
عراك داخل البيت الأبيض: صدام غير مسبوق بين إيلون ماسك ووزير الخزانة
في حدث غير مسبوق في تاريخ الإدارات الأميركية، تحوّلت إحدى قاعات البيت الأبيض إلى مسرح لعراك جسدي بين الملياردير إيلون ماسك، والمستشار التكنولوجي للرئيس دونالد ترامب، ووزير الخزانة سكوت بيسنت.
الحادثة، التي وقعت خلال اجتماع مغلق لمناقشة أولويات الخطة الاقتصادية للمرحلة المقبلة، لم تبقَ طي الكتمان، بل سرعان ما تسربت تفاصيلها لتشعل الرأي العام وتفتح الباب أمام تساؤلات خطيرة: هل ما جرى كان لحظة انفلات؟ أم أنه تجلٍ صادم لصراع خفي يتفاعل منذ أشهر داخل الإدارة الأميركية؟
يذهب الكاتب والباحث السياسي دان ريني خلال حديثه إلى غرفة الأخبار على "سكاي نيوز عربية" أبعد من مجرد وصف المشهد، قائلا في حديثه إن "هذا الحادث ليس انفعالا عاطفيا بين رجلين، بل إنه تعبير فاقع عن انقسام جذري داخل النواة الصلبة للسلطة".
من الناحية البنيوية، لا يمكن فهم ما جرى دون العودة إلى التوتر المتصاعد بين جناحين داخل إدارة ترامب الثانية:
• جناح ماسك، الذي يمثل منطق "السيليكون فالي"، حيث يُنظر إلى الحكومة ككيان بيروقراطي يجب تفكيكه لصالح ديناميكية الابتكار والأسواق المفتوحة.
• جناح بيسنت، الذي يصر على مركزية وزارة الخزانة في صياغة السياسات المالية، ويرى في تغوّل الشركات التكنولوجية تهديدًا مباشرًا لمفهوم "الدولة المنظمة".
ووفقًا لتحليل دان ريني، فإن ما جرى "ليس خلافًا على موازنة أو برنامج"، بل هو بحسب تعبيره: "صراع وجودي بين عقلية ترى في الدولة عقبة أمام التقدم، وأخرى تعتبرها الضامن الوحيد للاستقرار".
ريني يلفت إلى أن هذه التناقضات كانت تظهر على استحياء خلال العام الماضي، لكنها انفجرت بعد دخول ماسك على خط السياسات النقدية، ومحاولته التأثير على آليات عمل وزارة الخزانة فيما يخص العملات الرقمية ونماذج التمويل البديلة.
يتجاوز الخلاف الطابع الشخصي ليُلامس عمق الصراع حول السيادة الاقتصادية داخل الولايات المتحدة. فبحسب التسريبات، بدأ الخلاف عندما قدم ماسك عرضًا مفاجئا خلال الاجتماع لاعتماد "نظام عملة رقمية فيدرالية مدعومة بالذكاء الاصطناعي"، وهو ما اعتبره بيسنت "تجاوزا خطيرا لصلاحيات الوزارة وتلاعبا خطيرا بأسس العملة الوطنية".
دان ريني يُحلل هذه الجزئية بالقول: "ماسك يحاول إحداث ثورة في نظام الاقتصاد الأميركي، لكن من خارج مؤسسات الدولة. وهذا يُقلق أصحاب القرار التقليديين، لأنه يُفقد الدولة سيطرتها على أدواتها السيادية".
ويضيف: "بيسنت لم يكن في مواجهة ماسك فقط، بل كان يُدافع عن فكرة الدولة نفسها في مواجهة ما يُشبه الشركات - الحكومات التي بدأت تتشكل من حول المليارديرات".
وسط هذه الأزمة، وجد الرئيس ترامب نفسه في مأزق استراتيجي، فمن جهة، يُعتبر ماسك أحد أبرز الوجوه الاقتصادية في إدارته، ويحظى بدعم شعبي ومالي كبير، كما أن شراكته مع الدولة وفرت زخما لحملات ترامب الاقتصادية. ومن جهة أخرى، فإن الحفاظ على هيبة المؤسسات مثل وزارة الخزانة، وضبط الإيقاع الداخلي، يُعد ضروريًا لمنع تفكك الإدارة.
يُعلّق دان ريني على هذا الموقف الحرج قائلا: "ترامب بارع في اللعب على الحبال، لكنه يعلم أن هذه المرة، الحبل مشدود جدا. أي خطوة غير محسوبة قد تدفع بوزير الخزانة للاستقالة، أو بماسك نحو مواجهة مفتوحة مع الدولة".
ويُضيف ريني أن "ترامب لن يتخذ قرارا نهائيا في العلن، لكنه سيسعى لاحتواء الأزمة من خلال إعادة توزيع الأدوار، وربما إجراء تعديل محدود في آليات عمل الفريق الاقتصادي دون التضحية بأحد الطرفين".
ما يُقلق المراقبين ليس فقط الحادثة بحد ذاتها، بل الرسائل التي تبعثها عن حالة الإدارة الأميركية. فحادثة بهذا الحجم، وسط تكتّم رسمي، وسيل من التسريبات، ومحاولات ترقيع الموقف، توحي بوجود شروخ بنيوية في هرم السلطة.
ريني يضع الحادث في إطار "تآكل هيبة القرار المركزي"، حيث أصبحت القرارات تُناقش في العلن، والتوترات تُعبّر عن نفسها بأكثر الطرق فوضوية.
ويُضيف: "نحن أمام إدارة بدأت تفقد السيطرة على نفسها. وكلما زادت شخصنة القرار، تراجعت فاعلية الدولة كمؤسسة".
ليس سراً أن هذا الحادث أحرج الإدارة الأميركية أمام حلفائها وخصومها على السواء. ففي لحظة حاسمة من التوتر مع الصين، والتعقيدات في الملف الإيراني، وحرب أسعار الطاقة، ظهرت واشنطن بمظهر الإدارة المنقسمة على ذاتها.
ريني يُحذر من تداعيات هذه الصورة في الخارج: "في بكين، لا شك أن كبار المسؤولين تابعوا ما حدث بدقة. هذا النوع من التصدعات يعطي مؤشرا على أن واشنطن غير قادرة على اتخاذ قرارات متماسكة".
لم تكن اللكمة التي وُجّهت في قلب البيت الأبيض مجرد فعل جسدي عابر. بل كانت رمزًا قويًا لصراع سياسي اقتصادي فلسفي يتصاعد داخل إدارة ترامب الثانية، بين من يسعى لإعادة تعريف دور الدولة، ومن يتمسك بإرثها كضامن للشرعية والمؤسسات.
دان ريني، الذي بدا الأكثر وضوحًا بين المحللين الأميركيين، اختصر المشهد بقوله: "ما حدث في البيت الأبيض كان اللحظة التي تصادمت فيها أميركا القديمة بـأميركا القادمة.. والمشكلة أن كليهما كان بلا كوابح".
قد لا يكون الحل في إقالة أحد، أو في احتواء شكلي للأزمة، بل في الاعتراف بأن الصراع لم يعد في الكواليس، بل خرج إلى العلن.. وبكل عريه.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


التحري
منذ 4 ساعات
- التحري
ترامب يبحث نووي إيران مع نتنياهو.. وطهران: بنك أهدافنا جاهز
قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مساء الإثنين، إن الاتصال مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو 'مضى بشكل جيد'. وذكر ترامب: 'الاتصال مع نتنياهو مضى بشكل جيد وأحاول تجنب الموت والدمار'، مضيفا 'بحثت إيران وأمورا أخرى مع نتنياهو'. وأوضح: 'أقوم بالكثير من العمل مع إيران الآن وفريق مفاوضيها صعب المراس'، مؤكدا أن 'إيران تطلب أشياء لا يمكن تنفيذها'، ومبرزا أن 'بدائل فشل الاتفاق خطيرة للغاية'. كما أفاد مسؤول في البيت الأبيض بأن ترامب ونتنياهو بحثا خلال الاتصال الهاتفي الملف الإيراني وآخر التطورات في قطاع غزة. وكشفت تقارير أن النقاش بينهما تركز بشكل أساسي على الملف النووي الإيراني. ومن المرتقب أن يعقد نتنياهو اجتماعا أمنيا رفيع المستوى بمشاركة وزراء الدفاع، والأمن القومي، والمالية، إلى جانب مسؤولين أمنيين كبار، على رأسهم رئيس هيئة الأركان، ورئيس جهاز الموساد، ورئيس جهاز الأمن العام 'الشاباك'، لمناقشة الردود المحتملة على التطورات في الملف الإيراني. وقالت القناة 14 الإسرائيلية إن التقديرات تشير إلى أن 'ترامب لا ينوي مهاجمة إيران، ولا يسمح لإسرائيل بشن هجوم مباشر فور انتهاء المهلة المحددة، إلا أن الرد الإيراني على المسودة التي قدمها الأميركيون كان بالرفض'. في المقابل، أكد المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني أن طهران 'سترد فورا' على أي عدوان محتمل من قبل إسرائيل يستهدف منشآتها النووية، مشيرا إلى أن 'بنوك الأهداف الإسرائيلية' باتت على طاولة القوات الإيرانية. وأضاف المجلس أن 'المنشآت النووية الإسرائيلية، إلى جانب البنية التحتية العسكرية والاقتصادية، تعد أهدافا مشروعة في حال تنفيذ أي هجوم ضد إيران'. هذا ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مصادر أمنية قولها إن إسرائيل 'لن تقبل طويلا باستمرار تخصيب اليورانيوم داخل الأراضي الإيرانية'، مرجّحة أن تضطر القيادة الإسرائيلية إلى اتخاذ قرار حاسم في حال فشل المفاوضات الجارية. وسبق لترامب أن حذر نتنياهو، خلال مكالمة هاتفية سابقة جرت في مايو الماضي، من اتخاذ أي خطوات قد تُفشل المحادثات مع إيران.

القناة الثالثة والعشرون
منذ 4 ساعات
- القناة الثالثة والعشرون
جسّ نبض.. هل تشهر واشنطن الفيتو في وجه التجديد لليونيفيل؟!
اعتاد اللبنانيون قبيل شهر آب من كلّ عام، أن يدخل موضوع تجديد التفويض لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) البازار السياسي، إما على خلفيّة رغبة دولة من هنا أو هناك بتوسيع الصلاحيات، أو حتى على خلفية النقاش بدورها ومهامها، لكنّ المفاجأة كانت "صادمة" هذه المرّة، بعد التقارير الصحفية التي تحدّثت عن توجّه أميركي جديد تدعمه إسرائيل بعدم التجديد لها بكلّ بساطة، وبالتالي إنهاء دورها بالمُطلَق. وبمعزَل عن مدى "دقّة" هذه التقارير، في ظلّ انقسام في مقاربتها بين من اعتبرها "جسّ نبض"، ومن رأى فيها "محاولة ضغط" على لبنان الرسمي، وذلك لبلورة رؤية جديدة لهذه القوات تنسجم مع المتغيّرات التي أفرزتها الحرب الإسرائيلية الأخيرة، وما أعقبها، فإنّ الثابت أنّها "فتحت" المعركة باكرًا، بل فرضت نفسها على الأجندة السياسية، حيث بات السؤال عن "مصير" هذه القوات عنوانًا مفتوحًا ومشروعًا للنقاش في الصالونات السياسية. وفي وقت تشير المعطيات إلى أنّ لبنان الرسمي بدأ التحضير للرسالة التي سيوجّهها إلى مجلس الأمن من أجل طلب التجديد لليونيفيل، كما جرت العادة في السنوات الماضية، فإنّ السيناريوهات تبدو "غامضة" حتى الآن، فهل ثمّة توجّه أميركي فعليّ لإنهاء تفويض اليونيفيل، ما يعني أنّ الولايات المتحدة بصدد أن تشهر "الفيتو" في وجه التجديد، ولو دعمته أغلبية الدول الأخرى، وهل يعكس ذلك "امتعاضًا" أميركيًا وإسرائيليًا من أداء هذه القوات؟! تقليص نفقات أم امتعاض؟ من بوابة الإعلام الإسرائيلي تحديدًا، خرج الخبر "الصادم" حول اتفاق الولايات المتحدة وإسرائيل حول إنهاء عمل اليونيفيل، وفق منطق أنّ إدارة الرئيس دونالد ترامب غير متحمّسة للتجديد لهذه القوات، وأنّ إسرائيل لم تقنعها بعكس ذلك، علمًا أنّها تتصرّف أساسًا كما لو أنّ هذه القوات غير موجودة، ولا تتولى أيّ تنسيق معها، وهي التي انتشرت في جنوب لبنان منذ العام 1978، واستعادت "زخمها" بموجب القرار 1701، بعد حرب تموز 2006. هنا، يتحدّث العارفون عن وجهتي نظر حول الموقف الأميركي، إذ ثمّة من يدرجه في خانة تقليص النفقات التي يعتمدها الرئيس ترامب منذ وصوله إلى البيت الأبيض، وسبق له أن أوقف العديد من البرامج التي اعتبر أنّها غير مجدية، أو بالحدّ الأدنى لا تستحقّ هذا الإنفاق، علمًا انّ الولايات المتحدة تتحمّل العبء الأكبر في تمويل اليونيفيل، كما أنّ فكرة تقليص العديد سبق أن اعتُمِدت، وهي غير مطروحة في الوقت الحالي، أقلّه حتى الآن. وإذا كان هذا العامل كافيًا برأي كثيرين ليسحب ترمب يده من تمديد مهمّة اليونيفيل، بالنظر إلى المعارك التي يخوضها على أكثر من مستوى، فإنّ هناك من يلفت إلى أنّ البعد الثاني لا يقلّ أهمية، وهو المرتبط بالمهام المنوطة بهذه القوات، إذ يرى الأميركيون أنّ الهدف الأساسي من وجودها لم يتحقّق، بدليل فتح "حزب الله" لجبهة الإسناد أولاً، ثمّ وقوع الحرب الأخيرة، فضلاً عن المناوشات التي كانت تحصل بين الفينة والأخرى في السنوات السابقة. مصلحة لبنان في بقاء اليونيفيل أبعد من المهام، التي تحوّلت معها اليونيفيل برأي كثيرين إلى "شرطي حدود"، يرى البعض أنّ ما يزعج الأميركيين والإسرائيليين تكمن في بعض المواقف التي تطلقها، ولو حاولت دائمًا البقاء على الحياد، وعدم الانحياز، إلا أنّها لا تصبّ في صالح الأجندة الغربيّة، وآخرها ما كرّره الناطق باسم هذه القوات في أكثر من إطلالة إعلامية في الأيام الماضي، عن أنّ استمرار احتلال أراضٍ لبنانيّة لا يساعد على إكمال انتشار الجيش في مناطق الجنوب. لكن، انطلاقًا من هذه المقاربة، يؤكد العارفون بالموقف اللبناني الرسمي، أنّ بقاء هذه القوات في ظلّ الوضع الراهن، يشكّل "مصلحة وطنية عليا"، يتقاطع عليها كلّ المسؤولين، وهو ما كان رئيس مجلس النواب نبيه بري خير من عبّر عنه، عندما قال إنّه مع قوات اليونيفيل في الجنوب "ظالمة أو مظلومة"، وذلك انطلاقًا من أنّ وجود هذه القوات يبقى بحدّ ذاته "ضمانة للاستقرار"، ولو بحدّه الأدنى، إن صحّ التعبير. ويشدّد هؤلاء على أنّ لبنان يعتقد أنّ أهمية قوات اليونيفيل تتعاظم اليوم، بعد الحرب الدموية الأخيرة، خلافًا للانطباع السائد بخلاف ذلك، خصوصًا أنّ المعادلات كلّها تغيّرت، فـ"حزب الله" خرج من منطقة جنوب الليطاني، وبدأ الجيش يتموضع فيها، لكنّ العملية لا يمكن ن تكتمل بين ليلة وضحاها، وبالتالي فإنّ وجود هذه القوات يبقى أساسيًا، حتى يصبح الجيش منتشرًا على كامل الحدود، ومجهّزًا للعب الدور المنوط به، في ظلّ المخاطر الجسيمة. يرى البعض أنّ التسريب حول "مصير" قوات اليونيفيل جاء على طريقة "جسّ النبض"، بانتظار أن يحين موعد الاستحقاق، ويرى البعض الآن أنّ هناك من رمى بورقة "إنهاء" اليونيفيل من باب الضغط على لبنان، للقبول بتعديل الصلاحيات والمهام، وربما بلورة رؤية جديدة لدور القوات الدولية في ضوء المتغيّرات التي طرأت على المشهد ككلّ. فهل تكون "اليونيفيل" جزءًا من سيناريوهات "اليوم التالي"؟! انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News


النهار
منذ 4 ساعات
- النهار
اتصال ترامب وشي يخفّف التوترات... ولكن خلافات جوهرية لا تزال قائمة
في ظل تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين، ساهم الاتصال الهاتفي بين الرئيسين دونالد ترامب وشي جينبينغ في إنقاذ الهدنة التجارية الهشة، رغم استمرار الخلافات العميقة بشأن قضايا استراتيجية شائكة. واتفق الجانبان، خلال المكالمة الهاتفية التي طال انتظارها، على استئناف المحادثات التجارية التي توقفت بسبب اتهامات متبادلة بأن الطرف الآخر نكث بوعوده السابقة. والمحادثة التي استمرت 90 دقيقة أدت إلى تهدئة موقتة في الخلاف المتصاعد بين القوتين العظميين، لكنها لم تقدّم مساراً واضحاً لحل خلافاتهما العميقة الجذور، لا سيما بشأن سلاسل التوريد التي يعتبرها الجانبان أمراً حيوياً للأمن القومي. وقد اتهم مسؤولون أميركيون الصين بالتراجع عن تعهدها الذي قطعته خلال محادثات أيار/مايو في جنيف بتخفيف القيود على تصدير المعادن النادرة الضرورية لمجموعة واسعة من الصناعات. في غضون ذلك، استاءت بكين من تحركات واشنطن لتحذير الشركات من استخدام رقائق الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدماً في الصين، وتقييد مبيعات برامج تصميم الرقائق إلى الصين، و"إلغاء" تأشيرات الطلاب الصينيين "بشكل عدواني". واتفق الجانبان الشهر الماضي في جنيف على خفض الرسوم الجمركية المضادة وتعليق الإجراءات المتبادلة لمدة 90 يوماً. ومنذ عودته إلى البيت الأبيض في كانون الثاني/يناير، رفع ترامب الرسوم الجمركية التي يدفعها المستوردون الأميركيون على البضائع الصينية إلى 145%. وردت الصين بفرض قيود على تصدير بعض العناصر الأرضية النادرة، وهي عناصر حيوية لمصنعي الأسلحة والسلع الاستهلاكية الإلكترونية في الولايات المتحدة، ورفعت الرسوم الجمركية على السلع الأميركية إلى 125%. وفي مؤشر لتهدئة التوتر، تبادل الزعيمان دعوات لزيارة بعضهما البعض، ما من شأنه أن يتجه بالعلاقات الثنائية نحو الاستقرار. وقال ترامب إن زوجتيهما سترافقهما. ولكن بعض المحللين نصحوا بعدم الإفراط في التفاؤل، مشيرين إلى عدم وجود تفاصيل بشأن القضايا التجارية الرئيسية. على ماذا يراهن شي؟ وبعد أن قال ترامب إن شي "صعب المراس للغاية، ومن الصعب للغاية التوصل إلى اتفاق معه"، أعلن الرئيس الأميركي عقب المكالمة أنه حصل على ما يريد، وهو "التزام باستئناف تصدير المغناطيسات الأرضية النادرة". ولكن ليس من الواضح ما حصل عليه شي في المقابل، باستثناء وقف المزيد من الإجراءات العقابية الأميركية. ويبدو أن أحد النقاط القليلة الواضحة هو تأكيد الولايات المتحدة على ترحيبها بالطلاب الصينيين، وهي قضية مهمة في الصين، لكنها لا تفسر سبب اتصال شي بعد أن جعل ترامب ينتظر شهوراً. بقبوله المكالمة الآن، يبدو أن شي يراهن على أن إعادة ضبط العلاقات ستؤدي إلى مكاسب ملموسة في الأسابيع والأشهر المقبلة، بما في ذلك تخفيضات في الرسوم الجمركية، وتخفيف القيود على الصادرات، واتخاذ نبرة أكثر لطفاً بشكل عام، بحسب وكالة " بلومبرغ". ومع ذلك، فإن حصول شي على أي من ذلك يعتمد الآن على إدارة ترامب المعروفة بتقلبها الشديد. وعلى الرغم من أن شي استعرض قوته بفرض قيود على المعادن النادرة، إلا أن لديه أسباباً تدفعه للجلوس إلى طاولة المفاوضات. خاصة وأن الصين تعاني من نقاط ضعف اقتصادية خاصة بها، وربما ترغب في تجنب الانفصال الكامل عن الولايات المتحدة. ويكافح اقتصاد البلاد من أجل التعافي من أزمة العقارات. وفي ظل معاناة الصين بالفعل من مستويات عالية من البطالة بين الشباب، قد يتحمل قطاع الصناعات التحويلية، وهو أحد المصادر الرئيسية للوظائف، العبء الأكبر من حرب تجارية تغلق السوق الأميركية وتصعد المخاوف في بقية أنحاء العالم بشأن تدفق الواردات الصينية الرخيصة. رسالة من شي إلى ترامب إضافة إلى ذلك، سعت الصين إلى تصوير المكالمة الهاتفية بين شي وترامب على أنها نداء من زعيم قوي إلى آخر من أجل إدارة الأمور بيد من حديد ومواصلة المسار المحدد، داعية ترامب إلى "كبح جماح الصقور الذين يحاولون عرقلة الهدنة"، بحسب صحيفة " نيويورك تايمز". الزعيم الصيني قارن العلاقة بين الولايات المتحدة والصين بسفينة كبيرة، حيث يلعب الرجلان دور قبطانين قويين يمسكان الدفة بثبات للحفاظ على المسار الصحيح. وجاء هذا التشبيه مصحوباً بتحذير: لا تدعوا الآخرين يخرجون السفينة عن مسارها ويخاطرون بالعلاقة. لأسابيع، بدا أن البيت الأبيض يضغط علناً من أجل إجراء محادثة مباشرة بين الزعيمين، وهو ما أكدته الصين بقولها إن شي وافق على المكالمة بناءً على طلب ترامب. ومع تصاعد الضغط الأميركي على بكين بفرض قيود على التكنولوجيا وغيرها، ربما تكون الأخيرة قد رضخت جزئياً بسبب قلقها من نجاح الصقور المعادين للصين في الإدارة الأميركية بتقويض الهدنة، بحسب ما نقلت "نيويورك تايمز" عن محللين. حرب "لا نهاية لها" كذلك، كشفت المكالمة عن اختلافات صارخة في طريقة تعامل الولايات المتحدة والصين مع نزاعهما التجاري: يميل ترامب إلى التعامل مع التجارة كقضية أساسية ومستقلة، في حين أن بكين غالباً ما تنظر إليها في سياق العلاقات الثنائية الأوسع نطاقاً، بحسب شبكة " سي ان ان". وقال ترامب، في منشوره على "تروث سوشيال"، إن المكالمة الهاتفية التي استمرت ساعة ونصف "ركزت بشكل شبه كامل على التجارة"، في حين أن البيان الصيني أبرز التحذير الصارم الذي وجهه شي بشأن تايوان - الخط الأحمر بالنسبة لبكين - ومسألة تأشيرات الطلاب الصينيين. وحث الزعيم الصيني الولايات المتحدة على "التعامل مع مسألة تايوان بحكمة" حتى لا يتمكن "الانفصاليون الداعون إلى استقلال تايوان" من "جر الصين وأميركا إلى أرض المواجهة الخطيرة وحتى الصراع". فمن وجهة نظر بكين، هناك الكثير من العلامات المقلقة. وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث حذر أوائل حزيران/يونيو الحلفاء الآسيويين من أن الصين تشكل تهديداً "وشيكاً" لتايوان. كما أفادت وكالة رويترز، نقلاً عن مصادر رسمية أميركية، بأن واشنطن تخطط لزيادة مبيعات الأسلحة إلى تايبيه إلى مستوى يتجاوز ما كان عليه في ولاية ترامب الأولى. ومن القضايا الأخرى التي تثير قلق بكين، مصير الطلاب الصينيين في الولايات المتحدة. أوائل حزيران/يونيو، أعلن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، المعروف بموقفه المتشدد تجاه الصين، عن خطة "لإلغاء تأشيرات الطلاب الصينيين بشكل صارم". ولكن بعد المكالمة، قال ترامب إن الطلاب الصينيين مرحب بهم في الولايات المتحدة. وقال للصحافيين في المكتب البيضوي: "الطلاب الصينيون قادمون. لا مشكلة. لا مشكلة. إنه لشرف لنا أن نستقبلهم".