
كاتبة إسبانية تكتشف أحوال اليابان بعد نصف قرن من التعافي
وهنا تتكئ ألمارثيغي على يوميات دونتها خلال رحلتي سفر إلى بلد ياسوناري كاواباتا وأكيرا كوروساوا، الأولى كانت عام 2008 والثانية 2019، كما تتكئ على ذاكرتها بعدما فقدت بعض يوميات الرحلتين، وتستند إلى كثير من المراجع المتصلة باليابان قديماً وحديثاً، وتورد مقتطفات منها خصوصاً في النواحي الثقافية لهذا البلد الذي تمكن من التعافي بعد الهزيمة المدوية في الحرب العالمية الثانية حتى بات اقتصاده يحتل المرتبة الثالثة عالمياً.
ومن تلك المراجع كتاب "متعة الأدب الياباني" لدونالد كين، وكتاب "حكايات اليابان القديمة" لتاكيغيرو هاسيغاوا، و"كتاب الساموراي"، وفيلم "شارع العار" ميزوغوتشي، ورسائل من ميشيما إلى كواباتا، وخطاب الأخير لدى تلقيه جائزة نوبل في الأدب عام 1968، وكتاب "في الطريق إلى أوكو ويوميات سفر أخرى" للشاعر باشو.
كتاب الرحلة (دار العربي)
والكتاب ترجمته من الإسبانية إلى العربية آية عبدالرحمن أحمد لحساب "دار العربي" في القاهرة التي سبق أن نشرت لباتريثيا ألمارثيغي ترجمة روايتها "ذكريات الجسد" تحت عنوان "راقصة الباليه"، وترجمة كتابها في أدب الرحلات "اكتشاف إيران".
تأثير الصين
وفي سياق سعيها إلى التعافي شيدت اليابان خلال الخمسينيات والستينيات مساكن الـ "دانشي" أو المباني السكنية العامة في ضواحي المدن، لكن لم يعد يسكنها الآن سوى ذوي الدخل المنخفض من كبار السن، ورأت ألمارثيغي أنه بفضل استضافة طوكيو أولمبياد عام 1964 تجددت البنية التحتية للمدينة، وبدأ تحول البلاد إلى قوة تكنولوجية رائدة وسلمية حول العالم.
ولاحظت ألمارثيغي أن أقدم أخبار عن اليابان وصلت إلى العالم عبر سجلات صينية تعود للقرنين الثاني والثالث الميلاديين، وأن الحضارة الصينية كانت ذات تأثير في هذا البلد خلال العصور الكلاسيكية، لدرجة أن الشعراء في البلاط الياباني ومن الطبقة الأرستقراطية اليابانية كانوا يفضلون الكتابة باللغة الصينية، والأمر نفسه كان ينطبق على دراسة الآداب في الجامعة حتى القرن الثامن الميلادي، أما اللغة اليابانية فقد اكتفى اليابانيون قديماً باستخدامها في الأنواع الأدبية الثانوية مثل القصص القصيرة والحكايات الشعبية، وشكل قديم من الشعر يدعى "واكا"، أما في الوقت الراهن فتقول ألمارثيغي إن هناك قلقاً عبرت عنه الكاتبة ميناي ميزمورا في روايتها "عندما تختفي اللغة اليابانية" (2015) من ظاهرة انتشار اللغة الإنجليزية بين اليابانيين بسبب العولمة وتراجع لغتهم الأم.
وضع المرأة
ودونت ألمارثيغي في يومياتها كذلك أنه خلال فترة ازدهار الأدب الياباني المعروفة باسم فترة "هييآن"، والتي تمتد من القرن السابع إلى القرن الـ 12، لم يعتد الناس تسمية المرأة عند ولادتها بل كانت تحصل على اسم لاحقاً، وكان عليها أن تتعلم الموسيقى والكتابة الأدبية والرقص، مضيفة أن هناك أسطورة مفادها أنه كان من غير اللائق أن تتعلم المرأة القراءة والكتابة بصورة صحيحة، أي بالصينية، على رغم أنه لاحقاً اكتشفت بعض الحالات لنساء تعلمن الكتابة بالصينية، مثل سي شوناغون مؤلفة كتاب "وسادة النوم" وموراساكي شيكيبو مؤلفة "حكايات غنغي".
وحتى هذه اللحظة، تقول ألمارثيغي، يرى المجتمع الياباني أنه من غير المفيد أن تحصل النساء على مؤهلات أعلى من أزواجهن، "فالزواج لا يزال الهدف الأكبر لمعظمهن" (ص 153)، وحالياً لا تشغل النساء سوى 10 في المئة من المناصب القيادية في الشركات اليابانية.
ويعتمد المجتمع نفسه على مفهوم الـ "آي" الذي يتعلق بالنسب والتسلسل الهرمي، وتتميز العلاقات في العائلات بالوفاء واللطف، وواجب الأبناء تجاه آبائهم والنساء تجاه الرجال، ولا يزال الولاء للإمبراطور يحتل مكانة بارزة في أولويات اليابانيين الذين عادوا للوطن باعتباره عائلة كبيرة، لكن هذا لا يمنع التمسك بتراتبية طبقية تضع الـ "بوراكو" في مرتبة تجعلهم أقرب إلى المنبوذين، فهم ينحدرون من الطبقة الدنيا في عصر الإقطاع ويميزهم فقرهم وأداؤهم الدراسي المنخفض، وعلى رغم الإعلان رسمياً عام 1871 أنهم متساوون مع باقي طبقات المجتمع، فإن الأحياء التي يعيشون فيها معروفة، وفي نهاية القرن الـ 20 اكتشف وجود شركات تشتري معلومات عن موظفيها لمعرفة إذا كانوا منتمين إلى تلك الطبقة أم لا.
وعلى رغم منع الدعارة رسمياً في اليابان عام 1956 أثناء الاحتلال الأميركي، باعتبارها من وجهة نظر المحتل نموذجاً لسلوك منحرف وحرية مفرطة، جرى تقنين أنواع من الممارسات الجنسية باتت تشكل حالياً جزءاً من صناعة الترفيه اليابانية، والتي تعد أكبر صناعة إباحية في العالم بربح يزيد على 30 ألف مليون يورو، وتعد هذه الصناعة المصدر الثاني للدخل في البلاد وأهم مظاهرها رسوم الـ "مانغا" والـ "إنيمي" وألعاب الفيديو، ومع ذلك يظل الاقتصاد الياباني أكثر اقتصادات العالم ديوناً.
تجانس روحي
وفي ضوء حقيقة أن أكثر من 37 في المئة من اليابانيين تزيد أعمارهم على 65 سنة، فقد تزايدت الحاجة إلى الاعتماد في العمل على الروبوتات بأقصى درجة ممكنة، كما أرست الحكومة سياسة هجرة لجذب العمال المؤهلين، ومع ذلك لم يحصل سوى 600 عامل على تأشيرة عام 2019، مع أن المطلوب 65 ألف عامل سنوياً، ومع ذلك يعاني المجتمع الياباني ظاهرة الـ "نيت"، وهم الشبان العاطلون الين تتراوح أعمارهم ما بين 14 و35 سنة، و في عام 2014 كان هناك 600 ألف شخص من الـ "نيت"، ويقدر أن هناك مليوني "فريتر" أو العاطلين من الشباب المتعلمين والذين يعملون في وظائف غير ثابتة.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتخلص ألمارثيغي في هذا الصدد إلى أن أكثر ما يقلق اليابانيين في الوقت الراهن هو التفاوت الاجتماعي والتطور الصيني، ورأت الكاتبة الإسبانية أن الثقافة اليابانية متجانسة بما أن اليابان لم تشهد غزواً منذ محاولة المغول غزوها خلال القرن الـ 13، والاحتلال الأميركي عام 1945، أما ديانة اليابان الـ "شنتوية" فتعترف بعدد كبير من الآلهة أو أرواح الطبيعة "كامي ساما"، منهم "أماتيراسو" إلهة الشمس مصدر الضوء والحرارة والرحمة، والتي تنحدر منها العائلة الإمبراطورية، وتقول ألمارثيغي "يلجأ اليابانيون إلى الـ 'شنتوية' للحصول على المساعدة في هذه الحياة، وإلى البوذية للوصول إلى الخلود في الحياة الأخرى".
تناقضات التقدم
ومن واقع زياراتها لكثير من المدن اليابانية مستخدمة القطار، لاحظت ألمارثيغي أن محطات القطار هي بمثابة المركز في عالم اليابانيين، إذ يدور كل شيء حولها ويمكن هناك العثور على أي شيء، وهناك قطار فائق السرعة يسمى "كوداما"، وهو كما تقول الكاتبة يحمل اسم زوجة خورخي لويس بورخيس، ماريا كوداما، التي ترجمت مع زوجها مختارات من "كتاب الوسادة" لسي شوناغون التي كانت خادمة في القصر الياباني خلال القرن الـ 18، ووفقاً لشوناغون فإن "أفضل ما في قضاء ليلة مع من تحب هو الرسائل التي يرسلها لك في اليوم التالي".
وفي مكاتب المعلومات هناك دائماً من يتحدث الإنجليزية "ويقدم الإرشادات بأدب لا متناه" (ص 47)، ودوّنت الكاتبة في يومياتها ملاحظة مفادها أن "الدخول إلى مركز منتدى طوكيو الدولي يشبه ابتلاعك من قبل حوت يونس" (ص 51)، كما نشرت مقتطفات من قصائد كتبها رهبان وشعراء من طائفة الـ "زن" البوذية وهم يتجهزون للموت، ويبرز على لوحة صانع الأفلام ياسوغيرو أوزو، شعار "مو" و يعني اللاشيء.
يتركز 80 في المئة من سكان اليابان بين طوكيو وفوكوكا، وتعد اليابان ثاني أكبر اقتصاد في آسيا وثالث أكبر اقتصاد في العالم، ومع ذلك ففي شهر أكتوبر (تشرين الأول) عام 2009 نشرت وزارة العدل تقريراً يقول إن 22 مليون شخص يعانون الفقر، وكشفت دراسة أخرى أن واحدة من كل ثلاث نساء يابانيات تتراوح أعمارهن بين 20 و64 سنة تعشن وحيدات، ووفق لتقرير لـ "يونيسف" فإن اليابان تعاني أعلى معدلات الفقر لدى الأطفال في العالم المتقدم، وتملك في الوقت نفسه أعلى معدل للمتعلمين في العالم بنسبة 98 في المئة.
ومع أن اليابان انحازت خلال تسعينيات القرن الماضي رسمياً إلى الاقتصاد الليبرالي لكن "العاطفة لا تزال أكثر أهمية بالنسبة إلى اليابانيين من الربح الاقتصادي" (ص 111).
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ 7 ساعات
- Independent عربية
سلمى لاغرلوف تستكشف الحب المحرم في الديار الإسكندنافية
يبقى اسم "غوستا برلنغ"، بالنسبة إلى هُواة السينما، مرتبطاً باسم "الآنسة غوستافسون" التي سيخلدها تاريخ السينما باسم غريتا غاربو. صحيح أن "ملحمة غوستا برلنغ" لم يكن فيلمها الأول، لكنه كان الفيلم الأول الذي يحمل في ملصقاته اسمها الجديد الذي اختاره لها مكتشفها المخرج موريتس ستيلر الذي ما لبث أن رافقها إلى هوليوود، بعد بدايتيهما السويديتين، وسرعان ما انطفأ هو لتحقق هي، في عاصمة السينما الأميركية والعالمية، مجدها الكبير. ومع ذلك فإنها ليست في ذلك الفيلم من يحمل العنوان اسمه. فصاحب الاسم رجل هو صاحب الدور الرئيس، وهو إلى ذلك كائن عرفت الكاتبة سلمى لاغرلوف كيف ترسم شخصيته بقوة واقتدار سيكونان بعد صدور الرواية، التي سيقتبس الفيلم منها، سبباً في منحها جائزة نوبل لتكون أول امرأة تنالها في تاريخ الأدب. وكذلك كانت على الأرجح أول امرأة يقتبس الإسكندنافيون فيلماً كبيراً عن قصة من تأليفها. أما ما الذي أتت الآنسة غوستافسون لتفعله في كل هذه الخلطة فأمر لا يعدو كونه خبطة إعلانية. مصالحة مبكرة لقد حقق موريتس ستيلر هذا الفيلم في عام 1923، يوم كانت السينما لا تزال صامتة، وكان واحداً من أوائل الأفلام السويدية التي حققت نجاحاً عالمياً. طبعاً، يمكن أن يعزى هذا النجاح إلى حضور غريتا غاربو باسمها الجديد هذا، في الفيلم، لكن هذا لا يكفي، إذ إن العنصر الرئيس هنا هو حكاية الفيلم نفسها. فالحكاية مقتبسة من رواية شهيرة للكاتبة سلمى لاغرلوف التي كانت اشتهرت بحصولها على جائزة نوبل للآداب. وكانت "ملحمة غوستا برلنغ"، أول رواية كتبتها لاغرلوف، وهي نشرتها عام 1891 لتنقل إلى الملأ مناخ الأساطير والحكايات الشعبية كما كان سائداً في مسقط رأسها، منطقة "فورملاند" السويدية. من هنا، حين عرض ستيلر فيلمه، كان الناس جميعاً ينتظرونه، إذ إن معظم السويديين، وعدداً كبيراً من الأوروبيين، كانوا قرأوا الرواية، وباتوا على تماس تام مع أحداثها، ومناخاتها. ولا بد من أن نبادر هنا للفت النظر إلى أن رواية سلمى لاغرلوف طويلة، وتقع في جزءين، وتشمل أحداثاً تمتد على مدى طويل من السنوات، كما أنها مليئة بالشخصيات والحبكات الجانبية. وحين حقق ستيلر فيلمه، كان عليه - في الطبع - أن يختصر ويكثف، غير أن الكاتبة نفسها لم يفتها، حين شاهدت الفيلم، أن تشير إلى أنه أتى أميناً لروح روايتها، مكثفاً أحداثها. من هنا، اعتبر الفيلم، في ذلك الحين، نوعاً من المصالحة بين الأدب وفن السينما. كاهن غريب الأطوار مهما يكن من أمر، فإن ما استعاره موريتس ستيلر من رواية سلمى لاغرلوف وركز عليه، إنما كان الشخصيات الأساسية والأحداث الرئيسة. وفي مقدم ذلك بالطبع شخصية غوستا برلنغ نفسه، ذلك القسيس الشاب الذي بدا للرعية، منذ بداية تسلمه الأبرشية، في "الفورملاند"، غريب الأطوار، ميالاً إلى ممارسة نوع من السحر على النساء اللواتي، إذ يفتنهن جماله وبساطته، يغضضن الطرف عن ميله إلى الشراب وضروب الفسق. وكان يمكن للأمور أن تبقى على تلك الحال لولا أن أعيان الرعية يتأففون من الوضع لينتهي بهم الأمر إلى إبلاغ المطران رغبتهم في التخلص من القسيس الشاب. وإذ يستجيب المطران لذلك الطلب لا يكون منه إلا أن يطرد غوستا برلنغ من الرعية، بل حتى من البلدة كلها، فيهيم المطرود وقد أضحى منبوذاً بأمر من السلطة الكنسية، على وجهه في البراري شريداً مطارداً، حتى اللحظة التي ينضم فيها إلى عصبة من "الفرسان" تطلق على نفسها اسم "فرسان أكباي". ومنذ لحظة اللقاء تختلط حياة غوستا برلنغ بحياة "الفرسان" الذين هم في مجموعهم جنود سابقون يعيشون حياة مغامرات وبوهيمية، وكل واحد منهم يعتقد نفسه فناناً خطراً. وتتزعم هؤلاء جميعاً سيدة يطلقون عليها اسم "المعلمة". الحياة الجديدة مستحيلة وإذ ينضم غوستا برلنغ إلى المجموعة يخيل إليه أنه بدأ هذه المرة حياة هادئة ممتعة مليئة بالمغامرات الآمنة وبالرفاق والشراب وما شابه ذلك، ولكن حتى هنا يبدو أن سوء الحظ يصر على مطاردة القسيس السابق، حيث تتدخل الأقدار لتسوء العلاقات بين الفرسان، ويصل بعضهم إلى حد اتهام "المعلمة" بالزنى، ما يدفع بزوجها إلى طردها فتنطلق هي الأخرى هذه المرة لتعيش حياة تشرد وتسول، بينما يسيطر الفرسان على المكان في صورة كاملة، مطلقين العنان لفسادهم ولا مبالاتهم، فيتوقفون عن استغلال المناجم التي كانت تؤمن لهم رخاء العيش، ويبذرون ما كان تراكم قبلاً من خيرات. أما بالنسبة إلى غوستا برلنغ، فيبدو واضحاً أن لعنة ما حلت عليه هو نفسه الآن بعدما كان اعتاد أن يحمل سوء الطالع إلى الآخرين. وهكذا، يسوء وضعه كما يسوء وضع الفرسان، ويبدأ القوم معاملتهم بغلظة مجبرين إياهم على العودة إلى العمل إن هم أرادوا مواصلة عيشهم. ويتبين أن ما حل بهم، إنما كان بسبب سوء معاملتهم تلك المرأة التي كانت طيبة على الدوام معهم. ويحدث أن تعود "المعلمة" إلى المكان، في اللحظة التي تكون أوضاع الفرسان وصلت إلى الحضيض. تعود لتموت هناك، لكنها قبل موتها تعلن أمامهم أنها سامحتهم على إساءتهم تجاهها. سامحتهم نعم، لكن ذلك لن يعيد الأمور إلى ما كانت عليه من قبل. مختارات على شكل فيلم طبعاً، لم يكن هذا تماماً ما صوره موريتس ستيلر في فيلمه. بل إنه ركز على سرد فصول محدودة من حياة غوستا برلنغ، قبل طرده وبعده، جاعلاً من حياة الفرسان الآخرين ومغامراتهم مجرد إطار لها. من هنا، يركز الفيلم على حكاية هيام "المعلمة" مرغريتا بالقسيس الشاب. وهي إذ تجد صداً منه، وإذ تفيق لديها فجأة ذكريات غرام قاتل مضى في حياتها، تجد نفسها تواقة إلى "التطهر" من كل ذلك، وتحرق البيت فتسجن. وفي النهاية تجد نفسها مضطرة إلى التخلي عن حبها لغوستا برلنغ أمام حب آخر يعيشه هو مع الحسناء إليزابيث المتزوجة أيضاً بشخص بليد لا معنى له. وإليزابيث هذه كانت أغرمت سابقاً بغوستا برلنغ، لكنها لم تعترف لنفسها بذلك الحب. عند ذلك الحد من الحكاية تنضم إليزابيث إلى غوستا برلنغ الذي نجا من الحريق، وتهرب معه إلى الغابات المغطاة بالثلوج، وهناك تبدأ الذئاب الضارية مطاردتهما، لكنهما يتمكنان من الإفلات، ويقرر غوستا برلنغ أن يعيد إليزابيث إلى ديارها وإلى زوجها، ولكن، إذ يصلان إلى المدينة، تكتشف إليزابيث أن ليس في وسعها البقاء مع هنريك، زوجها، أكثر من ذلك. تكتشف أنها لم تعد قادرة على أن تحيا من دون غوستا برلنغ. ويقرر الاثنان البقاء معاً، على رغم كل شيء، أما غوستا فيبدأ بإعادة بناء ما دمره الحريق. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) هرباً من ضجر التدريس إن الفارق في الأحداث بين الفيلم والرواية كبير، غير أن هذا لم يمنع الفيلم من أن يعكس ما تتضمنه الرواية من تركيز على عالم الفولكلور الإسكندنافي ذي الخصوصية: الحب المحرم الذي يقع فيه القسيس، الجولات الصاخبة في الليل الثلجي، حكاية "الفرسان" وما فيها من عناصر مغامرة وبوهيمية... إلى آخره. صحيح أن الفيلم ضيق إطار المكان الذي تدور فيه الأحداث، إذ يحول الحيز المكاني من آفاق الطبيعة الواسعة، إلى أماكن خاصة مغلقة في معظم الأحيان، غير أن روح الانعتاق والعلاقة مع الطبيعة ظلت ماثلة، مما جعل الفيلم يعتبر مثالياً في هذا المجال، وواحداً من أوائل الأفلام الأدبية في تاريخ السينما. أما بالنسبة إلى سلمى لاغرلوف فهي ولدت عام 1858 في مدينة مارباكا في منطقة الفورملاند السويدية التي جعلتها مسرح معظم رواياتها. أما "ملحمة غوستا برلنغ" فكانت رواية أولى، كتبتها ذات لحظة سأم في حياتها، حين كانت بدأ تخوض مهنة التدريس "المضجرة"، وفق ما تقول. وحققت الرواية نجاحاً كبيراً منذ نشرها، وجعلت القراء يقبلون أكثر فأكثر على قراءة هذا النوع من الأدب الذي يمجد العواطف في الوقت نفسه الذي يمجد الطبيعة والعلاقة معها. وعاشت سلمى لاغرلوف حتى عام 1940، وكتبت عشرات النصوص، منها نص عن "القدس" كتبته إثر عام أمضته بين مصر وفلسطين أوائل القرن الـ20. وهي نالت جائزة نوبل للآداب عام 1909 عن كتابها "مثالية شامخة، خيال حي، وتلف روحي"، ومع هذا تظل "ملحمة غوستا برلنغ" أهم أعمالها وأجملها، هي التي عرفت كذلك بمناصرتها حقوق المرأة، ووقوفها إلى جانب السلم وضد الحروب كافة.


صدى الالكترونية
منذ يوم واحد
- صدى الالكترونية
القاهرة 1942:مشاهد توثق زمنًا من الرقي والهدوء .. فيديو
تُظهر صور نادرة تعود لعام 1942 ملامح مختلفة للعاصمة المصرية، حيث بدت القاهرة مدينة هادئة ومنظمة، تتزين بمعمار أوروبي الطابع، وشوارع فسيحة تخلو من الازدحام المعتاد. ففي تلك الفترة، شهدت المدينة طفرة عمرانية، خاصة في منطقة 'وسط البلد'، التي تأثرت بالطراز الباريسي من حيث التصميم العمراني والنمط المعماري. وبرزت مبانٍ شهيرة مثل 'عمارة الإيموبيليا'، التي مثّلت حينها نموذجًا للحياة الحضرية الحديثة، واحتضنت كبار الفنانين والمثقفين. كما تميز حي الزمالك بأبنيته ذات الطابع الفني المميز، ما بين 'الآرت ديكو' والنيوكلاسيكي، واحتوى على معالم بارزة مثل قصر الأمير عمرو إبراهيم، الذي يعكس تنوع الطرز المعمارية في المدينة آنذاك. وفي الشوارع، بدت الحركة بطيئة وهادئة، حيث كانت عربات الخيل تسير إلى جانب سيارات نادرة، في مشهد يعكس تأثير الحرب العالمية الثانية على نمط الحياة اليومية، خاصة مع محدودية الوقود ووسائل النقل الحديثة.


Independent عربية
منذ 2 أيام
- Independent عربية
فرانشيسكا جانونيه توثق بواكير النسوية في إيطاليا
تبدأ رواية "ساعية البريد" La Portalettere، للكاتبة الإيطالية فرانشيسكا جانونيه، بـ"تمهيد" يتضمن إعلان خبر وفاة "أنا آلافين" عن عمر ناهز 44 سنة، في الـ13 من أغسطس (آب) 1961، وصداه الحزين خصوصاً عند نساء البلدة. وتنتهي بخاتمة تسرد مشهد جنازتها المهيب، حيث حمل زملاء عملها ومعهم ابنها الوحيد النعش تتوجه قبعة الراحلة المنقوشة بـ"شعار النبالة" الخاص بهيئات البريد الإيطالية، وسط حشد من المشيعين من الرجال والنساء المكللين بملابس سوداء. من هذه النقطة ينطلق السرد في الرواية التي صدرت عام 2023 وترجمتها علا محمود من الإيطالية إلى العربية وصدرت عن "دار العربي" القاهرية، بمساهمة من "مركز الكتب والقراءة" التابع لوزارة الثقافة الإيطالية. تتوزع الرواية التي جاءت نسختها العربية في 520 صفحة، بعد "التمهيد"، على ثلاثة أجزاء، يبدأ أولها بوصول "أنا" إلى البلدة الجنوبية آتية من الشمال في صيف عام 1934 مع زوجها "كارلو غريكو". ومن ثم يمضي السرد الذي يتولاه راوٍ عليم، طولياً لمدة 27 عاماً، مازجاً بين الخاص المتعلق بأسرة "غريكو" بتتبع أحوالها، من الترابط إلى التشرذم، والعام المتعلق بإيطاليا منذ صعود نجم موسوليني وحزبه الفاشي وتحالفه مع ألمانيا النازية، وحلم "إيطاليا الأفريقية"، والهزيمة في الحرب العالمية الثانية، والسماح للمرة الأولى للنساء بالتصويت في الانتخابات، ثم التجاذب بين الاشتراكية والرأسمالية، وبين الكنيسة والأفكار التقدمية، وخصوصاً ما يتعلق منها بحقوق النساء. الشمال والجنوب تختلف البداية في هذه الرواية التي ترجمت إلى أكثر من 35 لغة، عن النهاية جذرياً، فعندما وصلت "أنا" إلى "ليتسانيلو"، بلدة زوجها، القريبة من مدينة ليتشي، عوملت على أنها "أجنبية"، بما أنها نشأت في شمال إيطاليا، وتحديداً في مدينة "بينيا"، التابعة لإقليم ليغوريا والقريبة من الحدود مع فرنسا، في وسط يختلف عن نظيره في الجنوب في العادات والتقاليد، وحتى في نطق بعض مفردات اللغة الإيطالية. كانت تتحدث بين الحين والآخر بالفرنسية، فضلاً عن تمتعها بشخصية قيادية، مما جعلها تبدو وكأنها أجنبية فعلاً عن الوسط الجديد الذي وجدت نفسها في قلبه، ضمن واحدة من عائلاته المميزة بما تملكه: بستان يزخر بأشجار التين والخوخ والرمان والبرتقال والمشمش واللوز، ومعصرة زيتون، قبل أن يضاف إليها كرم ومصنع نبيذ، نجح الشقيق الأصغر في إنشائهما وإدارتهما مما أهله للفوز بمنصب عمدة "ليتسانيلو". الرواية المترجمة (دار العربي) في مسقط رأسها كانت "أنا" تعمل معلمة في مدرسة ابتدائية، ومن اللحظة الأولى لوصولها إلى بلدة زوجها ليستقر فيها بعد غياب عنها دام 10 أعوام، استشعرت انجذاب شقيقه الأكبر "أنطونيو" نحوها، فقد اعتبرها - في قرارة نفسه - "أجمل امرأة رآها في حياته"، ومن ثم انطوت سريرته على حسد لشقيقه، ونقمة على زوجته الخاملة التي ليس لديها ما تتباهى به سوى إجادتها الأعمال المنزلية. هي أيضاً انجذبت إليه، فقد كان الوحيد الذي شاركها شغف القراءة، كما كانت تراه أكثر جدية واتزاناً من زوجها، لكنها عمدت إلى كبت مشاعر الانجذاب تلك، كي لا تفسد العلاقة بين الشقيقين، وواصلت ذلك حتى بعدما ترملت. "التجاذب الاختياري" في هذا السياق حرصت "أنا" على أن تكتب لـ"أنطونيو" قبل ساعات من وفاتها، رسالة تبدي فيها تفهمها مشاعر الجفاء التي تبادلاها أعواماً أعقبت وفاة "كارلو"، وزادت حدتها بعدما اتهمها بأنها شجعت ابنته على ترك زوجها وطفلتهما، للحاق بحبيبها الذي هاجر إلى نيويورك، واتهامها إياه بأنه كاد يدفعها ذات يوم إلى خيانة شقيقه الأصغر، عندما احتضنها في مكتبه وقبلها من شفتيها، لولا أنها صدته وصدت نفسها أيضاً بحسم. في الرسالة ذكرته برواية "التجاذب الاختياري" لغوته، وخصوصاً السؤال الوارد في متنها عما يمكن أن يحدث لعلاقة بين عنصرين إذا تداخل بينهما عنصر ثالث: "الحقيقة يا عزيزي أنطونيو هي أننا طوال هذا الوقت كنا في حاجة إلى أن يكره بعضنا بعضاً. كان هذا هو سبيلنا الوحيد كي لا نخون كارلو. كدت أحبك أكثر مما أحببت كارلو، ولم أكن لأسمح بهذا قط، فكارلو لم يكن يستحق مني ذلك"، ص 515 و516. لم تقبل "أنا" بأن تبقى مجرد ظل لزوجها الطموح، أو أن تستسلم لنظرة أهل البلدة لها على أنها أجنبية. ولذلك قررت أن تصدم الجميع بأن سعت إلى أن تحل محل "ساعي البريد"، في البلدة بمجرد موته. ولم يجد مدير مكتب البريد أنسب منها لشغل الوظيفة بما أنها كانت متعلمة بصورة فضلى، مقارنة بمن تقدم إلى الوظيفة نفسها من الذكور. بيت للنساء وهكذا باتت "أنا" أول امرأة تشغل وظيفة ساعية بريد في هذه البلدة الواقعة في الجنوب الإيطالي المنغمس آنذاك في ثقافة ذكورية متأصلة وتصعب خلخلتها. ثم كانت الصدمة التالية، عندما نشطت "أنا" في تحفيز نساء البلدة على المشاركة في المطالبة بإقرار حق النساء في التصويت في الانتخابات، للمرة الأولى أيضاً على مستوى إيطاليا، الخارجة للتو من أتون الحرب العالمية الثانية التي راح ضحيتها الآلاف من الشباب الإيطالي. وفوق ذلك، فإنها رفضت أن تعطي صوتها لزوجها في الانتخابات البلدية التي رشحه الحزب الديمقراطي المسيحي لخوضها في بلدة "ليتسانيلو"، حتى لا تخالف مبادئها الاشتراكية. وأخيراً كان عليها أن تتحدى المجلس البلدي، والكنيسة، وتصر على تأسيس بيت للنساء المعنفات، مما نجحت في تحقيقه بفضل المال الذي ورثته عن زوجها بعد وفاته في ذروة نجاحه المهني متأثراً بسرطان الرئة. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) عقب عودته إلى مسقط رأسه، بعدما تخطى الـ30 من عمره، يلجأ "كارلو" إلى "تشيتشو"، صانع النبيذ المتقاعد، ليساعده في أن يزرع أرضاً ورثها عن خاله، عنباً، يصلح لإنتاج نبيذ من نوع جيد. سيطلق على المشروع "كرم غريكو"، وسيسمي إنتاجه من النبيذ "دونا أنا"، مستلهماً اسم زوجته. في البداية سيتردد "تشيتشو" في مساعدة "كارلو"، لأن الأخير أخلف وعده لابنته "كارميلا" بالزواج منها، وتزوج من "أجنبية". عرف "كارلو" لاحقاً أن "دانييليه" الذي يحمل لقب عائلة "نيكولا" الذي تزوجته "كارميلا"، على رغم أنه يكبرها بـ20 عاماً، هو في الحقيقة ابنه هو وجاء ثمرة لقاء حميم جمعه بأمه خلال زيارة سريعة قام بها للبلدة ليحضر حفل زفاف شقيقه "أنطونيو". في البداية لم تخبره "كارميلا" بأمر حملها منه. ورأت أنه "لا يستحق أن يكون أباً لهذا الطفل"، ص 85. لكنها أخبرت أباها "تشيتشو"، الذي قرر أن يزوجها من "نيكولا كارلا"، لدرء الفضيحة، ومن ثم حمل المولود لقب الزوج الذي لم يشك للحظة أنه من صلبه. لاحقاً سيرى "تشيتشو"، وستوافقه ابنته الرأي، أن أفضل طريقة لجعل "كارلو" يستشعر أبوته تجاه "دانييليه" هو أن يدفع بالأخير، وكان في نحو الـ12 من عمره، إلى العمل في "كرم غريكو". وكانت "كارميلا" قد أبلغت "كارلو"، عقب شروعه في إنشاء ذلك الكرم بأن "دانييليه" هو ابنه البيولوجي، ثأراً لكرامتها بعد فتور حماسه لاستئناف علاقتهما الحميمية القديمة. ينجح "دانييليه" في عمله في الكرم، ويواصل العمل سراً في مجال الخياطة الذي سبق أن نهته أمه الخياطة عن ممارسته، "لأنه ليس عملاً مناسباً للرجال"، لكنها لاحقاً ستستغل سفره للعمل في فرع لـ"كرم غريكو"، أنشئ حديثاً في نيويورك، وتستولي على تصميماته لأزياء نسائية كان يحتفظ بها في بيت جدته لأمه وتنسبها إلى نفسها. ميتا سرد "دانييليه"، هو نفسه الحبيب الذي تآمر "كارلو" و"أنطونيو" ليمنعا زواجه من "لورينسيا"، ابنة الأخير، بما أنه كان ثمرة علاقة غير شرعية، كان الأول أحد طرفيها. لن تعرف "أنا" مطلقاً بأمر تلك العلاقة، ولن يساورها أي شك إزاء إخلاص "كارلو"، وستصر على تشجيع "لورينسيا" على التواصل مع "دانييليه" بعدما تأكد لها أنها لا تريد سواه شريكاً لحياتها. يمكن القول إن الرواية جاءت في حجم مبالغ فيه، بما أنها زخرت بكثير من التفاصيل التي أثقلت السرد ومن ثم كان ينبغي التخفف منها. وقد عابها في الوقت نفسه قطع الصلة تماماً بين "أنا" ومسقط رأسها وأسرتها الأصلية، مع أنها أصلاً لم تكن مرتاحة للانتقال إلى بلدة زوجها، وكانت تردد: "أشعر كأني سمكة خرجت من الماء". وعلى طريقة الميتا سرد، تورد الكاتبة تحت عنوان "شكر"، ما يفسر دقة المعلومات التي أوردتها عن مراحل زراعة العنب، وطرق حصاده المثلى، ثم عملية إنتاج النبيذ، وتكشف كذلك أن "ليتسانيلو" هي في الحقيقة مجموعة من قرى منطقة "سالينتو"، "كنت أستعير منظراً من كل قرية لأنقل للقارئ الأجواء المميزة لتلك المنطقة الجنوبية بأفضل ما أستطيع، أما سكان البلدة فهم جميعاً من وحي خيالي، ولا يمتون إلى الواقع بصلة"، ص 519، مع استثناء "أنا"، فهي جدة أم الكاتبة، في الحقيقة: "أشكر أمي كلاوديا لاحتفاظها – بكل حب ووفاء – بذكريات جدتها ساعية البريد الحقيقية، كونها كانت حفيدتها المفضلة".