
الرافعي في معرض اسطنبول للكتاب العربي
مما يعني أن تيار الحرب على العربية كجامع حضاري إسلامي، والذي ارتبط بنشر العامية، أو بالتشكيك في تاريخ اللغة وفي آدابها، منذ العصر الجاهلي، لم يكن يمثل كل المسرح العربي الأدبي في حينه، ربما تصدر جدله د. طه حسين الذي أفرده الرافعي في مقدمة الكتاب، وأعلن رسمياً الحرب عليه، ولكنه دعا له دعوة صدق خاصة.
حتى أني تساءلت لو كان الرافعي حياً بعد مراجعات طه حسين، والخلاصات التي حررها، المفكر الإسلامي الكبير د. محمد عمارة، عن انتفاضة طه حسين في مرحلته الأخيرة على المشروع الغربي الفكري، هل كان الرافعي ليصدر الكتاب بهذا النسق، وبما تخلله من هجوم مستمر على طه؟ رحم الله الجميع.
غير أنك تكاد تقفز من مقعدك وتصفق في مسرح بيتك، وأنت جالس بين يدي الرافعي يهدر عليك بلاغةً وأدباً وذوقاً تعبيرياً يتقاطر كالشهد، وتتفهم بلا تردد معركته للدفاع عن العربية، وأن سفره العظيم تحت راية القرآن، لا يزال مؤثراً في معركة البيان وحضارة الإنسان، الذي وجدها العربي القديم، ووصل اليها العربي المعاصر، وهو يعيش تحت احتلال الحداثة، فصاح وهو في اكاديمية الرافعي، لقد وجدتُ الحقيقة.
لقد أصّر محمود شاكر على إدراج نقده القاسي، لمالك بن نبي رحمهما الله، والذي سمح بنشره بني نبي، في مقدمة الكتاب، وإن رد عليه في الظاهرة القرآنية، غير أن القضية هنا هو أن محمود شاكر، أراد أن يُصدّر الكتاب، بنقد التشكيك الاستشراقي في تاريخ اللغة وآدابها في العصر الجاهلي، وكان مالك بن نبي يريد طرح البيان العلمي الآخر للتنزيل المقدس، ويركز عليه.
وكلاهما كانا يواجهان مشروعاً كولونيالياً، وليس الأمر متعلقا بالإبداع، ولا بتفعيل النص في قوالب معاصرة متجددة، قال الرافعي نحن بها أولى، ولكن الأمر كان في العبث بمفردات اللغة، التي نزل بها البلاغ الأخير للعالمين، فكان الدفاع عنها أمام الاباطيل فريضة دينية، وحماية أخلاقية وفكرية.
يقول الرافعي أن رئيس تحرير صحيفة المهجر قال له شرط واحد، ليفرد لك مسرح الأدب العربي في المهجر؟
أن تتجنب الجملة القرآنية.
يقول الرافعي أخذ بقلبي المصطلح، أدركتُ أن عليه نورانية عجيبة، وأنا والله (كاتب هذا المقال) قد هزّني ما هزّ الرافعي.. الجملة القرآنية!
فصحتُ في نفسي الله أكبر، ياله من تعبير عظيم، من أين لك هذا يا صاحب الصحيفة، كيف تَلبّسَك النور وأنت تهدي الى الظلام، إنها قصة القرآن ومفردة العبور للعربية في كل زمان.
ولذلك حين أتيتُ معرض اسطنبول الدولي للكتاب العربي، ورفعتُ رأسي إلى الشعار، أسعدني وقعه ومعناه، (لتبقى العربية)، نعم لتبقى، ولكن للعربية هنا خصوصية في الأستانة، فهي عاصمة حاضر العالم الإسلامي، ملتقى الشرق والغرب، وإن كانت هناك ذاكرة سلبية، في التاريخ السياسي، قبل وبعد سقوط الدولة العثمانية، لكن كان للعربية دستوراً ثقافيا وأدبياً بين الأمم، وكان أهل الكتاب يجتمعون في اسطنبول تحت راية العربية، وعبر جسور التواصل الممتدة حتى الحجاز الشريف وبغداد والقاهرة وبيروت والمغرب العربي، فضلاً عن اشقائنا أمم الرسالة من غير العرب.
جميلة تلك الروح التي وجدتُها تدب في أروقة المعرض، وكنتُ في تخوّفٍ من أن المحاضرة التي اعتمدتها اللجنة الثقافية في المعرض، ثقيلة على الجمهور، غير أن مشهد تقاطر الحضور بعد بدئِها، حملني ورفع معنوياتي، فسعدتُ وحمدتُ الله أن العربية، حاضرة أيضاً في تحرير فلسفة القرآن، وكيف تتخلف وهي اللغة التي جاء به الوحي المنزل، لهداية الإنسان، كيف لا تحضر الجملة القرآنية لهدم الحكاية الحداثية، وأخذ العالم إلى ثورة الفلسفة الأخلاقية الإسلامية، أوليس قرآن التنزيل هو من يفسر قرآن التكوين؟
شكراَ للمنظمين، ولكل تلك الأرواح التي التقتني في معرض الكتاب، من شباب ومثقفين، وشخصيات عربية وتركية وآسيوية وافريقية، إنها وحدتنا الإنسانية سبكتنا بها الجملة القرآنية، لذلك رفض الرافعي شرط المسرح الأميركي، وأعلن أنهُ مجاهدٌ قرآني للدفاع عن اللغة العربية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جريدة الوطن
منذ 13 ساعات
- جريدة الوطن
اِبدأْ بقلبكَ!
يروي الهنودُ في حكاياتهم الشَّعبيَّة: أنَّ فأراً كان في محنةٍ مستمرَّةٍ بسبب خوفه من القطط، فأشفق عليه ساحرٌ وحوَّله إلى قطٍّ! لكنَّه أصبح يخاف من الكلاب! فحوَّله السَّاحرُ إلى كلبٍ! فبدأ يخاف من النُّمور! فحوَّله السَّاحر إلى نمرٍ! عندئذٍ امتلأَ قلبه بالخوف من الصَّيادين. عندها أعاده السَّاحرُ إلى صورته الأولى كفأرٍ، وقال له: لن يُساعِدكَ أيُّ شيءٍ أفعله، لأنَّكَ تمتلكُ قلب فأرٍ، إذا أردتَ أن تتغيَّر فابدأ بقلبكَ أوَّلاً! والشَّيءُ بالشَّيءِ يُذكر، والمُتشابهاتُ يستدعي بعضُها بعضاً! كان ابنُ تيمية يقول: الشَّجاعةُ ليست هي قوة البدن، فقد يكون الرجلُ قوي البدن ضعيف القلب، وإنما الشَّجاعة قوة القلب وثباته! الأمرُ ببساطة، إذا أردتَ تغيير العالم عليكَ أن تتغيَّرَ أنتَ أوَّلاً! غيِّر نظرتكَ للعالم، يتغيَّرُ العالم في نظرك! عندما تبحثُ عن التغيير خارج قلبكَ، فستبقى تبحثُ عنه إلى الأبد! وعندما تبحثُ عنه في قلبكَ، فستجد أنك قد عثرتَ عليه كما يتعثرُ المرءُ بضالته! التغيير يبدأ منكَ أنت وليس من الآخرين! صحيح أن الإنسان لا يعيشُ وحده على ظهر هذا الكوكب، وأن الناس لا يستغنون عن الناس، ولكن ما أعنيه أن تكون أنتَ سيد حياتكَ، تعيشُ لأجل مبادئك، ولو رآها الناس رثةً! ولا تنحني أمام رياح التغيير، إن كنتَ تعرفُ أنها ستغيِّركَ للأسوأ! أن تتغيَّر لا يعني أن تكون مجبراً على أن تتغير، هذا اسمه التَّكيّف ليس إلا! أما التَّغيرُ فهو اقتناعك التَّام بأنَّ ما أنتَ عليه لا يجب أن تبقى عليه، بغضِّ النَّظر عن شكل العالم في الخارج! كانت الرَّاهبة الكاثوليكيّة الأم تريزا تزور مصنعًا في الهند، فلفتَ انتباهها عاملٌ في زاوية من زوايا المصنع ينشد الأهازيج وتعلو محياه علامات السعادة، فاقتربت منه فإذا هو يجمع البراغي ويضعها في عُلب خاصة شأنه شأن بعض رفاقه بالقرب منه، فزاد هذا الأمر استغرابها.. فسألته: ماذا تفعل؟ فقال: أنا أصنع طائرات! فقالت له باستغراب: طائرات؟ فقال: أجل سيدتي طائرات، هذه الطلبية لشركة تصنيع طائرات، والطائرات العملاقة التي تركبينها لا يمكن أن تطير دون هذه البراغي الصغيرة! نظرتنا لأنفسنا هي التي تُحدد قيمتنا في الحياة! فرق كبير بين من يرى نفسه جامع البراغي في عُلب وبين من يرى نفسه شريكًا في صنع الطائرة! فرق كبير بين من لا يرى من وظيفته إلا الأجر الذي يجنيه وبين من يرى الأثر الذي يتركه! كل عمل مهما كان بسيطًا يترك أثرًا في هذا العالم، تحتاج فقط أن تنظر إلى هذا الأثر! أنت لستَ مجرد كناسٍ للطريق أنتَ شخص يُجمّل وجه مدينة! أنت لستَ مجرد نجار، أنتَ إنسان يحمي البيوت من الشمس والريح! أنت لستَ مجرد خياط، أنتَ تهب الناس لمسة أناقة! أنت لستَ مجرد خطيب على المنبر، أنتَ تُعبّد طريق الناس إلى الله! أنت لستَ مجرد مُدرس صبيان أنتَ صانع رجال! أنت لستَ مجرد مهندس وصانع جسور أنتَ منشئ الوصل بين الناس! أنت لستَ مجرد طبيب، أنتَ مخفف آلام! أنتِ لستِ مجرد ربة أسرة، أنتِ أهم شخص في العالم، أنتِ بأمر الله واهبة هذا الكوكب قاطنيه، أنتِ أول مُربٍّ وأهمُ مُربٍّ فليس هناك صناعة أعظم من صناعة الإنسان! الذي لا يرى من عمله إلا الأجر الذي يتقاضاه فقط، هو إنسان أعمى لا يرى! هناك أثر يجب ألا يغيب عن بالنا، وهو الذي يجعل العمل رسالة، ويهب الإنسان قيمته، وقيمة الإنسان الحقيقية هي بالطريقة التي ينظر بها إلى نفسه، لا بالطريقة التي ينظر بها إليه الآخرون، لا أحد يستطيع إذلالك ما لم تكن أنت تشعر بالإذلال في داخلك فعلًا، ولا أحد يستطيع رفع قيمتك ما لم تكن أنتَ تشعر بقيمة نفسك! التغيّرُ لا يعني أن تُحقق إنجازاتٍ خارقة، بل أن تعي قيمة الأشياء من حولك، فتتعامل معها وفق قيمتها لا وفق أثمانها! كما تراها أنتَ بعين قلبك، لا كما يراها النَّاس بعيون رؤوسهم! أشياء بسيطة تصنعُ السعادة فلا تستصغر نفسكَ! في رضا أبويك سعادة لو تلذذت بها.. وفي استغفارك من الذنب سعادة لو تأملته.. وفي الطاعة سعادة لو عشتها بقلبك.. وفي الدمعة التي تمسحها، والخاطر الذي تجبره، واليد التي تمدها سعادة! السعادة ليست معجزاتٍ وخوارق.. السعادة إنجازات صغيرة بحب، فأحبَّ نفسكَ! ما ضرك انحناء الناس ما دمتَ ثابتاً، وما نفعكَ ثباتهم لو انحنيتَ! احترامك لنفسك شأن شخصي، لا علاقة للآخرين به، وأن تعرف هذا، فقد عرفتَ أولى خطوات التغيير، وبالتالي أولى خطوات السعادة!


جريدة الوطن
منذ 2 أيام
- جريدة الوطن
الرافعي في معرض اسطنبول للكتاب العربي
يحكي أديب العربية الكبير مصطفى صادق الرافعي، أن مجلة عربية تصدر في أميركا، ناشدتُه أن يُعدّل على لغة مقالاته وتعده بأن يتصدر بيانه اللغوي المسرح المهجري، وحينها كما يظهر لك من كتابات الرافعي تحت راية القرآن وغيره من أدباء ومفكري ذلك الزمن، أن الإعلام العربي في المهجر، على ظرفه وقلة إمكانياته كان يصل إلى المشرق، ويتم تداوله، رغم أن نقل المطبوعات حينها، يكون غالباً بالبريد البحري، لكن حالة الاشتباك كانت قوية مع المشرق، ليس بين المسلمين العرب فقط، بل حتى المسيحيين العرب، وارجع الى نصوص الرافعي، وإشاراته ومراسلاته مع أصدقائه المسيحيين من الشام ومصر، تجد ذالك متكرراً في كتابه. مما يعني أن تيار الحرب على العربية كجامع حضاري إسلامي، والذي ارتبط بنشر العامية، أو بالتشكيك في تاريخ اللغة وفي آدابها، منذ العصر الجاهلي، لم يكن يمثل كل المسرح العربي الأدبي في حينه، ربما تصدر جدله د. طه حسين الذي أفرده الرافعي في مقدمة الكتاب، وأعلن رسمياً الحرب عليه، ولكنه دعا له دعوة صدق خاصة. حتى أني تساءلت لو كان الرافعي حياً بعد مراجعات طه حسين، والخلاصات التي حررها، المفكر الإسلامي الكبير د. محمد عمارة، عن انتفاضة طه حسين في مرحلته الأخيرة على المشروع الغربي الفكري، هل كان الرافعي ليصدر الكتاب بهذا النسق، وبما تخلله من هجوم مستمر على طه؟ رحم الله الجميع. غير أنك تكاد تقفز من مقعدك وتصفق في مسرح بيتك، وأنت جالس بين يدي الرافعي يهدر عليك بلاغةً وأدباً وذوقاً تعبيرياً يتقاطر كالشهد، وتتفهم بلا تردد معركته للدفاع عن العربية، وأن سفره العظيم تحت راية القرآن، لا يزال مؤثراً في معركة البيان وحضارة الإنسان، الذي وجدها العربي القديم، ووصل اليها العربي المعاصر، وهو يعيش تحت احتلال الحداثة، فصاح وهو في اكاديمية الرافعي، لقد وجدتُ الحقيقة. لقد أصّر محمود شاكر على إدراج نقده القاسي، لمالك بن نبي رحمهما الله، والذي سمح بنشره بني نبي، في مقدمة الكتاب، وإن رد عليه في الظاهرة القرآنية، غير أن القضية هنا هو أن محمود شاكر، أراد أن يُصدّر الكتاب، بنقد التشكيك الاستشراقي في تاريخ اللغة وآدابها في العصر الجاهلي، وكان مالك بن نبي يريد طرح البيان العلمي الآخر للتنزيل المقدس، ويركز عليه. وكلاهما كانا يواجهان مشروعاً كولونيالياً، وليس الأمر متعلقا بالإبداع، ولا بتفعيل النص في قوالب معاصرة متجددة، قال الرافعي نحن بها أولى، ولكن الأمر كان في العبث بمفردات اللغة، التي نزل بها البلاغ الأخير للعالمين، فكان الدفاع عنها أمام الاباطيل فريضة دينية، وحماية أخلاقية وفكرية. يقول الرافعي أن رئيس تحرير صحيفة المهجر قال له شرط واحد، ليفرد لك مسرح الأدب العربي في المهجر؟ أن تتجنب الجملة القرآنية. يقول الرافعي أخذ بقلبي المصطلح، أدركتُ أن عليه نورانية عجيبة، وأنا والله (كاتب هذا المقال) قد هزّني ما هزّ الرافعي.. الجملة القرآنية! فصحتُ في نفسي الله أكبر، ياله من تعبير عظيم، من أين لك هذا يا صاحب الصحيفة، كيف تَلبّسَك النور وأنت تهدي الى الظلام، إنها قصة القرآن ومفردة العبور للعربية في كل زمان. ولذلك حين أتيتُ معرض اسطنبول الدولي للكتاب العربي، ورفعتُ رأسي إلى الشعار، أسعدني وقعه ومعناه، (لتبقى العربية)، نعم لتبقى، ولكن للعربية هنا خصوصية في الأستانة، فهي عاصمة حاضر العالم الإسلامي، ملتقى الشرق والغرب، وإن كانت هناك ذاكرة سلبية، في التاريخ السياسي، قبل وبعد سقوط الدولة العثمانية، لكن كان للعربية دستوراً ثقافيا وأدبياً بين الأمم، وكان أهل الكتاب يجتمعون في اسطنبول تحت راية العربية، وعبر جسور التواصل الممتدة حتى الحجاز الشريف وبغداد والقاهرة وبيروت والمغرب العربي، فضلاً عن اشقائنا أمم الرسالة من غير العرب. جميلة تلك الروح التي وجدتُها تدب في أروقة المعرض، وكنتُ في تخوّفٍ من أن المحاضرة التي اعتمدتها اللجنة الثقافية في المعرض، ثقيلة على الجمهور، غير أن مشهد تقاطر الحضور بعد بدئِها، حملني ورفع معنوياتي، فسعدتُ وحمدتُ الله أن العربية، حاضرة أيضاً في تحرير فلسفة القرآن، وكيف تتخلف وهي اللغة التي جاء به الوحي المنزل، لهداية الإنسان، كيف لا تحضر الجملة القرآنية لهدم الحكاية الحداثية، وأخذ العالم إلى ثورة الفلسفة الأخلاقية الإسلامية، أوليس قرآن التنزيل هو من يفسر قرآن التكوين؟ شكراَ للمنظمين، ولكل تلك الأرواح التي التقتني في معرض الكتاب، من شباب ومثقفين، وشخصيات عربية وتركية وآسيوية وافريقية، إنها وحدتنا الإنسانية سبكتنا بها الجملة القرآنية، لذلك رفض الرافعي شرط المسرح الأميركي، وأعلن أنهُ مجاهدٌ قرآني للدفاع عن اللغة العربية.


الجزيرة
منذ 2 أيام
- الجزيرة
شاهد.. مسابقة كمال أجسام فريدة في إندونيسيا
إنها معركة كمال أجسام من نوع مختلف، حيث يكون المتنافسون من عمال مصانع بلاط الأسقف الذين يرفعون الطين بدلا من الحديد لجذب الانتباه إلى تجارتهم المتراجعة. وفي بلدة جاتيوانجي الإندونيسية الشهيرة بإنتاج البلاط والواقعة على مسافة نحو 200 كيلومتر شرق العاصمة جاكرتا يستعرض عمال عضلاتهم أمام الجمهور من خلال رفع أكوام من البلاط كما لو كانوا يشاركون في بطولة "مستر يونيفرس" الدولية الشهيرة. وتهدف هذه المسابقة الفريدة من نوعها لكمال الأجسام إلى تسليط الضوء على مهنتهم الحرفية التي باتت في تراجع، وفقا لتقرير وكالة الصحافة الفرنسية. ويوضح إيلا شكري الله شريف (48 عاما) -وهو عامل يساعد في تنظيم المسابقة- "دأب أهالي جاتيوانجي منذ العام 1905 على تصنيع البلاط، لكن مع مرور الوقت بدأ هذا النشاط يتلاشى". ويضيف "نشعر بأننا هنا ليس فقط لسرد قصة تصنيع البلاط، بل أيضا لإنقاذه والحفاظ على ثقافة بلاط جاتيوانجي". ويستخدم العمال الطين أو التربة المحلية لتصنيع البلاط، وتتعرض هذه المهنة لتهديدات بسبب عزوف جيل الشباب عن الحرف اليدوية ومنافسة الصناعة، مما يؤثر على دخل الحرفيين المحليين. ويقول شكري الله شريف (في الأربعينيات من عمره) "نخوض هذه المنافسة في ظل ظروف صعبة"، مضيفا "لقد خسرنا عمالا، والطلب ليس كما كان في السابق". وتضم المسابقة عمالا من مختلف الأعمار، يقفون عراة الصدر أمام الجمهور ولجنة تحكيم. ويحصل الفائزون على جائزة مقدارها 1.5 مليون روبية (نحو 92 دولارا) من مصانع منافسة، وحتى الآن لم يدعم أي راعٍ هذا الحدث. "هوية فعلية" ووصف إيكا -وهو مشارك في المسابقة يستخدم اسما واحدا على غرار عدد كبير من الإندونيسيين- العرض بأنه "فريد"، وهو يرى أن المسابقة تُبرز "أسلوبا مميزا في كمال الأجسام" يتجذر في الثقافة الإندونيسية. إعلان وتقول أليسا كارغنيل -وهي عضوة أجنبية في لجنة التحكيم- "كان من المذهل رؤية المتنافسين وأسلوبهم، وكل ما يمكنهم فعله بأياديهم وحتى أفواههم وهم يحملون البلاط". وللبلاط الأصفر شكل منحنٍ يسمح له بالتشابك، مما يجعل من السهل تكديسه لحمله. أمسك أحد الرجال بلاطة بين كل إصبع فيما وضع أخرى في فمه واقفا على ساق واحدة على أنغام موسيقى تقليدية معاد مزجها، وعادة ما تُسمع في فيديوهات شهيرة عبر تيك توك بإندونيسيا. لكن قوة هؤلاء العمال لا تقتصر على هذا العرض، ويقول سياريف "نأمل ألا يكون البلاط أو العمل بالطين في جاتيوانجي مجرد سلعة، بل أن يصبحا هوية فعلية".