logo
إزدواجية الدولة وإرباك الردّ: لبنان يُضيِّع فرصة التفاهم؟

إزدواجية الدولة وإرباك الردّ: لبنان يُضيِّع فرصة التفاهم؟

في ذروة التوتر الإقليمي، يقف لبنان مجددًا على حافة تحول سياسي–أمني مفصلي، عنوانه هذه المرة عرض أميركي مشروط لحزب الله، يقضي بتحوّله التدريجي من فاعل عسكري إلى طرف سياسي «منضبط» في النظام اللبناني. وللمفارقة، لا يأتي هذا العرض في سياق ضغوط مفتوحة أو تهديدات مباشرة، بل هجيناً بين التهديد وما يُسمى «المسار الديبلوماسي»، الذي أطلقه الموفد الرئاسي الأميركي توم بارّاك، في زيارة بدت على قدر عالٍ من التنسيق مع البيت الأبيض والبنتاغون، وحملت في طياتها ما يتجاوز مجرد الرغبة في تسوية أمنية موقتة ومرحلية بين لبنان وإسرائيل.
لكن خلف عبارات التهدئة، تنكشف نوايا أكثر عمقاً: مشروع إعادة هيكلة للمشهد اللبناني، أمنياً وسياسياً، تبدأ من الجنوب ولا تنتهي عند حدود الطائف. فالأميركيون، وفق ما نقلته مصادر مطّلعة، يعتبرون أن ترسانة حزب الله لم تعد عنصراً «ردعياً» بقدر ما باتت تهديداً دائماً لأي صيغة استقرار في الإقليم، خصوصاً بعدما دخلت غزة في لعبة المساومات، وبدأت سوريا خطوات تفاوض مباشرة مع إسرائيل.
ما يطرحه الموفد الرئاسي الاميركي توم برّاك يبدو للوهلة الأولى أقرب إلى التسوية: ضمان أمن إسرائيل مقابل تحوّل حزب الله لاعباً سياسياً مشروعاً. لكن جوهر المبادرة أميركياً لا ينفصل عن هدف استراتيجي أبعد: تفكيك البيئة العسكرية للحزب تدريجياً، بدءاً من مناطق القرار 1701، مروراً بالشرق، وصولاً إلى الشمال، في إطار ما يشبه خريطة طريق لاحتكار الدولة اللبنانية السلاح، ولو بعد حين.
في المقابل، يبدو الرد اللبناني الرسمي على هذا العرض مرتبكاً ومتشظياً، انعكاساً لانقسام أعمق في الرؤية: رئيس مجلس النواب نبيه بري قدّم ملاحظات تتماهى مع موقف حزب الله، من خارج الرد الرسمي، مما أظهر أن لا مقاربة موحّدة في السلطة اللبنانية. وأكثر من ذلك، فإن ازدواجية الخطاب بين المؤسسات تُفقد الدولة صدقيتها في المحافل الدولية، وتفتح الباب أمام شكوك جدية في قدرتها على إدارة هذا النوع من المفاوضات الدقيقة.
من جهة حزب الله، لا جديد يُذكر في العناوين: لا حوار حول السلاح قبل وقف العدوان، وإعادة الإعمار، وإطلاق الأسرى، وانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة. لكن بين السطور، يُقرأ موقف الحزب مناورة مدروسة للربح بالوقت، على أمل أن تتغيّر المعادلات مجدداً، كما حصل في مراحل سابقة. غير أن هذا التعويل على الوقت يبدو مهدداً هذه المرة، مع تحوّلات عميقة في المشهد الإقليمي، من التقارب التركي–الإسرائيلي، إلى تبدلات موقف بعض الدول العربية من أولويات القضية الفلسطينية.
المفارقة أن الحزب، الذي طالما قدّم نفسه مدافعاً عن السيادة، يجد نفسه راهناً أمام معادلة تفرض عليه، للمرة الأولى منذ سنة 2006، التفكير في أثمان بقائه خارج الإجماع الداخلي، خصوصاً إذا تحوّلت المبادرة الأميركية إلى ضغط دولي منسّق مدعوم من الأوروبيين والعرب. فالعشرون يوماً (حتى نهاية تموز) التي حدّدها بارّاك للرد ليست مجرد مهلة إدارية، بل هي – عملياً – اختبار لقدرة لبنان على اتخاذ قرار سيادي جامع، يعيد تعريف مفهوم الدولة وحدود الشرعية.
في هذا السياق، تعود إلى الواجهة فكرة تفعيل «لجنة مراقبة وقف إطلاق النار»، التي صارت آلية غير فعَّالة باعتراف برّاك نفسه، لكنّها قد تتحوّل إلى مدخل لتسوية جديدة إذا ترافقت مع ضمانات أمنية حقيقية، ترفع عن لبنان كلفة الاشتباك الدائم. غير أن هذه المقاربة، التي تقوم على التوازي بين الضمانات والنزع التدريجي للسلاح، لا تزال تصطدم بشكوك متبادلة: فلبنان لا يثق بنيّة واشنطن الحقيقية في ردع إسرائيل، والولايات المتحدة لا ترى التزاماً لبنانياً جدياً بإصلاح المشهد الأمني الداخلي.
في المحصلة، يواجه لبنان تحدياً غير مسبوق ولحظة فاصلة تتقاطع فيها التحوّلات الإقليمية والضغوط الدولية مع الانقسام الداخلي المزمن. يبقى عليه إما أن يستثمر اللحظة الدولية ويبلور موقفاً سيادياً موحّداً يعيد ترتيب أولوياته، أو يستمر كمنصة مشاع تتقاطع فيها المصالح الإقليمية والدولية. هي ليست أزمة سلاح فقط، بل أزمة خيارات وهوية، تتجاوز الجنوب وحدوده، إلى جوهر العقد الوطني نفسه.
أنطوان الأسمر - "اللواء"
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ليبيا... ترقّب لخطة السلام الأميركية وفرص نجاحها بحلّ الأزمة ‏الليبية
ليبيا... ترقّب لخطة السلام الأميركية وفرص نجاحها بحلّ الأزمة ‏الليبية

النهار

timeمنذ ساعة واحدة

  • النهار

ليبيا... ترقّب لخطة السلام الأميركية وفرص نجاحها بحلّ الأزمة ‏الليبية

يسود المشهد السياسي الليبي حالة من الترقّب والانتظار في ظل ‏الحديث المتصاعد عن خطة أميركية مرتقبة، تهدف إلى إنهاء حالة ‏الانقسام السياسي والعسكري التي تعاني منها البلاد منذ أكثر من عشر ‏سنوات، بحسب الإعلام الليبي. ‏ ويعزّز من أهمية هذه الخطة إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب ‏عنها دون الإفصاح عن تفاصيلها، مما أثار موجة من التحليلات ‏والتكهنات في الأوساط السياسية الليبية.‏ وأعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن واشنطن تسعى إلى تسوية ‏سلمية شاملة في كل من ليبيا والسودان، ما فتح الباب أمام التساؤلات ‏حول الخطة الأميركية المرتقبة للتسوية في ليبيا، وفرص نجاحها في ‏حل الأزمة الليبية.‏ إعلان ترامب عن "خطة السلام الليبية"، جاء خلال لقائه برؤساء ‏خمس دول أفريقية الغابون، غينيا بيساو، ليبيريا، موريتانيا، والسنغال ‏في البيت الأبيض مؤخراً.‏ بلورة رؤية شاملة لحل الأزمة الليبية وكان مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الشرق الأوسط مسعد بولس ‏قد أعلن في وقت سابق من الشهر الجاري، أن إدارة ترامب تعمل ‏على بلورة رؤية شاملة لحل الأزمة الليبية، تستند إلى نهج عملي ‏ومتوازن، يهدف إلى استعادة الاستقرار السياسي والأمني في البلاد.‏ وصرّح بولس بأن المقترح الأميركي يشمل إشراك جميع الأطراف ‏الليبية دون إقصاء، مشيرا إلى سعي واشنطن لإقناعهم بالجلوس إلى ‏طاولة الحوار وإعادة إطلاق العملية السياسية المتوقفة.‏ وأكد أن الولايات المتحدة لن تسمح باستمرار الجمود السياسي، مشددا ‏على أن التحرك الأميركي يعكس التزاما حقيقيا بدعم استقرار ليبيا ‏ومصالح شعبها.‏ تكهّنات حول الخطة ويرى بعض السياسيين الليبيين أن هذه المبادرة الأميركية قد تتجه ‏نحو "تغيير جذري" في شكل السلطة وتركيبتها، مع التركيز على ‏حلول عملية تُراعي مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، لا سيما ‏الاقتصادية منها.‏ غير أن سياسيين آخرين، كعضوة مجلس النواب ربيعة بوراص، ‏يقلّلون من احتمال الإطاحة بالأجسام السياسية القائمة، متوقعين أن ‏تتبنى الإدارة الأميركية نهجاً براغماتياً، يوازن بين المصالح ‏الأميركية والتوازنات الليبية الداخلية، وفق ما أورد تلفزيون "ليبيا ‏‏24". ‏ وشددت بوراص على أن نجاح أي خطة دولية يجب أن ينطلق من ‏احترام إرادة الشعب الليبي، وتحقيق تطلعاته في بناء دولة موحدة، ‏ذات سيادة كاملة، بعيداً عن أي حلول مفروضة من الخارج قد ‏تتجاهل الواقع المحلي أو تتجاوز حقوق الليبيين.‏ مشاورات حول العملية السياسية تزامناً، أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا فتح باب التسجيل، ‏للشباب للمشاركة في مشاورات حول العملية السياسية من خلال حلقة ‏نقاشية عبر الإنترنت. ‏ وقالت بعثة الأمم المتحدة، في منشور على صفحتها في فايسبوك: ‏‏"يتركز النقاش حول الخيارات والتوصيات التي قدمتها اللجنة ‏الاستشارية، وفهم مخاوف الشباب وتوصياتهم"، مشيرة إلى أن الحلقة ‏متاحة للشابات والشباب من طلبة مختلف الجامعات الليبية، والذين ‏تتراوح أعمارهم بين 18 و 35 عاماً. ‏ وأكدت البعثة أن الجلسات التشاورية ستعقد عبر منصة "زووم" ‏ضمن برنامج "الشباب يشارك" التابع للبعثة الأربعاء المقبل.‏ وذكرت أن سيتم الإعلان عن المزيد من المشاورات، سواء حضورية ‏أو عبر الإنترنت، في الأيام القادمة.‏ وتستمر النقاشات التي تجريها البعثة الأممية لمناقشة توصيات اللجنة ‏الاستشارية بشأن الوصول إلى الانتخابات ومستقبل ليبيا السياسي، ‏وكان آخرها عقد نائبة الممثلة الخاصة للأمين العام، ستيفاني خوري، ‏جلسة حوارية مع عدد من شباب الجنوب.‏ واقترحت اللجنة الاستشارية أربعة مسارات أو اقتراحات، الأول: ‏إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة مع تعديلات على القضايا ‏الخلافية في قوانين الانتخابات الحالية، والثاني: إجراء انتخابات ‏تشريعية أولًا، يليها اعتماد دستور دائم، ثم إجراء انتخابات رئاسية.‏ أما المقترح الثالث فهو اعتماد دستور دائم قبل الانتخابات العامة، ‏والرابع: إنشاء لجنة حوار سياسي وفقًا للمادة 64 من الاتفاق السياسي ‏الليبي، لتحل محل جميع المؤسسات موقتاً، واستكمال قوانين ‏الانتخابات، واختيار حكومة موقتة.‏ ويتكوف: واشنطن ستحقّق نجاحاً في ليبيا وكان المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، قد ‏‏أعرب في أيار/مايو الماضي، عن ثقته في تحقيق نجاح دبلوماسي في ‏ليبيا ‏خلال الفترة القريبة القادمة، وقال في حوار مع جريدة "ذي ‏أتلانتيك" ‏إن واشنطن ستحقق نجاحا في ليبيا وستسمعون عنه سريعا.‏

آخر معلومة.. هذا ما تبلغه لبنان بشأن "سلاح حزب الله"
آخر معلومة.. هذا ما تبلغه لبنان بشأن "سلاح حزب الله"

القناة الثالثة والعشرون

timeمنذ 2 ساعات

  • القناة الثالثة والعشرون

آخر معلومة.. هذا ما تبلغه لبنان بشأن "سلاح حزب الله"

انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب... انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب... ذكرت قناة الـ"lbci"، اليوم الإثنين، أنَّ لبنان الرسمي تبلغ رداً عبر السفارة الأميركية على الورقة التي قدمها للمبعوث الأميركي توم برّاك. وأشار القناة إلى أنَّ المعنيين يقومون بدراسة الرَّد الأميركي وخلاصته تكمنُ في وجوب التزام لبنان بمهل زمنية مُحدّدة لحصر سلاح "حزب الله" في يد الدولة، على ألا تتعدى المهلة نهاية العام الحالي. انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

هل تبلغ لبنان ردًا على الورقة التي قدمها لباراك؟
هل تبلغ لبنان ردًا على الورقة التي قدمها لباراك؟

تيار اورغ

timeمنذ 2 ساعات

  • تيار اورغ

هل تبلغ لبنان ردًا على الورقة التي قدمها لباراك؟

- - - - أفادت معلومات الـLBCI بأنّ لبنان الرسميّ تبلغ ردًا عبر السفارة الاميركية على الورقة التي قدمها للمبعوث الاميركيّ توم باراك وهو منكب على دراستها وخلاصة الرد يكمن في وجوب التزام لبنان بمهل زمنية محددة لحصر سلاح "حزب الله" في يد الدولة على أن لا تتعدى المهلة نهاية العام الحاليّ

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store