logo
كيف تتخطى الصين التحدي التكنولوجي بالمناورة بين إيرباص وبوينغ؟

كيف تتخطى الصين التحدي التكنولوجي بالمناورة بين إيرباص وبوينغ؟

الجزيرةمنذ 7 ساعات

دخلت أميركا والصين في أبريل/نيسان الماضي هدنة، إثر جولة مفاوضات لإنهاء الحرب الاقتصادية، إلا أن كلا الطرفين يلوح، بين فترة وأخرى، بإمكانية الضغط بما لديه من أوراق، ليحصل على المزيد من التنازلات وإنهاء الجولة لصالحه، أو على الأقل تقليل خسائره.
واستضافت لندن جولة المفاوضات، والتي انتهت حسبما نشر أخيرًا بوسائل الإعلام باتفاق مبدئي، وفق تغريدة للرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وأشار ترامب إلى أن الاتفاق ينتظر توقيعه، وتوقيع الرئيس الصيني، كما أن الاتفاق يسمح لأميركا بفرض 55% رسوما جمركية على الواردات من الصين، في حين يسمح للأخيرة بـ 10% فقط.
وحسب الاتفاق ترفع أميركا بعض القيود عن الصادرات الحساسة وتسمح للطلاب الصينيين بالدراسة في الجامعات الأميركية، وتعود الصين إلى تصدير المواد النادرة لأميركا.
ولما كانت المصالح مثل المصائب تجمع أهلها، جمع الصين والاتحاد الأوروبي خندق واحد في مواجهة سياسات ترامب، سواء الرسوم الجمركية، أم أجندة ترامب بضرورة دفع الاتحاد الأوروبي فاتورة الخدمات الدفاعية الأميركية.
وإذا كان ترامب، يضغط بمساحة السوق الواسعة، وإمكانية إغلاقها في وجه السلع الصينية، وكذلك ورقة التفوق التكنولوجي وحجب التكنولوجيا عن الصين، بل وتجفيف منابعها الخاصة بالصين، بالعزم على إلغاء تأشيرات الطلاب الصينيين الذين يدرسون بجامعات أميركا، فإن الصين ليست خالية الوفاض، ولديها من أوراق الضغط ما يجعل أميركا تعيد النظر في ما تتخذه من إجراءات تحاول أن تقلص بها مصالح الصين.
ولدى الصين من المعادن النادرة التي لا يمكن لأميركا أن تستغني عنها، وقد اتخذت الصين قرارات مؤقتة بحجب هذه المواد، وأخيرًا أعلن مسؤولون صينيون، أنهم يدرسون إبرام صفقة مع شركة إيرباص، هي الأكبر في تاريخ الطيران باستيراد عدد يتراوح بين 200 و500 طائرة.
وكانت الصين إبان تصعيد الحرب التجارية مع أميركا أخرّت استلام صفقة طائرات مع شركة بوينغ الأميركية، الأمر الذي يحتاج إلى مزيد من التحليل، وهو وإن كان يمثل ورقة في يد الصين، لتغازل بها الاتحاد الأوروبي وأميركا، وقتما تريد، إلا أنه في النهاية نقطة ضعف للصين، فهي لا تمتلك ميزة إنتاج الطائرات المدنية، ولا تزال خياراتها محصورة في الاستيراد من أميركا أو الاتحاد الأوروبي، على الرغم من تخطي الصين العديد من خطوات تكنولوجيا التصنيع.
العجز التكنولوجي
في عام 2023 بدأت الصين تسيير رحلات داخلية بإنتاجها الطائرات المدنية، ومع ذلك لا تستطيع الاستغناء عن وارداتها من الطائرات من أميركا والاتحاد الأوروبي، فالإنتاج الصيني من الطائرات المدنية، يعتمد بنسبة كبيرة على مكونات مستوردة من أميركا والاتحاد الأوروبي تصل إلى 60% من إجمالي مكونات الطائرة.
ومن هنا وجدنا حرص الصين على استمرار العلاقة مع أميركا، في ضوء ما أعلنه ترامب من اتفاق مبدئي، تم التوصل إليه عبر جولة مفاوضات لندن، فالصين قبلت بعلاقة غير متكافئة في الرسوم الجمركية، مقابل أمرين مهمين، كلاهما يتعلق بالتكنولوجيا؛ وهما رفع القيود الأميركية على الصادرات الحساسة، والسماح للطلاب الصينيين بالدراسة في الجامعات الأميركية.
ولا شك أن قبول الصين بهذه الشروط، التي قد يراها بعضهم مجحفة، إلا أنها لجأت إلى ذلك من باب الاضطرار، فليس أمامها خيار آخر، ولن تستطيع الصين أن تناور في مجال التكنولوجيا، حتى تستكمل مواضع التفوق التكنولوجي، الذي يمكّنها من الاستغناء عن أميركا والغرب ككل.
وهنا لابد، أن نشير إلى نقطة مهمة، من خلال تاريخ التجربة الصينية، وكيف انتقلت بشكل كبير لأن تكون ثانيَ أكبر قوة اقتصادية في العالم، وهي اعتمادها على ما يعرف بالهندسة العكسية، التي سمحت لها بتصنيع العديد من الآلات، بل وتطويرها، والخروج بمنتجات صينية من الآلات، مكّنتها مِن أنْ تنافس المنتجات الأميركية والأوروبية، وإن كان ذلك محصورًا في السيارات وخطوط إنتاج العدد والآلات، وبعض المنتجات الإلكترونية.
وقد يكون قبول الصين الاتفاق المبدئي الأخير الذي أعلن عنه ترامب في 11 يونيو/حزيران الحالي، في إطار توسيع تصنيع الطائرات المدنية وغيرها من السلع المماثلة.
فإذا كانت الصين تستورد 60% من مكونات الطائرات المدنية محلية الصنع الآن، فقد تصل إلى نسبة تصنيع محلي لكامل إنتاج الطائرة في غضون 5 سنوات، وبما لا يزيد عن 10 سنوات في أقصى تقدير.
وإلى أن يتحقق ذلك ستظل التكنولوجيا، أحد مكامن الضعف في الموقف الصيني، وإحدى أوراق الضغط الأميركية، وسيكون الصراع بين القوى الاقتصادية الكبرى خلال الفترة القادمة، تكنولوجيًا بامتياز، وقد رأينا كيف تم تفعيل التكنولوجيا في الحرب الروسية الأوكرانية، عبر تطوير أوكرانيا لاستخدام المسيرات لضرب روسيا من الداخل، وهي نفس التكنولوجيا التي اعتمدت عليها بنسبة كبيرة دولة الكيان الصهيوني في توجيه ضربات موجعة لإيران فجر الجمعة 13 يونيو/حزيران الماضي.
مناورة تحويل التجارة
قبول الصين بهذه النسبة المرتفعة للرسوم المفروضة على صادراتها إلى أميركا خلال الفترة المقبلة، سيؤدي بلا شك إلى تراجع قيمة التجارة بينهما، وهو ما يهدف إليه ترامب بما اتخذه من إجراءات خلال الفترة الماضية.
وحسب البيانات الرسمية الأميركية، تراجعت واردات السلع الأميركية في الصين في أبريل/نيسان 2025 إلى 25.3 مليار دولار مقارنة بـ 41.6 مليار دولار في يناير/كانون الثاني من نفس العام، وهو ما يعني أن الإجراءات الخاصة برفع الرسوم الجمركية قد نتج عنها تراجع قيمة الواردات الأميركية من الصين.
وفي حال أنهت الصين دراسة قرار اعتماد واردات الطائرات المدنية من الاتحاد الأوروبي، عبر شركة إيرباص، بديلا لاستيرادها نفس الطائرات من شركة بوينغ الأميركية، فإن ذلك يعني أن الصين فعلت ما يعرف بتحويل التجارة، لتقوية موقفها في علاقات ندية مع أميركا.
ولا شك في أنه إذا اتخذت الصين مثل هذا القرار، فسوف تتضرر أميركا كثيرا، حيث يؤكد الخبراء، أن صفقة تتضمن استيراد 500 طائرة، تعد صفقة غير مسبوقة في تاريخ التجارة الخاصة بالطائرات.
وتبدو الأمور مختلفة هذه المرة، فكل من الصين والاتحاد الأوروبي يشعران أن أميركا شريك لا يُطمئن، بسبب طبيعة ارتباط السياسات الأميركية بشخص الرئيس.
جدير بالذكر، أن قيمة التبادل التجاري بين الاتحاد الأوروبي والصين بنهاية 2024 بلغت 730 مليار يورو (844.5 مليار دولار)، بفائض تجاري لصالح الصين بنحو 304 مليارات يورو (351.68 مليار دولار)، في حين بلغت قيمة التبادل التجاري بين أميركا والصين بنهاية 2024 نحو 581 مليار دولار، بفائض تجاري لصالح الصين أيضا بلغ 295 مليار دولار، وبذلك نجد أن قيمة التبادل التجاري للصين مع الاتحاد الأوروبي أكبر منها مع أميركا.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

بي-2 سبيريت.. القاتل الذي تريده إسرائيل لتدمير منشأة فوردو النووية
بي-2 سبيريت.. القاتل الذي تريده إسرائيل لتدمير منشأة فوردو النووية

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

بي-2 سبيريت.. القاتل الذي تريده إسرائيل لتدمير منشأة فوردو النووية

في الوقت الذي تدور فيه رحى الحرب بين إسرائيل وإيران، تعود الأنظار مجددًا نحو القدرات العسكرية الأميركية باعتبارها أحد العوامل الحاسمة في هذه المواجهة، خاصة مع تصريحات إسرائيلية تؤكد الحاجة المُلحّة إلى الدعم العسكري الأميركي لضرب منشأة فوردو النووية الشديدة التحصين. تعوّل إسرائيل كثيرا على دخول الولايات المتحدة الأميركية في الحرب التي تشنها على إيران، نظرًا لعجزها عن استهداف منشأة فوردو النووية الواقعة جنوب طهران نظرا لتحصينها الشديد. إذ يتطلب تدمير هذه المنشأة تحديدًا استخدام قاذفات إستراتيجية وقنابل خارقة للتحصينات لا تملكها إلا الولايات المتحدة حاليا. ونقل موقع أكسيوس عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والقيادة العسكرية الإسرائيلية يعتقدون أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد يتخذ قرارًا بالتدخل العسكري المباشر لدعم إسرائيل وقصف منشأة فوردو. ولو حدث ذلك السيناريو، فستبرز في القلب منه القاذفة الأميركية " بي-2 سبيريت" (B-2 Spirit) التي تمتلك مواصفات تقنية تجعلها الوحيدة تقريبًا القادرة على تنفيذ مثل هذه المهمة المعقدة. لكن ما الذي يجعل منشأة فوردو هدفًا استثنائيا، ولماذا تعجز إسرائيل عن مواجهتها بمفردها؟ بي2- سبيريت.. الطائرة التي تستطيع لفهم عمق الأمر، سنتعرف بداية إلى الطبيعة الخاصة جدا لهذه النوعية من الطائرات المسماة بي-2 سبيريت والتي كثر الحديث عنها مؤخرًا ورُبطت بمنشأة فوردو تحديدا. فالقاذفات نوع من الطائرات المصممة خصيصًا لمهاجمة الأهداف البرية والبحرية بإسقاط القنابل أو إطلاق الصواريخ، وتتخصص بشكل أساسي في مهام القصف الإستراتيجي (ضمن مهام أخرى)، أي استهداف البنية التحتية، أو المراكز الصناعية، أو خطوط الإمداد، أو الأصول الأخرى ذات القيمة العالية بهدف إضعاف قوة العدو وتقويض قدراته الأساسية. وبشكل خاص، تمتاز "بي-2" بقدرتها على حمل أسلحة ضخمة مثل القنابل الخارقة للتحصينات (جي بي يو-57) والأسلحة النووية، وذلك ما يجعلها عنصرًا أساسيا في عمليات الردع الإستراتيجي. هذه العمليات تتطلب مهام طويلة المدى بعيدًا عن قواعد الانطلاق وبتخفٍّ تام عن رادارات العدو. ويفهم مما سبق أن هذه النوعية من العمليات غالبًا ما تنطوي على مهام بعيدة المدى في عمق أراضي الخصم المستهدف، ولتحقيق هذا الغرض يجب أن تكون هذه القاذفات قادرة على السفر لمسافات طويلة من دون رصدها تحت أي ظرف. ورغم أن قاذفة إستراتيجية أخرى هي "بي ـ 52" قادرة على حمل مثل هذه القنابل الضخمة، فإنها ليست مؤهلة للقيام بالعمليات التشغيلية من هذا النوع، إذ إنها لا تتمكن من فرض التفوق الجوي والمناورة والتخفي من الرادارات، ولذلك فهي بحاجة لوجود طائرات أخرى للحماية. في الحرب الباردة كانت القاذفات، مثل " بي-52″ الأميركية ، جزءا رئيسيا من إستراتيجيات الردع النووي، إلا أن الولايات المتحدة احتاجت إلى قاذفة قادرة على اختراق الدفاعات الجوية السوفياتية من دون أن يتم كشفها بسبب التقدم الكبير في تقنيات الرادار، مما جعل القاذفات التقليدية أكثر عرضة للخطر. بحلول منتصف السبعينيات، ابتكر مصممو الطائرات العسكرية طريقة جديدة لتجنب الصواريخ الاعتراضية، والمعروفة اليوم باسم "التخفي". وفي عام 1974، طلبت وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة "داربا" معلومات من شركات الطيران الأميركية عن أكبر مقطع عرضي لطائرة تكون غير مرئية فعليا للرادارات. وإثر ذلك، وفي عام 1979، أطلقت القوات الجوية الأميركية برنامجا لقاذفة متطورة تكنولوجيا يتركز على قدرات التخفي، وفي عام 1981 فازت شركتا نورثروب وبوينغ بعقد تطوير القاذفة الشبحية الجديدة بموجب "مشروع سي جي سينيور"، وبحلول عام 1988 كشف النقاب رسميا عن القاذفة "بي-2 سبيريت" للجمهور. في الأصل، خططت الولايات المتحدة للحصول على 132 قاذفة من طراز "بي 2″، ولكن بسبب التكاليف المرتفعة تم تخفيض العدد إلى 21 طائرة فقط، حيث قُدِّرت التكلفة الإجمالية لكل طائرة -بما يشمل الصيانة والتطوير- بنحو 2.1 مليار دولار، مما يجعلها واحدة من أغلى الطائرات العسكرية التي بنيت على الإطلاق. وفي 17 يوليو/تموز 1989 قامت قاذفة "بي-2 سبيريت" بأول رحلة لها من مصنع القوات الجوية 42 في كاليفورنيا، ومنذ ذلك الحين بات ينظر إلى القاذفة الشبحية الأميركية على أنها القاذفة الإستراتيجية الأكثر تقدمًا في العالم، بسبب قدرتها الفائقة على التخفي. وتعزى هذه القدرة بالأساس إلى تصميم جناح الطائرة القادر على الإفلات من الرصد الراداري، فضلا عن كونها مطلية بمواد تمتص أشعة الرادار، وتمتلك قدرات على قمع الأشعة تحت الحمراء (بصمتُها الحرارية منخفضة)، كما تعمل أنظمة التشويش المتقدمة الخاصة بها على تعطيل رادار الخصم وأنظمة اتصالاته. ووفقًا لسلاح الجو الأميركي، يوجد 19 قاذفة بي-2 عاملة، يمكنها أن تحلق بسرعات دون سرعة الصوت، لكنها قادرة على التزود بالوقود جوًا، وذلك ما يسمح لها بالطيران لمسافات طويلة للغاية. وخلال حرب كوسوفو في أواخر التسعينيات، حلّقت طائرات بي-2 ذهابًا وإيابًا من قاعدتها في قاعدة وايتمان الجوية بولاية ميسوري لضرب أهداف، وفي عام 2017 حلّقت طائرتان من طراز بي-2 لمدة 34 ساعة للوصول إلى ليبيا، ويجري ذلك أيضا على عمليات في العراق (2003)، وأفغانستان (2001-2021)، وسوريا (2017)، وصولا إلى العمليات الأميركية الأخيرة في اليمن. وهي الطائرة التي يعود الاهتمام بها اليوم على إثر ما يرشح من تصريحات من أن ضرب منشآت إيران النووية المحصنة لا يمكن أن يتم إلا عبر الترسانة الأميركية، وعلى رأسها قاذفة بي -2. تحصينات منشأة فوردو إذا ما تحدثنا عن استهداف منشأة "فوردو" النووية الإيرانية، والتي تعد واحدة من أكثر المنشآت تحصينًا في العالم، يبدو أنه لا مناص من استخدام هذه القاذفة إذا أرادت إسرائيل ومن ورائها أميركا السير في خطة تدمير المنشآت النووية الإيرانية. منشأة فوردو هذه، صُمّمت خصيصًا لتكون قادرة على الصمود أمام الضربات الجوية وحتى بعض الهجمات النووية التكتيكية، أي تلك التي تستخدم أسلحة نووية صغيرة ذات أثر محدود. تقع "فوردو" على بُعد نحو 95 كيلومترا جنوب غرب العاصمة طهران، وقد شُيّدت داخل مجمع أنفاق تحت جبل يبعد حوالي 32 كيلومترا شمال شرق مدينة قُم، ويقدر أن عمق المنشأة عن سطح الأرض يصل إلى 80 أو 90 مترًا، بهدف واحد وهو حماية المنشأة من القنابل الخارقة للتحصينات. المنشأة محاطة بطبقات من الصخور الجبلية الطبيعية والخرسانة المسلحة العالية الكثافة، مع جدران فولاذية أو دروع معدنية داخلية، وتصميم داخلي يمثل "متاهة"، ليعقّد الاختراق، ويحد من تأثير الانفجارات. كذلك فإن هناك دفاعات جوية متعددة تحيط بالمنشأة، منها بطاريات صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى وأنظمة تشويش إلكتروني لمنع استهداف دقيق، مع كاميرات حرارية، وأجهزة استشعار، وحراسة دائمة. وتتألف المنشأة، بحسب بيانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من قاعتين مخصصتين لتخصيب اليورانيوم، وقد صممت لاستيعاب 16 سلسلة من أجهزة الطرد المركزي الغازي من طراز "آي آر-1" (IR-1)، موزعة بالتساوي بين وحدتين، بإجمالي يبلغ نحو 3 آلاف جهاز طرد مركزي. قنبلة واحدة فقط وحسب المعلومات المتاحة، لا توجد سوى قنبلة واحدة يحتمل أن تصل إلى هذا العمق قد تستخدمها إسرائيل لضرب منشآت مثل فوردو ونطنز النوويتين، وهي القنبلة الأميركية "جي بي يو-57 إيه بي". وتُعرف هذه القنبلة أيضا باسم القنبلة الخارقة للدروع الضخمة (إم أو بي)، وهي قنبلة تقليدية موجهة بدقة لتدمير الأهداف المدفونة والمحصنة على عمق كبير، مثل المنشآت والمخابئ تحت الأرض، وهي تزن نحو 13-14 طنا، ويبلغ طولها 6 أمتار. وفق التقديرات العسكرية، فإن هذه القنبلة قادرة على اختراق ما يصل إلى 61 مترا من الخرسانة المسلحة أو ما يصل إلى 12 مترا من الصخور الصلبة، ولا يمكن حملها بواسطة الطائرات المقاتلة الأميركية العادية، بل تحتاج لقاذفة الشبح الأميركية "بي 2 سبيريت" التي تشغَّل بواسطة القوات الجوية الأميركية. ويتطلب الأمر، لتنفيذ مهمة كهذه، أن يحلّق عدد من طائرات بي-سبيريت، لتبدأ أولا حرب إلكترونية متخصصة، مهمتها تشويش أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية على نطاق واسع، وعزل المنطقة المستهدفة عن أي اتصالات خارجية. ومع الوصول إلى منطقة الهدف فوق جبل فوردو، تبدأ أنظمة الاستهداف العالية الدقة على متن الطائرات بتحديد الموقع الدقيق للمنشأة تحت الأرض، ثم تطلق القنابل، لكن الأمر أعقد من مجرد الحاجة لقنبلة واحدة، إذ يتطلب ضربات متتالية على النقطة نفسها، ربما تبدأ بقنابل أخرى غير جي بي يو-57 إيه بي، لإحداث صدمة أولية أو لإزالة الطبقات السطحية من الصخور التي قد تعيق الاختراق الأعمق، أو حتى لاختبار استجابة الدفاعات المتبقية التي لم يتم تشويشها بالكامل، ثم تطلق القنابل الرئيسية بعد ذلك. عند الاصطدام، تخترق كل قنبلة طبقات صلبة من الصخور والخرسانة المسلحة، معتمدة على طاقتها الحركية الهائلة. وقد يتم إطلاق قنابل متتالية على النقطة نفسها لتعميق الاختراق، أو على نقاط مختلفة لتوسيع دائرة التدمير. وبعد اختراق عشرات الأمتار في عمق الأرض، تنفجر الشحنة المتفجرة داخل القنبلة بقوة هائلة، مُحدثة موجة صدمية تدمر البنية الداخلية للمنشأة. وفي هذه الحالة، فالهدف الإسرائيلي ليس تدمير المفاعل نفسه فقط، بل شلّ أنظمة الدعم الحيوية المحيطة بالمفاعل، مثل غرف التحكم وأنظمة التبريد ومخازن الوقود. عائق أعمق يفسر ما سبق حاجة إسرائيل الشديدة للقاذفة الأميركية وقنبلتها الضخمة. وبحسب صحيفة واشنطن بوست، فإن "المنشآت النووية الإيرانية لم تتعرض لأضرار لا يمكن إصلاحها في الموجتين الأوليين من الهجمات الإسرائيلية"، وبنت الصحيفة ذلك الاستنتاج على التصريحات الصادرة عن البلدين فضلًا عن مقاطع الفيديو والصور للمواقع المتضررة. وتوضح الصحيفة أنه يبدو أن إسرائيل شنت هجومًا قرب فوردو، لكنها لم تُصب المنشأة تحت الأرض نفسها. وبحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية وخبراء في مجال حظر الانتشار النووي فإن الضربات على نطنز، موقع التخصيب الرئيسي الآخر في إيران، قد دمرت منشآت عدة وألحقت أضرارًا بالنظام الكهربائي. وأوضح المحللون الذين اطلعوا على صور الأقمار الصناعية أن معدات التخصيب تحت الأرض في نطنز لم تتضرر على الرغم من وجود آثار مباشرة على قاعات التخصيب تحت الأرض. ولكن حتى إن نجحت إسرائيل في الحصول على الدعم الأميركي وتنفيذ ضربات كهذه، فإن الأمر يظل أعقد مما قد يتصور. ورغم أن إسرائيل استطاعت عبر العقود الماضية تنفيذ ما يُعرف "بعقيدة بيغن" التي تقوم على توجيه ضربات استباقية لمنع خصومها في المنطقة من امتلاك قدرات نووية، كما حدث عند تدمير مفاعل تموز العراقي عام 1981، ومنشأة الكبر السورية عام 2007، فإن الملف الإيراني يطرح تحديات من نوع مختلف تمامًا. فالمنشآت المستهدفة من قبل كانت منفردة وظاهرة ولا تزال في مراحل مبكرة من التشييد، مما جعل ضربها ممكنًا وفعالًا. لذلك يمثل استهداف منشأة فوردو تحديًا مختلفًا عما واجهته إسرائيل سابقًا. فالبرنامج النووي الإيراني موزع على مواقع متعددة ومحمي جيدًا تحت الأرض، كما أنه مدعوم بخبرات تقنية وعلمية راسخة، وذلك ما يجعل القضاء عليه بالكامل من خلال ضربات جوية أمرًا معقدًا للغاية. وحتى إن نجحت الضربات الجوية، فإن إيران تملك القدرة العلمية والفنية على إعادة بناء منشآتها، وذلك ما دفع إسرائيل إلى استهداف العلماء الإيرانيين في محاولة لإبطاء البرنامج النووي. ومع ذلك، فإن هذا النهج أيضًا محدود الفاعلية نظرًا لاستناد البرنامج إلى بنية مؤسساتية وعلمية عميقة، وليس إلى أفراد فقط يمكن استبدالهم بسهولة. في النهاية، يظل الملف النووي الإيراني أكثر تعقيدًا من مجرد استهداف منشآت مادية، إذ يتعلق الأمر بمنع دولة لديها المعرفة العلمية والإرادة السياسية من استئناف نشاطاتها، وذلك ما يجعل التعامل الناجح معه بعيدًا كل البعد عن مجرد حل عسكري سريع.

ترامب يتلقى إحاطة استخباراتية وروسيا والصين تدينان الحل العسكري بإيران
ترامب يتلقى إحاطة استخباراتية وروسيا والصين تدينان الحل العسكري بإيران

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

ترامب يتلقى إحاطة استخباراتية وروسيا والصين تدينان الحل العسكري بإيران

كشفت مصادر إعلامية أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب سيتلقى إحاطة استخباراتية بشأن الحرب الإسرائيلية على إيران، في حين أدانت روسيا والصين، اليوم الخميس، الضربات الإسرائيلية ودعتا إلى حل دبلوماسي. وقال مسؤول في البيت الأبيض إن كل الخيارات مطروحة أمام ترامب لاتخاذ القرار. وكان مسؤول أميركي قال للجزيرة إن الاجتماع الثاني الذي عقده ترامب -أمس الأربعاء- مع فريق الأمن القومي في غرفة العمليات لبحث الموقف من المشاركة في الحرب على إيران قد انتهى دون إصدار أي بيان. ونقل موقع أكسيوس عن مسؤولين أميركيين أن ترامب يريد التأكد من أن الهجوم الأميركي ضروري حقا، ولن يجر الولايات المتحدة إلى حرب طويلة الأمد في الشرق الأوسط، وأضاف المسؤولون الأميركيون أن ترامب يريد التأكد من أن الهجوم المحتمل سيحقق بالفعل هدف تدمير برنامج إيران النووي. اتصال روسي صيني من جهة ثانية، أدان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جين بينغ بشدة الضربات الإسرائيلية على إيران، وحثا على حل سياسي ودبلوماسي للنزاع، وفق ما أعلن الكرملين اليوم عقب محادثة هاتفية بين الرئيسين. وقال يوري أوشاكوف المستشار الدبلوماسي لبوتين -في مؤتمر صحفي- "ترى كل من موسكو وبكين أنه لا يمكن حل الوضع الحالي بالقوة، وأن هذا الحل يمكن ويجب أن يتحقق حصرا من خلال السبل السياسية والدبلوماسية". وأضاف أن موسكو وبكين تؤمنان إيمانا راسخا بأنه لا يوجد حل عسكري للوضع الراهن والقضايا المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني. وحذرت روسيا من كارثة إن تصاعد الصراع الإسرائيلي الإيراني، الذي دخل يومه السابع، وطالبت واشنطن بعدم المشاركة في القصف الإسرائيلي. وتواصل بوتين مع ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في الأيام القليلة الماضية، مؤكدا استعداد روسيا للتوسط بين أطراف الصراع. ولم تقبل الدول المعنية العرض الروسي حتى الآن. وكرر بوتين اليوم الخميس هذا الاقتراح في مكالمته الهاتفية مع شي، حليفه الوثيق. وتبادلت تل أبيب وطهران موجة جديدة من القصف، الخميس، وأصيب عشرات الإسرائيليين في أقوى هجوم صاروخي إيراني خلال يومين. ومنذ 13 يونيو/حزيران الجاري، تشن إسرائيل بدعم أميركي ضمني عدوانا على إيران يشمل قصف منشآت نووية وقواعد صواريخ واغتيال قادة عسكريين وعلماء نوويين وقتل مدنيين، في حين ترد طهران بصواريخ باليستية وطائرات مسيرة.

بي-2 سبيريت.. الطائرة التي تريدها إسرائيل لتدمير منشأة فوردو النووية
بي-2 سبيريت.. الطائرة التي تريدها إسرائيل لتدمير منشأة فوردو النووية

الجزيرة

timeمنذ 2 ساعات

  • الجزيرة

بي-2 سبيريت.. الطائرة التي تريدها إسرائيل لتدمير منشأة فوردو النووية

في الوقت الذي تدور فيه رحى الحرب بين إسرائيل وإيران، تعود الأنظار مجددًا نحو القدرات العسكرية الأميركية باعتبارها أحد العوامل الحاسمة في هذه المواجهة، خاصة مع تصريحات إسرائيلية تؤكد الحاجة المُلحّة إلى الدعم العسكري الأميركي لضرب منشأة فوردو النووية الشديدة التحصين. تعوّل إسرائيل كثيرا على دخول الولايات المتحدة الأميركية في الحرب التي تشنها على إيران، نظرًا لعجزها عن استهداف منشأة فوردو النووية الواقعة جنوب طهران نظرا لتحصينها الشديد. إذ يتطلب تدمير هذه المنشأة تحديدًا استخدام قاذفات إستراتيجية وقنابل خارقة للتحصينات لا تملكها إلا الولايات المتحدة حاليا. ونقل موقع أكسيوس عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والقيادة العسكرية الإسرائيلية يعتقدون أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد يتخذ قرارًا بالتدخل العسكري المباشر لدعم إسرائيل وقصف منشأة فوردو. ولو حدث ذلك السيناريو، فستبرز في القلب منه القاذفة الأميركية " بي-2 سبيريت" (B-2 Spirit) التي تمتلك مواصفات تقنية تجعلها الوحيدة تقريبًا القادرة على تنفيذ مثل هذه المهمة المعقدة. لكن ما الذي يجعل منشأة فوردو هدفًا استثنائيا، ولماذا تعجز إسرائيل عن مواجهتها بمفردها؟ بي2- سبيريت.. الطائرة التي تستطيع لفهم عمق الأمر، سنتعرف بداية إلى الطبيعة الخاصة جدا لهذه النوعية من الطائرات المسماة بي-2 سبيريت والتي كثر الحديث عنها مؤخرًا ورُبطت بمنشأة فوردو تحديدا. فالقاذفات نوع من الطائرات المصممة خصيصًا لمهاجمة الأهداف البرية والبحرية بإسقاط القنابل أو إطلاق الصواريخ، وتتخصص بشكل أساسي في مهام القصف الإستراتيجي (ضمن مهام أخرى)، أي استهداف البنية التحتية، أو المراكز الصناعية، أو خطوط الإمداد، أو الأصول الأخرى ذات القيمة العالية بهدف إضعاف قوة العدو وتقويض قدراته الأساسية. وبشكل خاص، تمتاز "بي-2" بقدرتها على حمل أسلحة ضخمة مثل القنابل الخارقة للتحصينات (جي بي يو-57) والأسلحة النووية، وذلك ما يجعلها عنصرًا أساسيا في عمليات الردع الإستراتيجي. هذه العمليات تتطلب مهام طويلة المدى بعيدًا عن قواعد الانطلاق وبتخفٍّ تام عن رادارات العدو. ويفهم مما سبق أن هذه النوعية من العمليات غالبًا ما تنطوي على مهام بعيدة المدى في عمق أراضي الخصم المستهدف، ولتحقيق هذا الغرض يجب أن تكون هذه القاذفات قادرة على السفر لمسافات طويلة من دون رصدها تحت أي ظرف. ورغم أن قاذفة إستراتيجية أخرى هي "بي ـ 52" قادرة على حمل مثل هذه القنابل الضخمة، فإنها ليست مؤهلة للقيام بالعمليات التشغيلية من هذا النوع، إذ إنها لا تتمكن من فرض التفوق الجوي والمناورة والتخفي من الرادارات، ولذلك فهي بحاجة لوجود طائرات أخرى للحماية. في الحرب الباردة كانت القاذفات، مثل " بي-52″ الأميركية ، جزءا رئيسيا من إستراتيجيات الردع النووي، إلا أن الولايات المتحدة احتاجت إلى قاذفة قادرة على اختراق الدفاعات الجوية السوفياتية من دون أن يتم كشفها بسبب التقدم الكبير في تقنيات الرادار، مما جعل القاذفات التقليدية أكثر عرضة للخطر. بحلول منتصف السبعينيات، ابتكر مصممو الطائرات العسكرية طريقة جديدة لتجنب الصواريخ الاعتراضية، والمعروفة اليوم باسم "التخفي". وفي عام 1974، طلبت وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة "داربا" معلومات من شركات الطيران الأميركية عن أكبر مقطع عرضي لطائرة تكون غير مرئية فعليا للرادارات. وإثر ذلك، وفي عام 1979، أطلقت القوات الجوية الأميركية برنامجا لقاذفة متطورة تكنولوجيا يتركز على قدرات التخفي، وفي عام 1981 فازت شركتا نورثروب وبوينغ بعقد تطوير القاذفة الشبحية الجديدة بموجب "مشروع سي جي سينيور"، وبحلول عام 1988 كشف النقاب رسميا عن القاذفة "بي-2 سبيريت" للجمهور. في الأصل، خططت الولايات المتحدة للحصول على 132 قاذفة من طراز "بي 2″، ولكن بسبب التكاليف المرتفعة تم تخفيض العدد إلى 21 طائرة فقط، حيث قُدِّرت التكلفة الإجمالية لكل طائرة -بما يشمل الصيانة والتطوير- بنحو 2.1 مليار دولار، مما يجعلها واحدة من أغلى الطائرات العسكرية التي بنيت على الإطلاق. وفي 17 يوليو/تموز 1989 قامت قاذفة "بي-2 سبيريت" بأول رحلة لها من مصنع القوات الجوية 42 في كاليفورنيا، ومنذ ذلك الحين بات ينظر إلى القاذفة الشبحية الأميركية على أنها القاذفة الإستراتيجية الأكثر تقدمًا في العالم، بسبب قدرتها الفائقة على التخفي. وتعزى هذه القدرة بالأساس إلى تصميم جناح الطائرة القادر على الإفلات من الرصد الراداري، فضلا عن كونها مطلية بمواد تمتص أشعة الرادار، وتمتلك قدرات على قمع الأشعة تحت الحمراء (بصمتُها الحرارية منخفضة)، كما تعمل أنظمة التشويش المتقدمة الخاصة بها على تعطيل رادار الخصم وأنظمة اتصالاته. ووفقًا لسلاح الجو الأميركي، يوجد 19 قاذفة بي-2 عاملة، يمكنها أن تحلق بسرعات دون سرعة الصوت، لكنها قادرة على التزود بالوقود جوًا، وذلك ما يسمح لها بالطيران لمسافات طويلة للغاية. وخلال حرب كوسوفو في أواخر التسعينيات، حلّقت طائرات بي-2 ذهابًا وإيابًا من قاعدتها في قاعدة وايتمان الجوية بولاية ميسوري لضرب أهداف، وفي عام 2017 حلّقت طائرتان من طراز بي-2 لمدة 34 ساعة للوصول إلى ليبيا، ويجري ذلك أيضا على عمليات في العراق (2003)، وأفغانستان (2001-2021)، وسوريا (2017)، وصولا إلى العمليات الأميركية الأخيرة في اليمن. وهي الطائرة التي يعود ذكرها للضوء على إثر ما يرشح من تصريحات من أن ضرب منشآت إيران النووية المحصنة لا يمكن أن يتم إلا عبر الترسانة الأميركية، وعلى رأسها قاذفة بي -2. تحصينات منشأة فوردو إذا ما تحدثنا عن استهداف منشأة "فوردو" النووية الإيرانية، والتي تعد واحدة من أكثر المنشآت تحصينًا في العالم، يبدو أنه لا مناص من استخدام هذه القاذفة إذا أرادت إسرائيل ومن ورائها أميركا السير في خطة تدمير المنشآت النووية الإيرانية. منشأة فودو هذه، صُمّمت خصيصًا لتكون قادرة على الصمود أمام الضربات الجوية وحتى بعض الهجمات النووية التكتيكية، أي تلك التي تستخدم أسلحة نووية صغيرة ذات أثر محدود. تقع "فوردو" على بُعد نحو 95 كيلومترا جنوب غرب العاصمة طهران، وقد شُيّدت داخل مجمع أنفاق تحت جبل يبعد حوالي 32 كيلومترا شمال شرق مدينة قُم، ويقدر أن عمق المنشأة عن سطح الأرض يصل إلى 80 أو 90 مترًا، بهدف واحد وهو حماية المنشأة من القنابل الخارقة للتحصينات. المنشأة محاطة بطبقات من الصخور الجبلية الطبيعية والخرسانة المسلحة العالية الكثافة، مع جدران فولاذية أو دروع معدنية داخلية، وتصميم داخلي يمثل "متاهة"، ليعقّد الاختراق، ويحد من تأثير الانفجارات. كذلك فإن هناك دفاعات جوية متعددة تحيط بالمنشأة، منها بطاريات صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى وأنظمة تشويش إلكتروني لمنع استهداف دقيق، مع كاميرات حرارية، وأجهزة استشعار، وحراسة دائمة. وتتألف المنشأة، بحسب بيانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من قاعتين مخصصتين لتخصيب اليورانيوم، وقد صممت لاستيعاب 16 سلسلة من أجهزة الطرد المركزي الغازي من طراز "آي آر-1" (IR-1)، موزعة بالتساوي بين وحدتين، بإجمالي يبلغ نحو 3 آلاف جهاز طرد مركزي. قنبلة واحدة فقط وحسب المعلومات المتاحة، لا توجد سوى قنبلة واحدة يحتمل أن تصل إلى هذا العمق قد تستخدمها إسرائيل لضرب منشآت مثل فوردو ونطنز النوويتين، وهي القنبلة الأميركية "جي بي يو-57 إيه بي". وتُعرف هذه القنبلة أيضا باسم القنبلة الخارقة للدروع الضخمة (إم أو بي)، وهي قنبلة تقليدية موجهة بدقة لتدمير الأهداف المدفونة والمحصنة على عمق كبير، مثل المنشآت والمخابئ تحت الأرض، وهي تزن نحو 13-14 طنا، ويبلغ طولها 6 أمتار. هذه القنبلة قادرة على اختراق ما يصل إلى 61 مترا من الخرسانة المسلحة أو ما يصل إلى 12 مترا من الصخور الصلبة، ولا يمكن حملها بواسطة الطائرات المقاتلة الأميركية العادية، بل تحتاج لقاذفة الشبح الأميركية "بي 2 سبيريت" التي تشغَّل بواسطة القوات الجوية الأميركية. ويتطلب الأمر، لتنفيذ مهمة كهذه، أن يحلّق عدد من طائرات بي-سبيريت، لتبدأ أولا حرب إلكترونية متخصصة، مهمتها تشويش أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية على نطاق واسع، وعزل المنطقة المستهدفة عن أي اتصالات خارجية. ومع الوصول إلى منطقة الهدف فوق جبل فوردو، تبدأ أنظمة الاستهداف العالية الدقة على متن الطائرات بتحديد الموقع الدقيق للمنشأة تحت الأرض، ثم تطلق القنابل، لكن الأمر أعقد من مجرد الحاجة لقنبلة واحدة، إذ يتطلب ضربات متتالية على النقطة نفسها، ربما تبدأ بقنابل أخرى غير جي بي يو-57 إيه بي، لإحداث صدمة أولية أو لإزالة الطبقات السطحية من الصخور التي قد تعيق الاختراق الأعمق، أو حتى لاختبار استجابة الدفاعات المتبقية التي لم يتم تشويشها بالكامل، ثم تطلق القنابل الرئيسية بعد ذلك. عند الاصطدام، تخترق كل قنبلة طبقات صلبة من الصخور والخرسانة المسلحة، معتمدة على طاقتها الحركية الهائلة، قد تُطلق قنابل متتالية على النقطة نفسها لتعميق الاختراق، أو على نقاط مختلفة لتوسيع دائرة التدمير. وبعد اختراق عشرات الأمتار في عمق الأرض، تنفجر الشحنة المتفجرة داخل القنبلة بقوة هائلة، مُحدثة موجة صدمية تدمر البنية الداخلية للمنشأة. وحتى في هذه الحالة، فالهدف ليس فقط تدمير المفاعل نفسه، بل شلّ أنظمة الدعم الحيوية مثل غرف التحكم وأنظمة التبريد ومخازن الوقود. عائق أعمق يفسر ما سبق حاجة إسرائيل الشديدة للقاذفة الأميركية وقنبلتها الضخمة. وبحسب صحيفة واشنطن بوست، فإن "المنشآت النووية الإيرانية لم تتعرض لأضرار لا يمكن إصلاحها في الموجتين الأوليين من الهجمات الإسرائيلية"، وبنت الصحيفة ذلك الاستنتاج على التصريحات الصادرة عن البلدين فضلًا عن مقاطع الفيديو والصور للمواقع المتضررة. وتوضح الصحيفة أنه يبدو أن إسرائيل شنت هجومًا قرب فوردو، لكنها لم تُصب المنشأة تحت الأرض نفسها. وبحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية وخبراء في مجال حظر الانتشار النووي فإن الضربات على نطنز، موقع التخصيب الرئيسي الآخر في إيران، قد دمرت منشآت عدة وألحقت أضرارًا بالنظام الكهربائي. وأوضح المحللون الذين اطلعوا على صور الأقمار الصناعية في البداية أن معدات التخصيب تحت الأرض في نطنز لم تتضرر على الرغم من وجود آثار مباشرة على قاعات التخصيب تحت الأرض في نطنز. ولكن حتى إن نجحت إسرائيل في الحصول على الدعم الأميركي وتنفيذ ضربات كهذه، فإن الأمر يظل أعقد مما قد يتصور. ورغم أن إسرائيل استطاعت عبر العقود الماضية تنفيذ ما يُعرف "بعقيدة بيغن" التي تقوم على توجيه ضربات استباقية لمنع خصومها في المنطقة من امتلاك قدرات نووية، كما حدث عند تدمير مفاعل تموز العراقي عام 1981، ومنشأة الكبر السورية عام 2007، فإن الملف الإيراني يطرح تحديات من نوع مختلف تمامًا. فالمنشآت المستهدفة من قبل كانت منفردة وظاهرة ولا تزال في مراحل مبكرة من التشييد، مما جعل ضربها ممكنًا وفعالًا. لذلك يمثل استهداف منشأة فوردو تحديًا مختلفًا عما واجهته إسرائيل سابقًا. فالبرنامج النووي الإيراني موزع على مواقع متعددة ومحمي جيدًا تحت الأرض، كما أنه مدعوم بخبرات تقنية وعلمية راسخة، وذلك ما يجعل القضاء عليه بالكامل من خلال ضربات جوية أمرًا معقدًا للغاية. وحتى إن نجحت الضربات الجوية، فإن إيران تملك القدرة العلمية والفنية على إعادة بناء منشآتها، وذلك ما دفع إسرائيل إلى محاولة استهداف العلماء الإيرانيين في محاولة لإبطاء البرنامج النووي. ومع ذلك، فإن هذا النهج أيضًا محدود الفاعلية نظرًا لاستناد البرنامج إلى بنية مؤسساتية وعلمية عميقة، وليس إلى أفراد فقط يمكن استبدالهم بسهولة. في النهاية، يظل الملف النووي الإيراني أكثر تعقيدًا من مجرد استهداف منشآت مادية، إذ يتعلق الأمر بمنع دولة لديها المعرفة العلمية والإرادة السياسية من استئناف نشاطاتها، وذلك ما يجعل التعامل الناجح معه بعيدًا كل البعد عن مجرد حل عسكري سريع.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store