
نحو المزيد من التسلح والمزيد من الحروب رغم ادعاء تحقيق السلام
العميد م. ناجي ملاعب
في تقرير حديث لمعهد ستوكهولم لأبحاث السلام فقد استحوذت الولايات المتحدة الأمريكية، في الفترة بين عامي 2020 و2024. على 43 % بالمائة من صادرات الأسلحة في العالم، حيث صدّرت أسلحة إلى 107 دول. وبعد ان شهد العالم نوعا من الثبات النسبي لصادرات الأسلحة، وسجّل ما يشبه حالة ركود إلى حد ما بالمقارنة مع الفترة من عام 2010 وحتى عام 2019. لكن قائمة الدول المستوردة تغيرت بشكل كبير وتصدرتها أوكرانيا، كما كشف التقرير، ولفت الى ان هناك دول أخرى تزايدَ وأخرى تناقص تسليحها. وعند النظر إلى كل بلد على حدة، تتجلى التغيرات الجيوسياسية المأساوية التي تثير العالم حاليًا.
وهناك تغيرات خطيرة بين البلدان المستورة للأسلحة في نهاية المطاف. وهناك تطورات أخرى تظهر بوتيرة سريعة: فألمانيا مثلًا تريد في الأعوام القادمة استثمار مبالغ فلكية في تسليح الجيش الألماني والاستمرار في دعم أوكرانيا. ويقدر الخبراء ذلك بنحو 400 مليار يورو.
وفي اليابان، مثلاً، في تراجع كبير عن موقفها السلمي السابق الذي طال ما يقرب من ثمانية عقود، كشفت اليابان النقاب مؤخرا عن خطة جديدة لمدة 5 سنوات تتضمن تغيرات جذرية لإعادة هيكلة استراتيجيتها الخاصة بالدفاع والإنفاق. وبموجب استراتيجية الأمن القومي الجديدة، تعهدت اليابان بزيادة إنفاقها الدفاعي إلى 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وأُعلن عن خطة بقيمة 320 مليار دولار أميركي، هي الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية، لبناء الجيش بحلول عام 2027. وتبلغ ميزانية الدفاع للعام الحالي 55 مليار دولار، بزيادة قدرها 20 في المائة وهي الخطوة التي ستجعلها ثالث أكبر ميزانية في العالم، بعد ميزانيتي الولايات المتحدة والصين.[1]
ومن أجل 'إعادة تسليح أوروبا' من المقرر تعبئة حوالي 800 مليار يورو حسب ما ذكره ممثلو دول الاتحاد الأوروبي في قمة عُقدت بهذا الخصوص في بروكسل يوم 6 آذار/ مارس 2025. يتساءل اندرياس بيكر في موقع دي دبليو عربية أن القرار بشأن 'إعادة تسليح أوروبا' وتخصيص الأموال لذلك تم اتخاذه. وفي ضوء ذلك يريد الاتحاد الأوروبي زيادة الإنفاق على التسلح بمئات المليارات، فهل حان الوقت الآن للديون المشتركة من خلال سندات اليورو؟[2]
ومن الملفت للانتباه أن أربعة من دول الشرق الأوسط حلّت من بين أكثر عشر دول مستوردة للأسلحة بين عامي 2020 و2024 وهي قطر والمملكة العربية السعودية ومصر والكويت. وكذلك كانت أربع دول أخرى في آسيا وأوقيانوسيا في المحيط الهندي، من بين الدول العشرة المستوردة للأسلحة وهي: الهند وباكستان واليابان وأستراليا. ويقول الباحث سيمون فيزمان من معهد ستوكهولم لأبحاث السلام مندهشًا من قلة الاهتمام بهذه الاحصائية: 'بينما تحظى صادرات الأسلحة إلى أوروبا أو الشرق الأوسط بأكبر قدر من الاهتمام الإعلامي، تبقى آسيا وأوقيانوسيا أكثر منطقة في العالم تستورد أسلحة'.
بينما أصبحت أوكرانيا الآن أكبر مستورد للأسلحة الثقيلة عالميًا في الفترة بين عامي 2020 و2024. وبالمقارنة مع الفترة بين عامي 2015 و2019، فقد زادت أوكرانيا بعد وخلال الحرب الروسية الأوكرانية وارداتها من السلاح بنحو مئة ضعف، وهذا يمثل تطورًا يحبس الأنفاس. إذ أنَّ نحو تسعة بالمائة من إجمالي صادرات الأسلحة في العالم تصل في نهاية المطاف إلى هذا البلد الأوروبي الشرقي المنكوب بالحرب.
في هذا البحث، سوف نتطرق الى التغيرات الجيوسياسية الحاصلة والمتوقعة في عالم اليوم لا سيما في المناطق الساخنة التي تلجأ الى التسلح والدول المنتجة والمصدرة للأسلحة وفق خبراء ومراكز دراسات وابحاث متخصصة ونستند الى تفاصيل الأرقام الموزعة من معهد سيبري والذي يتناول دراسة تطور الانفاق العسكري وصادرات الأسلحة في نهاية كل أربع سنوات فهل المناداة بتحقيق السلم لا الحرب شعار قابل للتطبيق!
أولا: الجديد في تقرير صادرات الأسلحة العالمي
نبدأ بالإشارة الى ان التقارير التي يصدرها معهد ستوكهولم لأبحاث السلام (سيبري) هي من المصادر الأكثر جدية وموثوقية في موضوعات صناعة الأسلحة وتصديرها. كما أنَّ تقارير باحثيه البالغ عددهم 60 باحثًا في العاصمة السويدية ستوكهولم كانت لأعوام عديدة أساسًا لمحادثات نزع السلاح بين العديد من الدول. وهذا المعهد الممول حكوميًا، تأسس في عام 1966.
يسلط تقرير SIPRI الأخير الضوء على تزايد هيمنة الولايات المتحدة في تجارة الأسلحة العالمية، حيث تلعب الأسلحة المصنعة في أمريكا دورًا مركزيًا في جهود التحديث العسكري حول العالم. وبينما يستمر تراجع روسيا، توسع فرنسا وشركات تصنيع أوروبية أخرى وجودها في السوق، خصوصًا داخل حلف الناتو.
كما يبرز تقرير SIPRI الاعتماد المتزايد على الأسلحة الأمريكية بين دول الناتو الأوروبية. بحيث تظهر البيانات أن هذه الدول ضاعفت وارداتها من الأسلحة أكثر من مرتين بين عامي 2015-2019 و2020-2024، مع تزويد الولايات المتحدة بـ 64% من هذه المشتريات.
ومع زيادة الطلب على الأسلحة عالية التقنية وأنظمة الدقة بعيدة المدى، من المحتمل أن تتصاعد المنافسة على مبيعات الأسلحة، بحيث تسهم برامج تحديث المنظومات الدفاعية وفق تحديات ادخال الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري والأمني، تسهم في المقام الأول، في زيادة أرباح مصنعي الأسلحة في العالم؛ وهذا ما كشفت تقرير معهد سيبري في كانون أول/ديسمبر 2024 انه في عام 2023 وحده ارتفعت مبيعات أكبر 100 شركة مصنعة للأسلحة في جميع أنحاء العالم بنسبة 4.2 بالمائة إلى نحو 632 مليار دولار.
وتبقى الولايات المتحدة الأمريكية أكبر مصدر للأسلحة في العالم: 43 بالمائة من جميع الأسلحة في العالم مصدرها الولايات المتحدة الأمريكية، والتي صدرت أسلحة إلى 107 دولة في الفترة بين عامي 2020 و2024. وحول ذلك يقول ماتيو جورج، وهو أحد مؤلفي الدراسة الجديدة الصادرة عن معهد ستوكهولم لأبحاث السلام: 'تحتل الولايات المتحدة الأمريكية في صادرات الأسلحة وضعًا فريدًا من نوعه: لأنَّ حصتها من الصادرات تزيد أربعة أضعاف عن حصة الدولة صاحبة المرتبة الثانية، أي فرنسا وأضاف: 'تظل الولايات المتحدة المورد المفضل للأسلحة المتطورة بعيدة المدى، بما في ذلك الطائرات الحربية وأنظمة الصواريخ'.[3]
انخفاض الصادرات الروسية وأسبابه
في المقابل، فقد صدّرت روسيا أسلحة أقل بنسبة 63 بالمائة بين عامي 2015 و2024، وفي عامي 2021 و2022 كان إجمالي حجم صادراتها من الأسلحة هو الأدنى خلال العقدين الماضيين. وهو تراجع يعد من أكبر الانخفاضات في التاريخ الحديث. بدأ هذا التراجع قبل الغزو الكامل لأوكرانيا في عام 2022، ولكن الحرب سرّعت من هذا الاتجاه بسبب العقوبات الغربية التي عطلت قدرة روسيا على تصنيع الأسلحة وتوريدها، بالإضافة إلى زيادة الطلب الداخلي على المعدات العسكرية نتيجة لتخصيص الموارد للحرب على حساب المبيعات الدولية. كما أسهم فقدان الأسواق التقليدية مثل الهند، التي بدأت تتجه نحو الموردين الغربيين والمحليين، في تدهور اعتمادها على مصادر الأسلحة الروسية. حيث كانت الهند تمثل 38% من صادرات الأسلحة الروسية، ولكن التحول نحو الإنتاج المحلي والشراكات الغربية قلل من اعتمادها على موسكو.
زيادة الصادرات الفرنسية وتبوئها المركز الثاني
في الوقت الذي انخفضت فيه صادرات الأسلحة الروسية، صعدت فرنسا لتصبح ثاني أكبر مصدر للأسلحة في العالم، حيث زادت حصتها إلى 9.6%. وقد استفادت صناعة الدفاع الفرنسية من عقود ضخمة للطائرات المقاتلة مع اليونان وكرواتيا وقطر، بالإضافة إلى شحنات كبيرة من الأسلحة إلى أوكرانيا بعد الغزو الروسي.
وقال ماتيو جورج،: 'صعود فرنسا في سوق الأسلحة كان مدعومًا بالمبيعات الكبيرة لطائرات رافال المقاتلة ودورها المتزايد في تعزيز الأمن الأوروبي'. وأضاف: 'لقد ضاعفت فرنسا صادراتها من الأسلحة إلى الدول الأوروبية تقريبًا، مما يعكس الطلب المتزايد على المعدات العسكرية الأوروبية'.[4]
ثانياً: مستقبل السلم والحرب في ظل برامج إعادة التسلح
كتب ديفيد والاس-ويلز على موقع 'نيويورك تايمز' في شباط الفائت: 'على مدى العقد الماضي، بينما تخلت الصين عن مظهر الخضوع الجيوسياسي وبدأت في لعب ألعاب الهيمنة المماثلة — مثل إخبار دول ASEAN العشر، على سبيل المثال، بأن الصين دولة كبيرة وأنتم دول صغيرة، وهذه حقيقة — ألهمت ذلك مصطلحًا جديدًا في السياسة الخارجية: 'دبلوماسية محاربي الذئاب'. أثار ذلك فضيحة بين المؤسساتيين في السياسة الخارجية في الغرب، بما في ذلك الرئيس بايدن، الذي قضى جزءًا كبيرًا من النصف الثاني من رئاسته في محاولة لإحياء مشروع دبلوماسي حنين للنظام الأخلاقي لما بعد الحرب. وكان رد حركة 'اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى' هو: دعونا لا نكون سذجًا ودعونا لا نكون ضحايا: نحن جميعًا ذئاب على المسرح العالمي، واللعبة تبدأ عندما نظهر أسناننا. [5]
1 – 'الحرب الهادئة' بين الصين والولايات المتحدة
يصنف كتاب 'الحرب الهادئة[6] الصادر عام 2013 مستقبل التنافس العالمي' في إطار دراسات العلاقات الدولية والدراسات الاستشرافية والمستقبلية، ويطرح فكرة أساسية وهي مسار أو مستقبل التنافس العالمي بين الولايات المتحدة والصين.
وما العودة الى كتاب نُشر منذ عقد من الزمن إلا لسبب ان الإدارة الاميركية الحالية والوعود التي كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يغدقها على ناخبيه أثناء الحملة الانتخابية، وحتى بعد فوزه بالسلطة، بإنهاء الحروب التي حمّل وزرها للإدارة السابقة، وهو الرئيس الذي لم يقدم على توريط الولايات المتحدة في مرحلة حكمه السابقة 2016 – 2020 بأية حروب، فهل يعتمد استراتيجية الحرب الهادئة مع منافسته الأقوى الصين؟
ما يميز هذا الكتاب إنه يطرح فكرة التنافس العالمي بطريقة موضوعية نسبياً، إذ حاول المؤلف أن يبتعد عن الانحياز لطرف معين عن طريق طرح نقاط قوة وضعف الطرفين وإبراز حقيقة العلاقة الغامضة بين أكبر دولتين في عصرنا الحالي.
يعتبر مصطلح 'الحرب الهادئة' هو وصف لحالة التنافس القائمة بين الصين والولايات المتحدة في المجالات الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية، ولكن هذا التنافس ليس الأول من نوعه في المجتمع الدولي حيث شهد العالم منذ الأزل صراعات وحروب بأشكال مختلفة.
ينطلق الكاتب في طرحه من الحرب الباردة كأبرز الحروب التي انتهت بانتصار الغرب الليبرالي على الشرق الشيوعي، كما حاول أيضاً أن يقارن ضمنياً بين تجربة الولايات المتحدة في مجال المنافسة وبين القوى العظمى السابقة – مثل بريطانيا – ليصل إلى استنتاج مبدئي أنه على الرغم من اعتقاد الغرب أنهم كسبوا الحرب وانتصروا على المعسكر الشرقي ولكن الواقع والكثير من المحللين يرجحون أن الصين هي الفائز الحقيقي وهي المنافس الجديد والأكثر شراسة من الاتحاد السوفيتي الذي سيهز عرش الولايات المتحدة.
حاول فلدمان أن يوضح الاختلاف البارز في طبيعة العلاقة القائمة بين الصين والولايات المتحدة، التي تختلف تماماً عن العلاقة السابقة مع الاتحاد السوفييتي حيث توالت أحداث كثيرة في المجتمع الدولي غيرت من طبيعة الصراع والتنافس ليكون عصرنا هو عصر التنافس الاقتصادي ولكن بصبغة تعاون واعتماد متبادل.
في الواقع، يمكن القول بأن طبيعة هذه العلاقة فرضها الوضعان الاقتصادي والسياسي في المجتمع الدولي المختلف عن الوضع سابقاً، حيث لم يكن الارتباط التجاري والصفقات المشتركة سبباً في منع الحروب ولم يكن للجانب الاقتصادي أي دور.
ولكن حالياً، والكلام ما زال لمؤلف الكتاب، اختلف الوضع من ناحية طبيعة الشراكة الاقتصادية بين كل من الصين والولايات المتحدة، فهي أعمق ومتفرعة إلى عدة تخصصات مما جعل الضرر الناجم عن الحرب المحتملة مشترك بين الطرفين، وأصبح الاقتصاد سبب رئيسي في ردع المواجهة في يومنا هذا. فالتاريخ لم يشهد من قبل على حرب أو صدام عنيف بين دولتين مترابطتين بشكل عميق لهذا الحد، مما يجعل احتمال وقوع اشتباك بين الطرفين ضئيل في ظل توفر الشروط الحالية، فالعامل الاقتصادي قادر أن يخفف من حدة أية أزمة مع الوقت.
2 – 'المجمع الصناعي العسكري' ودوره في اقتصاد الحرب
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أصبحت الحرب، أو التهديد بها، ركيزة أساسية في الاستراتيجية الأمريكية، ليس فقط لتحقيق أهداف سياسية أو عسكرية، ولكن أيضًا لدعم الاقتصاد الأمريكي وتعزيز مكانته العالمية. فالصناعات العسكرية الأمريكية ليست مجرد أداة للدفاع الوطني، بل تمثل جزءًا جوهريًا من بنية الاقتصاد، حيث تحفز النمو، وتخلق الوظائف، وتُبقي الولايات المتحدة في موقع الهيمنة التكنولوجية. وهكذا، فإن الحروب—بما في ذلك التدخلات العسكرية المباشرة أو إدارة النزاعات من خلال الحلفاء—لم تعد فقط ضرورة أمنية، بل أصبحت استثمارًا استراتيجيًا ذا عوائد اقتصادية هائلة.
ويمكن فهم طبيعة اقتصاد الحرب في الولايات المتحدة من خلال مفهوم 'المجمع الصناعي العسكري'، الذي أشار إليه الرئيس دوايت أيزنهاور في خطابه الوداعي عام 1961، محذرًا من تأثيره العميق على السياسة الأمريكية. فالشركات الكبرى مثل 'لوكهيد مارتن'، و'بوينغ'، و'رايثيون'، و'نورثروب غرومان'، وغيرها، تعتمد بشكل شبه كامل على العقود العسكرية الضخمة، التي تمولها الميزانية الفيدرالية. هذه الشركات لا تقتصر أنشطتها على الإنتاج الدفاعي، بل تلعب دورًا أساسيًا في توجيه السياسات العامة من خلال جماعات الضغط والتمويل السياسي، مما يؤدي إلى استمرار الحروب أو تصعيد النزاعات لتعظيم أرباحها[7].
إن هذا الارتباط بين الاقتصاد والسياسة يجعل من الحرب عنصرًا اقتصاديًا أساسيًا. فمع كل حرب أو تصعيد عسكري، تزداد الطلبات على الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية، ما يخلق فرصًا جديدة للاستثمار والتوسع. علاوة على ذلك، تساهم الحروب في تشغيل ملايين الأمريكيين في قطاعات الدفاع والأمن، مما يجعل إنهاء الصراعات أو تقليل الإنفاق العسكري تهديدًا للاستقرار الاقتصادي الداخلي
تاريخيًا، أثبتت الولايات المتحدة أنها تلجأ إلى الحرب أو التهديد بها كوسيلة لتحفيز الاقتصاد، خاصة في فترات الركود. فعلى سبيل المثال، ساهمت الحرب العالمية الثانية في إنهاء الكساد الكبير، وأدى سباق التسلح خلال الحرب الباردة إلى ازدهار صناعي هائل. وبعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001، لعبت 'الحرب على الإرهاب' دورًا مشابهًا، حيث ضخّت الحكومة الأمريكية تريليونات الدولارات في الصناعات الدفاعية، مما ساعد على تعويض الأزمات الاقتصادية.
يتمثل أحد الأبعاد المهمة لهذا النمط الاقتصادي في أن الولايات المتحدة لا تحتاج دائمًا إلى شن حروب واسعة النطاق، بل يكفيها خلق حالة من التوتر الجيوسياسي تبرر استمرار الإنفاق العسكري. وتبرز هنا استراتيجيات مثل 'إدارة النزاعات' و'الحروب بالوكالة'، حيث تُستخدم أطراف إقليمية كأدوات للصراع، بينما تستفيد الشركات الأمريكية من توريد الأسلحة والدعم اللوجستي.
3 – الصين – أميركا
إن الصين، وفق إحصائية سابقة لمعهد سيبري للعام 2020 صعدت الى الدرجة الثانية بين أكبر منتجي للأسلحة في العالم بعد الولايات المتحدة، وحلّت مكان الروس بذلك، لكن اليوم تبوأت فرنسا المركز الثاني وفق تقرير حديث للمعهد. وحققت أربع شركات أسلحة صينية على الأقل مبيعات كافية لتصنيفها بين أكبر 20 بائع للأسلحة في العالم. وذكر المعهد، بناء على تقديرات جديدة، أن الشركات الأربع، بما فيها أكبر شركة لصناعة الطائرات في الصين 'شركة صناعة الطيران الصينية' (أفيك)، حققت مبيعات بقيمة 54,1 مليار دولار في عام 2017. واحتلت شركة أفيك وحدها المركز السادس بين بائعي الأسلحة في العالم، حيث وصلت مبيعاتها من الأسلحة في عام 2017 إلى 20,1 مليار دولار. فيما احتلت شركة لوكهيد مارتن الأمريكية في ذلك العام المركز الأول، كأكبر بائع للأسلحة في العالم حيث بلغت مبيعاتها نحو 43,9 مليار دولار.
وقدم معرض الصين الدولي الخامس عشر للطيران والفضاء 2024 رؤية واضحة للاستراتيجية العسكرية والتكنولوجية للصين. فبالإضافة إلى عرض الابتكارات التكنولوجية، عمل المعرض كمنصة لإعلان طموحات الصين العالمية وتصميمها على إعادة تشكيل النظام العالمي. والعواقب الاستراتيجية للمعرض شاملة:
التقدم العسكري الصيني – أبرز المعرض الصعود الكبير للصين كقوة عسكرية حديثة. وقد استعرض قادة الصناعة الصينية وممثلو الحكومة الإنجازات التي تحققت في الأنظمة غير المأهولة، وأسلحة الطاقة الموجهة، وتقنيات التخفي من الجيل التالي. ويعكس هذا التقدم جهوداً متضافرة للتكيف مع الاتجاهات العالمية في الحرب الحديثة مع الحفاظ على نهج صيني فريد من نوعه في الابتكار العسكري والطموح لتولي الدور القيادي فيه.
التكامل العسكري المدني ــ أكدت الرسائل الأساسية في الحدث على الدور المزدوج للجيش الصيني. فقوته لا تستخدم للدفاع الوطني فحسب، بل وأيضاً للرفاهة الاجتماعية والحفاظ على النظام في البلاد. وفي أوقات الكوارث الطبيعية، أو الأزمات الإنسانية، أو الحوادث الإرهابية، يعمل الجيش الصيني كقوة استجابة أولية ــ وهو الدور الذي اكتسب حسن النية العامة. وقد تم تصوير تكامل الموارد العسكرية والمدنية، وخاصة في الخدمات الطبية واللوجستية، فضلاً عن التطوير التكنولوجي، كنموذج للكفاءة والمسؤولية الاجتماعية. ويعزز هذا السرد المزدوج الغرض فكرة أن الجيش جزء لا يتجزأ من الهوية الوطنية الصينية، ويسد الفجوة بين مسؤولياته الدفاعية ومساهمته في الرفاهة العامة، ويسلط الضوء على دوره كأداة رئيسية للنظام في الحفاظ على النظام الحكومي.
التأثير على المفاهيم العالمية – استخدمت الصين أيضاً المعرض كمنصة لمعالجة الشكوك الغربية بشأن نواياها. وقد صاغ المعرض التوسع العسكري الصيني باعتباره يركز على الدفاع عن السيادة الوطنية للبلاد والمساهمة في الاستقرار الإقليمي، وليس السعي إلى الهيمنة العالمية. وأكد الموضوع الصيني الرسمي على صورة البلاد كدولة مسالمة مدفوعة بالابتكار في إطار نظام عالمي معقد، مع تسليط الضوء أيضاً على علاقات الصين مع الجنوب العالمي، بما في ذلك التعاون العسكري المحتمل. سعى هذا الخطاب إلى وضع الصين كلاعب عالمي مسؤول حريص على التعاون مع الدول الأجنبية، مع رفض تصوير نموها على أنه تهديد متزايد للأمن العالمي.
المساهمات الاقتصادية لصناعتي الطيران والدفاع ــ كان التأثير الاقتصادي لصناعة الطيران والفضاء الصينية موضوعاً بالغ الأهمية. وبفضل الاستثمارات في البحث والتطوير، أصبح هذا القطاع محركاً للنمو الوطني ونموذجاً للقدرات التكنولوجية الصينية. ويمثل هذا التطور، الذي يعكس التطلعات الصينية لتحدي عمالقة الطيران الغربيين مثل بوينج وإيرباص، معلماً مهماً في التقدم الصناعي في البلاد.
الرسالة الرئيسية التي ينقلها المعرض هي أن الصين ليست لاعباً سلبياً في الساحة الدولية؛ بل إنها لاعب نشط واستباقي يسعى إلى إقامة نظام عالمي جديد. إن استثماراتها الكبيرة في التكنولوجيا، إلى جانب استراتيجية متطورة، تعمل على تمكين الصين من التأثير على الديناميكية العالمية عبر مختلف المجالات، من الأمن القومي إلى الاقتصاد[8].
5 – أميركا – إيران صفقة أم صدام
إذا كانت إيران قد وصلت بالفعل الى وضع 'العتبة النووية'، ما يضعها في نقطة التحوّل إلى سلاح نووي؛ فبإمكانها تطوير ما يكفي من المواد اللازمة لصنع قنبلة نووية في غضون أسبوع واحد فقط، بينما يُقدّر بعض الخُبراء أن بإمكانها بناء رأس نووي لحمل هذه القنابل في غضون عدة أشهر. وبنفس الطريقة التي حقّقت بها الهند وباكستان سلاماً بارداً نسبياً، قد تتطلّع طهران إلى ضبط السلوك الإسرائيلي من خلال إعادة التوازن في المجال النووي.
وفي الوقت الحالي، تقف إيران عند نقطة انعطاف مُهمّة، وتواجه خيارين: إمّا أن تُحافظ على وضع العتبة النووية من دون امتلاك السلاح النووي. وهذا الوضع قد يؤدّي إلى المزيد من التصعيد العسكري مع إسرائيل أو الولايات المتحدة، وسيُعرّض منشآتها النووية لضربة إسرائيلية-أمريكية مُشتركة، بخاصة مع وصول الرئيس ترامب الأكثر تشدداً إلى البيت الأبيض. كما سيعني ذلك أن طهران ستتأخّر في الحصول على أسلحة نووية على مدى زمني أطول مع استنزاف مواردها.
وبدلاً من ذلك، قد تختار إيران الاندفاع السريع نحو التسلّح النووي، بينما لا تزال لديها قدرات نووية مُتقدّمة. وإذا سلكت إيران هذا الطريق المحفوف بالمخاطر، ستسعى إلى إعادة تأسيس مستوى مُعيّن من الردع على الرغم من خطر التسبّب في تلقيها ضربات إسرائيلية أمريكية فورية.
إن إضعاف محور المُقاومة، إلى جانب وجود قوة عسكرية إسرائيلية- أمريكية هائلة، قد يُجبران طهران على اللجوء إلى الخيار الثاني الأكثر خطورة والمُتمثّل في التسلّح النووي. وبذلك، تُقدِم على مُخاطرة محسوبة على أمل أن تتمكّن من القيام بذلك بسرعة، وفي مواقع يصعب الوصول إليها في أعماق الأرض. وعلى الرغم من الاحتمال القوي بتعرّض البلاد لقصف طوال هذه العملية من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، إلا أن القيادة الإيرانية قد ترى أن بإمكانها تحمّل وطأة العمل العسكري والخروج منه أقوى من ذي قبل.
وباختصار، على الرغم من موقفها الإقليمي الضعيف، فإن إيران تمر بنقطة تحوّل كبيرة فيما يخص القضية النووية. وكما أشار مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، بيل بيرنز، مؤخراً في خطاب أمام جمع من طلاب كلية الحرب الوطنية، في 5 سبتمبر 2024: 'إن التسلّح النووي الآن هو قرار سياسي بالنسبة لإيران، وليس قراراً تكنولوجياً'، ما يعني أن الجمهورية الإسلامية لديها القدرة على تخصيب اليورانيوم للقيام بذلك. ويُمثّل هذا الوضع ما يُشبه التغيير في النموذج بالنسبة لواشنطن من حيث تصوّر التهديد،
وسيتطلّب الأمر مستوىً هائلاً من الاهتمام والتركيز على الديناميات في الشرق الأوسط، بدلاً من التفكير في استراتيجيات الخروج من المنطقة. [9]
ثالثاً: القوة الأميركية في العصر الجديد للقومية
كتب مايكل كيماج – مدير معهد كينان التابع لمركز ويلسون ومؤلف كتاب 'التخلي عن الغرب: تاريخ فكرة في السياسة الخارجية الأميركية' – 'في العقدين اللذين أعقبا نهاية الحرب الباردة، اكتسبت العولمة أرضية على حساب القومية. وفي الوقت نفسه، طغى صعود الأنظمة والشبكات المتزايدة التعقيد ــ المؤسسية والمالية والتكنولوجية ــ على دور الفرد في السياسة. ولكن في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بدأ تحول عميق. فمن خلال تعلم كيفية تسخير أدوات هذا القرن، أحيت مجموعة من الشخصيات الكاريزماتية النماذج الأصلية للقرن السابق: الزعيم القوي، والأمة العظيمة، والحضارة الفخورة.'[10]
ويضيف كيماج يمكن القول إن التحول بدأ في روسيا. في عام 2012، أنهى فلاديمير بوتن تجربة قصيرة ترك خلالها الرئاسة وقضى أربع سنوات كرئيس للوزراء بينما خدم حليف مطيع كرئيس. عاد بوتن إلى المنصب الأعلى وعزز سلطته، وسحق كل المعارضة وكرس نفسه لإعادة بناء 'العالم الروسي'، واستعادة مكانة القوة العظمى التي تبخرت مع سقوط الاتحاد السوفييتي، ومقاومة هيمنة الولايات المتحدة وحلفائها. بعد عامين، وصل شي جين بينج إلى القمة في الصين. كانت أهدافه مثل أهداف بوتن ولكنها أعظم بكثير في الحجم – وكانت الصين تتمتع بقدرات أعظم بكثير. في عام 2014، أكمل ناريندرا مودي، الرجل ذو التطلعات الواسعة للهند، صعوده السياسي الطويل إلى منصب رئيس الوزراء وأسس القومية الهندوسية كأيديولوجية مهيمنة في بلاده. في نفس العام، أصبح رجب طيب أردوغان، الذي أمضى أكثر من عقد من الزمان كرئيس وزراء قوي في تركيا، رئيسًا لها. في وقت قصير، حول أردوغان المجموعة الديمقراطية المنقسمة في بلاده إلى عرض استبدادي من رجل واحد.
ولعل اللحظة الأكثر أهمية في هذا التطور حدثت في عام 2016، عندما فاز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة. ووعد بـ 'جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى' ووضع 'أمريكا أولاً' – شعارات تجسد روحًا شعبوية وقومية ومعادية للعولمة كانت تتسرب داخل الغرب وخارجه حتى مع ترسيخ النظام الدولي الليبرالي بقيادة الولايات المتحدة ونموه. لم يكن ترامب يركب موجة عالمية فحسب. كانت رؤيته لدور الولايات المتحدة في العالم مستمدة من مصادر أمريكية على وجه التحديد، وإن كان أقل من حركة أمريكا أولاً الأصلية التي بلغت ذروتها في ثلاثينيات القرن العشرين وأكثر من معاداة الشيوعية اليمينية في الخمسينيات.
1 – أين أوروبا في مستقبل التخطيط الاستراتيجي الأميركي:
يستنتج مايكل كيماج انه' في السنوات القادمة، سوف يعتمد نوع النظام الذي سيشكله هؤلاء القادة إلى حد كبير على ولاية ترامب الثانية. ففي نهاية المطاف، كان النظام الذي تقوده الولايات المتحدة هو الذي شجع على تطوير الهياكل فوق الوطنية في أعقاب الحرب الباردة. والآن بعد أن انضمت الولايات المتحدة إلى رقصة الأمم في القرن الحادي والعشرين، فإنها غالبا ما تكون هي من يوجه اللحن. ومع وجود ترامب في السلطة، فإن الحكمة التقليدية في أنقرة وبكين وموسكو ونيودلهي وواشنطن (والعديد من العواصم الأخرى) ستقرر أنه لا يوجد نظام واحد ولا مجموعة متفق عليها من القواعد. وفي هذه البيئة الجيوسياسية، سوف تتراجع فكرة 'الغرب' الهشة بالفعل إلى أبعد من ذلك – وبالتالي، سوف يتراجع وضع أوروبا، التي كانت في حقبة ما بعد الحرب الباردة شريكة واشنطن في تمثيل 'العالم الغربي'. لقد تم تكييف الدول الأوروبية لتوقع الزعامة الأميركية في أوروبا ونظام قائم على القواعد (ليس بالضرورة من الطراز الأميركي) خارج أوروبا. إن تعزيز هذا النظام، الذي انهار لسنوات، سوف يُترَك لأوروبا، وهي اتحاد فضفاض من الدول بلا جيش وبقوة صارمة منظمة قليلة خاصة بها – والتي تشهد بلدانها فترة من القيادة الضعيفة بشكل حاد' [11].
2 – اليابان تطوي صفحة اللاعسكرة
تشير استراتيجية الدفاع الجديدة في اليابان إلى أن طوكيو باتت تعمل على بناء «قوة دفاع متعددة المجالات»، حيث سيصار إلى تجهيز «قوات الدفاع الذاتي» (أي الجيش) بقدرات في الفضاء والفضاء الإلكتروني والطيف الكهرومغناطيسي، بجانب قدرات في المجالين البحري والجوي، وقدرات دفاعية جوية وصاروخية شاملة للرد على التهديدات المختلفة المحمولة جواً، فضلاً عن القدرات الدفاعية في المواجهات، والقدرة على المناورة والانتشار، وتأمين الذخيرة وضمان صيانة المعدات. إذ أقرت الحكومة اليابانية ثلاث وثائق أمنية رئيسية، هي: استراتيجية الأمن القومي الجديدة (NSS)، التي تعد الأكثر أهمية بين الوثائق الثلاث، واستراتيجية الدفاع الوطني (NDS) وبرنامج بناء الدفاع (DBP). ومن المقرر أن تشكل الوثائق الثلاث معاً استراتيجية البلاد الشاملة وسياستها الدفاعية وأهدافها للاستحواذ الدفاعي في المستقبل القريب. وللعلم، للمرة الأولى سيصار أيضاً إلى تطوير قدرة «الهجوم المضاد»، وهي القدرة على ضرب مواقع إطلاق الصواريخ التي تهددها.
بموجب استراتيجية الأمن القومي الجديدة، تعهدت اليابان بزيادة إنفاقها الدفاعي إلى 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وأُعلن عن خطة بقيمة 320 مليار دولار أميركي، هي الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية، لبناء الجيش بحلول عام 2027. وتبلغ ميزانية الدفاع للعام الحالي 55 مليار دولار، بزيادة قدرها 20 في المائة وهي الخطوة التي ستجعلها ثالث أكبر ميزانية في العالم، بعد ميزانيتي الولايات المتحدة والصين. ومعلوم أن طوكيو أبقت معدلات الإنفاق الأمني منخفضة لالتزامها الدستوري بتجنب خوض الحروب، رغم امتلاكها ميزانية دفاعية ومحافظتها على وجود «قوات الدفاع الذاتي» منذ عام 1954.
هذا، وستحصل اليابان خلال هذا العام على برنامج الطائرات المقاتلة الأكثر تقدماً «إف -35» من الولايات المتحدة، كما أعلنت عن خطط لشراء صواريخ «توماهوك» الأميركية الصُنع، وصواريخ «كروز» جديدة بعيدة المدى تستطيع ضرب أهداف في الصين أو كوريا الشمالية في حال تبنيها استراتيجية أمنية أكثر هجومية. وكانت اليابان قد وقعت مؤخرا اتفاقية دفاعية غير مسبوقة مع بريطانيا، وانضمت إلى الأخيرة وإيطاليا لتطوير طائرة «تمبست» الأكثر تقدماً والمدعومة بالذكاء الصناعي، التي يُقال إنها تتفوق على طائرات «إف – 35» الأميركية[12].
في الخلاصة
تتمثل إحدى أخطر النتائج في انتشار العسكرة كأداة للحكم الدولي، حيث تزداد سباقات التسلح، ما يؤدي إلى تقويض المبادرات الدبلوماسية لصالح الحلول العسكرية. كما تعزز هذه الديناميكية تدخلات الولايات المتحدة المباشرة أو غير المباشرة في مناطق الصراع، الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية وانتشار الحروب الأهلية والانقلابات السياسية.
على المستوى الاقتصادي، يدفع هذا النموذج الدول الأخرى إلى تخصيص ميزانيات هائلة للتسلح، مما يضر بقطاعات التنمية ويؤدي إلى إفقار المجتمعات. كما أن استمرار هذا النمط يُضعف النظام الدولي، حيث تتحول الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية إلى أدوات عاجزة عن ضبط النزاعات، بسبب سيطرة القوى العظمى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، على آليات اتخاذ القرار.
ويمثل اقتصاد الحرب من منظور الأمن القومي الأمريكي ظاهرة معقدة تجمع بين العوامل الاقتصادية والجيوسياسية والاستراتيجية. وبينما يحقق هذا النموذج فوائد اقتصادية ضخمة للولايات المتحدة، فإنه يُشكل تهديدًا مباشرًا للاستقرار العالمي، حيث يؤدي إلى عسكرة السياسة الدولية، وتعزيز النزاعات، وتقويض فرص السلام المستدام. وفي غياب إصلاحات جذرية، فإن استمرار هذا النهج قد يقود إلى أزمات كبرى تهدد النظام العالمي بأسره، خاصة مع تصاعد التوترات بين القوى الكبرى، وعودة المنافسة الاستراتيجية على نطاق واسع
كل الطرق تؤدي الى الطاحونة الأميركية فهل يساهم النهج الأمريكي باستفادة واشنطن من بقاء واستمرار الصراعات وادامة النزاعات في الشرق الأوسط، وأوروبا الشرقية، ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ، بما يضمن استمرار الطلب على الصناعات العسكرية، ام تطبق إدارة ترامب ما تسميه استراتيجية السلم بالقوة وتتابع النهج السابق في إطفاء الحروب.
لكن معظم الخبراء يتوقعون انه لم يعد أي من الأوصاف المعتادة للنظام العالمي ينطبق الآن: فالنظام الدولي ليس أحادي القطب أو ثنائي القطب أو متعدد الأقطاب. ولكن حتى في عالم بلا بنية مستقرة، لا يزال بوسع إدارة ترامب استخدام القوة الأميركية والتحالفات والحكم الاقتصادي لنزع فتيل التوتر، والحد من الصراع، وتوفير خط أساس للتعاون بين البلدان الكبيرة والصغيرة. وقد يخدم هذا رغبة ترامب في ترك الولايات المتحدة في حال أفضل في نهاية ولايته الثانية مقارنة بما كانت عليه في البداية.
[1] وكالة أخبار اليوم، مقالة بعنوان: اليابان تطوي صفحة اللاعسكرة، نشرت في 28 كانون الثاني 2023 -على الرابط:
https://www.akhbaralyawm.com/news/242920
[2] موقع DW عربية مقالة للكاتب اندرياس بيكر بعنوان إعادة تسليح أوروبا – من أين تأتي الأموال؟ على الرابط: https://p.dw.com/p/4rfvW
[3] موقع DWعربية في مقالة كتبها ينس توراتو بتاريخ 2025/3/10 على الرابط: https://p.dw.com/p/4rZKZ
[4] يانس توراو موقع DWعربية، المرجع السابق
[5] ديفيد والاس-ويلز: على موقع 'نيويورك تايمز'12 فبراير/ شباط 2025 على الرابط
https://mail.google.com/mail/u/0/#inbox/KtbxLvHHkVqGVBKsqznnVHKSlNCmxfncjB
[6] Cool War: The Future of Global Competition المؤلف: نوح فلدمان – المترجم: هشام سمير – عدد الصفحات: 226 – دار النشر: تكوين للدراسات والأبحاث – النسخة الاصلية 2013 / النسخة المترجمة 2016.
[7] موقع المركز العربي الديمقراطي مقالة بعنوان: اقتصاد الحرب في الاستراتيجية الأمريكية: صناعة الصراع وأثرها على الأمن والسلم الدوليين نشرت بتاريخ 25 – 2 – 2025 على الرابط: https://democraticac.de/?p=103196
[8] موقع الخنادق الالكتروني: ترجمة عن موقع معهد دراسات الأمن القومي نشر على الرابط:
https://alkhanadeq.org.lb/post/8078/%D9%85%D8%B9%D8%B1%D8%B6-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A-%D9%85%D8%A7-%D9%87%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B7%D9%88%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%83%D9%86%D9%88%D9%84%D9%88%D8%AC%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9
[9] مركز الامارات للسياسات، مقالة بعنوان: إعادة التفكير في الانخراط الأمريكي: هل ما زال انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط خياراً واقعياً؟ نشرت بتاريخ 8 /11 /2024: https://epc.ae/ar/details/brief/ieadat-altafkir-fi-alainkhirat-alamriki
[10] مايكل كيماج – مدير معهد كينان التابع لمركز ويلسون، مقالة بعنوان 'العالم الذي يريده ترامب' نُشر في 25 فبراير/شباط 2025 على الرابط:
https://mail.google.com/mail/u/0/#inbox/FMfcgzQZTVmsjMjQtHLcgJnBfBjrmsWR
[11] مايكل كيماج – مدير معهد كينان التابع لمركز ويلسون، مرجع سبق ذكره
[12] وكالة أخبار اليوم، مقالة بعنوان: اليابان تطوي صفحة اللاعسكرة، نشرت في 28 كانون الثاني 2023 -على الرابط:
https://www.akhbaralyawm.com/news/242920
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

القناة الثالثة والعشرون
منذ 2 ساعات
- القناة الثالثة والعشرون
500 مليون دولار للتعتيم على فساد بمليون... سلاح يمحو الحقيقة من على وجه الأرض...
أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم" قد تعتبر أكثرية ساحقة من البشر أن ما يُعيق الحصول على الحقيقة وتقديمها للناس، وأن ما يجعل الحقائق والعدالة في خلفية مُتراجِعَة دائماً، هي ممارسات القمع والاعتداء... على صحافيين، أو على وسائل إعلام، أو على مؤثّرين ينشطون على منصات التواصل الاجتماعي. ولكن الواقع يُخبرنا بعكس ذلك. حقيقة شهيدة فالحقيقة بحدّ ذاتها هي الشهيدة، والعدالة بحدّ ذاتها هي الشهيدة أيضاً، لا بسبب قمع أو ملاحقة جسدية فقط، بل بسبب سلاح آخر قادر على أن يُزيلهما من النفوس والعقول، في كل مكان، وهو المال. فمن يخبرك بحقيقة عن فساد هنا، أو بحقيقة عن نقص عدالة هنا، هو نفسه الذي قد يعتّم عن فساد هناك، وعن عدالة غائبة هناك، ليس لاعتبارات الخوف من أذى جسدي، بل تبعاً لمصالح ربحية معينة، قد تكون أشدّ تدميراً من قنبلة نووية. وعلى سبيل المثال، إذا أردنا احتساب كمية ما يُدفَع في كل دول العالم من أجل تلميع صورة حاكم أو مسؤول، أو للتسويق له، أو للتعتيم على فساده... فإننا سنجد أنه قد يتم إنفاق ما يتجاوز الـ 500 مليون دولار مثلاً، للتغطية على فساد بقيمة 50 مليون دولار مثلاً، أي أن تكاليف التستُّر عن فساد أو ظلم قد تتجاوز كلفة الضّرر الأولي المباشر الناجم عنه. وهذا يستنزف الكثير من الموارد في البلدان، لا سيّما تلك التي تحتاج الى الكثير. "قجّة" فأن يخبرك المسؤول عنك يومياً، ونهاراً وليلاً، أن بلدك مُفلِس مثلاً، وأنه بحاجة الى قروض مليارية من هنا وهناك، بينما هو ومجموعاته ومجموعات مجموعاته... المُشكِّلَة لسلطته، والمُشارِكَة فيها، والمُسوِّقَة لها في الداخل والخارج لرفدها بكل أنواع وأشكال الدعم والتمويل... (بينما هم) ينفقون أموالاً طائلة بأرقام وميزانيات مُخيفَة، لإدخال الإفلاس والعجز والحاجة الى القروض من الخارج في ذهنك أنت كمواطن، فهنا يبدأ الكلام على حقيقة شهيدة، وعدالة شهيدة، وعلى بلد شهيد، وشعب شهيد... لأنه إذا أردنا جمع مبالغ كل هذا التسويق ضمن "قجّة"، فسنجد أنها قادرة على إعادة إعمار الشرق الأوسط بكامله، ربما. ترامب... في أي حال، نعود الى التسويق التقليدي لمفهوم الحقيقة الشهيدة، لنجد مثالاً جديداً عنها، عبّر عنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمس، عندما أبدى انزعاجه من مراسل سأله عن التقارير التي تُفيد بأن الولايات المتحدة الأميركية قبِلَت طائرة من قطر يمكن استخدامها كطائرة رئاسية. فقاطع ترامب المراسل قائلاً:"عليك الخروج من هنا"، معتبراً أن لا علاقة للسؤال بالاجتماع الذي جمعه (ترامب) برئيس جنوب أفريقيا. كما وجّه إهانة للمراسل، وهاجم رئيس مجلس إدارة والرئيس التنفيذي للشركة التي تمتلك إحدى القنوات الأميركية، معتبراً أن منح قطر طائرة رئاسية لأميركا هو "أمر عظيم"، ومُجيباً على تهكُّم رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا الذي قال "أنا آسف، ليس لديّ طائرة لأعطيك إياها" بالقول:"لو عرضت جنوب إفريقيا طائرة، فسأقبلها". وهذا سلوك "إصراري" من جانب ترامب في الدفاع عن شبهات كثيرة تفوح من هديته "الطائرة". محو ذكرها نحن لم نذكر ما سبق، لا للدفاع عن مراسل، ولا عن قناة أميركية، ولا عن أحد، لأن من سبق ذكرهم هم أنفسهم قد يجدون مصلحة لهم بإحراج ترامب، وبالدفاع أو التعتيم على فساد آخر، مُرتَكَب من جانب رئيس أو شخص آخر. ولكن ما سبق ذكره يذكّرنا بما حصل مراراً وتكراراً وحتى الساعة، في بلدنا لبنان، في كل مرة كان يشعر فيها أحد المسؤولين أو الزعماء أو الرؤساء... بالإحراج من سؤال صحافي، فيدافعون عن فسادهم أو عن عجزهم وتقصيرهم... إما بطرد صحافي، أو بالتهديد بطرده، أو بتعميم اسمه على أنه من غير المرحَّب بهم هنا أو هناك، أو بالسخرية من هذا السؤال أو ذاك، لا لشيء سوى للتعتيم على الغباوة التي قد يتمتّع بها هذا المسؤول، أو النائب، أو الوزير، أو الزعيم... وللتستّر على "قلّة مفهوميّته" بشأن معيّن. "اخرج من هنا"... هي سلاح الزعيم الضّعيف والمُحرَج من قلّة جدارته وفساده، وهذا ترهيب مُوازٍ لإرهاب الملاحقات القضائية، والتهديدات، وأعمال الإيذاء الجسدي... بحقّ كل من يحاول الوصول الى الحقيقة والعدالة. كما أنه إرهاب مُوازٍ لسلاح المال القادر ليس فقط على جعل الحقيقة شهيدة، بل على محو ذكرها من وجه الأرض، من الأساس. انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News


بيروت نيوز
منذ 2 ساعات
- بيروت نيوز
التعاون الدفاعي مع السعودية أقوى في عهد ترامب
كشف المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية 'البنتاغون'، شون بارنيل لـ'العربية.نت' أن 'العلاقات السعودية – الأميركية أصبحت أقوى في الوقت الراهن خاصة في مسائل التعاون الدفاعي، في ظل فترة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب'. وثمن المستشار الأميركي في البنتاغون دور السعودية المحوري في تحقيق الأمن الإقليمي، قائلاً: 'الأمن الإقليمي جزء من رؤية الرئيس ترامب للازدهار المتبادل'، مؤكداً في السياق ذاته استمرار التزام البنتاغون بتثمين الشراكة الدفاعية مع السعودية مستقبلاً. وتعد السعودية أكبر شريك للمبيعات العسكرية الأجنبية بالنسبة لأميركا بمعاملات نشطة تقدر قيمتها بأكثر من 129 مليار دولار، طبقاً لبيان منشور في موقع السفارة الأميركية في الرياض، اطلع موقع 'العربية.نت' على نسخة منه. البيان وصف أيضاً العلاقات الدفاعية مع السعودية بأنها 'الأقوى تحت قيادة الرئيس ترامب مما كانت عليه في أي وقت مضى'، مشيراً إلى أن 'حزمة الاتفاقات التي جرى توقيعها في الرياض تعد أكبر صفقة تعاون دفاعي في تاريخ الولايات المتحدة، ودليل واضح على التزامنا بتعزيز شراكتنا'. تصريحات المسؤول الأميركي والسفارة أيضاً جاءت عقب أسبوع من اختتام زيارة الرئيس الأميركي الخارجية الأولى التي استهلها من السعودية، إذ أكد حينها ترامب أن واشنطن ستجعل علاقاتها بالرياض 'أقوى'، مبيناً أن مستقبل الشرق الأوسط يبدأ من السعودية. وفي إطار الزيارة التي وصفت بـ' التاريخية'، أثمرت نتائجها عن توقع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس الأميركي دونالد ترامب وثيقة الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية، فيما أكد الرئيس ترامب عقب انتهاء زيارته في الرياض: لا أحد يستطيع كسر العلاقة القوية بين أميركا والسعودية، ولدي علاقات قوية مع الملك سلمان، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. (العربية)


النهار
منذ 2 ساعات
- النهار
"القبة الذهبية"... ثورة الصناعات الدفاعية وطريق السباق نحو التسلّح
مع تطوّر الأسلحة الجوية، على مستوى الصواريخ البالستية والمسيّرات، تزداد الحاجة لأنظمة دفاع جوي مضادة قادرة على إسقاط هذه التهديدات. وبعد "الثورة" الدفاعية التي قامت بها إسرائيل من خلال "القبة الحديدية"، والولايات المتحدة من خلال نظام "ثاد"، وروسيا من خلال نظام "S400"، يخطّط الرئيس الأميركي دونالد ترامب لصناعة "القبة الذهبية"، التي من شأنها أن تخلّف تداعيات سياسية كبيرة. النظام الدفاعي الأميركي من المرتقب أن يدخل الخدمة نهاية ولاية ترامب، والهدف منه مواجهة التهديدات الجوية الجديدة القائمة على تقنيات حديثة، تم استخدامها لصناعة الصواريخ البالستية وكروز والمسيّرات، وقد تم تخصيص 25 مليار دولار للمشروع كمبلغ أولي، علماً أن ثمّة تقديرات تشير إلى أن ميزانية المخطط من المتوقع أن تتجاوز ما هو مرصود. قصّة "القبة الذهبية" تعود إلى بداية عهد ترامب، وبالتحديد بعد سبعة أيام من توليه منصبه، حينما طلب الرئيس الأميركي خططاً لصناعة نظام ردع ودفاع جديد، وقد نتج هذا المشروع عن هذه الأفكار. وبحسب ترامب، فإن نائب رئيس عمليات قوة الفضاء الجنرال مايكل غيتلين سيشرف على المشروع الذي سيتألف من تقنيات متطورة وأجهزة استشعار وصواريخ اعتراضية فضائية. وفق التقارير، فإن "القبة الذهبية" هدفها مواجهة الأسلحة المتطورة والأسرع من الصوت، وأنظمة القصف المداري الجزئي - المعروفة أيضاً باسم "فوبز- Fobs"، القادرة على إطلاق رؤوس حربية من الفضاء. ويقول ترامب إن النظام سيكون "قادراً حتى على اعتراض الصواريخ التي تطلق من الجانب الآخر من العالم، أو تطلق من الفضاء". نظام "ثاد" الأميركي، وهو أكثر الأنظمة الدفاعية تطوراً، يتمتع بنسبة 100 في المئة لجهة نجاح عمليات إسقاط التهديدات الجوية، لكن مع تطور الصناعات الصاروخية والمسيّرات، فإن قدرات "ثاد" قد تكون محدودة نسبياً في المستقبل، وفي هذا الإطار، يشير ترامب إلى أن "القبة الذهبية ستُسقط جميع الصواريخ في الجو قبل أن تصل، ونسبة نجاح النظام قريبة جداً من 100 في المئة". في السياسة، فإن "القبة الذهبية" تندرج في سياق المواجهة الأميركية مع روسيا والصين وإيران، الدول التي أثبتت التجارب قدراتها العالية على صناعة صواريخ ومسيّرات تتحدّى أنظمة الدفاع الجوي، ومحاولات تطوير تكنولوجيا دفاعية لمواكبة التحديات الجديدة، في ظل تحذيرات مسؤولين عسكريين في الولايات المتحدة من عدم قدرة الأنظمة الدفاعية على مجاراة التطور. من المتوقع أن يرى المحور المعارض للولايات المتحدة، وبشكل خاص الدول الثلاث المذكورة، أن التصميم الجديد هو تحدٍ عسكري لقدراته، لكنّ مصدراً عسكرياً يقول إن التقنية الأميركية دفاعية وليست هجومية، وبالتالي من غير المفترض أن تشكّل خطراً على هذه الدول،إنما قد يكون لها دور في حروب مرتبطة بهذه الدول، كإرسال هذا النظام إلى إسرائيل أو أوروبا. إذاً، العالم العسكري على عتبة اختراع جديد قد يغيّر من مفهوم العمل الدفاعي، وسيكون له وقعه على عمليات تصنيع الصواريخ والمسيّرات المتطورة، التي قد تتخذ منعطفاً جديداً للتفوّق على النظام الدفاعي، لكن هذا المشهد كله يشي بأن العالم يخوض سباق تسلح يشبه إلى حد ما السباق بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.