logo
انعكاسات وتأثيرات خطيرة لحرب إيران وإسرائيل على المنطقة.. تعرّف عليها

انعكاسات وتأثيرات خطيرة لحرب إيران وإسرائيل على المنطقة.. تعرّف عليها

الجزيرةمنذ 15 ساعات

قال الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات الدكتور لقاء مكي إن الحرب بين إيران و إسرائيل باتت تشكّل منعطفا خطيرا بالمنطقة، وسط مؤشرات على اتساع رقعتها وتهديدها المباشر لحياة الناس واستقرار دول الإقليم، مؤكدا أن تطورها قد يعني دخول أطراف دولية كبرى واندلاع مواجهة إقليمية شاملة.
وأوضح مكي، في حديثه خلال تغطية خاصة على شاشة الجزيرة، أن الرد الإيراني غير المسبوق، والذي استهدف العمق الإسرائيلي بعشرات الصواريخ، أظهر تحول المواجهة من مجرد عمليات محدودة إلى ما يبدو أنه بداية لحرب فعلية، منبها إلى أن الانعكاسات الفورية لهذا الصراع بدأت تظهر في غلق أجواء 5 دول وتعطيل النشاط الاقتصادي.
وكانت إيران قد أعلنت تنفيذ هجوم واسع ضد أهداف إسرائيلية، مؤكدة أنها أطلقت مئات الصواريخ، بعضها من غواصات للمرة الأولى، واستهدفت بعض المقار العسكرية والمراكز القيادية، بينها وزارة الدفاع في تل أبيب، فيما تحدثت القناة الـ13 عن دمار غير مسبوق في المدينة.
وأضاف مكي أن اتساع رقعة القصف قد يشمل مدنا وعواصم في المنطقة، وأن احتمالية دخول الولايات المتحدة على خط المواجهة قائمة، رغم محاولاتها التحفظ على المشاركة المباشرة. وفي حال تحقق ذلك، فإن قواعدها ومصالحها في المنطقة ستكون عرضة للاستهداف، سواء من إيران نفسها أو من حلفائها الإقليميين.
وأشار مكي إلى أن الخليج العربي يشكّل شريانا نفطيا حيويا للعالم، وأن غلق مضيق هرمز -وهو أمر متوقع إذا استمر التصعيد- قد يحرم الأسواق العالمية من نحو 60% من الإمدادات، فضلا عن احتمالية تعرض منشآت نفطية ومرافق للطاقة إلى ضربات مباشرة، مما يهدد بانفجار أزمة اقتصادية عالمية.
ولم يغفل مكي الآثار الإستراتيجية بعيدة المدى للحرب، محذرا من أن الهدف الإسرائيلي لم يعد يقتصر على تحجيم القدرات الإيرانية، بل يمتد إلى محاولة إسقاط النظام في طهران ، واعتبر أن هذا التوجه خطير، لأنه سيفتح الباب أمام سيناريوهات صراع داخلي وانهيارات محتملة، في حال تمكّنت إسرائيل من تحقيق هذا الهدف بدعم غربي.
وتوقف الباحث عند تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي إسرائيل كاتس، التي قال فيها إن طهران تجاوزت الخط الأحمر باستهدافها المدنيين، معتبرا أن تلك التصريحات تمهيد صريح لضرب المنشآت الاقتصادية الإيرانية، وعلى رأسها الموانئ ومواقع إنتاج النفط، مما ينذر بتدهور خطير في طبيعة المواجهة.
وفي إشارته إلى آفاق هذه الحرب، قال مكي إن قدرات الطرفين على الصمود والتصعيد تجعل من الصعب التنبؤ بنهاية قريبة للصراع، مرجحا أن تستمر العمليات ما لم يُمارس ضغط دولي وإقليمي حاسم على الطرفين. وأكد أن إيران تسعى لتحقيق ردع واضح ومؤثر، إذ إن مجرد إطلاق الصواريخ لا يكفي في حسابات صورتها أمام شعبها والعالم.
ورأى أن المعركة بين إيران وإسرائيل لا تُفهم فقط من منطلق الرد والردع، بل هي صراع على مستقبل الدور الإقليمي، إذ تسعى إسرائيل لتكريس وجودها كقوة مهيمنة لا تُردع، وإذا نجحت في تحقيق نصر مباشر على إيران -بدعم غربي- فستصبح لها اليد الطولى في المنطقة، وهو أمر خطير برأيه.
واعتبر أن فشل إسرائيل في كبح جماح طموحاتها في المنطقة، وامتلاكها القدرة على استخدام القوة دون ضوابط، سيعرّض دولا أخرى في الإقليم إلى مصير مشابه لما يُراد لإيران، في ظل خطاب سياسي إسرائيلي يعتبر بعض دول المنطقة كيانات قابلة للتفتيت والإزاحة.
ولفت إلى أن طهران قد تكون مضطرة للانكفاء مؤقتا، خصوصا مع ضغوط الساحة السورية واللبنانية، إلا أن هذه الضربات المتتالية ستدفعها للرد مجددا قبل التوقف، حفاظا على هيبتها، مؤكدا أن تصريحات عباس عراقجي -الرافضة للدعوات لضبط النفس- تعكس إصرارا على الرد بقوة قبل أي تهدئة.
وفي خضم هذه التطورات، أشار مكي إلى البيان الصادر عن الديوان الأميري القطري بشأن اتصال أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بالرئيس الأميركي دونالد ترامب ، لمناقشة جهود خفض التصعيد، قائلا إن هذا التحرك الدبلوماسي مهم جدا، ويجب أن يكون مدعوما بتحركات مماثلة من قادة دول المنطقة، خصوصا السعودية، التي قال إن ولي عهدها التقى الرئيس الأميركي في الأيام الماضية.
المنطقة لن تتحمل
وأضاف أن دول الخليج لطالما عبّرت عن رفضها لأي حرب في المنطقة، وأبلغت واشنطن بذلك منذ بدء التصعيد، محذرا من أن استمرار الحرب لن يكون في صالح أي طرف، وأن المنطقة بأكملها ليست مهيأة لتحمل حرب كبرى، خاصة بعد آثار العدوان على غزة الذي أثار غضب الشارع العربي.
وأكد أن إيران دولة كبيرة ومحورية وتتمتع باعتزاز وطني وإثني كبير، ولديها قدرات حقيقية على المواجهة، مشددا على أن الذهاب إلى النهاية في هذه الحرب ليس مستبعدا من جانب طهران، في ظل ما تعتبره ضرورة للردع والحفاظ على الكرامة السيادية أمام الداخل والخارج.
وتأتي هذه التصريحات في وقت أعلنت فيه إيران عن إطلاق "الرد الساحق" على إسرائيل، بعدما تعرضت منشآت إيرانية إلى سلسلة من الهجمات، أدت إلى مقتل عدد من قادتها العسكريين ونخبة من خبرائها النوويين، وهو ما دفعها للرد عبر مئات الصواريخ الباليستية، أسقط بعضها مقاتلة إسرائيلية وأصاب مواقع حساسة في تل أبيب.
وفي حين تواصل إسرائيل تحليق طائراتها وقصف أهداف في العمق الإيراني، كشفت وسائل إعلام عن تعرض مبنى وزارة الدفاع الإسرائيلية في "الكرياه" لأضرار بالغة، في وقت لا تزال فيه حالة الطوارئ مفروضة على كامل الأراضي الإسرائيلية، ما يزيد المشهد الإقليمي تعقيدا ويهدد بانفجار واسع النطاق.
لكن، وحسب تقديرات مكي، فإن قدرة الأطراف الفاعلة على التأثير في هذا المسار تبدو محدودة ما لم تكن مدفوعة بإرادة سياسية حازمة من واشنطن وحلفائها، مشددا على أن استمرار الوضع على ما هو عليه يعني أننا أمام فصل جديد من الصراع الإقليمي، أكثر اتساعا وخطورة من كل ما شهدته المنطقة خلال السنوات الماضية.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

كيف تمكنت إيران من خداع الدفاع الجوي الإسرائيلي؟
كيف تمكنت إيران من خداع الدفاع الجوي الإسرائيلي؟

الجزيرة

timeمنذ 32 دقائق

  • الجزيرة

كيف تمكنت إيران من خداع الدفاع الجوي الإسرائيلي؟

مساء الجمعة 13 يونيو/حزيران، أعلنت إيران إطلاق هجوم واسع على مواقع إسرائيلية ردا على الغارات التي استهدفت طهران ومدنا إيرانية وأدت إلى مقتل العشرات صباح يوم أمس، بينهم مجموعة من قادة الصف الأول من العسكريين والخبراء النوويين. وأكدت وكالة الأنباء الإيرانية ما وصفته بـ"بدء الرد الإيراني الساحق" عبر إطلاق مئات الصواريخ الباليستية تجاه إسرائيل. ومن جهتها طالبت الحكومة الإسرائيلية المواطنين بدخول غرفهم المحصنة بعد رصد إطلاق صواريخ من إيران وما صاحبه من دوي لصفارات الإنذار في تل أبيب والقدس وعدة مدن أخرى. وقد أعلن الإسعاف الإسرائيلي -صباح اليوم السبت- مقتل 3 إسرائيليين وإصابة 172 آخرين، في أعقاب وابل من الضربات الصاروخية والطائرات المسيرة الإيرانية على مناطق متفرقة من وسط وشمال إسرائيل. ونقلت القناة الـ13 الإسرائيلية عن مسؤولين قولهم إن منطقة تل أبيب الكبرى تعرضت لـ"دمار غير مسبوق لم نعهد مثله سابقا". وفي حين أن الكثير من التحليلات قد كُتبت حول الضربة الإسرائيلية على إيران ومدى تعقيدها، فإن السؤال الذي يجدر أيضا الإجابة عنه هو: كيف تمكنت إيران من اختراق الطبقات المعقدة للدفاع الجوي الإسرائيلي وتحقيق ضربات مؤثرة ومدمرة في عمق إسرائيل؟ لفهم طبيعة الضربة الإيرانية، يجدر بنا الوقوف قليلا عند السلاح الأساسي الذي اعتمدت عليه إيران في هجومها، وهي الصواريخ الباليستية. إعلان تعرف الصواريخ الباليستية بأنها تلك التي تتخذ مسارًا منحنيا يشبه قوسا ضخما يتم تحديده منذ لحظة انطلاق الصاروخ حتى يصيب الهدف المحدد. يبدأ الأمر بتشغيل الصاروخ بواسطة محرك يدفعه إلى الغلاف الجوي العلوي أو حتى إلى الفضاء الخارجي، ثم ينحرف الصاروخ في مسار مكافئ خارج الغلاف الجوي، ومن ثم يعود إلى الغلاف الجوي للأرض ويهبط نحو الهدف، مسترشدًا بالجاذبية. تمتلك هذه الصواريخ مزايا عدة تجعلها أداة مركزية للعديد من الجيوش المعاصرة بما في ذلك إيران، حيث يمكن أن تصل إلى سرعات كبيرة ما يعطي ميزة في العمليات السريعة المباغتة، كما يمكن تصنيع الصواريخ الباليستية في مديات متنوعة جدا، تبدأ من أقل من ألف كيلومتر، ولكنها تصل إلى مستوى عابر للقارات (11 أو 12 ألف كيلومتر مثلا). ورغم عدم وجود بيانات رسمية حول أعداد الصواريخ الباليستية الإيرانية، فإن ما نعرفه هو أن إيران أجرت تحسينات كبيرة طوال العقد الماضي في مستوى دقة صواريخها الباليستية، حيث تستخدم بعض الصواريخ الإيرانية، مثل صواريخ "فاتح-313″ و"قيام-1" أنظمة توجيه دقيقة للغاية. "فاتح-313" تحديدا هو صاروخ باليستي قصير المدى (حوالي 500 كيلومتر) تم تجهيزه بنظام توجيه متقدم يتضمن الملاحة بالقصور الذاتي وربما التوجيه عبر الأقمار الصناعية، مما يسمح بدقة عالية في الاستهداف. في حين يستخدم "قيام-1" نظام توجيه يمزج بين الملاحة بالقصور الذاتي والتوجيه الطرفي، مما يحسن دقته وفعاليته ضد أهداف محددة. كذلك أولت إيران الكثير من الاهتمام لتطوير الصواريخ التي تعمل بالوقود الصلب، والذي يُسرّع من عملية إطلاق الصاروخ مقارنة بالوقود السائل، ما يجعله مثاليا لسيناريوهات رد الفعل والانتشار السريع، مثل الاستجابة لهجوم قادم أو القيام بضربات مفاجئة. كما أن الوقود الصلب أكثر استقرارًا ويُسهّل إعداد الصواريخ ونقلها بسرعة، فضلًا عن كونه أكثر قابلية للاستخدام في الصواريخ متعددة المراحل، وهذا يجعله مناسبًا للصواريخ طويلة المدى والعابرة للقارات، حيث الدقة والموثوقية أمران حاسمان. سياسة الإغراق لكن تطوير دقة ومدى الصواريخ الباليستية لا يُمكّن وحده من خداع منظومة متعددة الطبقات مثل تلك التي تستخدمها إسرائيل للدفاع الجوي خاصة بعد أن دعمتها واشنطن بنظام "ثاد" الأكثر تطورا. ولذلك تعتمد إيران على عدد من التكتيكات الإضافية التي يمكن أن تساعد في الضغط على تلك المنظومة وإفشالها، وأول هذه التكتيكات هي إغراق المنظومة الدفاعية بالصواريخ والمسيرات، فمهما بلغ أي نظام للدفاع الجوي من القوة والدقة، فإن لديه سقفا لقدرته على الصد، ويبدأ في فقدان فعاليته عند تجاوز هذا السقف. لذلك، لاحظنا يوم أمس الجمعة، بالإضافة لما جرى في هجمة أكتوبر/تشرين الأول 2024 في العملية التي أطلقت عليها إيران اسم "الوعد الصادق 2″، أنها لا تطلق صواريخ مفردة، بل تطلق رشقات صاروخية متزامنة تستطيع أن تحقق إشغالا وإغراقا للمنظومة الدفاعية الإسرائيلية، وهو أمر شبيه لما قامت به فصائل المقاومة الفلسطينية في أوقات سابقة حينما تقرر إطلاق صواريخ على الأراضي المحتلة. وبالانتقال للحديث التقني، تمتلك كل بطارية من بطاريات القبة الحديدية نحو 60 صاروخا اعتراضيا ويعتقد أن إسرائيل لديها 10 بطاريات أو أكثر قليلا من بطاريات القبة الحديدية العاملة، ما يعني أنها في حدها الأقصى قادرة على اعتراض "مئات الصواريخ" قبل أن يتعين عليها تجديد مقذوفاتها. ويعني ذلك أنه بالنسبة لهجمات الصواريخ قصيرة المدى، فإن هجومًا مستمرًا يتضمن إطلاق مئات الصواريخ على سبيل المثال في غضون فترة زمنية قصيرة جدًا سيجهد قدرة القبة الحديدية على الصد ومن ثم يضمن مرور الصواريخ إلى أهدافها، ويمكن أن يدعم هذا الزخم إطلاق مجموعة مسيرات مصاحبة للصواريخ الباليستية، مما يزيد من احتمالية وصول عدد أكبر من الصواريخ للمناطق المستهدفة. وعلى الوتيرة نفسها يمكن لهجوم منسق من عدة مئات من الصواريخ الباليستية متوسطة ​​المدى أن يضع منظومة مقلاع داود في حالة إجهاد، بل ويمكن لعدة عشرات من الصواريخ الباليستية طويلة المدى في وقت واحد أن تتسبب في درجة من الإجهاد لأنظمة "أرو 2″ و"أرو 3" وحتى "ثاد". في الواقع، لقد سبق أن أعرب مسؤولون في الجيش الإسرائيلي عن مخاوف من تعرض أنظمة الدفاع الصاروخي للإجهاد إذا تم إطلاق عدد كبير من القذائف في وقت واحد، جاء ذلك في سياق توقع إسرائيل أن يتمكن خصومها من إطلاق حوالي 3 آلاف صاروخ وقذيفة كل يوم في خضم حرب شاملة، وهو ما يتجاوز قدرة الأنظمة على اعتراضها. كل هذا ولم نتحدث بعد عن المشاكل التقنية الكامنة في منظومة الدفاع الإسرائيلية على قوتها، فمثلا يرى ثيودور بوستول من معهد ماساتشوستس للتقنية، أن نِسَب اعتراض القبة الحديدية للصواريخ القادمة من غزة أقل من 10%، ذلك لأن الصاروخ الاعتراضي في الغالب لا يصيب الصاروخ القادم، بل ينفجر إلى جواره في مناورة لا تدمر الرأس الحربي، وبالتالي فإنه يسقط وربما ينفجر على الأرض رغم اعتراضه "تقنيا" بنجاح. يتفق هذا الرأي نسبيا مع تقييمات ريتشارد لويد، خبير الرؤوس الحربية سابقا في شركة ريثيون، وآخرين من داخل جيش الاحتلال نفسه، مثل روفين بيداتسور، الطيار المقاتل السابق في جيش الاحتلال وأحد مؤيدي الأنظمة الدفاعية القائمة على الليزر، وموردخاي شيفر الحائز على جائزة الدفاع الإسرائيلية، الذين يقدرون الفاعلية الحقيقية للمنظومة بين 5% إلى 40% بحدّ أقصى. في الحقيقة، فإن صواريخ إيران قادرة على إحداث أضرار موجعة لإسرائيل حال اتخذت القرار السياسي لفعل ذلك كما شاهدنا مؤخرا رغم الاختلال في ميزان القوة الذي يرجح كفة جيش الاحتلال بكل تأكيد من حيث نوعية الأسلحة المتطورة التي يمتلكها من ناحية، والدعم الأميركي والغربي غير المحدود من ناحية أخرى. يتفق ذلك مع ما جاء في مقال نُشر عام 1994، لأستاذ الفيزياء النووية بيتر زيمرمان، أكد خلاله أن دولًا مثل إيران لا تحتاج إلى "ميدالية ذهبية" من ناحية التكنولوجيا العسكرية لتكون فعالة وجاهزة للمواجهة، ولكن في كثير من الأحيان، تكون تكنولوجيا "الميدالية البرونزية" أكثر من كافية. ما يقصده زيمرمان هو أنه يمكن تكييف التقنية العسكرية بشكل يجعل الأسلحة الأقل دقة أكثر فاعلية. والواقع أن إيران لا تعتمد فقط على الصواريخ الباليستية، تعمل إيران على تطوير 3 أسلحة هجومية جوية وليس سلاحا واحدا فقط، الأول هو الصواريخ الباليستية سالفة الذكر، والثاني هو المسيرات القتالية، والثالث هو صواريخ كروز الهجومية الأرضية التي تحلّق على ارتفاع منخفض وتتمكن من مراوغة الرادارات. حققت إيران درجة من التقدم في إنتاج المسيرات القتالية، وليس هناك دليل على ذلك أكثر من مسيرات شاهد 136 الانتحارية، فبحلول الأشهر الأولى من عام 2023 كانت هذه المسيرة جزءا رئيسيا من ترسانة الروس في الحرب الأوكرانية، دل على ذلك تصاعد وتيرة وشدة الهجمات في جميع أنحاء أوكرانيا، التي استطاعت شاهد من خلالها أن تُثبت جدارة واضحة في مهماتها لدرجة أن الروس عملوا على تطويرها إلى نسخة أخرى أكثر تطورا هي "شاهد-238". إلى جانب ذلك فقد تمكنت إيران من تطوير مجموعة متنوعة من صواريخ كروز المجنحة، التي تمتلك ميزة التخفي بسبب طيرانها على ارتفاع منخفض، كما أن لديها القدرة على المناورة كالطائرات مما يصعّب اكتشافها بواسطة أنظمة الرادار واعتراضها عبر أنظمة الدفاع الصاروخي التقليدية. من هذه الصواريخ سومار، وهو صاروخ كروز هجومي بري بعيد المدى (بين 700 إلى 3 آلاف كيلومتر)، وهويزة (بمدى 1350 كلم). يعني ذلك أن إيران يمكنها تنفيذ حرب أسلحة مشتركة، وهو أسلوب قتالي يسعى إلى دمج الأسلحة القتالية المختلفة للجيش لتحقيق تأثيرات تكاملية. على سبيل المثال، يمكن استخدام الطائرات المسيّرة الإيرانية لمهاجمة رادارات الدفاع الجوي في المراحل الأولى من هجوم شامل، هنا ستتحول قدرات الدفاع الجوي الأخرى لصد هجوم المسيّرات، ما يترك الطريق مفتوحا أمام ضربات صاروخية باليستية وأخرى بصواريخ كروز فلا تتمكن الدفاعات من صدها جميعا، خاصة مع اختلاف تكتيكات عمل كل منها. أضف لذلك أن المسيرات نفسها عادة ما تنطلق في صورة أسراب متنوعة الوظائف والمدى والقدرة، بعضها يضرب مباشرة والبعض الآخر يتسكع جويا بانتظار نقطة ضعف تحددها مسيرات الاستطلاع، ما يزيد تعقيد الضربة. الصواريخ الفرط صوتية وإلى جانب تطوير الصواريخ، والإغراق، وتنويع الضربات كما ونوعا، تعمل إيران على دعم قدرتها على اختراق الدفاعات الجوية متعددة الطبقات، عبر تطوير الصواريخ الفرط صوتية كجزء من برنامجها الصاروخي المتنامي. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أعلنت إيران أنها طورت أول صاروخ فرط صوتي لتنضم بذلك إلى ناد شديد الحصرية يُشغّل هذا النوع من الصواريخ، يضم الولايات المتحدة وروسيا والصين فقط. وبحلول يونيو/حزيران 2023، كشفت إيران رسميًا عن صاروخها الفرط صوتي باسم "فتاح"، بمدى يبلغ 1400 كيلومتر، ورغم أنه ليس بعيد المدى مثل بعض الصواريخ الباليستية الإيرانية، فإنه أكثر من كاف لضرب الأهداف في إسرائيل. وتعرّف الصواريخ الفرط صوتية بأنها تلك التي تتمكن من تجاوز 5 أضعاف سرعة الصوت. وإلى جانب سرعتها العالية، فإن لديها القدرة على المناورة على طول مسارها عبر تغيير اتجاهها لمسارات منخفضة قريبة من الأرض دون أن تفقد سرعتها. وبسبب ذلك ينطلق تحذير رادار الإنذار المبكر قبل وقت قصير جدا من الضربة، لدرجة أنه قد لا يوجد حينها شيء لفعله، حيث يكون الوقت بين استشعار اقتراب الصاروخ واستجابة الدفاعات الأرضية أطول من المدة اللازمة لوصول الصاروخ إلى الهدف. وهناك نوعان معروفان من الصواريخ الفرط صوتية، الأول هو صواريخ كروز المجنحة، والثاني (الذي يشمل فتاح) هو المركبات الانزلاقية، تلك التي تركّب على صاروخ باليستي يصعد بها أعلى الغلاف الجوي، ثم يترك المركبة "لتنزلق" على الهواء فتكتسب السرعة أثناء نزولها، ومن ثم تجري نحو الهدف في مسار منخفض. لا نمتلك إلى الآن الكثير من المعرفة عن صواريخ فتاح وقدراتها ودرجات دقتها، لكن بشكل عام فإن هذا النوع من الصواريخ يمثل خطورة على أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية متعددة الطبقات، خاصة إذا أُطلق ضمن ضربة شاملة تحتوي على صواريخ متنوعة ومسيرات. وفي الختام، فإن المواجهة الحالية المباشرة بين إيران وإسرائيل ستفتح الباب مواربا على صفحة جديدة من الصراع الذي لم تعتده إسرائيل، فهي وإن كانت معتادة على مواجهة جماعات مسلحة ما دون الدولة في العقود الأخيرة، فإنها اليوم تواجه دولة تمتلك مخزونا عسكريا كبيرا، وهو ما سيضع كافة المنظومة العسكرية الإسرائيلية في اختبار شديد التركيب والخطورة.

طائرات إسرائيل فرت من صواريخ إيران إلى قبرص واليونان وأميركا
طائرات إسرائيل فرت من صواريخ إيران إلى قبرص واليونان وأميركا

الجزيرة

timeمنذ 32 دقائق

  • الجزيرة

طائرات إسرائيل فرت من صواريخ إيران إلى قبرص واليونان وأميركا

أفادت صحيفة معاريف العبرية، اليوم السبت 14 يونيو/حزيران، أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أمرت بنقل كامل أسطول الطائرات المدنية التابعة لشركات الطيران الإسرائيلية إلى مطارات خارج البلاد، تحسبًا لهجوم صاروخي محتمل من إيران. ووفق ما نشرته الصحيفة، فقد تم نقل طائرات شركات إلعال، وأركيع، ويسرائير، وطيران حيفا إلى وجهات موزعة بين قبرص واليونان والولايات المتحدة، بموجب عملية وصفت بأنها "سرّية وخاطفة"، نُفّذت مساء الخميس الماضي. وأشارت معاريف إلى أن هذه الخطوة جاءت استنادًا إلى تقديرات أمنية رجّحت أن تحاول إيران استهداف أسطول الطيران المدني الإسرائيلي في حال تصاعد التوتر الإقليمي إلى مواجهة مباشرة. عملية أمنية وقالت الصحيفة إن مديري الأمن في شركات الطيران الإسرائيلية الأربع تلقوا تعليمات فورية من المنظومة الأمنية مساء الخميس، تقضي بضرورة "إخراج جميع الطائرات من المجال الجوي الإسرائيلي على وجه السرعة"، وتم تنفيذ العملية بالتنسيق مع سلطات المطارات في الدول المستقبِلة. وأضاف التقرير أن جهاز الشاباك (جهاز الأمن العام الإسرائيلي) قام، بالتعاون مع أجهزة الأمن المحلية في الدول الثلاث المضيفة، بتعزيز الحماية على الطائرات الإسرائيلية في مطاراتها الجديدة، لضمان عدم تعرضها لأي استهداف أو محاولة اختراق أمني. ورغم أن التقرير لم يتضمن تصريحات مباشرة لمسؤولين رسميين، إلا أن معاريف نقلت عن مصادر في المنظومة الأمنية قولها إن القرار جاء "كإجراء وقائي ضروري لحماية البنية التحتية الحيوية للطيران المدني من تهديدات صاروخية محتملة". الجدير بالذكر أن هذه التطورات تأتي بعد ساعات من إعلان الجيش الإسرائيلي عن استهداف 9 علماء وخبراء بارزين في البرنامج النووي الإيراني ضمن عملية عسكرية، وهو ما دفع إيران إلى الرد بقصف مكثف طالت المدن الرئيسية في إسرائيل. وأمس أظهرت بيانات تتبع الرحلات الجوية مغادرة عدد من الطائرات من تل أبيب صباح الجمعة بالتوقيت المحلي. وأظهرت بيانات فلايت رادار24 أن عددا من رحلات شركة يسرائير اتجهت إلى قبرص، كما اتجهت طائرات تابعة لشركة إلعال إلى مطارات في أوروبا. في الأثناء، رجحت مصادر أمنية إسرائيلية أن يتواصل إغلاق مطار بن غوريون 3 إلى 4 أيام على الأقل وفق الإعلام الإسرائيلي. وقالت صحيفة يديعوت أحرونوت- أمس الجمعة- إن المطار أُخلي بالكامل، وإن شركات الطيران ألغت جميع رحلاتها، من دون تحديد تلك الشركات.

6 أسئلة عن الانقسام الهيكلي للمؤسسات في اليمن
6 أسئلة عن الانقسام الهيكلي للمؤسسات في اليمن

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

6 أسئلة عن الانقسام الهيكلي للمؤسسات في اليمن

عدن – في الثالث من يونيو/حزيران الجاري عقدت الحكومة اليمنية أول اجتماع لها في مدينة عدن ، العاصمة المؤقتة للحكومة، بعد شهر من تعيين رئيس جديد للحكومة هو سالم صالح بن بريك ، الذي كان وزيرا للمالية. وقبل شهر بالتمام، أعلن رئيس الوزراء اليمني أحمد عوض بن مبارك تقديم استقالته رسميا إلى رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي ، وأصدر الأخير في اليوم ذاته قرارا رئاسيا بتعيين بن بريك رئيسا للحكومة، مع استمرار أعضاء مجلس الوزراء السابق في أداء مهامهم. كان أحمد بن مبارك قد عُين رئيسا للحكومة مطلع فبراير/شباط 2024 بالطريقة ذاتها، أي أنه جاء على رأس حكومة جاهزة شكّلها سلفه معين عبد الملك الذي تولى رئاسة الوزراء في أكتوبر/تشرين الأول 2018. وكان رَفْضُ رئيس مجلس القيادة الرئاسي طلب بن مبارك بإجراء تعديل وزاري -إضافة إلى خلافات تصاعدت بين الرجلين في بعض الملفات- سببا في تقديم بن مبارك لاستقالته. وجدد هذا التغيير جدلا قانونيا حول كيفية عدم اعتبار استقالة رئيس الحكومة، استقالة للحكومة بكاملها وليس رئيسها فقط. فيما يرى آخرون أن الوضع الحالي امتداد لمرحلة كانت فيها التوافقات بين الأطراف السياسية فوق النصوص الدستورية خلال أكثر من 16 عاما. إعلان وعلى مدار العقد الماضي، شهدت اليمن تحولات سياسية ومؤسسية جذرية أدت إلى تفاقم الأزمات الإنسانية والاقتصادية، وأحدثت انقساما غير مسبوق في بنية الدولة. هذه التطورات لم تقتصر على الصعيد العسكري والسياسي فحسب، بل امتدت لتشمل كافة مفاصل الدولة ومؤسساتها، مما أثر بشكل مباشر على حياة المواطنين. إلى أي مدى وصل الانقسام في المؤسسات اليمنية؟ تشهد اليمن انقساما حادا في مجالات مختلفة جرّاء فصل البلاد إلى منطقتين رئيسيتين، الأولى المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المُعترف بها دوليا في عدن، والثانية المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثيين في صنعاء. وأعلن الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي في مارس/آذار 2015 أن مدينة عدن ستكون "عاصمة مؤقتة" في ظل سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، واستيلائهم على السلطة بالتحالف، حينها، مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح. ومع مرور الوقت وطول فترة الحرب والانقسام، بدأت الحكومة تباعا في نقل بعض مؤسسات الدولة إلى عدن والمناطق الخاضعة لسيطرتها، أو إنشاء نُسخ مماثلة، وهو الأمر الذي فعلته جماعة الحوثيين كذلك في مناطق سيطرتها. فصار لمعظم المؤسسات نسختان، بما في ذلك الحكومة والبرلمان ومؤسسة الرئاسة، مع فارق الاعتراف الدولي لصالح المؤسسات التابعة للحكومة. ما شكل مؤسسة الرئاسة اليمنية حاليا؟ في 7 أبريل/نيسان 2022، أعلن الرئيس اليمني حينها هادي نقل سلطاته إلى مجلس قيادة رئاسي برئاسة رشاد محمد العليمي، وعضوية 7 أعضاء بدرجة نائب رئيس، يتولى هذا المجلس مهام إدارة الدولة سياسيا وعسكريا وأمنيا، دون تحديد سقف زمني لفترة هذا المجلس. جميع أعضاء مجلس القيادة الرئاسي هم من المناهضين لجماعة الحوثيين، لكنهم محسوبون على قوى مختلفة ومتنافسة، وبعضهم على رأس تشكيلات عسكرية وسياسية ضاربة، كما أنه وفقا للتقسيم الجغرافي، فإن أربعة ينتمون للمحافظة الشمالية، ومثلهم ينتمون للمحافظات الجنوبية. في الجانب الآخر، لدى جماعة الحوثيين مجلس مشابه يسمى المجلس السياسي الأعلى، شكلته الجماعة عند تحالفها مع الرئيس الأسبق عبد الله صالح في يوليو/تموز 2016، ولا تعترف بهذا المجلس أي دولة سوى إيران. ويتكون المجلس السياسي الأعلى من 8 أعضاء، مناصفة بين الحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي العام. وكان من المفترض أن تكون رئاسته دورية بين الأعضاء الثمانية، لكن تم تثبيت رئاسة هذا المجلس عند عضو من الحوثيين، فكانت أولًا عند صالح الصماد حتى مقتله بغارة جوية في أبريل/نيسان 2018، ثم انتقلت -ولا تزال- إلى مهدي المشاط. وبعد فض الشراكة بين الحوثيين والمؤتمر في أحداث ديسمبر/كانون الأول 2017، التي قُتل فيها علي عبدالله صالح على يد الحوثيين، أصبح قرار المجلس السياسي الأعلى بيد الحوثيين، رغم مشاركة أعضاء في حزب المؤتمر شكليًا في المجلس. ما شكل الانقسام في البرلمان اليمني الأطول عمرا؟ يُمكن اعتبار مجلس النواب اليمني أحد أطول البرلمانات المُنتخبة عُمرا، فقد جرت آخر انتخابات لاختيار أعضاء المجلس في أبريل/نيسان 2003، وكان من المفترض إجراء الانتخابات التالية في أبريل/نيسان 2009 لكن اتفاقا بين الأحزاب المشاركة في البرلمان مدد عمر المجلس لعامين إضافيين، ضمن ما عُرف حينها بـ"اتفاق فبراير" الذي نص كذلك على إجراء إصلاحات في النظام الانتخابي. ومع اندلاع الثورة الشبابية عام 2011، وتعذّر إجراء الانتخابات، استمر مجلس النواب في عمله تحت بند دستوري يسمح له بذلك تحت "القوة القاهرة"، قبل أن ينص اتفاق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية على التمديد لعمل البرلمان بشكل رسمي. وبعد سيطرة الحوثيين على صنعاء، وتحالفهم مع الرئيس السابق صالح في يوليو/تموز 2016، أعادت الجماعة عقد جلسات مجلس النواب، لكنهم لم يحصلوا على النصاب القانوني لعقد الجلسات المتمثل في النصف + 1، حيث يتشكل مجلس النواب من 301 عضو، لينقسم البرلمان إلى جناحين، أحدهما موال للحوثيين في صنعاء، وآخر موال للحكومة المُعترف بها دوليا. وفي 2017 أصدر الرئيس السابق هادي قرارا بنقل مقر مجلس النواب إلى عدن، لكنه لم ينعقد في غير دورتين قصيرتين: الأولى في مدينة "سيئون" بمحافظة حضرموت شرقي اليمن عام 2019 بنصاب قانوني صحيح (أكثر من نصف الأعضاء الأحياء)، والثانية في مدينة عدن عام 2022. وكانت الجلستان غالبا في إطار بروتوكولي لمنح الحكومة الثقة في الدورة الأولى، أو ليؤدي أعضاء مجلس القيادة الرئاسي اليمين الدستورية أمام البرلمان. ما أسباب عدم انعقاد جلسات البرلمان؟ ورغم أن الأعضاء المؤيدين للحكومة في مجلس النواب يُشكلون النصاب القانوني اللازم لعقد الجلسات، إلا أنه يتعذر انعقاد الجلسات بفعل تعقيدات سياسية وأمنية. ويشير عضو مجلس النواب اليمني شوقي القاضي، إلى عدة عوامل تعطّل انعقاد البرلمان، من بينها معارضة أعضاء بمجلس القيادة الرئاسي، وخاصة ممثلي المجلس الانتقالي الجنوبي الذين يعارضون انعقاد جلسات مجلس النواب في عدن، العاصمة المؤقتة، حيث تسيطر قوات المجلس الانتقالي فعليا على المدينة. وتحدث القاضي عن عوامل أخرى من بينها ما قال إنها قيادات متنفذة تلوّثت أيديها بالفساد والعبث بالإيرادات الحكومية، وتخشى من دور مجلس النواب الرقابي، إضافة إلى خلافات سياسية داخل المجلس. بينما يعقد الجناح الموالي للحوثيين من مجلس النواب جلساته في صنعاء بشكل دوري، رغم أنه لم يحصل على النصاب القانوني لانعقاد الجلسات، كما لا تُبث الجلسات على التلفزيون بحسب ما يشترطه القانون اليمني، وهو ما يُشكك بعدد الحاضرين في تلك الجلسات ومشروعيتها. من أين تأتي إيرادات المؤسسات الحكومية في اليمن؟ شكّل قرار نقل مقر البنك المركزي اليمني وعملياته من صنعاء إلى عدن في سبتمبر/أيلول 2016، بداية الانقسام الاقتصادي، إثر رفض الحوثيين للقرار، وتطور الأمر إلى وجود ما يشبه العُملتين، بعد احتفاظ الحوثيين بالأوراق النقدية القديمة ورفضهم السماح بتداول الطبعة الجديدة للأوراق النقدية بمناطق سيطرتهم، وخلقت هذه السياسات النقدية فارقا كبيرا في قيمة الطبعتين مقابل العملات الأجنبية. وطال الانقسام معظم جوانب الإيرادات المالية مثل الجمارك؛ إذ فرض الحوثيون رسوما جمركية جديدة على البضائع المستوردة بمجرد دخولها إلى مناطق سيطرتهم، حتى لو كان المستورِد قد دفع الرسوم في المنفذ الحدودي الخاضع لسيطرة الحكومة. بينما لا تخضع البضائع التي دخلت عبر ميناء الحديدة للرسوم مرة أخرى حال نقلها لمناطق سيطرة الحكومة. وفي ظل الانقسام السياسي والإداري في اليمن منذ اندلاع الحرب، يتم تحصيل الإيرادات العامة عبر هياكل منفصلة يديرها الطرفان: الحكومة الشرعية في عدن، وجماعة الحوثيين في صنعاء. وبدأ هذا الوضع بالتحديد بعد قرار نقل البنك المركزي إلى عدن في سبتمبر/أيلول 2016. ومنذ ذلك الحين تعثّرت عملية صرف رواتب الموظفين الحكوميين في بعض المناطق، خاصة الخاضعة لسيطرة الحوثيين. فالحكومة تعتمد على الإيرادات القادمة من الرسوم الجمركية والضرائب بشكل رئيسي، وإنتاج محلي ضعيف من النفط والغاز، إضافة إلى المساعدات الخارجية. لكنها تواجه عجزا كبيرا منذ توقّف تصدير النفط بعد قصف الحوثيين لموانئ التصدير في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، إضافة إلى ضعف البنية التحتية والفساد والصراع داخل المكونات التي تتشكل منها الحكومة، وكلها عوامل تحد من كفاءة تحسين الإيرادات. ورغم ذلك، لا تزال الحكومة ملتزمة بصرف رواتب موظفي القطاع العام في المناطق التي تسيطر عليها بشكل شبه منتظم، رغم التدهور الكبير في قيمة الريال اليمني، حيث وصل سعر صرف الدولار الواحد إلى 2500 ريال (كان الدولار الواحد = 215 ريالا في مارس/آذار 2015)، إضافة إلى إنفاق الحكومة على قطاع الخدمات بشكل جزئي مثل الكهرباء والمياه. وفي المقابل تحصُل "الحكومة" التابعة للحوثيين، غير المعترف بها دوليا، على إيرادات من رسوم الجمارك والضرائب، إضافة إلى إيرادات قطاع الاتصالات الذي لا يزال تحت سيطرتها، ومع ذلك لا يتسلم جزء كبير من موظفي القطاع العام في مناطقها رواتبهم بشكل شهري، إذ كان يُصرف لهم خلال السنوات الماضية نصف راتب كل 6 أشهر. وبدأ الحوثيون منذ يناير/كانون الثاني 2025 بصرف "نصف راتب" بشكل شهري للموظفين الحكوميين في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، لكن الجماعة توقفت بعد شهرين، من بدء خطتها، وسط شكوك حول قدرتها على الاستمرار، بسبب تخصيص جزء كبير من نفقاتهم خلال السنوات الماضية للجانب العسكري. كيف يؤثر الانقسام الإداري على المواطنين؟ وصل الانقسام في المؤسسات الحكومية إلى مجالات مختلفة مثل إصدار جوازات السفر أو المصادقة على الشهادات الدراسية، فضلا عن الانقسام في قيمة الريال بين مناطق سيطرة الحكومة وجماعة الحوثيين، فعند تحويل مبلغ 100 ألف ريال يمني من مدينة عدن إلى صنعاء فإنه يصل إلى الأخيرة بقيمة 21 ألف ريال، بسبب فارق القيمة بين الأوراق النقدية القديمة عند الحوثيين والطبعة الجديدة في مناطق سيطرة الحكومة. كذلك الأمر بالنسبة للحصول على جوازات السفر، فتلك الصادرة عن مناطق سيطرة الحكومة مُعترف بها دوليا، بينما الجوازات الصادرة عن مناطق سيطرة الحوثيين، غير مقبولة إلا في عدد محدود من الدول، وهو ما يضطر كثيرين ممن يعيشون في المناطق الخاضعة للحوثيين للسفر إلى مناطق سيطرة الحكومة لاستخراج جواز سفر حال رغبتهم بالسفر إلى الخارج. وكذلك الأمر لمصادقة الشهادات الدراسية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store