logo
وزراء إسرائيليون يقرون بالفشل في غزة ومسؤولون بالائتلاف يدعون لإنهاء الحرب

وزراء إسرائيليون يقرون بالفشل في غزة ومسؤولون بالائتلاف يدعون لإنهاء الحرب

الجزيرةمنذ 14 ساعات

أقر وزراء إسرائيليون بتعثر العمليات العسكرية في غزة ، في حين يعقد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مشاورات أمنية بشأن الوضع العسكري والأسرى، وذلك في ضوء تصريحات أميركية عن تقدم كبير قد يسمح بإبرام اتفاق ينهي الحرب.
ونقلت القناة الـ12 الإسرائيلية -مساء الأربعاء- عن 3 وزراء في الحكومة قولهم إن الحرب في غزة تحمل تصورات نظرية، لكنها عمليًا لا تحقق نتائج.
وأشار الوزراء إلى أن ثمة ضرورة للقيام بفعل آخر على المستوى العسكري أو السعي إلى إنهاء الحرب وإنجاز اتفاق.
وأوضحت القناة الـ12 أن نتنياهو لا يزال يعتقد أن الخطة الفعالة هي خطة على مراحل، مثل تلك التي صاغها ستيف ويتكوف مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط.
وأثار الكمين الذي قتل فيه 7 عسكريين إسرائيليين على يد كتائب القسام في خان يونس دعوات في إسرائيل إلى إبرام صفقة تنهي الحرب وتعيد الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة.
وفي الإطار، دعا مسؤولون في الائتلاف الحاكم وحزب الليكود إلى إنهاء العمليات في غزة دون الانجرار خلف الوزيرين إيتمار بن غفير و بتسلئيل سموتريتش.
ونقلت القناة الـ12 الإسرائيلية عن هؤلاء المسؤولين أنه لا يمكن إنكار أن الإسرائيليين قد أُرهقوا من جبهة غزة.
وقال مسؤول حزب الليكود إنه لو طرح اتفاق بشأن غزة، فإن نتنياهو سيوافق عليه.
مشاورات أمنية
في غضون ذلك، يجري رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -اليوم الخميس- مشاورات مع فريق مُصغّر من الوزراء وكبار مسؤولي الأمن بشأن الوضع العسكري في غزة وكيفية التحرك بشأن إطلاق سراح الأسرى.
وكان نتنياهو وصف مقتل الجنود السبعة في خان يونس باليوم بالغ الصعوبة.
وفي السياق، أعرب موشيه غافني رئيس لجنة المالية في الكنيست عن حزب "يهودات هتوراه" عن استغرابه من استمرار إسرائيل في القتال بقطاع غزة، بينما يقتل الجنود طوال الوقت.
من جهتها، تساءلت هيئة عائلات الأسرى الإسرائيليين في غزة كيف يمكن لأسبوع بدأ بما سمته "إنجازا مدوّيا" (خلال الحرب مع إيران) أن يستمر بخسارة فادحة لـ7 عسكريين في غزة.
وقالت الهيئة -في بيان- إن الحرب في غزة استنفدت أغراضها وتدار دون هدف واضح أو خطة حقيقية، وإنه حان الوقت للتحلي بالشجاعة وإعادة المختطفين ووقف القتال.
ورأت أن اتفاق وقف إطلاق النار مع إيران يجب أن يشمل غزة، معتبرة أن هناك فرصة تاريخية سانحة، وأن على الحكومة الإسرائيلية اغتنامها.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قال في لاهاي إن تقدما -وصفه بالكبير- قد أُحرز بشأن غزة بسبب الضربة التي نُفذت في إيران.
وأضاف ترامب -خلال مؤتمر صحفي مشترك مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) مارك روته- أن مبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف أخبره بأن اتفاقا بشأن غزة بات قريبا.
موقف حماس
في المقابل، قالت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الأربعاء إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته الفاشية يتحملان كامل المسؤولية عن تعثر التوصل لاتفاق حتى الآن، مشيرة إلى أن استمرار عمليات المقاومة في غزة يؤكد فشل الاحتلال في كسر إرادة الشعب الفلسطيني.
وأكدت حماس -في بيان- أنها تتعامل بإيجابية مع أي أفكار تفضي لاتفاق يضمن وقفا دائما لإطلاق النار وانسحابا كاملا لقوات الاحتلال، مشيرة إلى أن نتنياهو وحكومته يواصلان المماطلة لكسب الوقت.
وأوضحت الحركة أن استمرار عمليات كتائب القسام و سرايا القدس في القطاع ضد قوات الاحتلال "يؤكد فشل العدو الصهيوني في كسر إرادة شعبنا ومقاومته"، مؤكدة أن "عمليات التصدي البطولي التي يخوضها مجاهدونا تبرهن على قوة وبأس مقاومتنا الباسلة وامتلاكها زمام المبادرة".
وفي الإطار نفسه، أكد طاهر النونو، المستشار الإعلامي لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس، للجزيرة نت أن الاتصالات بالوسطاء لم تتوقف، قائلا إن الحركة لم تتلق أي مؤشرات على أن هناك تغيرا جديا في موقف نتنياهو.
وشدد النونو على أن حماس لن تقبل بأي اتفاق لا يتضمن شروطا واضحة عن وقف العدوان، يتضمن 4 نقاط أساسية: وقف العدوان كاملا، والانسحاب الشامل من القطاع، والإعمار وإنهاء الحصار، وصفقة تبادل.
وعن تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن "أخبار جيدة" بشأن غزة، قال النونو إن الحركة لا تكتفي بالتصريحات، مضيفا "ندرك أن الرئيس ترامب والولايات المتحدة لديهم القدرة على أن يفرضوا على نتنياهو إنهاء العدوان ووقف الحرب، لذلك، الأمر لا يحتاج تصريحات، وإنما إلى فعل حقيقي".
وفي حين أبدت حماس مرارا استعدادها لصفقة، تطلق فيها الأسرى مع وقف إطلاق نار دائم وانسحاب الاحتلال من غزة، فإن نتنياهو يضع عراقيل عدة، منها مطالبته بنزع سلاح الحركة، وألّا يكون لها أي دور في القطاع مستقبلا.
ويتعرض نتنياهو للضغوط الإسرائيلية، لا سيما من عائلات الأسرى وزعماء المعارضة، وسط اتهامات له بإفشال إبرام صفقة تعيد الأسرى، وإصراره على مواصلة الحرب "لأغراض تتعلق بمصالحه ومستقبله السياسي".
ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ترتكب إسرائيل حرب إبادة في غزة، خلفت نحو 188 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة متفاقمة.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

هل إيران منتصرة أم مهزومة؟
هل إيران منتصرة أم مهزومة؟

الجزيرة

timeمنذ 24 دقائق

  • الجزيرة

هل إيران منتصرة أم مهزومة؟

انتهت الحرب التي استمرّت 12 يومًا، والتي بدأت بهجمات إسرائيلية على إيران في 13 يونيو/ حزيران، بوقف لإطلاق النار تم التوصل إليه صباح يوم 24 يونيو/ حزيران. أطلقت إسرائيل على عمليتها ضد إيران اسم "الأسد الصاعد"، بينما أطلقت إيران على حركتها الانتقامية ضد إسرائيل اسم " الوعد الصادق-3″. شنت إسرائيل هجمات عنيفة ومتعددة الجوانب على البنية التحتية النووية والصاروخية لإيران، ومقراتها العسكرية، وراداراتها، وأنظمة دفاعها الجوي، وبعض المناطق الاقتصادية والمناطق المدنية، وذلك باستخدام عملاء جندهم الموساد من داخل إيران وطائراتها الحربية. في اليوم الأول من الهجمات، استهدفت إسرائيل قادة عسكريين رفيعي المستوى مثل القائد العام للحرس الثوري الإيراني حسين سلامي، ورئيس هيئة الأركان العامة محمد باقري، وقائد القوات الجوفضائية في الحرس الثوري أمير علي حاجي زاده، بالإضافة إلى علماء نوويين. أما إيران، التي استثمرت بشكل كبير في برنامج تطوير الصواريخ منذ عام 1979، فقد كان ردها الانتقامي على إسرائيل باستخدام صواريخ بعيدة المدى. استهدفت إيران بصواريخها أماكن ذات أهمية إستراتيجية عسكرية، أبرزها مقر الموساد في هرتسليا، ومقر وحدة الاستخبارات العسكرية "أمان"، وميناء حيفا. الولايات المتحدة الأميركية، التي لم تشارك في الهجمات على إيران في بداية الحرب لكنها قدمت دعمًا دفاعيًا لإسرائيل، تدخلت في اليوم العاشر من الحرب وضربت منشآت إيران النووية في نطنز وأصفهان وفوردو باستخدام قاذفات B-2. في اليوم الثاني عشر من الحرب، تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين الطرفين بتدخل من الرئيس الأميركي ترامب ودعم من قطر. بعد وقف إطلاق النار، أعلن كل من إيران وإسرائيل "انتصاره" في الحرب. صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ووزير الدفاع كاتس ومسؤولون إسرائيليون آخرون في العديد من التصريحات خلال الحرب برغبتهم في إسقاط النظام في إيران. كان هدف إسرائيل، بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية النووية والصاروخية لإيران، هو إسقاط النظام في نهاية المطاف وإقامة إدارة جديدة متوافقة مع إسرائيل وأميركا. بينما كانت إسرائيل تستهدف القواعد والمنشآت العسكرية الأخرى، والمنشآت النووية في جميع مدن إيران تقريبًا، وجه كل من رئيس الوزراء نتنياهو والمسؤولين الآخرين، وكذلك الحسابات الرسمية على وسائل التواصل الاجتماعي، رسائل إلى الشعب الإيراني مفادها: "الشعب الإيراني والشعب اليهودي شعبان صديقان منذ القدم. نحن لسنا أعداء للشعب الإيراني، بل للنظام في إيران. هجماتنا موجهة ضد النظام". ودعا رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في تصريحاته الشعب الإيراني قائلًا: "لقد فتحنا لكم طريقًا باستهداف النظام، وأنتم بدوركم قوموا بإسقاطه بالتمرد". ساهم في جهود إسرائيل "لإسقاط النظام" شخصيات مثل رضا بهلوي، ابن الشاه المخلوع الذي يعيش في أميركا، وزعيمة منظمة مجاهدي خلق مريم رجوي، بالإضافة إلى منظمات مسلحة مثل "بيجاك" و"باك". لم تحقق إسرائيل هدفها النهائي المتمثل في "إسقاط النظام" في الحرب التي استمرت 12 يومًا، لكنها نجحت في إلحاق ضرر معين بأهدافها الأخرى المتمثلة في البنية التحتية النووية والصاروخية. شنت إسرائيل هجمات متعددة على منشآت نطنز وأصفهان وفوردو النووية طوال فترة الحرب. وفي النهاية، استهدفت الولايات المتحدة هذه المنشآت الثلاث. وفقًا للتقارير الأولية، يبدو أن منشأتَي نطنز وأصفهان النوويتين قد لحق بهما ضرر جسيم، في حين أن منشأة فوردو النووية، التي بنيت على عمق 90 مترًا تحت الأرض تقريبًا، لحق بها ضرر طفيف لدرجة أنها يمكن أن تعود إلى العمل في وقت قصير. من ناحية أخرى، تشير التصريحات الصادرة من إسرائيل إلى أن هذه الحرب قد أخرت البرنامج النووي الإيراني لعدة سنوات. وبالتالي، على الرغم من أن إسرائيل وأميركا ألحقتا أضرارًا بالمنشآت النووية، فإنهما لم تتمكنا من القضاء تمامًا على البرنامج النووي الإيراني. لكن هجمات إسرائيل وأميركا دمرت إلى حد كبير القواعد العسكرية والمقرات وأنظمة الرادار والدفاع الجوي التي بنتها إيران على مدى 45 عامًا، مما تسبب في خسائر بمليارات الدولارات. عندما نقارن بين الأهداف التي أعلنها نتنياهو وما تم تحقيقه في نهاية الحرب، نصل إلى النتيجة التالية: لا يمكن اعتبار أن إسرائيل قد حققت نصرًا مطلقًا؛ لأنها فشلت في تحقيق هدفها النهائي المتمثل في إسقاط النظام. أما عند تقييم الأضرار التي لحقت بالمنشآت النووية والبرنامج النووي، فيمكن الحديث عن نجاح جزئي في هذا الصدد. هل إيران منتصرة أم مهزومة؟ يمكن القول إن هدف إيران الأساسي في هذه الحرب، بصفتها الطرف المعتدى عليه، كان ضمان عدم تمكن إسرائيل من تحقيق أهدافها المعلنة. على الرغم من أن هذه الحرب كانت "حربًا مفروضة" حسب تعبير المرشد الإيراني آية الله خامنئي، فإن إيران دولة تستعد للحرب مع إسرائيل منذ عام 1979. وقد أعلن جميع المسؤولين، وفي مقدمتهم آية الله خامنئي وقادة الحرس الثوري، مرارًا وتكرارًا أنهم يهدفون إلى "محو إسرائيل من الخريطة". من هذا المنظور، يمكن القول إن القدرات العسكرية والاقتصادية والأنشطة الاستخباراتية لإيران بعيدة كل البعد عن تحقيق الأهداف التي وضعتها فيما يتعلق بإسرائيل. لقد أنشأ جهاز المخابرات الإسرائيلي "الموساد"، عبر سنوات من العمل الدقيق، شبكات تجسس خطيرة داخل إيران، وقد مكنت هذه الشبكات إسرائيل من ضرب إيران بسهولة في الحرب الأخيرة. بعض المناطق الحساسة في إيران، والمعدات العسكرية مثل أنظمة الدفاع الجوي، لم تُضرب من قبل إسرائيل مباشرة، بل من قبل عملاء الموساد داخل إيران. أظهرت الحرب أن صواريخ إيران، خاصة الباليستية وفرط صوتية، هي ذخائر ذات قدرات عالية ومصنعة بتقنيات حديثة، كما كشفت أن أجهزة المخابرات الإيرانية تعاني من ضعف خطير. السبب الرئيسي للأضرار الجسيمة التي لحقت بإيران في هذه الحرب هو التغلغل السهل للموساد داخل إيران. إن تغلغل الموساد في إيران لدرجة بناء مصنع من ثلاثة طوابق لإنتاج الطائرات بدون طيار في قلب طهران، سيؤدي إلى تصدع الثقة داخل الإدارة الإيرانية، وسيسبب قلقًا بين البيروقراطية الأمنية الإيرانية. إن الخلاف وأزمة الثقة اللذين نشبا بين وحدة استخبارات الحرس الثوري ووزارة الاستخبارات بعد اغتيال محسن فخري زاده، الذي يعرف بأنه "أبو البرنامج النووي الإيراني"، سيتعمقان أكثر بعد الكشف عن هذا المستوى من تغلغل الموساد داخل إيران. لذلك، فإن منع إيران لهدف إسرائيل المتمثل في إسقاط النظام هو نجاح كبير بالتأكيد. والنقطة الجديرة بالذكر هنا هي أن الشعب الإيراني، الذي وضع كل انتقاداته واعتراضاته على النظام جانبًا، وقف إلى جانب قيادته على الرغم من كل استفزازات وتلاعبات إسرائيل والمعارضة في الخارج، وهذا كان العنصر الرئيسي في حماية النظام. أي أن ما حمى الثورة الإسلامية الإيرانية لم يكن الصواريخ، بل صمود الشعب. من حيث حماية النظام، يمكن اعتبار إيران ناجحة. كذلك، يجب اعتبار نجاح إيران في إصابة أهداف في تل أبيب وحيفا، متجاوزةً أكثر أنظمة الدفاع الجوي تطورًا رغم كل العقوبات، نجاحًا لبرنامج الصواريخ الإيراني. ومع ذلك، فإن الضرر الناجم عن الضعف الاستخباراتي الإيراني، وعدم قدرتها على حماية منشآتها النووية والمنشآت العسكرية الأخرى، يكشف عن ضعف إيران في مجالي الأمن والدفاع. على الرغم من أن النظام الإيراني نجا بجروح بالغة، يمكننا القول إن سياسته الاستخباراتية والدفاعية قد انهارت. لذلك، لا يمكن الحديث عن نصر مطلق بالنسبة لإيران أيضًا. ما هي نقاط الضعف لدى إسرائيل وإيران؟ كشفت الحرب الإسرائيلية الإيرانية أن إسرائيل ليست مكتفية ذاتيًا من حيث الذخائر. فقد ظهرت حقيقة أن إسرائيل بحاجة إلى الذخائر التي تطورها الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، لخوض حرب شاملة. كما لا يمكن القول إن إسرائيل قد بنت هيكلها الدفاعي بالكامل بنفسها. فقد تبين أنها بحاجة إلى الدعم الدفاعي من الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى للدفاع عن نفسها. وقد ظهر هذا بوضوح في الهجمات الأخرى التي شنتها إيران. إسرائيل بحاجة أيضًا إلى الدعم في الهجوم. فقد تبين أنها ليست مكتفية ذاتيًا لتدمير المنشآت عالية الجودة لدولة متقدمة بالكامل، وأنها بحاجة ماسة إلى دعم هجومي. أما من وجهة نظر إيران، فالوضع ليس مختلفًا. كما ذكرنا، أظهرت الحرب أن وكالات الاستخبارات الإيرانية تعاني من ضعف خطير. من ناحية أخرى، على الرغم من أن منشأة فوردو كانت محمية بفضل عمقها البالغ 90 مترًا، فإن إيران تعاني من قصور خطير في حماية منشآتها العسكرية والنووية الأخرى الموجودة فوق سطح الأرض. يمكننا أن نستنتج أن مخزون إيران من الذخائر وقدراتها الاستخباراتية وغيرها من المجالات لا تسمح لها بمواصلة حرب شاملة. عيب إيران هو أن حليفتَيها الإستراتيجيتَين، روسيا والصين، اللتين وقّعتا معها اتفاقيات تحالف، لا تقفان إلى جانبها بنفس القوة التي تقف بها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا إلى جانب إسرائيل. وبالتالي، في أي حرب محتملة، ستضطر إيران إلى محاربة العديد من الدول بمفردها، أو محاربة إسرائيل التي يدعمها العديد من الدول بقوة. الخلاصة على الرغم من أن إيران وإسرائيل أعلنتا النصر، فإنه لا يمكن الحديث عن نصر مطلق لأي منهما. ورغم إعلان وقف إطلاق النار بينهما، فإنه يتقدم حاليًا على أرض هشة. وعلى الرغم من أن إسرائيل أوقفت هجماتها الفعلية على إيران، فإنها لن تتخلى عن جهودها لتحريض الشعب الإيراني ضد النظام، وستركز على هذا المجال. إن خلق أرضية لتغيير النظام بأيدي الشعب من خلال تحريضه، وتصعيد انعدام الثقة بين مؤسسات الدولة الإيرانية لإثارة الفوضى داخل الدولة، هو المرحلة الثانية من "إستراتيجية تغيير النظام" الإسرائيلية. وبالتالي، فإن تحقيق وقف إطلاق النار يعني الإعلان عن بدء المرحلة الثانية من إستراتيجية إسرائيل.

الوعي السُّنني في زمن الفتن
الوعي السُّنني في زمن الفتن

الجزيرة

timeمنذ 25 دقائق

  • الجزيرة

الوعي السُّنني في زمن الفتن

ليست الفتنة في النظام السنني مجرد حادث عابر أو اضطراب عارض، بل هي ناموس إلهي جار، وسنة ربانية ماضية، تصيب الناس كما يصيبهم الليل والنهار، وتديرها يد الحكمة الإلهية لتحقيق غايات أعمق من أن يدركها عقلنا المجرد. يقول الله تعالى: {أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنَّا وهم لا يُفتنون} [العنكبوت: 2]؛ فليست الفتنة اختبارًا للإيمان فحسب، بل هي شرط لازم لكمال بلوغه وتثبيته. ما أحوجنا إلى فقه سنني يقرأ الفتنة لا كأزمة عابرة فقط، بل كابتلاء تزكوي ومرشح تنقية، وفرصة لإعادة النظر في أنفسنا كأمة قبل أن ننشغل بخصومنا، وميزان نزن به مواقفنا ومناهجنا إن الفتنة في ضوء السننية ليست حدثًا اعتباطيًّا يقع بلا غاية، بل هي مخلوق بأمر الله، تجري وفق نظام دقيق يختبر به اللهُ القلوب، ويغربل به الصفوف؛ فليست الفتنة مجرد أزمة، بل هي أشبه بـ"حجر اللمس" الذي يُجرّ عليه المعدن ليُختبر نقاؤه ويُعرف عياره؛ تحتك بها النفوس لا لتنكسر، بل ليُكشف ما فيها من صدق أو نفاق، من ثبات أو اضطراب، من صفاء الجوهر أو غش المظهر. وأقسى الفتن تلك التي تتسلل في دهماء غفلتنا إلى جسد الأمة، فتنخر في بنيانها وتفكك أوصالها، وهي لا تأتي صريحة بل متخفية في لبوس الغيرة على الدين أو الانتصار للمبدأ، بينما حقيقتها أنها امتحان للثبات، وكشف لخلل في التصور أو اضطراب في الإرادة. الفتنة سنة ربانية تحمل في طياتها رسائل متعددة: فهي تمحيص وتمييز، وتنبيه وردع، وتصحيح وتقويم، وتعبيد للطريق نحو التمكين، وهي اختبار لمراتب الصبر ومقام الاصطفاء. وقد يطول زمن الفتنة أو يقصر، وقد تشتد أو تخف، بحسب الوعي الجمعي للأمة والتيقظ لها، وقدرة تعاملها مع عللها وأسبابها، فإن أحسنت فهم نظامها وفك شفرتها كانت الفتنة كاشفة لا مدمرة، باعثة على النهوض لا سببًا في الانهيار. فما أحوجنا إلى فقه سنني يقرأ الفتنة لا كأزمة عابرة فقط، بل كابتلاء تزكوي ومرشح تنقية، وفرصة لإعادة النظر في أنفسنا كأمة قبل أن ننشغل بخصومنا، وميزان نزن به مواقفنا ومناهجنا، لئلا نكون من الذين يساقون في تيارها دون بصيرة، أو يكونون وقودًا لها من حيث لا يشعرون! "الوعي السنني" لا يعني الحياد البارد ولا الانسحاب الجبان، بل يعني أن لا نزج أنفسنا في معارك بلا تبصر، ولا نكون أداة في يد من يحسن إدارة الفتنة أكثر مما نحسن فهمها، فالمواقف المعاصرة الرشيدة ليست تلك التي ترفع الصوت أكثر، بل تلك التي تقرأ اللحظة جيدًا، وتقدر المآلات في زمن الفتن الكبرى، لا شيء أخطر على الوعي الجمعي من الدخول في معارك صفرية، لا ناقة له فيها ولا جمل إلا ترف التنظير؛ حيث يحتدم الصراع في غير ميدانه، وتُشعل ناره في غير عدوه، وكثير منها يدار عبر منصات الإعلام ووسائل التواصل، وتُنفخ فيها نار الاصطفافات حتى تغدو في عيون الناس وكأنها المعركة الحقيقية، بينما العدو الحقيقي يراكم مكاسبه على موائد صمتنا وانقسامنا. وفي ظل هذا المشهد الملتبس؛ يصبح فقه التعامل مع الفتن ضرورة فكرية وسلوكية ملحة، لا ترفاً معرفياً. ولنا في مواقف كبار الصحابة الذين عاشوا زمن الفتن الكبرى عِبر شاهدة على عمق فقههم وبصيرتهم في التعامل معها؛ فهذا الزبير بن العوام رضي الله عنه، وقد كان من العشرة المبشرين بالجنة، وأحد أوائل من أسلم، لم يكن جبانًا ولا عاجزًا عن خوض المعارك، بل فارسًا شجاعًا.. ومع ذلك، لما تبين له أنه يسير نحو مواجهة قد يختلط فيها الحق بالباطل، وكان ذلك في فتنة الجمل، رجع القهقرى وقال: "إن هذا الأمر لا أقاتل فيه، لقد ذكرني عليٌّ بحديث سمعته من رسول الله ﷺ: لتقاتلنه وأنت له ظالم"! فانصرف وكف يده، وفضل الاعتزال على أن يكون طرفًا في دم مشتبه. هذا الوعي النبوي السنني جعله ينسحب من مشهد الفتنة، ويمتنع عن صب الزيت على النار، لأنه أدرك أن الفتنة لا تعالج بالحد القاطع دائمًا، بل أحيانًا بالصمت والاعتزال حتى تنجلي، خاصة إذا كانت مظنة شقاق الأخوة. وهنا تكمن العبرة: أن الفتنة ليست لحظة انتصار لخطابك أو اصطفافك، بل اختبارًا لبصيرتك وقدرتك على الإمساك بالحق، دون أن تسهم في سفك الدم أو تمزيق الأمة، أو تأجيج النزاعات باسم الانتصار للحق وللمبدأ. إن "الوعي السنني" لا يعني الحياد البارد ولا الانسحاب الجبان، بل يعني أن لا نزج أنفسنا في معارك بلا تبصر، ولا نكون أداة في يد من يحسن إدارة الفتنة أكثر مما نحسن فهمها، فالمواقف المعاصرة الرشيدة ليست تلك التي ترفع الصوت أكثر، بل تلك التي تقرأ اللحظة جيدًا، وتقدر المآلات، وتفرق بين التوقيت المشروع والفخ المنصوب، وبين من يستنصر للحق، ومن يستثمر في ناره. فالوعي السياسي الجماهيري لا يعني تبرئة من له مواقف خاطئة، ولا يعني شيطنة من نختلف معه، بل أن نحسن ترتيب الأولويات، وأن نفرق بين ساحة النقد وساحة المعركة؛ فكل معركة وهمية تؤجج هي طعنة في خاصرة الأمة، وتفكيك لجبهتها الداخلية، وأن الفلاح أحيانًا يكون في كف اليد والتزام الصمت. ليس المطلوب أن نطبل لأحد، ولا أن نخاصم كل من خالفنا، بل أن نحفظ بوصلة الوعي متجهة نحو الحق والعدالة، لا تتيه في دوامة الشعارات والانفعالات، فلماذا نستنزف أنفسنا في حصر الحق كل الحق في ضفتنا، وننهمك في إثبات شرعية موقفنا، حتى لو كان ذلك على حساب سحق الرأي الآخر وشيطنته، في حين يتحمل الأمر الاجتهاد والرأي والرأي الآخر؟! في زمن الفتن، لا تقاس البطولة بكثرة الصخب، ولا يوزن الحق بشدة الاصطفاف، بل بالبصيرة.. فكونوا زبيريين إذا اختلطت الأصوات، أصغوا لصوت النبوة في أعماق ضمائركم أليس من الحكمة أن نفرق بين من يخطئ في التقدير والاجتهاد، وبين من يناوئ القضية من أصلها؟ فقد فرقت شريعتنا الغراء نفسها في الأحكام وطرق التعامل بين الكافر الأصلي وبين الباغي الذي خرج بتأويل، ولم تضعهما على مسافة واحدة من الأحكام. إننا حين نحصر الصواب في مسار واحد، ونجعل من الاختلاف تهديدًا، نسهم دون أن نشعر في تفكيك الصف، وتآكل الوعي، وتبديد الطاقات في معارك لا جبهة لها. وفي خضم هذه المعارك الوهمية، نغفل أحيانًا حقيقة مهمة جداً: أن كثيرًا من هذه الخلافات والاصطفافات لا تتعدى أن تكون رمزية في الموقف أو عاطفية في التصريح، لا هو دعم مالي يحدث فرقًا وأثراً فعلياً، ولا دعم لوجستي يغير موازين القوة، ومع ذلك، يبنى عليه خلاف وانقسام عنيف، ويعاد تشكيل الولاءات والعداوات، وكأن المعركة كلها باتت في كلمات لا في أفعال. ومن وعى هذا البعد السنني اليوم، أدرك أن كثيرًا من الاصطفافات في عصر الأزمات، كالصراعات الراهنة في العالم الإسلامي، لا تتجاوز رمزية التأييد، بينما لا تغير واقعًا ولا تحقن دمًا؛ فالحكمة ألا نُستنزف في معارك وهمية نشيطن فيها بعضنا دون وعي بمآلاتها، ونتعامى عن الفتنة الأصل التي تدور في الخلفية. في زمن الفتن، لا تقاس البطولة بكثرة الصخب، ولا يوزن الحق بشدة الاصطفاف، بل بالبصيرة.. فكونوا زبيريين إذا اختلطت الأصوات، أصغوا لصوت النبوة في أعماق ضمائركم، وقفوا حيث وقف الزبير، حين تذكر الحديث وانحاز للبصيرة بدل الحماسة.

ساحات الأسرار النووية لإيران وإسرائيل
ساحات الأسرار النووية لإيران وإسرائيل

الجزيرة

timeمنذ 29 دقائق

  • الجزيرة

ساحات الأسرار النووية لإيران وإسرائيل

رغم إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن وقف مؤقت لإطلاق النار بين إسرائيل وإيران، يبقى الصراع النووي بين هذه الأطراف محتدما، إذ يتواصل عبر مفاوضات شائكة وتهديدات عسكرية متبادلة وتصريحات سياسية متصاعدة. غير أن ما يدور خلف الكواليس يكشف عن ساحة مواجهة أكثر تعقيدا تُدار بصمت داخل الفضاء السيبراني، حيث تسود قواعد جديدة وتتلاشى الحدود التقليدية للصراع. ففي هذا الفضاء وتحديدا عبر منصاته، ظهرت معلومات يُعتقد أنها مرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني، وقد طرحت للبيع بواسطة عملات مشفرة، بحسب تحقيقات استخباراتية وتقارير أمنية. وتنسب هذه الأنشطة إلى مجموعات سيبرانية، بعضها مرتبط بجهات حكومية وأخرى تتحرك في الظل بلا تبعية واضحة، مما يجعل السوق الرقمية مساحة خصبة لتبادل معلومات حساسة، حيث تتقاطع مصالح الفاعلين الرسميين وغير الرسميين في مشهد معقد من الصعب تتبعه. في هذه التقرير نتتبع ملامح هذه المعركة غير المرئية عن طريق تقصي أنماط النشاط المرتبط بتسريب وبيع معلومات حساسة، وتحليل الأدوار التي تلعبها المجموعات والدول في توظيف الصراع داخل معادلات أوسع. الأسرار النووية سبق أن كشفت قناة ميدل إيست سبيكتور الموالية لإيران، في أكتوبر/تشرين الأول 2024، عن تسرب وثيقتين استخباريتين توضحان خطط إسرائيل للهجوم على إيران، عبر قناة بمنصة تليغرام. وأفاد تحقيق نشرته صحيفة واشنطن بوست بأن المتسبب في هذا التسريب هو محلل سابق في وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، وقد اعترف بأنه سحب الوثائق من محطته في كمبوديا وسلمها إلى قناة تليغرام، قبل أن تنشر لاحقا في شبكات التواصل الاجتماعي. وتشير تحليلات خبراء عسكريين إلى أن هذه الحادثة وما سبقها من تسريبات، تؤكد الواقع المزدوج للويب المظلم ومنصات تشفير مشابهة، إذ أصبحت منصات مثل تليغرام تؤدي دور منصة تسريب موازية، تتجاوز حدود الحكومة التقليدية، فلم تعد المعلومات حكرا على الدول بل تمت خصخصتها وأصبحت بيد جهات غير رسمية. وفقًا لما يوضحه عميد كلية تكنولوجيا المعلومات محمد عطير فإن تداول البيانات النووية الحساسة على الويب المظلم يؤي إلى تهديد حقيقي على مستويات عدة، منها: نقل المعرفة النووية إلى أطراف مشبوهة، مما يزيد من خطر الانتشار غير المشروع لهذه التكنولوجيا. تتيح هذه البيانات استخدامات خطيرة مثل الابتزاز والهجمات السيبرانية المتقدمة التي قد تستهدف منشآت حيوية، مما يرفع من مستوى التهديد الأمني. ويقول عطير في حديثه للجزيرة نت إن التداول السريع وغير الخاضع للمراقبة يضعف ثقة المؤسسات العالمية في قدرة الدول على حماية معلوماتها السيادية، مما يؤثر سلبا على العلاقات الدولية والاستقرار السياسي. والخطورة الحقيقية لا تكمن فقط في عملية التسريب نفسها، بل في سرعة تداول هذه المعلومات في فضاءات الويب المظلم المجهولة الهوية ومن الصعوبة تتبعها ومساءلتها، مما يضاعف من التحديات الأمنية، وفقا لعمير. وتكشف بيانات وتحليلات حديثة نشرتها شركة "بوستيف تكنولوجي" المتخصصة في مجال الأمن السيبراني للعام 2024 أن الويب المظلم أصبح ساحة رئيسية لتسريب وتداول المعلومات الحساسة المتعلقة بالأمن الوطني والبرامج النووية في إيران. فقد نفذت مجموعات هاكتيفيست سياسية (الجماعات التي تستخدم تقنيات وتقنيات الاختراق كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية) مثل "آرفن كلب" "Arvin Club" و"غونجيشكي داراندي" (Gonjeshke Darande) و"وي ريد إيفلز" (WeRedEvils)، هجمات إلكترونية استهدفت مؤسسات حيوية تشمل البنوك والمنشآت الصناعية والبنية التحتية للطاقة والاتصالات والوزارات الحكومية، مع نشر قواعد بيانات مسروقة على منصات الويب المظلم، وفقا للشركة. وأظهرت إحصائيات نشرها الموقع ذاته بين عامي 2023 و2024 أن حوالي 47% من الحالات شهدت إعلانا عن خروقات للمؤسسات، حيث عرض 24% منها بيانات مسروقة للبيع، و22% بشكل مجاني، مما يعكس تصاعدا كبيرا في نشاط المجرمين الإلكترونيين لتحقيق أرباح من خلال خصخصة هذه المعلومات. وقد اتخذت الحرب الخفية بين إيران من جهة وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى أشكالا متعددة، وفقا لما أكده الخبير والمحلل العسكري اللواء المتقاعد هلال الخوالدة في حديثه للجزيرة نت، إذ تنوعت بين الاختراق البشري، عبر اتهامات متكررة بزراعة عملاء داخل المنشآت النووية الإيرانية، والاغتيالات الممنهجة لعقول البرنامج النووي الإيراني. ويضاف إلى ذلك، وفق الخوالدة، عمليات المراقبة الجوية والفضائية باستخدام طائرات مسيرة وأقمار اصطناعية لجمع البيانات، وعمليات التضليل الإعلامي من خلال تسريب أو نشر معلومات استخباراتية مدروسة تهدف للتأثير الدبلوماسي والسياسي. تصاعد الحرب السيبرانية اتخذت الحرب السيبرانية بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران في بعض الأحيان طابعا غير مباشر، حيث يُعتقد أن إسرائيل كانت تنفذ هجمات سيبرانية بالوكالة عن الولايات المتحدة، ضمن تنسيق أمني واستخباراتي مشترك بين الجانبين. يظهر ذلك بوضوح في عملية "ستاكسنت"، التي كشفت تقارير استخباراتية غربية لاحقا أنها كانت نتاج تعاون بين وكالة الأمن القومي الأميركية (إن إس إيه) ووحدة الاستخبارات الإسرائيلية " 8200"، ضمن عملية سرية حملت اسم " الألعاب الأولمبية" حيث ضرب فيروس "ستاكسنت" منشأة نطنز النووية الإيرانية، مخلِّفا أضرارا بالغة. ويزعم تحقيق استقصائي أجرته صحيفة "دي فولكس كرانت" الهولندية أن المهندس الهولندي إريك فان سابين الذي كان يعمل في شركة "تي تي إس" (TTS) في دبي، والتي كانت تنقل معدات ثقيلة إلى إيران، تم تجنيده من قبل المخابرات الهولندية، وكان جزءا من عملية سرية نفذتها المخابرات المركزية الأميركية والموساد الإسرائيلي استهدفت محطة نطنز. وفي إطار هذه الحرب السيبرانية المتصاعدة، فقد شهد شهر يونيو/حزيران 2025 تصعيدا نوعيا تمثل في اختراق مجموعة القراصنة المرتبطة بإسرائيل "بريداتوري سبارو" لأنظمة بنك "سبه" الإيراني في 17 من الشهر نفسه، مما أحدث شللا شبه كامل في أنظمة الدفع والتحويلات المالية. وفي اليوم التالي، استهدفت المجموعة منصة العملات الإيرانية "نوبيتيكس" ونجحت في سرقة ما يعادل 90 مليون دولار تم توزيعها عبر محافظ إلكترونية غير قابلة للتتبع. ولم يقتصر الهجوم على القطاع المالي فقط، بل شملت العمليات أيضاً تعطيل مئات محطات الوقود في عدة مدن إيرانية، حيث وصفت المجموعة هذه العمليات بأنها "رد سيبراني إسرائيلي على التهديدات الإيرانية"، مما يعكس تعقيد وتنوع ساحة القتال السيبراني بين الطرفين، وتأثيره المباشر على البنية التحتية الحيوية والاقتصاد الإيراني. ووفقا لتحليل صادر عن شركة تتبّع البلوكتشين "إليبتيك" (Elliptic)، تصف الشركة هذه الخطوة بأنها "حرق للأصول الرقمية"، مما يشير إلى أن الهجوم لم يكن بدافع الربح، بل يحمل أهدافا سياسية صريحة. ويمكن أن نعزو ذلك إلى أن العملات الرقمية تعلب دورا مركزيا في الحروب السيبرانية الحديثة، إذ يتم استخدامها كوسيلة دفع رئيسية في الهجمات نظراً لصعوبة تتبعها، وفقا للخبير في تكنولوجيا وأمن المعلومات عبيدة أبو قويدر. ويقول أبو قويدر في حديثه للجزيرة نت إن صعوبة التتبع تجعل منصات التداول وأنظمة الدفع هدفا إستراتيجيا للمهاجمين، فاستهداف البنى الرقمية ليس فقط لإحداث خلل اقتصادي، ولكنه أيضا يمنع الخصم من الوصول إلى موارد مالية تستخدم لاحقا لتمويل هجمات مضادة، مما يضفي بعدا اقتصاديا جديدا على الصراع السيبراني المتعدد الأطراف. وكان مركز بحوث ودراسات الأمن القومي الإسرائيلي (آي إن إس إس) قد نشر في الثالث من يونيو/حزيران 2020 مقالا بعنوان: "مستوى جديد في الحرب السيبرانية بين إسرائيل وإيران"، قال فيه إن هذه الهجمات السيبرانية تنفذ بسرية تامة، وغالبا ما تنكر الأطراف المتحاربة مسؤوليتها، مما يصعّب تحديد مصدر الهجوم بدقة. وتعتبر العمليات السيبرانية "حربا بين الحروب" تتيح تنفيذ هجمات دقيقة عن بعد، مع تجنب الخسائر البشرية والتصعيد المباشر، كما توفر فرصا لجمع المعلومات، وشن حرب معلوماتية، والضغط على الأنظمة العسكرية والمدنية لتحقيق أهداف سياسية ودفاعية، وفقا للمركز. هاكرز مجهولون.. أدوات أم لاعبون مستقلون؟ في السنوات الأخيرة، برزت مجموعات اختراق غامضة تتحرك خارج الأطر الرسمية للدول، بعضها على صلة بأجهزة استخبارات، وأخرى تعمل بشكل مستقل، لتتحول إلى لاعبين مؤثرين في ميدان الأمن السيبراني النووي. ومن أبرز الأمثلة، مجموعة بلاك ريوورد التي أعلنت في أكتوبر/تشرين الأول 2022 مسؤوليتها عن اختراق بريد إلكتروني تابع لإحدى الشركات المرتبطة بمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية، وأسفر الاختراق عن تسريب معلومات حساسة تخص محطة بوشهر النووية، تضمنت جداول تشغيل، وبيانات سفر لخبراء إيرانيين وروس، وعقود تطوير نووي. وجاءت العملية -بحسب بيان المجموعة على منصة "إكس"- دعما للاحتجاجات في إيران، ومشروطة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، موقّعة بعبارة: "باسم مهسا أميني ومن أجل المرأة، الحياة، الحرية". وقد اعتبرها محللون عسكريون سابقة تظهر قدرة فاعلين غير حكوميين على التأثير في معادلات حساسة، خارج أطر الصراع التقليدي بين الدول. ويعلق الباحث أبو قويدر على هذا التحول بأن المعلومات النووية لم تعد حكرا على الدول، بل باتت تتداول عبر منصات مشفّرة وسوق سوداء رقمية، مما يقلّص من فاعلية الرقابة الدولية ويضاعف من خطر تسرب بيانات إستراتيجية نتيجة تداخل المجال السيبراني بالجغرافيا السياسية. في مقابل السوق السوداء التي تباع فيها أسرار إيرانية، تشير بعض الروايات إلى أن إيران نفسها باتت تمتلك وثائق نووية إسرائيلية، مما يعكس تداخل أدوار "المسرب" و"الضحية" في هذا الصراع الرقمي، وفق رويترز. وكانت وسائل إعلام رسمية إيرانية قد نقلت عن مصادر لم تسمها، أن "وكالات الاستخبارات الإيرانية حصلت على كمية كبيرة من الوثائق الإسرائيلية الحساسة"، يعتقد أن بعضها يتصل بـ"الخطط النووية ومرافق إسرائيلية حساسة". وذكرت قناة "برس تي في" الإيرانية أن العملية تمت منذ مدة، لكن حجم المواد تطلّب وقتا طويلا لمراجعتها ونقلها بشكل آمن إلى داخل إيران، مما استدعى "حالة تعتيم إعلامي مؤقت" لضمان سلامة العملية. وتبرز مجموعة "إيه بي تي 34" أو "أويل ريغ"، بأنها واجهة تهديد متقدمة مرتبطة بالحكومة الإيرانية، وتنشط منذ 2014 في شن هجمات إلكترونية متطورة تستهدف قطاعات إستراتيجية مثل الطاقة والاتصالات، وتستخدم تقنيات مثل التصيد الموجه، واستغلال ثغرات يوم الصفر(استغلال نقاط الضعف في برمجيات وثغراتها الأمنية خاصة غير المعروفة منها للعامة أو حتى مطوريها في شن هجومات إلكترونية) والبرمجيات الخبيثة التي تتيح لها التسلل والبقاء داخل الشبكات لفترات طويلة، وفقا لتقارير شركات الأمن السيبراني مثل "فاير آي" و"كراود ستريك". تشير التحليلات إلى أن هجمات "بلاك ريوورد" و"إيه بي تي 34″ ذات أدوات متقدمة وتخطيط طويل، تستهدف مؤسسات حساسة بدوافع استخباراتية أو تجارية، مع احتمالية استخدامها للضغط السياسي، وفقا لمحمد عطير الذي يؤكد أن النمط الاحترافي يصعب فصله عن أجندات أكبر رغم غياب دليل مباشر. ويؤكد أن هناك ظهورا لما يعرف بـ"خصخصة الهجمات السيبرانية"، حيث أصبحت مجموعات قرصنة مستقلة تمتلك أدوات متطورة تُنافس ما كانت تملكه الحكومات قبل سنوات قليلة، هذا التحول يفرض تحديات رئيسية على مؤسسات الأمن القومي، من أبرزها: صعوبة التمييز بين الفاعلين. تضاؤل قدرة الردع التقليدي، بسبب عدم وضوح الجهة المسؤولة. صعوبة تتبع التسريبات أو وقف تداولها بعد عرضها في الأسواق السوداء الرقمية. أطراف ثالثة تشعل الصراع من الخلف. اللاعبون الخفيون ومعركة النووي لسنوات، قادت إسرائيل حربا غير معلنة ضد إيران، لكن النزاع تحول في 13 من يونيو/حزيران الجاري إلى مواجهة علنية، إذ أعلنت إسرائيل شنها ضربة "استباقية" على أهداف داخل إيران، مما اعتبر بداية التصعيد العسكري بين الطرفين. ومع ذلك، لا يقتصر الصراع على هذين الطرفين، إذ تتحرك قوى كبرى كروسيا والصين في الظل، مستغلة التسريبات النووية لتعزيز أوراقها التفاوضية دوليا. يتفق الخبير الأمني ضيف الله الدبوبي مع ذلك، ويقول إن الصين لعبت دور الوسيط الأساسي في محادثات فيينا لإحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، وتسعى لتثبيت نفسها كلاعب إقليمي ودولي رئيسي. ليس فقط لتحقيق السلام النووي، بل لتعزيز مصالحها الإستراتيجية الأوسع مثل توسيع نفوذها الجيوسياسي وتأمين إمدادات الطاقة، خصوصا النفط الإيراني الذي تحتاجه لتشغيل مصانعها ومحطاتها الكهربائية. أما روسيا، فيقول الدبوبي في حديثه للجزيرة نت إنها تستخدم الملف النووي الإيراني كورقة ضغط سياسية وعسكرية في مواجهة الغرب، وتظهر موقفا موحدا مع بكين في مجلس الأمن الدولي، حيث تدعمان مواقف إيران وتعارضان الضغوط الغربية. ووفقا لتقارير مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (سي إس آي إس) بواشنطن، لا يقتصر دور روسيا والصين على احتواء إيران فقط، بل يمتد إلى تقديم غطاء سياسي وتقني لطهران لتعزيز شراكة إستراتيجية تتقاطع مع الطموحات النووية الإيرانية. فقد صوتت كل من روسيا والصين ضد قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الصادر في 12 يونيو/حزيران 2025، الذي خلص إلى أن إيران خرقت التزاماتها بموجب معاهدة عدم الانتشار النووي (إن بي تي). ويُنظر إلى هذا الموقف على أنه امتداد لتحالف أوسع يضم أيضا كوريا الشمالية، يعيد رسم توازنات النظام العالمي الخاص بمنع الانتشار النووي. وتؤكد هيذر ويليامز مديرة "مشروع قضايا التسلح النووي" في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية أن الدعم الروسي الصيني لإيران لا يقتصر على الجانب السياسي والدبلوماسي، بل يشمل مساعدات فنية وتقنية مباشرة، مشيرا إلى أن الصين زوّدت إيران بمفاعلات صغيرة في تسعينيات القرن الماضي، في حين استكملت روسيا بناء وتشغيل مفاعل بوشهر النووي. ويكشف الصراع النووي الإيراني الأميركي أو الإسرائيلي بالوكالة، عن وجه جديد لا يدار بالصواريخ والدبلوماسية فحسب، بل تتحكم فيه البيانات والهاكرز والعملات المشفرة، ووسط كل هذا التعقيد تصبح الحقيقة أن الأمن لم يعد شأنا عسكريا فقط، بل معكرة داخل شبكة لا تنام يتحرك فيها اللاعبون الرسميون والظلال على حد سواء.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store