
الدروز والاستشراق الإسرائيلي: المرآة والكسور
وليس أكثر مواءمة من الحال الراهنة بين سوريا وائتلاف بنيامين نتنياهو لاستعادة كتاب فرّو، واستكشاف البواطن الأعمق للمزاعم الإسرائيلية حول حماية دروز جبل العرب، بالنظر إلى أنّ ما يُزعم على السطح ليس سوى أضاليل ذاتية الافتضاح، لأنّ الكيان الصهيوني الذي يواصل 21 شهراً من حرب الإبادة ضدّ الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة ليس الجهة التي تتنطح لحماية أيّ جماعة أو أقلية خارج المكوّن الصهيوني/ اليهودي في الشرق الأوسط. أو، في صياغة أخرى لمشهد التضليل الإسرائيلي الراهن: أجدر بحكومة نتنياهو، الأكثر يمينية وتطرفاً وفاشية في تاريخ الكيان، أن تضمن لدروز ما بعد النكبة، داخل دولة الاحتلال، الحدودَ الدنيا من المواطنة في ضوء «قانون الدولة القومية لليهود».
ففي مقدمة كتابه يروي فرّو واقعة بالغة الدلالة، تشير إلى ما يُعرف من سياسات خافية أو معلنة تجاه دروز فلسطين ما بعد النكبة، و»تفلسف» الصهاينة روّاد تأسيس الكيان حول إفراد الدروز عن مكوّنات المجتمع الفلسطيني الأخرى. كما تسلّط ضوءاً كاشفاً، فضاحاً بدوره، على ذهنية تمييز عنصري وثقافي طبع الاستشراق الإسرائيلي، وثمة الكثير من العناصر التي تُلقي بالمستشرقين الإسرائيليين في السلّة الاستشراقية/ الاستعمارية الأوروبية، وتلك الأمريكية لاحقاً، ذاتها على وجه التقريب.
الحكاية بدأت في سنة 1994 حين طلب منه رئيس تحرير مجلة «طبيعة الأشياء» الإسرائيلية، وهي دورية عبرية على غرار «ناشيونال جيوغرافيك» الأمريكية الدولية، أن يكتب مقالة عن الدروز تلائم اهتمام قرّاء يهود في الغالب؛ فأعدّ الرجل مادّة حول تاريخ الدروز وعاداتهم، بعنوان «الدروز في إسرائيل والشرق الأوسط». وبعد أسابيع، وهو في انتظار تصحيح المقال طباعياً، علم فرّو أنّ ما أرسله لم يُنشر من دون إعلامه فقط، بل تغيّر العنوان إلى «ميثاق حياة، ميثاق دمّ»، مع صور فوتوغرافية اختيرت لإبراز «إسهام» الدروز في بناء دولة الاحتلال من خلال خدمتهم في الجيش الإسرائيلي.
وردّ الفعل الأوّل المندهش، يتابع المؤرخ الفلسطيني، سرعان ما انقلب إلى حال من عدم التصديق عند اكتشافه أنّ تغييرات التحرير لم تقتصر على العنوان، بل شملت النصّ بأسره، بحيث بات في العديد من النقاط معاكساً للمعنى الأصلي: الدروز، حسب التعديل، وُصفوا كـ»أمّة» بين موزاييك أمم الشرق الأوسط؛ والزعيم السنّي ضاهر العمر صار «مهتدياً» إلى العقيدة الدرزية. ونزولاً عند رسالة احتجاج شديدة اللهجة من كاتب المقالة، اكتفت المجلة بنشر اعتذار في عدد لاحق، برّر الأمر بأنّ التحرير رأى من الهامّ «إطراء الأمّة الدرزية»، لقاء «الولاء» الذي أعربت عنه لدولة الاحتلال، رغم أنّ المساواة التي وُعد بها الدروز لم تتحقق؛ الأمر الذي لم تنصّ عليه مقالة الرجل نهائياً.
وبكتب فرّو: «تبيّن الحادثة بوضوح تامّ كيف تواصل وسائل الإعلام الإسرائيلية تنشئة ‹صورة ذاتية› عن الدروز في إسرائيل لا يجمعها إلا القليل مع الواقع، بل هي بالأحرى ‹الصورة› التي شكّلتها عنهم السلطات الإسرائيلية والغالبية اليهودية: بينما ما كتبتُه ينحرف عن، ويتناقض مع، ‹الصورة الذاتية› إياها، فقد كان ‹من الطبيعي فقط› أن يتدخل رئيس التحرير لـ›مراجعة› ذلك؛ أي أن يمارس السلطة على النصّ الخاصّ بي. وكان ذاك بمثابة موقف يظلّ نمطياً هنا وهناك لدى المسؤولين الإسرائيليين وما يُسمى مستشاري الحكومة، ممّن يزعمون ‹معرفة ما هو صالح وما هو طالح› للجالية الدرزية».
ولا تفوت المؤرخ الفلسطيني ضرورة مساءلة الخلفية الصهيونية الأبعد وراء هذا التمثيل المفتعل، الإنشائي تماماً حسب تشخيص إدوارد سعيد لستراتيجات الخطاب الاستشراقي عموماً: «في كلمات أخرى»، يتابع فرّو، «يجري تصوير الدروز كصورة مرآة لـ«الديانة/ الجالية/ الأمّة اليهودية»، وهي صورة قيد التوظيف منذ مطلع ثلاثينيات القرن المنصرم، حين شرع الصهاينة في تأسيس صلاتهم الأولى مع الدروز. والحقّ أنّ هؤلاء الدروز/ الأمّة كانت لهم ملامح خاصة ومصير خاصّ أفردهم عن الأمم (…) هنا أيضاً، يتوحد الدين مع القومية، بحيث يصعب الفصل بينهما. وهذه، كذلك، أمّة مشابهة للأمّة اليهودية من حيث الشتات».
وفي المقابل، لا يصحّ إغفال وقائع التوتر بين مجموعات درزية ومسلمة ومسيحية التي شهدتها أراضي الـ48، في الجليل تحديداً على شاكلة شفا عمرو والرامة والمغار وعيلبون وكفر ياسيف وسواها؛ أو التوترات الداخلية الدرزية ـ الدرزية في بلدات وقرى الجولان السوري المحتل، على خلفية المواقف من النظام السوري البائد أو تحوّلات سوريا ما بعد 8 كانون الأول (ديسمبر) 2024. ومن السذاجة، استطراداً، خفض مفاعيل حقيقة موازية تفيد بأنّ الاستشراق الإسرائيلي يقتات على هذه الحال حين يكون، نادراً في الواقع، بحاجة إلى ذريعة كي تعكس مرآة التحريف الصهيونية الصور الفعلية إلى نقائضها، أو إلى كسورها المتشظية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


BBC عربية
منذ 2 أيام
- BBC عربية
ليست رأس الهرم الديني، ماذا نعرف عن "مشيخة العقل" لدى الدروز؟
بعد الاشتباكات الدامية الأخيرة في السويداء بسوريا، حيث الكثافة السكانية الدرزية، برز اسما الزعيمين الدرزيين الشيخ يوسف جربوع، والشيخ حكمت الهجري، وكلاهما يحمل اللقب الديني شيخ العقل، إضافة إلى الشيخ سامي أبو المنى. فماذا تعني "مشيخة العقل"؟ ومتى نشأت؟ ولماذا؟ العقل لدى الدروز جاء في كتاب "مناقب الدروز في العقيدة والتاريخ" للدكتور سامي أبو شقرا نقلاً عن الشيخ عبد الغفار تقي الدين قوله: "لقد جعل الله للوجود علة وسبباً يتنزه به عن المباشَرة لإبداع الكائنات بذاته، هذه العلة هي العقل". ويقول شيخ العقل السابق في لبنان، نعيم حسن، إن العقل بالنسبة للموحدين "هو في المحل الأرفع، يقترن بالشرع الحق ويقود الإنسان بنوره". وأضاف في كتابه (الدليل إلى التوحيد) أن الدروز يُطلقون لقب "العقّال" على من وَعَوا عن الله أمره ونهيه وعملوا بمراده، وآمنوا أن العقل يجب أن يتوافق مع الشرع. ويقول سعيد أبو زكي، أستاذ التاريخ والأخلاق بالجامعة اللبنانية الأمريكية، إنه كان يطلق على المتدينين "العُقّال" ومفردها عاقل، على عكس "الجُهّال". ولا يقتصر لقب العُقال على الرجال، حيث يُطلق أيضاً على المرأة الدرزية المتدينة "العاقلة". وهناك "نساء عاقلات يبرزن بالتقوى والفضيلة الدينية، فيُكرّمن ويُقصدن أحياناً للمشورة، ويطلق عليهن لقب الست"، بحسب أبو زكي الباحث في تاريخ الدروز. وذكر أبو زكي في حديث خاص لبي بي سي أنه عند وفاة إحدى هؤلاء العاقلات، يُدفنّ بمدفن خاص، وتُنصَب عليه شواهد تذكر بعض فضائلهن، فيصبح مزاراً دينياً، ضارباً مثالاً بالست فاخرة البعيني من قرية مزرعة الشوف في القرن التاسع عشر؛ ومع ذلك فالدرزيات لا يتقلدن مناصب لا روحية ولا قانونية. ويؤكد أبو زكي، مؤلف كتاب "مشيخة عقل الدروز في لبنان: بحث في أصولها ومعناها وتطورها"، على أن المنصب الديني يرجع إلى "مسلك العقل"، وهو المسلك الديني الروحي لدى الدروز، الذي يُعنى بـ"تنمية وتهذيب الطبيعة العاقلة لدى الإنسان وإيصالها إلى كمالها". ما الحاجة إلى مشيخة العقل؟ ظهرت فكرة "مشيخة العقل" خلال الحقبة العثمانية في لبنان، في القرن الثامن عشر، وكان يطلق على كل مرجعية دينية في قرية أو منطقة؛ حيث كان جبل لبنان مقسماً إلى مقاطعات بها مجموعة من القرى، وكان في كل قرية مرجعية أو أكثر. ويقول أبو زكي، وهو أيضاً باحث في تاريخ الدروز، إن لقب "شيخ العُقّال" بدأ يظهر في المصادر اللبنانية للدلالة على المرجعيات الدينية لدى دروز جبل لبنان. وفي القرن التاسع عشر صار يمسى "الرئيس الروحي". وبعدها حدث تطور سياسي؛ حيث بدأ الدروز يفقدون الحكم في جبل لبنان بعد عام 1825، وحاول الأمير بشير الثاني الشهابي، الذي حكمت سلالته لبنان ما بين (1247-1697)، إدخال نفوذه على الرئاسة الروحية. وبحسب أبو زكي، كان رد فعل الدروز أنهم أنشأوا "مشيخة عقل" كمنصب له وظائف إدارية محدّدة تختص بالأوقاف والأحوال الشخصية، وحيّدوا الرئاسة الروحية، التي هي الولاية الدينية، عن اللقب. ويقول المؤرخ اللبناني الدكتور صالح زهر الدين في كتابه (تاريخ المسلمين الموحدين الدروز)، إن "مشيخة العقل من المناصب الكبرى الحساسة والمسؤولة في البلاد؛ حيث كان يهابها الحكام، خاصة الشهابيون؛ لأهميتها وتأثيرها ووزنها الفاعل على كل الصُعد". ومع ذلك، يقول أبو زكي إن لقب "شيخ العقل" لم يشع استعماله داخلياً لدى الدروز إلا بعد عام 1861، خلال الحكم "المُتصرّفي"، وهو نظام حكم أقرته الدولة العثمانية بعد ما يعرف بالفتنة الطائفية الكبرى بين الدروز والموارنة. هل هو رأس الهرم الديني؟ يقول الشيخ يوسف جربوع، شيخ عقل الدروز في سوريا، في حديث خاص لبي بي سي إن مشيخة العقل هي رأس الهرم الرّوحي لطائفة الموحدين الدروز، وشيوخها هم أئمة هذه الطائفة، أو بمعنى آخر هم "المرجعية الدينية العليا" لديهم. في المقابل، يؤكد سعيد أبو زكي، الأكاديمي والباحث المتخصص في تاريخ الدروز، أن مشيخة العقل تأتي حالياً في المرتبة الثالثة في الهرم الديني لدى الدروز؛ فهو "شيخ يُنتدب من قبل رجال الدين". وتأتي في المرتبة الثانية طبقة من الشيوخ تلبس عباءة خاصة مقلمة باللونين الأبيض والأسود، تميزها عن بقية رجال الدين، ولا يُطلق عليهم لقب بعينه، لأنه بحسب أبو زكي فإن رجال الدين الدروز لديهم "نفور من الألقاب" بشكل عام. أما رأس الهرم الديني لدى دروز لبنان، ولدى الكثير من الدروز في المنطقة حالياً، فهو الشيخ أمين الصايغ، وليس له لقب رسمي، لكنه يعد فعلياً المرجع الروحي الأعلى. ويختار الرئيس الروحي الأعلى أو رأس الهرم الروحي هؤلاء الشيوخ من المرتبة الثانية؛ "حيث يقدم في نواحي بلاده بعض الأعيان بآلية بسيطة غير محددة تنسجم مع تعلقهم بالزهد". وضرب الباحث اللبناني مثالاً كأن يدعو المرجع الأعلى إلى عقد حلقة ذكر في إحدى خلوات البلاد، وعند اكتمال الوفود، يتوجه إليهم بخطاب ديني قصير يبرز فيه فضل واحد أو أكثر من المشايخ الحاضرين، بالاستناد إلى فضيلتهم الدينية. ويطلب هذا الإمام الأعلى من هؤلاء المُختارين لبس العباءة المقلمة، فتتحقق بذلك فكرة "الإشهار"؛ لكن أبو زكي يقول إن إقناع هؤلاء الشيوخ بقبول العباءة غالباً ما تكون مسألة صعبة؛ لتخوفهم من الجاه الاجتماعي المرافق. ويعد هؤلاء الشيوخ "مرجعيات عرفية" كما يقول الباحث اللبناني، حيث يثق الناس في تجردهم الديني وحكمتهم، كما يرجع إليهم القادة السياسيون. وتتمحور وظيفتهم حول رعاية النشأة الروحية في مسلك العقل، كل في حيزه الجغرافي، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود. وفي الوقت الذي يُتوارث فيه لقب "شيخ العقل" في عائلات محددة، إلا أن الرئاسة الروحية العليا لا تعرِف الوراثة، كما يقول أبو زكي، كما تغيب عنها الأضواء الإعلامية. شيوخ العقل في بلاد الشام بالنسبة للبنان، يتولى منصب مشيخة العقل في الوقت الحالي الدكتور سامي أبو المنى، الذي اختِير للمنصب عام 2012، بعد إعلان من الشيخ نعيم حسن لانتخاب شيخ عقل جديد لطائفة الموحدين الدروز، خلفاً له. وتضم مشيخة العقل في لبنان حالياً شيخ عقل واحد يتمتّع بالحقوق والامتيازات ذاتها التي يتمتّع بها رؤساء الطّوائف اللّبنانيّة الأُخرى، من غير استثناء أو تمييز، بحسب نص القانون الصادر عام 2006. أما في السابق، فكان هناك شيخا عقل: شيخ للفئة الجنبلاطية، وشيخ للفئة اليزبكية من الدروز، لرعاية الأوقاف الدينية لعُقّال الدروز، وكهيئة إشراف على تطبيق الأحوال الشخصية عند قضاة المذهب، أي كهيئة استئناف، بحسب أبو زكي. ويُعدّ القبول بمنصب شيخ العقل تنازلاً نهائياً من صاحب المنصب عن أي وظيفة أو مهنة أو حرفة؛ فلا يجوز قانونياً الجمع بين منصب شيخ العقل وأيّ منصب آخر من أيّ نوع كان، باستثناء المناصب الفخرية. ويتولّى شيخ العقل رعاية شؤون طائفة الموحّدين الدّروز الرّوحيّة، وإدارة مصالحها الدينية والاجتماعية، كما يمثّلها رسمياً لدى السلطات العامة وبقية الطوائف. وتساعده في تنفيذ مسؤوليّاته هيئة دينية استشارية تتكون من ستة شيوخ، يعينهم شيخ العقل خلال الشهر الأول من تاريخ تسلمه مهام منصبه، على ألا تربطه بأي منهم علاقة ما أو صِلة قربى حتى الدّرجة الرابعة. ومع ذلك، يقول سعيد أبو زكي إن هذا القانون "يعبر عن الواقع التنظيمي لمنصب شيخ العقل، لكن التنظيم الديني الحقيقي، يقع خارج مجال هذا القانون، فهو تنظيم عرفي روحي. ولا يُسمح لشيخ العقل بالتدخل بالقرارات الدينية التي هي من اختصاص مشايخ البلاد". أما في سوريا، فيقول الشيخ يوسف جربوع، في حديث خاص لبي بي سي إن الحاجة إلى مشيخة عقل في سوريا ظهرت بعد هجرة بعض الدروز إليها، وتحديداً إلى جبل العرب أو جبل حوران قبل نحو 300 عام. ومع ذلك، فإن بداية وجود الدروز هناك لم تكن تستدعي وجود مرجعية أو مشيخة، نظراً لقلة عددهم، بحسب شيخ العقل الذي تحدث لبي بي سي. ويقول الكاتب تيسير أبو حمدان في كتابه "الدروز مسلكاً ومعتقداً" إن الحاجة إلى المرجع الروحي في جبل العرب، ظهرت عندما وجد حاكم الجبل حمدان الحمدان أنه لا بد من وجود من يتولى أمور الطائفة دينياً ويرعى شؤونها الشخصية. وقد وقع الاختيار على الشيخ ابراهيم الهجري، "لنبوغه وصلاحه وتقواه"، بحسب أبو حمدان، ليصبح مؤسس الرئاسة الروحية في الجبل، وتصبح بلدته (قنوات) المركز الديني للطائفة في الجبل وكان ذلك عام 1803. وقد ظل الشيخ إبراهيم الهجري الشيخ الروحي الأوحد طيلة حياته؛ لكن بعد وفاته، اختار الدروز عائلتين أخريين هما عائلة جربوع من مدينة السويداء، وعائلة الحناوي من بلدة (سهوة بلاطة)، إلى جانب عائلة الهجري. حكمت الهجري: المرجع الديني الذي تحوّل إلى خصم للشرع من هم دروز سوريا؟ ومن أبرز قادتهم؟ من هو قائد الثورة السورية الكبرى ورمز الكفاح ضد الاستعمار؟ وقد توارثت العائلات الثلاثة المشيخة، باختيار الزعماء والحاضرين من هو أصلح من أسرة المتوفي، بإلباسه عمامة وعباءة المشيخة في يوم الوفاة أو بعدها بقليل. وبحسب أبو زكي، فقد تمركزت مشيخة آل الهجري في قنوات والريف الشمالي والغربي للسويداء، في حين استقرت مشيخة آل حناوي في سهوة البلاط والريف الجنوبي، أما مشيخة آل جربوع فهي في مدينة السويداء والقرى المجاورة. ويضيف أبو زكي أن دروز جبل حوران، اصطلحوا على تراتبية اجتماعية عرفية تضع مشيخة آل هجري في المقام الأول، ثم مشيخة آل جربوع في المقام الثاني، وبعدها مشيخة آل حنّاوي في المقام الثالث، وهي تراتبية معنوية لا دخل لها في الوظائف الدينية والاجتماعية والسياسية التي يتساوى فيها الثلاثة. وتشير المصادر التاريخية في القرن التاسع عشر، إلى كون مشيخة آل هجري لها المكانة الأولى بين الثلاثة، وهو ما يفسر اللقب الرسمي الذي يستعمله الشيخ حكمت الهجري في وقتنا الحالي، باعتباره "الرئيس الروحي لطائفة المسلمين الموحدين الدروز" وهو لقب لا يستعمله شيخا العقل الآخران، بحسب الباحث اللبناني أبو زكي. كما عرفت أرض فلسطين التاريخية، الديانة الدرزية قبل نحو 1000 عام، بحسب أبو زكي. وقد اعترفت إسرائيل بالطائفة الدرزية كطائفة مستقلة عام 1957، فأنشِئت رئاسة روحية بنفس مفهوم شيخ العقل، برئاسة الشيخ أمين طريف، الذي جمع بين هذا المفهوم وبين كونه المرجعية الدينية العليا للدروز هناك، كما يقول الباحث اللبناني أبو زكي، وهو جد الشيخ موفّق طريف، الرئيس الروحي الحالي للدروز في إسرائيل. وأخيراً هناك الرئاسة الروحية لعدد قليل من الدروز في الأردن، في مناطق مثل الأزرق ووادي السرحان، قبل أن ينتقل بعضهم إلى عمّان والمناطق الحضرية الأخرى مع تَشكُّل الدولة. ويقول الكاتب اللبناني فاروق غانم خدّاج، في مقال له إن معظم دروز الأردن "جاءوا من جبل الدروز في سوريا ومن فلسطين، بحثاً عن الاستقرار في ظل ظروف سياسية متقلبة". ويرأس دروز الأردن حالياً الشيخ أبو أشرف عجاج مهنّا عطا، الذي تعد مشيخته مشيخة دينية واجتماعية سياسية، بحسب أبو زكي، الذي أضاف لبي بي سي أنه بحسب الموروث الشفهي المحلي، فإن جده الكبير، كان أول من استوطن الزرقاء في شمال الأردن وأسس لتوطن الدروز هناك في أواخر القرن الثامن عشر. وهناك تعاون بين مشيخة عقل الدروز في الدول المختلفة، وهو "تعاون ديني عقائدي واجتماعي" مع الحفاظ على استقلال كل منطقة بإدارة شؤونها بنفسها، على حد تعبير الشيخ يوسف جربوع، شيخ عقل سوريا. وقال الشيخ جربوع لبي بي سي إن "ذلك يرجع إلى كون كل مرجعية تخضع لأنظمة سياسية مختلفة في البلدان الثلاثة"، مؤكداً أن كل مرجعية لم تتدخل في الشؤون السياسية الداخلية للمرجعيات الأخرى، رغم أن البرنامج العقائدي واحد. ومن أوجه التواصل بين المؤسسات الدرزية في مختلف الدول، ما ذكره أبو زكي أنه في عام 1934، حدثت أزمة في فلسطين ضد الشيخ أمين طريف، جد الشيخ الحالي، فبادر أعيان مشايخ لبنان إلى الصلح وحل الأزمة. وفي عام 1947، عندما حدث نزاع داخلي بين دروز جبل حوران فيما عُرف بالثورة الشعبية الثانية ضد بيت الأطرش، سافر الشيخ أمين طريف إلى دمشق لحل النزاع وحقن دماء الدروز.


القدس العربي
منذ 7 أيام
- القدس العربي
صحيفة إسرائيلية: بعد قصف هيئة الأركان السورية.. لكاتس: فتحت علينا حساباً دموياً
بعين مفتوحة وبحماسة لا يمكن إخفاؤها، لكن بدون تفكير عميق ولمدى بعيد، تسير إسرائيل لتغرق في تدخل في حروب طائفية وقبلية عبثية لا نهاية لها في سوريا. ثمة تغريدة في شبكة 'X' فيها شريط مسجل لقصف سلاح الجو الإسرائيلي لمبنى هيئة الأركان السورية، لكن يجدر بوزير الدفاع أن يتذكر بأن مهمته هي بلورة استراتيجية أمنية وليس نشر تغريدات محرجة بالشبكة، إلا إذا كان هدف الخطوات التي يكلف الجيش الإسرائيلي بتنفيذها هي بالفعل التغريدة والإعجابات. إسرائيل قوة إقليمية عظمى ذات أهمية ومكانة، ولديها قوة عسكرية استعرضتها ضد أعدائها، لكن حتى للقوة العظمى قيود يجب الوعي لها. فهي غير قادرة على تنفيذ كل شيء تريده أو يروق لها، بل عليها أن تفكر بالربح والخسارة وبالأثمان، وأساساً تلك التي للمدى البعيد. كل هذه الاعتبارات لم تفكر بها إسرائيل أو لم تأخذها بالحسبان حين خرجت إلى المغامرة المشكوك فيها في سوريا الأسبوع الماضي. هذه مغامرة مشكوك فيها لأن أحداً من زعماء الدروز في سوريا لم يطلب معونتنا، وبدلاً من ذلك يعودون ليشددوا انتماءه للدولة السورية ورغبتهم في التوصل إلى تفاهم مع النظام الذي يحكم في الدولة. دروز سوريا لا يريدون دولة مستقلة لهم، ناهيك عن أنه لا يوجد لمثل هذا الكيان قدرة وجود مستقلة على نحو منقطع عن الدولة السورية. كما أنهم يعرفون أفضل منا انعدام جدوى التدخل الإسرائيلي إلى جانبهم الذي لن يؤدي إلى أي تغيير حقيقي في واقع حياتهم، بل سيعرضهم للخطر. إن كل من تعلم أو يعرف تاريخ المنطقة السورية لمئات السنين الأخيرة، -وهو ما لا يمكن قوله عن أصحاب القرار عندما- يعرف شيئاً ما عن الصراعات والنزاعات الإثنية والقبلية التي تتميز بها هذه المنطقة، والتي لا بداية ولا نهاية لها، وتعود لتأتي على لا شيء في كل بضع سنوات. قصر النظر إياه، وأساساً إحساس القوة الذي ليس وراءه أي تفكير، أغرقنا في العام 1982 في حرب ووحل في لبنان، كلفنا ثمناً باهظاً ولم ننجُ منه حتى اليوم. كان هذا هو الرئيس ترامب الذي غرد في نهاية ولايته السابقة بأن سوريا هي 'رمل وموت'، وأن الخطأ الأكبر الذي يمكن للولايات المتحدة ارتكابه هو التدخل في النزاعات القبلية والطائفية. أقوال ترامب مهمة؛ وهو اليوم صاحب القرار نيابة عنا أيضاً. يمكن لإسرائيل أن تلعب لعبة التظاهر، وكأنها دولة مستقلة. لكن قراراتها تتخذ من ترامب في البيت الأبيض. هكذا أوقفنا من الهجوم على إيران، وهكذا أوقفنا من مواصلة الهجوم على سوريا. كم من المياه تدفقت في نهر الأردن منذ أعلن مناحيم بيغن بأننا لسنا جمهورية موز، تقول آمين بعد كل شيء يقوله الأمريكيون. كان هذا عندما وبخه الرئيس ريغان بسبب قصف المفاعل الذري في حزيران 1981. لكنا أصبحنا اليوم جمهورية موز متعلقة تماماً بإرادة ونزوات رئيس الولايات المتحدة. لقد تبنى ترامب أحمد الشرع، ويرى فيه شريكاً وحليفاً جديراً. هو مستعد أن يتجاهل ماضي الرجل وحقيقة أن رؤياه دولة إسلامية، مثل السعودية أو الإمارات التي تكون فيها الأقليات غير مرغوب فيها. الشرع من جهته مستعد للتحدث معنا، وفي الحديث معه، وبإسناد أمريكي، كان يمكن أن نضمن ليس فقط مصالح إسرائيل، بل أيضاً مصالح أبناء الطائفة الدرزية في سوريا. لكن بدلاً من هذا، استخدمت إسرائيل القوة مكان العقل، وعندما يترسب الغبار يتبين أننا لم نغير ميزان القوى ووضع الأمور في هذه الدولة، لكننا فتحنا جبهة وحساباً دموياً زائداً سيجبي منا لاحقاً ثمناً باهظاً. إيال زيسر إسرائيل اليوم 20/7/2025


BBC عربية
٢١-٠٧-٢٠٢٥
- BBC عربية
مسلحون من عشائر البدو في سوريا: "نلتزم بوقف إطلاق النار مع الدروز لكن يمكن أن نعود للقتال"
قال مسلحون من عشائر البدو في جنوب سوريا لبي بي سي إنهم سيلتزمون بوقف إطلاق النار مع الدروز هناك، لكنهم لم يستبعدوا استئناف الاشتباكات. وقد انسحب مقاتلو العشائر البدوية من المدينة إلى القرى المحيطة بها في المحافظة، بعد أسبوع من اشتباكات طائفية دامية بين مقاتلين دروز، ومسلحين من البدو، والقوات الحكومية، مع قيام إسرائيل بشن غارات جوية دعماً للدروز. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره المملكة المتحدة، يوم الأحد، إن هناك "هدوءاً حذراً" في المنطقة، لكنه صرّح في وقت لاحق بأن مقاتلين من العشائر هاجموا قرى. ومن بلدة المزرعة الدرزية، التي كان يسيطر عليها مقاتلو البدو الأسبوع الماضي وأصبحت الآن تحت سيطرة الحكومة، يمكن رؤية الدخان يتصاعد عبر الحقول من مدينة السويداء. عند نقطة تفتيش قريبة من البلدة، كان عشرات من عناصر الأمن الحكومي يقفون على امتداد الطريق، جميعهم مدججون بالسلاح ويمنعون البدو من العودة إلى مدينة السويداء. وعلى الطريق، احتشد مئات من مقاتلي البدو، وبدأ عدد منهم بإطلاق النار في الهواء. وكانوا يطالبون بالإفراج عن الجرحى من أبنائهم الذين ما زالوا في مدينة السويداء، ويصفونهم بالرهائن. وقالوا إنه إذا لم يتم الإفراج عنهم، فإنهم سيجتازون الحاجز بالقوة ويعودون إلى المدينة. وتحدث أحد شيوخ العشائر إلى بي بي سي قائلاً: "لقد فعلنا ما أمرتنا به الحكومة، ونحن ملتزمون بالاتفاق وبكلامها، وقد عدنا، والسويداء تبعد 35 كيلومتراً من هنا". وأضاف: "رهائننا وجرحانا موجودون هناك، وهم يرفضون تسليمنا أيّا منهم... إذا لم يلتزموا بالاتفاق، سنعود مرة أخرى، حتى لو أصبحت السويداء مقبرتنا". وتحول التوتر المستمر منذ فترة طويلة بين الدروز والبدو إلى اشتباكات دامية قبل أسبوع، بعدما اختطاف تاجر درزي على الطريق المؤدية إلى العاصمة دمشق. وقد ردت حكومة الرئيس المؤقت أحمد الشرع، بنشر قوات في المدينة. وقال سكان السويداء الدروز لبي بي سي إنهم شاهدوا "أعمالاً وحشية"، حيث هاجم مسلحون ( من القوات الحكومية ومقاتلين أجانب) السكان. واستهدفت إسرائيل هذه القوات، قائلة إنها كانت تفعل ذلك من أجل حماية الدروز. وانسحبت القوات الحكومية ليشتبك، بعدها، مقاتلون دروز وبدو. وقد اتهم بعضهما البعض بارتكاب فظائع خلال الأيام السبعة الماضية، بالإضافة إلى اتهامات لأفراد من قوات الأمن وكذلك أفراد تابعين للحكومة المؤقتة. وقد أعلن أحمد الشرع رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، السبت، وقف إطلاق النار وأرسل قوات أمنية إلى السويداء لإنهاء المعارك. و سيطر، مرة أخرى، مقاتلو الدروز المحليون على المدينة. لكن المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره المملكة المتحدة، أفاد بمقتل أكثر من 1120 شخصاً. وقال المرصد إن قائمة القتلى شملت 427 مقاتلاً درزياً و298 مدنياً درزياً، تم "إعدام 194 منهم ميدانياً على يد أفراد من وزارتي الدفاع والداخلية". وفي الوقت نفسه، قُتل 354 عنصرًا من قوات الأمن الحكومية و21 من البدو السنة، بينهم ثلاثة مدنيين قال المرصد إنهم "أُعدموا ميدانيًا على يد مقاتلين دروز". وأضاف أن 15 من جنود الحكومة قُتلوا في غارات إسرائيلية. وقد صرحت منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة، الأحد، بأن ما لا يقل عن 128 ألف شخص نزحوا بسبب العنف. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن مدينة السويداء تعاني من نقص حاد في الإمدادات الطبية. يأتي هذا، فيما أفادت تقارير بوصول أول قافلة إنسانية تابعة للهلال الأحمر السوري إلى المدينة. وذكرت هيئة البث الإسرائيلية الحكومية أن إسرائيل أرسلت مساعدات طبية إلى الدروز. في هذه الأثناء، طالب وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو الحكومة السورية "بمحاسبة وتقديم أي شخص ،ضالع في ارتكاب فظائع، إلى العدالة، بما في ذلك من هم في صفوفها"، للحفاظ على إمكانية أن تكون سوريا موحدة وسلمية. وفي قرية المعرب، جنوب غرب السويداء، تجمع لاجئون بدو في مكان كان في السابق مدرسة، ولا تزال القرية تحمل آثار وندبات سنوات الحرب الأهلية، المتمثلة في مبانيها المدمرة المليئة بثقوب الرصاص. وبداخل مراكز توزيع المساعدات، تجمعت نساء بدويات مسنات يجمعن الماء من خزان في جزء خلفي من شاحنة. وكان معظم المتواجدين هناك من النساء والأطفال. وعندما سؤال سيدة منهن، عما إذا كانت تعتقد أن البدو والدروز يمكنهم العيش معاً، قالت إحدى النازحات من مدينة السويداء إن هذا الأمر يعتمد على الحكومة في دمشق. وأضافت: "إنهم قادرون على العيش معاً، إذا تولت الحكومة زمام الأمور والحكم، وإذا وفرت لهم السلام والأمن". وأوضحت أنها تعتقد أن البدو لا يستطيعون الثقة بالدروز، في ظل غياب سلطة الحكومة.