logo
تجاذبات العلم والسياسة: "ناسا" بين الطموحات المؤجلة والاتهامات بالتضليل

تجاذبات العلم والسياسة: "ناسا" بين الطموحات المؤجلة والاتهامات بالتضليل

Independent عربية٢٩-٠٤-٢٠٢٥

بعد عقود من الوعود بالعودة إلى سطح القمر، لم تتمكن وكالة الفضاء الحكومية الأميركية (ناسا) من إنجاز رحلة مأهولة بشرياً بعد رحلة "أبولو 11" عام 1969. ولذلك قادت "سبايس إكس" وهي شركة فضاء أميركية خاصة يملكها الملياردير ورجل الأعمال إيلون ماسك، مشاريع الفضاء نحو المريخ. ووعدت "سبيس إكس" الأميركيين بالمشي على سطح الكوكب الأحمر قريباً. وفي هذا السياق عد كثر إصلاحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب القاسية للوكالة الحكومية، رسالة في الاتجاه الذي يلوم "ناسا" ضمنياً على تشتيت وتضليل الجماهير لعقود من الزمن، من خلال مشاريع وهمية. فترمب قرر تغيير زعامة "ناسا" وإقالة عشرات العلماء، وإلغاء مهام رئيسة عدة أنفقت عليها الوكالة العملاق مليارات الدولارات من دون طائل، إلى جانب تغيير زعامة الوكالة العلمية واستبدالها برجل الأعمال ومستثمر رحلات "سبيس إكس" غاريد إيزاكمان. لذلك تساءل كثر عن دور علماء الفلك في "ناسا"، إذ بات من الصعب على كثير من الناس تصديق بعض الأفكار الجامحة حول غزو الفضاء مرة أخرى. وللإجابة عن هذا السؤال، كان لا بد من تقصي الحقائق، إذ لم يثبت أن "ناسا" ضللت جمهورها طوال هذه الفترة وذلك وفقاً لمتخصصين في هذا المجال وقصص عدة نشرت في مواقع علمية تهتم بالفضاء سنورد أهمها. وتقول هذه القصص والمواقع إن ما جعل كثراً يفكرون في ذلك هو تراجع أداء "ناسا" كثيراً منذ انتهاء فترة التنافس بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي خلال حقبة الفضاء الذهبية في بداية النصف الثاني من القرن الماضي.
صرح الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأنه يؤيد طموحات المريخ التي تبنتها "سبيس إكس" أكثر من طموحات "ناسا" (بيكسباي)
انقسام حاد
انقسمت المواقع العلمية والأقلام التي تملك باعاً وخبرة في مجال الفضاء حول دور وتجربة "ناسا" انقساماً يمكن وصفه بـ"الحاد"، إذ دافع بعض المتحيزين لدور الوكالة بضراوة عنها، فيما شكك آخرون بدورها وأبحاثها ونكروا حتى فكرة هبوط الإنسان على القمر. ويرى الكاتب جوي إسبوزيتو في مقالة بعنوان "15 شائعة حققنا فيها حول ناسا" على موقع:www.snopes.com أن طبيعة استكشاف "ناسا" للمجهول تثير في النفس سحراً لا مثيل له لدى جمهورها، إذ لا تزال الصور والبيانات المرسلة إلى الأرض من البعثات الاستكشافية تثير اهتمام الجمهور، فيما نشر موقع آخر هو www.ibtimes.sg تقريراً بقلم برابهات رانجان ميشر تحت عنوان: "ناسا" تعترف بأن هبوط الإنسان على القمر كان زائفاً، الأميركيون "لم يذهبوا إلى القمر عام 1969". وذلك في 20 يوليو (تموز) 2022، وانتشر التقرير الإخباري على نطاق واسع بعدما نشرته صحف أخرى. وأكد التقرير أن "أي شخص يعمل في مجال الفضاء أو لديه أي معرفة بعلم الصواريخ قد أقر سراً بأن الأمر برمته كان مجرد تمثيلية. فلماذا لا يتحدث أحد عن هذا؟". بدوره نشر موقع USA TODAY فيديو معدلاً لدحض ادعاء خطأ روج له بعض المشككين بدور "ناسا"، الذي زعم صاحبه أن الوكالة استخدمت مونتاجاً رديئاً لتزييف حقائق الفضاء، وقام بتدقيق الحقائق على هذا الفيديو واحد من العاملين بالموقع وهو غابرييل سيتل.
تجاوزات وتأخير
ما لا يختلف عليه هو حقيقة أن "ناسا" تأخرت كثيراً في تحقيق كثير من وعودها للبشرية وأهمها العودة برحلات مأهولة للقمر وذلك لأسباب وتبريرات عدة لم تعد مقبولة لدى شريحة واسعة من جمهورها. وتشير الصحافية كاترينا سيروهينا إلى أن "ناسا" أقرت عام 2024 بأن كلف بعض مشاريعها تجاوزت الموازنة الأولية بكثير، وواجهت تأخيرات كبيرة، وأنها سعت لمعالجة هذا الأمر من خلال التواصل مع قطاع الفضاء التجاري ومنظمات أخرى لطلب مقترحات في شأن مناهج أكثر فاعلية لتنفيذ بعض برامجها. جاء ذلك في تقرير نشر منتصف الشهر الجاري على موقع "RBC Ukraine" في المملكة المتحدة تحت عنوان: ترمب يريد خفض تمويل "ناسا"... التلسكوبات وبعثات المريخ في خطر. وتقول سيروهينا: كان من المقرر إطلاق تلسكوب رومان بحلول مايو (أيار) 2027، بموازنة إجمالية للمهمة قدرها 4.3 مليار دولار. وقد جمع التلسكوب فعلاً ويخضع للاختبار في مركز "جودارد" لرحلات الفضاء التابع لـ"ناسا"، مما يعني أنه من المحتمل إطلاقه في خريف 2026.
فشلت "ناسا" في أهم أهدافها وهي إعادة الرحلات المأهولة إلى القمر (بيكسباي)
تلميح أم تصريح؟
في السياق ذاته نشر موقع "Climate Cosmos" مقالة بقلم والتر إيزاكسون وهو كاتب متخصص حاصل على ماجستير علوم أنظمة الفضاء، تحت عنوان: اختيارات ترمب لـ"ناسا". إذ تلمح تلك الاختيارات وفق الموقع إلى أن الرئيس الأميركي يؤيد طموحات المريخ التي تبنتها "سبايس إكس" أكثر من طموحات "ناسا" التي ركزت خلال العقود الخمسة الماضية على إعادة البشر إلى القمر. وفي هذا السياق، تأتي القيادة الجديدة لـ"ناسا" لتفرض رؤيتها في خطوة فاجأت كثيرين. إذ عين الرئيس ترمب مديراً جديداً لـ"ناسا"، مما يشير إلى تحول في التركيز نحو استكشاف المريخ. ومن المتوقع أن يضفي هذا القائد الجديد، بخبرته الواسعة في هندسة الطيران والفضاء وخبرته السابقة في "ناسا"، منظوراً جديداً على الوكالة، ليتماشى هذا التعيين مع رؤية ترمب لتعزيز الوجود الأميركي في الفضاء، لا سيما مع طموحاته للوصول إلى المريخ.
عودة البشر إلى القمر
وقد أوضح المدير الجديد أن عودة البشر إلى القمر وهي مهمة عجزت عنها "ناسا" لعقود، ليست سوى خطوة أولى له نحو الهدف النهائي المتمثل في الهبوط على المريخ. ويأتي ذلك في سياق محاولة منه للتوفيق بين عجز "ناسا" في تحقيق هذا الهدف وطموحات "سبيس إكس" التي حققت خطوات سريعة في هذا السباق في ظل قيادة إيلون ماسك. ولكن هذه الأجندة الجريئة أثارت وفق إيزاكسون حماساً وتشكيكاً في الأوساط العلمية. ومع اشتداد المنافسة العالمية في استكشاف الفضاء، لا سيما مع التقدم السريع لدول مثل الصين، ينظر إلى هذا التغيير القيادي على أنه لحظة محورية لـ"ناسا". وفي ظل هذا القائد الجديد لـ"ناسا"، هناك دفعة قوية لتنشيط مهمة الوكالة الحكومية العملاق وإلهام الأجيال القادمة من عشاق وعلماء الفضاء.

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تأكيد رؤية استكشاف المريخ
وضع مدير "ناسا" المعين حديثاً رؤية مقنعة لاستكشاف المريخ، مشدداً على أهميته البالغة. ويؤكد مراقبون كثر أن الخطة الجديدة طموحة، وتهدف إلى إرساء وجود بشري مستدام على المريخ. وأن ذلك يكون بالاستفادة من التقنيات المطورة من خلال برنامج "أرتميس"، الذي يركز على البعثات القمرية كمقدمة لرحلة المريخ، وباستخدام القمر كأرض تدريب لا أكثر. وفي هذا السياق تأمل "ناسا" في العودة إلى المشاركة بفاعلية في مواجهة تحديات استكشاف المريخ وبصورة مباشرة. يذكر أن "ناسا" لم تتمكن خلال الفترة الماضية الممتدة لعقود من الزمن، من إقناع جمهورها برؤيتها الخاصة للهبوط مجدداً فوق القمر، كما أنها أوقفت في 2013 أهم مشاريعها لغزو الفضاء بسبب ما وصفته حينها بطء التقدم في مجال التقنيات والذكاء الاصطناعي إلى جانب خفض موازنتها. ومنذ ذلك الوقت انهمكت "ناسا" في مهام ذات طابع علمي وركزت على مهام جانبية مثل التقاط صور مذهلة للكون بواسطة تلسكوباتها الضخمة، وأشهرها "جيمس ويب". ولذلك تشكل إمكانية تحقيق اكتشافات علمية رائدة على المريخ، مثل أدلة على وجود حياة سابقة ورؤى ثاقبة حول جيولوجيا الكوكب، قوة دافعة كبيرة. ولا تقتصر هذه الرؤية على "ناسا" فحسب، بل تسابق شركات خاصة مثل "سبيس إكس" الزمن نحو تحقيق حلم المريخ، مما يخلق بيئة تنافسية وتعاونية في الوقت نفسه.
التعامل مع تحديات التمويل والموازنة
يعد تأمين التمويل الكافي أمراً بالغ الأهمية لتحقيق طموحات "ناسا" للمشاركة في مجال استكشاف المريخ. وفي عام 2023، بلغت موازنة "ناسا" نحو 25 مليار دولار، خصص جزء كبير منها حالياً لمهمتي "أرتميس" والمريخ. ويعد دور الابتكارات التكنولوجية في الوصول إلى المريخ حاسماً. لذلك أكد المدير الجديد لوكالة "ناسا" الحاجة إلى مركبات فضائية وموائل متطورة تدعم الحياة البشرية على المريخ. وتشمل مجالات التركيز الرئيسة أنظمة الدفع ودعم الحياة وتقنيات الحماية من الإشعاع. يذكر أن مركبة "بيرسيفيرانس" التابعة لـ"ناسا"، التي هبطت على المريخ في فبراير (شباط) 2021، بدأت بالفعل في اختبار تقنيات بالغة الأهمية للمهام البشرية.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الرياض تتقدم رقميا... طموح تقني يواجه حرارة الصحراء وقيود اللغة
الرياض تتقدم رقميا... طموح تقني يواجه حرارة الصحراء وقيود اللغة

Independent عربية

timeمنذ 2 أيام

  • Independent عربية

الرياض تتقدم رقميا... طموح تقني يواجه حرارة الصحراء وقيود اللغة

شهدت العاصمة السعودية الرياض الثلاثاء الماضي محطة محورية في مسار التحولات الرقمية، وذلك خلال زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، حيث عقد منتدى الاستثمار السعودي – الأميركي بمشاركة رفيعة من قادة شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى، من بينها "إنفيديا" و"أمازون" و"تسلا" و"أوبن أي آي" إلى جانب ممثلين عن شركات ناشئة وشركات الذكاء الاصطناعي المتقدمة. أسفرت لقاءات الشركات التقنية الأميركية مع القيادة السعودية عن اتفاقات استراتيجية استثمارية وتقنية، أرست شراكة رقمية طويلة الأمد، وشكلت نقطة تحول في تموضع السعودية جيواستراتيجياً ضمن خريطة الذكاء الاصطناعي العالمية. وتقوم النهضة الرقمية التي تشهدها السعودية على أربعة مرتكزات رئيسة: وفرة الطاقة، وتطوير رأس المال البشري، وبيئة تنظيمية مرنة، إضافة إلى الوصول لأحدث التقنيات وتوطينها. وقد استطاعت السعودية أن توفر هذه العوامل مجتمعة في توقيت استراتيجي، مما يعزز من قدرتها على أن تكون مركزاً عالمياً لصناعة الذكاء الاصطناعي في المستقبل القريب، ويؤهلها لقيادة مشهد رقمي متجدد من قلب المنطقة. ويجمع الخبراء على أن وتيرة تطور الذكاء الاصطناعي تجاوزت التوقعات التقليدية، مما يفرض على الدول سرعة التبني والمشاركة في هذه التحولات، أما من يتأخر فسيواجه عزلة متزايدة وتحديات اقتصادية ومالية قد تهدد استقراره ومكانته. دعم غير مسبوق وفي السياق ذاته، تبرز السعودية كحال فريدة من نوعها في العالم العربي، حيث اجتمعت فيها مقومات النجاح لهذه الصناعة الحيوية، فالدعم السياسي والقيادي غير المسبوق، بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أسهم في إطلاق استثمارات استراتيجية في البنية التحتية والتقنيات المتقدمة، ترافقت مع شراكات دولية مرنة وداعمة، وتوجه متسارع نحو تمكين الكفاءات السعودية وتعزيز التعليم المتخصص في هذا المجال. وتضاف إلى هذه المعادلة المتميزة الميزة الجغرافية للمملكة، التي تتوسط ثلاث قارات كبرى، مما يجعل منها محوراً مثالياً لسلاسل الإمداد والبنية التحتية الرقمية العابرة للقارات. كل ذلك ضمن بيئة تنظيمية تضع في اعتبارها الخصوصية الثقافية والقيم الدينية والمعايير الأخلاقية. وفي هذا السياق، يوضح الشريك في شركة "آرثر دي ليتل"، رياض المراكشي، أن "السعودية تمتلك قدرة مالية كبيرة، مدعومة بصناديق ثروة سيادية مثل صندوق الاستثمارات العامة، تمكنها من الاستثمار الواسع في منظومة الذكاء الاصطناعي بما يتماشى مع رؤيتها الوطنية في هذا المجال"، ويضيف أن "موقع السعودية الجغرافي، الذي يتوسط آسيا وأفريقيا وأوروبا، يعزز من قدرتها على أداء دور محوري في مستقبل الاقتصاد الرقمي". صعود مدروس المشهد الحالي لصعود السعودية في قطاع الذكاء الاصطناعي يستند إلى مسار مدروس بدأ قبل أعوام، مع تأسيس الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) عام 2019 لتقود جهود الدولة في هذا المجال، وتشرف على المركز الوطني للذكاء الاصطناعي، وعام 2020 أطلقت الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي، مستهدفة تدريب 20 ألف مختص، وتمكين 300 شركة ناشئة، واستقطاب استثمارات تقدر بـ20 مليار دولار بحلول 2030. وتظهر بيانات وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، بالتعاون مع جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، أن نحو 50 في المئة من الشركات الناشئة في مجال التقنية العميقة في السعودية تركز على الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، بدعم حكومي بلغ نحو 987 مليون دولار. عام 2024 عززت السعودية حضورها الدولي في هذا المجال باستضافة النسخة الثالثة من القمة العالمية للذكاء الاصطناعي (GAIN)، التي جذبت أكثر من 48 ألف زائر، وشهدت نقاشات معيارية ذات طابع حضاري متعدد الثقافات. ومن المبادرات البارزة أيضاً تطوير نموذج "علام"، أول نموذج لغوي عربي بالتعاون بين "سدايا" و"IBM"، بهدف تحسين قدرات الذكاء الاصطناعي في اللغة العربية وتطبيقاته المتقدمة في الرؤية الحاسوبية وتعلم الآلة. توجت هذه الجهود بإطلاق شركة "HUMAIN" بدعم من صندوق الاستثمارات العامة، لتكون الذراع الاستثمارية الرئيسة للمملكة في قطاع الذكاء الاصطناعي، وذلك عبر شراكات استراتيجية مع كبرى الشركات العالمية مثل Nvidia وAMD وAWS، واستثمارات تتجاوز 100 مليار دولار. ويعلق رياض المراكشي بأن هذه الخطوة تعكس النهج الاستباقي للسعودية في بناء بيئة تنظيمية متقدمة، وإقامة شراكات نوعية مع عمالقة التقنية مثل Google، بما يسهم في تطوير منظومة متكاملة لاحتضان المواهب وتنمية المهارات المتخصصة في الذكاء الاصطناعي. الذكاء الاصطناعي... محرك رؤية 2030 منذ إطلاق رؤية السعودية 2030 بات الذكاء الاصطناعي أحد أعمدتها الرئيسة، إذ تظهر الأرقام أن 66 هدفاً من أصل 96 في الرؤية ترتبط مباشرة بالبيانات والذكاء الاصطناعي، مما يعكس مركزية هذه التقنيات في مسار التحول الوطني. ويؤكد رياض المراكشي أن الاستراتيجية الوطنية للتحول تولي أولوية للتقنيات الناشئة، على رأسها الذكاء الاصطناعي، إلى جانب البنى التحتية مثل مراكز البيانات والحوسبة السحابية. اقتصادياً، تشير تقديرات "أونكتاد" إلى أن السوق العالمية للذكاء الاصطناعي قد تبلغ 4.8 تريليون دولار بحلول 2033، أي ما يعادل حجم اقتصاد ألمانيا اليوم. وتتوزع العوائد إلى غير مباشرة تظهر سريعاً في فرص التوظيف والتشغيل، ومباشرة تأتي لاحقاً من تحسين كفاءة قطاعات مثل التعليم والصحة والبنوك والصناعة، من خلال خفض الكلف وتعزيز تجربة العملاء وابتكار آليات جديدة للإنتاج والإدارة. تسليع الذكاء الاصطناعي على حساب الإنسانية يتجه العالم اليوم نحو تسليع الذكاء الاصطناعي، في ظل تصاعد الضغوط لتحقيق عوائد مالية فورية، مما قد يحرم هذه التقنية من فرصة النضوج الكامل والوصول إلى مستويات متقدمة من الأداء والابتكار. هذا التوجه السائد يهدد بتقويض إمكانات الذكاء الاصطناعي على المدى الطويل، إلا أن الرياض تسلك مساراً مغايراً، يستند إلى استثمار بعيد المدى يتيح للتقنية النمو العضوي في بيئة مستقرة ومحفزة، بعيدة من اعتبارات الربح السريع، مما يؤسس لمنظومة أكثر نضجاً واستدامة. ويشير المراكشي إلى أن "تخصيص موارد ضخمة للبحث والتطوير، إلى جانب إنشاء ما يعرف بـ'مصانع الذكاء الاصطناعي'، يمنح السعودية قدرة على تسريع الابتكار وتوسيع التطبيقات، لا سيما في القطاعات المحورية ضمن رؤية 2030 مثل النقل والمدن الذكية". ويضيف، "بفضل موقعها الجغرافي الاستراتيجي والبنية التحتية الرقمية المتطورة، باتت البلاد مؤهلة لتكون مركزاً إقليمياً لقيادة تطبيقات الذكاء الاصطناعي، مع إمكان نقل الأثر الإيجابي إلى دول الجوار والأسواق المجاورة، كذلك فإن البرامج الوطنية الهادفة إلى تطوير المهارات تستقطب كفاءات محلية وعالمية، مما يعزز وفرة الكفاءات المؤهلة". ويرى المراكشي أن الرياض تمتلك بيئة مثالية لتكون حاضنة لحلول الذكاء الاصطناعي الواسعة النطاق، خصوصاً في مشروعات نوعية مثل "نيوم" والمدن الذكية الأخرى، إذ تتيح هذه المشاريع بيئة اختبار وتطبيق فعلي تسهم في تسريع وتيرة التبني وتحقيق الأثر بصورة ملموسة. ريادة محفوفة بالتحديات في ظل طموح الرياض نحو الريادة في الذكاء الاصطناعي، يشير المراكشي إلى أن تطوير الكفاءات المحلية واحتضان البحث والابتكار يمثلان عنصرين محوريين يتطلبان حذراً وتخطيطاً طويل الأمد، ويشدد على ضرورة إعطاء النظام التعليمي أولوية لمجالات STEM، واستقطاب مؤسسات أكاديمية وشركات تقنية عالمية، ويضيف أن "تحقيق العائد من الاستثمار لا يتم عبر مبادرات وقتية أو إعلانات قصيرة النظر، بل عبر التزام طويل الأمد يدار باحترافية، فبناء بنية تحتية تقنية متكاملة يتطلب أعواماً". في سياق موازٍ، يبرز الخطر المتنامي لاستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في الهجمات السيبرانية، ويؤكد خبير الأمن السيبراني، مؤسس شركة Deeptempo، إيفان باول، أن "المهاجمين باتوا قادرين على تجاوز أنظمة الدفاع التقليدية، مما يفرض سباقاً مستمراً لتحديث القواعد والأنظمة". لكن باول يرى في استثمارات السعودية فرصة لبناء نماذج دفاعية متقدمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي التنبئي، قادرة على مراقبة وتحييد التهديدات قبل وقوعها، بل وحتى تنفيذ دفاعات هجومية لتعطيل المهاجمين، على رغم القيود القانونية في بعض الدول. حرارة وصحراء ولغة تمثل البيئة الصحراوية ودرجات الحرارة المرتفعة تحدياً لتشغيل الروبوتات التي لا تحتمل عادة حرارة تتجاوز 50 درجة مئوية، لكن السعودية، بحسب المراكشي، قادرة على تحويل هذا التحدي إلى فرصة لتطوير مكونات إلكترونية أو حلول تبريد مبتكرة تمكن من استخدام الروبوتات في أقسى البيئات، مما يفتح الباب لتطبيقات صناعية ولوجيستية غير مسبوقة. كما توفر المناطق غير المأهولة فرصة لاستخدام تقنيات مثل الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية (ستارلينك)، لتفعيل مشاريع زراعية وخدمية متقدمة من دون الحاجة إلى بنى تحتية تقليدية، وهو ما قد يعيد رسم الخريطة الاقتصادية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) أما على المستوى الثقافي فإن ضعف المحتوى العربي الرقمي يمثل عائقاً أمام تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، لكنه في الوقت ذاته فرصة لدفع رقمنة التراث والمحتوى العربي، بما يحمله من منظومة أخلاقية ومعرفية قد تسهم في تشكيل الإطار القيمي لاستخدامات الذكاء الاصطناعي مستقبلاً، وسط غياب عالمي لتشريعات أخلاقية واضحة. إطار أخلاقي وقانوني لتحقيق الريادة وفي هذا السياق، يؤكد رياض المراكشي أن تحقيق التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي لا يكتمل من دون منظومة قانونية وأخلاقية واضحة، مشدداً على ضرورة ضمان خصوصية الأفراد وتوفير بيانات عالية الجودة تستخدم ضمن أطر مسؤولة، بما يحقق التوازن بين التطوير التقني وصون الحقوق الأساسية. وتسعى السعودية، التي تتصدر دول المنطقة في هذا المجال، إلى ترسيخ موقعها كقوة عظمى في الذكاء الاصطناعي، بحسب ما ذكرته صحيفة "نيويورك تايمز"، مشيرة إلى أن الرياض أسست في فبراير (شباط) 2024 شركة "آلات" المتخصصة في التكنولوجيا المتقدمة، والمملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة، بهدف دعم البنية التحتية التقنية وتطوير حلول رائدة على المستوى العالمي. وتضيف الصحيفة الأميركية أن السعوديين يعتزمون استثمار ما يقارب من 100 مليار دولار في قطاع التكنولوجيا المتقدمة بحلول عام 2030، مع التركيز على التقنيات الأكثر حداثة مثل الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات والحد من الانبعاثات والروبوتات والمدن الذكية. وتأكيداً لوجهة نظر الصحيفة الأميركية، أعلنت شركة "وايدبوت" للذكاء الاصطناعي الرائدة في مجال تطوير حلول ومنتجات ونماذج الذكاء الاصطناعي المبتكرة، عن إنجاز غير مسبوق في المنطقة العربية، بعد استضافة نموذجها المتطور للذكاء الاصطناعي "عقل" على خوادم سحابية محلية داخل السعودية. وستكون هناك حاجة إلى سياسات واضحة لحوكمة البيانات، نظراً إلى أن الريادة في الذكاء الاصطناعي تتطلب حوكمة بيانات موثوقة وحماية الخصوصية وأطراً أخلاقية تتماشى مع المعايير الدولية، يجب على السعودية تمهيد الطريق نحو منظومة تركز على الخصوصية وتضمن الوصول إلى البيانات وجودتها من أجل تطوير الذكاء الاصطناعي ضمن أطر قانونية وأخلاقية.

كيف تسعى روسيا إلى السيطرة على مستقبل أفريقيا النووي؟
كيف تسعى روسيا إلى السيطرة على مستقبل أفريقيا النووي؟

Independent عربية

timeمنذ 4 أيام

  • Independent عربية

كيف تسعى روسيا إلى السيطرة على مستقبل أفريقيا النووي؟

تعقد روسيا شراكات في مجال الطاقة النووية مع ما لا يقل عن 20 دولة أفريقية، وفق تحليل حديث أجرته صحيفة "اندبندنت"، وذلك في إطار سعي موسكو إلى ترسيخ موقعها كأبرز الدول الفاعلة في هذا المجال على مستوى القارة. ويجري تنفيذ هذه الاتفاقات من خلال شركة الطاقة النووية الروسية المملوكة للدولة "روساتوم". وأُعلِن عن أحدث هذه الاتفاقات الشهر الماضي وهو عبارة عن مذكرة تفاهم أبرمتها بوركينا فاسو مع "روساتوم" لبناء محطة نووية. وتشمل الاتفاقات الأخرى اتفاقية وُقعت في يونيو (حزيران) 2024 مع غينيا لتطوير محطات طاقة نووية عائمة، وشراكة عُقِدت الشهر التالي مع الكونغو لتطوير الطاقة النووية والطاقة الكهرومائية. ومنذ عام 2014، أبرمت روسيا اتفاقات أيضاً مع الجزائر، وإثيوبيا، وكينيا، وجنوب أفريقيا، وتونس، وعدد من الدول الأخرى. من بين الدول الأفريقية الأخرى التي تسعى إلى عقد شراكات نووية مع روسيا، تأتي النيجر، وهي دولة حليفة لموسكو منذ الانقلاب العسكري الذي وقع عام 2023، والتي أعلنت العام الماضي أنها تسعى بنشاط إلى جذب استثمارات روسية إلى احتياطاتها الواسعة من اليورانيوم. وفي الوقت نفسه، أفادت تقارير صدرت الشهر الماضي بأن ناميبيا أجرت كذلك محادثات مع روسيا في شأن تعاون في قطاع الطاقة الذرية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ومن بين الدول الكبرى التي توفر التكنولوجيا النووية لأفريقيا– ومنها الولايات المتحدة والصين وكوريا الجنوبية وكندا وفرنسا– برزت روسيا كقوة مهيمنة بوضوح. وتفخر "روساتوم" بسجل من المشاريع المنجزة حول العالم يعجز منافسوها عن مجاراته، كما أنها تقدم عقوداً وشروط تسديد مغرية للغاية. يقول دميتري غورشاكوف، الخبير النووي الذي غادر روسيا للعمل في مؤسسة "بلونا" البيئية غير الحكومية في فيلنيوس بليتوانيا بعد غزو روسيا أوكرانيا عام 2022، إن "هذه الاتفاقيات ذات أهمية جيوسياسية، لأن المشاريع النووية التزام بعيد الأجل وضخم النطاق، من شأنه أن يربط الدولة المعنية بروسيا لعقود. ومن وجهة نظر موسكو، ليست المسألة تجارية فقط– بل هي أيضاً أداة نفوذ سياسي". ويتابع "في سياق المواجهة الروسية مع الغرب، تُعَد القدرة على إثبات وجود شركاء دوليين أمراً سياسياً ذا أهمية قصوى، ولهذا تبدي روسيا استعداداً إلى تقديم وعود سخية إلى الدول الراغبة في التعاون معها". وفيما تسعى روسيا إلى توسيع نطاق نفوذها من خلال البنية التحتية في قطاع الطاقة، يتخذ الغرب مساراً معاكساً، إذ تعمد الولايات المتحدة إلى سحب تمويلاتها لمشاريع الطاقة في أفريقيا تنفيذاً لقرارات دونالد ترمب بخفض المساعدات الدولية. ومن بين البرامج الأميركية الكبرى التي تقَرر وقفها مبادرة "قوة أفريقيا"، التي أطلقها باراك أوباما عام 2013 لدعم النمو الاقتصادي والتنمية من خلال تحسين الوصول إلى طاقة موثوقة وميسورة ومستدامة في أفريقيا. وخلال السنوات الاثنتي عشرة الماضية، أنفقت مبادرة "قوة أفريقيا" نحو 1.2 مليار دولار (900 مليون جنيه استرليني)، ما أسهم في جذب تمويل إضافي بقيمة 29 مليار دولار من مصادر أخرى لتطوير أكثر من 150 مشروعاً للطاقة في 42 دولة أفريقية، وتوفير الكهرباء لأكثر من 200 مليون شخص. كذلك ساندت المبادرة شركات أميركية في إبرام صفقات بقيمة 26.4 مليار دولار، وفق تحليل أجراه "مركز التنمية العالمية". وشملت المشاريع المدعومة مزيجاً من مشاريع الطاقة المتجددة ومشاريع تعمل بالغاز. كذلك انسحبت الولايات المتحدة من "شراكات التحول العادل للطاقة"، وهي مبادرة بمليارات الدولارات أُطلِقت عام 2021 لمساعدة الاقتصادات الناشئة في الابتعاد عن الفحم وغيره من مصادر الطاقة غير المتجددة، ما حرم جنوب أفريقيا من منح موعودة بملايين الدولارات واستثمارات تجارية محتملة بقيمة مليار دولار. وأوضح غورشاكوف قائلاً "من دون برامج كهذه، لن تواجه الولايات المتحدة صعوبة في المنافسة في أفريقيا فحسب، بل كذلك في مجرد إيجاد موطئ قدم لها هناك. ولهذا عليها أن تبذل جهداً كبيراً– من دون برامج دعم ممولة حكومياً، سيكون دخول هذه الأسواق شبه مستحيل". جوهرة التاج تُعَد محطة الضبعة للطاقة النووية في مصر، التي تبلغ تكلفتها 28.75 مليار دولار (21.38 مليار جنيه استرليني)، جوهرة التاج في شراكات روسيا النووية مع أفريقيا. ومن المقرر أن تصبح ثاني محطة نووية عاملة في القارة، بعد نحو 40 سنة على إنشاء محطة كويبرغ للطاقة النووية في جنوب أفريقيا، والتي باتت اليوم متقادمة. بدأت أعمال إنشاء المحطة عام 2020، ومن المنتظر أن تبدأ في إنتاج الكهرباء عام 2026. وتبلغ طاقتها 4.8 غيغاوات، أي ما يكفي لتزويد مدينة أميركية كبرى بالكهرباء، وقد مولت روسيا 85 في المئة من تكلفتها الإجمالية، بشروط تسديد مؤاتية للغاية. ويرى السيد غورشاكوف من مؤسسة "بلونا" أن ثمة أسباباً عدة تجعل فكرة محطة نووية مدعومة من روسيا مغرية جداً للدول الأفريقية. في المقام الأول، تكون هذه الصفقات مدعومة من الدولة الروسية، التي تتحمل جزءاً كبيراً من الأعباء المالية والتشغيلية الأولية، وتمنح جداول تسديد تمتد لعقود من الزمن، ومعدلات فائدة متدنية للغاية. وتساعد هذه التسهيلات في جعل المحطات النووية في متناول الدول الأفريقية، وإن كانت تربطها في المقابل بشدة بسلاسل الإمداد الروسية في مجال الوقود النووي والخدمات، وفق السيد غورشاكوف. أما الشركات النووية الغربية، مثل شركة "إي دي أف" EDF الفرنسية، فتعمل وفق منطق تجاري ولا تستطيع تقديم التمويل المدعوم حكومياً أو تقاسم الأخطار أو الدعم الدبلوماسي على غرار ما تفعله "روساتوم". وتواجه هذه الشركات الغربية أيضاً صعوبات في تنفيذ المشاريع من ضمن الجداول الزمنية والموازنات المحددة. مثلاً، ارتفعت التكلفة المتوقعة لمحطة "هينكلي بوينت" التابعة لشركة "إي دي أف" والقائمة في مقاطعة سومرست البريطانية من 18 مليار جنيه استرليني إلى 35 ملياراً. أما مشروع بناء مفاعلين أميركيين من طراز "أي بي 1000"AP1000 في "محطة سامر النووية" الواقعة في ولاية كارولاينا الجنوبية فقد أُلغِي عام 2017، بعد سنوات من التأخير وتجاوز التكلفة، تحمل خلالها دافعو الضرائب فاتورة بقيمة تسعة مليارات دولار. ويضيف السيد غورشاكوف "كذلك تعرقل القيود السياسية والتنظيمية الصادرات النووية الغربية وتجعلها أبطأ، وأكثر بيروقراطية، وأصعب تنسيقاً". ويتابع "علاوة على ذلك، نادراً ما توفر الشركات الغربية حزمة متكاملة تغطي دورة المشروع بالكامل على غرار ما تقدمه 'روساتوم'– بما في ذلك التكنولوجيا النووية، وتوريد الوقود، والتدريب، وإدارة النفايات، والخدمة البعيدة الأجل– ذلك كله تحت مظلة مؤسسية واحدة". أما الصين، فهي أكثر استعداداً إلى تقديم حزمة دعم متكاملة مع استثماراتها النووية، لكنها، مثل الدول الغربية، لا تمتلك سجلاً كبيراً من المشاريع النووية المكتملة في الخارج، إذ لم تُنجِز حتى الآن سوى محطة واحدة في باكستان. ويقول السيد غورشاكوف "في المقابل، تمتلك 'روساتوم' محفظة نشطة وكبيرة من المشاريع الدولية المكتملة والجارية التنفيذ، ما يسمح لها بأن تعرض نفسها بوصفها شريكاً أكثر موثوقية وخبرة في نظر العديد من العملاء المحتملين". وبالفعل، تشير بيانات صادرة عن مجموعة الضغط المسماة "الرابطة العالمية للطاقة النووية"World Nuclear Association، حللتها صحيفة "اندبندنت"، إلى أن "روساتوم" مسؤولة حالياً عن بناء 26 وحدة رئيسة للطاقة النووية في سبع دول حول العالم: روسيا ومصر وتركيا والهند والصين وبنغلاديش وإيران. يضيف جوناثان كوب من "الرابطة العالمية للطاقة النووية" أن المفاعلات الأربعة الجاري بناؤها في مصر تعتمد كلها على تصاميم "روساتوم" المجربة والموثوقة. ويقول لصحيفة "اندبندنت"، "صحيح أن هناك بعض التحديات المرتبطة ببناء أول محطة في كل دولة، لكن الشركة تستطيع اعتماد نموذج جاهز شبه موحد، مستمد من مشاريع سابقة نفذتها". طاقة استراتيجية بالنسبة إلى الكثير من الدول الأفريقية– في قارة لا يزال 600 مليون شخص فيها يفتقرون إلى إمكانية مأمونة للحصول على الكهرباء– تمثل المحطة النووية الجديدة أملاً في الحصول على كميات كبيرة من الكهرباء المنخفضة الكربون والمستقرة، وهي أمور لا تستطيع مصادر الطاقة المتجددة المتقلبة مثل الشمس والرياح، ولا حتى المحطات الملوثة التي تعمل بالفحم أو الغاز، أن توفرها في شكل مماثل. يعتبر روبرت سوغبادجي، منسق "البرنامج النووي الوطني" في غانا، الطاقة النووية مكملة لخطط بلاده في التوسع في الطاقة المتجددة. ويُؤمَل حالياً أن تكتمل أول محطة نووية كبيرة في البلاد بحلول منتصف العقد المقبل. ويقول السيد سوغبادجي لصحيفة "اندبندنت" "إذا أردنا طاقة أساسية تدعم طموحاتنا في مجال الطاقة المتجددة، فعلينا أن نواصل العمل على برنامجنا النووي بوتيرة هجومية". وقد اختارت غانا الولايات المتحدة لبناء مفاعلات نووية صغيرة معيارية– وهي مفاعلات نووية حديثة وأصغر حجماً يمكن تركيبها في مفاعلات أصغر– لكنها لا تزال بصدد اختيار الجهة التي ستوفر التكنولوجيا لأول محطة كبيرة النطاق، وتشمل الخيارات المطروحة روسيا. وعلى رغم الآمال المعقودة، لا تزال الطاقة النووية مثار جدل بسبب المخاوف المتعلقة بالتخلص من النفايات النووية في الأجل البعيد، ولأن الاعتماد على محطات ضخمة بدلاً من مصادر الطاقة المتجددة الموزعة جغرافياً في البلاد قد يجعل شبكة الكهرباء أكثر عرضة للأخطار، مثل الهجمات السيبرانية أو الظواهر المناخية القاسية. يقول مايك هوغان، من "مشروع المساعدة التنظيمية" Regulatory Assistance Project، وهي مؤسسة بحثية أميركية، لصحيفة "اندبندنت": "من المقلق قليلاً أن نرى هذا العدد من الدول الأفريقية يتجه إلى بناء محطات ضخمة جديدة، في وقت تتجه اقتصاديات صناعة الكهرباء منذ زمن طويل نحو مصادر أقل مركزية، توفر مرونة أكبر للأنظمة الكهربائية". ويضيف "هذه المشاريع الضخمة والرمزية تعطي أصحاب السلطة شعوراً بأنهم يفعلون شيئاً مهماً، لكنها في الواقع حل يعود إلى القرن العشرين لمشكلة تخص القرن الحادي والعشرين". وتسعى روسيا، التي تواجه عقوبات غربية قاسية بسبب ضمها غير القانوني شبه جزيرة القرم الأوكرانية عام 2014، ثم غزوها الواسع لأوكرانيا عام 2022، إلى توسيع نفوذها، ولذلك تُعَد الدول الأفريقية غير المنحازة في خصوص النزاع الروسي- الأوكراني، والتي عانت طويلاً من نقص الاستثمارات، هدفاً منطقياً لصناعتها النووية. وتجعل شراكات روسيا في هذا القطاع دولاً كثيرة تلتفت إليها– إذ شاركت 49 دولة أفريقية من أصل 54 في القمة الاقتصادية الروسية- الأفريقية التي عُقِدت في سان بطرسبرغ عام 2023، على رغم الضغوط الأميركية الشديدة بغرض مقاطعتها. لا تزال اتفاقات نووية كثيرة وقعتها دول أفريقية في مراحلها الأولية، وتُعَد مجرد خطوة أولى في مسار طويل ومعقد لتطوير مشاريع نووية. ومع ذلك، تكتسب هذه الاتفاقات أهمية رمزية كبيرة لروسيا في ظل عزلتها الجيوسياسية الحالية، بحسب السيد غورشاكوف من مؤسسة "بلونا". ويُقدر أن صادرات روسيا النووية بلغت نحو 16 مليار دولار عام 2023– وهو رقم لا يُقارن بعوائد صادرات الوقود الأحفوري الروسية التي سجلت قبل الحرب 300 مليار دولار– لكن موسكو تعتبر هذا القطاع "فخراً وطنياً"، وفق السيد غورشاكوف الذي يضيف "بالنسبة إلى موسكو، ليست هذه الاتفاقات مسألة أعمال تجارية فقط: هي أيضاً أداة نفوذ سياسي". هذه المادة جزء من سلسلة تقارير تعدها "اندبندنت" بعنوان "إعادة تفكير في المساعدات العالمية"

تشريعات الذكاء الاصطناعي... السباق مع الزمن
تشريعات الذكاء الاصطناعي... السباق مع الزمن

Independent عربية

timeمنذ 4 أيام

  • Independent عربية

تشريعات الذكاء الاصطناعي... السباق مع الزمن

تكشف التحديات التي تواجه التشريعات الحالية، من فجوة التوقيت إلى ضعف المرونة، عن حاجة ملحة إلى إعادة بناء الفهم القانوني والأخلاقي بما يتماشى مع التطور المتسارع للذكاء الاصطناعي. هذا التطور الذي يسير بوتيرة ذاتية وغير مسبوقة، يفرض على المشرعين التفكير في آليات تنظيم استباقية لا تكتفي برد الفعل. في هذا السياق يطرح تساؤل جوهري: هل يمكن منح الذكاء الاصطناعي صفة الشخصية القانونية؟ وما مدى الاستفادة من التجربة الأوروبية في تنظيم هذا القطاع الناشئ والمعقد؟ في ظل هذا المشهد تقف الأنظمة القانونية العربية أمام فرصة نادرة لصياغة تشريعات المستقبل وتجاوز مرحلة التلقي إلى مرحلة المبادرة. ويحذر إيلون ماسك، أحد أبرز رواد التكنولوجيا، من خطورة التأخر في هذا المضمار، قائلاً "الذكاء الاصطناعي حالة نادرة أعتقد فيها أننا في حاجة إلى تنظيم استباقي لا تفاعلي، لأننا إذا انتظرنا حتى تبدأ الكوارث بالحدوث، فسيكون الأوان قد فات". ويضيف، "عادة ما توضع القوانين بعد وقوع عدد من الكوارث، تعقبها موجة من الغضب الشعبي، ثم يتم إنشاء هيئة تنظيمية بعد سنوات. ولكن مع الذكاء الاصطناعي، هذه الوتيرة لن تكون كافية". الذكاء الاصطناعي والتشريعات... فجوة تتسع تواجه الأنظمة القانونية "مشكلة الفجوة الزمنية"، إذ تتطور الابتكارات التقنية بوتيرة أسرع من قدرة القوانين على مواكبتها. تعرف هذه المعضلة باسم "معضلة كولينغريدج"، حيث يصعب تنظيم التكنولوجيا في مراحلها الأولى لغياب الرؤية الكاملة لتأثيراتها، بينما يصبح التنظيم لاحقاً أكثر صعوبة وكلفة بعد اتساع الاستخدام وظهور الأضرار. وتتفاقم الأزمة بفعل الجمود البيروقراطي داخل المؤسسات القانونية، ونقص الكوادر والتمويل، مما يعوق أي إصلاحات عاجلة، ويجعل الاستجابة أبطأ من وتيرة الأخطار. من يسبق من؟ يشكل التباين بين منطق التشريع التقليدي وطبيعة الذكاء الاصطناعي تحدياً جوهرياً في عصر التقنيات المتسارعة. فخلافاً للتقنيات السابقة، يتسم الذكاء الاصطناعي بمرونة وتطور ذاتي لا يتماشى بسهولة مع النمط القانوني الرتيب. وتشير المتخصصة في القانون والتكنولوجيا عبير حداد إلى أن "الطبيعة البطيئة، التفاعلية، والرتيبة لعملية التشريع في كثير من الأنظمة القانونية العربية تمثل عائقاً حقيقياً أمام إنتاج حلول تشريعية تواكب تعقيدات التقنيات الحديثة". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) معضلة الفهم قبل التقنين لا يكمن التحدي الأكبر في تنظيم الذكاء الاصطناعي بحد ذاته، بل في فهم طبيعته المتغيرة وغير المتوقعة. فخلافاً للتقنيات السابقة، لا يقوم الذكاء الاصطناعي على سلوك بشري يمكن التنبؤ به، بل يتطور ذاتياً أحياناً بطريقة يتعذر على مطوريه التحكم بها أو تفسيرها. هذا التعقيد يضعف من فعالية القوانين التقليدية، ويجعل إشراك متخصصين في فلسفة القانون والأخلاق أمراً ضرورياً لفهم مفاهيم مثل النية والمسؤولية بصورة جديدة. كما تبرز الحاجة إلى متخصصين في التشريعات المرنة، القادرة على التكيف مع تغيرات التقنية المتسارعة. وتشير حداد "إلى أن محاولات التشريع دون إشراك متخصصين من خارج المجال القانوني غالباً ما تؤدي إلى حلول سطحية، لا تدرك عمق المشكلة". وتضيف أن الذكاء الاصطناعي بصفته عابراً للحدود يفرض أيضاً مقاربة دولية وقانوناً مقارناً يأخذ التفاوت التشريعي بين الدول بعين الاعتبار. أخلاقيات الذكاء الاصطناعي... مسؤولية تتجاوز القانون على رغم تطور القوانين المنظمة لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي تبقى الاعتبارات الأخلاقية تحدياً يتجاوز قدرة الأنظمة القانونية على معالجته بالكامل. فالذكاء الاصطناعي بطبيعته لا يميز بين الصواب والخطأ الأخلاقي، مما يجعل مسؤولية الاستخدام تقع على عاتق البشر. ويؤكد رئيس قسم القانون العام في كلية القانون الكويتية العالمية أحمد سليمان العتيبي أن "المستخدم هو المسؤول الأول عن احترام الجوانب القانونية والأخلاقية عند استخدام الذكاء الاصطناعي"، مشدداً على أهمية مراعاة حقوق الملكية الفكرية والخصوصية والتحقق من المعلومات قبل اتخاذ أي قرار. كما يحذر من الاعتماد الكامل على الذكاء الاصطناعي، داعياً إلى بناء قدرات ذاتية وتحري العدالة والصدقية وتفادي التحيز عند إدخال البيانات، إضافة إلى التأكد من تراخيص البرمجيات المستخدمة. ويختم بقوله إن الذكاء الاصطناعي "أداة مساعدة لا أكثر"، وينبغي التعامل معه بوعي قانوني وأخلاقي متكامل. شخصية قانونية "جزئية" للذكاء الاصطناعي؟ مع التطور المتسارع للذكاء الاصطناعي والسباق المحتدم بين الشركات المصنعة للروبوتات يظهر تساؤل عما إذا كان هناك حاجة إلى التعامل مع الذكاء الاصطناعي أو الروبوتات قانونيا بصورة مختلفة عن التكنولوجيا. أو اعتبارها كشخصية قانونية. وتشير عبير حداد إلى أن قدرة الذكاء الاصطناعي على التعلم الذاتي ومحاكاة القرارات البشرية تثير تساؤلات قانونية عميقة. فالمستخدمون المنتظمون لأدوات مثل "ChatGPT" كثيراً ما يصفون التفاعل معه كأنه حديث مع شخص حقيقي، بخاصة أن إجاباته تتولد لحظياً ولا تبرمج سلفاً بصورة تقليدية. لكن هذا التشابه الظاهري لا يكفي، وفق حداد، لمنح الذكاء الاصطناعي صفة "الشخص القانوني"، إذ إن هذا المفهوم نشأ أساساً لتجميع مسؤوليات بشر حقيقيين ضمن كيان واحد. وفي حالة الأنظمة الذكية، تغيب هذه الركيزة الأساسية، مما يخلق فجوة قانونية، خصوصاً في المجال الجنائي، حيث لا يمكن معاقبة خوارزمية كما يعاقب الإنسان. وتقترح حداد حلاً وسطاً يتمثل في منح الذكاء الاصطناعي شخصية قانونية محدودة أو جزئية، تتيح تحميله مسؤوليات معينة دون منحه وضعاً قانونياً كاملاً كالكائنات البشرية أو الكيانات الاعتبارية التقليدية. تشريعات الاتحاد الأوروبي تعد تجربة الاتحاد الأوروبي في تنظيم الذكاء الاصطناعي من خلال قانون "AI Act"، الذي أقر في يوليو (تموز) 2024، أول محاولة على مستوى العالم لصياغة إطار تشريعي شامل وملزم ينظم الذكاء الاصطناعي بصورة مباشرة. وقد دفع هذا التطور كثيرين إلى التساؤل عما إذا كان القانون الأوروبي سيتحول إلى مرجع عالمي جديد، تماماً كما حدث مع اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) في مجال الخصوصية، وما إذا كانت الأنظمة القانونية العربية قادرة على الاستفادة من هذه التجربة أو تكييفها مع خصوصياتها. وترى عبير حداد أن القانون الأوروبي يقدم تصوراً مهماً لكيفية التعامل مع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، من خلال نهج قائم على تقييم الأخطار، حيث تصنف الأنظمة الذكية وفقاً لدرجة الخطورة التي قد تشكلها على الحقوق الأساسية، ويرتبط بكل تصنيف مستوى معين من الإشراف والشفافية ومعايير السلامة. إلا أن حداد تشير إلى أن هذا النموذج، على رغم أهميته، قد لا يناسب بالضرورة جميع الدول، إذ تختلف البيئات القانونية والسياسية بين منطقة وأخرى، كما هو الحال مع الصين التي اعتمدت نمطاً تنظيمياً مختلفاً تماماً. وتوضح أن القانون الأوروبي، على رغم طابعه التقني الصارم، يتضمن عناصر يمكن أن تكون مفيدة لأي نظام قانوني يسعى إلى التنظيم الرشيد، لعل أبرزها ما ورد في المادة الرابعة التي تلزم الشركات رفع الوعي الرقمي لدى موظفيها عند تطوير أو استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، مما يسهم نظرياً في نشر ثقافة معرفية واسعة النطاق داخل المجتمعات. غير أن حداد تحذر من أن تبني هذا النموذج خارج سياقه قد يؤدي إلى حالة من الغموض التشريعي أو التناقض في التفسير. ومع ذلك ترى أن عناصر القانون تحمل أفكاراً قابلة للتكييف، وتستحق الدراسة الجادة من قبل المشرعين العرب. وتطرح تساؤلاً جوهرياً: هل ننتظر لنرى تطبيق هذا القانون على أرض الواقع ثم نحكم على صلاحيته؟ أم تبدأ الدول العربية من الآن بصياغة قوانينها، مستفيدة من التجربة الأوروبية، ولكن وفق أولوياتها وواقعها؟ النماذج مفتوحة المصدر... أداة شفافة لتنظيم الذكاء الاصطناعي من ضمن أدوات التنظيم الفعالة التي يمكن أن تسهل تطبيق قوانين الذكاء الاصطناعي تبرز النماذج مفتوحة المصدر، التي تتمتع بدرجة عالية من الشفافية، إذ تتيح للمطورين والجهات التنظيمية الاطلاع على الكود المصدري والخوارزميات المستخدمة، مما يسهل عمليات التدقيق والتصنيف، بخاصة عند تطبيق قوانين تعتمد على تقييم الأخطار، مثل القانون الأوروبي. تسمح هذه النماذج بتحليل بنية النموذج وبيانات التدريب، وتحديد مدى امتثاله لمعايير السلامة والعدالة والشفافية. كما أن النماذج مفتوحة المصدر تمتاز بإمكان تكييفها مع البيئة القانونية المحلية، مما يسمح للمطورين ببناء أدوات مساعدة فوقها لضمان الامتثال التلقائي، مثل أدوات توثيق السجلات واختبار الانحياز. وفي السياق العربي تؤكد عبير حداد أن هذه النماذج تستحق اهتماماً أكبر بكثير، بخاصة أن المجتمعات العربية تضم شريحة واسعة من الشباب المبتكرين، الذين غالباً ما يعملون بإمكانات محدودة. وتشير إلى أن هذه النماذج قابلة للتشغيل على خوادم محلية، ويمكن تكييفها لتلبية الحاجات الإقليمية الخاصة، فضلاً عن أنها تتيح سيطرة أكبر على خصوصية البيانات. فباستضافة البيانات الحساسة محلياً، يمكن للمؤسسات العربية حماية معلومات المستخدمين والامتثال للتشريعات المحلية، مما يجعلها خياراً مناسباً لتطوير بيئة رقمية مستقلة وآمنة. الأنظمة القانونية العربية... نحو تشريعات استباقية المستقبل القانوني في العالم العربي مرهون بمدى قدرة الأنظمة على مواكبة التحولات التكنولوجية المتسارعة. فالسؤال لم يعد ما إذا كان يجب تنظيم الذكاء الاصطناعي، بل كيف ومتى، ووفق أي رؤية تشريعية. من هنا، فإن تشكيل مجالس وطنية تضم متخصصين قانونيين وتقنيين، وإدماج مسارات أكاديمية متخصصة في قوانين التقنية، والعمل على تطوير بنية تشريعية إقليمية موحدة، قد يمثل خطوات حاسمة في هذا الاتجاه. كما أن تبني مبدأ "التشريع الاستباقي" بات ضرورة، بدلاً من انتظار وقوع أزمات تدفع إلى تقنين متأخر ومحدود الأثر. ويؤكد أحمد سليمان العتيبي أن تأخر التحرك في هذا الملف قد يعزل الدول العربية عن خريطة التشريعات الدولية. ويدعو إلى إنشاء هيئات وطنية مستقلة تضم خبرات قانونية وفنية، تتولى صياغة اللوائح، ووضع المعايير، وإنشاء مراكز أبحاث وتدريب كوادر قادرة على إدارة هذا التحول القانوني والتقني المعقد. فتنظيم الذكاء الاصطناعي ليس فقط مسألة قانونية، بل هو رهان على السيادة والاستقلال الرقمي والأمن المعرفي في العالم العربي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store