
سؤال وجواب.. ما أسباب منح ترامب الأفريكانيين حق اللجوء؟
تزامنا مع وصول دفعة من اللاجئين الأفريكانيين البيض القادمين من جنوب أفريقيا إلى الولايات المتّحدة، تصاعد الجدل بين إدارة ترامب، وحكومة سيريل رامافوزا حول الدوافع التي جعلت واشنطن تقدّم تسهيلات لمواطني بريتوريا من أجل الرحيل عن بلادهم، التي ألفوها واستوطنوها منذ قرابة قرن من الزمن.
وبينما تزعم إدارة ترامب أن الأفريكانيين أصبحوا معرّضين للإبادة، بحكم القوانين الجديدة التي أقرتها جنوب أفريقيا، تصرّ حكومة رامافوزا أن ذلك مجرّد ادعاءات بعيدة من الواقع.
ولكن اللاّفت أن مسار مشكلة الأفريكانيين ليست إلا جزءًا من فصول أزمة متعدّدة الجوانب، ومتنوّعة الأبعاد بين جنوب أفريقيا وواشنطن.
وفي هذا التقرير، ومن خلال الأجوبة على الأسئلة التالية، نحاول أن نستعرض جذور الخلافات والأبعاد التي جعلت ترامب يصّر على تعرّض البيض في جنوب أفريقيا للظلم والاضطهاد، ويصعّد مع الحكومة في بريتوريا، ويطرد سفيرها.
لماذا منح ترامب البيض في جنوب أفريقيا صفة لاجئين؟
أثار الرئيس الأميركي دونالد ترامب جدلا واسعًا بعد منحه صفة لاجئ لمجموعة من الأفريكانيين، وهم أقلية بيضاء منحدرة من المستوطنين الهولنديين في جنوب أفريقيا، واصفًا إياهم بـ"ضحايا الإبادة الجماعية".
وفي تطوّر عملي لهذا القرار، وصل يوم الاثنين الماضي 59 شخصا من جنوب أفريقيا ينحدرون من أقلية البيض إلى الولايات المتّحدة الأميركية بحجة تعرضهم لما وصفته واشنطن بـ"تمييز عنصري" في بلادهم.
وكانت إدارة ترامب قد عرضت في وقت سابق من هذا العام إعادة توطين الأفريكانيين، بحجة أنهم يواجهون العنف والمضايقات، بالتزامن مع تجميد المساعدات الأميركية لجنوب أفريقيا.
وفي مطار دالاس الدولي قرب العاصمة واشنطن، كان نائب وزير الخارجية الأميركي كريستوفر لانداو في طليعة المستقبلين للّاجئين القادمين من جنوب أفريقيا.
وأعرب نائب الوزير عن سياسة بلاده تجاه الأفريكانيين حيث قال "نحن نرحب بكم حقًا هنا، ونحترم ما مررتم به خلال السنوات الماضية… ونقدّر تقاليدكم وما حققتموه عبر السنين".
ما تبرير واشنطن للمعاملة الخاصة لهؤلاء اللاجئين؟
ويُعّد الأفريكانيون من نسل المستوطنين الأوروبيين، خصوصًا الهولنديين، الذين أرسوا أسس نظام الفصل العنصري (الأبارتايد) عام 1948، حيث استولت الأقلية البيضاء على الأراضي والموارد، بينما أُجبر السكان السود على العيش في بلدات مزدحمة وفقيرة.
ورغم ذلك فإن الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال مؤتمر صحفي عقد يوم الاثنين الماضي، جدّد مزاعمه بأن البيض في جنوب أفريقيا يتعرّضون للعنف المنظم منذ نهاية نظام الفصل العنصري.
ومع أن نظام الفصل العنصري انتهى في عام 1994، عندما فاز المؤتمر الوطني الأفريقي في أول انتخابات ديمقراطية في جنوب أفريقيا، فإن مظاهر التمييز والطبقية لا تزال مستمرة حتى اليوم، إذ يعاني الكثير من السود من الفقر، ويحرمون من الوصول إلى الأراضي والموارد والفرص.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، اقترح الرئيس سيريل رامافوزا قانونًا جديدًا يهدف إلى معالجة الفجوة والتفاوت في ملكية الأرض، حيث تستحوذ الأقلية البيضاء على 3 أرباع الأراضي الخاصة، عبر تسهيل إجراءات نزع الملكية في ظروف استثنائية ودون تعويض، مثل الأماكن المهجورة، بهدف التوزيع العادل.
وأصرّ رامافوزا على أن القانون لا يرقى إلى مستوى مصادرة الأراضي، ولكنه يخلق إطارا لإعادة التوزيع العادل من خلال السماح للسلطات بالاستيلاء على الأراضي للصالح العام في ظروف استثنائية من دون تعويض.
وبعد دخول القانون حيّز التنفيذ، كتب ترامب على حسابه في منصة تروث سوشيال "جنوب أفريقيا تصادر الأراضي وتسيء معاملة فئات معينة من الناس بشكل سيئ للغاية… الولايات المتحدة لن تقف مكتوفة الأيدي، وسنتصرّف".
وقالت الولايات المتّحدة إنها منحت الأفريكانيين في جنوب أفريقيا صفة لاجئ بعد صدور القانون الذي يصادر الأراضي، ودخوله حيّز التنفيذ.
وفي سياق مرتبط بالعلاقات والمواقف الدولية، فإن ترامب على خلاف مع جنوب أفريقيا في قضية محكمة العدل الدولية، إذ اتهمت حكومة رامافوزا إسرائيل بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية في قطاع غزة.
هل يواجه البيض خطر الإبادة في جنوب أفريقيا؟
وفي تصريحات للصحفيين أمام البيت الأبيض ، قال الرئيس ترامب "إن ما يحدث في جنوب أفريقيا إبادة جماعية"، مما أثار انتقادات واسعة من طرف المسؤولين في جوهانسبيرغ.
ويتناغم تصريح ترامب مع سرديات اليمين المتطرف التي ترى أن السياسات التصحيحية في جنوب أفريقيا باتت الآن تمثل تمييزًا ضدّ البيض.
وقد روّجت منظّمة "أفريفوروم" اليمينية التي تمثّل مصالح بعض الأفريكانيين لهذه المزاعم، مدعية أن هذه الأقلية تواجه "تهديدًا وجوديًا".
ويُعد إيلون ماسك ، الملياردير المولود في جنوب أفريقيا والمقرّب من ترامب، من أبرز الداعمين لهذا الخطاب، ونشر مرارًا عبر منصة "إكس" منشورات يتّهم فيها السلطات بالتمييز ضد البيض، وتحدّث عن "إبادة بيضاء".
ورغم سياسة ترامب وتصريحاته، فإن الإحصائيات تقول إن البيض يملكون معظم الأراضي الخاصة في البلاد، ويبلغ متوسط ثروتهم نحو 20 ضعفًا مقارنة بالسود، وفي القطاع الخاص يشغلون 62%من المناصب الإدارية العليا، مقابل 17% فقط للسود.
أما الأرقام التي نشرتها منظمات مؤيدة للمزارعين البيض مثل "أفريفوروم" واتحاد المزارعين في ترانسفال، فإنها تشير إلى أن عدد القتلى من جميع المزارعين، بغضّ النظر عن العرق، لا يتجاوز 60 في العام، في بلد يشهد نحو19 ألف جريمة قتل سنويًا.
هذه الادعاءات التي تبدو معارضة للإحصائيات، جعلت بعض الأفريكانيين يلجؤون إلى مواقع التواصل للسخرية من عرض اللجوء الذي قدّمه ترامب، ونشروا مقاطع فيديو تسلط الضوء على الامتيازات التي لا يزال البيض يتمتعون بها في جنوب أفريقيا.
كيف ردّت جنوب أفريقيا؟
في مارس/آذار الماضي، وصفت حكومة جنوب أفريقيا تصريحات ترامب بشأن اضطهاد الأفريكانيين بأنها "خاطئة تمامًا"، مؤكدة أنهم لا يزالون من أغنى وأفضل الفئات حالا في البلاد.
وخلال القمة الأفريقية للرؤساء التنفيذيين التي انعقدت يوم الاثنين الماضي في أبيدجان ، قال الرئيس سيريل رامافوزا"الحكومة الأميركية فهمت الأمور على نحو خاطئ، لكننا سنواصل الحوار معهم". وأضاف أنه أبلغ ترامب شخصيًا بأن من يطلبون اللجوء من اليمين المتطرف "مجموعة هامشية" تعارض التغيير وتفضّل العودة إلى سياسات الأبارتايد، مضيفًا: "قلت له إنني لن أسمح بذلك أبدًا".
وخلال القمة كشف رامافوزا أنه يعتزم لقاء الرئيس ترامب لمناقشة الموضوع، من أجل تصحيح مسار الخلاف المتصاعد بين البلدين منذ عدة أشهر.
ما وضع العلاقة بين الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا؟
شهدت العلاقات بين إدارة ترامب وحكومة رامافوزا توتّرًا متصاعدًا، إذ طردت واشنطن السفير الجنوب أفريقي في مارس/آذار الماضي بعدما قالت إنه يكره الرئيس والبلاد.
ويبدو أن الخلاف حول موقف جنوب أفريقيا البارز في الدعوى المرفوعة ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية ، بتهمة ارتكاب إبادة جماعية في غزة، كان أحد أبرز محاور التوتر.
وقد بدأت مظاهر الأزمة بين البلدين تظهر بوضوح عندما أوقفت واشنطن تمويل المساعدات الأميركية في يناير/كانون الثاني الماضي، وبرامج الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في جنوب أفريقيا، مما سيؤثر على حكومة رامافوزا ويزيد عليها من الأعباء.
ففي عام 2023 وحده، تلقت جنوب أفريقيا ما يقرب من 460 مليون دولار من أموال خطة الرئيس الطارئة للإغاثة من الإيدز، والتي تغطي ما يقرب من 18% من إجمالي ميزانية البلاد المتعلقة بفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز).
إعلان
وفي السياق ذاته، توسّعت التوتّرات لتشمل المجال الاقتصادي والتبادل التجاري، حيث فرضت واشنطن رسومًا جمركية جديدة بنسبة 30% شملت صادرات جنوب أفريقية، مما أدى إلى قلق بالغ في بريتوريا، خاصة في قطاع صادرات السيارات.
هل استقبال الأفريكانيين يتفق مع سياسية ترامب في شأن الهجرة؟
وصول عشرات الأفريكانيين إلى الولايات المتحدة جاء في وقت تواصل فيه إدارة ترامب تشديد القيود على قبول اللاجئين من دول فقيرة أو منكوبة.
وقالت مراسلة الجزيرة من واشنطن، باتي كالهين، إن إدارة ترامب "أعطت الأولوية لإدخال الأشخاص البيض من جنوب أفريقيا إلى الولايات المتحدة".
وفي حين يجد طالبو اللجوء الفارين من العنف والاضطهاد من دول مثل هايتي وأفغانستان الأبواب موصدة في وجوههم، تعمل إدارة ترامب على تقديم التسهيلات للأفريكانيين من أجل الحصول على اللجوء في الولايات المتّحدة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
خبراء سياسة وقانون: ترامب يدمر الرئاسة الأميركية
أجمع خبراء سياسة وقانون أميركيون على أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يشن هجمات ممنهجة على مؤسسات الدولة في محاولة لتوسيع سلطته وتحجيم الرقابة، وذلك وفق مقال كاتب العمود بصحيفة نيويورك تايمز توماس إدسال. وضمّن الكاتب في مقاله محادثات مع عدد من الخبراء، ووجد أن حملة ترامب "المدمرة" تعد "سابقة خطيرة" تهدد مستقبل الديمقراطية الأميركية بل وأسس الرئاسة نفسها. وشملت أهداف الرئيس القانون والتعليم العالي والبحث الطبي والمعايير الأخلاقية والتحالفات الخارجية وحرية التعبير والخدمة المدنية والدين ووسائل الإعلام وغيرها، حسب الكاتب. وذكر المقال أن ترامب ركز على تفكيك ما يُعرف بـ" الدولة العميقة" من خلال تقليص دور الموظفين الحكوميين، وتقويض ثقة الرأي العام بمؤسسات البلاد عبر نشر نظريات المؤامرة واتهام خصومه بالخيانة أو الفساد. كما سعى ترامب إلى تقليص تمويل مراكز البحث العلمي مثل "المعاهد الوطنية للصحة" و"مؤسسة العلوم الوطنية"، وفق المقال، مما أثار تحذيرات من أن الولايات المتحدة قد تفقد مكانتها كدولة رائدة في الابتكار والبحث. وأشار الكاتب أيضا إلى علاقات البلاد الخارجية، فقد هاجم ترامب تحالفات أميركا التقليدية، وأثار خلافات دبلوماسية مع شركاء رئيسيين، مما دفع البعض إلى التشكيك في موثوقية واشنطن كحليف طويل الأمد، خاصة بعد انسحابها من اتفاقيات ومبادرات دولية كبرى. وأكثر ما يثير قلق إدسال، وفق مقاله، هو صعوبة إصلاح ما "أفسده" ترامب على المدى الطويل، خاصة في مجال العلاقات الخارجية والقطاع الحكومي. وفي هذا الصدد أكد أندرو روداليفيج، الخبير السياسي من كلية بودوين، أن طرد ترامب الممنهج للموظفين الحكوميين سيخفض من كفاءة الحكومة وخبراتها وتقدمها على المدى الطويل، كما نقل المقال. وأضاف أستاذ التاريخ في جامعة برينستون شون وِلِنتز أن ما يقوم به ترامب "لا سابق له في التاريخ الأميركي"، وأن "تجريف الخبرات من المؤسسات الأميركية تحت ذريعة القضاء على الفساد وحفظ المال أمر كارثي، وقد لا يمكن إصلاحه أبدا" وفق المقال. ونقل المقال قول بول روزنزوغ، مساعد وزير الأمن الداخلي في عهد الرئيس جورج بوش الابن ، إن "الخسارة ليست في حجم الضرر فحسب، بل في أن العالم لن يثق مجددا بأن شخصية مثل ترامب لن تعود". ويرى الخبراء أن حملة ترامب ليست مجرد نزوة شخصية، بل جزء من خطة تدعمها تيارات محافظة تسعى إلى استغلال حكم الرئيس لفرض أجندات تغير تنظيم البلاد، وأبرزها ما تضمنه " مشروع 2025" الذي يهدف إلى إعادة هيكلة السلطة التنفيذية لصالح قوى يمينية متشددة.


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
ترامب الابن: ربما أسعى لخلافة والدي في يوم من الأيام
ألمح دونالد ترامب الابن إلى احتمال ترشحه لمنصب سياسي في المستقبل أو السعي لخلافة والده الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وقالت وكالة بلومبيرغ إن ترامب الابن سئل عن الأمر خلال مشاركته في منتدى قطر الاقتصادي فأجاب "لا أدري، ربما أسعى في يوم من الأيام إلى دخول الحياة السياسية وربما خلافة والدي في منصب الرئاسة". وأردف قائلا "أعتقد أن والدي غيّر فعلًا الحزب الجمهوري. أصبح الآن حزب أميركا أولًا، أو حزب MAGA، أيًّا كان ما تفضّلون تسميته". وعلى الرغم من أنه نادرًا ما تحدث عن طموحاته السياسية، فإن ترامب الابن أصبح شخصية بارزة في الساحة السياسية، إذ شارك في الحملة الانتخابية لوالده بانتظام، وظهر كثيرًا على وسائل الإعلام، وألقى خطابًا رئيسيا خلال المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري. ومن جهته، لا يزال ترامب الأب يلمّح إلى إمكانية ترشحه مرة أخرى في عام 2028، رغم أن الدستور الأميركي يحدد فترتين رئاسيتين فقط. وفي فترته الأولى، لعبت ابنته إيفانكا وصهره جاريد كوشنر دورًا بارزًا كمستشارين في البيت الأبيض ، أما في الوقت الحالي فقد أصبح دورهما أقل ظهورًا. وقد أمضى ترامب الابن معظم مسيرته المهنية في منظمة ترامب التي تركز على تطوير العقارات الفاخرة، ويُعد من أبرز المدافعين عن السياسات الاقتصادية لوالده. وبرز دوره بشكل أكبر في الولاية الثانية لترامب، حيث دعم ترشيح السيناتور جيه دي فانس لمنصب نائب الرئيس. وبرز ترامب الابن كأحد أبرز أفراد العائلة منذ عودة والده إلى البيت الأبيض، رغم أنه لا يشغل أي منصب رسمي في الإدارة. بدلًا من ذلك، انضم إلى شركة "1789 كابيتال"، وهي شركة استثمار تركز على الشركات ذات التوجهات المحافظة، أسسها المستثمر عميد مالك. ومن على منصة المنتدى في الدوحة، وجّه ترامب الابن انتقادات لبيئة الأعمال في أوروبا، مشيدًا ببيئة الاستثمار في الخليج، مشيرًا إلى أن "الناس هنا يعملون بجدّ، ولا يتعاملون مع مناخ تنظيمي خانق كما هو الحال في أوروبا الغربية".


الجزيرة
منذ 5 ساعات
- الجزيرة
خبراء: رامافوزا يملك الفرصة ليضع ترامب في حجمه الحقيقي أمام العالم
واشنطن- في لحظة دبلوماسية مشحونة، يستقبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب نظيره الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا في البيت الأبيض اليوم الأربعاء، وهو أول لقاء منذ تصاعد التوتر بين البلدين بسبب اتهامات واشنطن لحكومة بريتوريا بـ"اضطهاد البيض" ومصادرة الأراضي الزراعية من الأقلية الأفريكانية. وبينما توصف الزيارة بـ"الاختبار الصعب" خاصة بعد منح ترامب اللجوء لـ59 جنوب أفريقي أبيض، وتهديداته بمقاطعة قمة مجموعة الـ20 المقررة في جوهانسبرغ في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، تتحرك في الخلفية ملفات اقتصادية وإستراتيجية يخدم حلها مصالح الطرفين. فهل ينجح رامافوزا في ترميم الجسور مع إدارة ترامب؟ وهل تغير واشنطن مقاربتها ل جنوب أفريقيا تحت ضغط التنافس الدولي على القارة السمراء؟ فرصة يتصدر ملف "اضطهاد البيض" واجهة التوترات بين البلدين، إذ تتهم واشنطن حكومة رامافوزا بتبني إجراءات تستهدف الأقلية البيضاء، في إشارة إلى سياسات إعادة توزيع الأراضي التي تنفذها جنوب أفريقيا لمعالجة إرث الفصل العنصري. ويرى حافظ الغويل، كبير الباحثين في معهد الدراسات الخارجية بجامعة جونز هوبكنز، أن زيارة الرئيس رامافوزا إلى واشنطن تمثل فرصة حقيقية "لإعادة توجيه البوصلة" في العلاقة مع إدارة ترامب، ولتصحيح ما يصفه بـ"المواقف الأميركية غير العقلانية" التي تحركها حسابات ضيقة داخل معسكر ترامب المحافظ. ويقول للجزيرة نت إن جنوب أفريقيا ليست في موقع الدفاع، بل هي دولة ذات ثقل تاريخي واقتصادي في القارة، وإن "رامافوزا يملك الفرصة ليضع ترامب في حجمه الحقيقي أمام العالم من خلال شرح موقف بلاده بثقة ووضوح، في مواجهة الاتهامات الجزافية التي دأب الرئيس الأميركي على إطلاقها تجاه حلفاء وخصوم على حد سواء". وانتقد الغويل منح اللجوء السياسي لمواطنين بيض من جنوب أفريقيا، معتبرا أن "الإدارة الأميركية تكشف عن انحياز عنصري حين تتهم بريتوريا بممارسة التمييز ضد البيض، بينما تغض الطرف عن سياسات الهجرة التمييزية التي تنهجها". وقال إن معظم من يسعى للجوء باستعمال هذه الذريعة هم أنفسهم من أكثر الناس عنصرية في بلادهم. وأكد على أن جنوب أفريقيا لا تحتاج لشهادة من ترامب بشأن ديمقراطيتها أو احترامها للحقوق، مشددا على أن تاريخ البلاد وواقعها السياسي، يبعدان عنها أي تهمة بوجود اضطهاد ضد البيض كما تدعي إدارة ترامب. ملفات شائكة اقتصاديا، تسعى بريتوريا لإقناع واشنطن بإعادة النظر في الرسوم الجمركية التي فرضتها على صادرات جنوب أفريقيا التي تأمل في الحفاظ على استفادتها من "قانون النمو والفرص في أفريقيا" الذي يمنح الدول الأفريقية إعفاءات جمركية لدخول السوق الأميركية. كما تراهن جنوب أفريقيا على إصلاح العلاقات مع شركات أميركية مؤثرة مثل "تسلا" و"ستارلينك"، في أعقاب توترات بشأن قوانين التمكين الاقتصادي التي تتطلب ملكية محلية سوداء بنسبة 30%، والتي اعتبرها إيلون ماسك"تمييزية"، بينما تؤكد بريتوريا أنها تهدف إلى معالجة إرث الفصل العنصري. ويرى الداه يعقوب، وهو محلل سياسي مختص بالشؤون الأفريقية بواشنطن، أن زيارة رامافوزا تمثل محاولة إستراتيجية من جنوب أفريقيا لإعادة إنعاش علاقتها الاقتصادية المتوترة مع الولايات المتحدة. ويوضح أنها تُعد من الشركاء التجاريين الرئيسيين لواشنطن بعد الصين، وبالتالي فإن إعادة الدفء للعلاقات تخدم مصالح الطرفين، خصوصا في ظل التنافس الدولي المحتدم على الأسواق الأفريقية. ويضيف يعقوب للجزيرة نت أن الزيارة تحمل رسائل متبادلة؛ فمن جهة، تسعى جنوب أفريقيا إلى تأكيد مكانتها كشريك اقتصادي مهم للولايات المتحدة، ومن جهة أخرى، يرغب ترامب في إظهار اهتمامه بالقارة الأفريقية، بعد تركيزه السابق على ملفات مثل أوكرانيا و غزة. قمة الـ20 تمثل قمة مجموعة الـ20 المقبلة خلفية سياسية محورية لزيارة رامافوزا إلى واشنطن. فبينما تأمل جنوب أفريقيا أن تُتوج رئاستها الدورية للمجموعة بتنظيم قمة تاريخية هي الأولى على أراضي القارة الأفريقية، جاء تلويح الرئيس ترامب بمقاطعة القمة ليعكّر هذه التطلعات، ويضغط دبلوماسيا على بريتوريا في أكثر من ملف. في هذا السياق، يرى محللون أن رامافوزا يسعى من خلال زيارته الحالية إلى إقناع إدارة ترامب بإعادة النظر في قرار المقاطعة، لأن غياب الولايات المتحدة من شأنه أن يُفقد القمة توازنها السياسي ويقلل من فرص خروجها بقرارات قوية. كما قد يبدو كفشل رمزي في إدارة التوازنات الدولية، في وقت تتسابق فيه دول مثل الصين وروسيا لملء الفراغ في أفريقيا وتقديم نفسها كشركاء أكثر موثوقية في أعين دول القارة. ويقول المحلل السياسي يعقوب إن رامافوزا يعي جيدا أن إقناع واشنطن بالمشاركة يمثل أولوية قصوى، لتفادي أي إحراج دبلوماسي وضمان حضور دولي وازن يعيد التأكيد على دور ومكانة جنوب أفريقيا على المستويين القاري والعالمي. من جهته، يشرح الباحث الغويل أن موقف إدارة ترامب من هذه القمة لا يرتبط فقط بسياسات جنوب أفريقيا الداخلية، وتحديدا قانون إصلاح الأراضي، بل يعكس أيضا رد فعل غاضبا على مواقف بريتوريا في السياسة الخارجية. ويشير إلى أن رفع جنوب أفريقيا دعوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جرائم إبادة في غزة، كان نقطة تحوّل في نظرة واشنطن للعلاقات الثنائية، وهو ما انعكس في التلويح بالمقاطعة ومحاولة عزل بريتوريا سياسيا.