
الطاقة.. رحلة ازدهار من الاستيراد إلى الإنتاج والتصدير الإقليمي
شهد قطاع الطاقة في الأردن خلال العقد الأخير تحولا إستراتيجيا غير مسبوق، تمثل في الابتعاد التدريجي عن الاعتماد شبه الكامل على واردات الطاقة، والاتجاه نحو تنمية المصادر المحلية، وفي مقدمتها الطاقة المتجددة، والغاز الطبيعي، والصخر الزيتي.
كما شهدت المملكة تحولات على خريطة الطاقة الإقليمية، وباتت تلعب اليوم دورا مهما على مستوى منطقة البحر الأبيض المتوسط، كحلقة وصل بين شمال إفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا.
من الاستيراد إلى الإنتاج والتصدير
وقال الخبير والمستثمر في القطاع د.فراس بلاسمة إن قطاع الطاقة شكل على مدى العقود الماضية تحديا إستراتيجيا للأردن، كونه بلدا فقيرا بالموارد التقليدية، ومعتمدا بشكل شبه كلي على استيراد الطاقة من الخارج لتلبية احتياجاته، في وقت يعد فيه الاستقلال في مجال الطاقة أحد أركان السيادة الاقتصادية الحديثة، وقد بدأ الأردن السير في هذا الطريق بثقة وإرادة واضحة.
وأشار إلى أنه حتى عام 2010، كان الأردن يستورد أكثر من 96 % من احتياجاته من الطاقة الأولية، ما شكّل عبئا ثقيلا على الميزانية العامة، وجعل الاقتصاد الأردني هشّا أمام تقلبات الأسواق العالمية والأزمات الإقليمية، لا سيما قطع إمدادات الغاز المصري عام 2011، إذ مثّلت فاتورة الطاقة في بعض الأعوام ما يزيد على 18 % من الناتج المحلي الإجمالي.
وأوضح بلاسمة أن الحكومة الأردنية استجابت لهذه التحديات بإطلاق عدة إستراتيجيات طاقيّة، أبرزها إستراتيجية 2020–2030، التي هدفت إلى رفع مساهمة مصادر الطاقة المحلية من 15 % إلى 48 %، وتوليد 31 % من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول 2030، وتطوير مشاريع الربط الكهربائي مع الدول المجاورة، بالإضافة إلى تعزيز مشاريع التخزين والاستجابة للطلب.
كما أجرت الحكومة تعديلات على التشريعات الناظمة للسوق الطاقيّ، من أبرزها قانون الطاقة المتجددة وترشيد الطاقة رقم 13 لسنة 2012، وقوانين الشراكة مع القطاع الخاص، وفتح سوق إنتاج الكهرباء من خلال صافي القياس وترتيبات عقود الشراء.
وقال بلاسمة إن الأردن أصبح من الدول الرائدة في الشرق الأوسط في إنتاج الكهرباء من الشمس والرياح. وبحلول عام 2024، شكّلت الطاقة المتجددة حوالي 29–31 % من إجمالي الكهرباء المولدة. وتم تطوير مشاريع إستراتيجية مثل مجمع معان للطاقة الشمسية، ومحطات الرياح في الطفيلة ومعان، إلى جانب أنظمة طاقة مستقلة للمنازل والمباني الحكومية.
كما تم ربط الشبكة الأردنية بكل من فلسطين ومصر والعراق وسورية، ومع السعودية بمشروع قيد التنفيذ بطاقة مستقبلية تصل إلى 500 ميغاواط. وقد عززت هذه المشاريع من دور الأردن كمركز عبور إقليمي للطاقة، حيث بدأ رسميا تصدير الكهرباء إلى فلسطين والعراق، كما تم توقيع اتفاقيات إقليمية في إطار "مشروع الشام الجديد" لربط شبكات الكهرباء بين الأردن والعراق ومصر. وتسعى المملكة أيضا لأن تكون منصة مستقبلية لتصدير الكهرباء المنتجة من الهيدروجين الأخضر إلى أوروبا عبر مصر.
تحديات قائمة وآفاق مستقبلية
في المقابل، بين بلاسمة أن كلفة تخزين الطاقة ما تزال مرتفعة، رغم التوجه للاستثمار في البطاريات. كما تواجه الشبكة الكهربائية قيودا تتطلب استثمارات كبيرة لتحديث البنية التحتية، إلى جانب ضغوطات مالية على شركات التوزيع والنقل، خصوصا في ظل التعرفة المدعومة. وتبرز أيضا الحاجة إلى تحسين ثقة المستثمرين بعد محاولات الحكومة السابقة لإعادة التفاوض على أسعار الشراء من مشاريع الطاقة المتجددة.
وأكد بلاسمة أنه رغم التحديات، يمكن القول إن الأردن نجح إلى حد كبير في كسر حلقة الاعتماد المطلق على الاستيراد، وتمكن خلال عقدٍ واحد من التحول من بلد مستورد للطاقة إلى منتج ومصدر فعّال للكهرباء النظيفة. لكنه أشار إلى أن تحقيق الهدف الإستراتيجي الكامل – أي أن يصبح الأردن مركزا إقليميا لتبادل وتصدير الطاقة – يتطلب المزيد من الاستثمار في البنية التحتية الذكية، وتحسين الإطار التنظيمي، وحماية حقوق المستثمرين، بالإضافة إلى تعزيز التكامل الإقليمي مع دول الجوار في مجال السياسات والأسواق.
تحولات إستراتيجية في قطاع الطاقة
في هذا الخصوص، قال مدير مشاريع الطاقة والبيئة في بعثة الاتحاد الأوروبي في المملكة، عمر أبو عيد، إن الأردن شهد خلال السنوات الماضية، وتحديدا في العقد الأخير، تحولات جوهرية في قطاع الطاقة، تمثلت في الانتقال التدريجي من الاعتماد شبه الكلي على مصادر خارجية إلى التركيز على الموارد المحلية، وفي مقدمتها مصادر الطاقة المتجددة، إلى جانب ترشيد استهلاك الطاقة، والاستفادة من مصادر وطنية إضافية مثل الغاز الطبيعي والصخر الزيتي.
وقد تحقق النجاح الأكبر في هذا الإطار وفقا لأبو عيد من خلال التوسع في مشاريع الطاقة النظيفة، لا سيما في مجال الطاقة المتجددة وتوليد الكهرباء منها، إضافة إلى التوسع باستخدام الغاز الطبيعي كمصدر من مصادر الطاقة النظيفة المعتمدة في الوقت الراهن. وقد قطع الأردن شوطا كبيرا في هذا الاتجاه، إذ إنه في عام 2014، لم تتجاوز نسبة الكهرباء المولدة من مصادر الطاقة المتجددة 1 %، بينما وصلت مع نهاية العام الماضي إلى نحو 27 %.
وأشار أبو عيد إلى أنه من المنتظر أن تتواصل هذه النسبة بالارتفاع استنادا إلى الخطط المعلنة في القطاع ورؤية الأردن الاقتصادية للعام 2030 وحتى 2033، حيث تطمح الحكومة إلى أن تصل نسبة الاعتماد على الطاقة المتجددة إلى ما بين 45 %
و50 %، حيث ساهم هذا التوسع في فتح آفاق جديدة لمفاهيم مبتكرة، منها دمج الطاقة في قطاع النقل، إذ نشهد اليوم تحولا لافتا نحو السيارات الكهربائية، مع دراسات قائمة لاستغلال هذه التكنولوجيا في مجالات تخزين الطاقة أيضا.
تكامل قطاعي واسع
من جهة أخرى، قال أبو عيد إن هذا التحول شكل فرصة لتحقيق تكامل فعلي بين قطاعات الطاقة والمياه والغذاء والبيئة، ففي قطاع المياه تحديدا، تنفذ مشاريع كبرى تعتمد على الطاقة المتجددة، مثل مشروع النقل الوطني الذي يتضمن جزءا لا يقل عن 280 ميغاواط من الطاقة الشمسية. أما في الزراعة، فقد أصبح توفير الطاقة عنصرا أساسيا للانتقال من استخدام المضخات التقليدية العاملة على الديزل إلى مضخات صديقة للبيئة، ما ساهم في الاستخدام الأمثل للمياه وتقليل الضخ الجائر.
أما على صعيد العمل المناخي والبيئي، فقد ساهم التوجه نحو الطاقة المتجددة وترشيد الاستهلاك في خفض انبعاثات الكربون بشكل ملموس، ليصبح الأردن في طليعة دول المنطقة في هذا الجانب. وقد نجم عن الاعتماد على المصادر المحلية، لاسيما النظيفة منها، بروز مفاهيم جديدة مثل مشاريع تخزين الطاقة، التي أصبحت من الركائز المستقبلية، خصوصا في ما يتعلق بالطاقة المتجددة، وتحديدا في مشاريع التكامل مع مصادر أخرى.
وبين أبو عيد أنه يجري حاليا العمل على استغلال الموارد المائية في هذا المجال، مثل مشروع تخزين الطاقة في سد وادي الموجب، والذي يعد نموذجا متقدما لتخزين الطاقة الكهرومائية. كما أطلقت وزارة الطاقة مبادرات لتشجيع الاستثمار في مجال بطاريات تخزين الطاقة، بالتوازي مع مراجعة الأطر التشريعية والتنظيمية للقطاع، حيث تم إقرار قانون جديد للكهرباء، ويجري إعداد قانون مخصص للغاز.
وقد بذلت هيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن بحسب أبو عيد جهودا كبيرة لتطبيق ترتيبات تنظيمية حديثة، من أبرزها تعرفة "وقت الاستخدام" للطاقة الكهربائية، وهي آلية من شأنها تعزيز الكفاءة في الاستهلاك. ويضاف إلى هذه الإنجازات دخول الأردن إلى مجال الهيدروجين الأخضر، وهو من المصادر الواعدة ليس فقط في قطاع الطاقة بل أيضا في صناعات مثل الأسمدة والزراعة، ما يفتح الباب لاستخدام محلي واسع وآفاقا للتصدير.
الهيدروجين الأخضر واستقطاب الاستثمارات
كما تمكن الأردن من استقطاب نحو 15 جهة تدرس فرص الاستثمار في قطاع الهيدروجين، مع التركيز على المناطق الجنوبية القريبة من العقبة، بحكم ارتباطها بمشاريع تحلية المياه وتوليد الكهرباء، لتكون هذه المشاريع رافدا لمشاريع الهيدروجين الأخضر في المستقبل وفقا لأبو عيد
وفي جانب الربط الإقليمي، لعبت التحولات الفنية والسياسية في المنطقة، إلى جانب الموقع الجغرافي والسياسي للأردن، دورا كبيرا في دعم توجهات الربط الكهربائي مع دول الجوار. فالأردن حاليا مرتبط كهربائيا مع مصر وفلسطين والعراق، ومع سورية في المستقبل، ويجري العمل على الربط مع دول الخليج من خلال المملكة العربية السعودية، مع قابلية هذه الشبكات للتوسع، ما يفتح المجال لتبادل الكهرباء والغاز عبر خطوط الربط، خاصة أن الأردن مرتبط بخط الغاز العربي مع مصر وسورية.
دور أوروبي داعم وفاعل
وقد جعلت هذه التحولات الأردن على خريطة الطاقة الإقليمية، وبات يلعب اليوم دورا مهما على مستوى منطقة البحر الأبيض المتوسط، كحلقة وصل بين شمال أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا.
وقال أبو عيد إن الاتحاد الأوروبي واكب هذه التحولات خلال الأعوام العشرة إلى الخمسة عشر الماضية، وقدم دعما فاق 160 مليون يورو عبر عدة برامج، لتعزيز التحول نحو الطاقة النظيفة والمتجددة. ويأتي ذلك في إطار الشراكة التي توجت بتوقيع اتفاقية جديدة في يناير 2025، برعاية ملكية في بلجيكا، تحدد ملامح التعاون للفترة من 2025 إلى 2027، مع التركيز على الربط الإقليمي، ومشاريع التخزين، والهيدروجين، والإصلاحات التشريعية والتنظيمية.
ويواصل الاتحاد الأوروبي العمل جنبا إلى جنب مع وزارة الطاقة والشركاء في مراجعة إستراتيجية الطاقة بما ينسجم مع خطة التحفيز الاقتصادي نحو عام 2033، إلى جانب دعم مشاريع كبرى مثل مشروع الناقل الوطني، والربط الإقليمي، وتطوير شبكات الكهرباء، ومشاريع الهيدروجين وتخزين الطاقة بالأجسام المائية، وصولا إلى تحقيق التحول الكامل نحو الطاقة النظيفة وخفض الانبعاثات الكربونية.
ويؤكد الاتحاد الأوروبي التزامه بشراكته مع الأردن على مستوى المتوسط من خلال "الاتحاد من أجل المتوسط"، ويواصل المساهمة الفاعلة في دعم هذا التحول النوعي، بما يعزز من مكانة الأردن كدولة محورية في خريطة الطاقة الإقليمية، بحسب أبو عيد.
فرص التوسع والتصدير
وقال عضو هيئة التدريس في الجامعة الأردنية، د. أحمد السلايمة، إن الأردن مضى فعليا في إستراتيجية الاعتماد على المصادر المحلية من الطاقة، بما زاد من حصة الطاقة المتجددة، وأدخل الاعتماد على الصخر الزيتي، ما ساهم في تقليل نسب الطاقة المستوردة.
ورأى أن تصدير الطاقة ممكن من خلال تصدير الفائض إلى دول الجوار، وقد تحقق ذلك بالفعل من خلال تصدير الكهرباء كمنتج نهائي، مع إمكانية التوسع مستقبلا في تصدير الهيدروجين الأخضر، في حين لا تزال المملكة بعيدة عن تصدير المواد الخام. وأكد أن الجهود متواصلة على المستوى المحلي للتنقيب عن الموارد، وأن الموقع الإستراتيجي للأردن يتيح له أن يكون مركزا مهما للربط الكهربائي العربي، وتصدير الهيدروجين إلى عدة وجهات عالمية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Amman Xchange
منذ 10 ساعات
- Amman Xchange
الطاقة.. رحلة ازدهار من الاستيراد إلى الإنتاج والتصدير الإقليمي
شهد قطاع الطاقة في الأردن خلال العقد الأخير تحولا إستراتيجيا غير مسبوق، تمثل في الابتعاد التدريجي عن الاعتماد شبه الكامل على واردات الطاقة، والاتجاه نحو تنمية المصادر المحلية، وفي مقدمتها الطاقة المتجددة، والغاز الطبيعي، والصخر الزيتي. كما شهدت المملكة تحولات على خريطة الطاقة الإقليمية، وباتت تلعب اليوم دورا مهما على مستوى منطقة البحر الأبيض المتوسط، كحلقة وصل بين شمال إفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا. من الاستيراد إلى الإنتاج والتصدير وقال الخبير والمستثمر في القطاع د.فراس بلاسمة إن قطاع الطاقة شكل على مدى العقود الماضية تحديا إستراتيجيا للأردن، كونه بلدا فقيرا بالموارد التقليدية، ومعتمدا بشكل شبه كلي على استيراد الطاقة من الخارج لتلبية احتياجاته، في وقت يعد فيه الاستقلال في مجال الطاقة أحد أركان السيادة الاقتصادية الحديثة، وقد بدأ الأردن السير في هذا الطريق بثقة وإرادة واضحة. وأشار إلى أنه حتى عام 2010، كان الأردن يستورد أكثر من 96 % من احتياجاته من الطاقة الأولية، ما شكّل عبئا ثقيلا على الميزانية العامة، وجعل الاقتصاد الأردني هشّا أمام تقلبات الأسواق العالمية والأزمات الإقليمية، لا سيما قطع إمدادات الغاز المصري عام 2011، إذ مثّلت فاتورة الطاقة في بعض الأعوام ما يزيد على 18 % من الناتج المحلي الإجمالي. وأوضح بلاسمة أن الحكومة الأردنية استجابت لهذه التحديات بإطلاق عدة إستراتيجيات طاقيّة، أبرزها إستراتيجية 2020–2030، التي هدفت إلى رفع مساهمة مصادر الطاقة المحلية من 15 % إلى 48 %، وتوليد 31 % من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول 2030، وتطوير مشاريع الربط الكهربائي مع الدول المجاورة، بالإضافة إلى تعزيز مشاريع التخزين والاستجابة للطلب. كما أجرت الحكومة تعديلات على التشريعات الناظمة للسوق الطاقيّ، من أبرزها قانون الطاقة المتجددة وترشيد الطاقة رقم 13 لسنة 2012، وقوانين الشراكة مع القطاع الخاص، وفتح سوق إنتاج الكهرباء من خلال صافي القياس وترتيبات عقود الشراء. وقال بلاسمة إن الأردن أصبح من الدول الرائدة في الشرق الأوسط في إنتاج الكهرباء من الشمس والرياح. وبحلول عام 2024، شكّلت الطاقة المتجددة حوالي 29–31 % من إجمالي الكهرباء المولدة. وتم تطوير مشاريع إستراتيجية مثل مجمع معان للطاقة الشمسية، ومحطات الرياح في الطفيلة ومعان، إلى جانب أنظمة طاقة مستقلة للمنازل والمباني الحكومية. كما تم ربط الشبكة الأردنية بكل من فلسطين ومصر والعراق وسورية، ومع السعودية بمشروع قيد التنفيذ بطاقة مستقبلية تصل إلى 500 ميغاواط. وقد عززت هذه المشاريع من دور الأردن كمركز عبور إقليمي للطاقة، حيث بدأ رسميا تصدير الكهرباء إلى فلسطين والعراق، كما تم توقيع اتفاقيات إقليمية في إطار "مشروع الشام الجديد" لربط شبكات الكهرباء بين الأردن والعراق ومصر. وتسعى المملكة أيضا لأن تكون منصة مستقبلية لتصدير الكهرباء المنتجة من الهيدروجين الأخضر إلى أوروبا عبر مصر. تحديات قائمة وآفاق مستقبلية في المقابل، بين بلاسمة أن كلفة تخزين الطاقة ما تزال مرتفعة، رغم التوجه للاستثمار في البطاريات. كما تواجه الشبكة الكهربائية قيودا تتطلب استثمارات كبيرة لتحديث البنية التحتية، إلى جانب ضغوطات مالية على شركات التوزيع والنقل، خصوصا في ظل التعرفة المدعومة. وتبرز أيضا الحاجة إلى تحسين ثقة المستثمرين بعد محاولات الحكومة السابقة لإعادة التفاوض على أسعار الشراء من مشاريع الطاقة المتجددة. وأكد بلاسمة أنه رغم التحديات، يمكن القول إن الأردن نجح إلى حد كبير في كسر حلقة الاعتماد المطلق على الاستيراد، وتمكن خلال عقدٍ واحد من التحول من بلد مستورد للطاقة إلى منتج ومصدر فعّال للكهرباء النظيفة. لكنه أشار إلى أن تحقيق الهدف الإستراتيجي الكامل – أي أن يصبح الأردن مركزا إقليميا لتبادل وتصدير الطاقة – يتطلب المزيد من الاستثمار في البنية التحتية الذكية، وتحسين الإطار التنظيمي، وحماية حقوق المستثمرين، بالإضافة إلى تعزيز التكامل الإقليمي مع دول الجوار في مجال السياسات والأسواق. تحولات إستراتيجية في قطاع الطاقة في هذا الخصوص، قال مدير مشاريع الطاقة والبيئة في بعثة الاتحاد الأوروبي في المملكة، عمر أبو عيد، إن الأردن شهد خلال السنوات الماضية، وتحديدا في العقد الأخير، تحولات جوهرية في قطاع الطاقة، تمثلت في الانتقال التدريجي من الاعتماد شبه الكلي على مصادر خارجية إلى التركيز على الموارد المحلية، وفي مقدمتها مصادر الطاقة المتجددة، إلى جانب ترشيد استهلاك الطاقة، والاستفادة من مصادر وطنية إضافية مثل الغاز الطبيعي والصخر الزيتي. وقد تحقق النجاح الأكبر في هذا الإطار وفقا لأبو عيد من خلال التوسع في مشاريع الطاقة النظيفة، لا سيما في مجال الطاقة المتجددة وتوليد الكهرباء منها، إضافة إلى التوسع باستخدام الغاز الطبيعي كمصدر من مصادر الطاقة النظيفة المعتمدة في الوقت الراهن. وقد قطع الأردن شوطا كبيرا في هذا الاتجاه، إذ إنه في عام 2014، لم تتجاوز نسبة الكهرباء المولدة من مصادر الطاقة المتجددة 1 %، بينما وصلت مع نهاية العام الماضي إلى نحو 27 %. وأشار أبو عيد إلى أنه من المنتظر أن تتواصل هذه النسبة بالارتفاع استنادا إلى الخطط المعلنة في القطاع ورؤية الأردن الاقتصادية للعام 2030 وحتى 2033، حيث تطمح الحكومة إلى أن تصل نسبة الاعتماد على الطاقة المتجددة إلى ما بين 45 % و50 %، حيث ساهم هذا التوسع في فتح آفاق جديدة لمفاهيم مبتكرة، منها دمج الطاقة في قطاع النقل، إذ نشهد اليوم تحولا لافتا نحو السيارات الكهربائية، مع دراسات قائمة لاستغلال هذه التكنولوجيا في مجالات تخزين الطاقة أيضا. تكامل قطاعي واسع من جهة أخرى، قال أبو عيد إن هذا التحول شكل فرصة لتحقيق تكامل فعلي بين قطاعات الطاقة والمياه والغذاء والبيئة، ففي قطاع المياه تحديدا، تنفذ مشاريع كبرى تعتمد على الطاقة المتجددة، مثل مشروع النقل الوطني الذي يتضمن جزءا لا يقل عن 280 ميغاواط من الطاقة الشمسية. أما في الزراعة، فقد أصبح توفير الطاقة عنصرا أساسيا للانتقال من استخدام المضخات التقليدية العاملة على الديزل إلى مضخات صديقة للبيئة، ما ساهم في الاستخدام الأمثل للمياه وتقليل الضخ الجائر. أما على صعيد العمل المناخي والبيئي، فقد ساهم التوجه نحو الطاقة المتجددة وترشيد الاستهلاك في خفض انبعاثات الكربون بشكل ملموس، ليصبح الأردن في طليعة دول المنطقة في هذا الجانب. وقد نجم عن الاعتماد على المصادر المحلية، لاسيما النظيفة منها، بروز مفاهيم جديدة مثل مشاريع تخزين الطاقة، التي أصبحت من الركائز المستقبلية، خصوصا في ما يتعلق بالطاقة المتجددة، وتحديدا في مشاريع التكامل مع مصادر أخرى. وبين أبو عيد أنه يجري حاليا العمل على استغلال الموارد المائية في هذا المجال، مثل مشروع تخزين الطاقة في سد وادي الموجب، والذي يعد نموذجا متقدما لتخزين الطاقة الكهرومائية. كما أطلقت وزارة الطاقة مبادرات لتشجيع الاستثمار في مجال بطاريات تخزين الطاقة، بالتوازي مع مراجعة الأطر التشريعية والتنظيمية للقطاع، حيث تم إقرار قانون جديد للكهرباء، ويجري إعداد قانون مخصص للغاز. وقد بذلت هيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن بحسب أبو عيد جهودا كبيرة لتطبيق ترتيبات تنظيمية حديثة، من أبرزها تعرفة "وقت الاستخدام" للطاقة الكهربائية، وهي آلية من شأنها تعزيز الكفاءة في الاستهلاك. ويضاف إلى هذه الإنجازات دخول الأردن إلى مجال الهيدروجين الأخضر، وهو من المصادر الواعدة ليس فقط في قطاع الطاقة بل أيضا في صناعات مثل الأسمدة والزراعة، ما يفتح الباب لاستخدام محلي واسع وآفاقا للتصدير. الهيدروجين الأخضر واستقطاب الاستثمارات كما تمكن الأردن من استقطاب نحو 15 جهة تدرس فرص الاستثمار في قطاع الهيدروجين، مع التركيز على المناطق الجنوبية القريبة من العقبة، بحكم ارتباطها بمشاريع تحلية المياه وتوليد الكهرباء، لتكون هذه المشاريع رافدا لمشاريع الهيدروجين الأخضر في المستقبل وفقا لأبو عيد وفي جانب الربط الإقليمي، لعبت التحولات الفنية والسياسية في المنطقة، إلى جانب الموقع الجغرافي والسياسي للأردن، دورا كبيرا في دعم توجهات الربط الكهربائي مع دول الجوار. فالأردن حاليا مرتبط كهربائيا مع مصر وفلسطين والعراق، ومع سورية في المستقبل، ويجري العمل على الربط مع دول الخليج من خلال المملكة العربية السعودية، مع قابلية هذه الشبكات للتوسع، ما يفتح المجال لتبادل الكهرباء والغاز عبر خطوط الربط، خاصة أن الأردن مرتبط بخط الغاز العربي مع مصر وسورية. دور أوروبي داعم وفاعل وقد جعلت هذه التحولات الأردن على خريطة الطاقة الإقليمية، وبات يلعب اليوم دورا مهما على مستوى منطقة البحر الأبيض المتوسط، كحلقة وصل بين شمال أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا. وقال أبو عيد إن الاتحاد الأوروبي واكب هذه التحولات خلال الأعوام العشرة إلى الخمسة عشر الماضية، وقدم دعما فاق 160 مليون يورو عبر عدة برامج، لتعزيز التحول نحو الطاقة النظيفة والمتجددة. ويأتي ذلك في إطار الشراكة التي توجت بتوقيع اتفاقية جديدة في يناير 2025، برعاية ملكية في بلجيكا، تحدد ملامح التعاون للفترة من 2025 إلى 2027، مع التركيز على الربط الإقليمي، ومشاريع التخزين، والهيدروجين، والإصلاحات التشريعية والتنظيمية. ويواصل الاتحاد الأوروبي العمل جنبا إلى جنب مع وزارة الطاقة والشركاء في مراجعة إستراتيجية الطاقة بما ينسجم مع خطة التحفيز الاقتصادي نحو عام 2033، إلى جانب دعم مشاريع كبرى مثل مشروع الناقل الوطني، والربط الإقليمي، وتطوير شبكات الكهرباء، ومشاريع الهيدروجين وتخزين الطاقة بالأجسام المائية، وصولا إلى تحقيق التحول الكامل نحو الطاقة النظيفة وخفض الانبعاثات الكربونية. ويؤكد الاتحاد الأوروبي التزامه بشراكته مع الأردن على مستوى المتوسط من خلال "الاتحاد من أجل المتوسط"، ويواصل المساهمة الفاعلة في دعم هذا التحول النوعي، بما يعزز من مكانة الأردن كدولة محورية في خريطة الطاقة الإقليمية، بحسب أبو عيد. فرص التوسع والتصدير وقال عضو هيئة التدريس في الجامعة الأردنية، د. أحمد السلايمة، إن الأردن مضى فعليا في إستراتيجية الاعتماد على المصادر المحلية من الطاقة، بما زاد من حصة الطاقة المتجددة، وأدخل الاعتماد على الصخر الزيتي، ما ساهم في تقليل نسب الطاقة المستوردة. ورأى أن تصدير الطاقة ممكن من خلال تصدير الفائض إلى دول الجوار، وقد تحقق ذلك بالفعل من خلال تصدير الكهرباء كمنتج نهائي، مع إمكانية التوسع مستقبلا في تصدير الهيدروجين الأخضر، في حين لا تزال المملكة بعيدة عن تصدير المواد الخام. وأكد أن الجهود متواصلة على المستوى المحلي للتنقيب عن الموارد، وأن الموقع الإستراتيجي للأردن يتيح له أن يكون مركزا مهما للربط الكهربائي العربي، وتصدير الهيدروجين إلى عدة وجهات عالمية.

السوسنة
منذ يوم واحد
- السوسنة
الأردن يعزز استقلاله الطاقي بمشاريع متجددة استراتيجية
السوسنة - شهد قطاع الطاقة في الأردن تطوراً لافتاً منذ الاستقلال، مدفوعاً باهتمام خاص من جلالة الملك عبد الله الثاني، بهدف ترسيخ استقلال المملكة الطاقي وتعزيز أمنها الاقتصادي والبيئي. ووفق وزارة الطاقة والثروة المعدنية، بلغ حجم الاستثمارات في الطاقة المتجددة وحدها 2.15 مليار دينار، فيما تخطّت الاستثمارات الكلية في قطاع الطاقة منذ عام 1999 حاجز 10 مليارات دولار.وتحوّلت مساهمة الطاقة المتجددة في خليط الكهرباء من أقل من 0.5% في 2014 إلى 26.9% نهاية 2024، في قصة نجاح أردنية لاقت إشادة إقليمية وعالمية. كما ارتفعت الاستطاعة الكهربائية للمشاريع المتجددة إلى نحو 2840 ميجاواط، موزعة بين الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.وواصلت المملكة تطوير شبكة الربط الإقليمي، إذ ترتبط كهربائياً بمصر منذ 1999 وفلسطين منذ 2008، كما أُنجز الربط مع العراق عام 2023. وعلى صعيد الغاز، توسعت مصادر التزويد من مصدر واحد عام 2004 إلى أربعة مصادر حتى 2021، وتم إنشاء خط الغاز العربي لتوريد الغاز المصري إلى عدة دول عبر الأراضي الأردنية.وشهدت سوق المشتقات النفطية انفتاحاً منذ 2013 مع ترخيص ثلاث شركات تسويق، وجرى رفع السعات التخزينية وتحسين الأمن النفطي عبر الشركة اللوجستية للمرافق النفطية. كما تم رفع كفاية مخزون المشتقات لتتجاوز 60 يوماً.وفي مجال الغاز الطبيعي، ارتفعت استطاعة حقل الريشة إلى 32 مليون قدم مكعب يومياً عام 2022، فيما تضاعف إنتاج حقل حمزة إلى 70 برميلاً يومياً بحلول 2024. كما بلغت مساهمة الصخر الزيتي في توليد الكهرباء 15% بعد تشغيل أول محطة للحرق المباشر عام 2022.وعلى الصعيد التنظيمي، أنشئت هيئة تنظيم قطاع الكهرباء عام 2001، وتم تطويرها لاحقاً لتصبح هيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن. كما تأسس صندوق الطاقة المتجددة عام 2015، لتسريع التحول نحو مصادر نظيفة وكفاءة في استهلاك الطاقة.ويُعد الهيدروجين الأخضر أحد أبرز توجهات الوزارة المستقبلية، حيث تم إعداد استراتيجية وطنية وخارطة طريق بالتعاون مع شركاء دوليين، وتم توقيع مذكرات تفاهم مع 13 شركة عالمية لدراسة مشاريع استثمارية.وعلى صعيد التعدين، أطلقت الوزارة خرائط تفاعلية للاستثمار في الثروات المعدنية، ووقعت 11 مذكرة تفاهم للتنقيب عن معادن استراتيجية مثل الذهب والنحاس والفوسفات. كما تم إنشاء منصة إلكترونية لعرض الفرص الاستثمارية وربطها بالجهات الرسمية.وتسعى الاستراتيجية الوطنية للطاقة (2020–2030) إلى رفع مساهمة الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء إلى 31% بحلول 2030، مع العمل على تحقيق نسبة 50% مستقبلاً، من خلال مشاريع التخزين، والشبكات الذكية، والربط الكهربائي الإقليمي.كما أطلقت الحكومة رؤية التحديث الاقتصادي في 2022، التي وضعت قطاع الطاقة ضمن محور الموارد المستدامة، مع التركيز على التحول للطاقة البديلة، وتوسيع استخدام الغاز الطبيعي، ودعم النقل الكهربائي.وأسهمت هذه الجهود في خفض اعتماد الأردن على استيراد الطاقة من 94% عام 2000 إلى 76% في 2023، ما يعزز الاستقلال الوطني، ويخفض الكلفة، ويدعم الالتزامات البيئية بتقليل انبعاثات الكربون بنسبة 10% حتى عام 2030، مستفيداً من أكثر من 300 يوم شمس سنوياً وظروف مثالية لتوليد طاقة الرياح. أقرأ أيضًا:


وطنا نيوز
منذ 3 أيام
- وطنا نيوز
حسان: مشروع التوسع الجنوبي لشركة البوتاس يعزز دورها بدعم الاقتصاد الوطني
وطنا اليوم:قال رئيس الوزراء جعفر حسان اليوم الخميس:'تشرفت أمس بتدشين مشروع التوسع الجنوبي لشركة البوتاس العربية، الذي يعد استثماراً نوعياً يرفع من تنافسية الشركة عالمياً ويعزز دورها المحوري في دعم الاقتصاد الوطني'. وأضاف حسان في تغريدة عبر حسابه الرسمي على منصة X، 'هذا المشروع وسائر المشاريع الاستراتيجية الكبرى، تُعدُّ مقومات أساسية لمشاريع مستقبلية يكون للأردن فيها تنافسية عالية، وجميعها تنسجم مع رؤية التحديث الاقتصادي'. وكان دشّن رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان، مشروع التوسع الجنوبي لشركة البوتاس العربية، الذي يُعد واحداً من أكبر المشاريع الصناعية الاستراتيجية في المملكة، وتقدَّر كلفته التقديرية بنحو 1.1 مليار دولار أمريكي. وأشاد رئيس الوزراء، خلال اجتماعه برئيس مجلس إدارة الشركة المهندس شحادة أبو هديب ورئيسها التنفيذي الدكتور معن النسور وأعضاء مجلس الإدارة، بحضور وزير الطاقة والثروة المعدنية الدكتور صالح الخرابشة، بحرص الشركة على توسيع مشاريعها وفتح أسواق جديدة تعزز مكانة الأردن في صناعة البوتاس والصناعات المشتقة عنه، لافتاً إلى أهمية هذا المشروع الذي ينسجم مع رؤية التحديث الاقتصادي الهادفة إلى زيادة معدلات النمو وتوفير فرص التشغيل. وأشار إلى أن هذا المشروع، وسائر المشاريع الاستراتيجية الكبرى، مثل مشروع الناقل الوطني للمياه ومشروع سكة الحديد من العقبة إلى الشيدية وغور الصافي، ومشاريع الهيدروجين الأخضر وغيرها، تُعدُّ مقومات أساسيَّة لمشاريع مستقبلية يكون للأردن فيها تنافسية عالية. ولفت إلى أنه وبالتوازي مع إطلاق هذا المشروع فإنه من الواجب تهيئة فرص التدريب والتأهيل لأبناء وبنات المجتمع المحلي ومحافظات الجنوب، ليكونوا جاهزين للاستفادة من فرص التشغيل التي يوفرها المشروع في كل مراحله. وأشاد رئيس الوزراء بجهود الشركة ضمن مشروع المسؤوليَّة المجتمعيَّة، حيث ساهمت مبادرتها في تحفيز العديد من الجهات والمؤسسات على دعم هذا المشروع، مجدداً التأكيد على أن الحكومة تسعى لمأسسة المسؤولية المجتمعية، وجعلها نهجاً مؤسسيَّاً بالشَّراكة ما بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المحلِّي. ويُعد مشروع التوسع الجنوبي علامة فارقة في تاريخ الشركة، والذي يهدف إلى رفع الطاقة الإنتاجية للشركة من مادة البوتاس بواقع (740) ألف طن سنوياً ليصل إنتاج الشركة الإجمالي إلى حوالي (3.7) مليون طن سنوياً، منسجمة بذلك مع أهداف رؤية التحديث الاقتصادي، لا سيما تلك الواردة لقطاعي التعدين والأسمدة، اللذين يشكلان مرتكزيْن رئيسيين للاقتصاد الوطني لما لهما من دور فاعل في تعظيم العوائد من الموارد الطبيعية وتحقيق مستويات أعلى من الربحية والمساهمة في تحقيق مستويات مستهدفة من النمو الاقتصادي. إذ سيسهم المشروع في زيادة صادرات المملكة وتعزيز الاحتياطي من العملات الأجنبية وزيادة إيرادات الدولة من المدفوعات المباشرة وغير المباشرة وتوليد فرص العمل.