logo
قصص صادمة لمجوّعين من غزة يعيشون منذ أيام على الماء والملح

قصص صادمة لمجوّعين من غزة يعيشون منذ أيام على الماء والملح

الجزيرة٢١-٠٧-٢٠٢٥
غزة- تعيش المريضة السبعينية جميلة ضاهر على الماء والملح منذ 3 أيام لتفادي إحساسها الدائم بالدوار والغثيان وعدم الاتزان، نتيجة سياسة التجويع الإسرائيلية الحادة التي تفتك بالفلسطينيين على امتداد قطاع غزة.
وهذه الطريقة التي لجأت إليها ضاهر (76 عاما) أحد بدائل شحيحة وجد أهالي القطاع أنفسهم مضطرين إليها حاليا في أشد مراحل التجويع الناجم عن حصار إسرائيلي خانق، وإغلاق المعابر ومنع إدخال المساعدات الإنسانية منذ الثاني من مارس/آذار الماضي.
وأمام خيمة تقيم فيها مع أسرتها المكونة من 14 فردا جلست ضاهر منهكة وتبدو عليها علامات الإعياء الشديد، وتقول للجزيرة نت "أجلس هنا طوال ساعات النهار هربا من حر الخيمة وصرخات جوع الأطفال، كلنا نشعر بالجوع والعجز".
بدائل قاسية
تعاني ضاهر من أمراض مزمنة، وتحتاج الأدوية التي تتناولها بانتظام إلى طعام مفقود تماما من الأسواق، وقد انخفض وزنها منذ تشديد الحصار من 97 إلى 67 كيلوغراما، وفقدت القدرة على الحركة إلا بصعوبة بالغة.
وتقول ابنتها نيفين (48 عاما) للجزيرة نت إن القلق يتملكها على مصير والدتها وهي تشاهد "جسدها يأكل بعضه بعضا من شدة الجوع".
ولنيفين 3 أحفاد أطفال لا يكفون عن البكاء طوال الوقت من قرصات الجوع، ولا تجد أمامها سوى الماء للتحايل عليهم وإسكات "قرقعة بطونهم"، وحتى الماء العذب للشرب ليس متوفرا باستمرار، تتحدث هذه الأم والجدة بمرارة مؤلمة.
قبل اشتداد أزمة الجوع الحالية كانت هذه العائلة النازحة من بلدة جباليا في شمال القطاع تعتمد في معيشتها على تكية خيرية تحصل منها على وجبة واحدة من الطعام، لكنها أغلقت أبوابها أسوة بعشرات التكايا المماثلة التي خرجت من الخدمة، إما نتيجة الاستهداف الإسرائيلي المباشر أو لعدم توفر السلع والمواد الخام لإعداد الطعام.
وكانت آخر مرة تحصل فيها نيفين على ربطة خبز من 10 أرغفة قبل 3 أيام، وبحسب وصفها كانت "كنزا كبيرا"، وعمدت إلى تقسيم كل رغيف إلى 4 أرباع، وتقول "أكلناها على يومين مع الملح أو دقة صنعتها بنفسي من بقايا عدس مطحون".
ويعتبر الخبز مكونا أساسيا على موائد الغزيين، وبات مفقودا تماما من الأسواق، وفي حال عثر عليه فإن أسعاره بلغت مستويات غير مسبوقة.
ووفقا لنيفين، فإن كيلو الطحين الواحد يكفي لصنع 8 إلى 10 أرغفة ويصل سعره حاليا إلى 200 شيكل (نحو 60 دولارا).
سجن كبير
وخلال 48 ساعة لم يتناول الفتى أمير النصلة وأسرته (6 أفراد) سوى كوب من الماء المخلوط بالقليل من الملح والبهارات.
يقيم النصلة (15 عاما) وأسرته في خيمة داخل مخيم بحي الشيخ رضوان شمالي مدينة غزة، ويقول للجزيرة نت "آخر مرة أكلنا فيها صحنا من شوربة العدس منذ 4 أيام".
وخلال 3 أيام فقط ارتفع سعر كيلو العدس من 30 شيكلا إلى 100 شيكل (نحو 30 دولارا)، في حين البهارات شحيحة وأسعارها باهظة، ويقول النصلة "تباع بالغرام مثل الذهب".
وتحتل أخبار المجاعة وتداعياتها الحيز الأكبر من تفاعل الغزيين على منصات التواصل الاجتماعي، ومشاركاتهم تجاربهم الشخصية وبدائلهم المتاحة التي اضطروا إليها في محاولات التغلب على الجوع.
ويروي محمد عدوان -وهو صانع محتوى- تجربة أسرة صديق له وجدت في الصوم يوميا وسيلة لمقاومة الجوع، والإفطار على وجبة واحدة مما تيسر لديها من طعام تمكنها من الصمود حتى مغيب شمس اليوم التالي.
ويشبّه عدوان في حديثه للجزيرة نت حياة 2.2 مليون فلسطيني في قطاع غزة حاليا بواقع الأسرى في سجون الاحتلال، ويقول "نحن نعيش أيضا في سجن كبير، ومثلما يخوض الأسرى إضراباتهم الاحتجاجية بالاعتماد على الماء والملح وجدنا أنفسنا مضطرين لمحاكاتها ومجابهة المجاعة الفتاكة".
آثار جسدية ونفسية
بدوره، لا يرى مدير مستشفى الأطفال والولادة في مجمع ناصر الطبي بمدينة خان يونس الدكتور أحمد الفرا أي جدوى في كل هذه البدائل، ويشدد على أنها "لا تمثل بديلا عن الطعام".
ويقول الفرا للجزيرة نت إن "الجوع لا يهدد فقط حياة الإنسان، بل يدمر شخصيته وكرامته مع مرور الوقت، ويؤثر عليه بشكل عميق جسديا ونفسيا، خاصة إذا كان مستمرا".
ويحذر الفرا من أن تداعيات التجويع بدأت في الظهور في أوساط الغزيين، وتبدو من اكتظاظ المستشفيات يوميا بعشرات حالات سوء التغذية التي لا تقف عند الأطفال وكبار السن، وإنما تشمل كل الفئات.
ووفقا له، فإن الآثار الجسدية للمجاعة تتضمن:
نقص الطاقة والإرهاق، حيث يؤدي تراجع السعرات الحرارية إلى ضعف عام وتعب مستمر.
نقص الوزن والضمور العضلي نتيجة تكسير الجسم العضلات للحصول على الطاقة بعد أن يكسر النسيج الشحمي تحت الجلد.
ضعف المناعة، ويصبح الجسم أكثر عرضة للعدوى والأمراض.
فقر الدم نتيجة نقص الحديد والبروتينات.
تراجع القدرة على التركيز وضعف الذاكرة.
يؤدي سوء التغذية الشديد إلى تورم في البطن أو القدمين.
توقف النمو عند الأطفال.
فشل الأعضاء في الحالات الشديدة والمزمنة.
ولذلك، يقول الفرا إن جسم الإنسان الجائع أو المجوع يدخل في حالة سبات ثم ينتهي بالموت.
أما الآثار النفسية المترتبة على التجويع فمن أعراضها بحسب الفرا:
القلق والاكتئاب.
العصبية وتقلّب المزاج.
ضعف القدرة على اتخاذ قرار وعدم القدرة على التعبير والفهم والإدراك.
العزلة الاجتماعية وفقدان الاهتمام بالحياة.
الوساوس المتعلقة بالطعام.
اضطرابات نفسية حادة تنتج عن حالات "الجوع المزمن".
ومن بين عشرات الحالات اليومية الناجمة عن الجوع الشديد يذكر الفرا قصتين مؤلمتين، واحدة لأسرة كاملة أصيبت بالتسمم الجماعي نتيجة تناولها معلبات غذائية فاسدة، وعندما سألها الأطباء: ألم تتفحصوا تاريخ صلاحيتها؟ أجابت الأم "نعلم أنها منتهية ولكن ليس أمامنا أي بديل لسد الجوع".
والقصة الأخرى يقول الفرا إنها لطفل رضيع لا يتجاوز الشهرين اضطرت والدته إلى طحن حمص معلب وإطعامه له بديلا عن الحليب المفقود، وأحضرته إلى المستشفى في حالة إعياء شديد، وقد وصلت آثار الحمص إلى الجهاز التنفسي، وأجريت له عملية منظار قصبي رئوي لإزالة بقايا الحمص من الرئتين.
أرقام صادمة
وفي حديثه مع الجزيرة نت، يضع مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي الدكتور إسماعيل الثوابتة سياسة التجويع الحالية في أرقام تعكس عمق الأزمة، وتثبت -برأيه- ما يسميها "هندسة التجويع" التي ينتهجها الاحتلال الإسرائيلي:
140 يوما على إغلاق الاحتلال التام جميع معابر قطاع غزة ومنع إدخال الإمدادات الإنسانية.
42 تكية طعام استهدفها الاحتلال في إطار فرض سياسة التجويع.
57 مركزا لتوزيع المساعدات والغذاء استهدفها الاحتلال في إطار فرض التجويع.
121 مرة استهدف الاحتلال قوافل المساعدات الإنسانية.
877 شهيدا قتلهم الاحتلال في "مصائد الموت" في محيط مراكز المساعدات التابعة لـ"مؤسسة غزة الإنسانية" المدعومة أميركيا وإسرائيليا، وأكثر من 5666 جريحا و42 مفقودا.
650 ألف طفل معرضون للموت بسبب سوء التغذية والجوع.
70 طفلا استشهدوا بسبب سوء التغذية منذ اندلاع الحرب.
620 وفاة بسبب نقص الغذاء والدواء.
أكثر من 3500 حالة إجهاض بين الحوامل بسبب نقص العناصر الغذائية الضرورية.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

65 شهيدا بغزة منذ الفجر وسط تحذيرات أممية من تجاوز عتبة المجاعة
65 شهيدا بغزة منذ الفجر وسط تحذيرات أممية من تجاوز عتبة المجاعة

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

65 شهيدا بغزة منذ الفجر وسط تحذيرات أممية من تجاوز عتبة المجاعة

استشهد 65 فلسطينيا على الأقل، بينهم 36 أثناء انتظارهم استلام المساعدات، منذ فجر اليوم الجمعة، جراء القصف الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة ، في وقت حذّرت فيه منظمات أممية من أن القطاع تجاوز بالفعل عتبة المجاعة. وأعلن مستشفى الشفاء في مدينة غزة استشهاد فلسطينيين اثنين من أفراد تأمين المساعدات في قصف إسرائيلي على حي الكرامة شمال غربي المدينة، في حين أفاد المستشفى المعمداني باستشهاد مدني آخر جراء قصف على ساحة الشوا في حي الدرج شرق المدينة. وأعلن الدفاع المدني انتشال 18 جثمانا من تحت الأنقاض في حيّي الزيتون والشجاعية شرق مدينة غزة، جراء قصف إسرائيلي مكثف استهدف منازل المدنيين. كما أفادت مصادر فلسطينية باستهداف مدفعية الاحتلال لمنطقة شرق مخيم البريج وسط القطاع. ضحايا التجويع وسوء التغذية في غضون ذلك أفاد مصدر طبي بارتفاع عدد الضحايا جراء الاستهداف الإسرائيلي المتواصل لمنتظري المساعدات شمالي القطاع الجمعة إلى 36 شهيدا. من جهتها، أعلنت وزارة الصحة في غزة وفاة 3 أشخاص خلال الـ24 ساعة الماضية نتيجة الجوع وسوء التغذية، بينهم طفلان، لترتفع حصيلة ضحايا سياسة التجويع الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى 162 حالة وفاة بينهم 92 طفلا. وفي هذا السياق قال مدير مجمع الشفاء الطبي إن المستشفى لا يملك أسرّة كافية لعلاج الجرحى، محذرا من دخول مرحلة خطيرة بسبب النقص الشديد في الأدوية والمواد الطبية. وأكد ماجد الطوال، نائب الممثل الخاص لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) في فلسطين، في تصريحات للجزيرة أن هناك أكثر من 5 آلاف حالة سوء تغذية حاد في غزة، لافتا إلى أن الوضع الغذائي في القطاع "تجاوز بالفعل عتبة المجاعة"، وأن "واحدا من كل 3 أشخاص يقضي أياما دون طعام". وقال مسؤول اليونيسيف: "الوضع في غزة صادم ويزداد سوءا. نحتاج إلى إدخال مساعدات إنسانية بكميات ضخمة وعاجلة عبر جميع المعابر والمنافذ، ولا يمكننا انتظار نهاية الحرب لبدء التحرك".

شهداء بقصف إسرائيلي والمجاعة تلتهم مزيدا من أطفال غزة
شهداء بقصف إسرائيلي والمجاعة تلتهم مزيدا من أطفال غزة

الجزيرة

timeمنذ 18 ساعات

  • الجزيرة

شهداء بقصف إسرائيلي والمجاعة تلتهم مزيدا من أطفال غزة

استشهد عدد من الفلسطينيين وأصيب العشرات بجراح جراء استهداف جيش الاحتلال المتواصل للمدنيين المجوعين منتظري المساعدات وسط قطاع غزة ، وقصف خيام للنازحين ومركبات ومنازل في مناطق متفرقة من القطاع. وأفاد مصدر بمستشفى شهداء الأقصى باستشهاد أربعة فلسطينيين وإصابة آخرين في قصف مسيرة إسرائيلية وسط مدينة دير البلح وسط قطاع غزة فجر اليوم الجمعة. كما نقل مراسل الجزيرة في غزة عن مصادر طبية أن عددا من الفلسطينيين أصيبوا في قصف إسرائيلي استهدف فجر اليوم منطقة الجوازات التي تؤوي نازحين غربي مدينة غزة. وأعلن مجمع ناصر الطبي فجر اليوم أن شهيدين على الأقل سقطا وأكثر من 70 مصابا من طالبي المساعدات بنيران الاحتلال قرب محور موراغ جنوبي خان يونس جنوب قطاع غزة. وكانت مصادر في مستشفيات غزة قد قالت إن 51 شهيدا سقطوا بنيران جيش الاحتلال أمس الخميس، بينهم 23 من طالبي المساعدات. وأفاد مصدر طبي في مستشفى الشفاء في مدينة غزة بإصابة فلسطينيين، جراء إطلاق النار على طالبي المساعدات في محيط منطقة زيكيم شمالي قطاع غزة. ووصف أطباء في المستشفى حالة عدد من المصابين بالحرجة. وفي ظل المجاعة التي تتربص بالمجوعين خاصة الأطفال منهم، أعلن مجمع ناصر الطبي في القطاع عن وفاة طفل من سكان مدينة خان يونس بسبب التجويع وسوء التغذية. وقالت وزارة الصحة بغزة إن مستشفيات القطاع سجلت أربع وفيات جراء سوء التغذية، وبذلك يرتفع عدد وفيات المجاعة ، خلال اليومين الماضيين إلى اثنتي عشرة. وكان مصدر طبي في مستشفى العودة في النصيرات أفاد بوفاة الشاب كرم الجمل البالغ من العمر 27 عاما، نتيجة سوء التغذية والمجاعة في القطاع المحاصر. في سياق متصل، حذرت منظمة الصحة العالمية، من أن أسوأ سيناريوهات المجاعة آخذة في التحقق في قطاع غزة. وأوضحت المنظمة الأممية، أن الناس في غزة لا يجدون طعاما لأيام، وأن آخرين يموتون لأن أجسادهم تعاني نقص التغذية. إعلان ودعت منظمة الصحة العالمية إسرائيل إلى تسهيل وصول آمن وسريع ودون عوائق للأمم المتحدة والجهات الإنسانية لإيصال المساعدات وتوزيعها بالقطاع. من جهته، قال برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، إنه لا يمكن إيقاف موجة الجوع في قطاع غزة إلا بزيادة هائلة في حجم المساعدات، وطالب بضرورة إدخال مائة شاحنة مساعدات على الأقل يوميا إلى القطاع. وأعلنت وزارة الصحة في غزة أمس الخميس تسجيل وفاتين جديدتين جراء التجويع و سوء التغذية ، ليصل عدد ضحايا التجويع إلى 159 شهيدًا، منهم 90 طفلا، في حين قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة " يونيسيف" إن كل ساعة تمر تشهد وفاة مزيد من الأطفال في القطاع. وقد تصاعدت أخيرا الدعوات الدولية والأممية لإنهاء الحرب والحصار المفروض على قطاع غزة بعد الارتفاع الكبير في أعداد الشهداء الفلسطينيين المجوّعين الذين يقتلون في " مصائد الموت" عند نقاط توزيع مساعدات ما تسمى "بمؤسسة غزة الإنسانية" التي تقف وراءها الولايات المتحدة وإسرائيل. ويأتي ذلك في وقت تواصل فيه إسرائيل ، بدعم أميركي، إبادة جماعية في غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، خلّفت أكثر من 207 آلاف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، فضلا عن مئات آلاف النازحين.

"ضجيج الطعام".. لماذا لا يمكنك التوقف عن التفكير في وجبتك القادمة؟
"ضجيج الطعام".. لماذا لا يمكنك التوقف عن التفكير في وجبتك القادمة؟

الجزيرة

timeمنذ يوم واحد

  • الجزيرة

"ضجيج الطعام".. لماذا لا يمكنك التوقف عن التفكير في وجبتك القادمة؟

هل سبق لك أن تناولت وجبة طعامك وبدأت تفكر فورا فيما ستأكله بعد ذلك؟ وهل تجد نفسك عاجزا عن التركيز بسبب تفكيرك المستمر بالطعام؟ يعد الشعور بالجوع أمرا طبيعيا، وعادة ما ترسل الأمعاء إشارات إلى الدماغ عندما يحتاج جسمك إلى الطعام، وقد تؤثر كذلك عواطفنا وعاداتنا على علاقتنا بالطعام، فيأكل الناس أحيانا للتسلية أو المتعة أو كجزء من المناسبات الاجتماعية، وقد يأكلون بدافع الملل أو لتهدئة أنفسهم بعد يوم شاق. ولكن في أحيان أخرى، لا يمكن للشخص التوقف عن التفكير في الطعام وتصبح أفكاره حول ما يجب أن يأكله مفرطة ومُلحة، وهذه الظاهرة يشار إليها باسم "ضجيج الطعام". ما ضجيج الطعام؟ ضجيج الطعام ليس مصطلحا تشخيصيا أو اضطرابا مستقلا، ولكنه مفهوم بدأ ينتشر منذ عام 2023 بين مستخدمي تطبيق تيك توك وصولا إلى مشاهير مثل الإعلامية أوبرا وينفري التي تحدثت عن تجربتها الخاصة لإسكات ضجيج طعامها والحفاظ على وزن أقل. ويشير مصطلح "ضجيج الطعام" إلى الانشغال الذهني المستمر بالطعام وتناوله ويمكن أن يشار إليه أيضا باسم "الثرثرة الغذائية" التي تدور في العقل على شكل مونولوج أو حوار داخلي يركز على التخطيط للوجبة التالية، وغالبا ما يستجيب الشخص لجوعه، ومع ذلك تظل الأصوات تتعالى في الجزء الخلفي من ذهنه، فيأكل مرة أخرى، وهكذا. وأشار العديد من المرضى إلى أن هذا السيل من الأفكار المزعجة يُشبه تشغيل شريط صوتي متكرر في رؤوسهم على مدار الساعة حول ما يجب تناوله في الوجبة القادمة، ومتى، وأين، وكمية الطعام ورائحته وشكله ومذاقه، وكأن هناك شعورا بالجوع المستمر يسيطر على أدمغتهم ولا يهدأ حتى يتناولوا شيئا ما، وهذا بالطبع يعيقهم عن التواجد بشكل كامل في اللحظة الحالية أو الانخراط في الأنشطة الأخرى. ووفق بحث نشرته دورية (نيوترنتس) عام 2023، فإن الأمر يتحول إلى حد الشعور وكأن حياة الشخص كلها تتمركز حول الطعام، وأوضح الباحثون أن ذلك قد يؤدي إلى أنماط غذائية غير صحية مثل الأكل العاطفي وتناول الطعام كآلية للتكيف مع التوتر والمشاعر الأخرى. من يتأثر بضوضاء الطعام؟ قد يعاني أي شخص من ضجيج الطعام، ولكنه يؤثر بشكل أكبر على الأشخاص الذين يعانون من صعوبات في إنقاص الوزن، ووجدت دراسة أجرتها مؤسسة (ويت وتشرز) عام 2024، أن 57% من الأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن تسيطر عليهم أفكار مستمرة ومزعجة حول الطعام، وأن 12% فقط على دراية بمصطلح "ضجيج الطعام". ومع ذلك، فإن الحميات الغذائية القاسية ليست حلا لتخفيف حدة هذا الضجيج، تقول اختصاصية التغذية، تانيا هارغريف كلاين، لموقع "إكويب هيلث"، إن الشعور بالجوع أو تقليل تناول الطعام قد يتسبب في إثارة ضوضاء الطعام بداخل أي شخص، إذ يرى جسمك أن تقليل السعرات الحرارية يمثل تهديدا له، فيزيد من الضجيج ليشجعك على تناول ما يعتبره طبيعيا. وتضيف هارغريف: "قد يؤدي ذلك إلى حلقة مفرغة من الشعور بالجوع، يليه تناول الطعام بشكل لا يمكن السيطرة عليه، ويتكرر هذا يوميا تاركا الفرد مع مشاعر متصاعدة من الذنب والخجل". وأوضح الطبيب النفسي، ديفيد كريل، لموقع (ويبمد)، أن المشكلة تكمن في كيفية استجابتنا لضوضاء طعامنا، إذ قد تُشكل هذه الضوضاء مشكلة حقيقية إذا دفعتنا إلى تناول طعام غير صحي أو تناول كميات كبيرة من السعرات الحرارية مما يؤدي إلى السمنة أو تفاقمها وتطور المضاعفات المرتبطة بها. وقد يصاحب ضجيج الطعام شعورا بالذنب ويؤثر سلبا على جودة الحياة اليومية ويشتت انتباه الفرد عن إنجاز مهامه الأساسية، على سبيل المثال، يُفترض بك التركيز في العمل أو متابعة محادثة باهتمام، لكن عقلك مشغول بالتخطيط لما ستتناوله على العشاء أو حساب السعرات الحرارية في الحلوى المعروضة على المائدة، كما أن هذه الثرثرة الداخلية المستمرة حول الطعام وصورة الجسم قد تكون مُرهقة عاطفيا ومسببة للاضطرابات النفسية مثل القلق والعزلة وتدني احترام الذات، وفق ما أشارت إليه الطبيبة النفسية، سوزان ألبرز في مقال لها على موقع (سيكولوجي توداي). خيارات لإسكات أو تهدئة ضوضاء الطعام يمكنك التخلص من ضجيج الطعام أو على الأقل تقليله باتباع بعض الإستراتيجيات ومنها: نظام غذائي صحي: ينبغي تقليل الأطعمة المصنعة والتركيز على الأطعمة الكاملة وتناول الخضراوات والفاصوليا والبقوليات والفواكه والحبوب الغنية بالألياف، بالإضافة إلى المكسرات والبذور والأسماك والدهون الصحية، لتعزيز الشعور بالشبع. تناول الطعام بانتظام: تخطي وجبات الطعام أو تقييد السعرات الحرارية بشكل كبير يمكن أن يثير ضجيج الطعام، لذلك حاول تناول 3 إلى 4 وجبات يوميا، والحصول على ما يكفي من البروتين والألياف. ممارسة الأكل الواعي: أظهر بحث منشور في دورية (مرض السكري) عام 2017 أن تناول الطعام ببطء وتقليل المشتتات يساعد على إشباع شهيتك، لذلك حاول مضغ الطعام جيدا والاستمتاع بكل قضمة وتوقف بمجرد أن تشعر بالشبع. تنظيم ساعات النوم: تؤثر مدة نومك على كيفية استجابة دماغك لإشارات الطعام، وأظهرت دراسة منشورة في مجلة "أوبستي" عام 2023 أن ليلة واحدة فقط من قلة النوم تستطيع أن تقلل مستويات هرمون الليبتين، وهو الهرمون الذي يساعدك على الشعور بالشبع، وتزيد من مستويات هرمون الغريلين، مما يجعلك أكثر جوعا. التحكم في التوتر: عندما تشعر بالقلق أو الانفعال أو عدم الراحة، قد تفكر في الطعام ولاسيما أنه يعزز الشعور بتحسن مؤقت، لذلك حاول البحث عن طرق إيجابية لإدارة التوتر والقلق مثل تمارين التنفس العميق، التأمل، التواصل مع الآخرين، ممارسة النشاط البدني أو الاستمتاع بالطبيعة والاستماع إلى الموسيقى. تعديل بيئة طعامك: يمكن للتغييرات البسيطة في بيئتك أن تساعد في تقليل عدد الإشارات الغذائية التي تواجهها يوميا، فمثلا: إذا كان الآيس كريم هو الطعام الذي ترغب في الحد من تناوله، فلا تضعه في مقدمة الثلاجة حيث تراه طول الوقت. استشارة طبيب مختص: قد تحتاج للتواصل مع طبيب مختص أو اختصاصي تغذية وقد تكون بعض أدوية إنقاص الوزن مثل أوزيمبك ومونجارو خيارا مناسبا، ولكن ينبغي الحذر، إذ إن التوقف عن تناولها قد يعزز استعادة الوزن.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store