logo
اقتصاد العالم بين جنيف ولندن

اقتصاد العالم بين جنيف ولندن

صحيفة الخليجمنذ 16 ساعات

شهدت لندن، مؤخراً، مواجهةً حامية الوطيس، بعيداً عن مصانع شنتشن أو قاعات التداول في «وول ستريت». ومع ذلك، كانت لحظة محوريةً للنظام الاقتصادي العالمي، وسارت وفق ما يشتهيه، مع توافق شبه كلي.
واحتضنت عاصمة الضباب، خلال يومين، عدداً من كبار المسؤولين الأمريكيين والصينيين، في محادثات ترمي إلى تهدئة التنافس الاقتصادي الأخطر في عصرنا. وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: «إن اللقاءات تسير على ما يرام مع الصين، ولا أتلقى سوى تقارير جيدة».
وتتفاوض الصين على تخفيف القيود الأمريكية على التكنولوجيا، في حين تريد الولايات المتحدة منها تخفيف القيود المفروضة على صادرات المعادن الأرضية النادرة. لكن بالنسبة للمستثمرين الذين يتابعون الأحداث من سنغافورة إلى خليج سان فرانسيسكو، فإن هذه الاجتماعات لا تقتصر على التعريفات الجمركية فحسب، بل تتناول في عمقها أيضاً قواعد الاقتصاد العالمي، ومن سيصوغها في القرن الحادي والعشرين.
وتوصل الطرفان إلى إطار عمل يحدد تفاصيل اتفاق الشهر الماضي في جنيف، لتخفيف الرسوم الجمركية المتبادلة، التي وصلت إلى مستويات قياسية. قبل ذلك، اتهمت واشنطن بكين بأنها تماطل في صادرات المعادن الأساسية، فيما ردّت بكين باتهام الولايات المتحدة بمضاعفة القيود على التكنولوجيا، لا سيما على أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي.
واكتسبت محادثات لندن أهميةً أيضاً، لأن المخاطر لم تكن يوماً بهذا القدر، إذ لم تعد الصين والولايات المتحدة مجرد دولتين متنافستين، بل قوتين تديران نظامين متباينين جوهرياً، يحاول كل منهما تشكيل البنية الاقتصادية العالمية على صورته الخاصة، فهي منافسة واسعة تشمل تدفقات البيانات، والعملات الرقمية، وسياسة الطاقة، والأمن القومي، والأيديولوجيا. والمستثمرون يعون تماماً خطورة هذا الأمر، ويتحملون مسؤولية تجاهله.
ولفهم خطورة المحادثات الأخيرة، علينا أن ننظر إلى ما وراء جداول التعريفات الجمركية، لنرى المسار الأوسع للأزمة. في عهد ترامب، ضاعفت الولايات المتحدة جهودها في مجال الحمائية الاستراتيجية، ولم تكن إعادة فرض تعريفات شاملة في «يوم التحرير»، الإجراء الوحيد، بل المرحلة التالية في جهد أوسع لإعادة تشكيل التعرّض الاقتصادي الأمريكي.
واستجابت الصين بالمثل، من خلال تسريع حملات الاعتماد على الذات، وتعزيز مجمعها الصناعي العسكري، وتشديد الرقابة على تدفقات رأس المال والتكنولوجيا الأجنبية، ليندفع العملاقان الاقتصاديان نحو نظام منفصل من سلاسل التوريد المتوازية، والمعايير التنافسية، والعملات الرقمية، والقواعد المتعارضة للذكاء الاصطناعي، ولينهار معهما النموذج القديم المتمثل بالترابط من خلال العولمة.
وكشفت تدفقات رأس المال الأخيرة عن ذلك، حيث كثّف المستثمرون الأمريكيون والأوروبيون استثماراتهم في إنتاج الرقائق المحلية. في المقابل، ضخّت الصين تمويلاً حكومياً ضخماً في شركاتها التكنولوجية الكبيرة، وتسلّحت بسياساتها الصناعية.
ومؤخراً، أعلنت وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصينية عن مبادرة استثمارية جديدة بقيمة 500 مليار يوان (69 مليار دولار)، تُركز على التقنيات ذات الاستخدام المزدوج - تلك ذات التطبيقات المدنية والعسكرية. وفي الوقت نفسه، وسّعت وزارة التجارة الأمريكية قيودها التصديرية، لتشمل مكونات الحوسبة الكمومية ومجموعات بيانات تدريب الذكاء الاصطناعي، والرسالة من كلا الجانبين واضحة لا لبس فيها: الهيمنة على تكنولوجيا الغد هي ضمان الأمن القومي لليوم. وبين هذا وذاك، يجد المستثمرون أنفسهم في مأزق مزدوج غريب، فهم مُعرّضون لمخاطر التشرذم، لكنهم في وضع يُمكنهم من الاستفادة من الاندفاع نحو ترسيخ المقوّمات المهيمنة للاقتصاد المستقبلي. لهذا السبب، ترقبت تلك المحادثات من كثب مجالس إدارة الشركات العالمية، والدوائر الدبلوماسية، ومراكز صنع القرار.
حتى الآن، نجحت المحادثات في الحفاظ على نهج جنيف، وإعادة الهدنة التجارية إلى مسارها الصحيح، وإزالة القيود التي تفرضها الصين على صادراتها من المعادن الأرضية النادرة، الأمر الذي سيُسهم في استقرار المعنويات وإحياء إبرام الصفقات، عبر الحدود التي شُلّت، بسبب حالة عدم اليقين السياسي.
لكن إذا تعرقلت في مكان ما لاحقاً، وتشير الدلائل إلى اختلالات جوهرية في الثقة والتوقعات، فإن الانفصال سيتسارع، وستتغير قواعد سلاسل التوريد بشكل أسرع، وسيُعاد تخصيص رأس المال على نطاق واسع، كما سترتفع مخاطر التضخم في المدخلات الرئيسية مثل أشباه الموصلات والمعادن النادرة مرة أخرى.
سيحتاج المستثمرون إلى التفكير في محافظ استثمارية مزدوجة: واحدة مخصصة للكتلة الغربية، وأخرى لمجال النفوذ الصيني. ومع ذلك، هناك دلالة أخرى أعمق لا ينبغي إغفالها، فالتنافس الحالي لا يقتصر على الناتج المحلي الإجمالي أو الريادة التكنولوجية، بل يتعلق برؤيتين اقتصاديتين تتنافسان على الشرعية. إحداهما راسخة في الرأسمالية الديمقراطية، تعيد تأكيد سيطرتها على التجارة والسياسات الصناعية بعد عقود من التحرير. والأخرى نموذج مركزي تقوده الدولة، ويعد بالنظام والسرعة والمرونة. هذا ليس تكراراً للحرب الباردة، بل هو نهج أحدث وأكثر مرونة، وربما أطول أمداً.
ولهذا السبب، فإن تصوير المحادثات على أنها مجرد مفاوضات تعريفات جمركية بحتة، يُغفل جوهر المسألة، فالأمر يتعلق بتصميم النظام، وكل حديث عن الرقائق أو البيانات أو المعادن الحيوية، هو في الواقع حديث عمن سيُحدد القوة الاقتصادية في العقود القادمة.
ما قدمته لندن ليس مجرد قراءة للمواقف السياسية، بل للإرادة أيضاً، فهل يستطيع أكبر اقتصادين في العالم التعايش مع حواجز الأمان، أم أننا نتجه نحو نظام اقتصادي ثنائي القطب بالكامل؟
*المؤسس والرئيس التنفيذي لمجموعة «ديفيرا» للاستشارات المالية والحلول الرقمية

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الصين تدعو إسرائيل وإيران لاتخاذ إجراءات «فورية» لخفض التصعيد
الصين تدعو إسرائيل وإيران لاتخاذ إجراءات «فورية» لخفض التصعيد

صحيفة الخليج

timeمنذ 2 ساعات

  • صحيفة الخليج

الصين تدعو إسرائيل وإيران لاتخاذ إجراءات «فورية» لخفض التصعيد

بكين - أ ف ب دعت الصين إيران وإسرائيل الاثنين إلى اتخاذ إجراءات «فورية» لخفض التصعيد، في ظل احتدام المواجهة غير المسبوقة منذ أربعة أيام بين البلدَين. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية غيو جياكون: «ندعو جميع الأطراف إلى اتخاذ إجراءات فورية لتهدئة التوترات، وتجنيب المنطقة الوقوع في اضطرابات أكبر، وتهيئة الظروف للعودة إلى المسار الصحيح لحلّ القضايا عبر الحوار والمفاوضات».

المخاوف الجيوسياسية تدفع الذهب قرب أعلى مستوى في شهرين
المخاوف الجيوسياسية تدفع الذهب قرب أعلى مستوى في شهرين

سكاي نيوز عربية

timeمنذ 2 ساعات

  • سكاي نيوز عربية

المخاوف الجيوسياسية تدفع الذهب قرب أعلى مستوى في شهرين

لم يشهد الذهب تغيرا يذكر في المعاملات الفورية مسجلا 3428.89 دولار للأونصة (الأوقية) بحلول الساعة 0508 بتوقيت غرينتش بعد أن بلغ أعلى مستوياته منذ 22 أبريل نيسان في وقت سابق من الجلسة. لكن العقود الأميركية الآجلة للذهب انخفضت 0.1 بالمئة إلى 3448.10 دولار، بحسب بيانات وكالة رويترز. وقال كيلفن وونج كبير محللي السوق في منطقة آسيا والمحيط الهادي لدى أواندا "علاوة المخاطر السياسية المشتركة هي التي ترتفع بسبب الصراع بين إيران وإسرائيل في هذه المرحلة مما عزز الطلب على الذهب باعتباره ملاذا آمنا". وأضاف "لدينا الآن قفزة واضحة فوق مستوى 3400 دولار، والاتجاه الصعودي قصير المدى لا يزال قائما. نشهد مستوى مقاومة عند 3500 دولار مع إمكانية القفز لذروة جديدة فوق هذا المستوى". وتبادلت إسرائيل وإيران شن هجمات جديدة أمس الأحد، مما أسفر عن مقتل وإصابة مدنيين وأثار مخاوف من اتساع رقعة الصراع في المنطقة في الوقت الذي حث فيه كل جيش المدنيين في الطرف الآخر على اتخاذ الاحتياطات اللازمة استعدادا لمزيد من الهجمات. وعبر الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمس الأحد عن أمله في أن تتمكن إسرائيل وإيران من الاتفاق على وقف لإطلاق النار لكنه قال إنه‭‭ ‬‬في بعض الأحيان يتعين على الدول أن تخوض القتال حتى النهاية. ويعتبر الذهب ملاذا آمنا خلال أوقات الضبابية الجيوسياسية والاقتصادية. ويترقب المستثمرون هذا الأسبوع مجموعة من قرارات السياسة النقدية من البنوك المركزية ، مع اتجاه الأنضار على مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) الذي سيصدر قراره بشأن أسعار الفائدة الأربعاء. وبينما يُتوقع على نطاق واسع أن يُبقي البنك المركزي أسعار الفائدة دون تغيير، فإن الأسواق تترقب أي مؤشرات على احتمال خفض أسعار الفائدة في الأشهر المقبلة. وبالنسبة للمعادن النفيسة الأخرى، تراجعت الفضة في المعاملات الفورية 0.1 بالمئة إلى 36.28 دولار للأونصة، وزاد البلاتين 0.4 إلى 1233.12 دولار، في حين ارتفع البلاديوم 1.4 إلى 1041.85 دولار.

الإمارات تظل ملاذاً آمناً رغم التوترات: توقعات بارتفاع أسعار الوقود والذهب وتذاكر السفر
الإمارات تظل ملاذاً آمناً رغم التوترات: توقعات بارتفاع أسعار الوقود والذهب وتذاكر السفر

خليج تايمز

timeمنذ 2 ساعات

  • خليج تايمز

الإمارات تظل ملاذاً آمناً رغم التوترات: توقعات بارتفاع أسعار الوقود والذهب وتذاكر السفر

[ملاحظة المحرر: تابع مدونة KT المباشرة للحصول على تحديثات مباشرة حول الصراع الإسرائيلي الإيراني.] رغم تصاعد الأزمات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، لا تزال دولة الإمارات تُعدّ ملاذاً آمناً. وفي ظل استمرار النزاع بين إيران وإسرائيل، لن يتأثر السكان بشكل مباشر، لكن من المتوقع حدوث تأثيرات غير مباشرة مثل ارتفاع أسعار الوقود في يوليو، وزيادة أسعار الذهب والمجوهرات، وتذاكر السفر إلى وجهات محددة. كما قد تشهد أسعار السلع الاستهلاكية من الدول المتورطة في الصراع والتي أغلقت مجالها الجوي ارتفاعاً حاداً في الأيام المقبلة في حال استمر الصراع. ارتفاع سعر الوقود سجلت أسعار النفط ارتفاعاً حاداً منذ الهجوم الإسرائيلي على إيران صباح الجمعة، حيث قفزت بنسبة 14%. وأغلقت عقود خام غرب تكساس وخام برنت عند 72.98 و74.23 دولاراً للبرميل على التوالي، بارتفاع بلغ 7.26% و7.02% خلال عطلة نهاية الأسبوع. منذ تحرير أسعار البنزين في الإمارات عام 2015، باتت الأسعار مرتبطة بالأسعار العالمية وتُحدَّث شهرياً. وخلال عطلة نهاية الأسبوع، استهدفت الدولتان المتحاربتان منشآت تخزين النفط لدى بعضهما البعض، ما قد يؤدي إلى ارتفاع إضافي في أسعار النفط عند إعادة فتح الأسواق يوم الإثنين، وقد ينعكس ذلك أيضاً على أسعار الوقود في الإمارات الشهر المقبل. "إنّ وابل الصواريخ الإيرانية وتعهد إسرائيل بالتصعيد بضربات على المواقع النووية ومواقع الطاقة يُشيران إلى دوامة خطيرة من الانتقام المتبادل. وتشير الخطط إلى أن إيران ستستهدف البنية التحتية للطاقة الإسرائيلية تالياً. هذا ليس مجرد اشتعال إقليمي، بل هو برميل بارود للأسواق العالمية"، هذا ما قاله نعيم أسلم، المحلل في شركة زاي كابيتال في لندن. مجوهرات ذهبية عالية الجودة يعد الذهب سلعة آمنة للمستثمرين خلال الصراعات العسكرية أو التجارية. منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية الإيرانية، ارتفعت أسعار الذهب في دبي بنحو 5 دراهم للغرام. ويميل سكان الإمارات إلى شراء المجوهرات الذهبية عند السفر إلى الخارج خلال عطلة الصيف، مما يعني أنهم سيضطرون إلى دفع مبالغ أكبر عند شراء المجوهرات المصنوعة من المعادن الثمينة. ومع ارتفاع الأسعار بالفعل إلى 413.5 درهم للغرام لعيار 24 قيراطاً يوم الأحد، فقد يؤثر ذلك سلباً على الطلب على المجوهرات الذهبية. الذهب هو الأصل الوحيد الصامد في ظل تصاعد التوترات في الشرق الأوسط. ومع ارتفاع أسعار النفط بنسبة 6-13% بسبب مخاوف انقطاع الإمدادات، وهي مجرد بداية، يُعدّ الذهب وسيلة تحوّط ذكية لحماية المحافظ الاستثمارية من الفوضى. ومن المتوقع أن نشهد المزيد من الارتفاع مع تفاقم الصراع، كما أضاف أسلم. ارتفاع أسعار تذاكر الطيران وفقاً لموقع Flightradar24، تأثرت حوالي 3000 رحلة جوية يومياً بسبب الإلغاء أو إعادة التوجيه بسبب التوتر. ويشمل ذلك تأخير رحلات وإلغاءات وإعادة توجيه لشركات الطيران الإماراتية - طيران الإمارات، وفلاي دبي، والاتحاد للطيران، والعربية للطيران. علّقت شركات الطيران الإماراتية بعض رحلاتها إلى إيران والعراق وإسرائيل والأردن بسبب إغلاق المجال الجوي. وقد أدى ذلك إلى تأجيل العديد من المسافرين لرحلاتهم. ومع انتهاء الصراع الإقليمي، والذي نأمل أن يكون قريباً، سيرتفع سعر تذاكر السفر على المدى القريب نظراً لارتفاع الطلب على السفر. السلع الاستهلاكية قد تشهد أسعار بعض السلع المستوردة من الدول الإقليمية التي أغلقت مجالها الجوي ارتفاعاً في الأسعار. أغلقت إيران والعراق وسوريا والأردن وإسرائيل مجالها الجوي بسبب النزاع العسكري. قد يؤدي هذا إلى تعطيل سلسلة التوريد وتأخير استيراد وتصدير البضائع. على سبيل المثال، تشمل صادرات إيران إلى الإمارات العربية المتحدة المعادن، والمواد الكيميائية العضوية، والفواكه والخضراوات الصالحة للأكل، والملح، والسجاد، ومنتجات الألبان، والأسمدة، وغيرها.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store