
ترامب يخرج الصين من الشرق الأوسط
«أساس ميديا»
ما هي الرسالة التي أراد الرئيس الأميركي دونالد ترامب توجيهها إلى الصين من خلال زيارته منطقة الخليج؟ وكيف يحاول إعادة ترسيخ الولايات المتّحدة قوّةً خارجيّةً أولى على مستوى العالم؟
وفقاً للباحثة في 'معهد هدسون' الأميركي زينب ربوع، تعتبر بكين منطقة الخليج مسرحاً أساسيّاً في استراتيجيّتها لإزاحة النفوذ الأميركي وإعادة تشكيل ديناميكيّات القوّة العالمية. فهذه المنطقة توفّر لبكّين خيارات مختلفة لتحدّي الهيمنة الأميركية من خلال خمسة عوامل:
-1 يمكن للخليج أن يزوّد الصينَ الطاقةَ التي تحتاج إليها لدعم اقتصادها الصناعي. توفّر المنطقة ما يقرب من نصف واردات الصين من النفط الخام، وترى بكين أنّ أمن الطاقة على المدى الطويل ضروريّ لاستقرار النظام.
2- الشرق الأوسط ممرّ جيوسياسي يربط شرق آسيا بأوروبا وإفريقيا. أعطت مبادرة الحزام والطريق الصينية الأولويّة للموانئ والممرّات اللوجستية ونقاط الوصول التجارية في جميع أنحاء الخليج. وهو ما يمنح بكين نفوذاً على طرق التجارة البحريّة والبرّية الرئيسيّة. ويُتوقّع أن يسهم طريق الحرير الرقمي، وهو الركيزة التكنولوجيّة لمبادرة الحزام والطريق، بما يصل إلى 255 مليار دولار في الناتج المحلّي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي وأن يولّد 600 ألف وظيفة في قطاع التكنولوجيا بحلول عام 2030.
تقويض الضّوابط
3- توفّر المنطقة للصين رأس المال والفرص لتصدير تقنيّاتها. يمكن لصناديق الثروة السيادية في السعودية والإمارات أن تكون مصادر استثمار راسخة ومستقرّة سياسياً للشركات الصينية، جاعلةً دول الخليج شركاء مثاليّين لبكين في سعيها إلى عولمة سياستها الصناعية وتوسيع نطاق منصّاتها التكنولوجيّة. وإذ تسعى دول الخليج إلى تحقيق تحوُّل رقمي سريع، يمكن أن يمنح هذا الشركات الصينية فرصاً أكبر للحصول على التمويل وفرصة لتشكيل أنظمة بيئية تكنولوجيّة ناشئة من الصفر.
4- تساعد المنطقة الصين على تقويض ضوابط التصدير وأنظمة العقوبات الأميركية. يمكن للمنطقة، وخاصّة الجهات الخاضعة للعقوبات مثل إيران، والصين العمل معاً للالتفاف على القيود الغربية. فمن خلال الاستفادة من الشبكات الإقليمية والقنوات المالية الغامضة، تُسهّل الشركات الصينية نقل التقنيّات الحسّاسة ورؤوس الأموال، مقوّضةً فعّاليّة العقوبات الأميركية وكاشفةً حدود القوّة الاقتصادية لواشنطن.
طوّرت الصين طريقة لاستيراد النفط الإيراني مع تجنّب الشبكات المالية وخدمات الشحن الغربية. باستخدام ناقلات النفط 'الأسطول المظلم'، تشحن إيران النفط إلى الصين وتتلقّى المدفوعات من خلال بنوك صينية أصغر. ومع تراجع المصافي الكبرى المملوكة للدولة بسبب مخاطر العقوبات، يتمّ الآن التعامل مع حوالي 90 في المئة من صادرات النفط الإيرانية بواسطة 'أباريق الشاي'، وهي مصافٍ صينيّة صغيرة ومستقلّة.
5- يُتيح الشرق الأوسط للصين مساحة عمليّاتيّة لإضعاف التحالفات التي تقودها الولايات المتّحدة وتشويه سمعة النفوذ الأميركي. تُقدّم بكين نفسها بديلاً استراتيجيّاً غير مُقيّد بالظروف السياسية لواشنطن. وتُروّج لروايات مُناهضة للولايات المتّحدة تُصوِّر السياسة الأميركية مُزعزعةً للاستقرار ومُهتمّةً بمصالحها الذاتية.
يتردّد صدى هذه الرسالة في مختلف أنحاء الجنوب العالمي، وتؤدّي إلى تآكل سلطة الولايات المتّحدة في مناطق رئيسية، وتشير الى تزايد عواقب حملة النفوذ الصينية بشكل واضح في العلاقات الدفاعية الأميركية في جميع أنحاء المنطقة، مثال انهيار صفقة بيع واشنطن طائرات إف-35 المقاتلة للإمارات العربية المتّحدة البالغة قيمتها 23 مليار دولار، وهو ما أضعف إحدى أكثر شراكات الدفاع الأميركية تقدّماً في المنطقة.
التّصدّي لنفوذ الصّين
تستغلّ الصين، وفق الباحثة، انخراطها في الشرق الأوسط كحصان طروادة لترسيخ نفوذها من خلال ثلاث آليّات رئيسية:
1- تدمج منصّات التكنولوجيا الصينية أنظمة المراقبة والحوكمة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي مباشرةً في مؤسّسات الدولة، وهو ما يُطبِّع اعتماد تلك الدول على الصين في البنية التحتية والمعايير.
2- تجعل اتّفاقات التعاون الصينَ من وظائف الدولة الأساسية، مثل الاتّصالات، وهو ما يُصعّب على واشنطن التنافس على الوصول والنفوذ.
3- تهدف صفقات بكين إلى ترسيخ علاقات طويلة الأمد في مجال الطاقة، مع توسيع نطاق معاملات 'البترويوان'، بما يُضعف مكانة الدولار الأميركي بصفته معياراً عالمياً. يُرسّخ هذا النموذج مكانة بكين كشريك لا غنى عنه في كلّ شيء، من البيانات إلى التمويل إلى الأمن.
تعتقد الباحثة أنّ الولايات المتّحدة لم تعد تنظر إلى الشرق الأوسط كمسألة هامشيّة، بل كساحة حيويّة للمنافسة الاستراتيجية مع الصين. ويؤكّد هذه الرسالة تعهُّد السعودية باستثمارات مرتبطة بالولايات المتّحدة بقيمة 600 مليار دولار، بما في ذلك أكثر من 100 مليار دولار في صفقات شراء أسلحة. في الوقت نفسه، تُعِدّ واشنطن صفقةً تهدف إلى إقصاء الصين عن البنية التحتية الخليجية المستقبلية في مجالات الذكاء الاصطناعي والمراقبة والحوسبة السحابيّة.
في رأيها، تُعدّ هذه الاتّفاقات جزءاً من استراتيجية الإدارة الأميركية للتصدّي لنفوذ الصين المتزايد من خلال جعل السيادة الرقمية محوراً أساسيّاً للشراكات الأمنيّة الأميركية. ويتجلّى هذا التحُّول في قرار ترامب رفع العقوبات عن دمشق في محاولة لإعادة دخول ساحة استراتيجيّة تنازلت عنها إدارة أوباما للصين وروسيا وإيران، ولمنع بكين من احتكار منطقة محورية استراتيجيّاً في الشرق الأوسط. وتخلص إلى القول إنّه 'في منطقة تتّسم بالولاءات المتغيّرة وعدم اليقين الاستراتيجي، تؤكّد واشنطن التزامها المتجدّد تشكيل توازن القوى، لا الردّ عليه'.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


النهار
منذ 23 دقائق
- النهار
إدارة ترامب تنشر 700 عنصر من المارينز في لوس أنجليس... حاكم كاليفورنيا: خيال مضطرب لرئيس ديكتاتوي
أعلن الجيش الأميركي الإثنين أنّه سينشر 700 عنصر من سلاح مشاة البحرية (المارينز) في لوس أنجليس للتصدّي للاحتجاجات الجارية في هذه المدينة الكبرى بولاية كاليفورنيا. وقالت القيادة العسكرية لأميركا الشمالية في بيان إنّها عبّأت نحو "700 عنصر من مشاة البحرية" لكي يؤازروا وحدات الحرس الوطني التي انتشرت في المدينة بأمر من الرئيس دونالد ترامب للتصدّي للاحتجاجات العارمة على إجراءاته لمكافحة الهجرة غير الشرعية. وكان مسؤول كبير في إدارة ترامب قال لوكالة "فرانس برس" إنّ 500 عنصر من المارينز في الخدمة الفعلية سينتشرون في لوس أنجليس قبل أن يعود ويصحّح هذا الرقم إلى 700. وقال المسؤول طالبا عدم نشر اسمه إنّه "في ضوء تزايد التهديدات ضدّ مسؤولين فدراليين ومبان فدرالية، فإنّ 700 عنصر من مشاة البحرية العاملين في كامب بندلتون"، القاعدة العسكرية الواقعة على بُعد ساعتين جنوب المدينة، "سيتمّ نشرهم في لوس أنجليس للمساعدة في حماية المسؤولين الفدراليين والمباني الفدرالية". وفي بيانها قالت القيادة العسكرية لأميركا الشمالية إنّ العملية الجارية في لوس أنجليس، والتي أُطلق عليها اسم "تاسك فورس 51" تضمّ "ما يقرب من 2100 من عناصر الحرس الوطني" و"700 من المارينز في الخدمة الفعلية". وأكّد البيان أنّ هؤلاء جميعا "تلقّوا تدريبا على تهدئة الأوضاع، وإدارة الحشود، وقواعد استخدام القوة". ويُعتبر نشر عسكريين في الخدمة الفعلية على الأراضي الأميركية قرارا استثنائيا، وقد أثار قلق المدافعين عن الحقوق المدنية. أعلنت وزارة الدفاع الأميركية الإثنين أنّ ترامب أمر بإرسال ألفي عنصر إضافي من الحرس الوطني إلى لوس أنجليس للتصدّي للاحتجاجات الجارية في المدينة ضدّ إجراءاته لمكافحة الهجرة غير الشرعية. وقال شون بارنيل المتحدّث باسم البنتاغون في منشور على منصة "إكس" إنّه "بناء على أمر الرئيس، وزارة الدفاع بصدد تعبئة ألفي جندي إضافي من الحرس الوطني في كاليفورنيا ليتمّ وضعهم في خدمة الدولة الفدرالية لدعم إدارة الهجرة والجمارك وتمكين عناصر إنفاذ القانون الفدراليين من أداء واجباتهم بأمان". وأكد الرئيس الأميركي أنه سيدعم اعتقال حاكم ولاية كاليفورنيا غافين نيوسوم لاحتمال عرقلته إجراءات إدارته لإنفاذ قوانين الهجرة. ندّد حاكم ولاية كاليفورنيا الديموقراطي غافين نيوسوم بشدّة بقرار إدارة ترامب، معتبرا أنّ هذه الخطوة تحقّق "الخيال المضطرب لرئيس ديكتاتوي". وكتب نيوسوم في منشور على منصة "إكس" إنّ "مشاة البحرية الأميركية خدموا بشرف عبر حروب متعدّدة دفاعا عن الديموقراطية. لا ينبغي نشرهم على الأراضي الأميركية لمواجهة مواطنيهم لتحقيق خيال مضطرب لرئيس ديكتاتوري. هذا سلوك مناهض لأميركا". وقال لـ"نيويورك تايمز": "نشر مشاة البحرية محاولة من ترامب لزرع مزيد من الخوف والغضب والانقسام". ووصفت وزارة الأمن الداخلي الأميركية المظاهرات في لوس أنجليس بأنها أعمال شغب عنيفة، مضيفة "ستتم استعادة النظام في لوس أنجليس... يجب على السياسيين في كاليفورنيا إيقاف حشود الشغب التابعة لهم في لوس أنجليس".


النهار
منذ 23 دقائق
- النهار
قرارات ترامب تنطلق من مصالح أميركا أولاً
يركّز ترامب على بلاده وليس على مصالح حلفائها والموضوعات التي تقلقهم. فهذه ثانوية بالنسبة إليه. والكلام على "حماس" أو الإيرانيين أو قبول وقف نار مع الحوثيين أو إنجاز صفقة أسلحة مع السعودية قيمتها 142 مليار دولار، ذلك كله خدم المصالح الأميركية لا الإسرائيلية ولا مصالح دول أخرى في المنطقة مثل بريطانيا وغيرها.


شبكة النبأ
منذ 2 ساعات
- شبكة النبأ
أوكرانيا عند نقطة تحول استراتيجية
دولة صغيرة لكنها عاقدة العزم ومُـبدِعة قادرة على توظيف تكنولوجيا رخيصة، وقابلة للتطوير، ولا مركزية لتحدي عدو أكبر كثيرا ومتفوق تقليديا حتى أنها حطت من قدرة قوة نووية عظمى على توجيه الضربة الثانية. وسوف تتردد أصداء الدروس المستفادة على الصعيد العالمي. قد يتحدى الانقلاب الأوكراني في ساحة المعركة الافتراض الاستراتيجي... نيويورك ــ في الأول من يونيو/حزيران، نَـفَّـذَت أوكرانيا واحدة من العمليات غير المتكافئة الأكثر استثنائية في التاريخ العسكري الحديث. باستخدام طائرات محلية الصنع مُـسَـيَّـرة آليا وموجهة بالرؤية الشخصية (FPV)، شنّ الأوكرانيون هجوما منسقا من عمق الأراضي الروسية ضد قواعد جوية عسكرية متعددة ــ بعضها في أماكن بعيدة مثل شرق سيبيريا، والحدود مع منغوليا، والقطب الشمالي. أسفرت "عملية شبكة العنكبوت" عن تدمير أو إلحاق أضرارا بليغة بما يصل إلى 20 طائرة استراتيجية، بما في ذلك قاذفات قنابل قادرة على حمل أسلحة نووية وطائرات إنذار مبكر. (تدّعي أوكرانيا أن الحصيلة الحقيقية قد تصل إلى 41 طائرة). ثم بعد يومين فقط، شَـنّ جهاز الأمن الأوكراني ضربة أخرى ــ هذه المرة بتفجير متفجرات تحت الماء وإلحاق الضرر بجسر كيرتش، شريان السكك الحديدية والطرق الحيوي الذي يربط روسيا بشبه جزيرة القرم المحتلة. كانت الرسالة من كييف شديدة الوضوح: قد نكون أصغر وأضعف بأشواط (على الورق على الأقل)، لكننا قادرون على الضرب بقوة، وبوسعنا أن نفعل هذا من أي مكان داخل روسيا. باستخدام طائرات مُـسَـيَّرة آليا مُـنتَـجة محليا بأقل من تكلفة جهاز iPhone، دمرت القوات المسلحة الأوكرانية قاذفات قنابل استراتيجية تصل قيمة الواحدة منها إلى 100 مليون دولار ــ ويكاد يكون من المستحيل استبدال كثير منها بسبب العقوبات والقاعدة الصناعية الروسية المتدهورة. وبعائد 300 ألف إلى واحد على الاستثمار، كان هذا النوع من العمليات غير المتكافئة الكفيلة بقلب قواعد الحرب الحديثة رأسا على عقب. لا يقل أهمية عن الأضرار المادية ما كشفت عنه هذه الهجمات: ألا وهو أن دولة صغيرة لكنها عاقدة العزم ومُـبدِعة قادرة على توظيف تكنولوجيا رخيصة، وقابلة للتطوير، ولا مركزية لتحدي عدو أكبر كثيرا ومتفوق تقليديا ــ حتى أنها حطت من قدرة قوة نووية عظمى على توجيه الضربة الثانية. وسوف تتردد أصداء الدروس المستفادة على الصعيد العالمي، من تايبيه إلى إسلام أباد. في الأمد الأقرب، قد يتحدى الانقلاب الأوكراني في ساحة المعركة الافتراض الاستراتيجي الأساسي الذي وجّـه فِـكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتن لأكثر من ثلاث سنوات. فمنذ أن بدأ غزوه الشامل، كان بوتن يراهن على الصمود أكثر من أوكرانيا ــ طحن دفاعاتها، واستنزاف الدعم الغربي، وانتظار تحول الرياح السياسية في واشنطن وأوروبا. وكان رفضه التفاوض بجدية مستندا إلى هذا الافتراض. لكن نجاح عمليات الطائرات الـمُـسَـيَّرة آليا وعمليات التخريب يتحدى نظريته عن النصر. فهو يُـثـبِت أن أوكرانيا لا تحافظ على وضعها ببساطة أو تصمد في حرب استنزاف؛ بل إنها قادرة على تحويل ساحة المعركة وزيادة التكاليف التي تتكبدها روسيا بطرق لم يتوقعها الكرملين. هذا التحول مهم، خاصة في السياق الدبلوماسي. لم يكن توقيت حملة الطائرات الـمُـسَـيَّرة آليا ــ قبل 24 ساعة فقط من جولة محادثات بين المسؤولين الروس والأوكرانيين في إسطنبول ــ من قبيل المصادفة. كانت تصرفات أوكرانيا مصممة بحيث تشير إلى أنها لا تتفاوض من موقف ضعف ولن تُـجـبَـر على قبول صفقة رديئة. ورغم أن المفاوضات في إسطنبول كانت غير مثمرة كما كان متوقعا ــ استمرت فقط لما يزيد على الساعة قليلا وعكست عدم إمكانية التوفيق بين مواقف الجانبين ــ فإن حضور الروس بعد خروجهم مباشرة من مثل هذا الإحراج الشديد يشير إلى أن الكرملين ربما بدأ يدرك أن استمرار الحرب ينطوي على مخاطر تهدد روسيا. من المؤكد أن التوصل إلى تسوية سلمية دائمة يظل أملا بعيد المنال كما كان دائما. إذ تواصل أوكرانيا الضغط من أجل وقف إطلاق نار غير مشروط، وهو ما ترفضه روسيا رفضا قاطعا. في إسطنبول، اقترح المفاوضون الروس بديلين غير مقبولين بذات القدر: إما أن تنسحب أوكرانيا من الأراضي التي تطالب بها روسيا أو تقبل بالحد من قدرتها على إعادة التسلح، بما في ذلك وقف المساعدات العسكرية الغربية. لكن استعراض القوة من جانب أوكرانيا يعطي روسيا سببا للبقاء على انخراطها ويجعل التوصل إلى اتفاقات أكثر محدودية احتمالا معقولا على الأقل. بالاستعانة بالنوع الصحيح من الضغط من جانب الولايات المتحدة، وبالتنسيق مع الحلفاء الأوروبيين، أصبح الأوكرانيون الآن إزاء فرصة أفضل لتأمين وقف إطلاق النار لمدة 30 يوما، أو فتح ممر إنساني، أو تبادل الأسرى؛ ومن المحتمل أن تتحول مثل هذه الصفقة في مرحلتها الأولى إلى شيء أكبر وأكثر ديمومة. من ناحية أخرى، تعمل الانتصارات الأخيرة التي حققتها أوكرانيا في ساحة المعركة أيضا على تعظيم احتمال حدوث تصعيد خطير. فقد تآكل موقف روسيا الرادع. أما خطوط بوتن الحمراء ــ بشأن توسع منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، واستخدام الأسلحة الغربية، والهجمات داخل الأراضي الروسية ــ فقد جرى تجاوزها مرارا وتكرارا دون عواقب وخيمة. وبإظهار الزعيم الروسي بمظهر الضعيف، يزيد هذا من خطر شعوره بالاضطرار إلى الرد بقوة، لاستعادة مصداقيته في الداخل والخارج. سوف يكون رد روسيا الفوري على الهجمات الأخيرة مزيدا من ذات الشيء: القصف الأشد عشوائية للمدن والبنية الأساسية الأوكرانية. لكن الاحتمال الأكثر إثارة للقلق هو أن بوتن الـمُـحاصَر الـمُـهان قد يفكر في توجيه ضربة نووية تكتيكية. لا تزال عتبة مثل هذه الخطوة المتطرفة عالية، خاصة وأن الصين، شريكة روسيا الأكثر أهمية على مستوى العالم، تعارض بشدة استخدام السلاح النووي. ولكن حتى لو ظل هذا السيناريو مستبعدا، فإنه أصبح أكثر احتمالا مما كان عليه قبل الأول من يونيو/حزيران. علاوة على ذلك، اكتسب بوتن مزيدا من الجرأة بسبب اعتقاده بأن الغرب ــ وخاصة أميركا في عهد دونالد ترمب ــ يخشى المواجهة العسكرية المباشرة أكثر من أي شيء آخر. وإذا استنتج الغرب أن موقف روسيا في الحرب أصبح ضعيفا إلى الحد الذي يتعذر معه الدفاع عنه، أو أن قوة الردع التقليدية التي تتمتع بها تتداعى، فقد تتغير حساباته. لقد ذكّرت أوكرانيا للتو الكرملين ــ والعالم ــ بأنها قادرة على تشكيل الأحداث، وليس فقط الرد عليها. هذا لا يضعها على طريق النصر، ولن يضع نهاية للحرب. ولكن بإظهار قدرتها على التأثير على الأحداث بقوة، وأن روسيا قد تخسر أكثر مما كان بوتن يتصور، نجحت أوكرانيا في تغيير المعادلة الاستراتيجية وفتحت نافذة ضيقة للدبلوماسية ــ حتى وإن ظلت المرحلة النهائية بعيدة المنال كما كانت دائما. البديل سيكون صراعا أشد عمقا وأكثر تعذرا على التنبؤ والذي سيزداد خطورة كلما طال أمده.