار المادية والمعنوية على حد سواء. كما ينبغي أن تُسهم إجراءات العدالة في إعادة تأهيل الناجين، لا في إعادة تفعيل صدماتهم. ويبقى التحدي في تحقيق توازن دقيق بين الاستجابات الفردية للاعتداءات، والاعتراف بالجراح الجماعية التي خلّفها العنف المنهجي. ولتحقيق ذلك، لا بد من تبنّي ابتكارات مؤسسية مثل وحدات دعم الضحايا داخل النيابات العامة، وبرامج الدعم النفسي والاجتماعي المرافقة للمسارات القانونية، وآليات تشاركية تمكّن الضحايا من صياغة أجندة العدالة الانتقالية، متجاوزين دورهم كمقدّمي أدلة فقط. سادسًا: التكامل القانوني الدولي وبناء القدرات القضائية تُعد عضوية سوريا في نظام روما الأساسي بعد المرحلة الانتقالية خطوة إستراتيجية نحو ترسيخ الشرعية القضائية وبناء القدرات المؤسسية. إذ يُتيح هذا الانضمام الوصول إلى فقه المحكمة الجنائية الدولية، والمبادئ التوجيهية الإجرائية، وبرامج التدريب وبناء القدرات، إلى جانب ترسيخ الالتزام بالمعايير القانونية الدولية. وقد أرست محاكمة فرانكفورت ضد علاء م. معايير إثبات وإجراءات تُعد مرجعية لما ينبغي أن تبلغه المحاكم السورية من مستوى لتلبية متطلبات التكامل، بما يمنع تدخل المحكمة الجنائية الدولية، مع الاستفادة من خبراتها المؤسسية. لكن تفعيل الفقه الدولي يتطلب ترجمة مدروسة بين الأطر القانونية والسياقات السياسية والاجتماعية المحلية. ويوفّر الحكم في قضية علاء م.، إلى جانب قضايا أخرى نُظرت بموجب الولاية القضائية العالمية، سوابق فقهية يمكن الاستناد إليها لتفسير الجرائم ضد الإنسانية في السياق السوري. غير أن الاعتماد غير النقدي على الأحكام الأجنبية قد يؤدي إلى تناقضات قانونية أو رفض شعبي وسياسي. ولهذا، ينبغي للفقهاء السوريين أن يطوّروا منهجيات انتقائية تستند إلى القيمة الإقناعية للسوابق الدولية، مع استخلاص المبادئ التي يمكن تكييفها محليًا. ويتطلب ذلك دراسة كيفية تعامل المحاكم الدولية مع قضايا مشابهة، مثل إثبات الطابع المنهجي للهجمات على المدنيين، أو مسؤولية القيادة في أجهزة أمنية مغلقة، أو التمييز بين العمليات العسكرية المشروعة وأفعال العنف الإجرامي. ويفرض بناء الخبرات القضائية والادعائية الحاجةَ إلى آليات منظمة لنقل المعرفة، تتجاوز النماذج التدريبية التقليدية. فقد كشفت محاكمة فرانكفورت عن تعقيد الملاحقات القضائية للفظائع، ومن ثم، ينبغي أن يشمل بناء القدرات محاور متعددة: فقه الجرائم الدولية، إدارة المحاكمات المعقدة، حماية الشهود، والمهارات الجنائية والطب الشرعي. ويمكن لبرامج التبادل التي تتيح للمهنيين السوريين مراقبة المحاكمات الدولية، والعلاقات الإرشادية مع خبراء الادعاء الدوليين، وتمارين بناء القضايا المشتركة، أن تُسرّع وتيرة تطوير الكفاءة القضائية. وتبرهن تجربة الشبكة السورية لحقوق الإنسان، والمركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان في قضية علاء م. على إمكانية عمل منظمات المجتمع المدني كجسور معرفية، تربط بين المعايير الدولية والسياق السوري، وتُقدّم منهجيات يمكن استيعابها وتوطينها ضمن المؤسسات السورية. خاتمة يُمثل الحكم الصادر ضد علاء م. ثمرةً لجهود متواصلة بذلها الناجون ومنظمات حقوق الإنسان والآليات القانونية الدولية، لكسر جدار الإفلات من العقاب الذي طالما رافق العنف الذي مارسه نظام الأسد. كما يُشكّل هذا الحكم أرضية قانونية صلبة يمكن لسوريا البناء عليها لتأسيس منظومة مساءلة وطنية، تُحوّل الاعتماد على المحاكم الأجنبية إلى قدرة ذاتية قائمة على السيادة والعدالة. لكن هذا الانتقال من آليات العدالة الخارجية إلى آليات داخلية لا يتحقق بإعادة هيكلة المؤسسات فحسب، بل يتطلّب إعادة تعريف العلاقة بين سلطة الدولة وحكم القانون. وقد أظهرت محاكمة فرانكفورت أن العنف الممنهج قابل للتفكيك إلى أفعال قابلة للمحاسبة، وأن الأطباء وغيرهم من الفاعلين لا يمكنهم التذرع بالأوامر العليا لتبرير انتهاكهم الواجبات المهنية، وأن توثيق الأدلة يمكن أن يصمد أمام محاولات المحو المتعمدة. إن المعايير الإثباتية والإجرائية التي أرستها محكمة فرانكفورت، والشراكات التي تشكّلت بين المجتمع المدني والمؤسسات القضائية، والمقاربات التي تتمحور حول الضحايا، توفر جميعها أدوات مجرّبة يُمكن تكييفها في السياق السوري، ولتُصاغ داخل المؤسسات السورية، وبأيادي قانونييها، ومن أجل تعافي مجتمعها.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
ترامب يثير شكوكا حيال التزام أميركا بالدفاع عن شركائها بالناتو
أثار الرئيس الأميركي دونالد ترامب ، اليوم الثلاثاء، الشكوك حيال التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن شركائها في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، مشيرا إلى وجود تفسيرات "متعددة" لبند الدفاع المشترك الذي يعد حجر الأساس في المعاهدة. وكان ترامب يتحدث إلى الصحفيين في طريقه إلى قمة الحلف في هولندا، وهي قمة تستمر يومين وتهدف إلى توجيه رسالة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن الحلف متحد وعاقد العزم على تعزيز دفاعاته لردع أي هجوم من موسكو. وسأل الصحفيون ترامب على متن طائرة الرئاسة الأميركية " إير فورس وان" عما إذا كان لا يزال ملتزما بالدفاع المشترك بين أعضاء الحلف، وفقا للمادة الخامسة من ميثاق المعاهدة. وأجاب ترامب بعد إلحاح من الصحفيين عن السؤال "أنا ملتزم بإنقاذ الأرواح.. أنا ملتزم بالحياة والسلامة.. وسأعطيكم تعريفا دقيقا عندما أصل إلى هناك". انتقاد إسبانيا ونشر ترامب لقطة شاشة لرسالة تلقاها من الأمين العام لحلف الناتو مارك روته هنأه فيها على "تحركه الحاسم في إيران"، ودعا خلالها أيضا جميع الأعضاء إلى زيادة الإنفاق الدفاعي. وانتقد ترامب إسبانيا بشكل خاص بعد أن أعلن رئيس وزرائها الإسباني بيدرو سانشيز أن مدريد لا تحتاج إلى الالتزام بالهدف الجديد للإنفاق الدفاعي. وستركز القمة وبيانها الختامي على الاستجابة لدعوة ترامب لإنفاق 5% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، وهي قفزة كبيرة من الهدف الحالي البالغ 2%. ومن المقرر أن يتحقق ذلك من خلال زيادة الاستثمار في الإنفاق العسكري وغيره من أوجه الإنفاق المتعلقة بالأمن. وكان حلف شمال الأطلسي أُسس عام 1949 على يد 12 دولة غربية لمواجهة خطر الاتحاد السوفياتي السابق، ويضم حاليا 32 عضوا.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
تركة ثقيلة من الفساد والحرب.. هل تستطيع الحكومة السورية الجديدة النهوض بالاقتصاد؟
نفذ مصرف سوريا المركزي مؤخرا أول تحويل دولي مباشر عبر نظام سويفت ، ونقلت رويترز أن حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية قد وجه دعوة رسمية للبنوك الأميركية لإعادة العلاقات المصرفية بعد الإطاحة ببشار الأسد. ويأتي هذا التحويل بعد سنوات طويلة من فرض الدول الغربية لأحد أكثر أنظمة العقوبات صرامة نتيجة قمع النظام المخلوع للاحتجاجات عام 2011. ورفعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي العقوبات الاقتصادية عن سوريا ، مما قد يبعث الآمال لدى السوريين بتحسن في الحالة الاقتصادية العامة والأمور المعيشية بعد عقود عاشوها من فساد ممنهج مارسه النظام المخلوع في مؤسسات الدولة وعلى اقتصادها، وبعد حرب طاحنة استنزفت موارد البلاد ونظام سخرها للقمع والدمار. وتعيش البلاد تحديات اقتصادية بارزة تقع أمام طريق التعافي وقرارات الحكومة السورية، وذلك منذ سقوط النظام وتركه إرثا ثقيلا واقتصادا منهكا سيحتاج سنوات من الإصلاح والدعم الدولي الكافي لكي يتم الوصول إلى حالة مستقرة. إضرار النظام المخلوع بالاقتصاد انتهجت عائلة الأسد طوال فترة حكمها أساليب من الفساد وتكريس اقتصاد البلاد بما يخدم مصالحها والمقربين، والاحتكار والمحاصصة، ليكون هذا التعدي أحد أسباب قيام الثورة التي واجهها بالقمع والدمار، مما أوصل الحالة الاقتصادية إلى الحضيض. وأشارت دراسة -نُشرت في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2024- إلى أن النظام قد لازمته صفة الاشتراكية منذ استحواذ حزب البعث على الحكم، لكن تلك الصفة كانت نظرية فقط واستخدمت بطريقة انتقائية صبت في مصالح النظام، حيث ركز حافظ الأسد على الاشتراكية كشعار أكثر من كونها تطبيقا، وراح ابنه بشار بعدها للسوق الاجتماعية في سبيل منح رجال أعمال محسوبين عليه مزيدا من الصلاحيات والقدرة على العمل بحرية ومراكمة الثروة لصالح وكلائه. وتقول الدراسة -التي أعدها باحثون في مركز جسور للدراسات- إن فترة نهاية الثمانينيات ومطلع التسعينيات من القرن الماضي كانت من أسوأ الفترات في تاريخ سوريا المعاصر، حيث ارتفع الدَّيْن العام للدولة إلى أعلى مستوياته، وخرجت رؤوس أموال كبيرة من سوريا، ليتصاعد التضخم وتهبط قيمة الليرة. وكان يوجد بشكل فعلي ملكية من ضمن الملكيات الموزعة خصصت للأسرة الحاكمة وتتضمن الثروات الطبيعية وشبه الطبيعية، بحسب الدراسة. تلك الملكية كان يتم إخفاء مواردها تماما لصالح آل الأسد والمقربين منهم، بشكل خاص آل مخلوف الذين أعطاهم حق الاستثمار بالاتصالات وحقوقا واسعة في مجالات العقارات والبنوك، إضافة لإدارتهم عدد كبير من الثروات. وقد ذكرت دراسة أعدها الباحث محمد صارم في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، أن الاقتصاد السوري برمته كان محمولا على الفساد، طبيعة ونشأة وسلوكا، وكان المحرك الرئيس للعمليات الاقتصادية وسبب علتها، وكان وظيفيا ومتسقا داخليا فيما يتعلق بالغاية النفعية للقوى الفاعلة في مركزي القرارين الاقتصادي والسياسي. ونوهت الدراسة، التي تناولت الفساد الاقتصادي في سوريا، إلى أن حرب النظام على المجتمع السوري لم تبدأ عام 2011، وإنما كان قد أعلنها منذ زمن طويل بأشكال مختلفة عبر هيمنة السلطة على الاقتصاد، وتسيّد أمراء الفساد، وحرمان المجتمع من عوائد الثروات العامة بما ينذر بالكارثة المتوقعة. كما أشارت إلى أن الاقتصاد السوري مهشم ويحتاج بالضرورة إلى مساعدات خارجية لإعادة الإعمار، وهو شر لا بد منه لاختصار زمن التعافي، لكن المساعدات المشروطة قد تتحول إلى نقيض غايتها، وتشكل عبئا إضافيا، يجب التنبه إليه وعدم الانزلاق في مساراته. وبحسب تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست مطلع العام، فإن 13 عاما من الحرب جعلت الاقتصاد السوري في حالة خراب، في حين وصلت الخدمات العامة إلى حافة الانهيار، مضيفة أن حالتها اليوم، أسوأ مما كانت عليه قبل سقوط نظام الأسد. أثر الحرب على الموارد وأشارت دراسة أعدها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات إلى أن النظام قد وجّه موارد الدولة ومقدراتها لخدمة آلة الحرب، حيث أصبحت النفقات العسكرية المكون الأكبر للإنفاق العام الذي كان على حساب الجانب التنموي، ليتحول الاقتصاد إلى "اقتصاد نزاع"، ويؤدي إلى دمار موارد البلاد وتحول مقوماتها الاقتصادية إلى مصادر لاستدامة العنف. وأظهرت الدراسة، التي نشرت في يوليو/تموز 2020، أن استنزاف الحرب للموارد قد أدى إلى انخفاض إنتاج النفط وهبوط العائدات المرتبطة به، وبالنسبة للإيرادات فقد انخفضت في الأوعية الضريبية وتراجعت في قطاعات السياحة، ليتم تسجيل خسائر متراكمة في الناتج المحلي الإجمالي السوري. وفي حديث مع الخبير الاقتصادي خالد التركاوي للجزيرة نت يقول فيه إن "أخطر ما قام به النظام هو تسخير موارد الدولة لخدمة الحرب، بمعنى أنه حول الاقتصاد الإنتاجي إلى اقتصاد حرب، يعني بشكل ما ذهبت كل موارد الدولة لخدمة معركة النظام ضد الشعب". وكان قد حوّل النظام مصانع عدة إلى إنتاج السلاح والبراميل، وفي القطاع الطبي تحولت المشافي العامة إلى مشافي حربية أو ميدانية للجنود فقط أو بإعطائهم الأولية، وحتى المؤسسات التي ليس لها علاقة بالحرب كان يؤخذ موظفوها إلى الجبهات أو الأعمال الأمنية بحسب التركاوي. وقد أدت سياسات النظام ضمن الحرب التي مورست على التجار ورجال الأعمال إلى مغادرة الكثير منهم إلى مختلف الدول، وكذلك نقل معاملهم والمصانع والورشات. إعلان وبحسب التركاوي، فإنه "قد نُقل جزء كبير من رؤوس الأموال لخارج سوريا نتيجة فرض النظام المخلوع المحاصصة عليهم فترة الحرب، مما أدى إلى تعطل في الجهاز الإنتاجي ونقص الدخل المحلي، وأولئك التجار الذين قد يصل عددهم إلى عشرات الآلاف والمتوزعون في مختلف البلدان ليس من السهل عودتهم الآن". وقد أشار تقرير سابق لهيئة الإذاعة البريطانية إلى أن نظام بشار الأسد قد ترك خلفه تحديات اقتصادية كبيرة، لتسببه في انهيار شبه كامل للبنية الاقتصادية بعد السياسات التي نفذها على مدار سنوات طويلة، لا سيما فترة الحرب. التعافي والتحديات وأشارت دراسة أخرى أجراها مركز حرمون للدراسات المعاصرة إلى أن "التحدي الاقتصادي من أبرز التحديات التي تواجه الإدارة السورية الحالية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن التحديات التي واجهت الاقتصاد السوري لم تغب عن سياقات تطور الدولة السورية منذ نشأتها". وتتضمن الدراسة أهدافا حتى يتعافى الاقتصاد السوري، وأنه من الضروري استعادة تشغيل مصادر النفط والطاقة واستثمار الموارد الطبيعية، وتطوير القطاع الزراعي باعتباره ركيزة أساسية للاقتصاد الوطني، وترميم رأس المال البشري، من خلال دعم عودة المهجرين داخليا واستقطاب القدرات المهاجرة خارج البلد، والعمل على ترميم رأس المال الاجتماعي وفق إستراتيجيات التعليم والعمل المجتمعي المدني والتشاركية. وتشير الدراسة التي أعدها عبد الناصر الجاسم، إلى ضرورة تهيئة الموارد عبر المباشرة بأعمال البنى التحتية، بالتوازي مع قطاع الاتصالات والطاقة والمياه، حيث تسهم هذه القطاعات في الإسراع بتحقيق الاستقرار وتوطين الموارد البشرية والمالية والمادية. وتشير تقارير إلى حاجة الاقتصاد السوري إلى نحو 10 سنوات من أجل العودة إلى مستويات 2011، وذلك بعد أن فقد نحو 85% من قيمته خلال 12 عاما ليصل إلى 9 مليارات دولار في 2023 مقابل 67.5 مليار دولار في 2011، وفقا للبنك الدولي. ويتمثل التحدي الاقتصادي الأبرز أمام الحكومة الجديدة في كيفية التعامل مع القطاع العام المتضخم بحسب واشنطن بوست، وأن سوء الإدارة والفساد في عهد نظام الأسد قد أدى إلى تضخم في قوائم الرواتب. وأشار تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية إلى أن خبراء اقتصاديين أجمعوا على أن إصلاحا اقتصاديا في سوريا لن يتم إلا بدعم خارجي ومساعدات دولية. ويزداد تحدي إنعاش الاقتصاد صعوبة أمام الحكومة، في ظل اقتصادات سياسية متصدعة، ولّدها النزاع فيما مضى وترسخت في مناطق جغرافية مختلفة، مما نتج عنه تفاوت في الأنماط الاقتصادية وتقطع لسلاسل القيمة الوطنية، بحسب ورقة بحثية قام بها مركز عمران للدراسات. مساعي الحكومة الجديدة وسبق أن صرّح وزير الاقتصاد السوري نضال الشعار بأن بلاده بحاجة إلى ما لا يقل عن تريليون دولار لإعادة بناء اقتصادها، وهو رقم يفوق كثيرا تقديرات البنك الدولي السابقة. وفي فترة مبكرة من توليها إدارة البلاد، كشفت الحكومة عن خطة لتسريح نحو ثلث موظفي القطاع العام، مع خصخصة أكثر من 100 شركة حكومية خاسرة، وإزالة ما يُعرف بـ"الموظفين الأشباح" من كشوف الرواتب. وكان الشعار قد أعلن عن خطة تهدف إلى تحفيز القطاع المصرفي واستقطاب الكفاءات السورية من الخارج، وإعادة بناء الاقتصاد الوطني، مع التركيز على مدينة حلب كنقطة انطلاق. وفي سعيها لإلغاء مؤسسات حكومية غير فعالة، قامت الحكومة بحل "مؤسسة التجارة الخارجية" و"مجالس الأعمال السورية" القديمة، لتسهيل التجارة الخارجية وإعادة هيكلة العلاقات الاقتصادية على أسس جديدة. وسبق أن أعلنت الحكومة تبنيها لنهج "اقتصاد السوق التنافسي"، وإصدارها تعريفة جمركية جديدة لحماية الصناعات الوطنية وتعزيز القدرة التنافسية للمنتجات السوري، إضافة إلى تبسيطها النظام الضريبي ومنحها عفوا عن العقوبات المالية السابقة، لتشجيع المستثمرين على العودة. وقد حاولت الحكومة الحد من أزمة الكهرباء في البلاد بحسب تقارير، لكن الحلول المؤقتة التي نفذتها لم تنجح في إنهاء حالة الانقطاع رغم توقيعها اتفاقية الغاز مع قطر، حيث لا تزال العاصمة ومناطق شاسعة في سوريا تعاني من الظلام لفترات طويلة من اليوم. وجاء في تقرير لـ"إندبندنت عربية" نشر مؤخرا، أن ملفات الفساد والاحتكار ما زالت تتكشف بشكل مستمر، وذلك رغم مرور أشهر على سقوط النظام، ومع كل يوم جديد تعلن الحكومة السورية الجديدة عن ملف آخر من ملفات الفساد المستشري الذي طال جميع القطاعات في البلاد. ومنذ بداية العام وقعت الحكومة السورية عددا من الاتفاقيات والعقود، منها اتفاقيات إدارة وتشغيل موانئ ومناطق حرة، ومذكرات تفاهم مع دول إقليمية، واتفاقيات تمويل دولي، وإعادة التفاوض بشأن اتفاقيات سابقة موروثة من النظام المخلوع. لكن استقرارا لم يطرأ على الليرة السورية منذ سقوط النظام، إضافة لعدم تحسنها وبقاء التضخم، مع ارتفاع عام في الأسعار في عموم البلاد وتصريحات متكررة عن تحديثات في العملة وطباعة نسخ جديدة للأوراق النقدية. كما سبق أن أعلنت الحكومة عن نيتها رفع رواتب شريحة واسعة من موظفي القطاع العام بنسبة تصل إلى 4 أضعاف، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.