logo
كيف أعادت التجارة الإلكترونية رسم المشهد الاقتصادي في الصين؟

كيف أعادت التجارة الإلكترونية رسم المشهد الاقتصادي في الصين؟

الأسبوع٠٩-٠٢-٢٠٢٥

أحمد هريدي
أحمد هريدي
في ظل أزمات اقتصادية تهز العالم، برزت التجارة الإلكترونية كطوق نجاة للمدن التي تسعى لتعزيز قدرتها على الصمود والتعافي السريع، ولم يكن التحول الرقمي في الصين مجرد تحسين للبنية التحتية، بل ثورة اقتصادية جعلت مدنها تقود مسارًا جديدًا للنمو.. كيف أعادت التجارة الإلكترونية تشكيل المشهد الاقتصادي في الصين؟ وما الذي يمكن للعالم أن يتعلمه من هذه التجربة؟
في دراسة نشرتها مجلة PLOS ONE العلمية بتاريخ 31 مايو 2024، تحت عنوان "هل يمكن لتحول التجارة الإلكترونية الحضرية تحسين المرونة الاقتصادية؟ تجربة شبه طبيعية من الصين"، كشفت النقاب عن الأثر الكبير للتحول نحو التجارة الإلكترونية في تعزيز مرونة الاقتصاد الحضري بالصين.
اعتمد شيكوي زانغ، تونغشنغ تانغ، وإيرهانغ مو، الباحثون بجامعتي قوانغشي وجنوب الصين للتكنولوجيا على تحليل عميق لبيانات 282 مدينة صينية على مدى 14 عامًا (2006-2020) لمعرفة تأثير التجارة الإلكترونية على تعافي هذه المدن من الأزمات الاقتصادية، واستخدمت الدراسة نموذج الفرق في الاختلافات (Difference-in-Differences) لتحليل تأثير إنشاء المدن النموذجية للتجارة الإلكترونية (NEDC) على المرونة الاقتصادية، وسمح هذا النموذج بمقارنة التغيرات في المرونة الاقتصادية بين المدن التي تم اختيارها كمدن نموذجية وتلك التي لم يتم اختيارها، قبل وبعد إنشاء هذه المدن.
أكدت الدراسة أن الأزمة المالية العالمية في عام 2008 وجائحة كوفيد-19 في عام 2020 خلقت العديد من المخاطر والتحديات للتنمية الاقتصادية في جميع الدول، ما أدى إلى بوادر صدمات اقتصادية على المستوى العالمي. لذلك، أصبحت المرونة الاقتصادية تحظى باهتمام واسع بين الدول في ظل الاقتصاد الدولي المتشابك.
أشارت النتائج إلى أن تأثير NEDC كان أكثر وضوحًا في المدن ذات مستويات التنمية الاقتصادية المنخفضة نسبيًا، كما أن التأثير كان أكبر في المدن التي تتمتع ببنية تحتية أفضل للإنترنت، وأكد الباحثون أن التجارة الإلكترونية أصبحت محركًا جديدًا للنمو في الاقتصاد الرقمي. وأدى تطورها النشط إلى تعزيز الروابط بين الإنتاج والاستهلاك والتوزيع بين المناطق، ما أسهم في تعزيز الحيوية الاقتصادية ودعم النمو الاقتصادي. وترك تطور التجارة الإلكترونية أثرًا بشكل عميق في جميع جوانب اقتصاد الصين ومجتمعها.
وفقًا للمكتب الوطني للإحصاءات، بلغ حجم المعاملات الإلكترونية في الصين لعام 2022 نحو 43.83 تريليون يوان، وهو ما يعادل 36.21% من الناتج المحلي الإجمالي، وترتبط الإنجازات الحالية لتطوير التجارة الإلكترونية في الصين بشكل وثيق بإنشاء مدينة التجارة الإلكترونية الوطنية النموذجية (NEDC). وفي عام 2009، أصبحت شنجن المدينة الرائدة في هذا المشروع. وفي عام 2011، أصدرت الحكومة الصينية توجيهات تهدف إلى تعزيز إنشاء هذه المدن لدعم التحول الاقتصادي الحضري وخلق محفزات جديدة للنمو الاقتصادي.
أظهرت نتائج الدراسة أن المدن التي تبنت التجارة الإلكترونية كانت أكثر قدرة على الصمود أمام الصدمات الاقتصادية والتعافي منها بوتيرة أسرع مقارنة بالمدن التي لم تتبن هذا التحول. وقد أشارت البيانات إلى أن هذه المدن شهدت انخفاضًا في مستويات البطالة وزيادة في النشاط التجاري بعد الأزمات، مما جعلها نماذجا للقدرة على العودة إلى مسار النمو الاقتصادي في وقت قياسي.
كذلك أتاحت التجارة الإلكترونية فرصًا جديدة للشركات الصغيرة والمتوسطة للدخول إلى أسواق أوسع، مما ساهم في تقليل اعتماد المدن على قطاعات تقليدية معرضة للتقلبات الاقتصادية مثل الصناعة والسياحة، كما مكّنت التجارة الإلكترونية الشركات المحلية من تبني حلول تكنولوجية جديدة وتحسين كفاءة سلاسل التوريد، مما خلق بيئة أعمال ديناميكية ومستدامة.
اقترحت الدراسة عدة آليات لتعزيز المرونة الاقتصادية عبر التجارة الإلكترونية، من بينها تحسين كفاءة تخصيص الموارد، وتعزيز الابتكار وريادة الأعمال، وتسهيل تدفق المعلومات بين الأسواق.
يمكن استخلاص عدة دروس ملهمة من هذه التجربة الصينية. يأتي في مقدمتها أهمية الاستثمار في تحسين شبكات الإنترنت وتطوير خدمات الدفع الإلكتروني باعتباره حجر الأساس لنمو قطاع التجارة الإلكترونية. كما يمكن دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة للتوسع في الأسواق المحلية والدولية لتعزيز الاستقرار الاقتصادي.
تشجيع الابتكار هو درس مهم آخر من التجربة الصينية، حيث يمكن تقديم حوافز حكومية لتشجيع الابتكار في قطاع التكنولوجيا والخدمات الرقمية، بما يشمل تحسين سلاسل التوريد وإدارة المخزون. إلى جانب ذلك، يُعد تأهيل القوى العاملة لاستخدام التكنولوجيا الحديثة عنصرًا رئيسيًا لنجاح التحول الرقمي، ويساهم دمج التجارة الإلكترونية ضمن الاستراتيجيات الوطنية للتنمية الاقتصادية في بناء اقتصاد أكثر استدامة وقدرة على مواجهة الأزمات.
تُثبت تجربة الصين مع التجارة الإلكترونية أن المستقبل ينتمي لمن يستثمر في التحول الرقمي. في عالم يشهد تسارعًا رقميًا غير مسبوق، ويصبح تطوير هذا القطاع ضرورة استراتيجية لضمان المرونة الاقتصادية والتنمية المستدامة. فهل ستسير دول أخرى على نفس النهج لتأمين مستقبل اقتصادي أكثر استقرارًا؟

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

نزيف العملات عبر الألعاب الإلكترونية.. الأزمة والحل
نزيف العملات عبر الألعاب الإلكترونية.. الأزمة والحل

الأسبوع

timeمنذ 6 أيام

  • الأسبوع

نزيف العملات عبر الألعاب الإلكترونية.. الأزمة والحل

أحمد هريدي أحمد هريدي في عصر التحولات الرقمية المتسارعة، أصبحت الألعاب الإلكترونية إحدى أكثر الصناعات نموًا وربحًا على مستوى العالم. إلا أن هذا النمو، الذي يبدو للوهلة الأولى إيجابيًا، يخفي وراءه تحديات اقتصادية عميقة تعاني منها العديد من الدول، خصوصًا النامية. فقد تَحوّل سوق الألعاب من مجرد مجال ترفيهي إلى بوابة مفتوحة على مصراعيها لهروب الأموال واستنزاف الاقتصاد المحلي، حيث تخرج مليارات الدولارات سنويًا من كل دولة لصالح شركات أجنبية لا تترك لبعضٍ الدول سوى القليل من العوائد الاقتصادية خلفها. كيف نجحت بعض الدول في مواجهة الخطر والتصدي له بطرق مبتكرة؟ هذا النزيف النقدي الهائل لا يقتصر على كونه خسارة مالية مجردة، بل يُهدد استقرار العملات الوطنية في كل دولة، ويُعمّق من فجوة الاعتماد على الخارج، ويُضعف الصناعات الرقمية المحلية. ففي دول مثل إندونيسيا، الصين، البرازيل، وحتى بعض الدول الأوروبية، بدأت الحكومات تدرك أن استمرار هذا الوضع يقود إلى فقدان السيطرة الاقتصادية على سوق واسع يتنامى بلا ضوابط واضحة، ما دفعها إلى التدخل بوسائل تشريعية وإدارية لحماية مقدّراتها. وليس فقط الاقتصاد الوطني هو المتضرر من هذا النزيف، بل تتعرض الأسرة أيضًا إلى تداعيات خطيرة نتيجة الإنفاق غير المنضبط على الألعاب الإلكترونية، في ظل انتشار نماذج الدفع داخل الألعاب التي تشجع على الشراء المتكرر والمكثف، خصوصًا بين فئة الشباب والأطفال. هذا الإنفاق يمكن أن يؤثر بشكل مباشر على ميزانيات الأسرة، ويحدّ من قدرتها على توفير الاحتياجات الأساسية، مما يخلق ضغطًا ماليًا إضافيًا يصعب على البعض تحمله. كما أن النزيف المالي داخل الأسرة يتعمق عبر ما يُعرف بـ"الإدمان الرقمي" على الألعاب، حيث تتزايد المصاريف الشهرية بصورة غير متناسبة مع الدخل، وتكون غالبًا غير خاضعة لأي رقابة أو ضبط من قبل الوالدين. ينتج عن ذلك شكاوى متزايدة حول التأثيرات الاجتماعية والنفسية على الأطفال، مما يدعو إلى ضرورة تحرك حكومي وتنظيمي يشمل حماية الأسرة والمستهلك إلى جانب حماية الاقتصاد الوطني. في إندونيسيا، شكلت التجربة نموذجًا مهمًا في سعي الدول النامية لاستعادة السيطرة على قطاع الألعاب الإلكترونية. ففي عام 2024، كشفت السلطات أن شركة أجنبية واحدة استطاعت تحقيق أرباح تصل إلى 9 مليارات دولار أمريكي من السوق الإندونيسي، دون وجود استثمار ملموس داخل البلاد.هذا الكشف دفع الحكومة إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات المنظمة، انطلاقًا من توقيع اللائحة الرئاسية رقم 19 في 12 فبراير 2024، والتي وضعت أساسًا قانونيًا لتطوير الصناعة المحلية وتقنين أنشطة الشركات الأجنبية. لاحقًا، وتحديدًا في 5 أغسطس 2024، أعلنت الحكومة عن خطتها لإلزام الشركات الأجنبية بإنشاء كيان قانوني محلي أو الدخول في شراكات مع مطورين إندونيسيين، ما يضمن تدفق جزء من العائدات إلى الاقتصاد المحلي. كما تم تحسين بيئة الدفع عبر تشجيع استخدام بوابات الدفع الوطنية، لتقليص الاعتماد على أنظمة تحويل الأموال الخارجية. كانت التجربة الإندونيسية تسعى إلى المزج بين تقييد نشاط شركات الألعاب الأجنبية وتسهيل البيئة التشريعية للمطورين المحليين، في خطوة تهدف إلى خلق صناعة محلية مستدامة، وليس مجرد فرض قيود ظرفية. وفي الصين، باعتبارها أكبر سوق للألعاب الإلكترونية في العالم، انتهجت أسلوبًا أكثر حزمًا وصرامة في التعامل مع هذا القطاع، مدفوعة بقلق من إدمان الألعاب بين الشباب، إلى جانب المخاوف الاقتصادية من تسرب الأموال. وبدأت السلطات منذ عام 2019 بفرض قيود على ميكانيكيات "الشراء داخل اللعبة"، خاصة ما يُعرف بصناديق الجوائز، والتي شبّهتها بآليات القمار. من بين أبرز الإجراءات: الإفصاح الإلزامي عن احتمالات الربح من صناديق الجوائز. تحديد سقف يومي لإنفاق اللاعبين، خاصة القُصّر. فرض حد أقصى للمشتريات الشهرية من قبل المستخدمين الصغار. إلى جانب هذه القيود، يتم إخضاع كل لعبة لرقابة محتوى صارمة قبل إجازتها للنشر، مع حظر أي لعبة لا تمتثل للمعايير الثقافية أو الاقتصادية التي تفرضها الدولة. التجربة الصينية سلّطت الضوء على أهمية النظر إلى الألعاب الإلكترونية ليس فقط كمنتج اقتصادي، بل كمكون ثقافي واجتماعي، يستوجب رقابة وتشريعًا لحماية النسيج المجتمعي والسيادة الاقتصادية. أما في البرازيل، وهي دولة ذات سوق استهلاكي كبير في أمريكا اللاتينية، فقد تبنّت في 2024 نهجًا تشريعيًا يركّز على مكافحة الطابع المقامر لبعض آليات الألعاب، خصوصًا تلك التي تعتمد على الحظ والمفاجآت المدفوعة، وقامت السلطات بحظر الألعاب التي تحتوي على عناصر تشبه القمار، بما في ذلك صناديق الجوائز أو "الفرص العشوائية" التي تتطلب الدفع مقابل الحصول على محتوى غير مضمون. هذا القرار أدى إلى خروج عدد من الألعاب الشهيرة من السوق البرازيلي، أو تعديل ألعابها بشكل جذري لتتماشى مع الإطار القانوني المحلي. على خلاف التجارب السابقة التي تركز على التقييد والمنع، اتجهت فرنسا إلى منهج تحفيزي يقوم على تشجيع الإنتاج المحلي بدلًا من تقييد الأجنبي فقط. منذ عام 2008، وضعت فرنسا نظام ائتمان ضريبي لصناعة ألعاب الفيديو، يغطي 30% من تكاليف الإنتاج، بحد أقصى 6 ملايين يورو سنويًا لكل شركة. هذا النظام ساهم في خلق بيئة إنتاجية مزدهرة، حيث باتت فرنسا من الدول الأوروبية الرائدة في تطوير الألعاب، وموطنًا لشركات كبرى. وبذلك، بدلًا من محاربة الشركات الأجنبية، ركّزت على تمكين الصناعة المحلية لتكون قادرة على المنافسة وجذب الاستثمارات. في الختام، تؤكد التجارب أن نزيف العملات عبر الألعاب الإلكترونية ليس مجرد تحدٍ مالي عابر، بل هو أزمة متعددة الأبعاد تهدد استقرار الاقتصاد والمجتمع. ومع ذلك، تثبت خطط المواجهة أن الحلول الواقعية والمبتكرة ممكنة، من خلال تنظيم السوق، وحماية المستهلك، ودعم الصناعة المحلية. وعلى الدول النامية الاستفادة من هذه الدروس، مع تكييفها بما يتناسب مع خصوصياتها، لتحويل هذا القطاع من نقطة ضعف إلى فرصة استراتيجية للنمو الاقتصادي الرقمي المستدام. فالألعاب الإلكترونية اليوم ليست مجرد وسيلة ترفيه، بل ميدان جديد للتنافس الاقتصادي، وفرصة لصناعة مستقبل أكثر ازدهارًا.

التسويق بالعمولة: الحل المبتكر لمشكلة البطالة في العالم
التسويق بالعمولة: الحل المبتكر لمشكلة البطالة في العالم

الأسبوع

time١٣-٠٤-٢٠٢٥

  • الأسبوع

التسويق بالعمولة: الحل المبتكر لمشكلة البطالة في العالم

أحمد هريدي أحمد هريدي في ظل التغيُّرات المتسارعة التي يشهدها العالم على الصعيد الاقتصادي، وخصوصًا مع التحول الرقمي المتزايد، أصبح العديد من الدول يبحث عن حلول مبتكرة لمشكلة البطالة التي تؤثر على فئات واسعة، خاصة الشباب، خريجي الجامعات، وربات المنازل، ومن بين الحلول التي أثبتت فعاليتها على مستوى عالمي، يُعد التسويق بالعمولة (Affiliate Marketing) أداة قادرة على تحويل العاطلين عن العمل إلى فاعلين اقتصاديين، من خلال فرص رقمية مرنة وغير مكلفة. التسويق بالعمولة نموذج تسويقي يقوم على ترويج الأفراد لمنتجات أو خدمات تابعة لشركات أو متاجر، مقابل حصولهم على عمولة عن كل عملية بيع أو تسجيل يتم من خلالهم. ويتميّز هذا النموذج بأنه لا يحتاج إلى رأس مال أو مخزون، كما يُمكن ممارسته عن بُعد، مما يجعله خيارًا مثاليًا للفئات التي تواجه صعوبات في الاندماج بسوق العمل التقليدي. في الولايات المتحدة، ومع ازدهار قطاع الشركات الناشئة، اعتمدت بعض المنصات الرقمية نماذج تسويق بالعمولة ضمن استراتيجيتها للنمو، وفي الوقت ذاته، ساعدت هذه النماذج على تقديم فرص دخل جديدة لعشرات الآلاف من الأفراد. أسست إحدى الشركات الأمريكية منصة متخصصة في أدوات التسويق الرقمي وإنشاء صفحات المبيعات. أطلقت الشركة برنامجًا متقدمًا للتسويق بالعمولة يستهدف الأفراد الراغبين في تحقيق دخل من المنزل. وفّرت المنصة أدوات تعليمية مجانية، منها كورسات في التسويق الرقمي والتعامل مع العملاء، بالإضافة إلى تدريبات على استخدام منصاتهم الخاصة. ما يميز هذا النموذج أنه لا يشترط شهادة جامعية أو خبرة مسبقة، بل يعتمد فقط على الجهد والرغبة في التعلم. وقد تمكن آلاف الأفراد من تحقيق دخل شهري يتجاوز 1000 دولار في غضون أشهر، مما ساعد العديد من العاطلين عن العمل على استعادة استقلالهم المالي. في ألمانيا، وتحديدًا بعد جائحة كورونا التي تسببت في اضطرابات كبيرة في سوق العمل، أطلقت بعض الهيئات الحكومية بالشراكة مع شركات محلية مبادرات لدعم التسويق بالعمولة كأداة لتعزيز التوظيف الذاتي. قامت وكالة التوظيف الفيدرالية الألمانية بتصميم برنامج تدريب مجاني يستهدف الشباب العاطلين عن العمل، ويؤهلهم ليصبحوا مسوّقين بالعمولة لصالح شركات محلية ناشئة تبحث عن ترويج رقمي منخفض التكلفة. شمل التدريب مهارات في استخدام أدوات الإعلانات المدفوعة، تحسين محركات البحث، كتابة المحتوى التسويقي، والتحليل البياني لحملات التسويق. تم تأسيس فرق تسويق مصغّرة، يعمل فيها الأفراد من منازلهم ضمن نظام تسويقي يشجع على التعاون وتبادل المعرفة. خلال ستة أشهر فقط، أظهرت التقارير أن أكثر من 60% من المشاركين استطاعوا تحقيق دخل شهري منتظم، وتحوّل بعضهم إلى مستقلين بدوام كامل، بل إن بعضهم أسّس وكالات تسويق صغيرة توفّر بدورها فرص عمل جديدة. الهند، بما تملكه من تعداد سكاني ضخم وتفاوتات اقتصادية كبيرة بين المناطق الحضرية والريفية، واجهت تحديات جسيمة في الحد من البطالة، لا سيما بين النساء في المجتمعات الريفية، ولكن تجربة التسويق بالعمولة عبر التطبيقات الذكية فتحت آفاقًا جديدة أمام هذه الفئة. أحد تطبيقات التسويق بالعمولة ظهر كمثال ملهم، أتاح للأفراد- وخاصة النساء- بيع منتجات من المنزل عبر وسائل التواصل الاجتماعي مثل واتساب وفيسبوك، ولم يكن المستخدمون بحاجة إلى رأس مال أو حتى تخزين منتجات، بل يقومون بمشاركة المنتجات من خلال التطبيق، ويحصلون على عمولة عند كل عملية بيع. قامت الشركة بتوفير دورات تدريبية مبسّطة عبر الفيديو بلغات محلية، وركّزت على تعليم النساء مهارات التعامل مع الزبائن، وخدمة ما بعد البيع، واستخدام الهاتف الذكي بشكل فعّال. النتائج كانت مذهلة: انضم أكثر من 13 مليون شخص إلى المنصة، معظمهم من النساء، وتم إيجاد عشرات الآلاف من فرص الدخل، وهو ما أسهم بشكل ملموس في تقليص الفجوة الاقتصادية بين المدن والقرى. تسمح هذه الأنظمة بالعمل من أي مكان وفي أي وقت، مما يتيح للأشخاص ذوي الالتزامات الأسرية، كالأمهات، الانخراط بسهولة، وقد اعتمدت التجارب الناجحة على توفير تدريب فعلي، مما مكّن الأفراد من تحسين قدراتهم الرقمية، وبمجرد نجاح الفرد، يمكنه تدريب آخرين وتوسيع الفريق، مما يوجد حلقة متواصلة من فرص العمل. ما يُجمع عليه المتخصصون هو أن التسويق بالعمولة ليس مجرد وسيلة تسويق إلكتروني، بل بات يُشكّل نموذجًا اقتصاديًا بديلًا قادرًا على معالجة بعض مشكلات البطالة المزمنة، خاصة في بيئات تشهد بطئًا في إيجاد فرص العمل التقليدية. يمكن للدول العربية الاستفادة من هذه النماذج وتكييفها مع سياقاتها الخاصة، عبر إنشاء منصات محلية، وتقديم الدعم الفني والتدريب المجاني، وتشجيع القطاع الخاص على تبني هذا النموذج كجزء من مسؤولياته الاجتماعية والاقتصادية. إذا ما تم استثمار هذا التوجه بالشكل الصحيح، فإن التسويق بالعمولة قد يصبح أحد مفاتيح المستقبل لسوق عمل رقمي أكثر شمولًا ومرونة، ويُسهم في توفير فرص عمل جديدة ومستدامة ومصدر دخل إضافي لمحدودي الدخل. وبالتالي، فإن تطبيق هذا النموذج في الدول العربية قد يفتح آفاقًا جديدة للتنمية الاقتصادية، ويسهم في تقليص معدلات البطالة بطرق مبتكرة وفعّالة.

ألاعيب الحيتان المفترسة في سوق العملات المشفرة
ألاعيب الحيتان المفترسة في سوق العملات المشفرة

الأسبوع

time١٦-٠٣-٢٠٢٥

  • الأسبوع

ألاعيب الحيتان المفترسة في سوق العملات المشفرة

أحمد هريدي أحمد هريدي في عالم العملات المشفرة، يحلم الكثيرون بالثراء السريع، لكن الواقع غالبًا ما يكون أكثر قسوة، ويجد آلاف المتداولين الصغار أنفسهم خارج اللعبة، بعد أن تلتهمهم موجات خسائر تأتي على الأخضر واليابس. وينهب الحيتان أموالهم بلا رحمة وبخطط مدروسة واستراتيجيات استنزاف خادعة، فكيف يتم هذا التلاعب؟ وما الأساليب التي تستخدمها الحيتان للسيطرة على السوق؟ لا تتحرك أسواق العملات المشفرة وفقًا لقوانين العرض والطلب التقليدية فقط، بل تخضع لمخططات القوى الخفية وكيانات "الحيتان". فهم يمتلكون كميات ضخمة من العملات المشفرة، ما يمنحهم القدرة على تحريك الأسواق لصالحهم. وكثيرًا ما يقع صغار المتداولين ضحية لهذه التلاعبات المتكررة. خدعة الضخ والتفريغ (Pump & Dump) من أقدم الحيل المالية، وهي منتشرة في سوق العملات المشفرة بسبب ضعف التنظيم. تبدأ الخطة بشراء الحيتان كميات ضخمة من عملة منخفضة القيمة، ثم الترويج لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وعندما يرتفع السعر نتيجة إقبال المتداولين الصغار، يبيع الحيتان ممتلكاتهم بأرباح ضخمة، ما يؤدي إلى انهيار السعر بسرعة. في عام 2021، شهدت عملة سكويد جيم توكن (SQUID) ارتفاعًا هائلًا تجاوز 230، 000% خلال فترة قصيرة، بفضل حملات ترويجية مكثفة، لكن بمجرد أن جذبت عددًا كبيرًا من المستثمرين، انهارت قيمتها إلى الصفر، بعد أن قام المطورون وكبار المستثمرين ببيع ممتلكاتهم فجأة. وفي مايو 2022، فقد المستثمرون نحو 400 مليار دولار أمريكي بسبب انهيار عملة تيرا كلاسيك (LUNA) وعملتها المرتبطة بها تيرا يو إس تي (UST)، التي كانت تُعرف بالعملة المستقرة، وتراجعت تيرا بنسبة 99.9% خلال أيام. وفي نوفمبر 2022، انهارت منصة إف تي إكس (FTX)، ما أدى إلى خسائر تجاوزت 8 مليارات دولار وتجميد أموال آلاف المستخدمين. وأحيانًا، لا تحتاج الحيتان إلى قفزات مفاجئة في الأسعار، بل تعتمد على الاستنزاف البطيء والتحكم التدريجي في السوق عبر إنشاء مستويات دعم ومقاومة وهمية. يستخدمون أوامر شراء ضخمة لإعطاء انطباع بوجود طلب كبير، بينما يكون الهدف إغراء المتداولين الصغار للوقوع في الفخ. يمتلك الحيتان نفوذًا في وسائل الإعلام، حيث يستخدمون الأخبار والشائعات لتحريك السوق. في عدة مناسبات، فقد أدت شائعات عن حظر بيتكوين (BTC) في الصين والهند إلى تقلبات كبيرة قبل أن يتبين لاحقًا عدم صحتها. ويتم التلاعب أيضًا عبر استراتيجية الضغط القصير (Short Squeeze)، حيث يراهن المتداولون على انخفاض سعر عملة معينة، فتقوم الحيتان بضخ أموال لرفع السعر، مما يجبر المتداولين على إغلاق صفقاتهم بخسائر كبيرة. وفي مثال تاريخي، ارتفع سعر جيم ستوب (GME) ودوج كوين (DOGE) في يناير 2021 بسبب موجة شراء مفاجئة قادتها مجموعات، لكن بعض المحللين أشاروا إلى أن الحيتان كانوا وراء ذلك لتحقيق مكاسب ضخمة. تلعب منصات التداول دورًا رئيسًا في التلاعب، إذ يمتلك الحيتان نفوذًا داخل منصات كبرى، مما يتيح لهم رؤية بيانات السوق غير المتاحة للعامة، ويمكنهم استغلال هذه المعلومات لإطلاق هجمات على مستويات سعرية معينة أو التلاعب بفترات التوقف المفاجئة (Flash Crashes) لشراء العملات بأسعار متدنية. في مايو 2021، شهدت بيتكوين (BTC) انخفاضًا بنسبة 30% خلال دقائق، مما أدى إلى تصفية مليارات الدولارات من صفقات الرافعة المالية. وأشارت تحليلات إلى أن جهات تمتلك كميات ضخمة من العملة قد تكون وراء ذلك. يستخدم الحيتان العوامل النفسية للتأثير على قرارات صغار المتداولين، مثل: الخوف من تفويت الفرصة (FOMO): يدفع المستثمرين إلى الشراء عند ارتفاع الأسعار دون تحليل منطقي. الذعر (Panic Selling): يؤدي إلى بيع سريع عند حدوث انهيار مفاجئ خوفًا من خسائر أكبر. الثقة العمياء بالمؤثرين: يتبع الكثيرون نصائح المشاهير دون إجراء بحث كافٍ. في الأسواق التقليدية، هناك لوائح صارمة تمنع هذا التلاعب، لكن سوق العملات المشفرة لا يزال يفتقر إلى التنظيم. مع ذلك، بدأت بعض الحكومات مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في فرض قيود على التلاعب، مثل مراقبة الترويج المزيف للعملات. ومن أهم النصائح التي يقدمها الخبراء لصغار المتداولين: لا تنجرف وراء الضجيج الإعلامي، وتحقق من صحة المعلومات من مصادر موثوقة. استخدم استراتيجيات وقف الخسارة لحماية استثماراتك. راقب السوق بحذر، فالتقلبات غير الطبيعية قد تكون مؤشرًا على التلاعب. تجنب التداول بالرافعة المالية العالية، فهي تزيد من مخاطر التصفية المفاجئة. ختامًا، عزيزي الحالم بالثراء السريع، قد تبدو الفرص مغرية، لكن وراء الكواليس تتحرك قوى خفية للسيطرة على السوق واستنزاف صغار المتداولين. لا تكن فريسة سهلة، فكما يحمل هذا السوق فرصًا ذهبية، فهو مليء بالفخاخ. سر النجاح ليس في الجري وراء المكاسب السريعة، بل في الوعي، والتحليل العميق، واتخاذ القرارات بحكمة. وتذكَّر دائمًا أن الاستثمار الذكي يبدأ بمعرفة قواعد اللعبة قبل أن تصبح إحدى ضحاياها.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store