
"فورين أفيرز": كيف يُقيّد الرأي العام العربي التطبيع مع "إسرائيل"؟
مجلة "فورين أفيرز" الأميركية تنشر مقالاً يقدّم تحليلاً سياسياً واجتماعياً شاملاً للتأثير الذي أحدثته الحرب الإسرائيلية على غزة على الرأي العامّ العربي وعلى سياسات الحكومات العربية، خصوصاً في ضوء التطورات السابقة مثل اتفاقيات "أبراهام" والتقارب العربي الإسرائيلي.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرّف:
عندما بدأت "إسرائيل" بتطبيع العلاقات مع بعض جيرانها عام 2020، كجزء من اتفاقيات "أبراهام" التي توسّطت فيها الولايات المتحدة، بدأ العديد من المحللين يتساءلون عما إذا كانت القضية الفلسطينية لا تزال تُهمّ العالم العربي. ازدادت الشكوك حول أهمية هذه القضية بالنسبة للعرب أواخر عام 2023، عندما بدا أنّ المملكة العربية السعودية قد تنضمّ أيضاً إلى الاتفاقيات، وتُطبّع العلاقات مع "إسرائيل" من دون المطالبة، في المقابل، بإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
أثارت الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة، التي أعقبت هجوم حماس على "إسرائيل" في 7 أكتوبر 2023، غضباً دولياً إزاء نطاق العنف المُستخدم ضد المدنيين الفلسطينيين وحصار "إسرائيل" للمساعدات الإنسانية المُقدّمة لغزة.
لطالما عانى الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية من العنف والحرمان، لكن المعارضة العربية للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية نادراً ما كانت عاملاً حاسماً في الصراع. بالنظر إلى مستوى الدمار غير المسبوق الذي أحدثته هذه الجولة من القتال، توقّع العديد من المراقبين أن يؤدي غضب المواطنين العاديين في الدول العربية إلى تحوّلات كبيرة في خطاب حكوماتهم وسياساتهم.
بدلاً من ذلك، جادل بعض الباحثين بأنّ هجمات 7 أكتوبر والأحداث التي تلتها قد أضعفت في الواقع القضية الفلسطينية، مشيرين إلى أنّ القضية قد تراجعت إلى حدّ كبير عن الأجندة الدولية. ويستشهد البعض، على سبيل المثال، بحقيقة أنّ أياً من الدول العربية التي وقّعت معاهدات سلام مع "إسرائيل" لم تقطع تلك العلاقات. وبالمثل، خلال زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخيرة إلى قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، تراجعت القضية إلى مرتبة ثانوية، على الأقل علناً، حيث طغت عليها المصالح الاقتصادية للأطراف.
ومع ذلك، فإنّ هذا الرأي يغفل حقيقة حاسمة. وكما توضح استطلاعات الرأي التي أجريناها في المنطقة، فقد تغيّر الرأي العامّ العربي بالفعل، وبطرق أثّرت على سلوك الأنظمة في الدول العربية. وعلى الرغم من أنّ مصالحهم الأساسية لم تتغيّر بشكل ملموس نتيجة للصراع في غزة، إلا أنّ سياساتهم الخارجية كانت مقيّدة بسبب غضب مواطنيهم المتزايد إزاء الهجمات الإسرائيلية. وبعد أن بدأت "إسرائيل" حملتها في غزة، توقّف التطبيع العربي الإسرائيلي. وخلال زيارة ترامب الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية، لم يكن توسيع اتفاقيات التطبيع على جدول الأعمال. وعلى الرغم من السابع من أكتوبر وحرب غزة، لا تزال بعض الحكومات العربية تأمل في علاقات أوثق مع "إسرائيل"، معتقدة أن مثل هذه العلاقات ستخدم مصالحها الاستراتيجية. لكنها لم تتمكّن من المضي قدماً بسبب المعارضة الشعبية.
اليوم، على عكس ما كان عليه الحال قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر، لا يمكن لقادة المنطقة تجاهل دعم شعوبهم للقضية الفلسطينية. إذا أرادت "إسرائيل" أن تُحرز تقدّماً ملموساً في اندماجها في المنطقة، فلا بدّ من إيجاد سبيلٍ ما لإقامة دولة فلسطينية. 29 نيسان 08:52
27 شباط 12:42
لطالما أيّد المواطنون العاديون في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قيام الدولة الفلسطينية. وفي الأشهر التسعة التي تلت بدء الحملة الإسرائيلية، تعمّق هذا الالتزام. خلال تلك الفترة، أجرت منظمتنا، "البارومتر العربي"، استطلاعات رأي وطنية تمثيلية في جميع أنحاء المنطقة.
ووجدنا أنّه من المغرب إلى الكويت، وصفت أغلبية واضحة من المشاركين في الاستطلاع هجوم "إسرائيل" على غزة بمصطلحات "إبادة جماعية" أو "مجزرة" أو "تطهير عرقي". ومع ذلك، أقرّ معظم المشاركين بحقّ "إسرائيل" في الوجود: حتى بعد ردّ "إسرائيل" بالقوة العسكرية على هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر، أيّدت أغلبية في جميع الدول التي شملها الاستطلاع تقريباً حلّ الدولتين لحلّ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. لكنّ العداء تجاه "إسرائيل" ظلّ سائداً: على سبيل المثال، أفاد 3% فقط من التونسيين بأن لديهم رأياً "إيجابياً جداً" أو "إيجابياً إلى حد ما" تجاه "إسرائيل". كما انخفض دعم التطبيع مع "إسرائيل"، بما في ذلك في الدول التي وقّعت بالفعل على اتفاقيات "التطبيع". وفي المغرب، الذي قام بتطبيع العلاقات مع "إسرائيل" من خلال الاتفاقيات في عام 2020، فضّل 13% فقط من المستجيبين تطبيع العلاقات بين الدول العربية و"إسرائيل" في الأشهر التي أعقبت 7 تشرين الأول/أكتوبر، مقارنة بـ 31% في عام 2022.
تغيّرت آراء المواطنين العرب تجاه الجهات الدولية الفاعلة أيضاً نتيجةً للحرب في غزة. ففي معظم الدول التي شملها الاستطلاع في المنطقة، أفاد الناس بانخفاض ملحوظ في تأييدهم للولايات المتحدة في الاستطلاعات التي أُجريت بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، مقارنةً بتلك التي أُجريت بين عامي 2021 و2022، بما في ذلك انخفاض بنسبة 23 نقطة مئوية في الأردن، و19 نقطة في موريتانيا، و15 نقطة في لبنان، و7 نقاط في العراق. وشهدت دول أخرى حليفة لـ "إسرائيل"، مثل فرنسا والمملكة المتحدة، انخفاضاً مماثلاً. فقد انخفضت نسبة التأييد لفرنسا بنسبة 20 نقطة مئوية في لبنان، و17 نقطة في موريتانيا، و10 نقاط في المغرب. وينطبق الأمر نفسه على الآراء الإيجابية تجاه المملكة المتحدة، التي انخفضت بنسبة 38 نقطة مئوية في المغرب، و11 نقطة في الأردن، و5 نقاط في العراق. وفي الوقت نفسه، وخلال الفترة نفسها، تحسّنت الآراء تجاه الصين بشكل كبير، معوّضةً بذلك تراجعاً استمر لسنوات. فقد زادت نسبة التأييد للصين بنسبة 16 نقطة مئوية في الأردن، و15 نقطة في المغرب، و10 نقاط في العراق، و6 نقاط في لبنان.
لم تصاحب هذه التغيّرات الجذرية في الرأي العام اضطرابات من النوع الذي شهدته المنطقة، على سبيل المثال، خلال ثورات "الربيع العربي" في 2010-2011. لكن الاحتجاجات كانت شائعة نسبياً في جميع أنحاء المنطقة العربية على مدار العام ونصف العام الماضيين. في استطلاعات "الباروميتر العربي" التي أجريت من عام 2023 إلى عام 2024، أفاد ما لا يقلّ عن 10% من المشاركين البالغين في كل دولة شملها الاستطلاع أنهم شاركوا في تظاهرة في العام الماضي - وهي نسبة مماثلة لنسبة الأميركيين البالغين الذين شاركوا في الاحتجاجات ضد وحشية الشرطة خلال ربيع وصيف عام 2020، وفقاً لاستطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسة "كايزر فاميلي" و"سيفيس أناليتيكس". وفي نيسان/أبريل وأيار/مايو من هذا العام، اندلعت احتجاجات محلية متعلّقة بغزة في الجزائر والبحرين ومصر والعراق والأردن ولبنان وليبيا وموريتانيا والمغرب وعمان وسوريا وتونس واليمن. في المغرب، كان هناك 110 تظاهرات في 66 مدينة وبلدة في يوم واحد فقط في نيسان/أبريل. وهذا الأسبوع، وصلت إلى ليبيا قافلة شعبية كبيرة تُعرف باسم "الصمود"، تضم تونسيين وليبيين وأفراداً من دول أخرى، انطلاقاً من تونس، في مهمة لإيصال المساعدات إلى أهالي غزة. ومن المتوقّع أن تجذب القافلة مشاركين جدداً مع استمرارها في طريقها إلى غزة. إلّا أنّ هذه الفعّاليات لم تحظَ باهتمام كبير من وسائل الإعلام الدولية.
لكانت التظاهرات على الأرجح أكبر حجماً وتضمّ قطاعات أوسع من المجتمعات العربية، وأكثر وضوحاً للمراقبين الخارجيين، لولا الممارسات القمعية للحكومات في المنطقة. لا تُحظر الاحتجاجات رسمياً في معظم الدول العربية، لكن معظم المواطنين يدركون أنه في الممارسة العملية، ليس لديهم حقّ مضمون في المشاركة في التظاهرات التي تعبّر عن معارضة سياسات حكوماتهم.
على الرغم من انتقاد الحكومات العربية لسلوك "إسرائيل" في غزة، إلا أنها امتنعت عن اتخاذ أي خطوات من شأنها أن تُصعّب على "إسرائيل" مواصلة عملياتها العسكرية هناك. ولكن هذا ليس لأن المواطنين قد تجاوزوا المرحلة أو لأن القادة يستطيعون ببساطة تجاهل هذه التيارات الفكرية. فالاحتجاجات تندلع يومياً في جميع أنحاء المنطقة، وحتى لو لم تُفضِ إلى تغييرات جذرية في سياسات الحكومات الاستبدادية، فإنها تُقيّد خياراتها السياسية.
قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر، بدت المملكة العربية السعودية قريبة من تطبيع العلاقات مع "إسرائيل"، حتى في غياب أيّ مسار نحو الاستقلال الفلسطيني في الأفق. في شباط/فبراير 2025، أصدرت وزارة الخارجية السعودية بياناً أعربت فيه عن دعمها "الثابت والراسخ" لإقامة دولة فلسطينية، وهو موقف وصفته بأنه "غير قابل للتفاوض وغير قابل للتنازلات"، وأكدت أنّ قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس شرط أساسي لإقامة علاقات دبلوماسية مع "إسرائيل". في آذار/مارس، طرحت مصر مقترحاً لإعادة إعمار غزة، يرتكز على إعادة إعمار بقيادة عربية، وتأسيس إشراف أمني مستقبلي على غزة. وافقت جامعة الدول العربية بالإجماع على الخطة، ومثّلت تناقضاً صارخاً مع الرؤى الإسرائيلية والأميركية لإخلاء غزة من سكانها والاستيلاء عليها. وكان الهدف منها جزئياً حشد الدعم الشعبي للحكومات العربية، استجابةً لمطالب شعوبها باتخاذ إجراءات. ورغم سعي ترامب لتوسيع نطاق اتفاقيات التطبيع لتشمل دولاً عربية أخرى، بما في ذلك المملكة العربية السعودية ولبنان، يبدو من غير المرجّح أن تُثمر هذه المبادرة في أيّ وقت قريب.
قد لا يكون القادة العرب على استعداد لتحدّي "إسرائيل" بشكل مباشر، لكنهم أيضاً غير مستعدّين لمواجهة ردّ الفعل الشعبي الذي قد ينتج عن تعاون أوثق. إنّ التحرّكات التي اتخذتها الحكومات العربية، مثل إلغاء المغرب لزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التي كانت مقرّرة في عام 2024، لا ترقى إلى مستوى الانقسام الدرامي. لكنها أعاقت اندماج "إسرائيل" في المنطقة، وهو هدف رئيسي لاتفاقيات التطبيع.
لا يقتصر الأمر على خروج المواطنين العرب لدعم شعب غزة؛ بل تعمل جهودهم أيضاً على تغيير الديناميكيات الإقليمية بطرق تتحدّى المصالح الأميركية والإسرائيلية. وطالما أنّ الشعوب العربية ترى أنّ السياسات الأميركية والغربية تجاه "إسرائيل" تقوم على ازدواجية المعايير والإفلات من العقاب، فمن المرجّح أن تستمر هذه المواجهة. وإذا استمرت حملة "إسرائيل" على غزة واستمرت جهود تهجير سكان غزة بالقوة، فمن المرجّح أن تتصاعد.
نقلته إلى العربية: بتول دياب.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الميادين
منذ 33 دقائق
- الميادين
مادورو يوجه نداء إلى الصين وروسيا ودول عالم الجنوب لدعم إيران وإيقاف جنون نتنياهو
دعا الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو حكومات الصين وروسيا وتركيا، ومجلس التعاون الخليجي، وجميع دول الجنوب العالمي، وكافة الدول الإسلامية، إلى دعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية في حقها ورغبتها في السلام، وإلى العمل على إيقاف "جنون نتنياهو" قبل فوات الأوان. كما دعا شعب الولايات المتحدة إلى وقف نزعة الحرب. وأكد مادورو أنّ على من يمتلكون القوة السياسية والعسكرية أن يسعوا فوراً إلى تحقيق السلام، وأن يوقفوا الهجمات الإجرامية التي يشنّها "الجيش" الإسرائيلي ضد إيران. 17 حزيران 17 حزيران وفي هذا السياق، شدد مادورو على أنّ برلين وباريس ولندن وواشنطن "يريدون ويشجعون حرباً نووية"، متسائلاً: إلى أين يريدون أن يصلوا؟ وتابع قائلاً: إلى أي مدى سيسمحون لنتنياهو بمواصلة ما يفعله؟ ووصف مادورو رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه "هتلر القرن الحادي والعشرين"، مشيراً إلى أنه يجلب إلى "الشرق الأوسط"، وغرب آسيا، وآسيا، والعالم بأسره حرباً ستكون عواقبها وخيمة على البشرية. ولفت إلى الجرائم الإسرائيلية في غزة، وقتل أكثر من 60 ألف فلسطيني بينهم 30 ألف طفل وطفلة، وإلى العدوان على لبنان وسوريا واليمن، وتهديد أمن العراق والأردن، مؤكداً أن "أفكار هتلر المجرمة قد عادت من خلال الدولة الصهيونية"، مشدداً على أن "نتنياهو هو الزعيم المجرم لتلك الدولة". واختتم بالقول: "يعتقدون أنهم قادرون، وأن الوقت قد حان لفرض مشروعهم من نهر الأردن إلى الفرات".


الميادين
منذ 2 ساعات
- الميادين
رداً على الاحتلال.. القوات المسلحة الإيرانية تدعو إلى إخلاء "نيفيه تسيدك" في "تل أبيب"
أصدرت القوات المسلحة الإيرانية بياناً تحذيراً، يدعو لإخلاء حي"نيفيه تسيدك" جنوبي غربي "تل أبيب" رداً على تحذير الاحتلال بإخلاء المنطقة الثامنة عشرة في طهران. ويعتبر "نيفيه تسيدك" من أقدم وأهم الأحياء في مدينة "تل أبيب"، ويتمتع بمكانة رمزية وثقافية في السردية الصهيونية و"العمران الإسرائيلي" الحديث. اليوم 02:38 اليوم 00:00 ويُعد الحي المذكور بمثابة النواة الأولى لـ"تل أبيب"، والتي توسعت لاحقاً لتصبح المدينة المركزية في المشروع الصهيوني على الساحل الفلسطيني. وكثيراً ما يُشار إليه في "الأدبيات الإسرائيلية" على أنه "الحلم الصهيوني الأول في التحول من الشتات إلى الوطن"، حد تعبيرهم. ويجتذب الحي آلاف السياح سنوياً، ويعد من أبرز وجهات "تل أبيب الثقافية". ما التطورات الميدانية الأخيرة في #إيران في أعقاب تغريدات قائد الثورة الإسلامية السيد علي خامنئي والبيان العاشر لحرس الثورة الإسلامية؟المزيد التفاصيل مع، مراسل #الميادين، أحمد البحراني 👇#فلسطين_المحتلة #الوعد_الصادق_٣ @Al_bahrani1983 التحذير الإيراني باستهداف "نيفيه تسيدك" الاعتبارات العسكرية التقليدية، ليصل إلى رسائل نفسية واستراتيجية تهدف إلى ضرب صورة "تل أبيب" كمدينة آمنة ومنفصلة عن دائرة المواجهة. فالحي يقع في قلب المدينة، ما يجعل تهديده بمنزلة إعلان بأنّ الحرب ليست محصورة في الجنوب أو الأطراف، بل تُلامس عمق الكيان. كذلك، فإن التحذير الإيراني باستهداف منطقة ذات طابع ثقافي وتاريخي خاص يحمل أبعاداً تتعلق بتقويض الرواية التأسيسية للكيان الإسرائيلي، إذ يمثل هذا الحي لحظة التأسيس الأولى خارج يافا، حين بدأت الحركة الصهيونية بإنشاء أحياء "يهودية خالصة" تمهيداً لبناء المدينة الجديدة. وكانت العاصمة الإيرانية، طهران، تعرضت بعد التحذير الإسرائيلي إلى عدد من الاعتداءات، حيث سُمِعت أصوات انفجارات في مناطق بيروزي وسبلان وصياد، بحسب ما نقل مراسل الميادين، الذي أشار أيضاً إلى أنّ الدفاعات الجوية تواجه أهدافاً إسرائيلية مكثفة في أجواء مدينة مشهد.


IM Lebanon
منذ 3 ساعات
- IM Lebanon
'الحزب' ونظام إيران: ولدا معًا وينتهيان معًا؟
كتب نجم الهاشم في 'نداء الوطن': في أول شباط 1979 عندما ركب الإمام الخميني طائرة 'إير فرانس' الفرنسية في باريس عائدًا إلى طهران، كان يرافقه عدد من اللبنانيين الشيعة الذين تبوأوا لاحقًا مواقع مهمة في لبنان أو في إيران. قبل أن تأكل الثورة الإسلامية أبناءها وتقوم بعملية تنقية ذاتية للقيادات والأهداف، كان 'حزب الله' يولد في لبنان ليكون الذراع الأهم للثورة الإسلامية ولتصديرها، في وقت لم يكن للشيعة في العالم موقع قوة ودور خاص ومستقل إلا في لبنان. صعد دور 'حزب الله' مع صعود المد الإسلامي الثوري الإيراني، وهو يتعرض اليوم لخطر الزوال إذا زال النظام. ولدا معًا وينتهيان معًا. لا حياة لـ 'حزب الله' خارج حياة نظام ولاية الفقيه في إيران. ذلك الرحم يمدّ هذا المولود بكل عناصر القوة، وينقل إليه كل عناصر الضعف أيضًا. لا فاصل بين من وُلد من رحم تلك الثورة وبين الحكم الذي نشأ عن تلك الثورة. قبل أن تصل طلائع وحدات الحرس الثوري الإيراني إلى بعلبك في حزيران 1982 عن طريق سوريا لتؤسّس لولادة ما سيصير لاحقًا 'حزب الله'، كان الحزب يولد في أدبيات الثورة الإسلامية ومشروع ولاية الفقيه الذي مثّله ونظّر وخطّط له الإمام آية الله الخميني. انطلق الحزب دينيًا وتنظيميًا قبل أن يتحوّل إلى قوّة عسكرية وأمنية تنفّذ ما يطلبه منها مركز الحكم والولاية، وقبل أن تصبح هذه القوة العسكرية هي التي تمثّل 'الحزب' وتختصر دوره. بحيث ظهر بوضوح أن هذا الحزب جسم عسكري وأمني وصُنِع له رداء سياسي حتى يؤمّن له الحضور في البلد الذي نشأ فيه، لبنان. من الخميني إلى نصرالله كما مثّل الإمام الخميني نقطة القوة في انطلاقة مشروع ولاية الفقيه وتصدير الثورة الإسلامية، مثل السيد حسن نصرالله أمين عام 'حزب الله' قوّة هذا المشروع خارج إيران جامعًا السلطات السياسية والأمنية والدينية والفقهية والعسكرية. وكما مثّل، الوليّ الفقيه، الإمام الخميني، رمزية الثورة وعنوان انتصارها وقوّة أهدافها، وجمع بين القيادتين السياسية والدينية، مثّل السيد حسن نصرالله هذا الدور أيضًا كممثِّل للوليّ الفقيه في لبنان وسائر أنحاء العالم، حيث يمكن أن يصل 'الحزب' والتابعون له. هذا الانتشار الشيعي اللبناني على مستوى العالم أمّن لطهران قوة حضور، خصوصًا على المستوى الأمني، قبل أن تكون هناك قوة 'حشد شعبي' في العراق، أو دور للحوثيين في اليمن، أو تبعية لحركتي 'حماس' و'الجهاد الإسلامي'، أو للنظام الذي مثّله آل الأسد في سوريا. قبل وصول الحرس الثوري إلى لبنان في مثل هذه الأيام من صيف 1982، بعد أيام على بدء الاجتياح الإسرائيلي، كان 'حزب الله' ولد في لبنان من رحم 'حزب الدعوة'، ومن مجموعات سمَّت نفسها 'الخمينيون'، وشخصيات كانت في 'حركة أمل' وانشقت عنها وسمّت نفسها 'حركة أمل الإسلامية'، ومن بينها السيد حسن نصرالله، وكانت اعترضت طهران وقتها على مشاركة رئيس الحركة نبيه بري في هيئة الإنقاذ التي شكّلها رئيس الجمهورية الياس سركيس وضمّت إلى بري رئيس الحكومة شفيق الوزان ووليد جنبلاط وبشير الجميل ونصري المعلوف وفؤاد بطرس. كانت المشاركة في تلك الهيئة بمثابة الكفر الديني والسياسي. ولذلك بدأ مشروع 'حزب الله' من داخل البيئة الشيعية لأنّه ينطلق اساسًا من قاعدة دينية لا يمكن لغير الشيعة الولوج إليها أو تخطّيها. جندي في جيش 'ولاية الفقيه' هكذا صار 'الحزب' أحد أبرز أدوات إيران الأمنية. وهكذا اتُّهم بأنّه نفّذ عملية تفجير السفارة الأميركية في عين المريسة في 18 نيسان 1983، قبل أن يتبنّى لاحقًا تفجير مقرَّي المارينز الأميركيين والمظليين الفرنسيين على طريق المطار في 23 تشرين الأول 1983، والسفارة الأميركية في عوكر في 20 أيلول 1984. وقبل أن يُتَّهم بتفجيرات في الأرجنتين وكينيا والسعودية وبعمليات خطف الأجانب والطائرات. المرة الأولى التي أعلن فيها 'حزب الله' عن نفسه وعن رسالته وأهدافه، كانت في 16 شباط 1985، في 'الرسالة المفتوحة إلى المستضعفين في لبنان والعالم'. قال بوضوح: 'إنّنا أبناء أمّة 'حزب الله' نعتبر أنفسنا جزءاً من أمّة الإسلام في العالم… إنّنا أبناء هذه الأمّة التي نصر الله طليعتها في إيران، وأسّست من جديد نواة دولة الإسلام المركزية في العالم… نلتزم بأوامر قيادة واحدة حكيمة وعادلة تتمثّل بالولي الفقيه الجامع الشرائط، وتتجسّد حاضرًا بالإمام المسدِّد آية الله العظمى روح الله الموسوي الخميني… نحن أمّة ترتبط مع المسلمين في كافة أنحاء العالم برباط عقائدي وسياسي متين هو الإسلام… ومن هنا فإنّ ما يُصيب المسلمين في أفغانستان أو العراق أو الفيليبين أو غيرها إنّما يصيب جسم أمتنا الإسلاميّة التي نحن جزء لا يتجزّأ منها، ونتحرّك لمواجهته انطلاقًا من واجب شرعي أساساً، وفي ضوء تصور سياسي عام تقرّره ولاية الفقيه القائد…'. هالة خاصة ومرقد ورمز بعد ذلك وبعد وصوله إلى موقع الأمين العام لـ 'الحزب' في شباط 1992، لم يتوانَ السيد حسن نصرالله عن تأكيد هذه الثوابت من خلال إعلانه تكرارًا أنّه جندي في جيش ولاية الفقيه، وأن 'مكانة ولاية الفقيه فوق الدستور اللبناني، ونحن نؤمن بذلك، ونعتبر تنفيذ أوامر الولي الفقيه واجبًا إجباريًا'. طوال 32 عاما وستة أشهر في هذا الموقع استطاع نصرالله أن يقفز من الموقع الحزبي والسياسي والأمني إلى احتلال موقع ديني فقهي متقدم في مسيرة اقتربت مقارنتها بمسيرة الإمام الخميني إلى حد اعتبارها، في الفقه الثوري الشيعي المتبنّي لنظرية ظهور الإمام المهدي، أنّها علامة من علامات الظهور، كما كان الإمام الخميني بهالته وقوة حضوره بداية تلك العلامات. حتى أن اغتيال السيد نصرالله في 27 أيلول 2024 اعتبره أتباعه أيضًا علامة من علامات الظهور هذه. ولذلك أُعطي تشييعه هذا البعد الشامل، ولذلك أُقيم له هذا المرقد الذي يحفظ مكانته الدينية والفقهية والعلمائية، في تقليد لم يحظَ به إلا عدد قليل من أئمة الشيعة في الماضي وفي الحاضر، كما حصل مع الخميني شخصياً، ثمّ مع قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني، بعد اغتياله في 3 كانون الثاني 2020 في العراق. معركة إنهاء النظام وأذرعه كان على النظام الإسلامي الشيعي في إيران أن ينتظر مساعدة واشنطن لإنهاء حكم 'حركة طالبان' في أفغانستان في تشرين الثاني 2001، ثم إسقاط حكم صدام حسين في العراق في نيسان 2003، لكي يوسّع دوره في المنطقة. وكان عليه أن ينتظر سيطرة الحوثيين على صنعاء في اليمن في ايلول 2014، حتى يؤسّس لأذرع جديدة غير الذراع الوحيد الذي كان يتَّكل عليه وهو ذراع 'حزب الله'. بعد عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول 2023، بدأت حرب إسرائيل في القضاء على هذه الأذرع الإيرانية. بدأت بحركة 'حماس' في قطاع غزة، وأكملت على 'حزب الله' في لبنان، ثم على الحوثيين في اليمن، وحيّدت مع واشنطن الحشد الشعبي في العراق، وبدأت حرب إنهاء دور النظام الإسلامي في إيران. إذا كان 'حزب الله' بدأ عملياً في لبنان مع الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، فإنّه مهدَّد بالزوال بعد اجتياح إسرائيل غزّة وجنوب لبنان وطهران بين 2023 و2025 في حروب متتالية ومتوالية. قام 'حزب الله' مع قيام الثورة الإسلامية في طهران وأخذ دوره من نظام ولاية الفقيه. اليوم مع الانهيار الذي يواجهه هذا النظام في طهران يُطرح مصير 'حزب الله' جدّيًا. هل ينتهي إذا انتهى ذاك النظام؟ أم يبقى مجرّد تنظيم متقاعد لنظام تحطّمت أحلامه وعاد إلى داخل إيران وتخلّى عن مشروح تصدير الثورة والتوسع، وعن البرنامج النووي، وعن الصواريخ البالستية البعيدة المدى؟ وعن الأذرع التي حاول من خلالها التمدد حتى حدود البحر المتوسط، بحيث لا يبقى منها إلا مجرد ذكريات مؤلمة في تاريخ شعوب المنطقة.