
ترامب والتعريفات الجمركية: حينما يعاقب ترامب شعبه قبل خصومه
قرارات ترامب اللامنطقية: كيف دمرت الرسوم الجمركية الاقتصاد العالمي
في وقتٍ يواجه فيه الاقتصاد العالمي موجة اضطرابات جديدة، تعود سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الواجهة بقوة، عبر قرارات جمركية صادمة طالت الحلفاء قبل الخصوم. فهل يدفع الأميركيون والعالم ثمن هذه السياسات؟ وهل نشهد بداية أفول النظام الاقتصادي الأميركي القائم على الهيمنة والثقة بالدولار؟
ترامب لم يعد يكتفي باستهداف الصين، بل بات يُحمّل شركاء تقليديين مثل كندا، وكوريا الجنوبية، والمكسيك، واليابان والاتحاد الأوروبي، مسؤولية ما يصفه بـ"الظلم التجاري"
صدمة جمركية تُربك العالم
في مشهد يعيد إلى الأذهان كوابيس الأزمات الاقتصادية العالمية، أعلن الرئيس الأميركي السابق -والعائد بقوة إلى المشهد السياسي- دونالد ترامب، عن فرض رسوم جمركية جديدة تطول الجميع: الحلفاء قبل الخصوم، والشركاء قبل المنافسين.
لم تكد تمر 48 ساعة على هذا القرار، حتى فقدت الأسواق العالمية أكثر من 3 تريليونات دولار من قيمتها، ومع مرور أقل من 11 أسبوعاً منذ تولي ترامب الرئاسة في 20 يناير/ كانون الثاني 2025، تجاوزت الخسائر التراكمية 5.3 تريليون دولار، لتدق ناقوس خطر عالمي بأن النظام التجاري الدولي يدخل مرحلة اضطراب غير مسبوقة.
سياسات عدائية… بنكهة "أميركا أولاً"
هذه السياسات ليست وليدة اللحظة، بل تمثل امتدادًا لرؤية اقتصادية "ترامبية" قائمة على الانعزالية والحمائية، ولكنها في نسختها الجديدة أكثر حدة وتهورًا، وهي مصحوبة بخطاب عدائي يصوّب سهامه نحو الداخل والخارج معًا.
إعلان
ترامب لم يعد يكتفي باستهداف الصين، بل بات يُحمّل شركاء تقليديين مثل كندا، وكوريا الجنوبية، والمكسيك، واليابان والاتحاد الأوروبي، مسؤولية ما يصفه بـ"الظلم التجاري".
السياسات الجمركية تحولت من أداة ضغط إلى أداة طرد.. بدأت دول العالم فعليًّا في البحث عن بدائل عن الشراكة الأميركية
"أميركا أولاً".. والمواطن أخيراً؟
رغم الشعارات القومية، فإن ضريبة هذه السياسات يدفعها المواطن الأميركي أولاً؛ فوفق دراسة لجامعة ييل''Yale University، ستضطر الأسر الأميركية إلى دفع 5200 دولار سنويًّا (أكثر من 433 دولارًا شهريًّا) نتيجة ارتفاع الأسعار.
رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول حذر من سيناريو 'الركود التضخمي'، وهو أسوأ ما يمكن أن يواجهه الاقتصاد: بطء في النمو، تضخم في الأسعار، وارتفاع في البطالة.
الرسوم التي فرضها ترامب بنسبة 34% على الواردات الصينية و20% على منتجات الاتحاد الأوروبي، لن تُسهم في إحياء الصناعة الأميركية، بل ستدفع الشركات لنقل عملياتها إلى دول أخرى، ما سيؤدي إلى موجات تسريح ضخمة للعمالة الأميركية.
العالم يبتعد عن واشنطن
السياسات الجمركية تحولت من أداة ضغط إلى أداة طرد.. بدأت دول العالم فعليًّا في البحث عن بدائل عن الشراكة الأميركية.
أوروبا، بقيادة ألمانيا وفرنسا، تعزز تعاونها مع مجموعة 'بريكس+'، وأطلقت دعوات لاستحداث 'يورو سيادي'.كوريا الجنوبية وقّعت اتفاقيات جديدة مع الصين.فيتنام أصبحت وجهة رئيسية للاستثمارات المنسحبة من الصين بفعل الحرب التجارية.في أفريقيا، تشهد القارة صعودًا صينيًّا متسارعًا، وتراجعًا للدور الأميركي.
الدولار في مهب الريح
من أخطر ما تُفرزه هذه السياسات هو التآكل التدريجي لثقة العالم في الدولار كعملة احتياطية أولى.
الصين باتت تستخدم اليوان في 62% من تجارتها الأفريقية.روسيا تبيع 74% من صادراتها بعملات غير الدولار.العملات الرقمية تسجل حضورًا متزايدًا في التجارة الإقليمية: عملة موحدة بين السعودية والإمارات، ونظام دفع مشترك بين البرازيل والأرجنتين.
إعلان
ترامب وماسك.. اقتصاد بالمزاج
عودة ترامب حملت معها تحالفات داخلية مثيرة للجدل.. إيلون ماسك، رجل الأعمال الأقرب إلى ترامب، حصل على عقود فدرالية بعشرات المليارات، فيما بدأ حملة تسريحات ضخمة في القطاعات الحكومية.
إعلانات البيت الأبيض باتت تروّج بشكل فج لشركات ماسك، بينما تُتخذ السياسات على أساس الصفقات والعلاقات الشخصية، لا اعتبارات الاقتصاد العام.
أما تفكيك 'هيئة المعونة الأمريكية' USAID، فقد أضعف الحضور الأميركي في مناطق حيوية، من أمريكا اللاتينية إلى أفريقيا، لصالح النفوذ الصيني أو المبادرات الإقليمية الأقل عدوانية.
"فوكس نيوز" و"نيوزماكس" تروّجان لترامب دون مساءلة. "سي إن إن" و"إم إس إن بي سي" تنتقدانه، ولكن ضمن نطاق جمهورهما التقليدي
فساد وسقوط قناع "القيم"
الولايات المتحدة التي لطالما قدّمت نفسها كراعية للديمقراطية، تُتهم اليوم بتقويضها.
من دعمها غير المشروط لإسرائيل في عدوانها على غزة، إلى قمعها الطلاب داخل الجامعات، والتجسس على المحتجين لإرضاء ممولين مثل "مريام أديلسون"، تتهاوى صورة "القيم" الأميركية.
الإدارة الحالية تتعامل مع كندا كـ"الولاية 51'، وتسعى للهيمنة على أراضي دول أخرى مثل غرينلاند، في ممارسات تفقدها الاحترام الدولي.
الإعلام الأميركي.. وانهيار النقد والمهنية
في ظل التوتر، تعكس وسائل الإعلام الأميركية حالة الانقسام والاستقطاب الحاد:
"فوكس نيوز" و"نيوزماكس" تروّجان لترامب دون مساءلة. "سي إن إن" و"إم إس إن بي سي" تنتقدانه، ولكن ضمن نطاق جمهورهما التقليدي.
هذا التشظي حرم المواطن الأميركي من رؤية نقدية مستقلة، وأضعف الرقابة الإعلامية، فبات الإعلام أداة تعبئة لا مساءلة، ما يفاقم هشاشة الديمقراطية الأميركية.
ما نشهده اليوم ليس مجرد نزوة رئيس مثير للجدل، بل تحوّل عميق في النظام العالمي.. العالم لم يعد مستعدًا لدفع ثمن فوضى واشنطن، ولا لقبول شعار "أميركا أولاً" على حساب استقراره.
نماذج ملهمة: سيادة بلا تبعية
بين ارتباك واشنطن وتراجع الغرب، تظهر أربع دول بنموذج متوازن في إدارة علاقاتها الدولية
تركيا: توازن بين واشنطن وموسكو وبكين، وتملك سياسة خارجية مستقلة.قطر: دعم ثابت للقضية الفلسطينية، دون الارتهان لأي محور.البرازيل: بقيادة لولا دا سيلفا، تُعيد تموضعها في الجنوب العالمي.جنوب أفريقيا: قوة ناعمة تقود التعددية القطبية وترفض التبعية الغربية.
إعلان
هذه الدول تقدم دروسًا في السيادة، وفي كيفية تحقيق المصالح دون الخضوع للابتزاز الجيوسياسي.
نهاية عهد الهيمنة؟
ما نشهده اليوم ليس مجرد نزوة رئيس مثير للجدل، بل تحوّل عميق في النظام العالمي.. العالم لم يعد مستعدًا لدفع ثمن فوضى واشنطن، ولا لقبول شعار "أميركا أولاً" على حساب استقراره.
النتيجة؟
المواطن الأميركي يدفع الثمن أولاً، ثم شركاء واشنطن، وأخيرًا.. يتجه العالم شرقًا وجنوبًا، نحو نموذج عالمي أكثر عدالة وتوازنًا.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
ترامب يطوي صفحة ماسك.. قطيعة تهدد عقودا بمليارات الدولارات
في تصعيد جديد للخلاف بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والملياردير إيلون ماسك ، أعلن البيت الأبيض أن الرئيس "لا يعتزم" التحدث إلى ماسك، في خطوة تعكس عمق التوتر بين الطرفين بعد انتقادات لاذعة وجهها ماسك لمشروع قانون الموازنة الجديد الذي يدعمه ترامب. وقال مسؤول رفيع في البيت الأبيض لوكالة الصحافة الفرنسية إن الرئيس غير مهتم بالتواصل مع ماسك، رغم أن الأخير طلب الاتصال به. وأضاف المسؤول أن ترامب "يركز بالكامل على الشؤون الرئاسية"، نافيا صحة تقارير تحدثت عن لقاء محتمل بين الرجلين. ويأتي هذا التوتر بعد أن وصف ماسك مشروع الموازنة الذي أطلق عليه ترامب اسم "القانون الكبير الجميل" بأنه "رجس يثير الاشمئزاز"، محذراً من أنه سيؤدي إلى زيادة العجز الحكومي بنحو 2.5 تريليون دولار خلال العقد المقبل. ورد ترامب بوصف ماسك بأنه "الرجل الذي فقد عقله"، ملمحا إلى احتمال بيع أو التبرع بسيارة "تسلا" يمتلكها، كانت قد أصبحت رمزا لدعمه السابق لرئيس شركة "سبيس إكس". وقد تراجعت أسهم "تسلا" بأكثر من 14% أمس الأول الخميس، مما أدى إلى خسارة أكثر من 100 مليار دولار من قيمتها السوقية، قبل أن تتعافى جزئيا أمس الجمعة. ويبدو أن الخلاف قد يهدد عقودا حكومية ضخمة كانت شركات ماسك تعتمد عليها، خاصة في مجالات الفضاء والطاقة. وفي محاولة لاحتواء التصعيد، نشر ماسك تغريدة على منصة "إكس" قال فيها: "لن نسحب مركبة دراغون"، في إشارة إلى تهديد سابق بسحب المركبة الفضائية التي تستخدمها وكالة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) لنقل روادها إلى محطة الفضاء الدولية. لكن التوتر لم يتوقف عند هذا الحد، إذ أطلق ماسك استطلاعا للرأي حول تشكيل حزب سياسي جديد يمثل "80% في الوسط"، مما اعتبره مراقبون تهديدا مباشرا للقاعدة الجمهورية التي يعتمد عليها ترامب في حملته الانتخابية. وفي موسكو، دخل قادة روس على خط الأزمة بتعليقات ساخرة، حيث عرض الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف التوسط بين الطرفين "مقابل أجر معقول"، بينما قال النائب ديمتري نوفيكوف إن روسيا"يمكنها بالطبع" منح ماسك اللجوء السياسي إذا احتاج إليه. وفي ظل هذا التصعيد، يبقى السؤال مفتوحا حول مستقبل العلاقة بين أغنى رجل في العالم ورئيس أقوى دولة، وما إذا كانت هذه القطيعة ستؤدي إلى إعادة تشكيل التحالفات السياسية والاقتصادية في الولايات المتحدة.


الجزيرة
منذ 6 ساعات
- الجزيرة
غارات العيد رسالة لطهران، وليست للداخل اللبناني
شهد الخميس 5 يونيو/ حزيران الجاري، 23 غارة متتالية من مسيرات، وقصفًا من مقاتلات إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت، شنّتها بعد وقت قصير من إصدار الجيش الإسرائيلي أوامر إخلاء مبانٍ في الحدث، وحارة حريك، وبرج البراجنة. جاءت هذه الغارات رغم قيام الجيش اللبناني، بالتنسيق مع لجنة الإشراف على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، بالدخول إلى بعض الأبنية التي هددها الاحتلال لدحض الإشاعات الإسرائيلية التي تدّعي وجود مصانع للصواريخ والمسيرات، فقد أصر الإسرائيلي على توجيه ضرباته، ما اضطر الجيش اللبناني- وحفاظًا على سلامة عسكرييه- للانسحاب. لكن يبقى السؤال لماذا أصرّ الإسرائيلي على تنفيذ ضرباته رغم تدخل الجيش اللبناني؟ أكّد المتحدث باسم جيش العدو الإسرائيلي على موقعه على منصة "إكس" أن جيش الدفاع شنّ بشكل موجّه من خلال طائرات حربية غارات استهدفت مواقف إنتاج ومستودعات لتخزين مسيرات تابعة للوحدة الجوية في حزب الله (الوحدة 127) في الضاحية الجنوبية، وجنوب لبنان". لكن يبدو أن الإسرائيلي كان يحتاج إلى ذرائع لتنفيذ الضربات على لبنان، لكنّ تحرّكه في هذا التوقيت بالذات- ورغم استعداد لبنان رسميًا وشعبيًا للاحتفال بعيد الأضحى المبارك- أتى بعد 24 ساعة على استخدام الأميركي حق النقض (الفيتو) في الأمم المتحدة، على قرار يطالب إسرائيل بوقف عدوانها على قطاع غزة، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية. اعتبر رئيس الحكومة الإسرائيلي أن الفيتو الأميركي هو بمثابة ضوء أخضر لجيشه للاستمرار في حربه على أكثر من جبهة، تحديدًا الجبهة اللبنانية التي يشكل فيها حزب الله الركيزة الأساسية للمحور الذي يضمّ النفوذ الإيراني في المنطقة. وهذا أول فيتو تستخدمه واشنطن في مجلس الأمن الدولي منذ أن عاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 20 يناير/ كانون الثاني الماضي. لهذا طار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فرحًا، وعبّر قائلًا: إن الفيتو هذا أتى ليدحض كل الفبركات التي شككت بعلاقته مع ترامب. ماضية إسرائيل في حربها في المنطقة، لهذا لن تكون هذه الضربات التي وجهت إلى لبنان الأخيرة، فهي بحسب المتابعين مستمرة ما دام أنه لا رادعَ حقيقيًا يقف في وجه ما يجول في تفكير نتنياهو الذي أصبح على ما يبدو أداة تنفيذية في يد الإدارة الأميركية. ليس مستغربًا أن تضرب الطائرات الإسرائيلية عمق الضاحية، فهي نفّذت الكثير حتى بعد الإعلان عن وقفٍ لإطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله في 27 يناير/ كانون الثاني الماضي، ودخول القرار حيّز التنفيذ، وذلك رغم أن الدولة اللبنانية وقيادة الجيش أبدوا استعدادهم التام لتنفيذ بنود ما اتفق عليه، وهذا ما أكد عليه رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام في مواقف له بمناسبة مرور 100 يوم على تشكيل حكومته، بأن "الجيش اللبناني فكّك أكثر من 500 موقع ومخزن سلاح في المنطقة الممتدة جنوب نهر الليطاني، مشددًا في الوقت عينه، على أنه لا يمكن تحقيق الاستقرار في ظل العدوان الإسرائيلي المتكرر على لبنان". مواقف سلام تقاطعت مع ما أعرب عنه رئيس الجمهورية اللبنانية جوزيف عون بإدانته الشديدة للعدوان الإسرائيلي مساء الخميس 5 يونيو/ حزيران، على ضاحية بيروت الجنوبية، وفي بعض المناطق الجنوبية. وأكد عون في بيان صادر عن الرئاسة اللبنانية، على إدانته، معتبرًا أن "هذه الاستباحة السافرة لاتفاق دولي، كما لبديهيات القوانين والقرارات الأممية والإنسانية، عشية مناسبة عيد الأضحى المبارك. إنما هي الدليل الدامغ على رفض المرتكب لمقتضيات الاستقرار والتسوية والسلام العادل في منطقتنا". لا نقاش في أن الحرب الحقيقية في المنطقة لم تبدأ بعد، فالضربات الإسرائيلية الأخيرة لم تحمل رسائل إلى الداخل اللبناني الذي يلتزم بتعهداته في تنفيذ بنود القرار رقم 1701، لكنها أتت بعد الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، إلى بيروت، الثلاثاء 3 يونيو/ حزيران الجاري، والتي إضافة إلى طابعها الرسمي المؤيد لتحركات الدولة اللبنانية، حيث طالب بفتح "صفحة جديدة" مع لبنان، فقد حملت رسائل إلى إسرائيل من ضريح السيد حسن نصرالله، بأنّ المقاومة جاهزة، وأن إيران لم تزل الحاضنة الأولى لها. كما تفيد المعلومات غير الرسمية، بأن الهدف من هذه الزيارة المفاجئة لعراقجي إلى بيروت، يحمل بعدًا تفاوضيًا مع أميركا حول الملف النووي، بسبب الحديث عن عقدة "التخصيب" الذي تعتبره إيران حقًا مقدسًا لها، ما دام أنه يستخدم في إطار البرنامج السلمي. دخلت المفاوضات الإيرانية الأميركية مرحلتها الحاسمة، وبدأ طرفا الحوار يلوحان بأوراق القوى لديهما. فتأكيد نتنياهو على أن إسرائيل ستنفذ ضربات ضد إيران في حال تعثّرت تلك المفاوضات، وأن قواتها الجوية تنفذ تدريبات مستمرة تحاكي سيناريو توجيه الضربات الجوية على إيران، يرسخ أنها ورقة أميركا القوية في المنطقة. بينما أتى عراقجي إلى لبنان ليرفع عاليًا ورقة إيران الأقوى في المنطقة، وهي وجود حزب الله وسلاحه، وأن هناك احتمالية لفتح الجبهة الجنوبية مجددًا في حال تعرُّض طهران لقصف إسرائيلي. "اختلطت" على اللبناني الأمور، وبدأ يفقد ثقته بكل شيء، وكاد أن يردد مع الشاعر المتنبي: "عيد بأية حال عدت يا عيد"، بسبب حالة الهلع الشديد التي رافقته، تحديدًا سكان ضاحية بيروت الجنوبية والمناطق الجنوبية، بعدما أخلوا منازلهم مهرولين إلى أماكن تعتبر أكثر أمنًا من تلك التي استهدفتها إسرائيل. هذا، وأتت الغارات الإسرائيلية عشية احتفال المسلمين في العالم بعيد الأضحى المبارك، حيث حوّلت إسرائيل "بهجة العيد" في عيون الأطفال في لبنان إلى قلق وخوف ورعب، بينما شردت ضرباتها هذه مئات العائلات التي ستضاف إلى تلك الآلاف التي أصبحت دون مأوى. لعبة "عضّ الأصابع" بدأت بين الأميركي والإيراني، ولكنّ اللبناني هو من يصرخ؛ لأنه لا رادع لإسرائيل إلى الآن لوقف عدوانها، رغم تأكيد رئيس الحكومة اللبنانية على تطبيق القرار الدولي. ورغم رفع الرئيس عون مستوى الإدانة إلى المعنيين، تحديدًا الولايات المتحدة، فإن الأمور لن تهدأ على هذه الجبهة؛ لأنّ الهدف أبعد من تطبيق قرارات دولية، بل هو مرتبط بمصير المنطقة جمعاء. وإن الجولة السادسة من المفاوضات ستكون الفيصل في وضع المنطقة إما السير في مسار الحل السلمي، أو التصعيد المباشر، وهذا ما يبتغيه نتنياهو.


الجزيرة
منذ 11 ساعات
- الجزيرة
خلاف ترامب وماسك.. ما أسبابه وما السيناريوهات المحتملة؟
فجأة، تحول التباين السياسي بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب وحليفه السابق الملياردير إيلون ماسك ، بشأن مشروع قانون الإنفاق الجمهوري، إلى ما يشبه القطرة التي أفاضت كأس العلاقات الودية و"حلف المصالح" بين الرجلين. وسرعان ما تطور التراشق العلني بين رئيس أقوى دولة في العالم وأحد أعتى أباطرة المال في الولايات المتحدة إلى حد بلغ التهديد بقطع العقود، وتلميحات صادمة بشأن علاقات مشبوهة، وصولا إلى دعوة غير مسبوقة لترحيل ماسك أطلقها أحد أبرز حلفاء ترامب. فما أسباب هذا الخلاف العلني بين حليفي الأمس القريب؟ وما تداعياته؟ وما احتمالات الوصول إلى نقطة اللاعودة في علاقتهما المثيرة للجدل؟ متى بدأ الخلاف؟ بدأت الأمور تخرج عن السيطرة في علاقات ترامب وماسك قبل أيام عندما انتقد الأخير مشروع قانون خفض الضرائب والإنفاق الذي طرحه الرئيس الأميركي. ووصف ماسك مشروع القانون بأنه "شر مقيت" وسيزيد من العجز الاتحادي، وكتب -في منشور على منصة إكس- "أنا آسف، ولكنني لم أعد أتحمل ذلك.. مشروع قانون الإنفاق الهائل والفظيع في الكونغرس هو شر مقيت". وأضاف "سيزيد مشروع القانون عجز الميزانية الهائل أصلا إلى 2.5 تريليون دولار (!!!) ويثقل كاهل المواطنين الأميركيين بديون لا يمكن تحملها". وأقر مجلس النواب مشروع القانون الشهر الماضي، بفارق صوت واحد بعد أن قال مكتب الميزانية في الكونغرس إن التشريع، الذي سيمدد التخفيضات الضريبية لعام 2017 التي كانت أهم إجراء تشريعي حققه ترامب في ولايته الأولى، سيضيف 3.8 تريليونات دولار إلى ديون الحكومة الاتحادية البالغة 36.2 تريليون دولار. ويتضمن مشروع القانون إعفاءات ضريبية تقدر بتريليونات الدولارات، وزيادة في الإنفاق الدفاعي، إلى جانب السماح للحكومة الأميركية باقتراض المزيد من الأموال. ويُتوقع أن يزيد مشروع القانون، الذي يدعوه ترامب "القانون الجميل والضخم" بصيغته الحالية العجز في الميزانية الأميركية، أي الفارق بين الإنفاق الحكومي والإيرادات، بنحو 600 مليار دولار في السنة المالية القادمة، وفقا للتقديرات. ماذا قال كل طرف عن الآخر؟ ردا على انتقادات ماسك لقانون الإنفاق المدعوم من الحزب الجمهوري ، خرج ترامب عن صمته أمس قائلا للصحفيين في المكتب البيضاوي إنه يشعر "بخيبة أمل". وأضاف "أنا وإيلون ربطتنا علاقة رائعة. لا أعرف إذا ما كنا سنظل كذلك بعد الآن". ورد ماسك، الذي أنفق ما يقرب من 300 مليون دولار لدعم ترامب وجمهوريين آخرين في انتخابات العام الماضي، وكتب على إكس "لولاي لخسر ترامب الانتخابات". كما هدد ترامب بـ"إنهاء العقود الحكومية" الممنوحة لماسك، وقال -في منشور على منصة "تروث سوشيال"- "أسهل طريقة لتوفير مليارات الدولارات من ميزانيتنا هي إلغاء الدعم الحكومي والعقود الممنوحة لإيلون". وأضاف "كنت أستغرب لماذا لم يفعل جو بايدن ذلك. إيلون كان يفقد مكانته، وقلت له أن يرحل. لقد ألغيت اللوائح التي كانت تُجبر الناس على شراء سيارات كهربائية لا يريدها أحد، وكان يعلم ذلك منذ شهور، لكنه جنّ جنونه في حينها". إلى أين وصلت حدة التصعيد؟ تصاعدت حدة الخلاف بين الرجلين حيث دخل ستيف بانون ، المستشار السابق لترامب، على خط الأزمة داعيا إلى فتح تحقيق في الوضع القانوني لماسك وترحيله فورا. وقال بانون -في تصريحات لصحيفة نيويورك تايمز- "أعتقد اعتقادا راسخا أن ماسك مهاجر غير شرعي ويجب ترحيله من البلاد". وأضاف خلال برنامجه "غرفة حرب بانون" "ستعيدون الآخرين، فلنبدأ بالجنوب أفريقيين، أليس كذلك؟". وأشار بانون إلى تقارير تفيد بأن ماسك عمل بشكل غير قانوني في الولايات المتحدة قبل حصوله على الجنسية، كما استند إلى مزاعم بتعاطيه للكيتامين، التي قال إنها "ستوجب تحقيقا فدراليا". وقال بانون إن ترامب منحه دعما غير مسبوق، لكن ماسك "انقلب عليه"، مضيفا "هذا شخص سيئ. إنه غير كفء، وحذرنا منه". في المقابل، ألمح ماسك إلى تأسيس حزب سياسي ثالث "يمثل 80% من الطبقة المتوسطة". كما دعا إلى عزل ترامب وتولي نائبه جيه دي فانس المنصب بدلا منه، وقال -في منشور عبر حسابه على منصة إكس- إنه يعتقد أن ترامب يجب أن يُعزل وأن يتولى جيه دي فانس، الرئاسة بدلا منه. ما التداعيات المباشرة للتصعيد؟ اختتم سهم شركة تسلا المملوكة لماسك تداولات أمس الخميس على انخفاض بأكثر من 14%، لتخسر الشركة نحو 150 مليار دولار من قيمتها السوقية في أكبر هبوط في قيمتها في يوم واحد على مدى تاريخها. وفي تعاملات ما قبل افتتاح السوق اليوم الجمعة عوضت الأسهم جانبا من تلك الخسائر، وارتفعت 5% بعد تقارير مبكرة أفادت بأن الرجلين من المقرر أن يتحدثا. كما أعلن ماسك أن شركته "سبيس إكس" ستبدأ في وقف تشغيل دراغون، التي تعد المركبة الفضائية الوحيدة في الولايات المتحدة القادرة على إرسال رواد فضاء إلى محطة الفضاء الدولية، وأرجع ذلك إلى تهديدات ترامب. ووفقا لتصنيف "بلومبيرغ" اليومي، خسر ماسك 33.9 مليار دولار، وتعد هذه ثاني أكبر خسارة في تاريخ المؤشر، بعد الانخفاض الأكبر الذي شهده ماسك في نوفمبر/تشرين الثاني 2021. ويرى مراقبون بأن تداعيات الخلاف بين أغنى شخص في العالم ورئيس أقوى دولة في العالم، قد تكون كبيرة إذ يمكن أن تقلص الرصيد السياسي لترامب في حين قد يخسر ماسك عقودا حكومية ضخمة. نقلت شبكة "إيه بي سي" اليوم عن الرئيس ترامب قوله إن حليفه السابق ماسك "فقد عقله" وإنه ليس مهتما بالتحدث معه في الوقت الراهن. وأضاف ترامب "ماسك هو الذي يريد التحدث معي لكنني غير مستعد بعد للتحدث معه". كما نقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مستشارين لترامب أن الرئيس لا يزال مستاء من هجمات ماسك على مواقع التواصل، وإنه يفكر في التخلص من سيارته تسلا. وقال مسؤول في البيت الأبيض إن الرئيس غير مهتم بالتحدث مع ماسك، ولا توجد خطط لإجراء اتصال بينهما اليوم على الرغم من جهود مسؤولي البيت الأبيض للتوصل إلى تهدئة بين الطرفين بعد الصدام العلني الكبير بينهما. وتبادل الرجلان الإهانات عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ووصل الأمر بماسك إلى حد نشر منشور قال فيه إن اسم ترامب وارد في وثائق حكومية بشأن الملياردير جيفري إبستين المدان بجرائم جنسية، الذي انتحر في زنزانته في عام 2019 خلال انتظار محاكمته. وأضاف ماسك "يوما سعيدا دي جاي تي" في إشارة إلى اسم ترامب الكامل، دونالد جون ترامب. وذكرت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت أن منشور ماسك حول إبستين "فصل مؤسف من جانب إيلون المستاء من مشروع القانون الكبير والجميل لأنه لا يتضمن السياسات التي يريدها". وكان ترامب قد تعهّد خلال حملته الرئاسية لعام 2024 بكشف الوثائق السرية المتعلقة بقضية جيفري إبستين، كما قال في مقابلة مع مقدم البرامج ليكس فريدمان في سبتمبر/أيلول 2024، إنه من المرجح أن ينشر "قائمة العملاء" الذين زاروا إبستين، وإنه لا يمانع في نشر ملفات إضافية. هل وصلت العلاقة لنقطة اللاعودة؟ يرى مراقبون أنه ليس من الواضح كيف يمكن إصلاح العلاقة المتوترة بين الرجلين والتي شهدت في الفترة الأخيرة تأزما تسبب في توترات داخل البيت الأبيض. ولم يشأ مستشار ترامب التجاري بيتر نافارو، الذي كان ماسك وصفه بأنه "أكثر غباء من كيس من الطوب" خلال جدل حول التعريفات الجمركية، التبجح لكنه أشار إلى أن "مدة صلاحية" ماسك "قد انتهت". إعلان في المقابل، يعتقد البعض أن "التحالف السياسي" بين الرجلين قد انهار بالفعل ووصل نقطة اللاعودة على ضوء السجال الناري الحالي الذي هدد فيه ترامب بتجريد الملياردير من عقود ضخمة مبرمة مع الحكومة، ومطالبات ماسك بإخراج ترامب بشكل نهائي من صدارة المشهد الرئاسي.