logo
هل هناك مخرج من هذا النفق؟ أم أن 'الكونغو' محكومة بأن تظل ساحة حرب دائمة، يتغير فيها اللاعبون، لكن القواعد تظل كما هي؟

هل هناك مخرج من هذا النفق؟ أم أن 'الكونغو' محكومة بأن تظل ساحة حرب دائمة، يتغير فيها اللاعبون، لكن القواعد تظل كما هي؟

النهار٢٧-٠٣-٢٠٢٥

مرة أخرى، تبرز جمهورية الكونغو الديموقراطية إلى الواجهة، وها هي وسائل الإعلام الدولية تسلط الضوء على فصل جديد من الحرب الدائمة في هذا البلد، إذ يبدو للوهلة الأولى أن شيئاً قد تغيّر منذ عقود. لكن الحقيقة الأكيدة تبقى ألّا شيء يتغير سوى أسماء الفصائل المتحاربة، بينما تظل البلاد محكومة بالفوضى، محاصرة بالطمع، وعاجزة عن إصلاح ذاتها.
منذ الاستقلال إلى اليوم، تتكرر المآسي بالإيقاع نفسه، كأن التاريخ يعيد نفسه دون أن يتوقف أحد ليسأل: هل هناك مخرج من هذا النفق؟ أم أن 'الكونغو' محكومة بأن تظل ساحة حرب دائمة، يتغير فيها اللاعبون، لكن القواعد تظل كما هي؟
كل شيء في الكونغو يبدو كأنه خارج عن السيطرة: السياسة، الاقتصاد، الأمن، وحتى مصائر الأفراد. فالدولة التي يُفترض أن تحكم هذا البلد الشاسع لا تملك من السيادة سوى اسمها، بينما تتحكم الميليشيات المسلحة في شرق البلاد، وتفرض دول الجوار سياساتها، وتتدخل الشركات الكبرى بشكل غير مباشر لضمان استمرار تدفق المعادن الاستراتيجية إلى مصانعها.
فهل يمكن لدولة أن تُصلح نفسها إذا كان كل شيء فيها قد جرى ترتيبه ليظل معطوباً؟
منذ استقلالها عن بلجيكا عام 1960، عاشت البلاد على حافة الانفجار. فبعد اغتيال باتريس لومومبا، نزلت عليها لعنة الانقسامات، وبدا واضحاً ألّا أمل في استقرارها. حكم الماريشال موبوتو سيسي سيكو لعقود طويلة، لكنه لم يؤسس دولة بقدر ما أسّس ديكتاتورية قائمة على شراء الولاءات وإدارة البلاد كملكية خاصة، دون أي محاولة حقيقية لإرساء نظام مستدام. وعندما سقط موبوتو عام 1997، لم يكن سقوطه انتصاراً للديموقراطية أو بداية فجر جديد، بل مجرد انتقال للسلطة من طاغية إلى مجموعة من أمراء الحرب الذين دخلوا في صراع مرير على ثروات البلاد، فيما دفع المواطن العادي الثمن من دمه وحياته ومستقبله.
ليس من المبالغة القول اليوم إن الكونغو لم تعد دولة بالمعنى الحقيقي، بل مجرد مساحة جغرافية تتنازع عليها الميليشيات المسلحة، ودول الجوار، والشركات العالمية. في شرق البلاد، تدور معارك لا نهاية لها بين الفصائل المتناحرة التي تتلقى الدعم من رواندا، وأوغندا، وبوروندي، وكل طرف يزعم أنه يدافع عن قضية ما، لكنه في الحقيقة يقاتل من أجل السيطرة على المناجم والمعابر الحدودية.
تبقى حركة 'M23' المدعومة من رواندا مجرد نسخة جديدة من هذا السيناريو المتكرر، حيث يتمرد فصيل مسلح، ثم يدخل في مفاوضات، ثم يحصل على تنازلات، قبل أن يعود للقتال من جديد.
إن المأساة الأكبر تكمن في أن الصراع ليس سياسياً أو عسكرياً وحسب، بل اقتصادي في جوهره. فالكونغو تمتلك موارد طبيعية لا تُقدر بثمن، من الذهب والكوبالت والنحاس والكولتان، التي تحتاجها الصناعات الحديثة في الغرب والصين. لكن بدلاً من أن تكون هذه الثروات نعمة على السكان، تحولت إلى لعنة تدمر حياتهم وتقلبها رأساً على عقب.
للأسف، لا توجد في الكونغو صناعة وطنية قادرة على الاستفادة من هذه الموارد، ولا حكومة قادرة على حمايتها، بل إن معظم هذه الثروات تُنهب بطريقة غير مباشرة عبر الميليشيات التي تعمل لصالح جهات خارجية، فتُهرّب المعادن من البلد لتصل إلى الأسواق الدولية بسلاسة مدهشة، وكأن الحرب لم تكن موجودة أصلاً. والأغرب أنه حتى عندما تُبذل محاولات لإرساء السلام، فإنها تبدو مجرد تمارين شكلية بلا جدوى.
يتحدث المجتمع الدولي كثيراً عن ضرورة استقرار الكونغو، لكنه لا يريد الخوض في جوهر المشكلة؛ إذ كيف يمكن إرساء الاستقرار في بلد لا تتحكم حكومته في أكثر من نصف أراضيه؟ وكيف يمكن الحديث عن إصلاح سياسي عندما تكون السلطة الحقيقية في أيدي أمراء الحرب والميليشيات؟
كل هذه الفوضى جعلت من الكونغو بلداً لا أمل في إصلاحه، على الأقل في المستقبل القريب. فالدولة ضعيفة وعاجزة عن فرض سيطرتها، والجيش منهك وغير قادر على مواجهة التهديدات، فيما تستفيد دول الجوار من استمرار الفوضى فيه أكثر مما ستستفيد من استقراره، ويتحدث المجتمع الدولي عن الحلول دون أن يرغب في المخاطرة بمصالحه الاقتصادية. والنتيجة: دوامة لا تنتهي من العنف، يعاني فيها الفقراء، ويستفيد منها تجار الحروب.
هل يمكن أن يتغير واقع الكونغو؟
ربما نظرياً، لكن عملياً، كل العوامل تدفع باتجاه استمرار الوضع الحالي. فما دامت هناك ميليشيات مستعدة للقتال، ودول مستعدة لتمويلها، وسوق عالمية مستعدة لشراء المعادن المنهوبة، فإن إسكات البنادق في الكونغو يبقى بعيد المنال.
ولئن كانت هناك أزمات تُحل، وهناك دول تنهض من كبواتها، فإن الكونغو ليست من بينها للأسف، لأنها ببساطة محاصرة بأطماع لا حدود لها، ومنهكة بصراعات لم يعد فيها غالب أو مغلوب، بل خاسر واحد هو الشعب الكونغولي.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

وزير الخارجية القطري يقول إنه 'محبط' من وتيرة محادثات غزة
وزير الخارجية القطري يقول إنه 'محبط' من وتيرة محادثات غزة

المنار

time٢٠-٠٤-٢٠٢٥

  • المنار

وزير الخارجية القطري يقول إنه 'محبط' من وتيرة محادثات غزة

أعرب كبير المفاوضين القطريين عن إحباطه حيال محادثات الهدنة في غزة، في مقابلة مع وكالة فرانس برس، وذلك بعد أكثر من شهر على استئناف الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على القطاع، واختتام جولة جديدة من المفاوضات دون التوصل إلى اتفاق. وقال وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية، محمد الخليفي، الجمعة: 'نشعر بالإحباط بالتأكيد من البطء أحيانًا في عملية التفاوض. هذه مسألة ملحّة، فهناك أرواح على المحك إذا استمرت هذه العملية العسكرية يومًا بعد يوم'. وتوسطت قطر، إلى جانب الولايات المتحدة ومصر، في هدنة في قطاع غزة دخلت حيز التنفيذ في 19 كانون الثاني/يناير، وأوقفت إلى حد كبير أكثر من 15 شهرًا من العدوان الذي بدأ في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. واستمرّت المرحلة الأولى من الاتفاق شهرين حتى أوائل آذار/مارس، وتضمّنت عمليات تبادل عدة لرهائن إسرائيليين محتجزين في غزة ومعتقلين فلسطينيين في السجون الإسرائيلية، قبل أن ينهار الاتفاق بسبب خلافات بشأن مفاوضات المرحلة الثانية. وسعت تل أبيب إلى تمديد المرحلة الأولى، في حين طالبت حركة حماس بالانتقال إلى مفاوضات المرحلة الثانية، التي يُفترض أن تؤدي إلى وقف دائم لإطلاق النار وانسحاب الجيش من القطاع. واستأنف الاحتلال الإسرائيلي هجماته الجوية والبرية على قطاع غزة في 18 آذار/مارس، بعد أن أوقف دخول المساعدات الإنسانية في وقت سابق. وقال الخليفي: 'عملنا باستمرار في الأيام الأخيرة لمحاولة جمع الطرفين وإحياء الاتفاق الذي أقره الجانبان'، مضيفًا: 'وسنظل ملتزمين بهذا، رغم الصعوبات'. وخلال عملية الوساطة الطويلة، تعرضت قطر لانتقادات مباشرة من الحكومة الإسرائيلية ورئيسها بنيامين نتنياهو. كما يُشتبه في أن اثنين على الأقل من مساعدي نتنياهو تلقيا أموالًا من الحكومة القطرية لتعزيز مصالح الدوحة في الكيان، ما دفع تل أبيب إلى فتح تحقيق جنائي. ونفت قطر هذه الانتقادات ووصفتها بأنها 'حملة تشهير'. وفي وقت سابق من آذار/مارس، أظهر تحقيق أجراه جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) أن الأموال التي قدّمتها الدولة الخليجية إلى غزة ساهمت في تعزيز القوة العسكرية لحماس قبل هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر. ونفت قطر هذا الاتهام ووصفته بأنه 'كاذب'. وقال الخليفي: 'نتعرض لهذا النوع من الانتقادات والتعليقات السلبية منذ بداية مشاركتنا في المفاوضات'. وأضاف أن 'الانتقادات التي لا أساس لها، مثل تلك التي نسمعها باستمرار من نتنياهو نفسه، غالبًا ما تكون مجرد جعجعة'. ورفض الخليفي تصريحات نتنياهو الأخيرة لقناة 'داي ستار' الإنجيلية الأميركية، والتي قال فيها إن قطر روجت لـ'معاداة أمريكا ومعاداة الصهيونية' في الجامعات الأميركية. وأضاف المسؤول القطري: 'لقد دُحضت ادعاءاته بشأن شراكات قطر التعليمية مرارًا وتكرارًا. كل ما نقوم به شفاف'. وفي سياق متصل، برزت قطر، من خلال كبير مفاوضيها الخليفي، كوسيط في الصراع الذي اندلع في الأشهر الأخيرة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث حققت حركة M23 المسلحة المدعومة من رواندا سلسلة من المكاسب السريعة في شرق البلاد الغني بالموارد. في أوائل آذار/مارس، عقد الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسكيدي ونظيره الرواندي بول كاغامي، المتهم بدعم M23، اجتماعات مفاجئة في الدوحة، وأعربا لاحقًا عن دعمهما لوقف إطلاق النار. وقال الخليفي: 'لقد ساهم هذا الاجتماع في إيجاد مسار حقيقي نحو خفض التصعيد والتوصل إلى اتفاق على آلية تنفيذ'. وأضاف: 'نجحنا في بناء خط اتصال مرن بين الجانبين، ونأمل أن نحقق المزيد من النجاحات التي ستسمعون بها خلال الأيام القادمة'. وصرّح الخليفي عقب الاجتماعات بين الرئيسين أن قطر أقنعت حركة M23 ورواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية بـ'تهدئة الأوضاع' قرب مدينة واليكالي، مركز التعدين الاستراتيجي. وأضاف أن ذلك سمح بـ'عملية انسحاب من واليكالي إلى الجانب الشرقي، نحو غوما'، مشيرًا إلى أن هذا التحرك كان، في رأيه، 'تطورًا إيجابيًا'، في إشارة إلى عاصمة مقاطعة شمال كيفو، التي تسيطر عليها حركة M23. وأكد الخليفي أن الولايات المتحدة تُعد 'شريكًا موثوقًا به' في جمهورية الكونغو الديمقراطية، مبديًا أمله في مناقشة الصراع مع المبعوث الأميركي إلى أفريقيا، مسعد بولس، في واشنطن خلال الأيام المقبلة. وخلال زيارته إلى الولايات المتحدة، قال الخليفي إنه سيطرح أيضًا مسألة العقوبات المستمرة على سوريا بعد سقوط النظام السابق، إلى جانب التمويل القطري لإمدادات الغاز إلى سوريا، مشيرًا إلى أن بلاده تناقش مع شركائها الإقليميين زيادة رواتب القطاع العام في البلاد. وقال الخليفي: 'نناقش الأمر عن كثب مع زملائنا الأميركيين لمعرفة كيفية المضي قدمًا في هذا المشروع'. المصدر: أ ف ب

وزير الخارجية القطري يقول إنه 'محبط' من وتيرة محادثات غزة
وزير الخارجية القطري يقول إنه 'محبط' من وتيرة محادثات غزة

المنار

time٢٠-٠٤-٢٠٢٥

  • المنار

وزير الخارجية القطري يقول إنه 'محبط' من وتيرة محادثات غزة

أعرب كبير المفاوضين القطريين عن إحباطه حيال محادثات الهدنة في غزة، في مقابلة مع وكالة فرانس برس، وذلك بعد أكثر من شهر على استئناف الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على القطاع، واختتام جولة جديدة من المفاوضات دون التوصل إلى اتفاق. وقال وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية، محمد الخليفي، الجمعة: 'نشعر بالإحباط بالتأكيد من البطء أحيانًا في عملية التفاوض. هذه مسألة ملحّة، فهناك أرواح على المحك إذا استمرت هذه العملية العسكرية يومًا بعد يوم'. وتوسطت قطر، إلى جانب الولايات المتحدة ومصر، في هدنة في قطاع غزة دخلت حيز التنفيذ في 19 كانون الثاني/يناير، وأوقفت إلى حد كبير أكثر من 15 شهرًا من العدوان الذي بدأ في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. واستمرّت المرحلة الأولى من الاتفاق شهرين حتى أوائل آذار/مارس، وتضمّنت عمليات تبادل عدة لرهائن إسرائيليين محتجزين في غزة ومعتقلين فلسطينيين في السجون الإسرائيلية، قبل أن ينهار الاتفاق بسبب خلافات بشأن مفاوضات المرحلة الثانية. وسعت تل أبيب إلى تمديد المرحلة الأولى، في حين طالبت حركة حماس بالانتقال إلى مفاوضات المرحلة الثانية، التي يُفترض أن تؤدي إلى وقف دائم لإطلاق النار وانسحاب الجيش من القطاع. واستأنف الاحتلال الإسرائيلي هجماته الجوية والبرية على قطاع غزة في 18 آذار/مارس، بعد أن أوقف دخول المساعدات الإنسانية في وقت سابق. وقال الخليفي: 'عملنا باستمرار في الأيام الأخيرة لمحاولة جمع الطرفين وإحياء الاتفاق الذي أقره الجانبان'، مضيفًا: 'وسنظل ملتزمين بهذا، رغم الصعوبات'. وخلال عملية الوساطة الطويلة، تعرضت قطر لانتقادات مباشرة من الحكومة الإسرائيلية ورئيسها بنيامين نتنياهو. كما يُشتبه في أن اثنين على الأقل من مساعدي نتنياهو تلقيا أموالًا من الحكومة القطرية لتعزيز مصالح الدوحة في الكيان، ما دفع تل أبيب إلى فتح تحقيق جنائي. ونفت قطر هذه الانتقادات ووصفتها بأنها 'حملة تشهير'. وفي وقت سابق من آذار/مارس، أظهر تحقيق أجراه جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) أن الأموال التي قدّمتها الدولة الخليجية إلى غزة ساهمت في تعزيز القوة العسكرية لحماس قبل هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر. ونفت قطر هذا الاتهام ووصفته بأنه 'كاذب'. وقال الخليفي: 'نتعرض لهذا النوع من الانتقادات والتعليقات السلبية منذ بداية مشاركتنا في المفاوضات'. وأضاف أن 'الانتقادات التي لا أساس لها، مثل تلك التي نسمعها باستمرار من نتنياهو نفسه، غالبًا ما تكون مجرد جعجعة'. ورفض الخليفي تصريحات نتنياهو الأخيرة لقناة 'داي ستار' الإنجيلية الأميركية، والتي قال فيها إن قطر روجت لـ'معاداة أمريكا ومعاداة الصهيونية' في الجامعات الأميركية. وأضاف المسؤول القطري: 'لقد دُحضت ادعاءاته بشأن شراكات قطر التعليمية مرارًا وتكرارًا. كل ما نقوم به شفاف'. وفي سياق متصل، برزت قطر، من خلال كبير مفاوضيها الخليفي، كوسيط في الصراع الذي اندلع في الأشهر الأخيرة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث حققت حركة M23 المسلحة المدعومة من رواندا سلسلة من المكاسب السريعة في شرق البلاد الغني بالموارد. في أوائل آذار/مارس، عقد الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسكيدي ونظيره الرواندي بول كاغامي، المتهم بدعم M23، اجتماعات مفاجئة في الدوحة، وأعربا لاحقًا عن دعمهما لوقف إطلاق النار. وقال الخليفي: 'لقد ساهم هذا الاجتماع في إيجاد مسار حقيقي نحو خفض التصعيد والتوصل إلى اتفاق على آلية تنفيذ'. وأضاف: 'نجحنا في بناء خط اتصال مرن بين الجانبين، ونأمل أن نحقق المزيد من النجاحات التي ستسمعون بها خلال الأيام القادمة'. وصرّح الخليفي عقب الاجتماعات بين الرئيسين أن قطر أقنعت حركة M23 ورواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية بـ'تهدئة الأوضاع' قرب مدينة واليكالي، مركز التعدين الاستراتيجي. وأضاف أن ذلك سمح بـ'عملية انسحاب من واليكالي إلى الجانب الشرقي، نحو غوما'، مشيرًا إلى أن هذا التحرك كان، في رأيه، 'تطورًا إيجابيًا'، في إشارة إلى عاصمة مقاطعة شمال كيفو، التي تسيطر عليها حركة M23. وأكد الخليفي أن الولايات المتحدة تُعد 'شريكًا موثوقًا به' في جمهورية الكونغو الديمقراطية، مبديًا أمله في مناقشة الصراع مع المبعوث الأميركي إلى أفريقيا، مسعد بولس، في واشنطن خلال الأيام المقبلة. وخلال زيارته إلى الولايات المتحدة، قال الخليفي إنه سيطرح أيضًا مسألة العقوبات المستمرة على سوريا بعد سقوط النظام السابق، إلى جانب التمويل القطري لإمدادات الغاز إلى سوريا، مشيرًا إلى أن بلاده تناقش مع شركائها الإقليميين زيادة رواتب القطاع العام في البلاد. وقال الخليفي: 'نناقش الأمر عن كثب مع زملائنا الأميركيين لمعرفة كيفية المضي قدمًا في هذا المشروع'.

هل هناك مخرج من هذا النفق؟ أم أن 'الكونغو' محكومة بأن تظل ساحة حرب دائمة، يتغير فيها اللاعبون، لكن القواعد تظل كما هي؟
هل هناك مخرج من هذا النفق؟ أم أن 'الكونغو' محكومة بأن تظل ساحة حرب دائمة، يتغير فيها اللاعبون، لكن القواعد تظل كما هي؟

النهار

time٢٧-٠٣-٢٠٢٥

  • النهار

هل هناك مخرج من هذا النفق؟ أم أن 'الكونغو' محكومة بأن تظل ساحة حرب دائمة، يتغير فيها اللاعبون، لكن القواعد تظل كما هي؟

مرة أخرى، تبرز جمهورية الكونغو الديموقراطية إلى الواجهة، وها هي وسائل الإعلام الدولية تسلط الضوء على فصل جديد من الحرب الدائمة في هذا البلد، إذ يبدو للوهلة الأولى أن شيئاً قد تغيّر منذ عقود. لكن الحقيقة الأكيدة تبقى ألّا شيء يتغير سوى أسماء الفصائل المتحاربة، بينما تظل البلاد محكومة بالفوضى، محاصرة بالطمع، وعاجزة عن إصلاح ذاتها. منذ الاستقلال إلى اليوم، تتكرر المآسي بالإيقاع نفسه، كأن التاريخ يعيد نفسه دون أن يتوقف أحد ليسأل: هل هناك مخرج من هذا النفق؟ أم أن 'الكونغو' محكومة بأن تظل ساحة حرب دائمة، يتغير فيها اللاعبون، لكن القواعد تظل كما هي؟ كل شيء في الكونغو يبدو كأنه خارج عن السيطرة: السياسة، الاقتصاد، الأمن، وحتى مصائر الأفراد. فالدولة التي يُفترض أن تحكم هذا البلد الشاسع لا تملك من السيادة سوى اسمها، بينما تتحكم الميليشيات المسلحة في شرق البلاد، وتفرض دول الجوار سياساتها، وتتدخل الشركات الكبرى بشكل غير مباشر لضمان استمرار تدفق المعادن الاستراتيجية إلى مصانعها. فهل يمكن لدولة أن تُصلح نفسها إذا كان كل شيء فيها قد جرى ترتيبه ليظل معطوباً؟ منذ استقلالها عن بلجيكا عام 1960، عاشت البلاد على حافة الانفجار. فبعد اغتيال باتريس لومومبا، نزلت عليها لعنة الانقسامات، وبدا واضحاً ألّا أمل في استقرارها. حكم الماريشال موبوتو سيسي سيكو لعقود طويلة، لكنه لم يؤسس دولة بقدر ما أسّس ديكتاتورية قائمة على شراء الولاءات وإدارة البلاد كملكية خاصة، دون أي محاولة حقيقية لإرساء نظام مستدام. وعندما سقط موبوتو عام 1997، لم يكن سقوطه انتصاراً للديموقراطية أو بداية فجر جديد، بل مجرد انتقال للسلطة من طاغية إلى مجموعة من أمراء الحرب الذين دخلوا في صراع مرير على ثروات البلاد، فيما دفع المواطن العادي الثمن من دمه وحياته ومستقبله. ليس من المبالغة القول اليوم إن الكونغو لم تعد دولة بالمعنى الحقيقي، بل مجرد مساحة جغرافية تتنازع عليها الميليشيات المسلحة، ودول الجوار، والشركات العالمية. في شرق البلاد، تدور معارك لا نهاية لها بين الفصائل المتناحرة التي تتلقى الدعم من رواندا، وأوغندا، وبوروندي، وكل طرف يزعم أنه يدافع عن قضية ما، لكنه في الحقيقة يقاتل من أجل السيطرة على المناجم والمعابر الحدودية. تبقى حركة 'M23' المدعومة من رواندا مجرد نسخة جديدة من هذا السيناريو المتكرر، حيث يتمرد فصيل مسلح، ثم يدخل في مفاوضات، ثم يحصل على تنازلات، قبل أن يعود للقتال من جديد. إن المأساة الأكبر تكمن في أن الصراع ليس سياسياً أو عسكرياً وحسب، بل اقتصادي في جوهره. فالكونغو تمتلك موارد طبيعية لا تُقدر بثمن، من الذهب والكوبالت والنحاس والكولتان، التي تحتاجها الصناعات الحديثة في الغرب والصين. لكن بدلاً من أن تكون هذه الثروات نعمة على السكان، تحولت إلى لعنة تدمر حياتهم وتقلبها رأساً على عقب. للأسف، لا توجد في الكونغو صناعة وطنية قادرة على الاستفادة من هذه الموارد، ولا حكومة قادرة على حمايتها، بل إن معظم هذه الثروات تُنهب بطريقة غير مباشرة عبر الميليشيات التي تعمل لصالح جهات خارجية، فتُهرّب المعادن من البلد لتصل إلى الأسواق الدولية بسلاسة مدهشة، وكأن الحرب لم تكن موجودة أصلاً. والأغرب أنه حتى عندما تُبذل محاولات لإرساء السلام، فإنها تبدو مجرد تمارين شكلية بلا جدوى. يتحدث المجتمع الدولي كثيراً عن ضرورة استقرار الكونغو، لكنه لا يريد الخوض في جوهر المشكلة؛ إذ كيف يمكن إرساء الاستقرار في بلد لا تتحكم حكومته في أكثر من نصف أراضيه؟ وكيف يمكن الحديث عن إصلاح سياسي عندما تكون السلطة الحقيقية في أيدي أمراء الحرب والميليشيات؟ كل هذه الفوضى جعلت من الكونغو بلداً لا أمل في إصلاحه، على الأقل في المستقبل القريب. فالدولة ضعيفة وعاجزة عن فرض سيطرتها، والجيش منهك وغير قادر على مواجهة التهديدات، فيما تستفيد دول الجوار من استمرار الفوضى فيه أكثر مما ستستفيد من استقراره، ويتحدث المجتمع الدولي عن الحلول دون أن يرغب في المخاطرة بمصالحه الاقتصادية. والنتيجة: دوامة لا تنتهي من العنف، يعاني فيها الفقراء، ويستفيد منها تجار الحروب. هل يمكن أن يتغير واقع الكونغو؟ ربما نظرياً، لكن عملياً، كل العوامل تدفع باتجاه استمرار الوضع الحالي. فما دامت هناك ميليشيات مستعدة للقتال، ودول مستعدة لتمويلها، وسوق عالمية مستعدة لشراء المعادن المنهوبة، فإن إسكات البنادق في الكونغو يبقى بعيد المنال. ولئن كانت هناك أزمات تُحل، وهناك دول تنهض من كبواتها، فإن الكونغو ليست من بينها للأسف، لأنها ببساطة محاصرة بأطماع لا حدود لها، ومنهكة بصراعات لم يعد فيها غالب أو مغلوب، بل خاسر واحد هو الشعب الكونغولي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store