logo
إلهام أبو الفتح تكتب: وداعا د. علي مصيلحي

إلهام أبو الفتح تكتب: وداعا د. علي مصيلحي

صدى البلدمنذ 2 أيام
اجتمع على حبه الجميع، بسطاء ومسؤولون. كبار وصغار فكانت جنازته واحدة من التي يقولون عنها من احبه الله جعل جنازته شاهدا علي سيرته
رحل الدكتور علي المصيلحي، رحمه الله، وبقيت صورته بابتسامته في ذاكرة من عرفوه، كدليل على أن الإنسانية الحقيقية لا تصنعها المناصب،
يستقبلك بابتسامة وكلمة طيبة، سواء كنت مسؤولًا أو مواطنًا بسيطًا جاء ليطرح سؤالًا. في حضوره، كنت تشعر بالاحترام قبل أن تسمع أي كلمة، وتشعر أن من أمامك يستمع إليك بحق، وليس لمجرد الواجب.
حين رحل، تحوّل يوم جنازته إلى لوحة إنسانية مهيبة؛ شوارع الشيخ زايد ضاقت بالجموع، وامتدت الصفوف في صلاة الجنازة على غير العادة.
وقف رئيس الوزراء وكبار رجال الدولة بجوار أهالي القرى الذين حضروا من الوجه البحري والصعيد، ورجال الأعمال بجوار العمال، جميعهم يجمعهم الحزن. وكأن الله شاء أن يجعل هذا اليوم شاهدًا على محبة الناس له، وأن يكتب له شهادة وداع تليق بسيرته.
عرفته عن قرب في لقاءات كثيرة، ورأيته في المؤتمرات والاجتماعات والمناسبات العامة، ودائمًا كان: بشوشًا، متواضعًا، مرحبًا بكل من يلتقيه، لم يغيّره المنصب ولم تُغيّره الأضواء. كان عالمًا في مجاله، وجعل علمه لخدمة الناس. كان يدرك انه وزير في وزاره تهم كل الناس وتخدم الجميع وأن القرارات ليست أوراقًا وأرقامًا، بل هي وجوه وحكايات وأحوال تنتظر الفرج.
حتى في أيامه الأخيرة، ورغم معاناته مع المرض، ظل على تواصل مع الملفات التي بدأها، حريصًا على أن يطمئن أن الأمانة التي حملها ستظل محفوظة. وحين كرمه رئيس الوزراء قبل أسابيع من رحيله، كان ذلك اعترافًا رسميًا من الدولة بما قدّمه، لكنه كان بالنسبة له مجرد محطة في رحلة بدأها منذ سنوات لخدمة الناس.
ورحل الجسد، لكن بقيت الروح في قلوب من أحبوه، وبقيت سيرته تذكّرنا أن المحبة الصادقة لا تُفرض، بل تُزرع في القلوب وتظهر في لحظة الوداع. رحم الله د. علي المصيلحي وجعل محبة الناس في ميزان حسناته.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الراعي ترأس قداسا عند قمة الصليب – فاريا بحضور مرقص ممثلا عون: نحن مدعوّون لأن نختار طريق الوحدة والمصالحة وطريق الحياد الإيجابيّ
الراعي ترأس قداسا عند قمة الصليب – فاريا بحضور مرقص ممثلا عون: نحن مدعوّون لأن نختار طريق الوحدة والمصالحة وطريق الحياد الإيجابيّ

وزارة الإعلام

timeمنذ ساعة واحدة

  • وزارة الإعلام

الراعي ترأس قداسا عند قمة الصليب – فاريا بحضور مرقص ممثلا عون: نحن مدعوّون لأن نختار طريق الوحدة والمصالحة وطريق الحياد الإيجابيّ

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي القداس الإلهي عند قمة الصليب – فاريا، بدعوة من رعية مار شليطا في فاريا، بحضور وزير الاعلام المحامي بول مرقص ممثلا رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، وزير الاقتصاد عامر بساط، النواب: ندى البستاني، شوقي الدكاش، سليم الصايغ ونعمة افرام، الوزير السابق منصور بطيش، رئيس بلدية فاريا جوزف خليل واعضاء المجلس البلدي، رئيس البلدية السابق ميشال سلامة ورؤساء بلديات ومخاتير وشخصيات سياسية ودبلوماسية وأمنية وإعلامية وحشد من المؤمنين. بعد الانجيل المقدس، القى البطريرك الراعي عظة بعنوان :'فيتلألأ الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم' (متى 13: 43)'. وقال: 'هذه الآية تُطبّق على القدّيس شربل، الذي نجتمع أمام تمثاله المرتفع فوق جبل فاريا العزيزة، والمطلّ على الجبال والتلال والبلدات والقرى وصولًا إلى الساحل والبحر. القدّيس شربل من قلب صمته وعزلته، أضاء على لبنان والعالم، وصار شمسًا روحيّة لا تغيب، بل تشرق على العالم بأسره، وتتلألأ فوق كلّ شعب ودين وعرق ولون، يشفي المرضى، يعزّي المتألّمين، يعيد النفوس الضالّة إلى حضن الله'. اضاف: 'يسعدني أن أحيّيكم جميعًا أيّها الحاضرون الآتون من فاريا ومن كلّ مدينة وبلدة وقرية، للإحتفال بالليتورجيا الإلهيّة تكريمًا لمار شربل. وأخصّ بالتحيّة كل من له تعب في هذا المقام واصحاب هذه المبادرة، هذه المبادرة التقويّة الذين عملوا بمحبّة وتعب وسخاء القلب، لرفع هذا التمثال والمزار، تكريمًا للقدّيس شربل، وتمجيدًا لله. انجيل اليوم يدعونا لنرى حياتنا على ضوء الأبديّة. فالله لا ينظر إلى البريق الخارجيّ، ولا إلى المجد الزائل، بل إلى القلب النقيّ الذي يحيا مشيئته. لقد عاش مار شربل هذه الحقيقة حتى النهاية. لم يبحث عن مجد أرضيّ، ولا عن منصب أو راحة، بل فقط عن وجه الله وحده. بصمته وفقره وطاعته، صارًا نورًا يتلألأ كالشمس في ملكوت الله. كلّ قدّاس نحتفل به هو إشراق جديد لهذا النور. نحن هنا لا نكرّم حجرًا بل إنسانًا صار إنجيلًا حيًّا ومشعًّا في ظلمات العالم، وعبرة لكلّ واحد منّا أنّ القداسة ممكنة، وأنّها تبدأ من بساطة الحياة، وأمانة القلب. إنّه رسالة حبّ متواصلة لكلّ من يطلب شفاعته. من على هذا الجبل حيث تلتقي السماء بالأرض، لا يمكننا إلّا أن نصلّي من أجل لبنان، وطننا الحبيب. القدّيس شربل، الذي يحمل لبنان في قلبه وصلاته، يدعونا اليوم لنحمل لبنان إلى الله، بكلّ جراحه وأزماته، بكلّ شعبه المتألّم، بكلّ شبابه الحائر والمهاجر والمقيم. إنّ الرسالة التي يتركها لنا إنجيل اليوم، ورسالة هذا المزار، هي أنّنا مدعوّون لنكون نحن نورًا للبنان، هذا الوطن لا ينهض فقط بخطط إقتصاديّة أو قرارات سياسيّة، بل قبل كلّ شيء بقلوب مؤمنة، صادقة نقيّة، تتلألأ بفضائل كالشمس في حياتها اليوميّة. لقد اختار مار شربل العيش في الصمت والصلاة، ليضع سلامًا في قلبه. ونحن كلبنانيّين مدعوّون لأن نختار طريق الوحدة والمصالحة، وطريق تنقية الذاكرة، وطريق الحياد الإيجابيّ المعترف به من منظّمة الأمم المتّحدة' . وتابع: 'مزار مار شربل هنا في فاريا يذكّرنا بأنّ لبنان، رغم جراحه، لا يزال أرضًا مقدّسة قادرة على أن تلد قدّيسين ينيرون العالم. فلنصلِّ، أيّها الإخوة والأخوات، بشفاعة القدّيس شربل، كي يملأ الله قلوبنا نورًا، ويمنح وطننا السلام والإستقرار، ويبارك عائلاتنا، ويجعلنا جميعًا شهودًا للمحبّة والقيم الروحيّة والإنسانيّة. فنرفع المجد والتسبيح لله، الآب والإبن والروح القدس، إلى الأبد، آمين' . وفي ختام القداس، ألقى كاهن الرعية الأب شربل سلامة كلمة حول شهادة يوحنا المعدان عند رؤية المسيح، وقال : 'هذه الشهادة التي أطلقها يوحنا المعمدان عند رؤيته للمسيح شاهدًا بأعلى صوته لكي يسمع القاصي والداني، أن هذا هو ابن الله، لكي نطلقها اليوم مجدداً، معكم يا صاحب الغبطة والنيافة، أنتم أيها البطريرك إلى القاصي والداني، من على منبر الجليل المتهلل لكي يكون لنا المسيح هو الخلاص والحياة، الذي نختاره إيماناً وقيماً، ورؤية حياتية، ومستقبلية. 'وأنا رأيت وشهدت' هذه صرخة حق أرادها يوحنا المعمدان نبوءة للمسيح منذ هذه البقعة المباركة، بقعة نهر الأردن – قائلاً: 'وأنا رأيت وشهدت' أن هذا هو المسيح المخلص معتَرفاً أن الخلاص المسيحي متجذِّر في أمّ أساسي، في وسط كان الصعوبات والأزمات التي تتوارى علينا، لا وهم الشهادة الحقيقية وإظهارها في كل قول وعمل. حقيقة المسيح التي نؤمن بها أن تكون علامة فارقة في حياتنا ونوراً لنا في ظلمات حياتنا فترى أن الله معنا، وحقيقة كلمة الله التي نعيشها الحياة الحقة، وحقيقة الكنيسة التي نشهد لها أنها هي حياتنا المتمحورة عليها، هي حياتنا الكبيرة.' اضاف :'لا يغيب عن فكرنا أن إيماننا بالمسيح حاجة دائمة لنا للجوء حقيقي، لنسعى لنكتسب الصمود في الشهادة للحق والحقيقة؛ لأننا في المسيح نكون لا يهزمون وقوة غالبة للأشرار، والدفاع عن الحق ضد الظلم، ومن الحقيقة ضد الكذب، ومن الخير ضد الشر، ومن النعمة ضد الخطيئة. 'وأنا رأيت وشهدت' عهدنا المسيحي أن نعمل على أخذ المواقف الصحيحة للقاء الحق، وعلى حمل المسؤوليات ضميرية حول أمانتنا لما نرى ونؤمن ونشهد عام اهتمت به القلوب والصعوبات. وحبنا الحقيقة في دعائنا للرب أن يسمع لنا لنتمسك بها لنكون أمناء للحقيقة التي نعيش. هذا إيماننا، هذا يقيننا، هذا عهدنا الذي نعيشه ونقدمه على الدوام.' وتابع الاب سلامة :'وأنا رأيت وشهدت' هكذا يهدي الصوت في قلب كل شاهد، ويرتفع في حياته أن تكون شهادته للإيمان، لكي يبقى في الحياة ويتبع من هو 'الطريق والحق والحياة'. هكذا يكون كل إنسان تقي وخادم للكنيسة، يتنسم في فضاء النضال ليصل إلى ميناء الخلاص. أيها الأحبة، نرفع ابتهالنا ونصلي من أجلكم مع مطرانكم إلى ابننا الطريق، إلى ابننا الحياة، فهذا إيماننا، فلتكن هذه البقعة المباركة بيروتها قلوبنا وصدى نابع من حقيقتها أن الله في حياتنا ونشهد شهادة مسيحية صادقة. ' وختم الاب سلامة: 'نشكر لكم حضوركم يا صاحب الغبطة والبطريرك بيننا، مع السادة الأساقفة، والكهنة، والشمامسة، والجوقة، ومع هذا الجمهور المبارك من فاعليات سياسية، وبلدية، وكل المؤمنين الحاضرين. ولكن يبقى عطاؤكم لنا، صامدين بوجه الصعوبات والمشاكل كافة، شهوداً للحق والحقيقة، بصلابة أمانة يوم الغدارات، سلطانة الانتقال، وشفيع القديسين. آمين.' بعدها توجه البطريرك الراعي والحضور الى منزل رئيس البلدية السابق ميشال سلامة حيث القيت كلمة ترحيبية عفوية بالبطريرك 'الذي يزور فاريا والقديس شربل ، قديس لبنان الذي غير العالم بعظمة قداسته ويرفع عن لبنان امورا ثلاثة : الشدة والظلم والمآسي.' وفي الختام قطع البطريرك الراعي والوزير مرقص قالب حلوى بالمناسبة.

ما بعد الأربعين: كيف نُجسّد أهداف النهضة الحسينية في واقعنا؟
ما بعد الأربعين: كيف نُجسّد أهداف النهضة الحسينية في واقعنا؟

شبكة النبأ

timeمنذ ساعة واحدة

  • شبكة النبأ

ما بعد الأربعين: كيف نُجسّد أهداف النهضة الحسينية في واقعنا؟

بعد انتهاء زيارة الأربعين أصبحت الأمور واضحة أمام كل من يريد أن يناصر الإمام الحسين، ولا يتخلى عن الدرب الذي سار فيه، وهي مهمة ليست مستحيلة، فالمطلوب هو الدقة والتنظيم والسعي المدروس لإيصال الأهداف الحسينية بما تحمله من قيم ومآثر إلى جميع البشر، حتى يستفيدوا منها في تصحيح مثالب وهفوات وأزمات عالمنا المعاصر... (كلما يُذكَر الإمام الحسين عليه السلام، يُذكر معه الإسلام، القرآن، الحرية) الإمام الشيرازي وهكذا ودّعنا زيارة الأربعين، وظلت ذكرياتها العبِقة عالقة في الذاكرة، وبدأت الغايات تتّضح وتنضج، وصار لزاما علينا أن نفهم جيدا ما هي أهداف الإمام الحسين عليه السلام، وكيف يوظّف المناصرون لقضية عاشوراء وأهداف النهضة الحسينية مدخلات زيارة الأربعين، لتكون مخرجاتها بالحجم والمقدار الذي يوازي أو يعدل عظمة هذه الزيارة الكبرى. ولابد بداية أن نقول بأن الرسالة الأساسية لعاشوراء هي إحياء الإسلام، وإذا كان الإمام الحسين عليه السلام قد خرج وثار وتصدّى لحملات السعي الأموي لحرف الإسلام عن مساره النبوي، فإننا اليوم مسؤولون أمام الله وأمام الحسين وأمام أنفسنا أن نؤدي دورنا في هذا العصر الذي بات فيه الإسلام والقرآن مهجورا، ولاشك بأننا نعرف ونؤمن ونفهم تلك التضحيات العظيمة التي قدمها أهل البيت في سبيل ترسيخ الدين والعقائد، لدرجة أنهم ضحوا بأنفسهم وذويهم حتى يتم التصدي ليزيد ومساعيه المحمومة لتخريب الإسلام. الإمام الراحل آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يقول في مؤلَّفه الموسوم بـ (رسالة عاشوراء الجزء الأول): (إن رسالة عاشوراء هي إحياء الإسلام، وهذا هو ما كان يهدف إليه الإمام الحسين (عليه السلام) من نهضته وشهادته، لأن الإسلام الذي أنزله الله تعالى في كتابه، ونطق به قرآنه، وبلّغهُ رسوله (صلى الله عليه وآله)، وضحّى من أجله أهل البيت (عليهم السلام) وخاصة الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء يوم عاشوراء، هو الدين الكامل، والقانون الشامل، الذي باستطاعته في كل عصر وزمان أن يسعد الإنسان، والمجتمع البشري). لقد دفع الإمام الحسين وأئمة أهل البيت عليهم السلام ثمنا هائلا، وكانت نفسه الزكية هي القربان الذي قدمه الحسين عليه السلام لكي يستنقذ الناس من الجهل والتضليل الذي زرع في عقولهم ونفوسهم الحيرة، وهكذا أقدم الإمام الحسين على هذه الخطوة الجبارة في مقارعة الحاكم الجائر يزيد وزمرته الباغية، وقد أعلن على رؤوس الأشهاد أهدافه وسعيه لتحقيقها حتى لو كن الثمن نفسه وأهله واصحابه الأطهار. الإمام الحسين (ع) رمز الأحرار وبهذا فإن الحسين عليه السلام صار رمزا للحرية ولكل القيم التي تنتصر للإنسان كقيمة ومكانة لا يجوز هدرها أو الحطّ منها، فإذا ذُكر الحسين، أو عاشوراء أو كربلاء فإن كل قيم الخير تغدو حاضرة ومحفوظة وفاعلة فيما بين الناس حيث تُذكَر الحرية والاستشارية والإسلام والقرآن وتتحقق درجات عالية من الازدهار والارتقاء، وهذا هو المُنتَج الحقيقي للنهضة الحسينية، حيث تتحقق أهداف الإمام عليه السلام على مرّ الازمان. يقول الإمام الشيرازي: (إن الثمن كان غالياً جداً، والتدارك كان لله خالصاً محضاً، ولم يكن يشوبه هوى نفس، ولم تمتزج به مصلحة شخصية أبداً، وإنما كان لله تعالى وحده، حتّى ينقذ عباد الله من الجهالة ومن حيرة الضلالة، لهذا كلما يُذكر الإمام الحسين (عليه السلام)، أو عاشوراء، أو كربلاء، يذكر إلى جانبه، الإسلام، القرآن، الحرية، الاستشارية، المؤسسات الدستورية، التعددية الحزبية، الأخوّة الإسلامية، الحقوق الإنسانية الفردية والاجتماعية، العدالة العامة والضمان الاجتماعي، التقدم والازدهار، الرقي والحياة الرغيدة، السعادة والهناء). ولذلك غالبا ما يدور تساؤل بين محبي ومناصري الحسين عليه السلام، خصوصا بعد أن تنتهي مراسيم إحياء الطف وزيارة الأربعين، كيف يمكن أن تبقى هذه الأهداف حاضرة وفاعلة وما الذي يبقي عليها ذات تأثير قوي في نفوس وقلوب وسلوكيات الناس، ومن هو الذي يتصدى لمهمة نشرها في أصقاع الأرض كافة كونها تنتصر لقيم الإنسان وحريته وتضاعف من قيمته الإنسانية دائما وأبدا؟ ومن الواضح إن ما يبقي الأهداف الحسينية حاضرة وحيّة بيننا تعود لأمور عدة، أهمها وأبرزها أنها تنتصر لكل الناس، وترسم لهم الطرق الصحيحة التي عليهم أن يسلكوها في ترسيخ قيمهم والمحافظة على أنفسهم ومبادئهم ودينهم وعقائدهم، ولن يتحقق هذا من دون إقامة الشعائر الحسينية التي تُقام في شهري محرم وصفر، لاسيما في زيارة الأربعين التي تهدف إلى بث الحياة في أهداف النهضة الحسينية طالما كان البشر على قيد الحياة. لذا يؤكد الإمام الشيرازي على: (ان الذي يجسّد هذه القيم، ويحيي هذه المثل، ويبقيها طرية جديدة، وينشرها في ربوع الكرة الأرضية، وخاصة في مثل هذا الزمان الذي اتخذ المسلمون الإسلام مهجوراً، واكتفوا منه بالاسم دون العمل، هو: إقامة الشعائر الحسينية، ونشر ثقافة عاشوراء والنهضة الحسينية عبر جميع وسائل التوصيل الموجودة). وحتما أننا نعرف من هو المعني بنشر وتعميم قصة الإمام الحسين عليه السلام، ونشر الانعكاسات التي تنبثق من هذه القصة العظيمة في مواجهة الجهل والتضليل، والسعي المحموم لإظهار الإسلام بالمظهر المحرَّف، وهذا ما قام به يزيد حين كرس العقائد المشوهة، والبدع الضالة، وأغرى الأقلام المسمومة كي تسيء للإسلام. الفكر الحسيني يسعى لتنوير العقل ومن المعلوم أن الإمام الحسين ليس حكرا على المسلمين وحدهم، طالما كانت أهداف النهضة الحسينية تسعى لتنوير الإنسان في أي أرض كان، كونها قيم الحرية والعدالة والإنصاف، وردع الحكام المستبدين، وإنهاء ظلمهم وجورهم واستبدادهم، ولابد للمناصرين أن يطالعوا قصة الحسين بصدور واسعة وعقول نافذة حتى يمكنهم توصيلها إلى أكبر عدد من الناس في المعمورة كلها، وهذه في الحقيقة مهمة يعرف جميع المعنيين بها أنفسهم وأدوارهم في قضية نشر وتثبيت أهداف النهضة الحسينية. يقول الإمام الشيرازي: (هذا الهدف يتطلب من المسلمين جميعاً، وخاصة أصحاب الهيئات والمواكب، وأهل القلم والمنبر، وذوو الخطابة والبيان، أن ينظروا إلى قصة الإمام الحسين (عليه السلام) بنظرة أوسع، وان يتعاملوا معها برحابة صدر أكبر وان يعلموا بأن الإمام الحسين (عليه السلام) ليس حكراً على المسلمين، وإنما هو خلف جده الرسول (صلى الله عليه وآله) الذي بعثه الله تعالى إلى الناس كافة، وأرسله إلى العالم كله). ولهذا فإن العالم أجمع في عطش مستمر ودائم للأهداف والقيم الحسينية، لأنها السبيل إلى تخليص هذا العالم من أزماته ومشاكله، فكما يعرف الجميع إن عالم اليوم يئن من الأزمات الكبرى التي تعصف به، ومحاصر بالمشكلات التي تنخر فيه، والخلاص يكمن في التمسك في الثوابت الحسينية التي تتمخض عن إحياء الشعائر، وتضع الحلول في أيدي الذين يبحثون عن الحياة السامية التي تترفع عن الصغائر ويسودها العدل والإحسان. لذا من المهم جدا أن نعمل جميعا ونسعى جاهدين إلى توصيل أهدف النهضة الحسينية لجميع الناس، حتى يكون بمقدورهم فهمها واعتمادها في تحقيق حياة السعادة والاستقرار والارتقاء، وفي حال وصل صوت الحسين عليه السلام إلى الأمم الأخرى، فإنها حتما سوف تجد الطريق المستقيم الذي يوصلها إلى أهدافها فتسير فيه دونما توقّف. الإمام الشيرازي يقول عن هذه النقطة: (إن الناس جميعاً والعالم كله متعطش إلى أهداف الإمام الحسين (عليه السلام) وتعاليمه، ومتلهف إلى أخلاقه الإمام الحسين وسيرته، فلو استطعنا أن نوصل إلى الناس كافة، وإلى كله العالم صوت الإمام الحسين (عليه السلام) ونداءه، وأهدافه وتعاليمه، لاتبعه الناس في جميع أنحاء العالم). وأخير من الأهمية بمكان أن نعي الدور المنوط بنا فيما يخص نشر قيم النهضة الحسينية، لاسيما بعد أن يعيش العالم معنا أحداث زيارة الأربعين، فتًزهر هذه القيم وتنمو وتتصاعد وتيرتها، وما علينا سوى توصيلها إلى الآخرين بكل السبل الموجودة، وأي تقصير في هذا الجانب يشكل مثلبة كبيرة على كل من يقصر في أداء دوره وما يترتب عليه من مهام في مسألة نشر الفكر الحسيني وقيم النهضة الحسينية. (لذلك فكل تقصير منا في إيصال هذا الصوت، وإبلاغ هذا النداء، وكل انشغال منا بالتنازع فيما بيننا، والتشاجر على مصالحنا الشخصية، أو الأهواء النفسية، مما يبعدنا عن هذا الهدف الإنساني والشرعي، فهو ذنب لا يغفر، وعيب لا يستر). لذا بعد انتهاء زيارة الأربعين أصبحت الأمور واضحة أمام كل من يريد أن يناصر الإمام الحسين، ولا يتخلى عن الدرب الذي سار فيه، وهي مهمة ليست مستحيلة، فالمطلوب هو الدقة والتنظيم والسعي المدروس لإيصال الأهداف الحسينية بما تحمله من قيم ومآثر إلى جميع البشر، حتى يستفيدوا منها في تصحيح مثالب وهفوات وأزمات عالمنا المعاصر الذي يكاد يسود فيه الأشرار والمحرِّفون، فحري بكل إنسان حسيني أن يعرف ويفهم دوره ويؤديه انتصارا للقيم السليمة وسعيا لصناعة عالم يسوده الخير وقيم العدل والإنصاف وكل القيم الخيّرة.

«عوسجة داود وأرزة لبنان»: نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى!!
«عوسجة داود وأرزة لبنان»: نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى!!

الجمهورية

timeمنذ 3 ساعات

  • الجمهورية

«عوسجة داود وأرزة لبنان»: نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى!!

ما أشبه اليوم بالبارحة إذا تمت المقارنة. إنّ ما يفعله نتنياهو اليوم هو تكملة لحلم الماهدين، وإرواء لعطش سلطوي لديه، ليتوّج على رأس «دولته» الكبرى، فيصبح «إمبراطور» الشرق الأوسط بلا منازع، يوزع الأدوار والمناصب والمكاسب. وينطلق نتنياهو من «سفر التكوين 15-18»، وفي ذلك اليوم قطع الرب مع إبراهيم ميثاقاً قائلاً: «لنَسلكَ أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير، نهر الفرات»، ليتوغّل في حربه ويتوسع ليخترق الحدود السورية عبر جنوبها في طريقه إلى «الفرات». وفي اندفاعته نحو الهدف يكون قد «أخذ لبنان في دربه». وإذا أمعنا النظر في كلام نتنياهو ألاخير، نستنتج أنّ سلاح «حزب الله» والمطالبة بنزعه، وتدمير البقاع والجنوب، وتهجير الشيعة ليست الهدف الرئيس، بل عناوين فرعية للخطة الكبرى الرامية إلى تكريس دولة إسرائيل من الفرات إلى النيل. ومن الطبيعي أن يكون شرق الضفة، أي المملكة الأردنية في عين العاصفة، لأنّها ستكون أحدى وجهات «الترانسفير»، وكذلك مصر التي يُراد لها أن تستوعب فلسطينيي غزة، من دون إغفال خيار نقل عرب الداخل الإسرائيلي إلى الجولان السوري أو ترحيلهم إلى لبنان. وبالتالي، فإنّ ذلك يعني بالنسبة إلى وطن الارز طي ملف التوطين نهائياً، والقبول بخرق واحدة من لاءات الدستور اللبناني: «لا للتوطين». وإنّ الفكر التلمودي المتمكن من سلوك نتنياهو لا يقيم وزناً للبنان، ولا يعترف به كياناً متمايزاً عن حدود أرض الميعاد، وذلك إنطلاقاً من سفر القضاة 9: 15 «إن كنتم بالحق تمسحونني عليكم ملكاً، فتعالوا واحتموا تحت ظلي .وإلّا فتخرج ناراً من العوسج وتأكل أرز لبنان». هذا هو شعور إسرائيل تجاه لبنان منذ تكوينه التاريخي. وهو ما أعادني بالذاكرة إلى الوزير الراحل ميشال إده في كتاباته وإطلالاته المتلفزة والمذاعة، التي تحدث فيها عن مخاطر الصهيونية وآثارها السلبية على صورة التنوع ضمن الوحدة، والوحدة ضمن التنوع في منطقة الشرق العربي، محذراً من محاولاتها الإيقاع بين المكونات الدينية والطائفية والعرقية فيها، والعبث بنظام التعايش الذي كان يسودها، وذلك بدعم أو على الأقل بإغضاء من الإدارات الأميركية المتعاقبة بمحافظيها الجدد الجمهوريين وبديموقراطييها الذين كانوا وراء صعود موجة التطرّف الإسلامي باعتراف هيلاري كلينتون. ويرفد آباء الحركة المسيحية -المتصهينة أدبيات نتنياهو النافية للآخر المختلف، وهي تنطلق من مفاهيم عنصرية طالما كانت كامنة في رأسه وقلبه، في انتظار الوقت المناسب للجهر بها، وهو يعتقد انّ الوقت قد حان. وفي معرض ذكر إده- رحمه الله- لا بدّ من التوقف عند محاضرات الأب بولس عبود الغسطاوي (نسبة إلى بلدة غوسطا - كسروان)، الذي كانت له سلسلة محاضرات ألقاها في يافا، نبّه فيها الفلسطينيين والعرب مسلمين ومسيحيين، إلى شرّ ما تبيته لهم الحركة الصهيونية. داعياً إياهم إلى الحذر ووحدة الصف لإحباط هذا المخطط. كان ذلك في العام 1921، لكنه كان كمن يغني في طاحون، وأُبعد إلى لبنان بعد ضغوط على رؤسائه الروحيين من جانب الانتدابين البريطاني والفرنسي، لأنّه كان مصدر إزعاج للصهاينة الذين كانوا يحضّرون الأرض للتحوّل الكبير في بنية المنطقة غداة الحرب العالمية الأولى. ولم تتمكن النخب المؤيدة لطروحات الأب عبود من تشكيل «لوبي» موازٍ لإحباط هذا المخطط. كما لا يسعني في هذا المجال إلّا أن أذكر النائب الراحل والقانوني والصحافي يوسف الخازن، عضو اللجنة الأولى المكلّفة صوغ دستور البلاد بعد إعلان «دولة لبنان الكبير» عام 1920، الذي وضع دراسات وابحاثاً، وألقى محاضرات أظهر فيها خطر الصهيونية وتداعيات إنشاء الكيان الإسرائيلي. ولا أنسى كتابات نجيب العازوري الذي نبّه في نهاية القرن التاسع عشر إلى خطة صهيونية لإقامة دولة يهودية على أرض فلسطين. واللافت أنّ إده، عبود، الخازن والعازوري هم موارنة «أقحاح». إنّ ما أعلنه نتنياهو عن قيام «دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات»، يبعث على القلق بعد حرب غزة، والحرب في لبنان، حيث احتل وقتل ودمّر، وتوغّل عميقاً في الأراضي السورية، وخصوصاً في منطقة الجولان ومرتفعاتها، ومواقع في جبل الشيخ، وأخرى في جنوب البلاد، خصوصاً انّه يتحدث بنشوة المنتصر الذي يتهيأ لمغامرات أوسع. لبنان لا يزال في عين الإعصار، فمنذ القرون الغابرة وعوسجة داوود تتربص بأرزة لبنان.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store