logo
"سردية" روسليني السينمائية لاستيلاء لويس الـ14 على السلطة

"سردية" روسليني السينمائية لاستيلاء لويس الـ14 على السلطة

Independent عربية٢٩-٠٥-٢٠٢٥
لم يكن المخرج الإيطالي روبرتو روسليني (1906 - 1977) من أصحاب النزعة الملكية لا في بلده ولا في فرنسا، وكذلك لم يكن من محبذي الخلط بين شاشة السينما وشاشة التلفزيون، في وقت كان ذلك الخلط يعتبر فيه جريمة لا تغتفر. فرائد تيار الواقعية الجديدة في السينما الإيطالية كان معروفاً بتقدميته الجمهورية، وكذلك بسينمائيته الفاقعة التي كان من علاماتها منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية ثلاثيته الكبرى، "روما مدينة مفتوحة" و"باييزا" و"ألمانيا العام صفر".
صحيح أنه عند انتهاء المرحلة الأولى والكبرى من مجده السينمائي، لم يتوان عن خوض الإنتاج التلفزيوني، إنما كان ذلك بالنسبة إليه عبر مسار منفصل تماماً عن سينماه، وكأنه يعيش ازدواجية ما. غير أنه في عام 1966 بدأ ينتفض على ذاته في معظم اختياراته، ولا سيما بالنسبة إلى العلاقة بين السينما والتلفزيون. وهكذا ولد لديه في ذلك العام فيلمه الكبير "استيلاء لويس الـ14 على السلطة"، الذي سيوحد للمرة الأولى في الأقل بين لغتي الشاشتين، إلى درجة أن عرضه الأول سيكون في مهرجان البندقية السينمائي، إذ هلل له النقد السينمائي العالمي بوصفه "عرف كيف يوحد أخيراً بين شاشتين كان الظن أنهما لن تلتقيا أبداً"، بحسب ما سيقول جان لوك غودار، ولو نقلا عن المخرج الفرنسي الألماني جان ماري شتروب الذي سيحذو، كما غودار على أية حال، حذو روسليني في لعبة توحيد الشاشتين التي باتت من بعدهم جميعاً من نافلة القول.
وصحيح أن فيلمه عن لويس الـ14 لم يكن مجدداً في هذا السياق لدى روسليني الذي كان سبق له أن حقق شرائط عدة للتلفزة، حرص على أن يتحدث عنها بوصفها تنتمي إلى سينما تعليمية يدعو إليها، لكن سينمائية الفيلم الجديد أسبغت عليه نكهة خاصة، وكذلك كان عرضه في المهرجان البندقي الذي استبق عروضه التجارية في صالات باريس وروما السينمائية، قبل انتقاله إلى شاشات التلفزتين الفرنسية والإيطالية.
وحدة حال
أما بالنسبة إلى الناحية الثانية التي افتتحنا بها هذا الكلام، ومفادها بأن روسليني لم يكن ذا نزعة ملكية بل جمهورية تقدمية، فإن ذريعتنا للإشارة إليها هي ذلك المنظور الذي منه انطلق روسليني ليتحدث عن لويس الـ14، الذي عرفه التاريخ بلقبه "الملك الشمس"، وأخذ عليه دائماً عبارة تعزى إليه هي "من بعدي الطوفان". فالحقيقة أن الذين كانوا يتوقعون من السينمائي الإيطالي أن يوجه سهام نقده في الفيلم لتلك الأخلاقيات المأثورة عن الملك الفرنسي بوغتوا بمنظور في الفيلم، يتبنى ذلك الملك المتسلط تماماً من دون قطرة من نقد أو عتاب، بل إن عدداً من النقاد والمؤرخين رأوا أن ثمة في تصوير روسليني لشخصية لويس الـ14 ما يقارب بينهما إلى درجة مقلقة، من منطلق أن الفيلم تبنى كل ما رواه عن الملك من دون أية ملاحظة أو أي عتاب، مع أن ما رواه عنه كان من شأنه أن يثير عواصف من المواقف المستنكرة من الناحية التاريخية في الأقل. ففي نهاية الأمر أتى الفيلم متطابقاً تماماً مع عنوانه، بالنظر إلى أن الجزء الأكبر من حبكته ينصب تحديداً على تلك اللحظة التي تمكن فيها الملك الشاب حينذاك من أن يصل إلى سدة سلطة كانت منيعة عليه لصغر سنه (23 سنة)، ولتشابك الظروف السياسية في فرنسا عند بدايات القرن الـ17، زمن استيلائه على سلطة كانت من حقه في الأقل، لكن كان مازارين، الحاكم الحقيقي للبلاد ممسكاً بها بقوة في وجه منافسين أقوياء لانتزاعها منه، معتبرين الملك الشاب مجرد متفرج لا يهمه سوى الصيد ولعب الورق وإقامة الحفلات الصاخبة في القصر الملكي. ومن هنا إذا كان الفيلم يفتح على الأيام التي بات فيها مازارين على وشك أن يموت ويبدو الحكم متأرجحاً بين عمالقة السياسة والمال، من دون أن يعبأ أي منهم بالملك الشاب، ولا أمه النمسوية التي كانت تبدو يائسة من فرضه على العرش حقاً، وبالفعل لا كصورة ومجرد رمز، فإنه، أي الفيلم، سينتهي بعد ساعتي عرضه على الملك وقد أمسك بالحكم تماماً، لكنه جالس الآن وحيدا يقرأ "أمثال" الكاتب لا روشفوكو التي تعلم القارئ كيف لا يمكنه أن يحيا وينجح إن لم يكن لئيماً. ولعل روسليني يختصر لنا في تلك اللقطات ليس مسار الملك وحده، بل مساره هو الشخصي!
مصير ثروة طائلة
ومهما يكن من أمر هنا، كان من الأمور ذات الدلالة أن يفتتح روسليني فيلمه - الأمين تماماً على أية حال للواقع التاريخي الذي اتبعه بحذافيره، لكن قوته تبدت طبعاً في مختاراته من ذلك التاريخ - ليس على الملك الشاب، إنما على الكاردينال مازارين، وهو يعيش آخر أيام وليالي حياته، ويفخر بأنه جمع في تلك الحياة ثروة جعلته أغنى رجل في فرنسا، ومكنته من أن يحكم قبضته على البلاد والعباد بما فيهم الملك نفسه.
واليوم ها هي الكنيسة تبعث إليه كبار قادتها لمجرد أن تعرف من سيحصل على ثروته بعد رحيله، وفي الوقت نفسه يكون الأطباء راحوا يفحصون الكاردينال ليتبين لهم أنه راحل لا محالة والأحرى بالكنيسة أن تعجل من المهمة التي أخذتها على عاتقها. المهم، يتخذ هنا القرار بأن تؤول الثروة للملك، ولكن حين يجتمع الأحبار به يرفض معلناً أن الأموال يجب أن تعطى للدولة، لكن الدولة في رأي مازارين يجب أن توضع تحت سلطة فوكيه وزير المال الذي سيقول مازارين للملك في لقاء معه أن عليه أن يعهد إليه بالحكم تحت سلطته، بيد أن الفيلم سرعان ما يكشف لنا عن أن للملك مخططات أخرى لا يفاتح بها حتى ولا أمه التي تراقبه بقلق. ولاحقاً يطلب الملك من وصيفته الخاصة أن تنتقل الآن للنوم ليلها في قصر مازارين لمجرد أن تخبره، إذ ترصد سكنات هذا الأخير وحركاته، بأن ساعته حانت. وذلك، كما سنعرف على الفور من خلال الفيلم، لأن لويس مدرك تماماً بأن عليه أن يقوم بـ"انقلابه" في الدقائق التالية مباشرة لموت مازارين، وإلا سيتكالب عليه كبار الدولة ويحدون من تطلعاته، ويبقونه أسير الصيد والقمار والحفلات وإلهائه ببناء القصر المنيف في فرساي.
ففي الحقيقة يبين لنا الفيلم هنا أن طموحات الملك أكبر كثيراً مما نعتقد، بل حتى مما تعتقد أمه، أو مما اعتقد مازارين الذي كان من كبار محبيه على أية حال. غير أن لويس لم يكن يثق إلا بنفسه ويضع مخططاته وحيداً لتتضمن إصلاحات في المملكة وصلابة في المواقف وتساهلاً في المسرح والفنون، جميها لن تنكشف تاريخياً إلا لاحقاً بعد إمساكه حقاً بالسلطة وذلك في الساعات، بل الدقائق والثواني التالية لعلمه من خلال رصد وصيفته بأن مازارين أسلم اللوح. فهو يفعل هذا كله بدهاء يطرح الفيلم مليون سؤال حول كيف جاءه ومن أين جاءه، هو الذي كان الكل لا يتحدثون إلا عن طيبته وبساطته.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خبطة رجل وحيد
فالحال أن لويس وبعد منتصف الليل، كما يصور لنا الفيلم، يجمع مجلس الدولة حتى قبل أن يعلم أي من أعضائه برحيل مازارين، ليخبرهم هو بما ستكون عليه الأمور، ومن بينها وفي مقدمها اعتقال فوكيه نفسه وتسلم الدولة لإرث الراحل. وما ستكون عليه الأمور ليس سوى إمساك الملك بمقاليد الحكم تماماً ممارساً ليس فقط حقه الشرعي، بل واجبه تجاه البلد والشعب. وطبعاً يسقط في يد الجميع، ولا يكون أمام أي واحد من الكبار أية فسحة من الوقت لإحداث أي تغيير في ما سيبدو عفو خاطر من لدن الملك، ولكن سيفهم الجميع أنه إنما كان يخطط لذلك كله غير مستشير سوى كتاب لاروشفوكو الذي كان جعل منه باكراً دليله إلى الحكم والنجاح. غير أن الفيلم ينتقل في قسمه الأخير نحو عقدين من السنين قدماً في الزمان، ليرينا الملك بعد النجاحات الضخمة التي حققها، جالساً وحده يقرأ عبارات محددة من الكتاب نفسه ويرددها بصوت عال، في نوع من لقطة أحجية لعلها اللقطة الأكثر ذاتية في الفيلم كله، وربما أيضاً في تاريخ روبرتو روسليني نفسه، السينمائي الذي حين نتحدث عن الذاتية هنا، فإننا نعني ذاتيته.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

بدعم البحر الأحمر السينمائي… أفلام عربية تتألق في مهرجان البندقية 2025
بدعم البحر الأحمر السينمائي… أفلام عربية تتألق في مهرجان البندقية 2025

الرجل

timeمنذ 3 أيام

  • الرجل

بدعم البحر الأحمر السينمائي… أفلام عربية تتألق في مهرجان البندقية 2025

أعلن مهرجان أيام البندقية 2025، القسم المستقل لمهرجان البندقية السينمائي، عن قائمة الأفلام المشاركة في نسخته القادمة، ومن بين هذه الأفلام، يبرز دعم مؤسسة البحر الأحمر السينمائي لعدد من الأفلام العربية المتميزة. فيلم "نجوم الأمل والألم" للمخرج سيريل عريس وفيلم "ذاكرة الأميرة مومبي" للمخرج داميان هاوزر، من الأفلام المدعومة من المؤسسة والتي ستشارك في مهرجان البندقية. دعم البحر الأحمر لهذه الأفلام يساهم بشكل كبير في تعزيز مكانة السينما العربية في الساحة السينمائية العالمية، إذ تتيح هذه الفرصة للسينمائيين العرب عرض أعمالهم أمام جمهور دولي ونقاد عالميين، حيث يُعد مهرجان البندقية من أبرز المهرجانات السينمائية، فيما يقدم منصة متميزة للأفلام المستقلة من جميع أنحاء العالم. وتُعد هذه المشاركة خطوة هامة في تعزيز الحضور العربي في المهرجانات السينمائية الكبرى، كما تفتح الأفق أمام السينما العربية للتفاعل مع الثقافة العالمية. ومن خلال مهرجان البندقية، يحصل الجمهور الدولي على فرصة للتعرف على القصص والرؤى العربية، التي تعكس التحديات الإنسانية والاجتماعية في المنطقة. وفي ظل النمو المستمر في صناعة السينما العربية، تمثل هذه الأفلام فرصة للسينمائيين العرب لعرض إبداعاتهم، وتقديم رسائلهم الثقافية والاجتماعية بشكل يعكس الواقع العربي المعاصر والتاريخي. كيف تدعم مؤسسة البحر الأحمر السينمائي السينما العربية؟ مؤسسة البحر الأحمر السينمائي تواصل دعمها الكبير للسينما العربية عبر برامجها المتنوعة، وتسهم هذه المبادرات في توفير الدعم المالي والفني لصنّاع السينما العرب، مما يتيح لهم الفرصة لتقديم أعمال متميزة يمكن أن تنافس في المهرجانات العالمية. أعلن مهرجان أيام البندقية، القسم المستقل لمهرجان البندقية السينمائي، عن الأفلام المشاركة في نسخته لعام 2025، ومن ضمن هذه القائمة الأفلام المدعوم من مؤسسة البحر الأحمر السينمائي: فيلم "نجوم الأمل والألم" للمخرج سيريل عريس، وفيلم "ذاكرة الأميرة مومبي" للمخرج داميان هاوزر. وتفخر… — RedSeaFilm (@RedSeaFilm) July 24, 2025 أفلام مثل "نجوم الأمل والألم" و"ذاكرة الأميرة مومبي" لا تعكس فقط قدرة السينما العربية على تقديم مواضيع إنسانية وثقافية قوية، بل تؤكد أيضًا على أهمية دعم المؤسسات العربية للأعمال السينمائية التي تحمل رسائل عميقة، وتستحق أن تُعرض في المهرجانات الدولية. ومن خلال هذه المبادرات، تتيح مؤسسة البحر الأحمر الفرصة للسينمائيين العرب للوصول إلى منصات عرض دولية ومشاركة أفلامهم مع جمهور واسع، ويساهم هذا الدعم في تطوير صناعة السينما في المنطقة وتوسيع نطاقها ليشمل أسواقًا جديدة، مما يعزز من مكانة السينما العربية في المشهد العالمي. ولا يقتصر دور البحر الأحمر على التمويل فقط، بل يشمل أيضًا تقديم التوجيه المهني والفرص للتواصل مع الخبراء في الصناعة، بما يسهم في خلق بيئة خصبة للسينمائيين العرب للابتكار والإبداع، مما يتيح لهم إيصال أصواتهم إلى العالم بطريقة مميزة ومؤثرة.

معركة كلينت إيستوود ضد "هاري" المفتش القذر
معركة كلينت إيستوود ضد "هاري" المفتش القذر

Independent عربية

timeمنذ 6 أيام

  • Independent عربية

معركة كلينت إيستوود ضد "هاري" المفتش القذر

بالتأكيد هو الفيلم الذي يمكننا القول إن كلينت إيستوود أمضى عقوداً طويلة من حياته وهو يحقق فيلماً بعد الآخر تستبد به فكرة تكاد تكون مجنونة: فكرة فحواها التخلص من ذلك الفيلم، ومما تركه لدى عشرات الملايين من متفرجيه من صورة للمفتش "هاري"، الملقب بـ"القذر"، والذي لعب إيستوود نفسه دوره على الشاشة في أول فيلم له من إخراج دون سيغل، ثم كرر الأمر نحو أربع مرات أخرى في أربعة أفلام متتالية سيحقق هو بعضها على أية حال، قبل أن يسأم تلك البطولة الفارغة والقائمة على فردية لا تحتمل حتى بالنسبة إلى "البطل الذي لا اسم له"، والذي كان حقق شهرة عالمية، هوليوودية المحتوى، على رغم جغرافيتها الإيطالية، وتنتمي إلى عالم رُعاة البقر الأميركي على رغم أن أفلامها الثلاثة كانت من إخراج الإيطالي الصميم سيرجيو ليوني. كان ذلك كما نعرف في "ثلاثية الدولار" التي أعادت أفلام "الويسترن" إلى ساحة السينما العالمية في أفلام إيطالية صورت في إسبانيا وبعض أنحاء يوغوسلافيا، وكان أولها اقتباساً عن فيلم ياباني لأكيرا كوروساوا. والحقيقة أن هذه الكوزموبوليتية التي وسمت كلينت إيستوود من خلال عمله في تلك الثلاثية، كادت تقضي على كل أحلامه التي سيتبين لاحقاً أنها فنية حقيقية، لولا أن الكيل قد طفح به حين عاد بعد "تجربته الإيطالية" إلى هوليوود مظفراً، وقد استعاد اسمه، لكنه لم يتمكن من استعادة إنسانية كان قد فقدها، وطالبته هوليوود بمواصلة التخلي عنها، إذ راحت تحصره في أفلام، سلسلة المفتش "هاري" تحديداً، تمثل المعادل المديني لويسترناته الإيطالية، وتريد منه أن يواصل الحلول كفرد يدافع عن "القوانين" بقوة مسدسه وعضلاته، ويحاكم المجرمين ويعدمهم من دون أن يأبه بالدولة. كان المطلوب منه أن يكون فاشياً، وأن يبقى فاشياً، لكن الثورة الكبيرة التي حققها إيستوود في حياته، ولا سيما حين تحول إلى الإخراج، كانت تحديداً في نضاله ضد ذلك الواقع في سينما عرفت طوال عقود كيف تصبح إنسانية وتجعل للدولة وللديمقراطية مكانهما في الفن السينمائي. مشهد من "غران تورينو": شيء من سيرة ذاتية (موقع الفيلم) نضال ضد التنميط لقد أدرك إيستوود، وكان لا يزال في بدايات "عودته" لهوليوود خلال النصف الثاني من سنوات الـ60 مكللاً بمجد "ثلاثية الدولار"، أن هوليوود ليست سوى طاحونة، وأن ما تطلبه من واحد من أهلها وينجح في تحقيقه، سيبقى هو هو ما تطالبه به دائماً وأبداً. فإذا كان يريد أن يشق لنفسه طريقاً آخر، ليس عليه أقل من أن ينتج ويخرج بنفسه. صحيح أن تحوله إلى منتج لم يكن أمراً صعباً، الأصعب كان خوضه الإخراج كي يحقق في الأقل، لنفسه، خروجاً من عالم الفاشية الذي أوصلته إليه سلسلة أفلام المفتش. والأدهى من ذلك أن السلسلة نجحت في زمن كانت قد بدأت تروج فيه التساؤلات حول مفهوم الدولة نفسه. ولقد كان فشل شتى الأيديولوجيات الحاكمة منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، سواء كانت لا إنسانية كالنازية والفاشية، أو تتزين بأقنعة إنسانية كالشيوعية والديمقراطية على الطريقة الأوروبية، كان فشلها قد اعتبر فشلاً للدول التي أنجبتها. ومن ثم راح كثر يبحثون عن حلول كان معظمها يقودهم إلى تلك الفردية التي تحاول أن تسوي الأمور في معزل عن الدولة كمفهوم وكممارسة لم تكن الإنسانية بقادرة على العثور على بديل لها، فأتت السينما طارحة تلك البدائل التي لن يلبث أشخاص كإيستوود أن أدركوا أنها واهية، بل إن كثراً من الفئات الأكثر وعياً من بينهم، ومنهم إيستوود نفسه هذه المرة أيضاً، أدركوا أن الأمر الوحيد الذي يعوض على فشل الدولة، ليس سوى التوجه نحو مزيد من الدولة، وربما نحو التوغل في التعبير عن قيم إنسانية همها تعزيز الدولة لا نسفها. انفصام ما... والحقيقة أن مثل ذلك التوجه كان من شأنه أن يخلق انفصاماً حاداً لدى خائضيه، لكن إيستوود سيعرف كيف يخوضه تدريجاً من دون إحداث قطيعة حقيقية لا في فكره ولا في ممارساته الفنية. وهكذا، إذ اتخذ قراره قبل أكثر قليلاً من نصف قرن من الآن بالتحول إلى الإخراج، إنما من دون أن يكتب سيناريوهاته بنفسه، وهو أمر سنعود إليه، على أية حال بعد سطور، عرف أن عليه أن يخوض نضاله، على حسابه الخاص وبمجازفات قد تبدو غير محسوبة أحياناً، وهو بالتحديد ذلك النضال الذي يسميه الفكر العربي، النضال ضد الذات، أي المعركة التي يخوضها المرء ضد ذاته لتوصله إلى ما يريد لتلك الذات أن تكون. فهل علينا أن نصف كيف احتاج إيستوود إلى عقود طويلة من السنين وصولاً إلى السينما "الإنسانية" التي باتت سينماه، بدءاً من "العب ميستي لأجلي" وصولاً إلى أفلام بالغة القوة والإنسانية مثل "غران تورينو"، و" رسائل من إيو جيما"، و" طفلة المليون دولار"... وحتى "التبادل"، و"البغل"، وما شابه؟ مهما يكن من أمر، لعل أول ما يدهشنا في ذلك المتن السينمائي هو أنه يبدو منضوياً في سياق فكراني واحد، ومتدرج، يسير من عموميات قيمية إلى خصوصيات معركة تبدو دائماً وكأنها المعركة نفسها، بل يمكننا أن نعدها معركة تنحو ومن خلال ما يشبه النقد الذاتي المبطن، إلى نسف ماضٍ كانت "ثلاثية الدولار"، ثم "خماسية هاري القذر" من علاماته الأساسية. صحيح أن كلينت إيستوود ومن خلال شركته الإنتاجية التي أسسها في مدينته الكاليفورنية كارميل، والتي بات عمدتها لفترة في مسيرته، تمكن من أن يكون حراً في اختياراته الإنتاجية، بالتالي في سيره التصاعدي من أدنى درجات النزعة اليمينية المتطرفة، وتحديداً في اشتغال فردية أبطالها على الضد من الدولة كياناً ومفهوماً، إلى الدفاع عن علاقة إنسانية بذلك المفهوم، وعن السمة الديمقراطية للدولة بالمعنيين نفسيهما، وربما انطلاقاً مما قاله يوماً ونستون تشرشل من أنه يقر بأن "الديمقراطية قد تحمل في داخلها كل مساوئ الحكم، ولكن جربوا أن تدلوني على ما هو أفضل منها!". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) خطوة خطوة إذاً من خلال سيناريوهات كتبها غيره وغالباً بمعزل عن أية توجيهات منه في هذا المجال، وأحياناً انطلاقاً من روايات كتبت قبل ولادته هو نفسه كمخرج، تمكن إيستوود من بناء صرح فكري في سينما لم تكن لتبدو سائرة في مثل هذا الاتجاه، بل حتى صرح سينما تبدو أحياناً راديكالية في يسارية إنسانية على الطريقة الأميركية، لا على الطريقة الأوروبية أو الشيوعية كأداء، إنسانية بالصورة التي جعلت أفلامه تدافع عن الدولة كفعل إنساني، وعن البوليس ضد الفساد الذي ينخر أجهزتها من الداخل، فيلم "التبادل" مثلاً، ويقف ضد أبلسة العدو حتى في معمعان الحرب العالمية الثانية، حيث نراه يقدم صورة إنسانية للعدو الياباني، "رسائل من إيو جيما"، بعدما كان قدم صورة بطولية للجيش الأميركي، "رايات آبائنا"، ويدافع عن فكرة الموت الرحيم العزيزة على قطاعات عريضة من اليسار، "طفلة المليون دولار"، وعن شرعية القضاء وإنسانيته، "البغل"، وعن فن الجاز كرمز لكينونة الأفارقة الأميركيين، في "بيرد"، وعن قيم الشيخوخة، وعلاقة البطل راعي البقر بها، "لا يسامح"... ويمكن لهذه اللائحة أن تطول طبعاً، بيد أن إيستوود نفسه أغنانا عن ذلك عبر تسجيله مسيرته نفسها من حضيض الفاشية إلى ذروة التسامي الإنساني، في واحد من أفلامه الأخيرة التي توصف عادةً بأنها من "الأفلام الصغيرة"، ونتحدث هنا طبعاً عن فيلم "غران تورينو" الذي حققه في عام 2008 وبدا فيه وكأنه فيلم كتبه لنفسه عن نفسه واصفاً فيه مساراً فكرياً وإنسانياً ورحلة تعليمية يخوضها أنا/ آخر له في علاقته مع جيران كوريين له، تبدأ جيرته معهم بالنفور الفاشي العنصري يستشعره ضدهم، لكنه سرعان ما يتعلم منهم معاني الكرم والأريحية والتفاهم بين البشر... وهي قيم سنراه يعود إليها في العام التالي من خلال واحد من أبدع أفلامه وهو "إنفيكتوس" عن فصل من حياة الزعيم الجنوب أفريقي، نلسون مانديلا، قبل أن يحقق فيلماً ميتافيزيقياً، إنسانياً بدوره يدور من حول تسونامي يقوده إلى تحقيق سيرة لمؤسس الـ"أف بي آي" إدغار هوفر سجل عبره ذروة دفاعه عن الدولة، ولكن على الضد من أهل الدولة الذين أدركوا ذلك أم لم يدركوه، كانوا دائماً أعداءها الحقيقيين بأكثر مما فعل أعداؤها المعلنون، وسعوا إلى نسفها من الداخل.

كاتبة إسبانية تكتشف أحوال اليابان بعد نصف قرن من التعافي
كاتبة إسبانية تكتشف أحوال اليابان بعد نصف قرن من التعافي

Independent عربية

time١٢-٠٧-٢٠٢٥

  • Independent عربية

كاتبة إسبانية تكتشف أحوال اليابان بعد نصف قرن من التعافي

تُسرب كاتبة أدب الرحلات الإسبانية باتريثيا ألمارثيغي بين ثنايا كتابها "اكتشاف اليابان" شذرات من سيرتها الذاتية، تتعلق بمرض والدتها بالـ "ألزهايمر" وعلاقتها بشريكها في السفر إلى اليابان والذي تتعمد عدم ذكر اسمه، وبعض خفايا ما وراء كتاباتها الروائية وولعها بالسفر، خصوصاً إلى الشرق، للتعرف على ثقافته عن كثب من دون الوقوع في أسر التصورات الاستشراقية التقليدية. وهنا تتكئ ألمارثيغي على يوميات دونتها خلال رحلتي سفر إلى بلد ياسوناري كاواباتا وأكيرا كوروساوا، الأولى كانت عام 2008 والثانية 2019، كما تتكئ على ذاكرتها بعدما فقدت بعض يوميات الرحلتين، وتستند إلى كثير من المراجع المتصلة باليابان قديماً وحديثاً، وتورد مقتطفات منها خصوصاً في النواحي الثقافية لهذا البلد الذي تمكن من التعافي بعد الهزيمة المدوية في الحرب العالمية الثانية حتى بات اقتصاده يحتل المرتبة الثالثة عالمياً. ومن تلك المراجع كتاب "متعة الأدب الياباني" لدونالد كين، وكتاب "حكايات اليابان القديمة" لتاكيغيرو هاسيغاوا، و"كتاب الساموراي"، وفيلم "شارع العار" ميزوغوتشي، ورسائل من ميشيما إلى كواباتا، وخطاب الأخير لدى تلقيه جائزة نوبل في الأدب عام 1968، وكتاب "في الطريق إلى أوكو ويوميات سفر أخرى" للشاعر باشو. كتاب الرحلة (دار العربي) والكتاب ترجمته من الإسبانية إلى العربية آية عبدالرحمن أحمد لحساب "دار العربي" في القاهرة التي سبق أن نشرت لباتريثيا ألمارثيغي ترجمة روايتها "ذكريات الجسد" تحت عنوان "راقصة الباليه"، وترجمة كتابها في أدب الرحلات "اكتشاف إيران". تأثير الصين وفي سياق سعيها إلى التعافي شيدت اليابان خلال الخمسينيات والستينيات مساكن الـ "دانشي" أو المباني السكنية العامة في ضواحي المدن، لكن لم يعد يسكنها الآن سوى ذوي الدخل المنخفض من كبار السن، ورأت ألمارثيغي أنه بفضل استضافة طوكيو أولمبياد عام 1964 تجددت البنية التحتية للمدينة، وبدأ تحول البلاد إلى قوة تكنولوجية رائدة وسلمية حول العالم. ولاحظت ألمارثيغي أن أقدم أخبار عن اليابان وصلت إلى العالم عبر سجلات صينية تعود للقرنين الثاني والثالث الميلاديين، وأن الحضارة الصينية كانت ذات تأثير في هذا البلد خلال العصور الكلاسيكية، لدرجة أن الشعراء في البلاط الياباني ومن الطبقة الأرستقراطية اليابانية كانوا يفضلون الكتابة باللغة الصينية، والأمر نفسه كان ينطبق على دراسة الآداب في الجامعة حتى القرن الثامن الميلادي، أما اللغة اليابانية فقد اكتفى اليابانيون قديماً باستخدامها في الأنواع الأدبية الثانوية مثل القصص القصيرة والحكايات الشعبية، وشكل قديم من الشعر يدعى "واكا"، أما في الوقت الراهن فتقول ألمارثيغي إن هناك قلقاً عبرت عنه الكاتبة ميناي ميزمورا في روايتها "عندما تختفي اللغة اليابانية" (2015) من ظاهرة انتشار اللغة الإنجليزية بين اليابانيين بسبب العولمة وتراجع لغتهم الأم. وضع المرأة ودونت ألمارثيغي في يومياتها كذلك أنه خلال فترة ازدهار الأدب الياباني المعروفة باسم فترة "هييآن"، والتي تمتد من القرن السابع إلى القرن الـ 12، لم يعتد الناس تسمية المرأة عند ولادتها بل كانت تحصل على اسم لاحقاً، وكان عليها أن تتعلم الموسيقى والكتابة الأدبية والرقص، مضيفة أن هناك أسطورة مفادها أنه كان من غير اللائق أن تتعلم المرأة القراءة والكتابة بصورة صحيحة، أي بالصينية، على رغم أنه لاحقاً اكتشفت بعض الحالات لنساء تعلمن الكتابة بالصينية، مثل سي شوناغون مؤلفة كتاب "وسادة النوم" وموراساكي شيكيبو مؤلفة "حكايات غنغي". وحتى هذه اللحظة، تقول ألمارثيغي، يرى المجتمع الياباني أنه من غير المفيد أن تحصل النساء على مؤهلات أعلى من أزواجهن، "فالزواج لا يزال الهدف الأكبر لمعظمهن" (ص 153)، وحالياً لا تشغل النساء سوى 10 في المئة من المناصب القيادية في الشركات اليابانية. ويعتمد المجتمع نفسه على مفهوم الـ "آي" الذي يتعلق بالنسب والتسلسل الهرمي، وتتميز العلاقات في العائلات بالوفاء واللطف، وواجب الأبناء تجاه آبائهم والنساء تجاه الرجال، ولا يزال الولاء للإمبراطور يحتل مكانة بارزة في أولويات اليابانيين الذين عادوا للوطن باعتباره عائلة كبيرة، لكن هذا لا يمنع التمسك بتراتبية طبقية تضع الـ "بوراكو" في مرتبة تجعلهم أقرب إلى المنبوذين، فهم ينحدرون من الطبقة الدنيا في عصر الإقطاع ويميزهم فقرهم وأداؤهم الدراسي المنخفض، وعلى رغم الإعلان رسمياً عام 1871 أنهم متساوون مع باقي طبقات المجتمع، فإن الأحياء التي يعيشون فيها معروفة، وفي نهاية القرن الـ 20 اكتشف وجود شركات تشتري معلومات عن موظفيها لمعرفة إذا كانوا منتمين إلى تلك الطبقة أم لا. وعلى رغم منع الدعارة رسمياً في اليابان عام 1956 أثناء الاحتلال الأميركي، باعتبارها من وجهة نظر المحتل نموذجاً لسلوك منحرف وحرية مفرطة، جرى تقنين أنواع من الممارسات الجنسية باتت تشكل حالياً جزءاً من صناعة الترفيه اليابانية، والتي تعد أكبر صناعة إباحية في العالم بربح يزيد على 30 ألف مليون يورو، وتعد هذه الصناعة المصدر الثاني للدخل في البلاد وأهم مظاهرها رسوم الـ "مانغا" والـ "إنيمي" وألعاب الفيديو، ومع ذلك يظل الاقتصاد الياباني أكثر اقتصادات العالم ديوناً. تجانس روحي وفي ضوء حقيقة أن أكثر من 37 في المئة من اليابانيين تزيد أعمارهم على 65 سنة، فقد تزايدت الحاجة إلى الاعتماد في العمل على الروبوتات بأقصى درجة ممكنة، كما أرست الحكومة سياسة هجرة لجذب العمال المؤهلين، ومع ذلك لم يحصل سوى 600 عامل على تأشيرة عام 2019، مع أن المطلوب 65 ألف عامل سنوياً، ومع ذلك يعاني المجتمع الياباني ظاهرة الـ "نيت"، وهم الشبان العاطلون الين تتراوح أعمارهم ما بين 14 و35 سنة، و في عام 2014 كان هناك 600 ألف شخص من الـ "نيت"، ويقدر أن هناك مليوني "فريتر" أو العاطلين من الشباب المتعلمين والذين يعملون في وظائف غير ثابتة. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وتخلص ألمارثيغي في هذا الصدد إلى أن أكثر ما يقلق اليابانيين في الوقت الراهن هو التفاوت الاجتماعي والتطور الصيني، ورأت الكاتبة الإسبانية أن الثقافة اليابانية متجانسة بما أن اليابان لم تشهد غزواً منذ محاولة المغول غزوها خلال القرن الـ 13، والاحتلال الأميركي عام 1945، أما ديانة اليابان الـ "شنتوية" فتعترف بعدد كبير من الآلهة أو أرواح الطبيعة "كامي ساما"، منهم "أماتيراسو" إلهة الشمس مصدر الضوء والحرارة والرحمة، والتي تنحدر منها العائلة الإمبراطورية، وتقول ألمارثيغي "يلجأ اليابانيون إلى الـ 'شنتوية' للحصول على المساعدة في هذه الحياة، وإلى البوذية للوصول إلى الخلود في الحياة الأخرى". تناقضات التقدم ومن واقع زياراتها لكثير من المدن اليابانية مستخدمة القطار، لاحظت ألمارثيغي أن محطات القطار هي بمثابة المركز في عالم اليابانيين، إذ يدور كل شيء حولها ويمكن هناك العثور على أي شيء، وهناك قطار فائق السرعة يسمى "كوداما"، وهو كما تقول الكاتبة يحمل اسم زوجة خورخي لويس بورخيس، ماريا كوداما، التي ترجمت مع زوجها مختارات من "كتاب الوسادة" لسي شوناغون التي كانت خادمة في القصر الياباني خلال القرن الـ 18، ووفقاً لشوناغون فإن "أفضل ما في قضاء ليلة مع من تحب هو الرسائل التي يرسلها لك في اليوم التالي". وفي مكاتب المعلومات هناك دائماً من يتحدث الإنجليزية "ويقدم الإرشادات بأدب لا متناه" (ص 47)، ودوّنت الكاتبة في يومياتها ملاحظة مفادها أن "الدخول إلى مركز منتدى طوكيو الدولي يشبه ابتلاعك من قبل حوت يونس" (ص 51)، كما نشرت مقتطفات من قصائد كتبها رهبان وشعراء من طائفة الـ "زن" البوذية وهم يتجهزون للموت، ويبرز على لوحة صانع الأفلام ياسوغيرو أوزو، شعار "مو" و يعني اللاشيء. يتركز 80 في المئة من سكان اليابان بين طوكيو وفوكوكا، وتعد اليابان ثاني أكبر اقتصاد في آسيا وثالث أكبر اقتصاد في العالم، ومع ذلك ففي شهر أكتوبر (تشرين الأول) عام 2009 نشرت وزارة العدل تقريراً يقول إن 22 مليون شخص يعانون الفقر، وكشفت دراسة أخرى أن واحدة من كل ثلاث نساء يابانيات تتراوح أعمارهن بين 20 و64 سنة تعشن وحيدات، ووفق لتقرير لـ "يونيسف" فإن اليابان تعاني أعلى معدلات الفقر لدى الأطفال في العالم المتقدم، وتملك في الوقت نفسه أعلى معدل للمتعلمين في العالم بنسبة 98 في المئة. ومع أن اليابان انحازت خلال تسعينيات القرن الماضي رسمياً إلى الاقتصاد الليبرالي لكن "العاطفة لا تزال أكثر أهمية بالنسبة إلى اليابانيين من الربح الاقتصادي" (ص 111).

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store