
بشارة بحبح.. ابن القدس بين الاقتراب من ترامب والابتعاد عنه
مع ورود تقارير متسارعة ومتأرجحة عن انتكاسات ونجاحات جهود البيت الأبيض لإبرام اتفاق جديد لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، برز رجل يعمل كقناة تواصل غير رسمية بين إدارة الرئيس دونالد ترامب وحركة حماس بصورة واضحة في دائرة الضوء.
وقد أدت جهود الناشط والأكاديمي الفلسطيني الأميركي بشارة بحبح، التي تمت بالتنسيق مع ستيف ويتكوف مبعوث ترامب للشرق الأوسط وصديقه المقرب، بصورة مباشرة إلى إطلاق حركة حماس الأسير عيدان ألكسندر الذي يحمل الجنسيتين الأميركية والإسرائيلية، مما اعتبر نجاحا كبيرا، واحتفى ترامب بالأمر في تغريدة على منصة تروث سوشيال.
ومنذ ذلك الحين تم تكليف بحبح، وبصورة غير رسمية، بالمساعدة في تأمين التوصل لاتفاق أوسع من شأنه أن ينطوي على إطلاق سراح أسرى ورهائن إضافيين لدى حركة حماس مقابل وقف "مؤقت" لإطلاق النار، وإطلاق سراح مئات أو آلاف الفلسطينيين، والسماح بدخول المساعدات الغذائية والإنسانية للقطاع.
وتشير تقارير إلى عقد بحبح اجتماعات مع كبار مسؤولي حماس في الدوحة، في الوقت ذاته تحرك ويتكوف وتفاوض مع رون ديريمر كبير مستشاري رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
عرب أميركا من أجل ترامب!
دأب بحبح على التصويت للحزب الديمقراطي لسنوات طويلة، وكان آخرها انتخابات 2020 التي فاز فيها بايدن على ترامب، وفقا لما قاله في مقابلة أجراها مع تلفزيون "تي آر تي" التركي في يونيو/حزيران الماضي. وتخلى بحبح عن التصويت للديمقراطيين بسبب تعامل إدارة بايدن مع العدوان على قطاع غزة.
انضم لأول مرة إلى حملة ترامب في مايو/أيار الماضي، حيث أطلق مبادرة "أميركيون عرب من أجل ترامب" لحشد دعم الناخبين العرب والمسلمين الأميركيين للمرشح الجمهوري. وبدأ حملة لتعبئة أصوات الناخبين العرب والمسلمين للتصويت لصالح المرشح الجمهوري ترامب.
وبسبب تقارب نتائج استطلاعات الرأي بين ترامب وبايدن ومن بعده هاريس، خاصة في الولايات المتأرجحة التي تعج بمئات الآلاف من الناخبين العرب والمسلمين مثل ميشيغان وبنسلفانيا وويسكونسن، برزت أهمية كل صوت، واستغل بحبح هذه الفرصة كي يستفيد الناخبون العرب من هذه اللحظة الفارقة في الانتخابات الرئاسية بأن يكون لأصواتهم تأثير وأهمية وقوة في انتخابات 2024 والانتخابات المستقبلية.
وفصّل بحبح، خلال لقاء مع برنامج "راي حنانيا الإذاعي" الموجه لعرب ومسلمي أميركا، مبررات التصويت لترامب. وخلال اللقاء قال إنه عمل عن قرب مع مبعوث ترامب الخاص ريتشارد غرينيل ورجل الأعمال اللبناني الأميركي مسعد بولس صهر ترامب ومسؤول الاتصال الرئيسي مع المجتمعات العربية الأميركية.
أوصل بحبح تهنئة محمود عباس إلى ترامب مما مهد لأول مكالمة هاتفية بينهما (أسوشيتد برس)
ولعب بحبح دورا وراء الكواليس في صياغة رسالة تهنئة من الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى ترامب بعد نجاته من محاولة الاغتيال في ولاية بنسلفانيا في يونيو/حزيران الماضي. وبعد فوز ترامب، ساعد بحبح في صياغة رسالة تهنئة من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، والتي أدت إلى أول مكالمة هاتفية مباشرة بين الزعيمين.
وركز بحبح على جهود جذب أصوات العرب والمسلمين الأميركيين للتصويت لصالح المرشح الجمهوري. واعتبر أن تواطؤ إدارة جو بايدن وكمالا هاريس في دعم العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة دفعه للدفع باتجاه التصويت لصالح ترامب.
وقال إن "الإدارة الديمقراطية سمحت بمقتل 40 ألف فلسطيني وإصابة عشرات الآلاف الآخرين، في حين تعهد ترامب بالعمل على وقت القتال والإفراج عن بقية الأسرى والمحتجزين"، وذكر أن ترامب "سيعمل على إعادة بناء قطاع غزة، وتحقيق سلام الشرق الأوسط بناء على حل الدولتين".
وانتقد بشارة بحبح إرسال بايدن وهاريس أسلحة لإسرائيل، وقال إن "إرسال طلقات نارية صغيرة أو قنابل ضخمة من زنة 2000 رطل تؤدي للنتيجة نفسها، وبدون هذه الأسلحة ما كان لإسرائيل إمكانية الاستمرار في الحرب لأكثر من عدة أسابيع فقط".
واعتبر بحبح أن "إسرائيل قد خسرت الحرب بالفعل في غزة بعد نجاح حماس فيما قامت به يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول 2023)، ورغم التدمير الواسع وضخامة أعداد الضحايا الفلسطينيين، وبغض النظر عن كيفية وقف القتال لا يمكن لإسرائيل إعلان الانتصار".
ويرى بحبح أن عرب ومسلمي أميركا أقرب بالطبيعة للحزب الجمهوري بسبب السياسات الاجتماعية والتوجهات المحافظة الأقرب لتقاليهم خاصة فيما يتعلق بالتعليم والكتب التي تتناول الهويات والحريات الجنسية للأطفال. ويؤمن بحبح أنه آن الأوان لعرب أميركا أن ينخرطوا في العمل السياسي الأميركي، ليكون لهم صوت مسموع، ومقعد على مائدة صنع القرار.
وكرر بحبح خلال ظهوره ضيفا في العديد من الشبكات الإخبارية الأميركية والدولية، أنه لا يجب لعرب ومسلمي أميركا التصويت لصالح بايدن ومن بعده هاريس بسبب دعمهما الإبادة الجماعية التي تقترفها إسرائيل بحق أهل قطاع غزة
واعتبر بشارة بحبح أن تحقيق السلام في الشرق الأوسط هو الهدف الذي يكرره ترامب، وعن استمرار دعمه لترامب قال إن ذلك يتوقف "على ما يقوم به الرئيس، لن يحصل أوتوماتيكيا على دعمنا إلا إذا استمر في العمل على رفع المعاناة عن أهل غزة".
عرب أميركا من أجل السلام!
في لقاء في بداية هذا العام مع شبكة "سي إن إن"، ذكر بحبج أن ترامب قدم وعديْن للناخبين العرب والمسلمين، أولهما وقف العدوان الإسرائيلي على القطاع، وثانيهما تحقيق السلام في الشرق الأوسط اعتمادا على مبدأ حل الدولتين.
وبعدما طرح الرئيس ترامب فكرة تهجير أهل قطاع غزة إلى خارج القطاع، غضب بحبح من ترامب وغيّر اسم مبادرته لتصبح "عرب أميركا من أجل السلام" بدلا من أجل ترامب. وذكر أنه لا يدعم طرح ترامب، وأن ذلك يخالف وعود الرئيس للناخبين العرب والمسلمين. وقال "نحن دعمنا ترامب لتحقيق السلام، لا يمكن الاستمرار في دعمه بعد هذا الطرح، لذلك غيرنا الاسم".
فلسطين في القلب
ولد بشارة بحبح عام 1958 في القدس الشرقية لعائلة فلسطينية هُجرت بعد تأسيس دولة إسرائيل عام 1948، ثم انتقلت عائلته إلى الولايات المتحدة في السبعينيات، ودرس في جامعة بريغهام يونغ بولاية يوتا قبل أن يبدأ دراسته العليا في جامعة هارفارد.
شغل بحبح رئاسة تحرير "الفجر" المقدسية لبعض الوقت (أسوشيتد برس)
شغل بحبح عددا من المناصب بما في ذلك رئيس تحرير صحيفة "الفجر" التي تتخذ من القدس مقرا لها، وذلك لمدة قصيرة، وتتضمن سيرته الذاتية فترة في معهد الشرق الأوسط التابع لكلية كينيدي للإدارة الحكومية بجامعة هارفارد، وسنوات في شركة تابعة لبنك مورغان ستانلي الشهير، وكتاب بعنوان "إدارة الثروات في أي سوق".
وتشير تقارير إلى مشاركته في المفاوضات المتعددة الأطراف المتعلقة بالحد من التسلح والأمن الإقليمي في الشرق الأوسط في تسعينيات القرن الماضي.
وأثناء دراسته العليا في جامعة هارفارد المرموقة في ثمانينيات القرن الماضي، قال بحبح تعليقا على الغزو الإسرائيلي للبنان إن ما تشهده بيروت يعد بمثابة "الهولوكوست الثاني"، وأشار إلى أن شقيقته في بيروت اختفت عندما حاصرت القوات الإسرائيلية المدينة.
ولبشارة بحبح آراء منشورة تعكس قناعات فلسطينية قومية عميقة. وعن حركة حماس، كتب بحبح في يونيو/حزيران 2018 في موقع آراب أميركا "لا يريد الفلسطينيون أن تكون أي دولة فلسطينية حديثة الإنشاء دولة إسلامية. ومع ذلك، يجب الاعتراف بحماس كحزب سياسي ضمن حدود الدستور الفلسطيني. المصالحة مع حماس أمر لا بد منه، ويجب دمج حماس في منظمة التحرير الفلسطينية، ولا يمكن عزل صوتها".
وعن قطاع غزة، أضاف بحبح "يرى الفلسطينيون أن محاولات حكومة محمود عباس عزل غزة من خلال حجب الرواتب عن موظفي الخدمة المدنية الفلسطينيين وقطع الكهرباء عن قطاع غزة جريمة. سكان غزة فلسطينيون مثل أي فلسطيني (أجدادي من جانب والدتي ينحدرون من غزة). لا ينبغي لأحد أن يطبق عقابا جماعيا عليهم".
بشارة بحبح (يمين) مع الملك الأردني عبد الله الثاني (من صفحة بحبح على منصة إكس)
ولبحبح وجهة نظر حول حتمية المفاوضات لحل الصراع العربي الإسرائيلي، عبّر عنها عدة مرات خلال السنوات الماضية. وفي حوار مع مركز ويلسون البحثي أجراه في فبراير/شباط 2021 بشأن المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية السابقة والمستقبلية، قال بحبح في ذلك الوقت "فيما يتعلق بشكل أي مفاوضات مستقبلية، أعتقد أنها يجب أن تكون أكثر تفاعلية".
وأضاف "أنت لا تضع السياسات من خلال قراءة الخطب. أنت تضع السياسات من خلال الجلوس معا، وتحديد مخاوف بعضكما بعضا فيما يتعلق بالقضايا التي يتفاوضون بشأنها. وينبغي أن يكون الطرفان واضحيْن بشأن ما يأمل كل جانب في تحقيقه بسبب تلك المفاوضات. كلما كانت المفاوضات وجها لوجه، زادت فعاليتها".
قناة خلفية غير سرية
وسط تشكيك الكثيرين في واشنطن من إمكانية توصل حركة حماس وإسرائيل لاتفاق وقف إطلاق النار بينهما بعد انهيار الاتفاق السابق على يد إسرائيل ومعاودتها العدوان، أطلقت حركة حماس المحتجز الأميركي الإسرائيلي الوحيد الباقي لديها بسبب دور لعبه بشارة بحبح.
وقال بحبح للقناة 12 الإسرائيلية الشهر الماضي إن المتحدث باسم حركة حماس السيد غازي حمد، المقيم بالعاصمة القطرية، اتصل به مباشرة عن طريق شخصية تعرفه يقال إنها سهى عرفات أرملة الزعيم الراحل ياسر عرفات، وطلب منه فتح قناة جديدة مع مسؤولين أميركيين، ونقل رسالة إلى المبعوث الخاص لإدارة ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، مفادها أن حركة حماس مستعدة لإطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين مقابل وقف دائم لإطلاق النار. وكبادرة لإظهار حسن النية قبل وصول الرئيس ترامب إلى الشرق الأوسط في أولى رحلاته الخارجية، أفرجت حماس عن عيدان ألكسندر.
واعتقد كثيرون أن خطوة حركة حماس ستؤدي إلى انفراجة خاصة مع احتفاء الرئيس ترامب بإطلاق آخر محتجز أميركي. وبعد أن نقل بحبح رسالة حماس إلى ويتكوف، كرر بحبح أنه لا يمكن أن يكون هناك ما يضمن أن يضغط الرئيس من أجل إنهاء الحرب بالكامل، لكن إطلاق سراح عيدان ألكسندر، آخر مواطن أميركي محتجز رهينةً، من شأنه أن يبني الثقة، وربما يؤدي إلى تجديد دخول شحنات المساعدات.
نقل بحبح رسالة حماس إلى ويتكوف وأوصلها الأخير إلى ترامب (رويترز)
وتم إطلاق سراح الجندي الأميركي الإسرائيلي قبل وصول ترامب للشرق الأوسط، ولم تعرف إسرائيل بالمفاوضات الثنائية إلا من خلال وكالات الاستخبارات الخاصة بها، مما أثار استياء رسميا في تل أبيب.
وفي الوقت الذي أعلن فيه ترامب رغبته في إنهاء الحرب في قطاع غزة، فرضت إسرائيل رؤيتها على صانعي القرار الأميركي، مما دفع عددا من المحللين للتشكيك في استمرار الدور البارز لبحبح في التوصل لاتفاق أوسع.
ونسق بحبح جهوده مع ستيف ويتكوف، الذي قدم مؤخرا اقتراحا جديدا لكل من إسرائيل وحركة حماس يمكن أن يكون بمثابة الأساس لجعل كلا الجانبين يوافق على وقف إطلاق نار آخر.
وهكذا وجد بحبح نفسه في قلب الجهود الأميركية والإقليمية والدولية لإنهاء العدوان على قطاع غزة، رغم عدم وجود أي صفة رسمية له حتى الآن.
المصدر : الجزيرة

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


وكالة خبر
منذ 2 ساعات
- وكالة خبر
اتفاق جيّد أو سيّئ لن يمنع نتنياهو من المواصلة
كلما ظهر بصيص أمل بشأن اتفاق ما، لا يلبث أن يبتعد، فبعد أن وافقت دولة الاحتلال، من دون إعلان رسمي على ورقة الإطار التي ترجمتها من العبرية إلى الإنكليزية، ولحق ذلك إعلان حركة «حماس» الموافقة، جاء الموقفان الأميركي والإسرائيلي بلغة متطابقة، ليعلنا مع تهديد واضح عدم قبول ردّ «حماس». يبدو أن «حماس» وافقت على ورقة ستيف ويتكوف الأولى كأساس، بينما يتحدث الطرفان الأميركي والإسرائيلي عن ورقة جديدة معدّلة تضمن كل شروط دولة الاحتلال، ولا تتيح مجالاً لاستيعاب الحدّ الأدنى من رؤية «حماس». يبدو من ذلك، أن ويتكوف يحاول استثمار الضغط الشديد الذي تمارسه دولة الاحتلال على الصعيدَين العسكري والإنساني، إلى الحدّ الذي يعتقد معه أن «حماس» قاب قوسين أو أدنى من رفع راية الاستسلام. دونالد ترامب يبدو مستعجلاً الوصول إلى تهدئة ما في الشرق الأوسط، بعد أن فقد مصداقيته إزاء إمكانية إحلال السلام في أوكرانيا، وحتى في قطاع غزة، بعد مضيّ أكثر من 4 أشهر على دخوله البيت الأبيض في 20 كانون الثاني المنصرم. الإدارة الأميركية تؤكّد عادتها في ضمان دعم وحماية الدولة العبرية رغم كل ما يقال عن ضيق صدر ترامب من سياسة نتنياهو وائتلافه الفاشي الحكومي. المشكلة في اتفاق الإطار الذي قدمه ويتكوف مؤخراً ويجري السجال بشأنه، يترك للغموض، ومفاوضات لاحقة، بعض القضايا المفصلية، منها موضوع وقف الحرب العدوانية، والانسحاب الإسرائيلي وموضوع تدفق المساعدات الإنسانية. يتحدث ويتكوف عن أن مفاوضات جدّية ستبدأ بعد أن توافق «حماس» على اتفاق الإطار الذي قدمه، وذلك لبحث القضايا الأساسية التي تغفلها ورقة الإطار. ثمة قضيتان مهمتان في هذا الصدد: الأولى، هي أن الحد الأدنى من الثقة بين الفلسطينيين والشريكَين الأميركي والإسرائيلي غير متوفرة، ومن غير الممكن أن تتوفر. الولايات المتحدة ليست وسيطاً، وإنما هي طرف يحمل الموقف الإسرائيلي بحذافيره، ويتفق معه على أن الهدف الأساسي هو الإفراج عن الرهائن من دون أي أفق سياسي. الثانية، تتمثل في غياب الضمانات الأكيدة لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه حتى بالشروط الإسرائيلية. ثمة سابقة قريبة تتصل بتجاوز نتنياهو الضمانة الأميركية بشأن الاتفاق السابق، استمراراً لنهج أميركي بشأن كل ما يتعلق بالشعب الفلسطيني وحقوقه. أما الوسطاء العرب، فلا حول لهم ولا قوة إزاء إمكانية توفير مثل هذه الضمانات، ولو كان العرب عموماً جادين في وقف الحرب الدموية على القطاع، لكانوا فعلوا ذلك منذ كثير من الوقت. الإرادة العربية مفقودة، بينما يملكون من الأوراق ما يكفي لممارسة ضغط فعّال على الإدارة الأميركية، وحتى على دولة الاحتلال مباشرة. أوروبا، بدأت تتحرك، وبعض دولها «الوازنة» تتجه لتجاوز المواقف النظرية نحو اتخاذ إجراءات وعقوبات، الأمر الذي يفترض منطقياً أن يشكّل دافعاً للعرب الذين لم يتخذوا حتى الآن أي إجراء عملي يتجاوز سياسة الشجب والمطالبة والاستنكار. حين نحاول قراءة المشهد من موقف مرتفع، بعيداً عن العواطف، فإن الطرف الفلسطيني يبدو في موقف صعب وخطير للغاية. دولة الاحتلال تحتل 75% من أراضي القطاع، وتحشر الناس في منطقة محدودة غير آمنة. ويواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي سياسة الأرض المحروقة، ويستهدف كل منظومات الحياة الصحية والبيئية والزراعية والإغاثية. القتل بالجملة مستمر، حيث يسقط كل يوم العشرات من الشهداء الأطفال والنساء والمدنيين عدا عشرات الجرحى، الذين لا يجدون الحدّ الأدنى من إمكانية مداواة جراحهم. في قطاع غزة المحاصر يعاني الناس من مجاعة حقيقية، حيث لا يجدون شيئاً سوى أوراق الشجر إن وجدت، وإلّا فإن عليهم أن يتغذوا من أمعائهم الخاوية. الإحصائيات حول القتلى جرّاء الجوع ليست حقيقية، والأرجح أن من يقضي بسبب الجوع يدفن في أقرب مكان، دون أن يذهب إلى المستشفيات. وفي الميدان، لا يمكن المكابرة بشأن قدرات المقاومة البشرية والتسليحية، وحتى توفّر الاحتياجات الضرورية للاستمرار في الحياة، أسوة ببقية البشر الذين يصارعون الموت جوعاً. والمقاومة، أيضاً، لا تزال معزولة عربياً وإسلامياً، إلّا من رحم ربّي، حيث لم يبق إلى جانبها فاعل سوى جماعة «أنصار الله» (الحوثيين) في اليمن، بينما نجحت الولايات المتحدة في عزل وتجميد الجبهات الأخرى. هذا إذا كنّا سنتجاهل أن بعض العرب يتمنون القضاء المبرم على من يعتبرونهم «إخوان مسلمون» يشكلون عنصر خطر على أنظمتهم. هذا الوضع، الذي لا يحسد عليه الطرف الفلسطيني، يدعو الكثير من الناس في القطاع لأن يطالبوا المقاومة بالموافقة على ورقة ويتكوف رغم اعترافهم بأنه اتفاق سيّئ. وبالنظر لرؤية شاملة، فإن هذا المنطق يبدو طبيعياً، ولا يمكن التشكيك فيمن يعلن قبوله. ولكن هل يكفي ذلك لاتخاذ موقف؟ في الحقيقة، إنه إذا كان الطرف الفلسطيني محشوراً في خيارات صعبة وخطيرة، فإن دولة الاحتلال هي الأخرى تعاني جرّاء استمرار حربها الإجرامية على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة. ثمة تنامٍ في تحركات الرأي العام العالمي، بما في ذلك في أميركا، لصالح القضية الفلسطينية، ووقف الحرب، وإدانة ومحاسبة مرتكبي وجناة الجرائم بحق الإنسانية والقانون الإنساني الدولي. الأمر تجاوز التظاهرات الاحتجاجية والتصريحات إلى التأثير في سياسات ومواقف الحكومات، بما في ذلك الأقرب إلى دولة الاحتلال مثل بريطانيا وألمانيا. ثمة حراك سياسي دبلوماسي دولي، خلال هذا الشهر، على مستوى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، نحو اتخاذ قرارات بوقف الحرب وتدفق المساعدات الإنسانية، وثمة مؤتمر دولي قادم بمبادرة فرنسية سعودية لبحث واتخاذ إجراءات تتصل بثمانية ملفات، تتعلق بالقضية الفلسطينية مع تزايد الاستعداد للاعتراف بالدولة الفلسطينية. هذا عدا ما تعانيه حكومة نتنياهو من ضغوط داخلية شعبية واقتصادية وأمنية جعلت كيانه دولة منبوذة فعلاً. إن كان كل هذا مقروءاً من قبل المقاومة في عملية عضّ الأصابع، فإنني أميل وأنصح نحو أن تختار الموقف الذي ينقذ أهل غزّة من الجوع؛ فمهما كان أي اتفاق، إن كان مقبولاً أو مرفوضاً، فإن المحصّلة هي أن نتنياهو سيواصل فعل كل ما يريد، فإن كان التاريخ لا يشهد على ذلك، فإن ما يجري على جبهة لبنان أقرب دليل.


وكالة خبر
منذ 2 ساعات
- وكالة خبر
تواصل الاعتداء المتبادل بين روسيا وأوكرانيا في ظل عقد محادثات حول السلام
أعلنت وزارة الدفاع الروسية، اليوم الاثنين، أنها أسقطت خلال الليل 162 مسيّرة أوكرانية غالبيتها في منطقتي كورسك وبيلغورود الحدوديتين مع أوكرانيا في وقت يرتقب انطلاق جولة جديدة من المباحثات المباشرة بين موسكو وكييف في اسطنبول. وقالت الوزارة في بيانها اليوم: "في الفترة من الساعة 20:10 بتوقيت موسكو يوم 1 يونيو، وحتى الساعة 02:00 يوم 2 يونيو، اعترضت ودمرت أنظمة الدفاع الجوي العاملة 162 طائرة أوكرانية دون طيار". وبيّنت أن "57 طائرة مسيرة، تم إسقاطها فوق أراضي مقاطعة كورسك، و31 فوق أراضي مقاطعة بيلغورود، و27 فوق أراضي مقاطعة ليبيتسك، و16 فوق أراضي مقاطعة فورونيج، و11 طائرة بدون طيار - فوق أراضي مقاطعة بريانسك". وأضاف البيان: "إضافة لـ11 مسيرة فوق أراضي مقاطعة ريازان، و6 مسيرات، فوق أراضي مقاطعة أوريول، وطائرتان دون طيار، فوق أراضي جمهورية القرم، وطائرة دون طيار واحدة، فوق أراضي مقاطعة تامبوف". ومن جانبه، قال المسؤول في مجلس الأمن والدفاع الوطني الأوكراني أندريه كوفالينكو، اليوم ، إن أوكرانيا دمرت 13 طائرة على الأقل خلال هجوم على قواعد جوية روسية. وذكر كوفالينكو، وهو رئيس مركز مكافحة التضليل الإعلامي في المجلس، في منشور على تطبيق تلغرام، أن أضرارا لحقت أيضا ببعض الطائرات الأخرى خلال الهجوم. وكانت أوكرانيا نفذت هجوما مباغتا باستخدام طائرات مسيرة، اخترقت المجال الروسي انطلاقا من داخل الأراضي الروسية نفسها، في محاولة لتجنب الدفاعات الجوية الروسية المحيطة بالحدود. واستهدفت الضربات مطارات عسكرية ومنشآت يعتقد أنها على صلة بالثالوث النووي الروسي، فيما وصفت مصادر أوكرانية العملية بأنها "واسعة النطاق"، طالت أكثر من 40 طائرة عسكرية وامتدت على مسافة تفوق 4 آلاف كيلومتر في عمق سيبيريا. وبينما قدرت كييف الخسائر بما يتجاوز 7 مليارات دولار، فإن موسكو التزمت الصمت الميداني، مكتفية بالإقرار بوقوع الهجمات وتأكيدها اعتقال عدد من المشتبه بهم. وأشاد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بالأمس، بالنتائج "الرائعة" للهجوم المنسّق بطائرات مسيّرة الذي نفذته قواته على مطارات عسكرية روسية. وقال زيلينسكي، على حسابه في منصة "إكس": "هذه هي عمليتنا الأبعد مدى حتى الآن"، واصفا النتائج بأنها "رائعة للغاية". وأكد على أن العناصر الذين شاركوا في الهجوم "تم إخراجهم من الأراضي الروسية في الوقت المناسب". وفي سياق آخر، يجتمع مسؤولون روس وأوكرانيون، اليوم، في مدينة إسطنبول بتركيا لإجراء الجولة الثانية من محادثات السلام المباشرة منذ 2022، لكن ذلك يأتي مع استمرار تصاعد القتال والتباعد بين الجانبين بشأن كيفية إنهاء الحرب. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأوكرانية إن وفد كييف وصل إلى إسطنبول، مضيفا أن من المقرر عقد اجتماع بين الجانبين بعد ظهر اليوم. وطالب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب روسيا وأوكرانيا بإحلال السلام، لكنهما لم تتوصلا حتى الآن إلى اتفاق، وحذر البيت الأبيض مرارا من أن الولايات المتحدة "ستنسحب" من جهود إنهاء الحرب إذا حال عناد الجانبين دون التوصل إلى اتفاق سلام. وأسفرت الجولة الأولى من المحادثات في 16 مايو عن أكبر عملية تبادل للأسرى في الحرب، لكنها لم تسفر عن أي بادرة سلام، أو حتى وقف لإطلاق النار، إذ اكتفى الطرفان بتحديد موقفيهما التفاوضيين المبدئيين. وبعد أن أبقى العالم في حالة من الحيرة حول ما إذا كانت كييف ستحضر الجولة الثانية، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن وزير الدفاع رستم أوميروف سيجتمع مع المسؤولين الروس في إسطنبول. وسيترأس الوفد الروسي فلاديمير ميدينسكي، وهو مساعد للرئيس فلاديمير بوتين استشهد بعد الجولة الأولى بما حدث مع الجنرال ورجل الدولة الفرنسي نابليون بونابرت في الماضي ليؤكد أن الحرب والمفاوضات يجب أن تتم دائما في الوقت نفسه. وشنت أوكرانيا، أمس الأحد، واحدا من أكثر هجماتها طموحا في الحرب، إذ استهدفت قاذفات روسية بعيدة المدى ذات قدرة نووية في سيبيريا وقواعد عسكرية أخرى، في حين قال سلاح الجو الأوكراني إن الكرملين أطلق 472 طائرة مسيرة على أوكرانيا، وهو أكبر عدد تطلقه روسيا في ليلة واحدة خلال الحرب. وكان بوتين قد اقترح فكرة المحادثات المباشرة لأول مرة بعد أن طالبته أوكرانيا وقوى أوروبية بالموافقة على وقف إطلاق النار الذي رفضه الكرملين. وقال بوتين إن روسيا ستضع مسودة مذكرة تحدد الخطوط العريضة لاتفاق سلام محتمل وبعدها فقط ستناقش وقف إطلاق النار. وأشارت كييف مطلع هذا الأسبوع إلى أنها لا تزال تنتظر مسودة المذكرة من الجانب الروسي. وقال ميدينسكي، كبير مفاوضي الكرملين، أمس إن موسكو تلقت مسودة المذكرة الأوكرانية وصرح لوكالة الإعلام الروسية بأن الكرملين سيرد عليها اليوم. وذكر كيث كيلوغ، مبعوث ترامب، أن الجانبين سيقدمان في تركيا وثائقهما التي تحدد أفكارهما بشأن شروط السلام، على الرغم من أن من الواضح أن موسكو وكييف لا تزالان متباعدتين بعد ثلاث سنوات من الحرب. وأشار كيلوغ إلى أن الولايات المتحدة ستشارك في المحادثات، بل إن ممثلين من بريطانيا وفرنسا وألمانيا سيشاركون أيضا على الرغم من أنه لم يتضح على أي مستوى ستكون الولايات المتحدة ممثلة. وورد في أمر تنفيذي أصدره زيلينسكي أمس أن وفد أوكرانيا سيضم أيضا نائب وزير الخارجية، بالإضافة إلى عدة مسؤولين عسكريين ومسؤولي مخابرات. وأظهرت نسخة من الوثيقة التي اطلعت عليها رويترز أن المفاوضين الأوكرانيين سيقدمون في إسطنبول للجانب الروسي خارطة طريق مقترحة للتوصل إلى حل سلمي دائم. ووفقا للوثيقة فإن كييف تهدف إلى عدم وجود أي قيود على القوة العسكرية الأوكرانية بعد إبرام اتفاق سلام، وعدم وجود أي اعتراف دولي بالسيادة الروسية على أجزاء من أوكرانيا استولت عليها قوات موسكو، وكذلك تقديم تعويضات لأوكرانيا. وأضافت الوثيقة أن الموقع الحالي لخط المواجهة سيكون نقطة البداية للمفاوضات حول الأراضي.


وكالة الصحافة الفلسطينية
منذ 3 ساعات
- وكالة الصحافة الفلسطينية
القسام تستهدف تجمعًا لقوات الاحتلال شرقي خانيونس
غزة - صفا أعلنت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) عن استهداف تجمع لقوات الاحتلال الإسرائيلي وموقع عسكري شرقي بلدة القرارة شرقي مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة. وقالت القسام في بلاغ عسكري يوم الاثنين: إن "مجاهدبها أكدوا بعد عودتهم من خطوط القتال، استهداف تجمع لقوات العدو السبت الماضي، شرق بلدة القرارة شرقي خان يونس بـ 13 قذيفة هاون عيار 120ملم و60 ملم". وأضافت أن مجاهديها استهدفوا أيضًا، موقع العين الثالثة شرق المدينة بـ 3 صواريخ "رجوم" قصيرة المدى. وتواصل القسام تصديها لآليات الاحتلال الإسرائيلي وجنوده المتوغلين في قطاع غزة ضمن معركة "طوفان الأقصى"، ومواجهة العدوان المستمر منذ أكثر من عام ونصف. ومنذ 18 آذار/مارس الماضي، استأنفت "إسرائيل" حرب الإبادة على غزة، متنصلة من اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى مع حماس استمر 58 يومًا منذ 19 يناير/ كانون الثاني 2025، بوساطة قطر ومصر ودعم أمريكي. ويرتكب الاحتلال منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة، خلفت أكثر من 175 ألف مواطن بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.