
عراك داخل البيت الأبيض: صدام غير مسبوق بين إيلون ماسك ووزير الخزانة
في حدث غير مسبوق في تاريخ الإدارات الأميركية، تحوّلت إحدى قاعات البيت الأبيض إلى مسرح لعراك جسدي بين الملياردير إيلون ماسك، والمستشار التكنولوجي للرئيس دونالد ترامب، ووزير الخزانة سكوت بيسنت.
الحادثة، التي وقعت خلال اجتماع مغلق لمناقشة أولويات الخطة الاقتصادية للمرحلة المقبلة، لم تبقَ طي الكتمان، بل سرعان ما تسربت تفاصيلها لتشعل الرأي العام وتفتح الباب أمام تساؤلات خطيرة: هل ما جرى كان لحظة انفلات؟ أم أنه تجلٍ صادم لصراع خفي يتفاعل منذ أشهر داخل الإدارة الأميركية؟
يذهب الكاتب والباحث السياسي دان ريني خلال حديثه إلى غرفة الأخبار على "سكاي نيوز عربية" أبعد من مجرد وصف المشهد، قائلا في حديثه إن "هذا الحادث ليس انفعالا عاطفيا بين رجلين، بل إنه تعبير فاقع عن انقسام جذري داخل النواة الصلبة للسلطة".
من الناحية البنيوية، لا يمكن فهم ما جرى دون العودة إلى التوتر المتصاعد بين جناحين داخل إدارة ترامب الثانية:
• جناح ماسك، الذي يمثل منطق "السيليكون فالي"، حيث يُنظر إلى الحكومة ككيان بيروقراطي يجب تفكيكه لصالح ديناميكية الابتكار والأسواق المفتوحة.
• جناح بيسنت، الذي يصر على مركزية وزارة الخزانة في صياغة السياسات المالية، ويرى في تغوّل الشركات التكنولوجية تهديدًا مباشرًا لمفهوم "الدولة المنظمة".
ووفقًا لتحليل دان ريني، فإن ما جرى "ليس خلافًا على موازنة أو برنامج"، بل هو بحسب تعبيره: "صراع وجودي بين عقلية ترى في الدولة عقبة أمام التقدم، وأخرى تعتبرها الضامن الوحيد للاستقرار".
ريني يلفت إلى أن هذه التناقضات كانت تظهر على استحياء خلال العام الماضي، لكنها انفجرت بعد دخول ماسك على خط السياسات النقدية، ومحاولته التأثير على آليات عمل وزارة الخزانة فيما يخص العملات الرقمية ونماذج التمويل البديلة.
يتجاوز الخلاف الطابع الشخصي ليُلامس عمق الصراع حول السيادة الاقتصادية داخل الولايات المتحدة. فبحسب التسريبات، بدأ الخلاف عندما قدم ماسك عرضًا مفاجئا خلال الاجتماع لاعتماد "نظام عملة رقمية فيدرالية مدعومة بالذكاء الاصطناعي"، وهو ما اعتبره بيسنت "تجاوزا خطيرا لصلاحيات الوزارة وتلاعبا خطيرا بأسس العملة الوطنية".
دان ريني يُحلل هذه الجزئية بالقول: "ماسك يحاول إحداث ثورة في نظام الاقتصاد الأميركي، لكن من خارج مؤسسات الدولة. وهذا يُقلق أصحاب القرار التقليديين، لأنه يُفقد الدولة سيطرتها على أدواتها السيادية".
ويضيف: "بيسنت لم يكن في مواجهة ماسك فقط، بل كان يُدافع عن فكرة الدولة نفسها في مواجهة ما يُشبه الشركات - الحكومات التي بدأت تتشكل من حول المليارديرات".
وسط هذه الأزمة، وجد الرئيس ترامب نفسه في مأزق استراتيجي، فمن جهة، يُعتبر ماسك أحد أبرز الوجوه الاقتصادية في إدارته، ويحظى بدعم شعبي ومالي كبير، كما أن شراكته مع الدولة وفرت زخما لحملات ترامب الاقتصادية. ومن جهة أخرى، فإن الحفاظ على هيبة المؤسسات مثل وزارة الخزانة، وضبط الإيقاع الداخلي، يُعد ضروريًا لمنع تفكك الإدارة.
يُعلّق دان ريني على هذا الموقف الحرج قائلا: "ترامب بارع في اللعب على الحبال، لكنه يعلم أن هذه المرة، الحبل مشدود جدا. أي خطوة غير محسوبة قد تدفع بوزير الخزانة للاستقالة، أو بماسك نحو مواجهة مفتوحة مع الدولة".
ويُضيف ريني أن "ترامب لن يتخذ قرارا نهائيا في العلن، لكنه سيسعى لاحتواء الأزمة من خلال إعادة توزيع الأدوار، وربما إجراء تعديل محدود في آليات عمل الفريق الاقتصادي دون التضحية بأحد الطرفين".
ما يُقلق المراقبين ليس فقط الحادثة بحد ذاتها، بل الرسائل التي تبعثها عن حالة الإدارة الأميركية. فحادثة بهذا الحجم، وسط تكتّم رسمي، وسيل من التسريبات، ومحاولات ترقيع الموقف، توحي بوجود شروخ بنيوية في هرم السلطة.
ريني يضع الحادث في إطار "تآكل هيبة القرار المركزي"، حيث أصبحت القرارات تُناقش في العلن، والتوترات تُعبّر عن نفسها بأكثر الطرق فوضوية.
ويُضيف: "نحن أمام إدارة بدأت تفقد السيطرة على نفسها. وكلما زادت شخصنة القرار، تراجعت فاعلية الدولة كمؤسسة".
ليس سراً أن هذا الحادث أحرج الإدارة الأميركية أمام حلفائها وخصومها على السواء. ففي لحظة حاسمة من التوتر مع الصين، والتعقيدات في الملف الإيراني، وحرب أسعار الطاقة، ظهرت واشنطن بمظهر الإدارة المنقسمة على ذاتها.
ريني يُحذر من تداعيات هذه الصورة في الخارج: "في بكين، لا شك أن كبار المسؤولين تابعوا ما حدث بدقة. هذا النوع من التصدعات يعطي مؤشرا على أن واشنطن غير قادرة على اتخاذ قرارات متماسكة".
لم تكن اللكمة التي وُجّهت في قلب البيت الأبيض مجرد فعل جسدي عابر. بل كانت رمزًا قويًا لصراع سياسي اقتصادي فلسفي يتصاعد داخل إدارة ترامب الثانية، بين من يسعى لإعادة تعريف دور الدولة، ومن يتمسك بإرثها كضامن للشرعية والمؤسسات.
دان ريني، الذي بدا الأكثر وضوحًا بين المحللين الأميركيين، اختصر المشهد بقوله: "ما حدث في البيت الأبيض كان اللحظة التي تصادمت فيها أميركا القديمة بـأميركا القادمة.. والمشكلة أن كليهما كان بلا كوابح".
قد لا يكون الحل في إقالة أحد، أو في احتواء شكلي للأزمة، بل في الاعتراف بأن الصراع لم يعد في الكواليس، بل خرج إلى العلن.. وبكل عريه.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


النهار
منذ 24 دقائق
- النهار
البيت الأبيض: ترامب يعتزم التحدث إلى نتنياهو اليوم
قال مسؤول في البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يعتزم التحدث إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليوم الاثنين. تأتي هذه المكالمة المزمعة في الوقت الذي يسعى فيه ترامب لتسريع وصول المساعدات إلى غزة، ويحاول إقناع إيران بالتخلي عن برنامجها النووي. ويعبر ترامب بين الحين والآخر عن شعوره بالإحباط من نتنياهو، وقال الأسبوع الماضي إنه حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي من اتخاذ أي إجراءات قد تعرقل المحادثات النووية مع إيران. وقال ترامب للصحفيين في المكتب البيضاوي: "أبلغته بأن هذا غير مناسب حاليا لأننا قريبون جدا من التوصل إلى حل... وقد يتغير هذا في أي لحظة". وذكر المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي اليوم الاثنين أن طهران ستقدم خطتها المقترحة بشأن اتفاق نووي إلى الولايات المتحدة عبر سلطنة عمان في وقت قريب، وذلك ردا على مقترح أمريكي اعتبرته طهران "غير مقبول".


ليبانون 24
منذ ساعة واحدة
- ليبانون 24
السلطات السورية تعلن عودة أكثر من 425 ألف عائد طوعا من دول الجوار عبر المعابر السورية خلال الأشهر الـ 6 الأخيرة من بينهم 250 ألفا من تركيا (سكاي نيوز)
السلطات السورية تعلن عودة أكثر من 425 ألف عائد طوعا من دول الجوار عبر المعابر السورية خلال الأشهر الـ 6 الأخيرة من بينهم 250 ألفا من تركيا (سكاي نيوز) Lebanon 24


ليبانون 24
منذ ساعة واحدة
- ليبانون 24
حاكم كاليفورنيا يقاضي ترامب بسبب إرسال الحرس الوطني إلى لوس أنجلوس
أعلن حاكم كاليفورنيا أنه سيُقاضي الرئيس دونالد ترامب بسبب قراره إرسال الحرس الوطني إلى لوس أنجلوس وسط الاحتجاجات ضد سياسة الهجرة، واعتبره "محاولة غير قانونية للتدخل الفيدرالي". وكتب الحاكم غافين نيوسوم عبر منشو في موقع التواصل الاجتماعي: "هذا بالضبط ما أراده دونالد ترامب. أشعل فتيل الأزمة، ثم حاول بشكل غير قانوني إضفاء طابع فيدرالي على الحرس الوطني. الأمر الذي وقّعه لا يقتصر على كاليفورنيا فحسب، بل سيمنحه القدرة على دخول أي ولاية والقيام بالشيء نفسه. نحن سنقاضيه". وفي وقت سابق، وخلال مقابلة مع قناة MSNBC، صرّح الحاكم بأنه يعتزم مقاضاة إدارة ترامب بسبب نشر الحرس الوطني الأميركي لقمع الاحتجاجات في كاليفورنيا. وأضاف أن ضباط إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك الأميركية لم ينسقوا إجراءاتهم معه. وتحولت حملة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك الأمريكية (ICE) للكشف عن المهاجرين غير الشرعيين في وسط لوس أنجلوس يوم 7 حزيران إلى مواجهات مع المحتجين. وفي نفس اليوم، هدد حاكم كاليفورنيا جافين نيوسوم بأن الولاية قد تمتنع عن دفع الضرائب الفيدرالية ردًا على التخفيضات المحتملة في التمويل الفيدرالي من إدارة ترامب. وفي 8 حزيران، أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت أنه سيتم نشر قوات الحرس الوطني البالغ عددها ألفي فرد في المدينة بسبب الاحتجاجات. وذكرت الشرطة في بيان نشر على منصة "إكس": "حاول سائقا دراجتين ناريتين اختراق الحواجز عند تقاطع ألاميدا وتيمبل. وأصيب شرطيان جراء الاصطدام. تم اعتقال السائقين، ويتم تقديم الإسعافات للشرطيين المصابين في المكان". كما أفادت الشرطة بأن المحتجين أغلقوا الطرق وأشعلوا النيران في السيارات. وتعمل فرق الإطفاء على الوصول إلى موقع الحريق. واعترفت السلطات بأن هذه الاحتجاجات هي تجمع غير مرخص. وتُعتبر كاليفورنيا معقلا تقليديا للحزب الديمقراطي ، وقد انتقدها ترامب مرارا. وكانت إدارة ترامب قد ألغت سابقًا مشاريع لمنع الفيضانات بقيمة 126.4 مليون دولار، وانتقدت إجراءات حكومة كاليفورنيا في مكافحة حرائق الغابات. و وعد ترامب في أول خطاب له كرئيس للولايات المتحدة رقم 47 في يوم تنصيبه في 20 يناير، بوقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين فورا وبدء عملية ترحيل الملايين منهم. كما أعلن حالة الطوارئ الوطنية بسبب الوضع على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة.