
لبنان وصندوق النقد الدولي… هل يقترب الاتفاق المنتظر؟
مع بداية عهد جديد وتشكيل حكومة جديدة، تكتسب زيارة وفد صندوق النقد الدولي إلى لبنان أهمية خاصة، إذ تأتي في ظل أزمة اقتصادية غير مسبوقة تعصف بالبلاد منذ العام 2019. فقد أدى الانهيار المالي إلى تدهور العملة الوطنية، وانهيار النظام المصرفي، وتجميد الودائع، ما انعكس سلباً على حياة المواطنين. وفي هذا السياق، تجد الحكومة نفسها أمام اختبار جدي لتنفيذ إصلاحات حاسمة، بهدف استعادة الثقة بالنظام المالي وتهيئة الأرضية للحصول على التمويل الدولي اللازم لإنعاش الاقتصاد.
خطوات نحو خطة إصلاح موحدة
زيارة صندوق النقد الدولي، التي بدأت في العاشر من آذار الجاري وتستمر أربعة أيام، تهدف إلى تقييم تقدم الاصلاحات التي أُدخلت منذ بداية الأزمة الاقتصادية، وتحديد ما إذا كانت الحكومة اللبنانية قادرة على تنفيذ خطة إصلاح شاملة تمهد الطريق للتعافي المالي. وعلى الرغم من أن الزيارة جزء من الجهود المبذولة لإنهاء الأزمة، لا يزال من غير المرجح التوصل إلى اتفاق نهائي مع الصندوق في الوقت الحالي، خصوصاً في ظل استمرار المفاوضات حول الاصلاحات الأساسية التي قد تفتح المجال للحصول على التمويل الدولي الذي يحتاج اليه لبنان بصورة ملحة.
وفي هذا السياق، أكد رئيس الوفد إرنستو راميريز ريغو، في تصريحاته أهمية تبني استراتيجية إصلاح منسقة تشمل جميع الأطراف المعنية في لبنان. وأشار إلى أن خطة مالية موحدة تحظى بدعم الجميع تعد شرطاً أساسياً لاستعادة الاستقرار المالي في لبنان. ويتطلب تنفيذ هذه الخطة موافقة القوى السياسية كافة على الاصلاحات الأساسية قبل تقديمها إلى البرلمان، وهي خطوة حاسمة من أجل الحصول على موافقة صندوق النقد الدولي، وبالتالي فتح الباب لتلقي الدعم الدولي.
شروط صندوق النقد الدولي
يشترط صندوق النقد الدولي إقرار إصلاحات هيكلية رئيسية قبل تقديم أي دعم مالي للبنان. ففي العام 2022، توصلت الحكومة اللبنانية وصندوق النقد الدولي إلى اتفاق بشأن حزمة إنقاذ مالي بقيمة 3 مليارات دولار لدعم القطاع المالي. وكان هذا الدعم مشروطاً بتنفيذ إصلاحات رئيسية. ومع ذلك، وجدت بعثة تقصي الحقائق التابعة لصندوق النقد الدولي في العام 2024 أن الاصلاحات الحكومية لا تزال غير كافية.
وتشمل هذه الاصلاحات تعديل قوانين السرية المصرفية، توحيد أسعار الصرف وإعادة هيكلة القطاع المصرفي لضمان حماية المودعين وتعويضهم عن خسائرهم. كما يلفت الصندوق إلى ضرورة تصحيح التشوهات الاقتصادية، مثل تقليص الدين العام، وزيادة الايرادات الضريبية من خلال إصلاحات في النظام الضريبي، وتحسين الشفافية في المالية العامة.
وفي ما يخص القطاع المصرفي، يعد تعديل قانون النقد والتسليف من أبرز المطالب التي يضعها صندوق النقد أمام الحكومة اللبنانية. وفي هذا السياق، أكد وزير المال ياسين جابر، أن تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان يعد من الأولويات الحاسمة لتنفيذ استراتيجيات الاصلاح الاقتصادي بالتعاون مع الصندوق، مشيراً إلى أن المواصفات المطلوبة للحاكم الجديد هي أن يكون مستعداً لاستكمال الاصلاحات. وشدد على السعي الى تعيين حاكم جديد قبل نهاية الشهر الحالي.
لماذا يحتاج لبنان إلى اتفاق مع صندوق النقد؟
على الرغم من التحديات الكبيرة التي يواجهها لبنان، يُعد التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي خطوة حاسمة لبدء تنفيذ الاصلاحات اللازمة. وفي هذا السياق، سيزور وفد من الصندوق لبنان مجدداً في بداية نيسان المقبل، بينما سيتوجه وفد من الحكومة اللبنانية إلى واشنطن لاستكمال المباحثات التي بدأت. وستكون هذه فرصة للبنان لتأكيد التزامه بتفعيل الاصلاحات والعودة إلى المسار الصحيح.
يحتاج لبنان اليوم إلى اتفاق مع صندوق النقد في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة التي يعاني منها، والتي أدت إلى انهيار مالي غير مسبوق. في هذا الاطار، يتطلب الوضع الراهن إصلاحات جذرية لتحقيق استقرار اقتصادي مستدام. أولاً، يساعد الاتفاق على استعادة الثقة المالية وجذب الاستثمارات، ما يسهم في تدفق رؤوس الأموال ويحد من هروبها. ثانياً، يوفر الاتفاق التمويل الدولي الذي يعزز استقرار الاقتصاد ويخفف العزلة الاقتصادية عبر منح وقروض من المؤسسات المالية الدولية. ثالثاً، يمكن الاتفاق من استقرار سعر الصرف وكبح التضخم من خلال إعادة هيكلة السياسة النقدية. رابعاً، يسهم الاتفاق في إصلاح القطاع المصرفي وحل أزمة الودائع المجمدة من خلال إعادة هيكلته. خامساً، يتطلب الاتفاق إصلاحات مالية لضبط العجز والدين العام، ما يضمن استدامة مالية على المدى الطويل. وأخيراً، يساهم الاتفاق في تحسين الخدمات العامة الأساسية مثل الكهرباء والصحة والتعليم، من خلال تمويل مشاريع البنية التحتية الحيوية وتخفيف الأزمة الاجتماعية الراهنة.
مع تكثيف الجهود لإعادة لبنان إلى المسار الصحيح، تظل الأنظار متجهة نحو المفاوضات مع صندوق النقد الدولي باعتبارها مفتاحاً أساسياً للخروج من الأزمة المالية العميقة. فبعد سنوات من الجمود والاصلاحات المؤجلة، يواجه لبنان اختباراً حقيقياً في قدرته على تنفيذ السياسات المطلوبة لاستعادة الثقة بالنظام المالي. فهل يشهد عام 2025 اختراقاً حقيقياً يُفضي إلى توقيع الاتفاق المنتظر مع صندوق النقد الدولي، أم تستمر دوامة التعثر وتأجيل الحلول، ما يضع الاقتصاد اللبناني أمام مزيد من المخاطر وعدم اليقين؟

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


النهار
منذ ساعة واحدة
- النهار
ترامب يدافع عن قراره منع جامعة هارفرد من قبول طلاب أجانب
دافع الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأحد عن قرار إدارته منع الطلاب الأجانب من التسجل في جامعة هارفرد، في إجراء وصفته الجامعة المرموقة بأنه غير دستوري وعلّقت قاضية تنفيذه. وقال ترامب على منصته تروث سوشال "لم لا تقول جامعة هارفرد إن نحو 31% من طلابها يأتون من دول أجنبية، فيما هذه الدول، وبعضها ليس صديقاً للولايات المتحدة على الإطلاق، لا تدفع شيئاً مقابل تعليم طلابها، ولا تنوي أن تفعل ذلك". وأضاف: "نريد أن نعرف من هم هؤلاء الطلاب الدوليون، وهو طلب معقول بما أننا نعطي هارفرد مليارات الدولارات، لكن هارفرد ليست شفافة تماماً"، داعياً الجامعة إلى "الكف عن طلب" المال من الحكومة الفدرالية. وأعلنت وزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم الخميس إبطال الترخيص الممنوح لبرنامج الطلاب وتبادل الزوار الأجانب في جامعة هارفرد. لكنّ القاضية أليسون باروز في ماساتشوستس علّقت القرار الجمعة بعدما رفعت الجامعة دعوى قضائية ضده في وقت مبكر من صباح اليوم نفسه. ولا يخفي ترامب غضبه إزاء جامعة هارفرد التي تخرج منها 162 من حائزي جائزة نوبل، وذلك لرفضها طلبه الخضوع للرقابة على القبول والتوظيف بعدما اتهمها بأنها معقل لمعاداة السامية و"أيديولوجيا اليقظة" (ووك). وكانت الحكومة الأميركية ألغت منحاً مخصصة للجامعة بقيمة أكثر من ملياري دولار، ما أدى إلى توقف بعض برامج البحوث. وبحسب موقعها الإلكتروني، تستقبل جامعة هارفرد المصنفة بين أفضل الجامعات في العالم، حوالى 6700 "طالب دولي" هذا العام، أو 27% من عدد الطلاب الإجمالي. وتفرض على طلابها عشرات الآلاف من الدولارات سنويا كرسوم دراسية.


النهار
منذ ساعة واحدة
- النهار
ماليزيا تنتقد "المعايير المزدوجة" بشأن الفظائع في غزة
من غزة (ا ف ب) ندد وزير خارجية ماليزيا محمد حسن الأحد بـ"الفظائع" التي ترتكب في غزة، قائلا إنها تعكس حالة "اللامبالاة وازدواجية المعايير" تجاه معاناة الشعب الفلسطيني. وقال وزير الخارجية الماليزي لنظرائه من رابطة دول جنوب شرق آسيا "آسيان": "إنها نتيجة مباشرة لتآكل حرمة القانون الدولي". وتأتي تصريحاته قبيل قمة "آسيان" المقررة الاثنين في كوالالمبور، في الوقت الذي تصعد فيه إسرائيل هجماتها في قطاع غزة هذا الشهر. وأثار القصف الاسرائيلي انتقادات دولية حادة ترافقت مع دعوات للسماح بدخول المزيد من المساعدات، بعد أن خففت إسرائيل جزئيا فقط الحصار الشامل الذي تفرضه على سكان غزة منذ 2 آذار/مارس. وقال وزير الخارجية الماليزي الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية لرابطة "آسيان" إن "الفظائع التي ارتكبت ضد الشعب الفلسطيني تعكس بشكل متواصل اللامبالاة وازدواجية المعايير". أضاف أن "آسيان لا يمكن أن تظل ملتزمة الصمت". وكان وزراء خارجية الدول العشر الأعضاء في الرابطة قد أكدوا في شباط/فبراير "دعمهم الراسخ" للحقوق الفلسطينية. ولا تملك ماليزيا ذات الغالبية المسلمة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، كما أن العديد من سكانها يدعمون الفلسطينيين. وقدمت كوالالمبور تبرعات ومساعدات إنسانية بلغت قيمتها أكثر من 10 ملايين دولار للفلسطينيين في غزة منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023. واندلعت الحرب بعد هجوم مباغت شنته "حماس" في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 على جنوب إسرائيل أسفر عن مقتل 1218 شخصا في إسرائيل، معظمهم من المدنيين، وفقا لتعداد وكالة فرانس برس استنادا إلى الأرقام الرسمية. كما تم خلال الهجوم خطف 251 رهينة، لا يزال 57 منهم في غزة، بينهم 34 قالت إسرائيل إنهم قضوا. ومنذ بدء الحرب، بلغ عدد القتلى الفلسطينيين في غزة 53,901، غالبيتهم مدنيون نساء وأطفال، وبينهم 3,747 قتيلا على الأقل منذ استئناف إسرائيل ضرباتها وعملياتها العسكرية في 18 آذار/مارس بعد هدنة هشة استمرت لشهرين، وفقا لأحدث حصيلة أوردتها السبت وزارة الصحة التي تديرها "حماس".


بيروت نيوز
منذ 2 ساعات
- بيروت نيوز
روسيا تُسجّل ثالث أعلى فائض تجاري على مستوى العالم
Hثبتت روسيا أنها أصبحت ثالث أكبر دولة في العالم من حيث الفائض التجاري، في حين لا تزال الصين تتلقى أكبر دخل صاف من التجارة، وذلك وفقاً للبيانات الصادرة عن الخدمات الإحصائية الوطنية لـ91 دولة رئيسية، وتحليل اقتصادي أجرته وكالة 'سبوتنيك' للبيانات الصادرة عن الخدمات الإحصائية الوطنية. وكانت الصين أكبر الرابحين من التجارة العام الماضي، إذ بلغ الفائض التجاري لها 991 مليار دولار. وفي المرتبة التالية، كما في العام السابق، تأتي ألمانيا بإيرادات تجارية صافية بلغت 258 مليار دولار. وتحتل روسيا المركز الثالث، بفائض تجاري قدره 151 مليار دولار، لتتقدم أربعة مراكز نتيجة لذلك. وتضم المراكز الخمسة الأولى أيضاً أيرلندا، التي تراجعت من المركز الثالث إلى المركز الخامس بفائض بلغ 98 مليار دولار، وهولندا، التي سجلت فائضاً قدره 89 مليار دولار وصعدت ثلاثة مراكز. (الميادين)