logo
الدروز والاستشراق الإسرائيلي: المرآة والكسور

الدروز والاستشراق الإسرائيلي: المرآة والكسور

القدس العربي منذ 2 أيام
في حدود ما تعلم هذه السطور، وفوق كلّ ذي علم عليم كما يصحّ التشديد دائماً، يظلّ كتاب المؤرخ الفلسطيني القدير قيس فرّو «الدروز في الدولة اليهودية: تاريخ موجز»، الذي صدر بالإنكليزية سنة 1999 عن منشورات بريل في لايدن/ بوسطن؛ المرجع الأرفع اشتمالاً ورصانة وإنصافاً، ثمّ (ولعلها السمة الأهمّ) الأعلى نقاءً وتخلّصاً من استشراق إسرائيلي صهيوني وحكومي وأكاديمي طاغٍ بصدد الدروز في دولة الاحتلال، ونقداً وتعرية في آن معاً.
وليس أكثر مواءمة من الحال الراهنة بين سوريا وائتلاف بنيامين نتنياهو لاستعادة كتاب فرّو، واستكشاف البواطن الأعمق للمزاعم الإسرائيلية حول حماية دروز جبل العرب، بالنظر إلى أنّ ما يُزعم على السطح ليس سوى أضاليل ذاتية الافتضاح، لأنّ الكيان الصهيوني الذي يواصل 21 شهراً من حرب الإبادة ضدّ الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة ليس الجهة التي تتنطح لحماية أيّ جماعة أو أقلية خارج المكوّن الصهيوني/ اليهودي في الشرق الأوسط. أو، في صياغة أخرى لمشهد التضليل الإسرائيلي الراهن: أجدر بحكومة نتنياهو، الأكثر يمينية وتطرفاً وفاشية في تاريخ الكيان، أن تضمن لدروز ما بعد النكبة، داخل دولة الاحتلال، الحدودَ الدنيا من المواطنة في ضوء «قانون الدولة القومية لليهود».
ففي مقدمة كتابه يروي فرّو واقعة بالغة الدلالة، تشير إلى ما يُعرف من سياسات خافية أو معلنة تجاه دروز فلسطين ما بعد النكبة، و»تفلسف» الصهاينة روّاد تأسيس الكيان حول إفراد الدروز عن مكوّنات المجتمع الفلسطيني الأخرى. كما تسلّط ضوءاً كاشفاً، فضاحاً بدوره، على ذهنية تمييز عنصري وثقافي طبع الاستشراق الإسرائيلي، وثمة الكثير من العناصر التي تُلقي بالمستشرقين الإسرائيليين في السلّة الاستشراقية/ الاستعمارية الأوروبية، وتلك الأمريكية لاحقاً، ذاتها على وجه التقريب.
الحكاية بدأت في سنة 1994 حين طلب منه رئيس تحرير مجلة «طبيعة الأشياء» الإسرائيلية، وهي دورية عبرية على غرار «ناشيونال جيوغرافيك» الأمريكية الدولية، أن يكتب مقالة عن الدروز تلائم اهتمام قرّاء يهود في الغالب؛ فأعدّ الرجل مادّة حول تاريخ الدروز وعاداتهم، بعنوان «الدروز في إسرائيل والشرق الأوسط». وبعد أسابيع، وهو في انتظار تصحيح المقال طباعياً، علم فرّو أنّ ما أرسله لم يُنشر من دون إعلامه فقط، بل تغيّر العنوان إلى «ميثاق حياة، ميثاق دمّ»، مع صور فوتوغرافية اختيرت لإبراز «إسهام» الدروز في بناء دولة الاحتلال من خلال خدمتهم في الجيش الإسرائيلي.
وردّ الفعل الأوّل المندهش، يتابع المؤرخ الفلسطيني، سرعان ما انقلب إلى حال من عدم التصديق عند اكتشافه أنّ تغييرات التحرير لم تقتصر على العنوان، بل شملت النصّ بأسره، بحيث بات في العديد من النقاط معاكساً للمعنى الأصلي: الدروز، حسب التعديل، وُصفوا كـ»أمّة» بين موزاييك أمم الشرق الأوسط؛ والزعيم السنّي ضاهر العمر صار «مهتدياً» إلى العقيدة الدرزية. ونزولاً عند رسالة احتجاج شديدة اللهجة من كاتب المقالة، اكتفت المجلة بنشر اعتذار في عدد لاحق، برّر الأمر بأنّ التحرير رأى من الهامّ «إطراء الأمّة الدرزية»، لقاء «الولاء» الذي أعربت عنه لدولة الاحتلال، رغم أنّ المساواة التي وُعد بها الدروز لم تتحقق؛ الأمر الذي لم تنصّ عليه مقالة الرجل نهائياً.
وبكتب فرّو: «تبيّن الحادثة بوضوح تامّ كيف تواصل وسائل الإعلام الإسرائيلية تنشئة ‹صورة ذاتية› عن الدروز في إسرائيل لا يجمعها إلا القليل مع الواقع، بل هي بالأحرى ‹الصورة› التي شكّلتها عنهم السلطات الإسرائيلية والغالبية اليهودية: بينما ما كتبتُه ينحرف عن، ويتناقض مع، ‹الصورة الذاتية› إياها، فقد كان ‹من الطبيعي فقط› أن يتدخل رئيس التحرير لـ›مراجعة› ذلك؛ أي أن يمارس السلطة على النصّ الخاصّ بي. وكان ذاك بمثابة موقف يظلّ نمطياً هنا وهناك لدى المسؤولين الإسرائيليين وما يُسمى مستشاري الحكومة، ممّن يزعمون ‹معرفة ما هو صالح وما هو طالح› للجالية الدرزية».
ولا تفوت المؤرخ الفلسطيني ضرورة مساءلة الخلفية الصهيونية الأبعد وراء هذا التمثيل المفتعل، الإنشائي تماماً حسب تشخيص إدوارد سعيد لستراتيجات الخطاب الاستشراقي عموماً: «في كلمات أخرى»، يتابع فرّو، «يجري تصوير الدروز كصورة مرآة لـ«الديانة/ الجالية/ الأمّة اليهودية»، وهي صورة قيد التوظيف منذ مطلع ثلاثينيات القرن المنصرم، حين شرع الصهاينة في تأسيس صلاتهم الأولى مع الدروز. والحقّ أنّ هؤلاء الدروز/ الأمّة كانت لهم ملامح خاصة ومصير خاصّ أفردهم عن الأمم (…) هنا أيضاً، يتوحد الدين مع القومية، بحيث يصعب الفصل بينهما. وهذه، كذلك، أمّة مشابهة للأمّة اليهودية من حيث الشتات».
وفي المقابل، لا يصحّ إغفال وقائع التوتر بين مجموعات درزية ومسلمة ومسيحية التي شهدتها أراضي الـ48، في الجليل تحديداً على شاكلة شفا عمرو والرامة والمغار وعيلبون وكفر ياسيف وسواها؛ أو التوترات الداخلية الدرزية ـ الدرزية في بلدات وقرى الجولان السوري المحتل، على خلفية المواقف من النظام السوري البائد أو تحوّلات سوريا ما بعد 8 كانون الأول (ديسمبر) 2024. ومن السذاجة، استطراداً، خفض مفاعيل حقيقة موازية تفيد بأنّ الاستشراق الإسرائيلي يقتات على هذه الحال حين يكون، نادراً في الواقع، بحاجة إلى ذريعة كي تعكس مرآة التحريف الصهيونية الصور الفعلية إلى نقائضها، أو إلى كسورها المتشظية.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

صحيفة إسرائيلية: بعد قصف هيئة الأركان السورية.. لكاتس: فتحت علينا حساباً دموياً
صحيفة إسرائيلية: بعد قصف هيئة الأركان السورية.. لكاتس: فتحت علينا حساباً دموياً

القدس العربي

timeمنذ 2 أيام

  • القدس العربي

صحيفة إسرائيلية: بعد قصف هيئة الأركان السورية.. لكاتس: فتحت علينا حساباً دموياً

بعين مفتوحة وبحماسة لا يمكن إخفاؤها، لكن بدون تفكير عميق ولمدى بعيد، تسير إسرائيل لتغرق في تدخل في حروب طائفية وقبلية عبثية لا نهاية لها في سوريا. ثمة تغريدة في شبكة 'X' فيها شريط مسجل لقصف سلاح الجو الإسرائيلي لمبنى هيئة الأركان السورية، لكن يجدر بوزير الدفاع أن يتذكر بأن مهمته هي بلورة استراتيجية أمنية وليس نشر تغريدات محرجة بالشبكة، إلا إذا كان هدف الخطوات التي يكلف الجيش الإسرائيلي بتنفيذها هي بالفعل التغريدة والإعجابات. إسرائيل قوة إقليمية عظمى ذات أهمية ومكانة، ولديها قوة عسكرية استعرضتها ضد أعدائها، لكن حتى للقوة العظمى قيود يجب الوعي لها. فهي غير قادرة على تنفيذ كل شيء تريده أو يروق لها، بل عليها أن تفكر بالربح والخسارة وبالأثمان، وأساساً تلك التي للمدى البعيد. كل هذه الاعتبارات لم تفكر بها إسرائيل أو لم تأخذها بالحسبان حين خرجت إلى المغامرة المشكوك فيها في سوريا الأسبوع الماضي. هذه مغامرة مشكوك فيها لأن أحداً من زعماء الدروز في سوريا لم يطلب معونتنا، وبدلاً من ذلك يعودون ليشددوا انتماءه للدولة السورية ورغبتهم في التوصل إلى تفاهم مع النظام الذي يحكم في الدولة. دروز سوريا لا يريدون دولة مستقلة لهم، ناهيك عن أنه لا يوجد لمثل هذا الكيان قدرة وجود مستقلة على نحو منقطع عن الدولة السورية. كما أنهم يعرفون أفضل منا انعدام جدوى التدخل الإسرائيلي إلى جانبهم الذي لن يؤدي إلى أي تغيير حقيقي في واقع حياتهم، بل سيعرضهم للخطر. إن كل من تعلم أو يعرف تاريخ المنطقة السورية لمئات السنين الأخيرة، -وهو ما لا يمكن قوله عن أصحاب القرار عندما- يعرف شيئاً ما عن الصراعات والنزاعات الإثنية والقبلية التي تتميز بها هذه المنطقة، والتي لا بداية ولا نهاية لها، وتعود لتأتي على لا شيء في كل بضع سنوات. قصر النظر إياه، وأساساً إحساس القوة الذي ليس وراءه أي تفكير، أغرقنا في العام 1982 في حرب ووحل في لبنان، كلفنا ثمناً باهظاً ولم ننجُ منه حتى اليوم. كان هذا هو الرئيس ترامب الذي غرد في نهاية ولايته السابقة بأن سوريا هي 'رمل وموت'، وأن الخطأ الأكبر الذي يمكن للولايات المتحدة ارتكابه هو التدخل في النزاعات القبلية والطائفية. أقوال ترامب مهمة؛ وهو اليوم صاحب القرار نيابة عنا أيضاً. يمكن لإسرائيل أن تلعب لعبة التظاهر، وكأنها دولة مستقلة. لكن قراراتها تتخذ من ترامب في البيت الأبيض. هكذا أوقفنا من الهجوم على إيران، وهكذا أوقفنا من مواصلة الهجوم على سوريا. كم من المياه تدفقت في نهر الأردن منذ أعلن مناحيم بيغن بأننا لسنا جمهورية موز، تقول آمين بعد كل شيء يقوله الأمريكيون. كان هذا عندما وبخه الرئيس ريغان بسبب قصف المفاعل الذري في حزيران 1981. لكنا أصبحنا اليوم جمهورية موز متعلقة تماماً بإرادة ونزوات رئيس الولايات المتحدة. لقد تبنى ترامب أحمد الشرع، ويرى فيه شريكاً وحليفاً جديراً. هو مستعد أن يتجاهل ماضي الرجل وحقيقة أن رؤياه دولة إسلامية، مثل السعودية أو الإمارات التي تكون فيها الأقليات غير مرغوب فيها. الشرع من جهته مستعد للتحدث معنا، وفي الحديث معه، وبإسناد أمريكي، كان يمكن أن نضمن ليس فقط مصالح إسرائيل، بل أيضاً مصالح أبناء الطائفة الدرزية في سوريا. لكن بدلاً من هذا، استخدمت إسرائيل القوة مكان العقل، وعندما يترسب الغبار يتبين أننا لم نغير ميزان القوى ووضع الأمور في هذه الدولة، لكننا فتحنا جبهة وحساباً دموياً زائداً سيجبي منا لاحقاً ثمناً باهظاً. إيال زيسر إسرائيل اليوم 20/7/2025

مسلحون من عشائر البدو في سوريا: "نلتزم بوقف إطلاق النار مع الدروز لكن يمكن أن نعود للقتال"
مسلحون من عشائر البدو في سوريا: "نلتزم بوقف إطلاق النار مع الدروز لكن يمكن أن نعود للقتال"

BBC عربية

timeمنذ 2 أيام

  • BBC عربية

مسلحون من عشائر البدو في سوريا: "نلتزم بوقف إطلاق النار مع الدروز لكن يمكن أن نعود للقتال"

قال مسلحون من عشائر البدو في جنوب سوريا لبي بي سي إنهم سيلتزمون بوقف إطلاق النار مع الدروز هناك، لكنهم لم يستبعدوا استئناف الاشتباكات. وقد انسحب مقاتلو العشائر البدوية من المدينة إلى القرى المحيطة بها في المحافظة، بعد أسبوع من اشتباكات طائفية دامية بين مقاتلين دروز، ومسلحين من البدو، والقوات الحكومية، مع قيام إسرائيل بشن غارات جوية دعماً للدروز. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره المملكة المتحدة، يوم الأحد، إن هناك "هدوءاً حذراً" في المنطقة، لكنه صرّح في وقت لاحق بأن مقاتلين من العشائر هاجموا قرى. ومن بلدة المزرعة الدرزية، التي كان يسيطر عليها مقاتلو البدو الأسبوع الماضي وأصبحت الآن تحت سيطرة الحكومة، يمكن رؤية الدخان يتصاعد عبر الحقول من مدينة السويداء. عند نقطة تفتيش قريبة من البلدة، كان عشرات من عناصر الأمن الحكومي يقفون على امتداد الطريق، جميعهم مدججون بالسلاح ويمنعون البدو من العودة إلى مدينة السويداء. وعلى الطريق، احتشد مئات من مقاتلي البدو، وبدأ عدد منهم بإطلاق النار في الهواء. وكانوا يطالبون بالإفراج عن الجرحى من أبنائهم الذين ما زالوا في مدينة السويداء، ويصفونهم بالرهائن. وقالوا إنه إذا لم يتم الإفراج عنهم، فإنهم سيجتازون الحاجز بالقوة ويعودون إلى المدينة. وتحدث أحد شيوخ العشائر إلى بي بي سي قائلاً: "لقد فعلنا ما أمرتنا به الحكومة، ونحن ملتزمون بالاتفاق وبكلامها، وقد عدنا، والسويداء تبعد 35 كيلومتراً من هنا". وأضاف: "رهائننا وجرحانا موجودون هناك، وهم يرفضون تسليمنا أيّا منهم... إذا لم يلتزموا بالاتفاق، سنعود مرة أخرى، حتى لو أصبحت السويداء مقبرتنا". وتحول التوتر المستمر منذ فترة طويلة بين الدروز والبدو إلى اشتباكات دامية قبل أسبوع، بعدما اختطاف تاجر درزي على الطريق المؤدية إلى العاصمة دمشق. وقد ردت حكومة الرئيس المؤقت أحمد الشرع، بنشر قوات في المدينة. وقال سكان السويداء الدروز لبي بي سي إنهم شاهدوا "أعمالاً وحشية"، حيث هاجم مسلحون ( من القوات الحكومية ومقاتلين أجانب) السكان. واستهدفت إسرائيل هذه القوات، قائلة إنها كانت تفعل ذلك من أجل حماية الدروز. وانسحبت القوات الحكومية ليشتبك، بعدها، مقاتلون دروز وبدو. وقد اتهم بعضهما البعض بارتكاب فظائع خلال الأيام السبعة الماضية، بالإضافة إلى اتهامات لأفراد من قوات الأمن وكذلك أفراد تابعين للحكومة المؤقتة. وقد أعلن أحمد الشرع رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، السبت، وقف إطلاق النار وأرسل قوات أمنية إلى السويداء لإنهاء المعارك. و سيطر، مرة أخرى، مقاتلو الدروز المحليون على المدينة. لكن المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره المملكة المتحدة، أفاد بمقتل أكثر من 1120 شخصاً. وقال المرصد إن قائمة القتلى شملت 427 مقاتلاً درزياً و298 مدنياً درزياً، تم "إعدام 194 منهم ميدانياً على يد أفراد من وزارتي الدفاع والداخلية". وفي الوقت نفسه، قُتل 354 عنصرًا من قوات الأمن الحكومية و21 من البدو السنة، بينهم ثلاثة مدنيين قال المرصد إنهم "أُعدموا ميدانيًا على يد مقاتلين دروز". وأضاف أن 15 من جنود الحكومة قُتلوا في غارات إسرائيلية. وقد صرحت منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة، الأحد، بأن ما لا يقل عن 128 ألف شخص نزحوا بسبب العنف. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن مدينة السويداء تعاني من نقص حاد في الإمدادات الطبية. يأتي هذا، فيما أفادت تقارير بوصول أول قافلة إنسانية تابعة للهلال الأحمر السوري إلى المدينة. وذكرت هيئة البث الإسرائيلية الحكومية أن إسرائيل أرسلت مساعدات طبية إلى الدروز. في هذه الأثناء، طالب وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو الحكومة السورية "بمحاسبة وتقديم أي شخص ،ضالع في ارتكاب فظائع، إلى العدالة، بما في ذلك من هم في صفوفها"، للحفاظ على إمكانية أن تكون سوريا موحدة وسلمية. وفي قرية المعرب، جنوب غرب السويداء، تجمع لاجئون بدو في مكان كان في السابق مدرسة، ولا تزال القرية تحمل آثار وندبات سنوات الحرب الأهلية، المتمثلة في مبانيها المدمرة المليئة بثقوب الرصاص. وبداخل مراكز توزيع المساعدات، تجمعت نساء بدويات مسنات يجمعن الماء من خزان في جزء خلفي من شاحنة. وكان معظم المتواجدين هناك من النساء والأطفال. وعندما سؤال سيدة منهن، عما إذا كانت تعتقد أن البدو والدروز يمكنهم العيش معاً، قالت إحدى النازحات من مدينة السويداء إن هذا الأمر يعتمد على الحكومة في دمشق. وأضافت: "إنهم قادرون على العيش معاً، إذا تولت الحكومة زمام الأمور والحكم، وإذا وفرت لهم السلام والأمن". وأوضحت أنها تعتقد أن البدو لا يستطيعون الثقة بالدروز، في ظل غياب سلطة الحكومة.

الدروز والاستشراق الإسرائيلي: المرآة والكسور
الدروز والاستشراق الإسرائيلي: المرآة والكسور

القدس العربي

timeمنذ 2 أيام

  • القدس العربي

الدروز والاستشراق الإسرائيلي: المرآة والكسور

في حدود ما تعلم هذه السطور، وفوق كلّ ذي علم عليم كما يصحّ التشديد دائماً، يظلّ كتاب المؤرخ الفلسطيني القدير قيس فرّو «الدروز في الدولة اليهودية: تاريخ موجز»، الذي صدر بالإنكليزية سنة 1999 عن منشورات بريل في لايدن/ بوسطن؛ المرجع الأرفع اشتمالاً ورصانة وإنصافاً، ثمّ (ولعلها السمة الأهمّ) الأعلى نقاءً وتخلّصاً من استشراق إسرائيلي صهيوني وحكومي وأكاديمي طاغٍ بصدد الدروز في دولة الاحتلال، ونقداً وتعرية في آن معاً. وليس أكثر مواءمة من الحال الراهنة بين سوريا وائتلاف بنيامين نتنياهو لاستعادة كتاب فرّو، واستكشاف البواطن الأعمق للمزاعم الإسرائيلية حول حماية دروز جبل العرب، بالنظر إلى أنّ ما يُزعم على السطح ليس سوى أضاليل ذاتية الافتضاح، لأنّ الكيان الصهيوني الذي يواصل 21 شهراً من حرب الإبادة ضدّ الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة ليس الجهة التي تتنطح لحماية أيّ جماعة أو أقلية خارج المكوّن الصهيوني/ اليهودي في الشرق الأوسط. أو، في صياغة أخرى لمشهد التضليل الإسرائيلي الراهن: أجدر بحكومة نتنياهو، الأكثر يمينية وتطرفاً وفاشية في تاريخ الكيان، أن تضمن لدروز ما بعد النكبة، داخل دولة الاحتلال، الحدودَ الدنيا من المواطنة في ضوء «قانون الدولة القومية لليهود». ففي مقدمة كتابه يروي فرّو واقعة بالغة الدلالة، تشير إلى ما يُعرف من سياسات خافية أو معلنة تجاه دروز فلسطين ما بعد النكبة، و»تفلسف» الصهاينة روّاد تأسيس الكيان حول إفراد الدروز عن مكوّنات المجتمع الفلسطيني الأخرى. كما تسلّط ضوءاً كاشفاً، فضاحاً بدوره، على ذهنية تمييز عنصري وثقافي طبع الاستشراق الإسرائيلي، وثمة الكثير من العناصر التي تُلقي بالمستشرقين الإسرائيليين في السلّة الاستشراقية/ الاستعمارية الأوروبية، وتلك الأمريكية لاحقاً، ذاتها على وجه التقريب. الحكاية بدأت في سنة 1994 حين طلب منه رئيس تحرير مجلة «طبيعة الأشياء» الإسرائيلية، وهي دورية عبرية على غرار «ناشيونال جيوغرافيك» الأمريكية الدولية، أن يكتب مقالة عن الدروز تلائم اهتمام قرّاء يهود في الغالب؛ فأعدّ الرجل مادّة حول تاريخ الدروز وعاداتهم، بعنوان «الدروز في إسرائيل والشرق الأوسط». وبعد أسابيع، وهو في انتظار تصحيح المقال طباعياً، علم فرّو أنّ ما أرسله لم يُنشر من دون إعلامه فقط، بل تغيّر العنوان إلى «ميثاق حياة، ميثاق دمّ»، مع صور فوتوغرافية اختيرت لإبراز «إسهام» الدروز في بناء دولة الاحتلال من خلال خدمتهم في الجيش الإسرائيلي. وردّ الفعل الأوّل المندهش، يتابع المؤرخ الفلسطيني، سرعان ما انقلب إلى حال من عدم التصديق عند اكتشافه أنّ تغييرات التحرير لم تقتصر على العنوان، بل شملت النصّ بأسره، بحيث بات في العديد من النقاط معاكساً للمعنى الأصلي: الدروز، حسب التعديل، وُصفوا كـ»أمّة» بين موزاييك أمم الشرق الأوسط؛ والزعيم السنّي ضاهر العمر صار «مهتدياً» إلى العقيدة الدرزية. ونزولاً عند رسالة احتجاج شديدة اللهجة من كاتب المقالة، اكتفت المجلة بنشر اعتذار في عدد لاحق، برّر الأمر بأنّ التحرير رأى من الهامّ «إطراء الأمّة الدرزية»، لقاء «الولاء» الذي أعربت عنه لدولة الاحتلال، رغم أنّ المساواة التي وُعد بها الدروز لم تتحقق؛ الأمر الذي لم تنصّ عليه مقالة الرجل نهائياً. وبكتب فرّو: «تبيّن الحادثة بوضوح تامّ كيف تواصل وسائل الإعلام الإسرائيلية تنشئة ‹صورة ذاتية› عن الدروز في إسرائيل لا يجمعها إلا القليل مع الواقع، بل هي بالأحرى ‹الصورة› التي شكّلتها عنهم السلطات الإسرائيلية والغالبية اليهودية: بينما ما كتبتُه ينحرف عن، ويتناقض مع، ‹الصورة الذاتية› إياها، فقد كان ‹من الطبيعي فقط› أن يتدخل رئيس التحرير لـ›مراجعة› ذلك؛ أي أن يمارس السلطة على النصّ الخاصّ بي. وكان ذاك بمثابة موقف يظلّ نمطياً هنا وهناك لدى المسؤولين الإسرائيليين وما يُسمى مستشاري الحكومة، ممّن يزعمون ‹معرفة ما هو صالح وما هو طالح› للجالية الدرزية». ولا تفوت المؤرخ الفلسطيني ضرورة مساءلة الخلفية الصهيونية الأبعد وراء هذا التمثيل المفتعل، الإنشائي تماماً حسب تشخيص إدوارد سعيد لستراتيجات الخطاب الاستشراقي عموماً: «في كلمات أخرى»، يتابع فرّو، «يجري تصوير الدروز كصورة مرآة لـ«الديانة/ الجالية/ الأمّة اليهودية»، وهي صورة قيد التوظيف منذ مطلع ثلاثينيات القرن المنصرم، حين شرع الصهاينة في تأسيس صلاتهم الأولى مع الدروز. والحقّ أنّ هؤلاء الدروز/ الأمّة كانت لهم ملامح خاصة ومصير خاصّ أفردهم عن الأمم (…) هنا أيضاً، يتوحد الدين مع القومية، بحيث يصعب الفصل بينهما. وهذه، كذلك، أمّة مشابهة للأمّة اليهودية من حيث الشتات». وفي المقابل، لا يصحّ إغفال وقائع التوتر بين مجموعات درزية ومسلمة ومسيحية التي شهدتها أراضي الـ48، في الجليل تحديداً على شاكلة شفا عمرو والرامة والمغار وعيلبون وكفر ياسيف وسواها؛ أو التوترات الداخلية الدرزية ـ الدرزية في بلدات وقرى الجولان السوري المحتل، على خلفية المواقف من النظام السوري البائد أو تحوّلات سوريا ما بعد 8 كانون الأول (ديسمبر) 2024. ومن السذاجة، استطراداً، خفض مفاعيل حقيقة موازية تفيد بأنّ الاستشراق الإسرائيلي يقتات على هذه الحال حين يكون، نادراً في الواقع، بحاجة إلى ذريعة كي تعكس مرآة التحريف الصهيونية الصور الفعلية إلى نقائضها، أو إلى كسورها المتشظية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store